أولًا: المقدمة
نشأت مدرسة تاريخ الأشكال الأدبية في العشرينيات من هذا القرن
بعد تطور طويل للوعي الأوروبي منذ بداياته في الإصلاح الديني في
القرن الخامس عشر؛ فقد ظهرت من ثنايا البروتستانتية في آرائها في
الإيمان والزمان والوجود الإنساني أولًا، ثم كانت تطويرًا
للبروتستانتية الحرة، واللاهوت الحر، واللاهوت الجدلي وأخيرًا
لمدرسة توبنجن. كما ورثت الاعتزاز بالعلم الحديث وبأولوية الإنسان،
وبنقد النظم الموروثة كما هو الحال في عصر النهضة في القرن السادس
عشر. واعتمدت على العقل والتحليل اللذين ميَّزا القرن السابع عشر.
وكانت أثرًا من آثار التنوير في القرن الثامن عشر وبدايات النقد
التاريخي للكتب المقدسة، وضرورة إخضاعها للنقد والتحليل حتى اكتمل
هذا النقد في علم مستقل. وبفضل المدرسة التاريخية في القرن التاسع
عشر وعلم تاريخ الأديان المقارنة وإدخال المسيحية في إطار الديانات
القديمة والاستفادة من نتائجه فيما يتعلق بالتشابه بين الكتب
المقدسة والآداب القديمة خاصة اليونانية والعبرية، ظهرت مكونات
المدرسة الجديدة في النقد، متنقلة من «نقد المصادر» إلى «نقد
الأشكال»، أو بتعبير علماء مصطلح الحديث من نقد «السَّنَد» إلى نقد
«المتن»؛ لذلك استعارت المدرسة الجديدة الأشكال الأدبية من النقد
الأدبي طبقًا للنظرية الشائعة بأن تاريخ الأدب هو تاريخ الأشكال
الأدبية. واعتمدت على دراسات «الأنواع» الأدبية في الآداب القديمة.
بل استطاعت تطوير النقد الأدبي وتحويله من دراسة النص الثابت في
المكان، لغةً، واصطلاحًا، وعبارة، ومعنى إلى دراسة النص المتحرك في
الزمان أي نشأة الأنواع الأدبية وتطورها، وتغيُّر المعاني اللغوية
للألفاظ والعبارات. كان الشائع أولًا دراسة الحكاية والشعر. ثم
تحول الاهتمام إلى الرواية كإحدى صور الخطاب الديني في شكل رواية
وفعل يعاد تمثيله. ثم انتقل الاهتمام من الرواية إلى الأمثال كما
هو الحال في الأدب الشعبي. ثم تحول الاهتمام من الأمثال إلى كتابة
التاريخ كأحد الأشكال الأدبية كما هو الحال عند اليونان
والعِبْرانيين وتحوله إلى فعل وتمثيل عند المسيحيين. كما ظهرت
«الرؤية» كأحد الأنواع الأدبية كرمز للنهاية. وأخيرًا انبثقت
المدرسة من ثنايا المثالية الألمانية واعتبار الشعور محور العالم
ومركز الكون. فقد كان بولتمان، وهو أحد زعيمي المدرسة مع ديبليوس
من الكانطيين الجدد، مؤسسي مدرسة ماربورج التي قامت لدراسة الصور
الكانطية على أساسٍ حيوي شعوري؛ وبالتالي فإن المدرسة تقوم على
موقف فلسفي محدد، وهو أنه لا يحدث شيء في الواقع ما لم يحدث في
الشعور أولًا، وأن الشعور يعبر عن موقف حياتي للجماعة؛ ومن ثم فهو
شعور جماعي، يكشف عن علاقات بين الذوات، وتوجهه بواعث، وله صور،
يتعامل مع الواقع، ويوجد في التاريخ، ويعبر عن نفسه في لغة ومن ثم
كانت المدرسة أحد آثار «الفينومينولوجيا».١
١
V. A. Deardslee, Literary Criticism of
the New Testament (Philadelphia, Fortress Press,
1970); N. Habel, Literary Criticism of the Old
Testament (Philadelphia, Fortress Press, 1971); M.
Dibilius, From Tradition to Gospel (Formgeschichte
des Evangeliums 1919), (New York, Scribner and Sons,
1934).