رفاعة وَمونتسكيو
أحصَينا فيما سلَف جهود رِفاعة في التأليف والترجمة والنشر، ولاحظْنَا أن جهوده في الترجمة تفوق جهوده في التأليف، فقد ترجَم لمؤلِّفين مختلفين في الطب والمعادن والهندسة والاجتماع والجغرافيا. غير أننا عثرنا على بعض الأقوال التي تُشير إلى أن رِفاعة قد ترجَم لمونتسكيو فأحببْنَا أن نُناقِشها لنرى وجه الحقِّ فيها.
أشار رِفاعة في بعض شعره الذي قاله في السودان إلى أنه ترجم عن «مونتسكيو»، فقال:
فهذه إشارة واضحة، أكَّدها بعد وفاته الشيخ محمود كشك الطهطاوي الذي أشرف على تصحيح الطبعة الثانية من كتاب «مناهج الألباب»، فقد أشاد في آخره بجهد محمد بك رِفاعة (حفيد رِفاعة بك) وسعيه لنشر هذا الكتاب، وأشار إلى أن همَّته لم تقف «عند إنجاز طبع هذا الأثر، بل عزم حضرته على إحياء باقي الكُتب التي ترجَمَها جدُّه عن الفرنساوية إلى العربية كرواية «تليماك» الشهيرة، وترجمة «ملطبرون»، وترجمة «مونتسكيو»، وغير ذلك … إلخ.»
وأوْرَد بعد ذلك صورة ما كتبه الشيخ عبد الكريم سليمان إلى حفيد رِفاعة بتاريخ ١٦ جمادى الأولى سنة ١٣٣٠ﻫ، قال فيه: «فاجعل كتابي هذا غير قاصرٍ على تقريظ عملك الجديد المُفيد، ومُدَّه إلى إيجاد ذَيْنك السِّفْرين (ترجمة ملطبرون وترجمة مونتسكيو)، ولقد رويت عن عمِّك الأعزِّ — رحمه الله — أن والده الأكرم — أكرم الله مثواه — ترجمهما، وأن نُسختَهما موجودة، وأسمَعَنِي ما بَقِيتُ حافِظَه إلى الآن ممَّا يُبرهِن على أنه — طيَّب الله ثراه — تَرجَمَهما، وهو:
وعلَّق على هذا الخطاب بقوله: «ونحن نزفُّ البشرى إلى الجمهور بوجود أصل هذين الكتابين في خزانة كُتُب المؤلِّف، وتعويل حضرة حفيده الأكرم على طبعهما إجابة لطلب فضيلة الأستاذ، وحبًّا في تعميم النفع لأبناء العصر …»
وغاية ما نَستطيع أن نقول إنَّنا رجَعْنا إلى ثَبت ما تَرجَم رِفاعة من كُتُبٍ في عهدَي محمد علي وإسماعيل، فلم نجِد من بينها كتابًا لمونتسكيو، وكل ما نعرفه أنه قرأ كُتبه وهو في باريس وتأثر بها كثيرًا في بعض كُتبه، وخاصةً كتاب «مناهج الألباب المصرية» فهو مُتأثِّر فيه بكتاب «مونتسكيو»: «روح الشرائع». كذلك لم يُترجِم تلاميذه في مدرسة الألسن من كُتُب «مونتسكيو» إلا كتاب «برهان البيان وبيان البرهان في استكمال واختلال دولة الرومان»، فقد ترجمه حسن أفندي الجبيلي، وكانت الترجمة تحت إشراف أستاذه رفاعة، فقد قال المُترجِم في مقدمته: «ولم أغفل عن مراجعة الفاضل اللبيب، والكامل الأريب، الدقيق فهمه، الكثير علمه، سيدي رِفاعة أفندي، في حلِّ بعض مُشكلاته، وفكِّ ما عسُر عليَّ فهمه من معضلاته …»
ولم ينتهِ من ترجمته إلا في الثاني عشر من ربيع الآخر سنة ١٢٩٠ﻫ بعد وفاة أستاذه رفاعة. وتم طبع الكتاب بعد ثلاث سنوات في ذي القعدة سنة ١٢٩٣ﻫ.
لم يَبقَ إِذن إلا أن يكون رِفاعة قد ترجَم حقًّا بعض كُتُب «مونتسكيو»، وأجزاء أخرى من جغرافية «ملطبرون» — غير التي طُبعت — وأن مُسوَّدات هذه الكُتب ما تزال مخطوطة في مكتبته.