جهود أخرى
(١) مراجعة الكتب المترجَمة في الفنون المختلفة
ستةَ عشرَ عامًا ظلَّ فيها رِفاعة ناظرًا للألسن، ومدرسًا بها، ومديرًا لها، ومُشرفًا على قلَم الترجمة، ومُصحِّحًا لجميع الكتب التي ترجمها تلاميذه. ومع هذا فقد كان يلجأ إليه — في تلك الفترة — المُترجمون من أعضاء البِعثات في المدارس الخصوصية الأخرى لمراجعة ما يُترجمون من كُتُب، فقام — وهو يدير الألسن — بمراجعة وتصحيح كُتُبٍ مُختلفة في الطب والجغرافية والرياضيات.
ففي سنة ١٢٥٢ﻫ/١٨٣٧م ترجم محمد أفندي عبد الفتاح كتاب «تُحفة القلَم في أمراض القدَم» (طب بيطري)، «وقابله على أصلِه الفرنسي العُمدة الفاضل، والحُجَّة الكامل، من لا ينازعه في الفصاحة مُنازع، حضرة رِفاعة أفندي رافع.»
وفي سنة ١٢٥٧ﻫ ترجم نفس المترجم كتاب «نزهة المَحافل في معرفة المفاصل»، وبعد أن قام على تصحيحه الشيخ مصطفى حسن كساب «قابله على أصله الفرنساوي قُدوة الأفاضل، وعمدة الأماثل، اللوذعي البارع، رِفاعة أفندي رافع.»
ولمَّا عاد السيد أحمد الرشيدي من بعثته الطبية عهِد إِليه ديوان المدارس بترجمة كتاب «الدراسة الأولية في الجغرافيا الطبيعية». ومع امتيازه في الترجمة، وحذقه للغة العربية، رأى ألا يُقدِّم الكتاب إِلى المطبعة إِلا بعد أن يُراجعه مدرس الجغرافيا ومُترجم كُتبها رِفاعة أفندي. يقول الرشيدي في خاتمة كتابه: «… ولما كُمَل حسب الطاقة تصحيحًا، وتم تهذيبًا وتنقيحًا، رأيته يحتوي على أسماء بلادٍ كثيرة وأنهار ونحو ذلك، لست في ترجمتها إلى العربية قوي البضاعة؛ لأني وإن كنت درست أصول الجغرافيا بالأوروبا إلا أنني لم أتَّخذها صناعة، فجزمت أن لا مردَّ لها إلا العمدة الفاضل، والسيد الكامل، الحاذق اللبيب، والنحرير النجيب، رِفاعة أفندي معلِّم الجغرافيا الطبيعية، ومن له في هذا الفن التآليف والتراجم البهية، فأعرضت (كذا) للديوان أن لا بدَّ من مقابلته مع هذا الهُمام، فأُجبتُ لذلك وبلغتُ من سؤلي المرام، وقابلته على أصله مع غاية الانتباه والإتقان … إلخ.»
وقد طُبِع هذا الكتاب في شهر ربيع الأول سنة ١٢٥٤ﻫ.
وفي سنة ١٢٥٧ﻫ تَرجَم أحمد أفندي فايد المدرس بالمهندسخانة كتاب «الأقوال المُرضية في علم بنية الكرة الأرضية». وقام على تصحيحه الشيخ إبراهيم الدسوقي، ثم «قُوبلت ترجَمتُه بأصله على حسب الاقتدار، على يد مصطفى بهجت أفندي، ورفاعة أفندي بأمر المُختصِّ من المعارف بالنفائس، سعادة أدهم بك مدير ديوان عموم المدارس …»
(٢) تنظيم الوقائع المصرية
على أن المظهر الهام حقًّا الذي ظهرت به الوقائع في عهدها الجديد — عهد رئاسة رِفاعة لتحريرها — هو التغيُّر الواضح في موضوعاتها التي انتقلت فجأةً — كما يقول الدكتور إبراهيم عبده — «من تَوافِه الأخبار والحوادث والافتتاحيات الثقيلة المَحشوَّة مديحًا وثناءً للوالي، بمبررٍ وبغير مبرر، إلى موضوعات رئيسيةٍ لها خطرها، لا في الشرق وحده، بل في أوروبا في ذلك الوقت …»
قام رِفاعة بهذه الجهود الشاقَّة خير قيام، وبذَل لها كلَّ وقته وتفكيره. وكان يدفعه إلى الإخلاص في عمله والتفانِي في أداء واجبه وازعٌ قويٌّ من ضميره الحي، وحبٌّ لوطنه وبنيه، وتشجيعٌ مستمر من «ولي النعم» محمد علي باشا وأولاده؛ ففي سنة ١٢٦٠ﻫ أنعَم على رِفاعة برُتبة القائمقام، وفي ١٤ ذي الحجة ١٢٦٣ﻫ أنعَم عليه برتبة أمير آلاي لمناسبة انتهائه من ترجمة مجلدٍ آخر من جغرافية «ملطبرون». وبهذا الإنعام الأخير أصبح يُدعى رِفاعة بك، بعد أن كان يُدعى فيما مضَى بالشيخ رفاعة، أو مسيو رِفاعة (وذلك في باريس)، أو رِفاعة أفندي.
وقد أنعم عليه محمد علي بمائتين وخمسين فدانًا، وأقطعه إبراهيم باشا حديقةً نادرة المثال في الخانقاه تبلغ ستةً وثلاثين فدانًا، وأنعم عليه سعيد باشا بمائتي فدان، وإسماعيل باشا بمائتين وخمسين فدانًا.