نهاية المهمة!
لم يكن الأمر يحتاج لذكاء كي يفهم «أحمد» أن هناك اتفاقًا ضمنيًّا بين «منذر» وبين بقية الرجال على اقتسام هذه الأموال دون أن يقوموا بالمهمة المطلوبة منهم … إذن فالتمرُّد ليس سببه تعطيلهم عن الصيد … بل هدفه تعطيل السلطات عن أداء مهمتها.
إذن فهؤلاء الرجال يعملون على مساعدة عصابة تهريب الأسلحة التي يعملون لصالحهم … ولم يعد هناك أمل في إتمام المهمة … فالوقت قد مرَّ سريعًا … ولم تتبقَ إلا ساعتان تقريبًا على طلوع الفجر … فقام «أحمد» بالاتصال ﺑ «عثمان» … والغريب أن «منذر» لم يمانع، ولكنه كان يراقب ما يقوله … وكان «أحمد» حذرًا فيما يقوله ﻟ «عثمان»، الذي تلقَّى اتصاله قائلًا له: أين أنت يا «أحمد»؟
أحمد: أنا في مهمة خطيرة …
عثمان: ومهمتنا؟!
أحمد: إنها لخدمة مهمتنا …
عثمان: لقد اكتشفنا النفق الموصل إلى مخزن جبل «النرجس».
أحمد: وأنا اكتشفت رجالهم.
كان يقول هذا وهو ينقُل عينَيه بينهم ليحفظ أشكالهم.
فقال له «عثمان»: وهل أنت بينهم الآن؟
أحمد: نعم!
عثمان: هل تحتاج لتدخُّل من الخارج؟
أحمد: ليس الآن.
وفي حركة مفاجئة … وجَّه «منذر» فُوَّهة المسدس إلى رأس «أحمد»، ثم سحب زر الأمان وقال له: أنهِ هذه المكالمة حالًا.
رغبةً منه في أن يعيد «منذر» تهديده حتى يسمعه «عثمان» … أشار له برأسه قائلًا: ماذا تريد؟
منذر: أغلق التليفون وإلا فجَّرت رأسك.
أغلق «أحمد» التليفون … مستسلمًا لأوامره … وفي نظرة عابرة بينه وبين الرائد «محمود» رفض أن يتدخَّل حفاظًا على أرواح الجميع … ليس هذا فقط … بل الأهم من ذلك … أن اللعبة انقلبت ضدهم … فقد تأكَّد «أحمد» أن هؤلاء الصيادين هم من رجال عصابة تهريب السلاح … وأنهم حماة المخزن الشهير بجبل «النرجس»، وأنهم صانعو نفق الشاطئ الموصل للمخزن … وهم مدربو الدلافين وحُراسها … وهم لا يعلمون الآن أن نفقهم قد اكتُشف … وأن مخزنهم سيتم فتحه وجرد ما به.
ولكن وعلى الشاطئ كانت هناك مشكلة تحتاج إلى حل سريع … فهم يريدون أن يصلوا إلى مدخل النفق دون التعرُّض للغواصة … أو حتى لفت أنظار من بها … وكان هذا الأمر غير وارد الحدوث … فجسم النفق صخري ولا يمكن صنع فتحة به بعيدًا عن مدخله … لذلك قالت «إلهام»: وماذا سيضرنا إذا دخلنا من فتحته الرئيسية؟
عثمان: من بالغواصة لن يتركونا … فإما سيشتبكون معنا قبل دخوله … وإما يصطادوننا ونحن في منتصفه.
خالد: لا يا «ريما» … هذا أيضًا خطر … فقنابل الغاز تعمل جيدًا في الأنفاق.
وهنا صاح «رشيد» قائلًا: يجب أن يكون هناك حل.
ريما: سنبدأ نحن بقنابل الغاز …
عثمان: كيف؟
ريما: سيتسلَّل أحدنا إلى مدخل النفق … وقبل أن يكتشفوه يطلق خلفه قنبلة الغاز.
أعجبت الفكرة «إلهام» فأكملتها قائلة: سندخل ونحن مرتدون الأقنعة الواقية من الغازات … أما هم فسيتحيَّرون بسبب إطلاق هذا الغاز.
وأكمل «خالد» قائلًا: وبالتالي ستتعطَّل جميع أجهزة المراقبة عندهم … ولن يستطيعوا رصدنا. وابتسم «عثمان» في شقاوة وقال لها: يا لكِ من شيطان رقيق!
ابتسمت «ريما» وانشغلت سريعًا في إحضار مهمات العملية العاجلة التي أطلقوا عليها عش الدبابير … ومعها بقية الزملاء … وخلال دقائق … كان الجميع عدا «أحمد» … يرتدي الأقنعة الواقية من الغازات … وبذلات الغوص … ويحملون ما يحتاجونه من أسلحة وأجهزة اتصال … وتقرَّر أن يبقى على الشاطئ كل من قيس و«بو عمير» و«هدى» لاصطياد من يفر منهم … أو من يحاول الالتفاف عليهم من مكان آخر … أما عند باب المخزن فيقف «باسم» و«زبيدة» لاصطياد من يخرج من رجال العصابة.
أما بقية الزملاء فعليهم اقتحام النفق … وفي مقدمتهم «إلهام».
وانطلقت إشارة البدء … وجرى كل منهم ليتخذ موقعه … أما المقتحمون فقد ساروا خلف بعضهم صفًّا … إلى أن وصلوا إلى نقطة الارتكاز فتفرَّقوا إلى صفَّين … حيث داروا حول هذه النقطة ثم عادوا ليلتقوا عند مدخل النفق الذي ما إن بلغوه … حتى رمى «عثمان» والذي كان في المقدمة … قنبلة غاز عن آخر يده … فانطلق منها دخان كثيف جعل من النفق أنبوبةً مدخنة … ووسط هذه الغلالة … انطلق الشياطين خلف بعضهم يقطعون النفق سيرًا في خطوات واسعة واثقة … ثابتة.
وعند نهايته، خرج «عثمان» لتقابله ماسورة بندقية وقد التصقت بظهره وأمر خشن بالسير صامتًا … وتكرَّر هذا مع «ريما» وكذا «إلهام» … إلا أن «خالد» و«فهد» لمحا ظل رجل يسير خلف «إلهام»، فتوقَّفا بداخل النفق وأوقفا كلًّا من «مصباح» و«رشيد»، وبدأ الدخان ينقشع من النفق … فقد أدارت العصابة مراوح وشفاطات ضخمةً للتخلُّص منه … وكشف مجال الرؤيا داخل النفق.
وشعر «خالد» أنهم في مأزق … فأسَر ﻟ «فهد» في أذنه بكلمات … تحرَّك بعدها «فهد» إلى أول النفق … ثم عاد سريعًا … وفي حركة مفاجئة جلس القرفصاء … فكشف من خلفه الرجل الذي يطارده، فتلقَّى هذا الرجل رصاصةً في رأسه من «خالد» ألقته على ظهره قتيلًا، ليوسع الطريق ﻟ «فهد» لكي يفعلها ثانية.
إلا أن الذي ظهر بعد ذلك كان يحتمي ﺑ «ريما» … فقد قادها أمامه وهو يضع فُوهة المسدس في ظهرها … ومرةً أخرى فعلوها معهم … فقد أشار «خالد» لها بطرف عينه اليمنى … فسقطت جالسةً في الوقت الذي خرجت فيه الرصاصة لتثقب جبهته.
حالة فزع أصابت الرجلَين الباقيَين في المخزن … فجريا ليغلقا بابه … فبقية الرجال على المركب في انتظار الشِّحنة القادمة … غير أن رصاصات «خالد» و«فهد» حالت دون ذلك، وقنبلة دخان أخرى رماها «رشيد» … جعلت المخزن جحيمًا … واشتدَّ سعال الرجلَين … ولولا رحمة قلوب الشياطين لتركوهما يعانيان، إلا أن «إلهام» قالت لهما: سأعطيكما كمامتَين على أن تتعاونا معي … اتفقنا.
ومن بين سعالهما الممتد أشارا برأسَيهما موافقَين … فأعطتهما الكمامتَين … وقادهما «عثمان» إلى غرفة لمحها في آخر المخزن … وهناك كان تأثير القنبلة ضعيفًا، فأدارا جهاز التكييف … وأصبح جو الغرفة صالحًا لأن يتحادثوا … فتدفَّق بقية الشياطين على الغرفة، وبعدها أغلقوا بابها … وبدءوا يستجوبون الرجلَين … فقال «عثمان» لأحدهما: هل أنت مصري؟
الرجل: نعم …
فنظر إلى الرجل الثاني وسأله نفس السؤال فأجابه قائلًا: لا … أنا روسي …
وسألته «إلهام» سؤالًا مباشرًا لتُعجِّل من إنهاء هذه المهمة … فقالت له: هل أنت عضوا في تنظيم؟
فأجاب الرجل في عربية ركيكة: لا أنا تاجر سلاح.
خالد: ومن الذي أنشأ هذا المخزن وهذا النفق؟
الرجل: التاجر المصري … ونحن عاوناه …
ريما: ومن هو التاجر المصري؟
الرجل: لا أعرفه.
وفي سؤال مباغت … قالت له «إلهام»: أين الغواصة؟
اضطرب الرجل وكاد أن يُجيبها، غير أنه تراجع عندما نظر للرجل الآخر … وكان لدى «عثمان» سؤال مباشر وحيوي، فقال لهما: هل يمكنني الخروج من هنا في أمان؟
اندفع الرجلان يقولان له في لهفة: نعم … نعم …
شعر «عثمان» أنهما يورِّطانه … وأن الغواصة ما زالت تقف بالقرب من مدخل النفق … قال لهما: ستخرجان أمامي … وإذا وجدت عكس ما تقولان … ستموتان.
وافق الرجلان على الخروج، ومن خلفهما سار «عثمان» و«خالد» و«رشيد»، وبقي بقية الشياطين ليتفقَّدوا المخزن.
وبعد عدة دقائق … انطلقت رصاصتان من خارج النفق … أعادت الجميع إلى الداخل مرةً أخرى … فصاح «عثمان» يوبِّخه قائلًا: ستموت أيها الخائن الحقير.
إلا أن «خالد» قال له: لا تظلمه يا «عثمان»؛ فالذي أطلق الرصاصات هو «قيس» … أنسيت أنه يحرسنا مع «بو عمير» و «هدى».
لم يقتنع «عثمان» وقال له: ولماذا يكونون هم ولا يكونون رجال العصابة؟
وهنا تدخَّل «رشيد» قائلًا: لأننا لم نسمع من يبادلهم إطلاق النار …
وكانت الوسيلة الأيسر والأضمن للتأكد من الاتصال عبر ساعة اليد بالزملاء خارج النفق … فعرفوا منهما أن الغواصة غادرت المكان وكذلك الدلافين … فخرجوا جميعًا … يسبقهم الرجلان المقبوض عليهما … وكانت فرحة الانتصار جميلةً لا ينقصها سوى «أحمد»، وإنهاء الموقف المتأزم على المركب، وقد قام «عثمان» بالاتصال به، وأبلغه بما حقَّقوه من اقتحام النفق والمخزن والقبض على رجال العصابة … وقتل بعضهم.
وكان الرجل المُسلَّح سارقُ النقود … يتابع ملامح «أحمد» وهو يتلقَّى الاتصال، وأخيرًا قال له: الآن سأطلق سراحكم … وسأحتفظ معي بسيادة الضابط إلى أن أخرج من المياه الإقليمية ولا يكون لكما حق القبض علي … سأُطلق سراحه فورًا … فسأله «أحمد» في انزعاج قائلًا: تطلق سراحه أين؟ في المياه!
منذر: أعدك أن يصلك سالمًا … فلدي قارب صغير على المركب سأهديه له مقابل النقود التي حصلت عليها منكم.
وبإشارة خفية من عينه أخرج رجل آخر سلاحًا كان يخفيه وألصقه بظهر المقدِّم «حسام» الذي احتفظ بابتسامته وهدوئه.
وبإشارة أخرى أخرج ثالث مسدسًا آخر ألصقه بمؤخرة رأس الريس «علي شرابي» وقاده إلى حافة المركب … فصاح «منذر» يقول: ماذا ستفعل يا غبي؟ … هذا الرجل لي أنا.
فتركه الرجل وعاد ليستبدله ﺑ «أحمد» فوجدها الأخير فرصةً له … فأطاح بهما سويًّا بضربة قدم واحدة … وفي الوقت الذي أمسك فيه الرائد «محمود» برسغ حارسه، أداره دورةً كسرت عظام ذراعه، وعلا صراخ الرجل وهو مكدوم على سطح المركب … وأصبحت المسدسات الثلاثة في أيدي الرجال الثلاثة؛ «أحمد» والرائد «محمود» والريس «علي» الذي قاد المركب حتى عادوا إلى «البُرلس» مرةً أخرى، وكانت هناك بالميناء فرقة من القوات الخاصة قام «عثمان» باستدعائها … قامت فاقتياد كل رجال العصابة إلى نقطة البوليس تمهيدًا لترحيلهم إلى سراي النيابة.
وهذه المرة أرسل رقم «صفر» للشياطين يخبرهم بنهاية المهمة بنجاح عبقري.