خامسًا: الأشكال الأدبية عند بولتمان
قدم بولتمان تحليلًا مفصلًا لكل مواد الأناجيل المتقابلة داخل إطار التمييز بين أقوال عيسى والرواية. وقسم الأقوال إلى مجموعتين رئيسيتين؛ المقاطع وأقوال الرب. ثم تناول على نحو مستقل أقوال الأنا والأمثال بالرغم من انتمائهما إلى أقوال الرب من حيث المضمون ثم قسم مادة الرواية إلى مجموعتين رئيسيتين؛ قصص المعجزات، والروايات التاريخية مع القصص الخيالية.
-
(١)
المقاطع Apothegma: وهي تُشبه النماذج عند ديبليوس وتتضمن أقوالًا قصيرة لعيسى في سياق مختصر. ولما كان بولتمان لا يوافق على أن هذا الشكل نشأ من التبشير في كل حالة لذلك يفضِّل استعمال كلمة «مقطع» بدلًا من «نموذج»، وهي كلمة من الأدب اليوناني تفيد القول القصير البليغ التعليمي، «قصة مشافهة» Pronouncement Story والبرتز «مناقشة» Controversy، وفاشر Fasher «حوارًا». ويقسم بولتمان المقطع إلى ثلاثة أنواع، لكلٍّ منها سياقها وأسبابها المختلفة عن الأخرى. الأول: حوار الصراع Streitgespräche وينشأ من النقاش حول موضوعات مثل شقاء عيسى أو سلوكه وسلوك تلاميذه، كما هو الحال في شقاء الرجل ذي اليد اليابسة يوم السبت (مرقص، ٣:١–٦). وهو أسلوب أدبي نشأ في الكنيسة وهي في نقاشها مع معارضيها حول موضوعات الشريعة. والثاني: حوار المدرسة Schulgeschpräche وينشأ من الأسئلة التي يوجهها الخصوم مثل السؤال الخاص بأحد الكَتَبة (مرقص، ١٢: ٢٨–٣٤). وبالرغم من وجود أوجه تشابه بين الاثنين إلا أن حوار المدرسة لا يبدأ بالنقاش بل في معظم الأحيان بسؤال موجه إلى المعلم من أحد الباحثين عن المعرفة. والثالث: المقاطع البيوجرافية، وهي تقارير أو روايات تاريخية مثل قصة لوقا (٩: ٥٧–٦٢). وقد سُميت هكذا لأن المقطع يحتوي فيما يبدو على معلومات حول عيسى، تبدأ بالموعظة لأنها أفضل الأساليب والنموذج الأمثل في التربية الدينية، وتساعد على تقديم المعلم كمعاصر حي، وتطمئن الكنيسة على أملها فيه. والأنواع الثلاثة أبنية مثالية نشأت داخل الكنيسة وليست تقارير تاريخية. صحيح أن عيسى قد دخل في نقاش وفي صراع، وكان موضع تساؤل حول أسلوب الحياة وأعظم الوصايا وغيرها. وصحيح أيضًا أن بعض المقاطع قد تحتوي على بعض البقايا التاريخية، وأن قول عيسى المباشر قد يرجع إليه شخصيًّا ولكنها كما هي الآن أبنية كنسية من الكنيسة الفلسطينية، كما يدل على ذلك مقارنتها بأدب الأحبار المشابه. ويتفق بولتمان مع ديبليوس في أن المقطع قد تطوَّر وأصبح قصة تبعًا للاهتمام بالتاريخ وبرواية التاريخ. فبمجرد ما يقابل المقطع أهمية في التاريخ أو رواية في التاريخ فإنه سرعان ما يتطوَّر إلى عبارات أكثر دقة فيوصف السائلون، على وجه الدقة، بأنهم أعداء عيسى أو من تلاميذه بينما كانوا في البداية مجهولين.١
-
(٢)
أقوال الرب Herrenworte: ويقسمها بولتمان بدورها إلى ثلاث مجموعات رئيسية طبقًا لمحتواها بالرغم من وجود بعض الفروق في أشكالها وهي:
- (أ) الحكم (Proverb) Logein: وفيها يظهر عيسى على أنه معلم الحكمة مثل معلمي الحكمة في إسرائيل وفي الشرق كله، ويميز بولتمان بين ثلاثة أشكال تكوينية للحكم مشروطة بالأقوال ذاتها موجودة كلها في أدب الحكمة، وليس فقط في أقوال الحكمة في الأناجيل المتقابلة، الأول: الشكل الإعلاني Declarative والتأكيدي Assertive يضع مبدأ ويعلن عنه ويتعلق بالأشياء المادية أو بالأشخاص مثل: «وإنما يتكلم الفم من الفضل ما في القلب» (متى، ١٢: ٣٤)، «فلا تهتموا بشأن الغد فالغد يهتم بشأنه، يكفي كل يوم شره» (متى، ٦: ٣٤)، «لأن العامل مستحق أجرته» (لوقا، ١٠–٧)، «لأن المدعوين كثيرون والمختارون قليلون» (متى ٢٢: ١٤)، «فإنه حيث تكون الجنة فهناك تجتمع النسور» (متى، ٢٤: ٢٨)، والثاني: الشكل الأَمْري lmperative أو المقارن Comparative للحث على شيءٍ والنداء عليه مثل «أيها الطبيب، اشفِ نفسك» (لوقا، ٤: ٢٣)، «دع الموتى يدفنون موتاهم» (متى، ٨: ٢٢)، والثالث: الشكل التساؤلي Interrogative الذي يضع الإجابة في صيغة سؤال مثل: «ومن منكم إذا صمم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة» (متى، ٦: ٢٧)، «هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا ما دام العروس معهم» (مرقص، ٢: ١٩). وقد حدث تطور لهذه الحكم حتى بعد تدوينها؛ وبالتالي يكون السؤال: هل ترجع كلها إلى عيسى التاريخ؟ وتصعب الإجابة إذا عرفتا أن هذه الحِكَم لها ما يشابهها في أدب الحكم عند اليهود (قارن لوقا، ١٤: ٧–١٢ مع كتاب الحِكَم، ٢٥: ٦-٧). ويضع بولتمان ثلاثة احتمالات؛ الأول: أن عيسى نفسه قد صاغ بعضها في الأناجيل المتقابلة، والثاني: أنه قد استغلَّ البعض الآخر المعروف في عصره، والثالث: أن الكنيسة الأولى قد وضعت على لسان عيسى كثيرًا منها من مخزونها في الأدب الشعبي اليهودي. وينتهي بولتمان إلى القول بأن أقوال الحِكَم أقل الأقوال صحةً في أقوال عيسى؛ وبالتالي فهي أقلها دلالة على عيسى التاريخ. ويتفق مع ديبليوس في رصد هذا التشابه بين الأنواع الأدبية في الأناجيل وفي الأدب اليوناني وفي أدب الأحبار وفي كتابات آباء الكنيسة الأوائل مثل Charia التي تعني قولًا أو مثلًا لشخص في موقف معين، Gnome التي تعني مثلًا أو حكمة. وقد وجدت هذه الأنواع في أدب الأحبار «الحلقة» Halakah خاصة بسؤال التلميذ بالرغم من وجودها في سياق خاص، وعدم صلتها بالسياق الخلقي، أو إدخالها في سياق بعد ذلك لاهتمام خاص، ولها ما يُشابهها في العهد القديم في حكم سليمان وحكم عيسى ابن شيراخ وفي حكم الشرق.٢
- (ب) الأقوال النبوية والأخروية: وهي الأقوال التي يُعلن فيها عيسى قدوم ملكوت الله ويحث على التوبة ويَعِد بالخلاص للتائبين وبالهلاك لغير التائبين مثل: «قد تمَّ الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل» (مرقص، ١: ٢٥)، «طوبى للعيون التي تنظر ما أنتم تنظرون فإني أقول لكم إن كثيرين من الأنبياء والملوك ودُّوا أن يروا ما أنتم راءون ولم يروا، وأن يسمعوا» (لوقا، ١٠: ٢٣-٢٤)، «طوبى لكم أيها المساكين فإن لكم ملكوت الله. طوبى لكم أيها الجياع الآن فإنكم ستشبعون. طوبى لكم أيها الباكون فإنكم ستضحكون» (لوقا، ٦: ٢٠-٢١). ويرى بولتمان في الرؤية الأخروية لمرقص (١٣: ٥–٢٧) شاهدًا على أن مادة من الأدب اليهودي قد نسبتها الكنيسة إلى عيسى وبالتالي يكون السؤال: وماذا عن باقي المواد؟ توحي بعض الأقوال بأن الوعي الأخروي مختلفٌ عن التراث اليهودي وبالتالي يكون عيسى مصدره (لوقا، ١٠: ٢٣-٢٤، متى، ١١: ٥-٦، لوقا، ١١: ٣١-٣٢، لوقا، ١٢: ٥٤–٥٦)، ولكن بعض الأقوال الأخرى لا تحتوي على أي عنصر مميز لعيسى ومن ثم توحي بمصدر يهودي (متى ٢٤: ٣٧–٤١، ٤٣-٤٤، لا ٤٥–٥١، متى، ٢٤: ١٠–١٢، لوقا، ٦: ٢٤–٣٦، لوقا، ٦: ٢٠-٢١). ولا يعني ذلك أن كل الأقوال التي لم تأتِ من اليهودية أنها من أقوال عيسى لأن الكنيسة قد صاغت بعضها؛ فبعض الأقوال النبوية كانت من وضع آباء الكنيسة الأولى ثم تمَّت نسبتها فيما بعد إلى عيسى التاريخ. ويبدو هذا المصدر الكنسي أكثر احتمالًا كلما كانت هناك صلة بين قول عيسى وشخصه أو إشارة إلى مصير الكنيسة ومصلحتها بالرغم من وجود بعض الكلمات الصحيحة لعيسى التاريخ. ومع أن الجماعة الكنسية ذاتها قد صاغت كثيرًا من الأقوال النبوية فإن المسيحيين الأوائل مدينون بعواطفهم الأخروية إلى ظهور عيسى التاريخ كنبي. وكثير من أقوال عيسى في نهاية الأمر تُشبه أقوال أنبياء بني إسرائيل ضد المظاهر الخارجية للتقوى.٣
- (جـ) الشرائع والأخلاق اليهودية والقواعد التنظيمية للجماعة الأولى: ومثالًا على ذلك: «لا شيء مما هو خارج من الإنسان إذا دخله يمكن أن ينجسه بل ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجس الإنسان» (مرقص، ٧: ١٥)، «أخَيْرٌ يحل أن يُفعل في السبت أم شر، أن تخلِّص نفس أم تهلك؟» (مرقص، ٣: ٤)، «إذا خطئ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه على انفراد. فإن سمع لك فقد ربحت أخاك، وإن لم يسمع لك فخذ معك واحدًا أو اثنين لكي تقوم على ضم شاهدين أو ثلاثة كل كلمة، فإن أبَى أن يسمع لهم فقل للبيعة، وإن لم يسمع من البيعة فليكن عندك كوثني عشار» (متى، ١٨: ١٥–١٧).
يرى بولتمان أن النص يمكن أن نضيفه بوضوح ضمن المواد التشريعية، ويؤكد أن الكنيسة كانت تملك مخزونًا من الأقوال الأصلية لعيسى ومنها الأقوال الموجزة لصراعه ضد التقوى اليهودية (مرقص، ٧: ١٥، ٣: ٤، متى، ٢٣: ١٦–١٩: ٢٣-٢٤: ٢٥-٢٦). ويرى أن هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها الحديث عن أقوال عيسى من حيث الشكل والمضمون في آنٍ واحد. وقد جمع التراث هذه الأقوال الأصلية ثم أعطتها الكنيسة شكلًا جديدًا ورسمتها وطوَّرتها. وجمعت أقوالًا يهودية أخرى، وهذَّبتها وكيفتها بحيث تدخل ضمن كنوز التعاليم المسيحية. وأنتجت أقوالًا جديدة من وعيها بامتلاك شيءٍ جديد ثم وضعتها على لسان عيسى.
وينسب بولتمان إلى الكنيسة شواهد العهد القديم الموجودة دائمًا في أقوال الصراع والأقوال التي تحتوي على القواعد التنظيمية للجماعة والأقوال الخاصة برسالتها والأقوال التي عبَّرت فيها الكنيسة عن إيمانها بعيسى وعمله وشخصه ومصيره.٤ - (د) أقوال الأنا Ich-Worte: وهي الأقوال المنسوبة لعيسى والتي يتحدَّث فيها عن نفسه وعمله ومصيره بضمير المتكلم مثل: «لا تظنُّوا أني أتيت لأجل الناموس والأنبياء. إني لم آتِ لأحل لكن لأتمِّم» (متى، ٥: ١٧)، «فإن ابن البشر لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدم، وليبذل نفسه فداءً عن كثيرين» (مرقص، ١٠: ٤٥).ويرى بولتمان أنه من المستحيل البرهنة على أن عيسى لم يتحدث عن نفسه بضمير المتكلم ومع ذلك تواجه هذه الأقوالَ شكوكٌ خطيرة تجعل الإنسان عاجزًا عن الوثوق بها، وذلك لأن الأقوال في مجموعها تعكس رؤية ارتدادية retrospective للكنيسة. فكثير منها يأتي من الكنيسة في فلسطين (يشير مثلًا متى، ٥: ١٧ إلى المناقشات القانونية التي حدثَت في الكنيسة الأولى كما يشير متى، ١٥: ٢٤ إلى المناقشات حول رسالة الوثنيين Gentiles). ومع ذلك فإن أقوال الأنا من وضع الكنائس اليونانية.٥
- (هـ) الأمثال (Parables) Gleichnisse: هي قصة مركزة تشبه القصة الشعبية بلغتها، الحسية واستعمالها للغة الجدلية وأحاديث النفس Soliloquy والتكرار، القصد منها إصدار أحكام على المستمع نفسه في موضوعات تخص الشئون الدنيوية والعلاقات الاجتماعية وأحيانًا الحياة الروحية. تحدَّث عيسى بطبيعة الحال بأسلوب الأمثال ثم نقلتها الكنيسة واستعملتها لصالحها الخاص. فتغير الشكل، وأضيفت زيادات على الأمثال لتكون أكثر اتصالًا ودلالة على الكنيسة المتأخرة. وتتضح هذه التغيرات في طريقة استعمال متى ومرقص لمصادرهما المكتوبة. ولكن التغير الحاسم قامت به الكنيسة؛ فقد وضعت الأمثال في سياقات خاصة وأضافت عليها مقدمات تؤثر على معنى القصص، بل وضعت أمثلةً جديدة موازية للقصة القديمة، وصاغتها طبقًا للخط العام لتدل على نفس التعاليم أو لتغيير التعاليم القديمة. وضخَّمت الكثير منها وزادت عليها حكايات رمزية Allegories وتفسيرات أضافتها من مصادر يهودية. ويتضح من تاريخ الأمثال أن المعاني الأصلية لكثير منها لا يمكن العثور عليها وأن البعض الآخر لا يرجع إلى عيسى بل إلى الكنيسة.ويعطي بولتمان قاعدةً للتعرُّف على الأمثال التي ترجع لعيسى وهي الآتية: عندما يكون لدينا من ناحية التقابل بين الأخلاق اليهودية والمزاج الأخروي الذي يميز تعاليم عيسى، ومن ناحية أخرى تعاليم ليس بها أي سمات مسيحية.٦
- (أ)
-
(٣)
قصص المعجزات Wundergeschichten: وهي التي سمَّاها ديبليوس من قبلُ القصة؛ أي قصص الشفاء ومعجزات الطبيعة والتي تكون فيها المعجزة الموضوع الرئيسي. وتحتوي على تفصيلاتٍ كثيرة، وتوجد وسط المقاطع لخدمة غرضها الخاص. وهي تضم كما هو الحال عند ديبليوس ثلاثة أجزاء؛ الأول: وضع المريض وتقديمه والإشارة إلى طبيعة المرض وفشل المحاولات السابقة للشفاء. والثاني: قصة الشفاء وخصائص الشافي ووصف الشفاء مع ذكر بعض التفصيلات. والثالث: الشهادة على الشفاء بسلوك المريض، فالكسيح يأخذ جبيرته ويسير إلى المنزل، والمجذوب يلبس ملابسه ويعقل، ويصيح المشاهدون ويعبرون عن دهشتهم وإعجابهم ويرون الشياطين المطرودة وأعمالهم الهدامة، وتعليقهم «لم نشاهد مثل هذا من قبل».ويقسم بولتمان المعجزات إلى نوعين؛ معجزات شفاء ومعجزات طبيعية؛ الأولى: لها صورة واحدة تتجاوز بيئة الأناجيل، وكما تثبت دراسات Weinreich, Fiebig فقد كان الأحبار يقومون بالشفاء وإن لم يجروا القدر الكافي منها، وإن لم يشتهر بها كبار الأحبار ذوي التعاليم المعروفة بل صغارهم. والثانية: ليس لها سوابق في الأدب الهليني أو اليهودي بالرغم من المحاولات لإقامة مثل هذا التشابه.ويقارن بولتمان بين قصص المعجزات في الأناجيل المتقابلة بمثيلاتها في الأدبين اليهودي والهليني، ويكتشف تشابهًا في الأسلوب، وأن معظمها تمت إضافته فيما بعدُ من الكنيسة الفلسطينية مثل هبوب العاصفة (مرقص، ٤: ٣٥–٤١) وقصص الطعام (مرقص، ٦: ٣٤–٤٤، ٨: ١–٩) وشفاء الأبرص (مرقص، ١: ٤٠–٤٥). وقد يرجع القليل منها إلى مصدر هليني دون التراث الأصلي المبكر للأناجيل.٧
-
(٤)
القصص التاريخية والحكايات الخيالية Geschichteerzählung und Legende: وهي روايات دينية تربوية وليست بالضرورة قصص معجزات بالرغم من احتمال قيامها على بعض الحوادث التاريخية. ويضع بولتمان القصص التاريخية والحكايات الخيالية معًا لأنه يصعب التمييز بينهما، بعضها خيالي تمامًا مثل قصة امتحان عيسى (مرقص، ١: ١٢-١٣) وتشبه امتحانات القديسين مثل بوذا وزرادشت والقديسين المسيحيين المتأخرين الذين يمتحنهم الشر ويخرجون منتصرين عليه. فالبعض الآخر له أسس تاريخية ولكن تسيطر عليه أيضًا الحكايات الخيالية مثل قصة تعميد يوحنا المعمدان لعيسى التي تروي واقعة تاريخية، ولكن في صورة حكاية خيالية، ليس بهدف التاريخ ولكن من أجل التربية الدينية: تنصيب عيسى المسيح المخلص. ويضع بولتمان القاعدة الآتية: عندما يكون السياقُ الإيمانَ أو عبادة الجماعة تكون النتيجة حكاية خيالية، وعندما يكون السياقُ حياةَ بطلٍ ديني تكون النتيجة حكايةً خيالية بيوجرافية. ويلاحظ بولتمان أن بواعث الحكايات الخيالية في الروايات تأتي من مصادر عديدة. والبعض منها يكشف عن آثار العهد القديم واليهودية، والبعض الآخر يكشف عن عناصر هلينية، والبعض الثالث نما داخل الكنيسة ذاتها. أما مادتها فقد أتت من بيئات فلسطينية أو يهودية هلينية أو هلينية خالصة. وبصرف النظر عن المصدر النهائي وقت استعمال الكنيسة لها فإن هذه المواد قد استعملت تلبية لحاجات الإيمان والحياة المسيحية.٨