قلم الترجمة
أُنشئت هذه الفروع جميعًا لتخريج الموظفين الإداريين والقضاة. غير أن طلَبَتها تعلَّموا اللغات الأجنبية، وتلقَّوا علومًا جديدة حديثة إلى جانب العلوم العربية القديمة، وشاركوا إلى حدٍّ ما في حركة الترجمة. ولكن من الواجب أن نذكُر هنا كلمةً عن فرع المدرسة الذي يتَّصل اتِّصالًا وثيقًا بموضوعنا، وهو قلم الترجمة:
أُنشئ في أوائل سنة ١٢٥٨ﻫ/١٨٤١م تنفيذًا لإشارة لجنة تنظيم التعليم (١٨٤١م)، فقد رأتِ اللجنة أنه «لمَّا كانت الكتب الجاري ترجمَتُها معدودةً آثارًا خيرية من مآثر سمو مولانا الخديو الأعظم الذي تخلَّد اسمه الكريم إلى أبد الآبدين، فلا شكَّ في أن الواجب يَقضِي بأن تكون التراجم مضبوطة، مُستوفية حقَّها من الصحة، سليمةً من الخطأ. فلهذا، ولكون ترجمة كُتُب العلوم والفنون ليست مقصورةً على معرفة اللغة فحسب، بل مُتوقفة أيضًا على الإلمام بالعلم أو الفنِّ المُترجَم كتابه، فقد أنشأت اللجنة غرفة الترجمة الخاصة بالمُترجمين …»
- (١)
قلَم ترجمة الكتب العلمية والرياضية، ورئيسه «البكباشي محمد بيومي أفندي» يُعاونه «ملازم» مُتخرج في مدرسة الألسن وخمسة من تلاميذ فِرقَتها الأولى.
- (٢)
قلم ترجمة كُتُب العلوم الطبية والطبيعية، ويُشرف عليه «اليوزباشي مصطفى واطي أفندي» أحد مدرسي مدرسة الطب البشري، وتحت رئاسته ملازم من مدرسة الألسن وثلاثة من تلاميذها.
- (٣)
قلم ترجمة المواد الاجتماعية أو «الأدبيَّات» كالتاريخ والجغرافيا والمنطق والأدب والقصص والقوانين والفلسفة … إلخ، ورئيسه الملازم الأول خليفة محمود أفندي أحد مُدرِّسي مدرسة الألسن وخريجيها، وأُلحق به ملازم ثانٍ وثلاثة من تلاميذ المدرسة.
- (٤)
قلم الترجمة التركية، ويُشرف عليه ميناس أفندي المُترجم بديوان المدارس، وتحت إمرته أربعةٌ من تلاميذ المدرسة.
ثم أُلحِق بهذه الأقسام عددٌ من المُبيِّضين لتبييض الكتب بعد ترجمتها وإرسالها إلى ديوان المدارس للاطلاع عليها، فكان يشير بطبع النافع القيِّم منها.
(١) مصير هذه المؤسسة
عاشت مدرسة الألسن نحو الخمسة عشر عامًا بدأت فيها تُسيطِر على شئون الثقافة العامة في مصر، وأنتجت في إبانها الإنتاج العلمي الوفير. فلما وُلِّي العرش عباس الأول — ولم يكن على انسجام مع رجال جدِّه وعمه، وخاصةً رِفاعة — أخذ يسعى سعيَه للقضاء على هذه المدرسة، فبدأ بإِلغاء قسم الفقه بالمدرسة، ثم ثنَّى بتصفية تلاميذ المدرسة وفصْل عددٍ كبير منهم. يقول الدكتور عزت عبد الكريم: «وفي الشهر الأخير من عام ١٢٦٥ﻫ/أكتوبر ١٨٤٩م صدر الأمر بنقل مدرسة الألسن إلى مكان مدرسة المُبتديان بالناصرية. وبذلك حُرمت المدرسة من مكانها … وضاق بها مكانها الجديد حتى اضطُروا إلى نقل الكتبخانة الأفرنكية والأنتيكات إلى المهندسخانة ببولاق. ولم تمضِ أيام على ذلك حتى أُلغيت مدرسة الألسن في المحرم سنة ١٢٦٦ﻫ (نوفمبر سنة ١٨٤٩م) وضُمَّ تلامِذتها إِلى التجهيزية قُبيل إلغائها.» وفي أواخر سنة ١٢٦٦ﻫ سافر رِفاعة إلى الخرطوم ليكون ناظرًا ومُدرسًا لمدرسة الخرطوم الابتدائية؛ ولهذا حديث مُفصَّل نذكره بعد قليل.
أما قلم الترجمة فقد خضع لتجربة جديدة في الشهور القليلة التي وُلِّي فيها إبراهيم باشا، وصدر الأمر بتقسيمه تقسيمًا جديدًا إلى قلمين: قلم للترجمة التركية ويُشرف عليه «كاني بك»، وقلم للترجمة العربية ويُشرف عليه رِفاعة بك. وجُعلت الرئاسة العُليا لكاني بك، فقد نشرت الوقائع المصرية في العدد ١٢٧ الصادر في ٢٦ ذي القعدة سنة ١٢٦٤ﻫ: «لمَّا كانت ترجمة الكتب المرغوبة التي تشتمل على القوانين والتراتيب والآداب وسائر العلوم والفنون النافعة من اللغة الفرنساوية إلى التركية والعربية وطبعها ونشرها وسيلةً عُظمى لتكثير المعلومات المُقتضية، وقضيةً مسلَّمة عند أُولي النُّهى، وكان حصول ذلك لا يتأتى إلا بوجود المُترجمين البارعين في ألسنة الإفرنجي والتركي والعربي، واجتماعهم في محلٍّ واحد، وقَسمِهم إلى قلَمي ترجمة، وضمِّهم إلى نظارة حضرة أمير اللواء كاني بك وكيل ديوان التفتيش الفريد في فن الترجمة، المشهور بالسلاسة والبلاغة، حصل فتح القلمين كما ذُكِر. وقد تعيَّن حضرة رِفاعة بك أمير الآلاي الذي كان ناظر مدرسة الألسن التابعة إلى ديوان المدارس ناظرًا على قلم الترجمة العربي في معية حضرة المُومَأ إليه …»