مطاردة الأشباح!
انطلقت سيارات الشياطين اﻟ «١٣» تقطع الطريق إلى مصيف «بلطيم»؛ هذه البقعة الهائلة الرائعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط … حيث يوجد جبل «النرجس».
كان الجو لا يزال ربيعًا، ولم يزدحم المصيف بعدُ بالمصطافين … بل لم يكن على شاطئ البحر أحد من الأهالي … فالصيف لم يحِن بعدُ بإجازاته المتعدِّدة.
ولم تكن هذه الرحلة للاستجمام … بل إنها مهمة عمل كلَّفهم بها رقم «صفر» … فقد طلب الاجتماع بهم على شاطئ بحر «بلطيم» في فيلا المنظمة ليُكلِّفهم بعملية جديدة.
كانت الثامنة مساءً هي ميعاد عقد الاجتماع … والساعة الآن الثانية عشر ظهرًا … فماذا هم فاعلون في هذه الفسحة من الوقت؟ … بالذات وليس لديهم عمل أو عملية جديدة ينشغلون بها … فآثروا أن يستبدلوا ملابسهم ويستمتعوا بمياه المتوسط الرائعة … فقد اشتاقوا للسباحة والتسابق مع الأسماك … بل والتنافس فيما بينهم … أي التباري في المكوث تحت الماء … والفائز هو آخر من يخرج.
وقد أثار رعبَهم «عثمان» جدًّا … عندما انتظروه كثيرًا ليخرج من تحت الماء فلم يخرج … فانتشروا يمسحون القاع بحثًا عنه … ولم يتوقَّفوا إلا عندما رأوه واقفًا على الشاطئ يصيح فيهم قائلًا: هل تبحثون عن شيء؟!
فصاحت فيه «ريما» قائلةً بغيظ: أين كنت أيها الشيطان؟!
وفي برود مثير قال لهم: أنا لم أنزل معكم تحت الماء …
وكان «أحمد» قد خرج من الماء، فقال يسأله: ماذا حدث يا «عثمان»؟
فارتسمت الجدية على ملامحه وقال هامسًا: الزعيم في الفيلا …
تقلَّصت عضلات وجه «أحمد» وقال يسأله باهتمام: منذ متى؟
عثمان: منذ نزلتم تحت الماء.
أحمد: وهل طلب رؤيتنا الآن؟
عثمان: ليس الآن … ولكن عليكم الاستعداد للاجتماع المسائي.
أحمد: لا أفهم … ماذا تعني بالاستعداد؟
في هذه اللحظة وخزت رسغَ «أحمد» ساعةُ يده … وكان جسده لا يزال مبتلًّا، فكانت الوخزات مزعجةً للغاية … فقام بنزعها من يده في حركات متوترة أثارت ضحك «عثمان» … وضغط بعدها زرًّا أسفل الشاشة، فتلقى مكالمة رقم «صفر» قائلًا: مرحبًا يا زعيم …
رقم «صفر»: مرحبًا يا «أحمد» … هل أنت في الماء؟
أحمد: لا يا زعيم أنا على الشاطئ.
رقم «صفر»: لدينا مادة شيقة للحديث.
ابتسم «أحمد» في حماس وقال: عملية جديدة؟
رقم «صفر»: قد تكون كذلك … ولديَّ ملف أود أن تقرءوه …
أحمد: أتعود الآن إلى الفيلا؟
رقم «صفر»: ألن تتناولوا غداءكم؟
فهم «أحمد» أن رقم «صفر» يريدهم الآن في الفيلا … فقال موافِقًا: سنعود يا زعيم …
كانت مفاجأةً رائعة للشياطين تلك المائدة العامرة بسمك البوري المشوي … والأرز الأبيض جدًّا كما علَّق عليه «عثمان» … وكذلك السلاطة الخضراء جدًّا كما قالوا جميعًا، ردًّا على ما قاله.
وكم كان تأثير هذا الغداء الساحلي عليهم مدهشًا أثناء اجتماعهم مع رقم «صفر» الذي بادرهم بقوله: مساء الخير عليكم … أرى أن رحلتكم اليوم مختلفة … أليس كذلك؟
تقافزت كلمات «ريما» وهي تعلِّق قائلة: إنه بلد جميل وبسيط للغاية يا زعيم.
رقم «صفر»: لذلك لن نسمح بأن تدور على أرضه خيانة لهذا الشعب العظيم.
سرت همهمة خفيفة بين الشياطين قطعها رقم «صفر» قائلًا: إن رمال جبل «النرجس» تحوَّلت إلى مستودع لقِطع غيار أسلحة …
أحمد: تخص من يا زعيم؟
رقم «صفر»: تخص عصابةً كبرى لتهريب الأسلحة.
«إلهام»: ولكنك تقول إنها قِطع غيار الأسلحة يا زعيم.
رقم «صفر»: نعم هي كذلك … إنها طريقة مبتكرة لتهريب الأسلحة … فهم يُدخلونها مفكَّكةً على مراحل … وقد يستغرق دخول سلاح واحد عامًا كاملًا.
وفي صدق تساءل «عثمان» قائلًا: سلاح واحد يا زعيم؟
رقم «صفر»: سلاح واحد ولكن بأعداد كبيرة.
أحمد: وكيف سمحت سلطات الموانئ بدخول هذه الأجزاء؟
رقم «صفر»: هناك شركات شحن مملوكة لمستثمرين صغار … تنقُل بضائع من «مصر» إلى «تركيا» وبعض دول «أوروبا الشرقية»، وتنقل منهم بضائع إلى «مصر».
ريما: وفي رحلة البضائع إلى «مصر» … يدسون الأسلحة المفكَّكة.
كان الشياطين منتشين من لعبة التفكير وديمقراطية النقاش التي يمارسها معهم رقم «صفر»؛ ممَّا دفع الباقين لإعمال عقولهم … فقال «مصباح»: وكيف اكتشفتم ما يدور؟
رقم «صفر»: قضية تهريب مخدرات كبرى كانت هي السبب وراء كشف كل ما يدور.
عشرات السيناريوهات دارت في عقول الشياطين قبل أن يقرِّر «قيس» معرفة السيناريو الحقيقي … فقال لرقم «صفر»: وهل وصلكم بلاغات تهريب شِحنة مخدرات إلى «مصر»؟
رقم «صفر»: لا … بل عثر رجال حراس الحدود بين الرمال على جثة رجل ميت وبجواره إطار سيارة كاوتشوك، وقد ظنوا أول الأمر أنه كان يستخدمه كعوامة، غير أنهم اكتشفوا أنه مُعبَّأ بمخدر الحشيش.
وبتكثيف التحريات وبكثير من التتبُّع، وصلوا إلى معلومات تفيد بأن عملية تهريب كبرى ستتم على إحدى مراكب شركة الشمس للنقل البحري.
وبمداهمة هذا المركب بعد دخوله مياهنا الإقليمية … قام البحارة بإلقاء حاويتَين كبيرتَين في الماء، فقامت السلطات بالقبض على طاقم السفينتَين دون مقاومة، وبالاستعانة برجال الضفادع البشرية التابعين لقوات حرس الحدود … تمَّ فتح الحاويتَين … وكانت مفاجأةً كبرى لهم عندما لم يجدوا بهما مخدرات.
وهنا صاحت «إلهام» متسائلة: وهل فحصوهما جيدًا؟
رقم «صفر»: لقد تعرَّضوا لأخطار كثيرة حتى وصلوا إلى هذه النتيجة اليقينية.
وبتلقائية شديدة وجدت «ريما» نفسها تقول: ولكنهم وجدوا الأسلحة بدلًا من المخدرات.
رقم «صفر»: لا، بل وجدوا عبوات تحوي مواد كيميائيةً خاصةً بإحدى شركات الصناعات الكيميائية.
وبفحص هذه المواد لم يصلوا إلى أية مخالفات قانونية … فالمواد آمنة … ولديهم تصريح باستيرادها … وأوراقهم سليمة وليس بها ما يُريب … إلى أن برقت ملاحظة عبقرية في رأس أحد خبراء الفحص الجنائي … فقد رأى أن العبوات ثقيلة الوزن إلى حدٍّ مبالغ فيه … ممَّا يتنافى مع اقتصاديات الشحن، وأن المواد التي تحويها لا تحتاج لعبوات بهذا السُّمك … فقام بإفراغها من محتوياتها … وتصويرها تصويرًا ثلاثي الأبعاد … ثم فحصها إشعاعيًّا، فعرف نوع الخام الداخل في تصنيعها … وبتغذية الكمبيوتر بكل هذه المعطيات … حصل على هذه النتيجة المدهشة …
واستنتج «أحمد» هذه النتيجة التي صرَّح بها قائلًا: وجدوا أن العبوة هي جزء من جسم صاروخ تكتيكي يُطلَق من منصة محمولة …
ابتسم الزعيم وقد بدا هذا في رده على «أحمد» حينما قال: هذا صحيح … ومن هنا بدأ البحث الذي استغرق عامًا … ووصلنا فيه إلى معلومات تُفيد ضلوع صاحب شركة الشحن واثنَين من المستوردين في عملية التهريب … وهناك آخرون … نحن في الطريق للوصول إليهم …
وبرز سؤال مهم وبديهي تكفَّل «أحمد» بطرحه على رقم «صفر» قائلًا: ولماذا لم تقبضوا عليهم حتى الآن … وهل تركتم ما تمَّ تهريبه من أسلحة يصل إلى أيدي المهربين؟
وكان رقم «صفر» ينتظر هذا السؤال ليكمل ما بدأه معهم فقال: نحن تركناهم حتى نصل بمراقبتهم إلى التشكيل العصابي كله … أمَّا ما تمَّ تهريبه … فهي أجزاء ينقصها الرأس المفجِّر … ولدينا معلومات كافية عن مخابئه، ومنها مخزن جبل «النرجس» هنا … المطلوب الآن تقسيم العمل بينكم.
قطع رقم «صفر» حديثه لدقائق. سمعوه يتحدَّث خلالها في تليفونه المحمول … ثم عاد يقول لهم: هذا أحد عملائنا في «إيطاليا» يقول إنه تابع صفقةً تمَّت لصالح إحدى شركات الصناعات الكيميائية في «مصر» … وأن شركة شحن يونانيةً هي التي ستنقُل هذه الشِّحنة إلى الموانئ المصرية.
أحمد: ما اسم هذه الشركة؟
رقم «صفر»: الشركة المتحدة للكيمياويات.
إلهام: لها سابقة في الشِّحنات المشبوهة؟
رقم «صفر»: نعم … والمطلوب الآن هو اعتراض هذا المركب في عرض البحر … لأنه قد يبدِّل هذه الحاويات مع مركب صيد كبير من المراكب التي تُبحر خارج المياه الإقليمية.
أحمد: وهل سنقوم نحن بهذه المهمة؟
رقم «صفر»: نعم … ولديَّ خطة محكمة. استعدوا للإبحار … سأترك لكم ملف العملية … اقرءوه جيدًا … أتمنَّى لكم التوفيق.
وما إن انتهى الاجتماع … دخل عليهم أحد رجال المنظمة وطلب منهم مصاحبته إلى جبل «النرجس» … فقد رأى هناك رجلًا أشقر بصحبة أحد العاملين بالمخزن.
– وما معنى هذا؟
كان هذا سؤال «عثمان»، وكانت الإجابة من «أحمد»، فقال له: هذا معناه أن عملية تجميع هذه الصواريخ تتم في هذا المخزن بمعاونة خبراء أجانب.
انسحبت «ريما» من بينهم … وقالت وهي في طريقها إلى الشرفة: لا يجوز القطع بالرأي كما فعلتَ يا «أحمد».
لم تعجِب «أحمد» طريقتها في الاعتراض … فتململ في جلسته وقال لها: لن أستطيع محادثتك وأنت هناك يا «إلهام»؟
يبدو أن «إلهام» لم تسمع ما قاله «أحمد» … أو أن هناك شيئًا ما خارج الشرفة يشغلها … فقد التزمت الهدوء التام … ووقفت خلف زجاج الشرفة للحظات قبل أن تمد يدها إلى المقبض وتفتحه في هدوء شديد … ثم فتحت الشباك فجأة … فسمعوا أصواتًا جلية خارج الفيلا، فقفز من نوافذ القاعة الخمسة شياطين … هم «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» و«قيس» و«هدى».
وخلف الأصوات الجلية جروا، فاتجهت الأصوات إلى الماء … وهم من خلفها … وكان الظلام حالكًا فلم يتبيَّنوا أيًّا من مطارديهم … ولم يرَوا إلا أشباحًا ثلاثة … تجري في الماء وهم من خلفهم حتى ابتلعهم الماء. ساد بعدها صمت مريب … وقف بعده الشياطين مذهولين ممَّا جرى، فأين ذهبت هذه الأشباح؟
وهل هي أشباح حقًّا أم إنهم من أعضاء العصابة؟
وهل غرقوا أم إنها خدعة؟
وهل يبحثون عنهم أم يفرون منهم؟
وهل سيعودون أم سيتوغَّلون داخل البحر حيث ينتظرهم مركب ما؟
وعند هذا السؤال قفز في أذهانهم سؤال خطير … هل هم من «بلطيم»؟ أم من «أوروبا»؟!