دراسة الثقافة الشائعة
(١) مقدمة: هوليوود وتمثيلات الواقع
إذا استطعت عام ٢٠٠٧ إبعاد نفسك عن متابعة اهتماماتك عبر الإنترنت بما يكفي للبحث عن فيلم جيد تشاهده — وخاصة إذا كنت في موعد غرامي، وتبحث عن فيلم يروق للرجال والنساء على حدٍّ سواء — فربما كان سينتهي بك الأمر في دار السينما تشاهد فيلم «الحبلى» (نوكد أب)، وهو فيلم من تأليف وإخراج جاد أباتاو. في هذا الفيلم سوف تشاهد قصة أليسون سكوت (كاثرين هيجل) وبِن ستون (سيث روجن)؛ وهما شابان بالغان عازبان يقيمان علاقة جنسية لليلةٍ واحدةٍ تؤدي إلى حمل أليسون. ويحكي الفيلم الدرامي الكوميدي عن تفاصيل رحلتهما من العلاقة العابرة إلى الزواج والأبوة. ورغم عرض الفيلم في صورة القصة الرومانسية التقليدية التي تحكي قصة حبٍّ بين شابٍّ وفتاة؛ فإنه مضحك ويتميز بسيناريو جيد للغاية وتمثيل بارع، وحقق نجاحًا كفيلمٍ هوليووديٍّ مُسَلٍّ. ومع أنه لم يحقق إيراداتٍ ضخمة، فإنه أبلى جيدًا في شباك التذاكر، مدرًّا قدرًا كبيرًا من المال لجميع الأطراف المعنية. وتشير الزيارات الأخيرة لمتاجر أفلام الفيديو إلى استمرار شعبية الفيلم في العرض المنزلي.
ظاهريًّا يبدو الفيلم فيلمًا ترفيهيًّا؛ فهو فيلم كوميدي رومانسي بسيط يتناول — إذا كان يتناول أي قضية خطيرة على الإطلاق — رحلة شابٍّ من مرحلة مراهقة مطولة إلى مرحلة البلوغ والمسئولية كزوجٍ وأب. ومع ذلك فإن طالب الدراسات الإعلامية المتمرس يرى ما هو أكثر من ذلك في هذه القصة ذات البساطة الخدَّاعة؛ فكل الاهتمام الذي ولَّده الفيلم في دور السينما، وبين النقاد، وعلى شبكة الإنترنت، والمحادثات اليومية؛ يشير إلى أن الإعلام ليس مجرد تسلية حميدة، ولكنه يعكس — ويشارك في تأسيس — المحادثات الثقافية عن أدق قيمنا ومعتقداتنا وأفكارنا وحيرتنا الشخصية.
هذا هو ما يدور حوله هذا الفصل والكثير من الدراسات الإعلامية. تمنحنا الدراسات الإعلامية الأدوات المفاهيمية التي تلزمنا للانتقال من فهم قصة بسيطة — من مجرد مشاهدة فيلم — إلى فهم الفيلم وتأثيره على مجتمعنا؛ أي من مجرد الاستمتاع بنص ما إلى فهم أن هذه القصص الممتعة تحتوي على معانٍ متعددة (دراسة النصوص)، وتؤثر انتقائيًّا على معتقداتنا ووجهات نظرنا حيال العالم (دراسة تأثيرات الإعلام). فالدراسات الإعلامية تساعدنا على أن نمتلك المعرفة الأساسية بالأعلام عبر تمكيننا من رؤية أن ما يعرضه الإعلام يُعزِّز بعض المعتقدات الأساسية، ويصنع معتقداتٍ أخرى، ويتأكَّد من أن بعض المعتقدات يصبح من المستحيل تمامًا بالنسبة إلى معظم الناس في مجتمعنا اعتناقها، كما رأينا خلال مناقشتنا لدراسات لاسويل للدعاية في الفصل الثالث. كيف يحدث ذلك؟ سيساعدنا تحليل هذا المثال السابق على تفصيل عملية تحليل الإعلام.
يوضح نص الفيلم على نحوٍ جيدٍ التأثير الأيديولوجي الذي يمكن لفيلمٍ بسيطٍ نقله. ماذا نعني بمصطلح «أيديولوجية»؟ في هذا المعنى للمصطلح لا نتحدث عن اعتقادٍ سياسيٍّ واضحٍ يروج له أعضاء حزبٍ معينٍ أو مجموعةٍ ما علنًا؛ فمصطلح «أيديولوجية» هنا يشير إلى الأبعاد الخفية للكلمة، بوصفها جزءًا لا يتجزأ من معظم القصص التي نحكيها، أو نسمعها، في ثقافتنا الشعبية. وعندما يُستخدم هذا المصطلح في تحليل النص الإعلامي، فإنه يشير ببساطةٍ إلى الافتراضات التي تظل خفية على مستوى الوعي، ولكن غالبًا ما تُفهم على مستوى اللاوعي بمجرد أن يشاهد معظم الناس فيلمًا أو يقرءون نصًّا. ويعني «التأثير الأيديولوجي» للفيلم أو النص أن مشاهدي هذا الفيلم أو النص يُشجَّعون على نحوٍ غير ملحوظٍ على تبنِّي افتراضاتٍ بعينها، وفهم رسائلَ محددةٍ بدلًا من غيرها. وعلى الرغم من أن القصة قد تبدو بسيطة، فإن الافتراضات الخفية التي تطرحها تغطي تعقيد «التأثير» الذي تمارسه في عالم الأفكار.
لذا في حالة فيلم «الحبلى»، فإن قرار أليسون بالاحتفاظ بالجنين — وهو قرار حاسم بوضوحٍ في عصرٍ تمتلك فيه المرأة القدرة الطبية والقانونية لتقرير ما إذا كانت ستحتفظ بالجنين أم لا — هو قرار ضمني، يتخفَّى خلف تقديمه على أنه «قرار لا يحتاج إلى التفكير» — والمسار «الطبيعي» للأمور دون شك — بدلًا من كونه قرارًا واعيًا كان عليها اتخاذه. وتشير إحصائيات العلوم الاجتماعية إلى أن النساء في موقف أليسون (النساء العزباوات اللاتي أصبحن حوامل) غالبًا ما يخترن التخليَ عن الجنين عن طريق إجراء عملية إجهاضٍ اختياريةٍ قانونيةٍ آمنة، ولكن الفيلم تجاهَل هذا النمط الشائع ببساطة. وعندما كانت الشخصيات في الفيلم تطرح إمكانية هذا الخيار، كان يتم إسكاتها.
فعلى سبيل المثال، والدة أليسون — المقدَّمَة في الفيلم على نحوٍ غير جذابٍ كامرأةٍ قاسيةٍ «نسوية» تضع عملها في المقام الأول — تأمرها ببساطةٍ أثناء نقاشٍ حول حملها بضرورة «الاهتمام به»، و«به» هنا تقصد حملها. ومن الواضح للجمهور أنها تعني بهذه العبارة أنه ينبغي لأليسون إجراء عملية إجهاض. مع ذلك، تُقدَّم طريقة التفكير تلك في صورة وجهة نظرٍ «نسوية» رجعية شريرة؛ ومن ثَمَّ تُنزع شرعيتها في الفيلم إلى درجةٍ تجعل خيار الإجهاض غير محتملٍ ومستحيلًا بالنسبة إلى أليسون.
يتخذ فيلم «الحبلى» — بوصفه نصًّا حقَّق شعبية — موقفًا قيميًّا معينًا حيال مسألة الإجهاض كخيارٍ شرعي؛ فيعرض الإجهاض على أنه كلمة لا يصح ذكرها، ويربطه بالشخصيات «النسوية» القاسية المهمشة في الفيلم، ويعرض الشخصيات الرئيسية على نحوٍ عامٍّ كشخصياتٍ مرهفة الحس جزئيًّا لأنها غير قادرةٍ على التفكير في الإجهاض كخيار. ومن هذه الناحية يتخذ الفيلم موقفًا «أيديولوجيًّا» حيال مؤيدي النسوية، وحيال خيار الإنجاب، عندما يعرضهما على نحوٍ قاسٍ وغير محبوب. ويلقى المشاهدون تشجيعًا على اعتناق هذا الموقف حيال مسألة الإجهاض بالمثل.
برغم أنه من المحتمل أن يتأثر معظم الأشخاص بالنص وسينظرون إلى الإجهاض بهذه الطريقة، فإن البعض لن يتأثر. وتحليل الجمهور الذي يُجريه متخصصو الدراسات الإعلامية هو الوحيد الذي يمكن أن يخبرنا بطريقة قراءة المشاهدين الحقيقيين لهذا النص. إلا أن المحلل النصي يساعد الباحث الدارس للجمهور من خلال الإشارة إلى طرق تمييز النص نفسه أو تشجيعه لقراءاتٍ معينةٍ مقارنةً بقراءاتٍ أخرى. بالتأكيد فإن الجماهير، الذين غالبًا ما يكونون متنوعين ويتعرضون لمؤثراتٍ أخرى إلى جانب النص، ربما يقرءون الفيلم بالطريقة التي قصدها كاتبه، ولكن القراءات الأخرى ممكنة كذلك؛ فعلى سبيل المثال، مؤيدو النسوية في الجمهور الذين يدركون طريقة تقديم الإجهاض في النصوص الثقافية الرائجة قد يرَوْن الفيلم منحازًا ضد خيار الإجهاض، وذلك للأسباب التي ناقشناها سابقًا.
لم يتوقف التأثير الأيديولوجي للفيلم عند مسألة الإجهاض، بل امتد إلى قضايا أخرى أيضًا؛ مما جعل الفيلم نصًّا سياسيًّا على نحوٍ واضحٍ على عدة مستويات، على الرغم من أنه في الوقت نفسه عمل ترفيهي من أعمال هوليوود؛ فهو ليس مجرد حكايةٍ عن نقص الخيارات الإنجابية المتاحة للنساء في الولايات المتحدة عام ٢٠٠٧ — وخاصةً على المستوى الرمزي — ولكنه أيضًا قصة عن الرغبة في إحياء الأسرة التقليدية من جديد.
فعلى غرار الأزواج في أفلام هوليوود في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، العصر الذي كان الإجهاض فيه غير قانوني، وكانت عمليات الإجهاض الآمنة يكاد يكون من المستحيل إجراؤها في الولايات المتحدة، فإن بطل الرواية الذَّكَر بن في الفيلم يجد نفسه مضطرًّا لعرض الزواج من أليسون بأكثر الطرق تقليدية، ويشعر أيضًا أن لزامًا عليه الانخراط في حياةٍ أسريةٍ معها ومع الطفل الذي لم يولد بعد، على الرغم من أنه لا يكاد يعرفها. كما تطلبت أليسون بعض الإقناع في عصرٍ تقلصت فيه وصمة العار المرتبطة بالأمهات العزباوات إلى حدٍّ كبير، وغالبًا ما تكون النساء قادراتٍ على إعالة أنفسهن وأطفالهن.
عندما تقرر أليسون أن تتزوج من بن، يكون هذا الخيار غير مقنعٍ روائيًّا؛ مما يؤكد عنصره الأيديولوجي. لماذا تختار امرأة عاملة شابة ناجحة وجميلة الزواجَ من شخصٍ غير مستقرٍّ غير متعلمٍ وعاطلٍ عن العمل، وليس جذابًا على نحوٍ خاص — دعنا نقلها صراحة: فاشل — مثل بن؟ السبب الوحيد في منطق الفيلم هو أن قيمة وجود الأسرة التقليدية — الأب والأم والطفل — يفوق بكثيرٍ السلبيات التي ستواجه أليسون جرَّاء هذا الاختيار. هذا على الرغم من حقيقة أنه من الناحية الإحصائية احتمالاتُ نجاح زواجها من شخصٍ مختلفٍ عنها مثل بن قليلةٌ نسبيًّا.
وهكذا نجد أنه في فيلم «الحبلى»، تتمتع النساء الحوامل بمزيدٍ من النجاح في الحياة المهنية، ويُحوِّل الرجال أنفسهم من مراهقين إلى بالغين مسئولين، وتتلقَّى النساء والأطفال اهتمامًا حقيقيًّا وليس مصطنعًا. تلك التشوُّهات المنهجية لمصلحة تصوير الأسرة النواة كنظامٍ بلا سلبيات، على الرغم من السجل التاريخي الموجود في التحليلات الأكاديمية والشعبية، هي قلب الأيديولوجية. وإذا كانت هذه الأمور هي مقياس النص الأيديولوجي، فإن الفيلم يتوافق معها إلى أقصى حد. وبعيدًا عن كونه كوميديا رومانسية بسيطة كما تم تقديمه، فإن الفيلم أيديولوجيٌّ سياسيٌّ محافظ، وهو جزء من رد الفعل العنيف ضد النسوية وحقوق المرأة الذي وصفته سوزان فالودي وصفًا بليغًا (١٩٩١).
رغم أن هذه الافتراضات الأيديولوجية حول الأسرة التقليدية والمرأة العاملة واضحة للغاية في نص الفيلم، فإنها في الوقت نفسه متضمَّنة بسلاسةٍ في حكايةٍ تقليديةٍ ممتعة؛ مما يبقيها غير مرئية وقوية على حدٍّ سواء؛ ونتيجةً لذلك، ربما يتأثر الكثير من المشاهدين بطريقة سرد الفيلم — إضافةً إلى العديد من المنتجات الأخرى المتحيزة ثقافيًّا على نحوٍ مماثلٍ والتي تشكل السياق الثقافي لهذا السرد المعين — فيتخذون موقفًا مماثلًا يدعم الأسرة التقليدية كحلٍّ لحالات الحمل غير المخطط لها، ويقلل بالمثل من تأثير الأمومة غير المخطط لها على النجاح في الحياة المهنية للمرأة. مع ذلك، ربما يتعرَّف مشاهدون آخرون — ربما نتيجةً لتأثُّرهم بقناعاتهم النسوية أو بوعيهم الاجتماعي — على وجهات النظر هذه في الفيلم، وقد يتفقون معها أو يعارضونها. وتظل مهمة الباحث الذي يُجري أبحاثه على الجمهور أن يخبرنا بمدى وحدود تأثير هذه النصوص وغيرها من النصوص الثقافية والنصوص ذات الشعبية.
قارن تقديم الإجهاض في «الحبلى» مع تقديمه في فيلم «أوقات سعيدة في مدرسة ريدجمونت الثانوية» (فاست تايمز آت ريدجمونت هاي)، السابق لردة الفعل هذه والذي أخرجتْه المخرجة المؤيدة علنًا للنسوية آيمي هيكرلينج عام ١٩٨٤. يصور هذا الفيلم، الذي يعرض السلوك الجنسي للفتيات المراهقات في المدرسة الثانوية في لوس أنجلوس، المغامرات الجنسية لستايسي، التي تفقد عذريتها في علاقة جنسية لليلة واحدة، وتصبح حاملًا في علاقة أخرى. وعندما تعلم ستايسي بحملها، تضع على الفور خططًا لإجراء عملية إجهاض، دون التفكير في أي بدائل ودون مناقشة هذا الخيار مع عائلتها أو صديقاتها أو والد الطفل، الذي كان طالبًا آخر في المدرسة الثانوية يُدعى مايك دايمون. قُدِّم الإجهاض في هذه الحالة كأمر واقع، باعتباره الحل المنطقي الوحيد لمأزق ستايسي وكحلٍّ سهلٍ إلى حد ما.
تعرض ستايسي درجة عالية من المساواة بين الجنسين، عندما تطلب فحسب من مايك مساعدتها في إجراء عملية الإجهاض من خلال توصيلها إلى العيادة ودفع نصف التكلفة (لا تطلب تعويضًا عن تحمل العبء البدني للحمل بأي شكلٍ من الأشكال). وعلى الرغم من محاولة مايك الحصول على بعض القروض، فإنه لا يستطيع تدبير نصف التكلفة الخاص به، ولا يذهب لمقابلة ستايسي لتوصيلها إلى العيادة بسبب الشعور بالخجل؛ ومن ثَمَّ تذهب ستايسي بمفردها (يوصلها شقيقها إلى صالة البولينج لمقابلة صديقتها، كما زعمت)، وتدفع بنفسها تكلفة العملية، وبعد ذلك تستقل السيارة مع شقيقها إلى مطعم لتناول طعام الغداء. هذه هي آخر مرةٍ نسمع فيها عن الإجهاض في الفيلم إلا عند محاولة صديقتها ليندا معاقبة مايك دايمون على عدم حضوره (عن طريق كتابة «طفل أحمق» بحروف حمراء كبيرة على سيارته وخزانة ملابسه).
عبر استخدام هذا الفيلم في دوراتنا التعليمية حول نوع الفيلم والأفلام على مر السنين، كنا قادرين على تسجيل ردود أفعال الطلاب المتغيرة باستمرارٍ حيال تصوير إجهاض ستايسي. في حين لم نلاحظ أي ردود فعلٍ قوية على نحوٍ خاصٍّ حيال قصة ستايسي عندما بدأنا استخدام الفيلم في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، فإنه في منتصف تسعينيات القرن العشرين بدأت تظهر ردود فعلٍ سلبية قوية بين المشاهدين الطلاب حيال ما اعتبروه معاملة «عارضة» من الفيلم للإجهاض. هذا التغيير التدريجي في رد فعل المشاهدين الطلاب إزاء قضية الإجهاض يثير مسألة ما إذا كانت التوجهات الأيديولوجية في السينما تعكس التحوُّلات العامة في سلوكنا ومعتقداتنا الشائعة، أم تؤثر في هذه التوجهات والمعتقدات معجلةً بالتحولات، أم كليهما. تشير أبحاث الدراسات الإعلامية إلى أن كليهما صحيح على نحوٍ متساوٍ.
من ثَمَّ، تبدأ الدراسات الإعلامية من افتراض أن تمثيلات الواقع التي يستهلكها الناس تؤثر على طريقة رؤيتهم للعالم في مجتمعنا المشبع بوسائل الإعلام على نحوٍ متزايد. وتفترض أيضًا أن المحتوى الإعلامي مقياس جيد لهذه الأفكار والآراء؛ فمنذ بداياتها، كان جوهر الدراسات الإعلامية دائمًا هو تقديم تحليل نقدي لطريقة تمثيل الإعلام للواقع، أو في الحقيقة طريقة تحديده للواقع؛ عبر تشكيل خياراتنا وهوياتنا ومعتقداتنا. وسوف نناقش في هذا الفصل أدوات النقد التحليلي لممارسات التمثيل الذي يقدمه دارسو الإعلام، والنقد التحليلي لتأثير الإعلام كما يمارسه مختصو أبحاث الجمهور في مجال الدراسات الإعلامية.
بدأنا بطبيعة الحال من فرضية أنه لا يمكن لأي تمثيلٍ أن يكون انعكاسًا بسيطًا للواقع؛ فهذا أمر مستحيل نظرًا لتعقيد القضايا والأشياء والأشخاص والمواقف التي يقدمها الإعلام ومحدودية التمثيل. وكما أشار الباحث الإعلامي الشهير جيمس كاري، فإن تبنِّيَ منظورٍ ثقافيٍّ في تحليل الإعلام يفرض فكرة أن الواقع كما نتصوره يتشكل في حد ذاته من خلال الصور التي تمثله. ماذا تعني هذه النظرية في الواقع؟ تخيل كاميرا تعمل ببساطةٍ على التقاط كل جانبٍ من كل حدثٍ في محاولةٍ لإبراز حقيقته. سيكون من المستحيل تحقيق ذلك؛ فحتى في التحقيقات الوثائقية أو الإخبارية، يختار المؤلفون وصانعو الأفلام والكُتَّاب والمخرجون والمصورون — وما إلى ذلك — جميعهم خيارات تؤثر على نوع تصوير الواقع الذي يظهر في منتجهم الإعلامي.
إحدى المساهمات المهمة التي قدمتها الدراسات الإعلامية هي إظهار أن العديد من التمثيلات — على وجه الخصوص، أكثر التمثيلات شعبية؛ أي تلك الأكثر وفرةً التي ينتجها النظام الإعلامي المهيمن — تُنتِج معانيَ تتوجَّه على نحوٍ منتظمٍ بطرقٍ معينةٍ نحو استدعاء مجموعة القراءات نفسها من أعضاء عدة مجموعاتٍ اجتماعيةٍ مختلفة. ويكمن مفهوم هذا التوجُّه المنهجي والقابل للتحديد أيضًا في قلب مصطلح «الأيديولوجية».
عرَّفْنا مصطلح «أيديولوجية» سابقًا بأنه يشير إلى الافتراضات التي تظل خفية عندما يشاهد المرء نصًّا إعلاميًّا أو يتلقاه. ونود هنا أن نوسع هذا التعريف أكثر، ونؤكد على أن الأيديولوجية في الإعلام تتكوَّن من صورٍ تتضمَّن عند تقديمها توجهاتٍ منهجيةً يمكن أن تكون ذات صلةٍ ببنى السلطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تميز المجتمع، وعدم المساواة التي تنتج عن هذه البنى. تميل هذه الصور نحو دعم بعض وجهات النظر حول ماهية الواقع — وجهات نظر معينة دون غيرها — وكثيرًا ما تدعم وجهات النظر ومنظور أولئك الذين يحتلون مناصب السلطة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية. مع ذلك، فالعلاقة بين وجهات النظر الأيديولوجية في الإعلام وتلك التي تسود في أي وقتٍ من الأوقات في مجتمعٍ معينٍ ليست بسيطة. وتنطوي دراسة هذه العلاقات على «تحليل» من يحمل أي وجهات نظرٍ وأي وجهات نظرٍ يمكن تأويلها في منتجات الإعلام المختلفة.
على سبيل المثال، في فيلم «الحبلى» المذكور سابقًا، يشير الجانب الأيديولوجي للصور التي يحتويها الفيلم إلى أن معظم المشاهدين سوف يقرءون الفيلم إما كفيلمٍ كوميديٍّ خفيفٍ حول الزواج بين الشباب، «أو» كحكايةٍ تحذيريةٍ حول الحاجة إلى تجنُّب ممارسة الجنس قبل الزواج. أما القراءة «غير المفضَّلة» للفيلم وصوره فهي تأويل المؤيدين للنسوية، الذين سينتقدون الفيلم لعدم تقديم الإجهاض كخيارٍ قابلٍ للتطبيق لمعضلة أليسون. سيركز الناقد النسوي على القضايا التالية:
-
عدم نطق كلمة «إجهاض» طوال الفيلم.
-
الإشارة إلى الإجهاض على نحوٍ غير مباشرٍ باعتباره إجراءً غير مقبول، من خلال انتقاص الفيلم من والدة أليسون، التي توصي به دون استخدام كلمة الإجهاض نفسها، ومن خلال محاولة صديق بن مناقشة الإجهاض مع عدم رغبته في استخدام الكلمة نفسها، ومن خلال رفض أليسون وضع الخيار في الاعتبار.
-
إسقاط تكلفة الحمل على حياة أليسون المهنية من الاعتبار عبر التصوير غير المحتمل لحملها على أنه دفعة لحياتها المهنية.
-
تقديم الأسرة النواة التقليدية باعتبارها الحل الأمثل لمعضلة أليسون.
يقضي متخصصو الدراسات الإعلامية الكثير من وقتهم ويستهلكون كثيرًا من طاقتهم في اكتشاف وجهات النظر المفضَّلة في كلٍّ من المجتمع وتمثيلاته، وتفسيرات هذه الخيارات من قِبل أولئك الذين يُعدون هذه النصوص. في كثيرٍ من الأحيان، يجد محللو الصور أنفسهم يعتمدون على «دراسات التلقي» لتوضيح أنه على الرغم من أن المحللين ربما يجدون تفسيرًا واحدًا معينًا للنص «مهيمنًا»، فإن القراء أو المشاهدين أو المستخدمين في بعض الأحيان يفسرون النص نفسه على نحوٍ مختلف. ويوجد العديد من الأمثلة الكلاسيكية في دراساتنا السابقة يوضح انفتاح نصوصٍ مختلفةٍ أمام سلسلةٍ من التفسيرات المتنافسة.
أحد الأمثلة على هذه الدراسات هو العمل الرائد «قراءة الروايات الرومانسية» لباحثة الإعلام الأمريكية جانيس رادواي (١٩٨٤). وجدت رادواي أنه على الرغم من تفسير الباحثين لهذه الروايات على أنها تروي قصص نساءٍ ضعيفاتٍ خانعات، فإن محبي هذه الأعمال يرَوْن بطلاتها على العكس من ذلك ملهمات وقويات ومستقلات، ويحبون الروايات الرومانسية التي تؤكد على هذه الصفات. فتحتْ دراسة رادواي حول طريقة تلقِّي الجمهور الفعلي لتلك الروايات مسارًا جديدًا تمامًا للتحليل النصي، كاشفةً عن أن الروايات الرومانسية كانت عرضة لوجهة نظرٍ مختلفةٍ تمامًا عما كان يعتقده الباحثون سابقًا. وبينما أصبحت الأفكار النسوية أكثر انتشارًا في ثقافتنا، بدأ قراء الروايات الرومانسية في قراءتها من وجهة نظرٍ نسوية، باحثين عن بطلاتٍ قوياتٍ مستقلات، بدلًا من النساء الضعيفات اللاتي دمَّرهن الرجال الأقوياء. وما كان يُنظر إليه على أنه المعاني السائدة الكامنة في الروايات الرومانسية (على سبيل المثال، الرسائل المعادية لقوة المرأة واستقلالها) اكتُشِف فعليًّا أنها تخالف أنواع المعاني التي يراها القراء والمحبون في كثيرٍ من هذه الروايات، والتي غالبًا ما كانت قراءاتٍ معاكسةً تمامًا.
ثَمَّةَ حالة كلاسيكية أخرى توضح التفسيرات المتعددة للنص الإعلامي نجدها في دراسة التلقي التي أُجريت على المسلسل التليفزيوني الشهير «كل شيء في العائلة» (أول إن ذا فاميلي) الذي كتبه نورمان لير في سبعينيات القرن العشرين وينتمي إلى نوع كوميديا الموقف. بدا منظور لير الليبرالي واضحًا لكثيرٍ من الباحثين في مجال الإعلام، الذين فسَّروا شخصية أرتشي بانكر — الشخصية الرئيسية العنصرية والمتحيزة جنسيًّا صراحة — من منظورٍ نقدي. وعلى النقيض من حكم النقاد الذي دفع بليبرالية المسلسل الصريحة، بل راديكاليته، نظرًا لعرضه لعنصرية أرتشي بانكر وتحيُّزه على أساس الجنس وخوفه من المثليين وتوجهه السياسي المحافظ عامةً من منظور ساخر، فإن دراسات الجمهور التي تناولت التلقِّيَ الفعليَّ للمسلسل كشفت عن أن الكثير من المشاهدين أحبوا أرتشي وشعروا أنه جدير بالتقليد. بدت هذه النتائج معارضة لنوايا لير ومتناقضة مع ما بدا للباحثين أنه نية «واضحة» لصانعي المسلسل لعرض التوجهات والمعتقدات العنصرية والمتحيزة على أساس الجنس في صورة نقدية (فيدمار وروكيتش ١٩٧٤).
يقدم فيلم «بورات»، الذي عُرض عام ٢٠٠٦، مثالًا أكثر حداثةً حول المعاني المتعددة للنصوص المختلفة. كان مؤلف الفيلم ساشا بارون كوهين على ما يبدو (وفقًا للنقاد، وكوهين نفسه في المقابلات) يقصد أن يكون الفيلم نقدًا لأنواع التوجهات والأحكام السابقة الجاهلة والمتحاملة وغير الواعية التي أوضحتها الشخصية الرئيسية بورات وأظهرتها للعيان. يكشف بورات غالبًا، في سياق الفيلم، جهل معظم الأمريكيين بخريطة العالم والواقع الاجتماعي والسياسي للشعوب الأخرى. ويقدم الفيلم كوهين في شخصية مراسلٍ تليفزيوني كازاخستاني أُرسل إلى الولايات المتحدة لتصوير فيلمٍ وثائقيٍّ حول المجتمع الأمريكي والثقافة الأمريكية. يُصوِّر الفيلم كازاخستان على نحوٍ غير صحيحٍ كدولةٍ متعصبة ومتخلفة ويخلق شخصية خيالية تمامًا هي شخصية المراسل التليفزيوني بورات.
صُور فيلم «بورات» على نحوٍ واقعيٍّ مع أمريكيين حقيقيين لا يعرفون أن بورات هو في الواقع كوهين — الممثل — يمثل فيلمًا أمريكيًّا هم شخصياته. وتُشكِّل ردود أفعالهم حيال شخصيته الخيالية الجانب الكوميدي من الفيلم، وكثير من أحكامهم السابقة وجهلهم بكازاخستان مسجلة في المشاهد المصورة. في حين بدا أن كوهين يُصوِّر هذا الفيلم في محاولةٍ للكشف عن الأحكام السابقة لدى الأمريكيين وجهلهم بمن يعيشون في الأجزاء الأخرى من العالم، فهناك أدلة في الدراسات النقدية والاهتمام الإعلامي المستلهَم من نجاح الفيلم على أن العديد من المشاهدين الفعليين للفيلم — الذين ربما يشتركون في الأحكام السابقة التي تعتنقها الشخصية — رأَوْا شخصية بورات غالبًا كشخصيةٍ ظريفةٍ ومحبوبةٍ حقًّا (كلاوانس ٢٠٠٦).
تبدأ هذه الأمثلة في توضيح مدى تعقيد مسألة تلقِّي الإعلام؛ ولذلك، يعد ذكر تاريخ موجز لنتائج الباحثين حول تلقِّي الإعلام مفيدًا لأهداف هذا الفصل. وقد خضع تأثير الإعلام الشعبي للتقييم بالعديد من الطرق المختلفة، وسيكون من المفيد طرح مناقشةٍ وجيزةٍ لطريقة تناول الباحثين لهذا الموضوع من أجل تحديد ما يمكن لمجال الدراسات الإعلامية تقديمه بشأن هذه المسألة بالضبط.
(٢) الدراسات الإعلامية ودراسة التلقي: نبذة تاريخية عن الأساليب والنتائج
التفكير القديم حيال تلقِّي الإعلام تخيل أن الإعلام يقدم المعلومات، وأن هذه المعلومات تؤثر بعد ذلك بشدةٍ في مشاهديه ومستخدميه. هذا النموذج البسيط للحافز/الاستجابة، المأخوذ من علم النفس، وضع المتلقيَ الفرديَّ بين حافز الرسالة الإعلامية، والاستجابة لها. كان «لنظرية الرصاصة السحرية» وجهةُ نظرٍ بسيطةٌ للغاية حول كلٍّ من نوع المعلومات المقدمة في الإعلام الجماهيري وطريقة الأفراد والفئات الاجتماعية في استخراج المعاني من هذه المعلومات؛ فبدلًا من التركيز على الطرق المتعددة التي يمكن من خلالها تفسير أي نوعٍ من المعلومات، ومن ثَمَّ المعاني المتعددة التي قد تحملها تلك المعلومات، فإن نظرية الرصاصة السحرية تتصور نوعًا بسيطًا من المعلومات التي يمكن بعد ذلك (على نحوٍ مجازيٍّ طبعًا) «حقنها» في أولئك الذين يقرءون أو يشاهدون أو يستخدمون الوسيلة الإعلامية موضوع النقاش؛ ومن ثَمَّ كان تأثير الإعلام قضية بسيطة؛ فالأشخاص الذين استمعوا أو قرءوا أو شاهدوا تأثروا بتعرُّضهم للإعلام بطرقٍ واضحةٍ قابلةٍ للقياس.
إذًا نظرية الرصاصة السحرية ستعالج تأثير فيلم «الحبلى» عبر عملية تقييمٍ بسيطة؛ فبمجرد تحديد معنى النص (كما ناقشنا سابقًا في هذا الفصل، يقدم الفيلم نصًّا مناهضًا للإجهاض صراحةً من وجهة نظرٍ بحثية)، ينبغي أن يؤديَ التعرض له إلى تغييرٍ في الرأي (على سبيل المثال، ينقلب المزيد من الأمريكيين ضد الحق في الإجهاض بما يتناسب مع عدد المشاهدين الذين يتعرَّضون لهذا النص). وسيكون من السهل أيضًا قياس تأثير الإعلانات التليفزيونية — على سبيل المثال — وفقًا لهذا المنظور. ويمكن ببساطةٍ قياس تأثير دعايةٍ محددةٍ من خلال تقييم كيفية تغيير سلوك المستهلكين بالفعل بعد التعرُّض لها. إذا شوهد إعلان لمسحوق غسيل معين من قِبل أربعة ملايين مستهلك، وزادت مبيعاته على نحوٍ قابلٍ للقياس في الأسبوع التالي لبثِّه، فإن هذا التغيُّر في السلوك، وفقًا لهذه النظرية، يُعزى مباشرةً إلى مشاهدة المستهلكين لهذا الإعلان. ومن هذا المنظور، يمكن تقييم إعلانات الحملة الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية أو غيرها من الانتخابات على نحوٍ مماثلٍ في سياق تأثيرها على موقف المرشح في استطلاعات الرأي.
في المراحل الأولى من أبحاث التلقِّي، واجهت الطبيعة البسيطة لنظرية الحقنة تحت الجلد الخاصة بتأثير الإعلام تحديًا. كما ناقشنا في الفصل الثالث، درس لازارزفيلد وبيريلسون وجوديت، في كتابهم الرائع «اختيار الشعب» (١٩٤٨)، تأثيرات الحملات الانتخابية السياسية، واكتشفوا أن إعلانات الحملة عززت ما يؤمن به الناخبون بالفعل، وتأثرت للغاية بالأشخاص المؤثرين الذين يعرفهم الناخبون. لاحقًا، نقح لازارزفيلد وكاتز في كتابهما «التأثير الشخصي: الدور الذي يلعبه الأفراد في مسار الاتصال الجماهيري» (كاتز ولازارزفيلد ١٩٥٥) نتائج لازارزفيلد السابقة بأن تأثير الإعلام يُخفَّف عبر تأثير الأشخاص المهيمنين ودائرة المعارف، وتناولاها بمزيدٍ من التفصيل. حدَّد كاتز ولازارزفيلد في دراستهما تأثير مَن سمَّوْهم «قادة الرأي»؛ وهم أشخاص مؤثرون بين أقرانهم والآخرين في المجموعات المختلفة. اكتشف كاتز ولازارزفيلد أن قادة الرأي كانوا مهمين في «طرق» تأثير الإعلام على الناس؛ فلم يكن تأثير الإعلام مباشرًا ببساطة، ولكنه كان يُخفَّف من خلال تأثيرهم الاجتماعي.
قدَّمت هذه الأعمال بعضًا من الأدلة التجريبية الأولى على أن تأثير الإعلام ليس قضية بسيطة كما كان يعتقد باحثو الدراسات الإعلامية الأوائل؛ فمنذ اليوم الذي قرأ فيه أورسون ويلز عام ١٩٣٨ رواية إتش جي ويلز الشهيرة «حرب العوالم» (ويلز ١٨٩٨) عبر الراديو، وفرَّ الملايين من منازلهم عندما سمعوا ما اعتقدوا أنه خبر عن غزوٍ من المريخ، اعتنق الجمهور فكرة أن تأثير الإعلام كان مسألة مباشرة. في حالة ويلز، تحدَّث الإعلام وصدَّق الجمهور، لكن نتائج كاتز ولازارزفيلد تحدت وجهة النظر المفرطة التبسيط تلك بنظرية التدفُّق ذي الخطوتين التي طرحاها. وفقًا لهذه النظرية، ينقح قادة الرأي تأثير الإعلام ويكسرون حدته؛ لذلك، على سبيل المثال، الفتاة المراهقة التي ترى إعلانًا لبنطال جينز ممزَّق ربما تتأثر، إمَّا بشرائه أو تجاهله، نتيجة لمحادثاتها في المدرسة مع صديقاتها الأخريات، لا سيما مع الصديقات اللاتي يرتدين الملابس التي تعجب معظم الفتيات، أو الزوج الذي يرى إعلانًا تليفزيونيًّا سياسيًّا خلال حملة الانتخابات الرئاسية ربما يتأثر بمناقشته مع زوجته بعد ذلك أكثر من تأثُّره بالإعلان نفسه، ومجموعة المراهقين الذين يشاهدون فيلم «الحبلى» ربما يؤثر بعضهم على بعضٍ إلى درجةٍ كبيرةٍ في محادثاتهم بعد الفيلم، على نحوٍ يتجاوز تأثير الفيلم على أي مشاهدٍ مراهقٍ منفرد.
خاضت دراسات التلقِّي في الإعلام عدة مراحل. أثار دخول التليفزيون كوسيلة إعلامٍ جماهيرية في خمسينيات القرن العشرين سلسلةً من الدراسات المكثفة حول تأثيره على الأطفال، لا سيما على يد هيلدا هيميلفايت وفريقها (هيميلفايت ١٩٥٨). ركَّزت دراسات العلوم الاجتماعية حول التأثير في خمسينيات وستينيات القرن العشرين في كثيرٍ من الأحيان على مسألة تأثير التليفزيون على الأطفال (هودج وتريب ١٩٨٦، ماكبث ١٩٩٦، بيكورا وموري وَوورتيلا ٢٠٠٧)، أو على مسألة تأثير الإعلام على السياسة، لا سيما على السلوك الانتخابي (كلابر ١٩٦٠). مرةً أخرى، تتخذ هذه الدراسات كثيرًا موقف أنَّ تأثير الإعلام يمكن أن يكون واسع النطاق. ولم يشدد من بين هذه الدراسات على قدرات الجماهير على معالجة المعلومات معالجة نقدية إلا عدد قليل.
ثَمَّةَ مجموعة دراسات تُسمَّى منهج «الاستخدامات والإشباعات» مهَّدت بالفعل الطريق لنوعٍ مختلفٍ من نظريات جمهور الإعلام؛ نوع يشدد على أن الجمهور نشط بدلًا من كونه خاضعًا ببساطةٍ لتأثير الإعلام. على وجه الخصوص، أكدت أبحاث الاستخدامات والإشباعات على أن الجماهير استخدموا الإعلام لتلبية حاجاتٍ نفسيةٍ مختلفة (روسينجرين ١٩٧٤). وكان المنهج منهجًا وظيفيًّا نظاميَّ التوجُّه عدَّد الكثير من الوظائف المفيدة التي قدَّمها الإعلام للمستخدمين. استخدمت أبحاث الاستخدامات والإشباعات على نحوٍ رئيسيٍّ أساليبَ استطلاع الرأي لاكتشاف أنواع استخدامات أفراد الجمهور لوسائل الإعلام، أو الإشباعات التي حصلوا عليها من وسائل الإعلام التي استخدموها. اكتشفت إحدى الدراسات، على سبيل المثال، أن مشاهدة التليفزيون كانت «عادة»؛ لأنها كانت وسيلة جيدة لاستهلاك الوقت (جرينبرج ١٩٧٤، مقتبسة في شرودر ١٩٩٩: ٤١). وتناقضت هذه النتائج مع نتائج دراسةٍ أخرى (روبن ١٩٨٦)، والتي وجدت أن الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس لمشاهدة التليفزيون ارتبطت بمحتوى البرنامج (مقتبسة في شرودر ١٩٩٩: ٤١) وإعجابهم ببرامج معينة. وبينما اختلفت نتائجهما، فإن تركيز كل هذه الدراسات كان على استخدامات الأفراد لمشاهدة التليفزيون، أو استخداماتهم للأنواع الأخرى من وسائل الإعلام.
على مدى العقود القليلة التالية نما المنهج الذي أصبح معروفًا باسم أبحاث «الجمهور النشط»، مشكلًا مجال التلقِّي في الدراسات الإعلامية بطرقٍ جديدة. وسَّع باحثو منهج الجمهور النشط نتائج باحثي الاستخدامات والإشباعات للتأكيد على قدرة الجماهير على تملُّك المنتجات الإعلامية وتفسيرها واستخدامها بوعيٍ وعلى نحوٍ متعمَّد، ولكنهم ركزوا أكثر على المعاني الاجتماعية للإعلام، وحول ما إذا كان الجمهور تقبَّل تلك المعانيَ أم تملَّكها أم قاومها، وكيفية ذلك. وأصبح مفهوم «مقاومة» الجماهير للمعاني التي يقابلونها في وسائل الإعلام فكرة رئيسية في هذا المنهج. ويرجع سبب ذلك جزئيًّا إلى اعتماد هذا المنهج على التفسير النقدي للمحتوى الإعلامي بوصفه يعكس قيمًا اجتماعية سائدة، لا سيما فيما يتعلق بقضايا الهوية مثل نوع الجنس والطبقة الاجتماعية والعرق والميول الجنسية، كما سنناقش بمزيدٍ من التفصيل في الفصل الخامس.
يؤرخ العديدون بداية أبحاث الجمهور النشط مع نشر كتاب جانيس رادواي المؤثر عام ١٩٨٤ «قراءة الروايات الرومانسية» (١٩٨٤)، الذي ذكرناه سابقًا. وكما أشرنا، درست رادواي تفسير الجمهور النسائي للكتب الرومانسية المبيعة بأعدادٍ كبيرةٍ التي يُحْبِبْنَها. كانت إحدى النتائج التي توصلتْ إليها — على عكس التفسيرات النسوية الشائعة وقتها التي نظرت إلى الروايات الرومانسية على أنها متحيزة جنسيًّا ومسيئة للمرأة — أن الجمهور النسائي للروايات الرومانسية اللاتي أجْرَتْ حوارًا معهنَّ وجَدْنَ بطلات قويات ومؤيدات للنسوية في تلك الروايات، وفسَّرنَ العديد منها على أنها نسوية. وتمخضت دراسة رادواي كذلك عن نتيجةٍ أخرى؛ وهي أن جمهور هذه الروايات استخدمن وقت قراءتهن لها من أجل المطالبة الفعَّالة بمساحةٍ لأنفسهن، بعيدًا عن المطالب المتعددة لأيام العمل، والتي تتضمن بالنسبة إلى كثيراتٍ منهن الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال على مدار اليوم. وبالفعل، دعمت هاتان النتيجتان الركائز الرئيسية لمنهج الجمهور النشط. لم تكن قارئات الروايات الرومانسية ساذجاتٍ من الناحية الثقافية، متأثراتٍ بالكتب لدرجة أن يغمرن أنفسهن في أوهامٍ رومانسيةٍ عقيمة. بدلًا من ذلك، كنَّ يصنعن بوعيٍ قدوةً من بطلات قويات سكَنَّ أكثر الكتب جاذبيةً لهن.
وبعد رادواي، وجد عدد كبير من باحثي الدراسات الإعلامية أن الجماهير استحوذت على نحوٍ فعالٍ على العديد من المنتجات الإعلامية التي كان يُعتقد أنها ضارة أو مؤثرة بقوة. درس آنج (١٩٨٥)، وبراون (١٩٩٠، ١٩٩٤)، وبرس (١٩٩١)، وليبيس وليفنجستون (١٩٩٤. انظر أيضًا ليفنجستون وليبيس ١٩٩٨) كيفية استحواذ النساء على المسلسلات التليفزيونية الاجتماعية بطرقٍ مشابهةٍ لتلك التي ناقشتْها رادواي لدى قُرَّاء الروايات الرومانسية.
أصبحت أعمال فيسك (١٩٩١، ١٩٩٤. وانظر أيضًا فيسك وهارتلي ١٩٧٨) من أكثر أعمال مُنظِّري الجمهور النشط قراءةً على نطاقٍ واسع. وقد يكون التعبير الأكثر شهرةً حول موقف الجمهور النشط هو وصف فيسك لطريقة تحدُّث الشابات العاشقات لفنانة البوب مادونا عن صورتها ورسالتها؛ ففي حين كان هناك شعور عام بأن مادونا تقدم صورة غير نسويةٍ تتسم بالاستعراض الجنسي العلني، اقترح فيسك أن العديد من محبيها ينظرون إليها في الواقع كصورةٍ نسويةٍ لامرأةٍ قويةٍ تملك زمام حياتها الجنسية (فيسك ١٩٩١). إن ملاحظة تفسيرات الجماهير النسوية لمادونا تنطوي على إعادة النظر في كونها فُرجة وصورة إعلامية، وتحويل صورتها من الصورة الأنثوية التقليدية السائدة، التي تعتمد على تشييء الأنثى وربطها بالجنس، إلى صورة تتحدَّى تلك القيم في حد ذاتها في الصور الإعلامية السائدة.
وسَّع ليبيس وكاتز (١٩٩٣) نظرية الجمهور النشط عبر إجراء اختبارات مقارنة في أماكنَ مختلفةٍ حول العالم، واكتشفا أن المسلسل الأمريكي الاجتماعي «دالاس» يُقرأ ويُقيَّم على نحوٍ مختلفٍ من قِبل المشاهدين من خلفياتٍ عرقيةٍ مختلفةٍ في السياقات الوطنية المختلفة (إذ درَسَا المشاهدين العرب واليهود في إسرائيل، والمشاهدين اليابانيين في اليابان، وجماعات أخرى شاهدت جميعها النصوص التليفزيونية نفسها). على سبيل المثال، على الرغم من أن المسلسل التليفزيوني الاجتماعي الذي يُعرض في وقت الذروة كان يحظى بشعبيةٍ فائقةٍ في الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المسلسل لم ينجح في اليابان. وكشفت دراستهم أن فشل المسلسل هناك يرجع جزئيًّا إلى أن التوجهات الثقافية لدى اليابانيين أدَّت إلى عدم تقبُّل أن تُعامِل النساءُ الأفرادَ الأكبر سنًّا في الأسرة بقليلٍ من الاحترام، كما كان يحدث في المسلسل.
درس علماء مثل جنكينز (١٩٩٢، ٢٠٠٦)، وبيكون سميث (١٩٩٢)، ولويس (١٩٩٢) مجموعات المعجبين واستحواذهم النشط على النصوص الإعلامية المختلفة، وأصبحت ثقافات المعجبين موضوعًا فرعيًّا كبيرًا بين باحثي الجمهور النشط. وتناولت أعمال كلٍّ من جنكينز وكميل بيكون سميث بالتفصيل طريقة استحواذ عشاق المسلسل التليفزيوني «ستار تريك» — الذي استمر عرضه لفترةٍ طويلة — على نحوٍ نشطٍ ومبدعٍ لشخصيات المسلسل وحبكته الدرامية، وإعادة كتابتها، وإعادة تخيُّلها. وكان تخيُّل وجود علاقة مِثْليَّة بين كيرك وسبوك موضوعًا رئيسيًّا في النصوص التي أعاد المعجبون كتابتها، وميز توسعًا وخروجًا كبيرًا عن المعاني الواضحة في القصص كما وردت في المسلسلات التليفزيونية ذات الشعبية.
دعم منهج الجمهور النشط نموذج كاتز ولازارزفيلد في بعض النواحي المهمة. بالتأكيد، يشترك المنهجان كلاهما في فكرة أن تأثيرات الإعلام ليست شاملة؛ لا تُحوِّل المشاهدين أو مستخدمي وسائل الإعلام إلى مجموعةٍ من «السذج» السلبيين، لكن أولئك الذين ركزوا على الأضرار الاجتماعية للأنواع المختلفة من وسائل الإعلام الجماهيرية شعروا بالانزعاج في بعض الأحيان من هذه المناقشات؛ إذ يبدو أنها تقلل من شأن بعض الآثار الاجتماعية الضارة المحتملة لانتشار وسائل الإعلام الجماهيرية.
عارض آخرون ما رأَوْا أنه تركيز أكبر من اللازم على مقاومة الجمهور لتأثير الإعلام؛ ففي رد فعلٍ حيال أعمال لازارزفيلد وكاتز، وكذلك على بعض الأدلة التي اكتشفها علماء السياسة بشأن التأثير المحدود للدعاية السياسية على السلوك والخيارات الانتخابية، عارض عالم الاجتماع تود جيتلين نظريات التأثير المحدود للإعلام، مؤكدًا أنها «لا ترى الصورة الكبرى» (١٩٧٨)، وشدَّد على أن حقيقة انتشار وسائل الإعلام في جميع أنحاء ثقافتنا تشير إلى أن أي محاولةٍ لعزل تأثيرها من المحتم أن تكون ناقصة. وهو رأي ينطبق أكثر على بيئة الإعلام الجديدة. إن استحالة إجراء دراساتٍ خاضعةٍ للسيطرة تقارن مجتمعنا المشبع إعلاميًّا بمجتمعٍ أقل تشبعًا حالت دون إمكانية الحصول على معلوماتٍ أكاديميةٍ دقيقةٍ حول المجال الفعلي لتأثير الإعلام. وهكذا مُنح باحثو الإعلام حرية «وضع النظريات» البسيطة والمجردة حول تأثير الإعلام عمومًا، بدلًا من إجراء الأبحاث والدراسات الخاضعة للسيطرة حول التأثير الفعلي المحدد على جوانبَ معينةٍ من معتقداتنا وسلوكياتنا. جعل هذا مجتمع العلوم الاجتماعية في بعض الأوقات مترددًا في أخذ نتائج مجال الدراسات الإعلامية على محمل الجد. ورغم ذلك، أشار العديد من باحثي الدراسات الإعلامية البارزين إلى أن التنظير حول تأثير الإعلام يجب أن يؤخذ على محمل الجد في حالة المجتمع المشبع إعلاميًّا، الذي لا يمكن إعادته إلى الوراء مرةً أخرى (جيتلين ٢٠٠٧). ونتيجةً لذلك، يبقى مجال الدراسات الإعلامية معلقًا بين العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، مثبتًا إحدى قدميه بقوةٍ في كل مجالٍ من المجالين.
توضح أعمال برس السابق نشرها (١٩٩١، برس وكول ١٩٩٩) تأثير منظور جيتلين النظري في استخدامها المخفف لمنهج الجمهور النشط. في دراسة البرامج التليفزيونية التي تذاع في وقت الذروة، وجدت أن النساء من مختلِف الطبقات الاجتماعية والأعمار يتأثرن بها ويستحوذن عليها على حدٍّ سواء (١٩٩١)، وكذلك النساء اللاتي يحملن وجهاتِ نظرٍ مختلفةً حيال مسألة الإجهاض (برس وكول ١٩٩٩). على سبيل المثال، وجدت برس أن نساء الطبقة العاملة تأثرن بحقيقة أن معظم الأُسَر المصوَّرة في البرامج التليفزيونية التي تذاع في وقت الذروة كانت من الطبقة الوسطى أو الطبقة العليا. وهذا التأثير دفعهن إلى الاعتقاد بأنهن سيحققن في نهاية المطاف هذا المستوى من الثراء. وهو اعتقاد غير واقعي نظرًا للمستوى التعليمي والمهارات المهنية الموجودة لدى العديد من النساء اللاتي قابلتهن. مع ذلك، على صعيدٍ آخر، اعترضن على الصور التي يقدمها التليفزيون لحياة الطبقة العاملة. فعلى سبيل المثال، اعتقدت إحدى النساء أن شخصية النادلة أليس المنتمية إلى الطبقة العاملة، والتي ظهرت في مسلسلٍ بهذا الاسم، هي صورة غير واقعيةٍ في نواحٍ كثيرة؛ إذ كانت تعيش في منزلٍ مرتبٍ على نحوٍ غير مناسب، وتتحدث بوقاحةٍ عن رئيسها أمام زبائنها، إلا أنها لم تجد عائلة كوسبي (في مسلسل كوسبي الكوميدي) غير واقعية، على الرغم من أنها عكست حالة عددٍ قليلٍ من العائلات الأمريكية ذات الأصول الأفريقية في ذلك الوقت. في المقابل، اهتمت نساء الطبقة المتوسطة أكثر بالصور الخاصة بنوع الجنس التي كن يرينها؛ فإذا كانت المرأة المصوَّرة على شاشة التليفزيون نحيفة وبيضاء وشقراء، وتُظهر سلوكيات «أنثوية» نمطية مثل السلبية أو «اللطف» المفرط؛ كانت هذه الجوانب من الصور التليفزيونية هي الجوانب التي تناقشها هذه المجموعة على نحوٍ أكبر.
هذه النزعة نحو الاعتراف بأنه لا يزال بإمكان الإعلام فرض تأثير — على الرغم من أن الجمهور غالبًا ما يكون نشطًا — تُمثِّل اتجاهًا لكثيرٍ من أبحاث التلقي الحالية في الدراسات الإعلامية، والتي تميل إلى الجمع بين رؤى نظرية الجمهور النشط مع النظريات الأخرى لتأثير الإعلام. فعلى سبيل المثال، في الآونة الأخيرة، وجدت سكيجز، وثوميم، وَوود (٢٠٠٨) أن تليفزيون الواقع يعزز في الحقيقة أشكال التفرقة بين نساء الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، ويساعد على إعادة إنتاجها. وشملت البرامج التي بحثنَها برنامج «تبادُل الزوجات» (وايف سواب)؛ البرنامج الذي فيه تتبادَل الأسرُ الزوجاتِ لفترةٍ من الوقت، فتعيش الزوجة في أسرة امرأةٍ أخرى، وتتعامل مع زوجها وأطفالها وتقاليدهم العائلية والأعمال المنزلية. يركز هذا البرنامج وغيره من البرامج الأخرى على تكوين النساء لشخصيةٍ تتبنَّى قيم الطبقة الوسطى على نحوٍ واضحٍ كجزءٍ من القصة التي يرويها البرنامج. كانت نساء الطبقة العاملة منزعجاتٍ من القيم التي غالبًا ما تدعمها هذه البرامج؛ وهي القيم التي اشتملت على أُمٍّ عاملةٍ ناجحة، وأسرةٍ منضبطة، وأطفالٍ متفوقين هادئين؛ فقد اعترضن على وجهة النظر التي اعتنقتها هذه البرامج حول هذه الأنشطة، والتي كانت مصوَّرة على نحوٍ محبوبٍ بالنسبة إلى النساء، ولكنها كانت في الواقع شديدة الانتقاد للعديد من القيم التي تعتنقها نساء الطبقة العاملة. وأعرب هؤلاء النساء عن هذه الآراء على نحوٍ نشطٍ في المناقشات مع الباحثين وفيما بينهن.
(٣) خاتمة
دراسات التلقي وتحليل الصور في مجال الدراسات الإعلامية تُقدِّم لنا الأدوات اللازمة لتجاوز قراءاتنا المنطقية، وتطبيق الأُطُر التحليلية التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية وغيرها، والتي تساعدنا على تأطير صور الإعلام التي نراها وتحليلها تحليلًا نقديًّا. وقد أَولَى باحثو الدراسات الإعلامية اهتمامًا خاصًّا لدراسة الأشكال المختلفة من عدم المساواة التي أثَّرت على التمثيلات الإعلامية على مدى عقود. واقتراضًا من العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية — التي حددت منذ عدة عقود نوع الجنس والعرق والطبقة والميول الجنسية كأربعة خطوط فاصلة أو تقسيمات تتجمع حولها الفوارق — تناول باحثو الدراسات الإعلامية بالدراسة طريقة مساهمة الإعلام في المحافظة على هذه الأنواع المختلفة من الفوارق واستنساخها. وسوف نتناول في الفصل الخامس سلسلةً من الأعمال والمناهج الرئيسية في هذا المجال، كلٌّ منها يسهم في تطوير منظورنا حول الفوارق في المجتمع، وكيفية مساهمة الإعلام في الحفاظ عليها وتغييرها.