الفصل الخامس

دراسة الفوارق الاجتماعية

الطبقة والعرق والميول الجنسية ونوع الجنس في الدراسات الإعلامية

لدى الدراسة النقدية لصور نوع الجنس والعرق والطبقة والميول الجنسية والإعلام تاريخ طويل في مجال الدراسات الإعلامية؛ فقد كرس الباحثون في هذا المجال كثيرًا من الجهد من أجل شرح تاريخ التحيزات في تصوير هذه القضايا في السينما والتليفزيون والإذاعة، ومن أجل تحليل تلك التحيزات في استخدام التكنولوجيات الجديدة حاليًّا، مثل الإنترنت والهاتف المحمول، والتي تميز بيئة الإعلام الجديدة. ويعد من المهم عمومًا لكل شخصٍ في مجتمعنا أن يعرف هذه النتائج، وأن تظل تلك النتائج مرتبطةً بفهم بيئتنا الإعلامية المتغيرة باستمرار. ورغم أن أشكال وسائل الإعلام السائدة تغيرت ولا تزال تتغير، يشير العديدُ إلى أن القوالب النمطية التي ساعدت وسائل الإعلام في خلْقها مستمرة بقوةٍ على نحوٍ مقلق.

نتناول في هذا الفصل النتائج العلمية حول طريقة تمثيل الإعلام للفوارق الاجتماعية المختلفة، وأشكال القهر الاجتماعية — لا سيما فيما يتعلق بالطبقة الاجتماعية ونوع الجنس والعرق والميول الجنسية — من أجل تشكيل أساسٍ للمناقشة الختامية حول كيف أننا بدأنا الاستعانة بدراسة الفوارق الاجتماعية في المفاهيم العلمية للبيئة الإعلامية الجديدة.

(١) الفوارق الاجتماعية في الدراسات الإعلامية من منظور نقدي

تعد حالة «التنصُّت» (ذا واير) — المسلسل التليفزيوني الذي عُرض على شبكة إتش بي أوه عام ٢٠٠٢ واستمر حتى عام ٢٠٠٨ — مثالًا ممتازًا على البرامج التليفزيونية في البيئة الإعلامية الحالية. تدور أحداث المسلسل في مدينة بالتيمور ويستند، دون التقيُّد بالتفاصيل، إلى كتابَين واقعيَّين يصوِّران الوضع الحقيقي للشرطة وتجار المخدرات في الأحياء الفقيرة في المدن. حاول المسلسل اكتساب الواقعية عن طريق تصوير الأحداث في موقعٍ في بالتيمور، واختار لكثيرٍ من أدواره أشخاصًا ليسوا ممثلين، من بينهم سجناء وتجار مخدرات سابقون؛ ونتيجةً لذلك، اختلف مظهر المسلسل والمشاركين فيه كثيرًا عن الشكل التقليدي للمسلسلات التليفزيونية الرائجة (انظر شكل ٥-١).

الملخص الرسمي من إتش بي أوه للحلقة الأولى من الموسم الأول لمسلسل «التنصت» بعنوان «الهدف»

إخراج: كلارك جونسون
قصة: ديفيد سايمون وإد بيرنز
سيناريو: ديفيد سايمون

يمر جيمي ماكنولتي، محقق جرائم قتل في بالتيمور، على محاكمة تاجر المخدرات الشاب دانجيلو باركسدال، الذي بُرِّئ بسبب عزوف الشهود عن الشهادة ضده.

على الجانب الآخر من المدينة، تُفتش شاكيما «كيما» جِرِيجْز، محققة قسم مكافحة المخدرات، سيارةً أُوقفت في عملية قبضٍ على تاجر مخدراتٍ تفتيشًا أدقَّ من زملائها الرجال، وتجد مسدسَين آخرَين مخبَّئَين في المقعد الخلفي.

كان ماكنولتي يتابع محاكمة باركسدال؛ لأن عمَّه، آفون باركسدال، أحد أباطرة عالم المخدرات، ويقول للقاضي في قاعة المحكمة إن قوة الشرطة كانت مشغولة للغاية لدرجةٍ تمنع ملاحقتهم. رئيس ماكنولتي يؤنِّبه لتحدُّثه إلى القاضي؛ فهو الآن يتعرض لضغوطٍ لإصدار تقريرٍ حول باركسدال. وفي هذا الوقت تُجهَّز وحدة جديدة لملاحقة باركسدال، ويشعر العديد بالغضب تجاه ماكنولتي؛ لأنه بدأ كل هذه المشكلات. يزعم ماكنولتي أن عليهم استخدام تقنيات المراقبة والتنصُّت على المكالمات الهاتفية بهدف القبض على باركسدال. لكن بعد ذلك يزور عميل مكتب التحقيقات الفيدرالية فيتزيو، الذي يعرض عليه تقنية تليفزيونية متطورة استخدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي لتصوير صفقات المخدرات، ولم تُتحْ بعدُ للشرطة.

يشكو ماكنولتي في الحانة لشريكه مورلاند من أن زوجته السابقة تمنعه من رؤية طفليه بما فيه الكفاية. يتناول دانجيلو مشروبًا في نادٍ للتعرِّي. تصل جِرِيجز للمنزل؛ حيث تتلقى قبلة من صديقتها.

تظهر جثة أخرى وسط منطقة الإنشاءات. كان الضحية قد شهد أن باركسدال هو مُطلق النار في محاكمته بتهمة القتل. يرى دانجيلو الجثة ويتعرَّف عليها، ويدرك سبب إطلاق النار على صاحبها، ويعاني شعورًا بالذنب.

(المصدر: مقتبسة من إتش بي أوه (٢٠٠٩))
fig3
شكل ٥-١: سونيا سون في دور المحققة شاكيما «كيما» جِرِيجْز، ودومينيك ويست في شخصية المحقق جيمس «جيمي» ماكنولتي، وكلارك بيترز في شخصية المحقق ليستر فريمون في مسلسل إتش بي أوه «التنصُّت».

بالتأكيد لم يحظَ هذا المسلسل بشهرة المسلسلات التليفزيونية التي تميز عصر الشبكات (تايلور ١٩٨٩، كونتس ١٩٩٢، سبيجل ١٩٩٥). يشير تعبير «عصر الشبكات» في التليفزيون عادةً إلى عقود ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، عندما كانت أكثر المسلسلات التليفزيونية مشاهدةً في الولايات المتحدة تُبث على شبكات التليفزيون الرئيسية الثلاث: إيه بي سي، وسي بي إس، وإن بي سي. نشأ هذا العصر في مرحلةٍ مبكرةٍ في خمسينيات القرن العشرين، وهي التي كانت المسلسلات التليفزيونية تتميز خلالها بتنوُّعٍ عرقيٍّ واجتماعيٍّ واقتصاديٍّ كبير (ليبسيتس ٢٠٠١)؛ كما في مسلسلات «آل جولدبيرج» (ذا جولدبيرجس) أو «أتذكَّر أمي» (آي ريميمبر ماما)، التي سنتناولها بمزيدٍ من التفصيل فيما يلي. أما عصر الشبكات الذي تلا تليفزيون أوائل خمسينيات القرن العشرين، فقد صوَّر — خلال معظم عقوده — بأغلبية ساحقة أسرًا بيضاء من الطبقة الوسطى متماسكة غالبًا، أو كما يحب الباحثون وصفها «أشخاص سعداء يعانون مشكلاتٍ سعيدة» (سبيجل ١٩٩٥). كان ضغط الرعاة سببًا كبيرًا في هذا؛ إذ أرادوا أن ترتبط منتجاتهم بالمنازل الأمريكية الموسرة من الطبقة المتوسطة، بدلًا من المجموعات الفقيرة التي صورتها مسلسلات مثل «العرسان» (ذا هانيمونرز) أو «آل جولدبيرج»، التي من المستحيل أن تساعد على بيع المنتجات وتعزيز النزعة الاستهلاكية.

لكن ظهور القنوات الخاصة — والانتشار المصاحب لها للقنوات التليفزيونية (يتوافر الكثير منها فحسب للمنازل التي تشترك بها عن طريق دفع رسوم. وهذه الرسوم تحل محل عائدات الإعلانات التي تدعم شبكة التليفزيون) — تَسبَّب في ظهور نوعٍ مختلفٍ من البرامج مقارنةً بتلك التي ميَّزت عصر الشبكات. ونحن نشهد في الوقت الراهن برامج متخصصة موجهة على نحوٍ أكبر، ومزيدًا من التنوُّع الكلي في التمثيلات المقدمة على شاشة التليفزيون في وقت الذروة. ولا يتقيد منتجو برامج التليفزيون الموجهة لجمهور القنوات الخاصة بالمسئوليات المرتبطة بإنتاج برامج للقنوات العامة؛ فلا يُضطرون إلى فرض رقابة على الصور المحتمل أن تكون مزعجة بنفس درجة المنتجين الذين يبثون على الشبكات المجانية.

في مسلسل إتش بي أوه «التنصت»، وفي كثيرٍ من المسلسلات التي تذاع على القنوات الخاصة الأخرى، نرى خروجًا عن قاعدة «أشخاص سعداء يعانون مشكلاتٍ سعيدة»؛ ففي مسلسل «التنصت» يظهر عدة أعضاء ينتمون إلى «الطبقات الدنيا»، بحسب مصطلح علماء الاجتماع، والعديد من الشخصيات الرئيسية من غير البيض، فضلًا عن أنهم ليسوا من الطبقة الوسطى، وتوجد كذلك شخصيتان رئيسيتان هما امرأتان تجمعهما علاقة مِثْليَّة. ويُمثَّل العديد من النساء في المسلسل بطرقٍ غير نمطية. ولهذه الأسباب اخترنا استخدام «التنصُّت» بأبعاده المختلفة لتقديم الأجزاء المختلفة لهذا الفصل.

كثيرًا ما أُشيدَ بمسلسل «التنصت» لتصويره غير التقليدي والواقعي والمفصَّل لشخصيات الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية الفقراء في الأحياء الفقيرة، والذين يرتبط كثيرٌ منهم بتجار المخدرات، أو يكونون هم أنفسهم تجار مخدرات؛ ففي الحلقة التي ذكرنا ملخصها للتوِّ، نقابل أحد أباطرة المخدرات دانجيلو باركسدال، والعديد من رجال الشرطة الذين يحاولون إيقاف تجارته. وفي العديد من الحلقات الأخرى نلتقي بأطفالٍ أمريكيين من أصول أفريقية يعيشون في حي باركسدال ويعملون تحت إمرته، وأحيانًا ما يُسجنون أو حتى يُقتلون نتيجة عملهم الذي يقومون به في تجارته للمخدرات، ونلتقي كذلك بأُسَرهم، وندخل مساكنهم، ونتعرف عمومًا على طريقة عيشهم، وهي الطريقة التي لا يألفها سوى قليلٍ من البيض من الطبقة الوسطى (الذين يشكلون الغالبية العظمى من مشتركي إتش بي أوه).

هل هذه الصور تختلف عن طريقة ظهور السُّود الفقراء والبيض عادةً على شاشات التليفزيون ووسائل الإعلام الأخرى؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف هذا؟ كيف يؤثر التعرض لهذه الصور على الجمهور الأبيض من الطبقة الوسطى الذي يشكل غالبية مشاهديها؟ هذه هي بعض الأسئلة المتناولة في المناقشة التالية، والتي تتناول طريقة تصوير مختلف لأوجه الفوارق الاجتماعية والهويات المتنوعة في وسائل الإعلام الرئيسية، وكيفية تقييم الباحثين في الدراسات الإعلامية لهذه الصور وتأثيرها على مجتمعنا.

يمكن عزو الاهتمام بالعلاقة بين وسائل الإعلام والفوارق الاجتماعية إلى منهجَين نظريَّين منفصلَين في الدراسات الإعلامية، تأثرا بكتابات كلٍّ من كارل ماركس في القرن التاسع عشر، وبالمعلقين على هذه الكتابات لاحقًا في القرن العشرين: المنهج الأول هو مدرسة فرانكفورت، والثاني هو الدراسات الثقافية.

(١-١) مدرسة فرانكفورت

تكوَّنت مدرسة فرانكفورت من مجموعةٍ من المهاجرين اليهود الألمان الذين سافروا إلى الولايات المتحدة هربًا من النازيين خلال ثلاثينيات القرن العشرين. وقد وجَّهت مدرسة فرانكفورت انتباهها إلى تأثير أفلام هوليوود على المجتمع، لا سيما في عمل ماكس هوركهايمر وتيودور أدورنو بعنوان «صناعة الثقافة: التنوير كخداعٍ للجماهير» (١٩٤٤)، وكذلك في مقالاتٍ أخرى. وأشاروا إلى أن منتجات هوليوود المحبوبة هي في الواقع ترفيه ضخم مُنتَج على نطاقٍ واسع، يهدف إلى تعطيل الوعي النقدي لدى الغالبية العظمى من الناس الذين يشكلون جمهورها، لا سيما الطبقات العاملة (انظر على نحوٍ خاصٍّ أدورنو ١٩٥٤أ، بنجامين ١٩٧٧).

خص أعضاء مدرسة فرانكفورت، في كتاباتهم، أفلام وبرامج تليفزيونية متعددة بالذكر؛ ففي إحدى المقالات يناقش أدورنو (١٩٥٤ب) المسلسل التليفزيوني القديم «الآنسة بروكس» (آوَر ميس بروكس)، الذي صور شخصية المُدرِّسة العزباء بروكس؛ إذ سخر المسلسل من مدى قلة ما تكسبه من المال، ومن ثَمَّ مدى قلة الطعام الذي كانت تتناوله. انتقد أدورنو المسلسل في هذا المقال بسبب الاستخفاف بمشكلات العمال ذوي الأجور المنخفضة في ظل النظام الرأسمالي، الذين غالبًا لا يكسبون ما يكفي من الأجور لتناول ما يكفي من الطعام، أو للعيش على نحوٍ جيد، فأوضح أن المسلسل شجَّع المشاهدين على تلقِّي هذه المحنة على نحوٍ هزليٍّ بدلًا من التفكير بجديةٍ في إجراءٍ سياسيٍّ ربما يساعد على زيادة الأجور التي يحصل عليها العمال.

(١-٢) الدراسات الثقافية

في بريطانيا في خمسينيات القرن العشرين، بدأ توجيه نوعٍ مختلفٍ من الاهتمام — ولكنه مستلهَم أيضًا من أعمال كارل ماركس — نحو الثقافة الشعبية؛ فقد بدأ التشكيك في وجهات النظر المقبولة تقليديًّا حول الطبيعة النخبوية للأعمال الأدبية العظيمة — وفي الواقع، طبيعة الثقافة الراقية نفسها — من خلال أعمال ريموند ويليامز وريتشارد هوجارت (ويليامز ١٩٥٨، ١٩٦١، ١٩٦٦، ١٩٧٦؛ هوجارت ١٩٩٨). زعم هذان الباحثان أن الثقافة ليست عالَمًا يقتصر على النخبة فحسب، ولكنها عالمٌ «عادي»، وأن الأعمال الثقافية المهمة قدمتها واستهلكتها الطبقات الدنيا، وكذلك الطبقات العليا. يمهد هذا المفهوم الطريق أمام اهتمامٍ جدِّي — مسيس قطعًا — بالثقافة الشعبية يتجاوز المواقف الرافضة الخاصة بمدرسة فرانكفورت، والتي رأى أعضاؤها أن الثقافة الرائجة تتناقض تناقضًا حادًّا مع الثقافة الراقية، وأنها بطبيعتها «مُنتَجة بالجملة» من مستوًى أعلى لأغراض تهدئة السواد الأعظم من الأشخاص الذين يتلقَّوْنها. وُلد مجال الدراسات الثقافية في المملكة المتحدة من رحم عمل ويليامز وهوجارت، وربطت الدراسات الثقافية الثقافة الشعبية بالاهتمامات السياسية لأولئك الذين كانوا أعضاءً في جماعات الطبقات الأدنى أو المهمَّشة.

كان أول هيكل مؤسَّسي مختص بالدراسات الثقافية هو مركز الدراسات الثقافية المعاصرة في جامعة برمنجهام، الذي أُنشئ عام ١٩٦٤ تحت إشراف ريتشارد هوجارت ثم ستيوارت هول. ركزت تلك الدراسات على نقاط التلاقي بين الثقافة والأيديولوجية (كيلنر ٢٠٠٦: ١٤١)، لكنها أشارت إلى أنه من المحتمل أن تنشأ أشكال مفيدة وصامدة من الثقافة الشعبية عن طريق جمهورها. أَنتج منهج الدراسات الثقافية الناشئ في المملكة المتحدة عددًا من الأعمال حول تلقِّي وسائل الإعلام، والإنتاج الإعلامي، والحركات الاجتماعية، وما أصبح يُعرف باسم «الثقافات الفرعية»؛ وهي الجيوب أو المساحات الصغيرة التي يُستحوذ فيها على الثقافة بطُرقٍ مُقاوِمةٍ للقيم والمعاني الثقافية المهيمنة. وشملت الأعمال التي قدَّمها أوائل باحثي الدراسات الثقافية دراسةً لانتشار الجريمة وأثرها الاجتماعي (هول وكريتشر وجيفرسون وكلارك وروبرتس ١٩٧٨)، وتفسير النشرات الإخبارية التليفزيونية (مورلي مع برنسدون ١٩٧٨)، والتأثير الثقافي للصور في مجلات الفتيات المراهقات المنتشرة (ماكروبي ١٩٩١).

أَنتج تراث ما أصبح يُعرف باسم الدراسات الثقافية ﻟ «مدرسة برمنجهام» بعضًا من أبرز الأعمال في مجال الدراسات الإعلامية. وقد مال تركيزها نحو قضايا العرق ونوع الجنس وعدم المساواة في الطبقات الاجتماعية، وطريقة إسهام وسائل الإعلام في هذه القضايا أو المساعدة في التصدِّي لها. وتمثل أعمال ديفيد مورلي المهمة حول التليفزيون وطريقة تلقِّيه أمثلةً نموذجيةً على هذا الاتجاه. وقد استلهم مورلي في أعماله الأعمال السابقة لريموند ويليامز وأنطونيو جرامشي وستيوارت هول.

كانت أعمال ريموند ويليامز (١٩٥٨، ١٩٦١، ١٩٦٦، ١٩٧٦، ١٩٩١) مصدرَ إلهامٍ مؤثرًا على نحوٍ خاصٍّ للأعمال اللاحقة الموجَّهة إعلاميًّا لدى مدرسة برمنجهام؛ إذ يُشتهر ويليامز — في مقال بعنوان «الأساس والبنية الفوقية للنظرية الماركسية» (ويليامز ١٩٩١) — بوضع تصنيفٍ لأنواع الأيديولوجيات الكامنة في المنتجات الثقافية والإعلامية يتضمن: «أيديولوجيات مهيمنة» ناقشناها بالفعل، و«أيديولوجيات معارضة» تشير إلى الأيديولوجيات التي تختلف بوضوحٍ عن وجهات النظر السائدة وتعارضها، و«أيديولوجيات بديلة»؛ وهي أيديولوجيات مختلفة فحسب عن وجهة النظر السائدة.

لذلك، على سبيل المثال، باستخدام فئات ويليامز، يمكننا القول إن القراءة السائدة لفيلم «الحبلى» سوف تجد أنه فيلم رومانسي كوميدي خفيف، في حين أن القراءة المعارضة قد تجد أنه تهجُّم لاذع مناهض للنسوية؛ نظرًا لدعمه الأسرة النواة التقليدية، ورفضِه معاملة خيار الإجهاض بجدية. وربما تشدد القراءة البديلة على الصورة الإيجابية ﻟ «بيئة الفتيان» التي يسلط الفيلم الضوء عليها في معالجته لشخصية بن وبيئته من الأصدقاء، وزوج أخت أليسون «بيت» وبيئته من الأصدقاء. جميع القراءات لهذا النص ممكنة، مع ذلك تظل مهمة محلل الجمهور، من جديد، تحديدَ أكثر قراءةٍ هيمنةً، وأيٌّ من أفراد الجمهور يشاهد الفيلم من خلال أيٍّ من وجهات النظر.

أصبح لمفهوم «الأيديولوجية المهيمنة» — الذي صاغه المُنظِّر الثقافي الإيطالي أنطونيو جرامشي — تأثير في النظرية الثقافية التي تبنَّتها مدرسة برمنجهام بعد نشر الترجمات الأوَّلية لأعمال جرامشي لأول مرةٍ باللغة الإنجليزية عام ١٩٧١ (انظر جرامشي، وهور، ونويل سميث ١٩٧١). اقتضى هذا المفهوم ضمنًا أن الإكراه الاجتماعي يحدث جزئيًّا من خلال المنتجات الثقافية أو الإعلامية التي تُنتجها المجتمعات؛ إذ تُعد هذه المنتجات بهدف تشجيع معتقداتٍ وتوجهاتٍ معينةٍ يعتنقها بعد ذلك أولئك الذين يستمعون إلى هذه المنتجات الثقافية، أو يقرءونها، أو يشاهدونها، أو يتلقَّوْنها بطريقةٍ أخرى. وبِناءً على ذلك يُروِّج فيلم «الحبلى» لأيديولوجية مهيمنة في سياق الطبقة الاجتماعية على النحو التالي: يصور الفيلم معظم الشخصيات على أنها تعيش نمط حياة الطبقة الوسطى، والذي قُدم على أنه عادي، بل يكاد يكون غالبًا في المجتمع الأمريكي؛ إذ على الرغم من أن بن عاطل عن العمل في الأساس، ومجرد شخصٍ متكاسل — يتعاطى المخدرات في أغلب الوقت، ويعيش نمط حياةٍ غيرَ مُنضبطٍ مليئًا باللهو — فإننا نراه في سياق الفيلم متبعًا لطريقٍ سيؤدي به إلى الحياة الطبيعية الرصينة للطبقة الوسطى؛ فعن طريق الزواج بأليسون سوف يكتسب أسلوب حياة الطبقة الوسطى من خلال ربط نفسه براتبها وأسلوب حياتها. والافتراض الذي نفترضه كمشاهدين للفيلم هو أن بن نفسه سيعمل في وظيفةٍ في وقتٍ قريب، مكتسبًا دخله الخاص كعضوٍ في الطبقة الوسطى.

في المقابل، ينحرف مسلسل «التنصُّت» عن التصوير المهيمن لحياة الطبقة الوسطى، الذي يسود البرامج التليفزيونية الترفيهية في الولايات المتحدة، من خلال تصوير الطبقة الدنيا صراحةً خلال معظم ساعات المسلسل. ولهذا السبب، يمكن قراءة «التنصُّت» على أنه مسلسل معارض فيما يتعلق بالطبقة الاجتماعية وتصويرها المهيمن المعتاد. وتشير نظرية الهيمنة إلى أن المواطنين يُوجَّهون من خلال الأفكار بدلًا من القوة الخارجية. وتُعد فكرة الهيمنة فكرة مركزية في الدراسات الثقافية التي قدمتها مدرسة برمنجهام، وفي الكثير من الأعمال اللاحقة في مجال الدراسات الإعلامية (انظر برس، تحت الطبع).

يُعد مقال «ترميز وفك ترميز الخطاب التليفزيوني»، لستيوارت هول (١٩٧٣)، نصًّا مهمًّا في الدراسات الثقافية؛ ففي هذا المقال أكَّد هول على أن معانيَ النصوص التليفزيونية يمكن أن تتخذ عدة أشكال. بداية (على نهج ويليامز) يوجد ما يسميه «قراءة مفضلة» أو قراءة مهيمنة تتفق على نحوٍ وثيقٍ مع وجهات نظر الثقافة السائدة التي توجه صناعة الثقافة التي تُنتج بدورها البرامج التليفزيونية السائدة. يمكن للمشاهدين قراءة المعاني المهيمنة، أو يمكنهم تفسير المعاني في النص بطريقةٍ يدعوها هول طريقة «التفاوض» — التي تُدمج بعض جوانب القراءات المهيمنة — أو بطريقة «معارضة» تعارضها تمامًا.

وفقًا لهول، فإن كيفية فك المشاهدين لترميز النص تعتمد جزئيًّا على موضعهم داخل طبقةٍ اجتماعيةٍ معينة، أو على جوانب أخرى لوضعهم الاجتماعي. وفي حين يكون من الأسهل تطبيق هذه الفئات على البرامج الإخبارية التي قد تكون لها وجهة نظر معينة، فإن تطبيقها يكون أكثر صعوبة على المنتجات الثقافية مثل البرامج التليفزيونية أو السينما الترفيهية، بما في ذلك أفلام مثل «الحبلى»، كما في المثال السابق.

(١-٣) نتائج أبحاث الدراسات الإعلامية حول الطبقة ونوع الجنس والعرق والميول الجنسية

أبحاث التلقي: تعد أعمال ديفيد مورلي حول تلقي البرامج التليفزيونية مهمة؛ لأنها تُقدِّم لنا أمثلة لمحاولات تطبيق هذه المفاهيم النظرية السابقة على سياق الحياة الحديثة المنقولة عبر وسائل الإعلام. وقد جاءت أول دراسةٍ مهمةٍ له في كتابين؛ هما: «التليفزيون اليومي: برنامج «على الصعيد الوطني»» (بالتشارك مع شارلوت برانسدون، ١٩٧٨)، وبعده كتاب «جمهور برنامج «على الصعيد الوطني»» (مورلي ١٩٨٠). في الكتاب الأول، صاغ مورلي وبرانسدون محتوى ومعاني برنامج تليفزيوني إخباري مسائي يذاع في بريطانيا ويتمتع بشعبية، وذلك وفقًا لتأثيره وتوجهه السياسي. وفي دراسة التلقي «جمهور برنامج «على الصعيد الوطني»»، نظَّم مورلي مقابلاتٍ جماعيةً مع أعضاء من أنواع مختلفة من المهن، وأعضاء من مختلِف الطبقات الاجتماعية، ومن الجنسين كليهما (بعض مجموعات من النساء وبعض مجموعات من الرجال)؛ لاكتشاف كيف يفسرون ويستقبلون حلقة محددة من البرنامج الإخباري، متبعًا في ذلك نموذج ويليامز للأيديولوجيات المهيمنة والمعارضة والبديلة.
اكتشف مورلي أن جنس الشخص، وطبقته الاجتماعية، ومنصبه الوظيفي وجَّهت وأثَّرت بقوةٍ على تفسيراته لمعاني البرنامج التليفزيوني «على الصعيد الوطني». ومهَّد هذا الاكتشاف الطريق أمام الأفكار الزاعمة بأن الجماهير تتلقى المحتوى الإعلامي على نحوٍ نشط، بدلًا من التأثر على نحوٍ سلبيٍّ بالمحتوى الأيديولوجي والأفكار الكامنة في الإعلام؛ وهي الأفكار التي طُورت أكثر من خلال منهج الدراسات الثقافية الأمريكية (باركر ٢٠٠٨، جروسبيرج ١٩٩٢، جروسبيرج ونيلسون وترايشلر ١٩٩٢، شفيشتنبيرج ١٩٩٢).1 فأولئك الذين كانوا يميلون إلى انتقاد السياسات الاجتماعية والسياسية — على سبيل المثال، المشردون؛ وهم أعضاء الطبقة الدنيا الذين يشكلون واحدة من مجموعات مورلي، أو العمال أعضاء النقابات؛ وهم أفراد الطبقة العاملة الذين يشكلون مجموعة أخرى — كانوا قادرين على قراءة البرنامج الإخباري على نحوٍ نقديٍّ أو على نحوٍ معارض، حسب وصف ويليامز، وملاحظة التصدُّعات في الأيديولوجيات المهيمنة أو السائدة التي رأَوْها متضمَّنة في البرنامج. في المقابل، لم يرَ مديرو البنوك من الطبقة المتوسطة هذه العناصر المعارضة في البرنامج؛ فقد قرءوا البرنامج على أنه يدعم الأيديولوجية المهيمنة أو السائدة بأن النظام الرأسمالي كان عادلًا ويستحق الدعم. ويتمثل رأي مورلي في أن الطبقة الاجتماعية بالتأكيد عامل مهم في قراءة المرء لوسائل الإعلام المهيمنة.

يوضح مثالان من أعمالنا (برس ١٩٩١، برس وكول ١٩٩٩) الحاجة إلى دراسة نوع الجنس والطبقة معًا؛ لأنهما متغيران يتفاعلان بهدف التأثير على كيفية تفسير النساء للبرامج التليفزيونية ذات الشعبية. بُني هذان العملان على أبحاث مورلي من أجل تضمين قضيتَي عدم المساواة الاجتماعية وتلقي البرامج التليفزيونية، ويأخذان على محمل الجد تأكيده على أهمية دراسة المشاهدين أو مستخدمي وسائل الإعلام، وتجنب الاكتفاء بتحليل النصوص الإعلامية بعيدًا عن طريقة تَلقِّيها. وكما نوقش في الفصل الرابع، تناول كتابا برس «نساء يشاهدن التليفزيون» (١٩٩١) و«تناول موضوع الإجهاض» (برس وكول ١٩٩٩) طريقة مشاهدة النساء الأمريكيات، من مختلِف الطبقات الاجتماعية، التليفزيونَ الأمريكي، وطرق تفسيرهن إياه، وقد أُسِّسا على أعمال أنطونيو جرامشي من أجل دراسة طرقِ مساعدةِ برامجِ وقت الذروة التليفزيونية على تعزيز الأيديولوجيات المهيمنة، الخاصة بنوع الجنس والطبقة الاجتماعية في المجتمع الأمريكي، وإعادة إنتاجها. على سبيل المثال، توصلت برس في الكتاب الأول (١٩٩١) إلى أن الانحياز إلى الطبقة الوسطى في البرامج التليفزيونية التي تُذاع وقت الذروة كان أشد وضوحًا لنساء الطبقة العاملة، وساعدهن على تكوين صورةٍ عن المجتمع الأمريكي تُهيمن فيها تجربة الطبقة الوسطى وتطغى على تجربتهن. وهذا يوضح قوة الأيديولوجية المهيمنة في ترسيخ الصورة «العادية» للمجتمع. توصل الكتاب كذلك إلى أنه بالنسبة إلى نساء الطبقة الوسطى، عزز التليفزيون المعايير التقليدية للسلوك المناسب حسب نوع الجنس ومظهر النساء المناسب، والتي تخضع للتشكيك من قِبل الحركة النسوية؛ وهي نتيجة توضِّح الأهمية المتواصلة لهوية نوع الجنس من وجهة نظر نساء الطبقة الوسطى.

في كتاب «تناول موضوع الإجهاض»، تعزز برس وكول نتائج مورلي التي تشير إلى أن معانيَ الصور التليفزيونية قد تكون شديدة التباين، بِناءً على موضع الفرد في الطبقة الاجتماعية. وفي حالة هذا الكتاب، تتبايَن معاني الصور التليفزيونية حسب درجة التمسُّك بوجهات نظرٍ دينيةٍ وأخلاقيةٍ معينةٍ حيال قضية الإجهاض. وتنظر النساء إلى معالجة التليفزيون للإجهاض على نحوٍ مختلفٍ اعتمادًا على ما إذا كن من الطبقة العاملة أم من الطبقة الوسطى، ملتزمات دينيًّا أم علمانيات، مؤيدات للإجهاض أم معارضات له. وتوضح هذه الدراسة على نحوٍ جيدٍ أنه لا توجد أي وجهات نظرٍ سائدة محددة في هذه المنتجات الترفيهية التليفزيونية يمكن أن يُفترض أنها تلقى تفسيرًا موحدًا من أنواع المشاهدين المختلفة. وتعد الطبقة الاجتماعية متغيرًا يستحق بالتأكيد مزيدًا من الدراسات في هذا المجال، ولكن عمل مورلي الرائد ضَمِنَ استمرار دراسة هذا المتغير في دراسات تَلقِّي الإعلام.

•••

تحليل الصور: أما في مجال تحليل الصور، فقد درس باحثو الدراسات الإعلامية تاريخ تمثيلات الطبقة الاجتماعية في وسائل إعلامنا المهيمنة (ليبسيتس ١٩٩٠، برس وستراثمان ١٩٩٣، فوستر ٢٠٠٥)، وثَمَّةَ بعض الأمثلة التي ستوضح أهمية تحيزات الطبقة الاجتماعية في وسائل الإعلام تلك، من أبرزها فيض الأفلام الهوليوودية الشهيرة التي تُصوِّر حياة فاحشي الثراء، والتي أُنتجت خلال ثلاثينيات القرن العشرين، بينما يمر المجتمع الأمريكي بفترة الكساد العظيم، ويعاني من انتشار الجوع والفقر (موشيو ١٩٩٧). ساعد النزوع نحو إغراق المجتمع بصور فاحشي الثراء في ترسيخ تقليد الهروب من الواقع، الذي أصبح هو المتوقَّع في الإعلام الأمريكي، خاصةً في سينما هوليوود والتليفزيون، وكذلك أيضًا في الشكل الترفيهي الشعبي الحالي للإعلام الإخباري، كما ناقشنا في الكتاب سابقًا.

أسست أفلام المشكلات الاجتماعية التي أُنتجت في خمسينيات القرن العشرين وستينياته تقليدًا آخر في الأفلام الأمريكية (والبريطانية)، يتمحور هذه المرة حول تصوير مشكلات — مرتبطة في كثيرٍ من الأحيان بالطبقة الاجتماعية — يعاني منها المجتمعان كلاهما. وتشمل الأمثلة على هذا التقليد معالجة معاداة السامية في فيلم «اتفاقية الشرف» (جنتلمانز أجريمنت، ١٩٤٧)، وانتقاد الأشخاص الذين يضعون وظائفهم قبل أي شيءٍ في حياتهم، والذين يعيشون في الضواحي في فيلم «الرجل في الحلة الصوفية الرمادية» (ذا مان إن ذا جراي فلانيل سوت، ١٩٥٦)، وانتقاد وجهات النظر المقيِّدة نحو الحياة الجنسية للأنثى فيما يتعلق بالرغبة في تحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية في فيلم «روبي جينتري» (١٩٥٢)، وفيلم «المصيف» (سامر بليس، ١٩٥٩)، وفيلم «قصة الحي الغربي» (ويست سايد ستوري، ١٩٦١) الشهير.

لدى صناعة السينما البريطانية اتجاه خاص؛ وهو التصوير الواقعي للطبقة الاجتماعية، لا سيما في أفلام «الموجة الجديدة البريطانية» في أواخر خمسينيات وأوائل ستينيات القرن العشرين.2 يطلق على هذه الأفلام أحيانًا اتجاه «واقعية حوض المطبخ»؛ وهي أفلام تستعير من الحركة الوثائقية التي هدفت إلى عرض حياة الطبقة العاملة والمشكلات الاجتماعية المتنوعة بواقعية شجاعة. ومن بين أفلام الموجة الجديدة البريطانية المعروفة فيلم «طعم العسل» (آ تيست أوف هَنِي، ١٩٦١)، الذي يصور حياة الطبقة العاملة، وفيلم «الفتية ذوو السترات الجلدية» (ذا ليزر بويز، ١٩٦٤)، الذي تناول مواضيع كان الحديث عنها محرمًا في السابق مثل المثلية الجنسية والإجهاض.

وللتليفزيون الأمريكي تاريخه الخاص في معالجة موضوع الطبقة الاجتماعية (ليبسيتس ٢٠٠١)؛ إذ أبدى لفترةٍ طويلةٍ انحيازًا نحو الطبقة الوسطى (برس ١٩٩١). وكما ناقشنا سابقًا في هذا الفصل، في السنوات الأولى للمسلسلات الكوميدية القصيرة، كانت هناك مجموعة من شخصياتٍ عرقيةٍ ومن الطبقة العاملة، على وجه التحديد، في المسلسلات ذات الشعبية مثل «العرسان» (١٩٥٢–١٩٥٦)، الذي تدور أحداثه حول سائق حافلةٍ أبيض من الطبقة العاملة وزوجته في مدينة نيويورك، ومسلسل «آل جولدبيرج» (١٩٤٩–١٩٥٤)، الذي يتناول عائلة يهودية تعيش في حي برونكس، ومسلسل «ماما» (١٩٤٩–١٩٥٧)، حول عائلة مهاجرة نرويجية، ومسلسل «حياة رايلي» (ذا لايف أوف رايلي، ١٩٥٣–١٩٥٨)، حول عامل أبيض في مصنع للطائرات من الطبقة العاملة وعائلته، ويعيشون جميعًا في ولاية كاليفورنيا. وعالجت المسلسلات الدرامية الجادة المشكلات الاجتماعية للفقراء والأقليات الأمريكية. بعض الأمثلة على هذه المسلسلات الأولى مسلسل «الجانب الشرقي والجانب الغربي» (إيست سايد ويست سايد، ١٩٦٣-١٩٦٤)، حول مشكلات عامل اجتماعي في مدينة نيويورك، ومسلسل «الطريق ٦٦» (روت سكستي سكس، ١٩٦٠–١٩٦٤)، الذي يركز على اثنين من المغامرين يجوبان الولايات المتحدة، ويساعدان الأشخاص المظلومين الذين يقابلانهم.

ومع ذلك، من منتصف ستينيات القرن العشرين إلى أواخرها، تضاءلت تمثيلات الطبقة العاملة ومشكلاتها، فكانت الولايات المتحدة تمر بتغييرات، وكان للهروب من المدن إلى أماكن السكن الجديدة في الضواحي تأثير على أنواع التمثيلات التي رأيناها على شاشة التليفزيون في فترات الذروة (سبيجل ١٩٩٢، سبيجل ومان ١٩٩٢). كانت تلك هي اللحظة التي اكتست فيها معظم البرامج التليفزيونية الأمريكية بطابع الانحياز نحو الطبقة الوسطى؛ فمسلسلات مثل «الأب يعرف كل شيء» (فاذر نوز بيست، ١٩٦٠–١٩٧٢)، ومسلسل «المسحور» (بيوِيتشيد، ١٩٦٤–١٩٧٢)، ومسلسل «أسرة برادي الكبيرة» (ذا برادي بانش، ١٩٦٩–١٩٧٤)، وغيرها من المسلسلات استبدلَتْ بأُسر الطبقة العاملة والأُسر من مجموعاتٍ عرقيةٍ معينةٍ سلسلةً من الأُسر البيضاء من الطبقة الوسطى، والتي تعرض مجموعة مختلفة من المشكلات الحادثة في أجواء وسياق اجتماعي مختلفَين (انظر شكل ٥-٢). في حين أن هذه التغيرات في البرامج التليفزيونية — التي تزايَد تمركُز موقعها في الضواحي وتَمحوُرها حول الأسرة النواة — عكست جزئيًّا التغير الديموجرافي للولايات المتحدة، فإن التغيرات في البرامج نفسها أثرت أيضًا على آمال وأحلام ورؤى الأمريكيين الذين كانوا يعيشون في هذه الحقبة. هذا التفاعل المعقد بين الواقع وتمثيله يمثل واحدًا من المجالات الرئيسية التي تهم باحثي الدراسات الإعلامية.
fig4
شكل ٥-٢: العائلة الأمريكية في مسلسل شبكة إيه بي سي «أسرة برادي الكبيرة».

في فترة الاضطرابات الاجتماعية في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، تغير المجتمع سريعًا، وتغيرت البرامج التليفزيونية أيضًا. استمرَّ الهروب إلى الضواحي، وبدأت الحركات النسوية وحركات الحقوق المدنية في فرض تأثيرٍ على المجتمع في هذه المرحلة، وانعكس الأمران كلاهما على التغيرات في البرامج التليفزيونية التي تذاع في وقت الذروة، فعُرض العديد من المسلسلات التي تضم نساءً عزباوات في أدوار البطولة في وقت الذروة، منها مسلسل «تلك الفتاة» (ذات جيرل)، الذي يدور حول امرأةٍ شابةٍ تحاول أن تصبح ممثلة (١٩٦٥–١٩٧١)، وقد بدأ عرضه عام ١٩٦٥، وبدأ عرض مسلسل «ماري تايلر مور» (ماري تايلر مور شو) عام ١٩٧٠، واستمر خلال هذا العقد (١٩٧٠–١٩٧٧)، ويصور بطلة عزباء ناضجة تسعى إلى العمل في مجال الصحافة.

إضافةً إلى ذلك، بدأنا نرى بطلاتٍ من غير البيض في بعض مسلسلات وقت الذروة الكوميدية القصيرة؛ فعلى سبيل المثال، شهد مسلسل «جوليا» (١٩٦٨–١٩٧١) ظهور الممثلة ديان كارول؛ الأمريكية ذات الأصول الأفريقية، في دور أمٍّ أرملةٍ عزباء تعمل ممرضة. وتنعكس حركات التغيير الاجتماعي نفسها في عددٍ كبيرٍ من المسلسلات الكوميدية القصيرة في سبعينيات القرن العشرين، التي أنتجها المنتج نورمان لير، منها مسلسل «كل شيء في العائلة»، الذي يدور حول رجل أبيض عنصري من الطبقة العاملة وأسرته، ومسلسل «مود»، الذي يدور حول امرأةٍ مُسنةٍ مؤيدةٍ للنسوية؛ ومسلسل «سانفورد وابنه» (سانفورد آند صَن)، الذي يدور حول تاجر أشياء مستعملة أمريكي من أصولٍ أفريقيةٍ وابنه.

وكما ذُكر سابقًا في بداية هذا الجزء، نشهد حاليًّا زيادةً في تعقيد وتنوُّع صور الطبقة الاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع صور العرق ونوع الجنس والميول الجنسية، على شاشات التليفزيون، وبخاصةٍ في المسلسلات التليفزيونية على القنوات الخاصة مثل مسلسل «التنصُّت». وإحدى نتائج هذا التحوُّل هي تنوُّع الصور التي نراها الآن على شاشة التليفزيون في وقت الذروة. فعلى سبيل المثال، في مسلسل «التنصُّت»، يرى المرءُ نساءً لا يتمتعن بمظهر نساء الطبقة المتوسطة العليا الذي يبدو في الصور «المجمَّلة» لنساءٍ في نحافة عارضات الأزياء؛ وهي الصور التي نراها كثيرًا على شاشات التليفزيون. بدلًا من ذلك، تمثل النساء في المسلسل مجموعة من الأعمار والأعراق والتوجهات الجنسية أكبر مما يوجد في التمثيلات التليفزيونية الأخرى.

وبما أن مسلسل «التنصت» كان يضم مجموعةً كبيرةً من الشخصيات من مختلِف الخلفيات العرقية، فإنه يعرض قضية العرق على نحوٍ مختلفٍ أيضًا؛ فبدلًا من الاعتماد على الصور النمطية العرقية، كانت التمثيلات تعكس المزيد من الفوارق الدقيقة. فعلى سبيل المثال، الشخصيات الأمريكية ذات الأصل الأفريقي تتنوَّع بين تجار المخدرات ومتعاطيها في الشارع ومفوضي الشرطة ومرشحي انتخابات عمدة المدينة، والعديد من الشخصيات — من بينهم شُرْطيَّة مِثْليَّة سوداء تعيش على نحوٍ مستقرٍّ مع صديقتها — تقف في تناقضٍ حادٍّ مع الصور اللامعة التي ميَّزت المسلسل التليفزيوني «حياة المثليَّات» (ذا إل وورد)، الذي عُرض على إحدى القنوات الخاصة، ويدور تحديدًا حول المِثليَّات وأنماط حياتهن.

على وجه العموم، لم يصبح تنوُّع تمثيلات نوع الجنس والعرق والطبقة الاجتماعية والتوجهات الجنسية التي قدَّمها مسلسل «التنصت» والمسلسلات التليفزيونية الأخرى — لا سيما التي تُعرض على القنوات الخاصة المدفوعة — ممكنًا إلا من خلال بيئة الإعلام الجديدة، التي وصل فيها جمهور التليفزيون الضخم إلى مستوًى جديدٍ من التقسيمات. وبالرغم من أن الابتعاد الفعلي عن القوالب النمطية لهذه الفئات لا يزال نادرًا، فإن هذا المسلسل يشير إلى أن لدينا بعض الأمثلة على التنوُّع الحقيقي للتمثيلات، وهي أمثلة تنتشر في الفترة الإعلامية الحالية.

(٢) نوع الجنس في الدراسات الإعلامية: هل يُعاد إنتاج أدوار الجنسين ثقافيًّا؟

كان مسلسل «أحب لوسي» (آي لاف لوسي) واحدًا من أوائل أكثر المسلسلات الكوميدية القصيرة شعبيةً التي تُعرض في وقت الذروة على شبكة التليفزيون، وامتد بثُّه من عام ١٩٥١ حتى ١٩٥٧ (انظر شكل ٥-٣). أصبحت لوسي، التي لعبت دورَها الممثلةُ السينمائية السابقة لوسيل بول، بطلةً شعبيةً أمريكية؛ فقد كانت رمزًا لربة المنزل الأمريكية أولًا في شقةٍ في مدينة نيويورك، وبعد ذلك في ضواحي ولاية كونيتيكت. وتنطوي أفعالها الهزلية للغاية عادةً على محاولات الانخراط في عالم الفن والخروج عن دور ربة المنزل. في إحدى الحلقات، حصلت لوسي وصديقتها إثيل على وظيفتين، وتبادلتا الأدوار مع زوجيهما ريكي وفريد، اللذين بقيا في المنزل للقيام بالأعمال المنزلية والطبخ. وكانت نتائج هذا الخروج عن أدوار الجنسين التقليدية كارثيةً كما هو متوقع؛ حيث طُردت لوسي وإثيل من وظيفتيهما على خط تجميع حلوى، وكاد ريكي وفريد يدمران البيت والمطبخ خلال محاولاتهما للطبخ والتنظيف. وكان الحل الكوميدي الذي قدمه المسلسل هو إرجاع كل شخصٍ مرةً أخرى إلى المكان المخصص له، معززًا النسق التقليدي للجنسين في الأسر الأمريكية في خمسينيات القرن العشرين.
fig5
شكل ٥-٣: لوسي ريكاردو؛ ربة المنزل المضحكة في مسلسل «أحب لوسي»، مع زوجها ريكي ريكاردو (لعب دورَيهما لوسيل بول وديزي أرنيز).

بينما يعد مسلسل «أحب لوسي» على أحد المستويات مصدرًا للمتعة والبهجة ليس إلا، فإنه مرةً أخرى، وكما رأينا سابقًا، يمكن تقديم قراءاتٍ أخرى للمسلسل؛ فعلى سبيل المثال، إحدى القراءات الممكنة هي أن مسلسل «أحب لوسي» يمثل واحدًا من أوضح وأول التعبيرات النسوية عن استياء النساء من أدوارهن في خمسينيات القرن العشرين كربات بيوتٍ وأمهات. وتشير بعض بيانات المقابلات في الدراسات الإعلامية إلى أن النساء قرأن هذه الرسالة تحديدًا بينما يشاهدن المسلسل (برس ١٩٩١). إن أسئلةً من هذا النوع هي ما يشغل أولئك الذين يدرسون مسألة نوع الجنس في الدراسات الإعلامية؛ إذ يتناولون دراسة الصور الإعلامية وكيفية تلَقِّيها من منظور دعم هذه الصور، أو تحديها، أو معارضتها، أو تعليقها بأي شكلٍ آخر على الهوية الجنسية وأدوار الجنسين في مجتمعنا.

ثَمَّةَ مجموعة جديدة كليًّا من القضايا في الوقت الراهن — بعضها وثيق الصلة بالبيئة الإعلامية الجديدة — تشغل بال دارسي العلاقة بين نوع الجنس والإعلام. تأمل على سبيل المثال المسلسل التليفزيوني ذا الشعبية «الجنس والمدينة» (سِكس آند ذا سيتي، ١٩٩٨–٢٠٠٤)، الذي تحوَّل حديثًا إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه ويضم طاقم التمثيل نفسه (٢٠٠٨). (انظر شكل ٥-٤). اكتسب المسلسل التليفزيوني جمهورًا من بين أكثر الجماهير عددًا وتحمسًا له في تاريخ التليفزيون الحديث. وتتجلَّى شعبيته الهائلة والمستمرة في مرات إعادة بثِّه، ومبيعاته على أقراص الفيديو الرقمية، وتناوله في المنتديات الإلكترونية (انظر ديمسي ٢٠٠٣، أبلسون ٢٠٠٦، إليوت ٢٠٠٨)، وهو جزء لا يتجزأ من ثقافة الطالب الجامعي؛ فالغالبية العظمى من طلابنا في فصول دراسة الإعلام على مدى السنوات العشر الماضية يعرفون هذا المسلسل، والعديد منهم من محبيه المتحمسين.
fig6
شكل ٥-٤: نساء مسلسل «الجنس والمدينة» الذي كان يُعرض على شبكة إتش بي أوه.

كيف يستطيع باحث متخصص في دراسات الإعلام فهم هذا المسلسل؟ وعلى وجه الخصوص، ما الأدوات التي قد يستخدمها لتقييم أهميته الثقافية، وتأثيره على الأفكار حول نوع الجنس — فالهوية الجنسية وأدوار الجنسين من موضوعات المسلسل الرئيسية — على المستوى الثقافي والاجتماعي والنفسي؟ يجب أن تأخذ أي دراسة لهذا المسلسل في الاعتبار إعادة بثِّه المتواصلة على شاشة التليفزيون، وسهولة الحصول على مواسم كاملة منه على أقراص الفيديو الرقمية عن طريق الشراء أو الاستئجار، ومواقع المعجبين الإلكترونية ومناقشاتهم حول المسلسل، سواءٌ على موقعه الرسمي أو على المواقع غير الرسمية، وتحوُّل المسلسل إلى فيلم سينمائي ضخم مع احتمال إنتاج جزءٍ آخر أو أكثر له على مدى السنوات القليلة المقبلة. هذه كلها جوانب للبيئة الإعلامية الجديدة تؤثر على كيفية تلقِّي التليفزيون اليوم وتأثيره.

تجسد المناقشاتُ حول تأثير هذا المسلسل التليفزيوني الناجح (الذي أصبح فيلمًا الآن) وأهميته ومعناه بعضَ أكثر القضايا إثارةً للاهتمام التي هي قيد المناقشة حاليًّا في الحقل الفرعي من الدراسات الإعلامية الخاص بنوع الجنس والإعلام. فبدايةً يتوجه متخصصو الدراسات الإعلامية نحو التغيرات التاريخية في الثقافة لتفسير تطوُّر شخصيات ومواضيع المسلسل جزئيًّا. حينما أصبحت بعض وجهات النظر النسوية مسلَّمًا بها جزئيًّا في الثقافة (على سبيل المثال، حرية المرأة في أن تعيش عزباء، وتحصل على وظائف كانت حكرًا في السابق تقريبًا على الرجال، وتتلقى أجرًا مساويًا للرجال مقابل العمل بها)، تغير موضع النساء في الثقافة، فأصبحت النساء العزباوات والنساء العاملات أكثر وضوحًا، ويحظين بقبولٍ أكبر بكثير. وانعكس هذا في البرامج التليفزيونية؛ فقد احتلت مجموعةٌ أكثرُ ليبراليةً من الأفكار حول دور المرأة فيما يخص العمل والأسرة — في هذا المسلسل ومسلسلاتٍ أخرى في العقدين الماضيين — مكانَ التوجُّه الأسري في المسلسلات الكوميدية القصيرة الأولى بوضوح؛ لذلك لدينا مسلسلات مثل «الجنس والمدينة» التي تصور نساءً عاملاتٍ عزباواتٍ يعشن حياةً جنسيةً حرةً نسبيًّا.

استخدم باحثو الدراسات الإعلامية — أثناء دراسة معنى هذا النص وكيفية تلقِّيه من منظورٍ نسوي — المسلسل كي يساعدهم على الكشف عن منظورٍ نسويٍّ جديدٍ يعتبرونه سائدًا في ثقافتنا، والذي سمَّاه البعض «الموجة النسوية الثالثة».3 احتفظت الموجة النسوية الثالثة ببعض الانتقادات التي وجهتها الموجة النسوية الثانية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين للأدوار التقليدية للمرأة (على سبيل المثال، التركيز على حصول المرأة على عملٍ مدفوع، وعلى أجرٍ متساوٍ مقابل عملٍ متساوٍ مع عمل الرجل). ومع ذلك، قرنت الموجة النسوية الثالثة هذه المفاهيم مع فكرة أن المرأة يجب أن تكون حرةً في التعبير عن ميولها الجنسية في السياقات الطبيعية والمثلية على حدٍّ سواء؛ ومن ثَمَّ فإن مفهوم صورة «المرأة المثيرة»، الذي كان عنصرًا أساسيًّا في أفلام خمسينيات القرن العشرين، عاد في بعض الصور التليفزيونية والسينمائية الحالية. وتُجسِّد نساء مسلسل «الجنس والمدينة» ذلك بدرجةٍ ما؛ إذ قدم المسلسل — على نحوٍ بارز — ملابس «مثيرة» غالية الثمن، وأحذية ذات كعبٍ عالٍ غير عملية (عادةً من علامات تجارية مكلفة)، وملابس داخلية مثيرة، كلها اختيارات كانت موضع انتقادٍ من قِبل الموجة النسوية الثانية، ولكن في هذا النص ترتبط هذه الملابس بحق المرأة في التعبير عن نفسها جنسيًّا؛ ومن ثَمَّ في ارتداء ملابس تجعلها أداةً للمتعة الجنسية إذا رغبت في ذلك.

سوف نناقش في الجزء التالي كيف طَورت الدراساتُ الإعلامية الأدواتِ النظرية اللازمة لتحليل قضية نوع الجنس. ويُرجِع البعض بداية دراسة الإعلام ونوع الجنس إلى اهتمام هيرتا هيرتزوج بالنساء المستمعات للمسلسلات الإذاعية الاجتماعية (هيرتزوج ١٩٤١)؛ إذ وجدت هيرتزوج أن الاستماع إلى المسلسلات ساعد النساء على مواجهة بعض الصعوبات الناجمة عن وضعهن الاجتماعي الأدنى مرتبة. وبعد دراسة هيرتزوج، بدأ يظهر اهتمام هائل بطريقة تصوير النساء في أفلام هوليوود ذات الشعبية. سوف نناقش هذا الاهتمام إلى جانب النموذج النظري والنتائج التي أدَّى إلى ظهورها، وسَيَلي ذلك مناقشة قصيرة للغاية حول الدراسات السابقة الكثيرة حول نوع الجنس والتليفزيون.

(٢-١) السينما ونوع الجنس: قضايا التلقي والتمثيل

بدأت دراسة العلاقة بين السينما ونوع الجنس في أوائل سبعينيات القرن العشرين عندما كتبت الناقدات السينمائيات؛ أمثال: مارجوري روزن (١٩٧٣)، ومولي هاسكل (١٩٧٤)، تاريخًا نقديًّا يعرض أنواع صور النساء المقدمة في السينما الهوليوودية الشهيرة. ذكرت كلتاهما ميل السينما الرائجة إلى معاملة النساء كأدواتٍ للمتعة الجنسية، ولكنهما لاحظتا أيضًا وجود شخصياتٍ نسائيةٍ قويةٍ في أفلامٍ من مختلِف الأنواع. واستخدم كتابا روزن وهاسكل اللغة العادية السهلة المستخدَمة في النقد السينمائي من أجل البدء في شنِّ نقدٍ نسويٍّ لدور المرأة في السينما الرائجة، مركزَين على فكرة أن المرأة في أغلب الأحيان لم تلعب أدوارًا رئيسية في مجموعةٍ متنوعةٍ من أنواع الأفلام، وأنه عندما كانت تُصوَّر المرأة، كانت تُبرَز سماتُها الجنسية. ومع ذلك، فإن وجود نساءٍ قويات — كما في «صور النساء» التي قدَّمتها غالبًا نجماتٌ إناثٌ ناضجاتٌ شهيرات، مثل: بيتي ديفيس، أو كاثرين هيبورن، أو جوان كراوفورد — أدَّى إلى تقديم بعض الأدوار البديلة أيضًا، معظمُها يصور نساءً قوياتٍ يلعب دورهن هؤلاء النجمات في أدوارٍ رئيسية.

استمر الاهتمام البحثي بنوع الجنس وأفلام هوليوود مع التوجه نحو نظرية التحليل النفسي لفهم كيفية تلقِّي الأفلام. وفَّر التحليل النفسي ومجموعة النظريات المرتبطة به أدواتٍ نظريةً مهمةً استخدمها المهتمون بالعلاقات الخاصة بنوع الجنس في هذه النصوص، وتأثير هذه العلاقات على هويات نوع الجنس في مجتمعنا. طُورت «نظرية المشاهد» التحليلية النفسية من أجل تحليل طريقة مشاهدة الجمهور لأفلام هوليوود على نحوٍ نظري. وناقش واضعو نظرية المشاهد في البداية الحالةَ التي تُشبه الحلم داخل دور العرض السنيمائي؛ مما دفعهم إلى تبنِّي سلسلةٍ من مفاهيم التحليل النفسي لشرح ما وصفوه بالحالة «قبل الشعورية» التي يدخلها المشاهد عندما يدخل قاعة السينما المظلمة ويستعد لفهم نصٍّ إعلامي (ميتز ١٩٧٦).

أصبح لنظرية المشاهد أهمية خاصة لدى المهتمين بدراسة نوع الجنس. على سبيل المثال، اعتمد مقال مولفي بعنوان «المتعة البصرية والسينما السردية» (١٩٧٥) على نظرية التحليل النفسي لوضع نظرية حول نوع الجنس في «سينما هوليوود الكلاسيكية» (نوضحها فيما يلي). وأصبح عمل مولفي نموذجًا لدراسة طريقة تأثير النصوص السينمائية على هويات نوع الجنس في ثقافتنا؛ فقد مهَّدت الباحثة الطريق أمام أسلوبٍ جديدٍ تمامًا استُخدم أولًا في دراسة الأفلام، ثم في دراسة الأنواع الأخرى من النصوص الإعلامية، من خلال منظورٍ تحليليٍّ نفسيٍّ يبرز قضايا نوع الجنس. وحتى وقتٍ قريبٍ للغاية، كان عملُ مولفي العملَ الأكثر تأثيرًا لدى المهتمين بدراسة كيفية تمثيل أشكال عدم المساواة بين الجنسين في وسائل الإعلام الأمريكية.

حادتْ مولفي عن منظرَي التحليل النفسي السابقَين (بودري ١٩٧٤-١٩٧٥، ١٩٧٦، ميتز ١٩٧٤أ، ١٩٧٤ب، ١٩٨٢) عبر تأكيدها على أن نوع الجنس كان في قلب منظومة المعنى في الأفلام الكلاسيكية في هوليوود. وفقًا لمولفي، تُمثَّل النساء وفقًا لمجموعةٍ من المعايير المعينة تبنَّتها سينما هوليوود الكلاسيكية في «عصر الاستوديوهات»؛ وهو مصطلح يشير إلى الفترة التي تمتد تقريبًا من عام ١٩٢٩ (بداية الأفلام الناطقة) حتى خمسينيات القرن العشرين (عندما بدأت استوديوهات الإنتاج السنيمائي في الانهيار وفقدت السيطرة على توزيع الأفلام). تركز معايير التمثيل تلك اهتمامها على أجزاء جسم المرأة والشكل العام كهدفٍ لنظرة الذَّكَر. وقد صاغ دارسو المرأة في الأفلام — ممن تبنَّوْا نظرية مولفي — مصطلح «جذب الأنظار» لوصف الصفات المميزة للعديد من تمثيلات النساء في سينما هوليوود الكلاسيكية؛ ونتيجةً لذلك، يطرحون نظرية مفادها أن: هوليوود لعبت دورًا قويًّا في ترسيخ تشييء المرأة في ثقافتنا. وثَمَّةَ من يقول إن هذه العملية أدَّت إلى تنميطٍ معينٍ لصفة «جميلة»؛ إذ كانت بطلات أفلام هوليوود الشهيرة في كثيرٍ من الأحيان بيضاوات، وشابَّات، وممشوقات القوام، وشقراوات، وجميلات جمالًا تقليديًّا إلى درجةٍ كبيرةٍ لا تتناسب مع نِسب وجود هذا النوع من النساء بين عموم الناس. ومع ذلك، كان لهن تأثير كبير على طريقة رؤية النساء والفتيات لأجسامهن وحكمهن عليها (هاريسون وكانتور ١٩٩٧، هاريسون ٢٠٠٠) (انظر شكل ٥-٥).

والأمثلة على ذلك كثيرة. تُناقش مولفي العديد من الأفلام الشهيرة لألفريد هيتشكوك في مقالها، منها فيلم «دوار» (فيرتيجو)؛ حيث يغير بطل الرواية الذكر جيمس ستيوارت من شكل بطلة الرواية كيم نوفاك وفقًا لفكرته المثالية عن الجمال، وفيلم «النافذة الخلفية» (رير ويندو)، الذي يقدم مرةً أخرى ذكرًا — جيمس ستيوارت — في دور البطل المُقعَد على كرسيٍّ متحرِّك، وهو الذي يشاهد أحداث جريمة قَتْل جارته من موقع المراقبة عبر نافذة شقته، إلى جانب البطلة جريس كيلي في دور مشاركٍ في التحقيق. في الواقع، أصبح هيتشكوك شهيرًا بتفضيل نوعٍ معينٍ من البطلات؛ الهادئة الشقراء الغامضة. وباستخدام مجموعةٍ من الممثلات الشهيرات في هوليوود؛ منهن: إنجريد بيرجمان، وجريس كيلي، وفيرا مايلز، وكيم نوفاك، وجانيت لي، وتيبي هيدرين؛ صاغ هيتشكوك هذا النوع من البطلات مرارًا وتكرارًا في أفلامه.

fig7
شكل ٥-٥: جيمي ستيوارت وكيم نوفاك في فيلم ألفريد هيتشكوك «دوار» (١٩٥٨).

بالتأكيد يُعَدُّ نموذج مولفي مفيدًا في فهم قوة نص مسلسل «الجنس والمدينة»، سواءٌ في شكله التليفزيوني أو السينمائي؛ فشخصيات النساء في مسلسل «الجنس والمدينة» مصممة جزئيًّا بالطريقة «المثيرة» التي وصفتها مولفي. فكما هي الحال مع بطلات هيتشكوك التي ناقشتْهن مولفي صراحةً، فقد أولَى المسلسل اهتمامًا هائلًا ومركزًا بكل تفاصيل الشَّعر والملابس، ومستحضرات التجميل، والمظهر العام للنساء الأربع البطلات. وتُشكِّل هذه التفاصيل جزءًا كبيرًا من مشاهد المسلسل وجاذبيته.

مَيزَت الأنماط التقليدية لتمثيل الرجال والنساء التي ذكرتْها مولفي جزءًا كبيرًا من صور هوليوود الكلاسيكية. لكن توجد بعض الاستثناءات البارزة لهذه التمثيلات المعيارية. وقد طُعن على أطروحة مولفي على نطاقٍ واسعٍ بِناءً على هذه الأسس، وبالتحديد كُتِب عن منهج أفلام المرأة كثيرًا (والش ١٩٨٤، جليدهيل ١٩٨٧). في أفلام المرأة، التي يعتبرها البعض نوعًا رئيسيًّا من أنواع الأفلام، ويعتبرها البعض مجرد نوعٍ وصفي، يركز السرد على المرأة بوصفها البطل الرئيسي. وفي كثيرٍ من الأحيان، تكون شخصيات النساء في تلك الأفلام، والنجمات اللاتي يُمثِّلنها، أكبر سنًّا من البطلة النموذجية في أفلام هوليوود الكلاسيكية، ويؤدين أدوارًا رئيسية قوية، ونادرًا ما يُصوَّرنَ بطريقةٍ تُركِّز على أجسادهن، أو تجعلهن أدواتٍ لإشباع الرغبة الجنسية. بعض الأمثلة التقليدية على أفلام المرأة تتضمن: فيلم «الآن، أيها المسافر» (ناو، فوياجر، ١٩٤٢)، بطولة بيتي ديفيس (مقتبس من رواية نسائية ذات شعبية تحمل العنوان نفسه)، وفيلم «ستيلا دالاس» (١٩٣٧)، بطولة باربرا ستانويك (مقتبس أيضًا من رواية نسائية شهيرة للمؤلفة نفسها؛ أوليف هيجنز بروتي)، وفيلم «ميلدريد بيرس» (١٩٤٥)، بطولة جوان كراوفورد. ويشمل أكثر أفلام المرأة حداثة فيلم «انتظارًا لتنفس الصعداء» (وايتينج تو إكسهايل) لعام ١٩٩٥، والمقتبس عن رواية تيري ماكميلان الشهيرة للغاية (١٩٩٤)، وكذلك فيلم «كيف استعادت ستيلا حيويتها» (هاو ستيلا جوت هير جروف باك) لعام ١٩٩٨ (المقتبس عن رواية لماكميلان صدرت عام ١٩٩٧). واقتبس فيلم «أخوية السروال الجينز» (ذا سيسترهود أوف ذا ترافلينج بانتس، ٢٠٠٥) عن رواية شهيرة بالاسم نفسه (براشِرز ٢٠٠٣). وفي حين أن فترة الحرب في أربعينيات القرن العشرين كانت ذروة أفلام المرأة — إذ التحق الرجال بالجيش وتركوا خلفهم في الجبهة الداخلية جمهور أفلام أصبح أغلبه من الإناث — فإن خبراء مجال صناعة الأفلام يرَوْن أن جمهور السينما اليوم يتكوَّن من الذكور أكثر من الإناث، وهذا يؤدي إلى إنتاجٍ أقل لأفلام المرأة.4

مثلت أفلام المرأة كسرًا مهمًّا لمعايير أفلام هوليوود الكلاسيكية؛ فعلى النقيض من الأفلام التي سادت في سينما هوليوود الكلاسيكية، ركزت هذه الأفلام على شخصياتٍ نسائيةٍ في أدوار البطولة. وكانت الأحداث العاطفية والمنزلية والرومانسية هي الأحداثَ الرئيسيةَ في هذه الروايات. وقد ردت الأبحاث حول أفلام المرأة على ادعاءات مولفي التعميمية حيال أفلام هوليوود الكلاسيكية. ويستمر منهج أفلام المرأة في هوليوود حاليًّا، على الرغم من أن هذه الأفلام أقلية بين جميع الأفلام المُنتَجة؛ فالأفلام الحديثة مثل «يوميات بريدجيت جونز» (بريدجيت جونز دايري، ٢٠٠٦)، أو بالعودة إلى مثالنا الحالي — «الجنس والمدينة» (٢٠٠٨) — صُنعت باستخدام المجازات الأساسية لأفلام المرأة، وتوضح أهميتها المستمرة كنوعٍ من الأفلام.

على سبيل المثال، في حالة «الجنس والمدينة» (في كلٍّ من الفيلم والمسلسل التليفزيوني)، تُمثِّل صور النساء الأربع البطلات حجر الزاوية في نصوصه. يتتبع المسلسل حياة أربع سيداتٍ صديقات؛ إحداهن متزوجة والأخريات عزباوات، وكلهن في الثلاثينيات من العمر (على الأقل عندما بدأ المسلسل). تُجسد كل واحدةٍ منهن توجهًا وموقفًا أخلاقيًّا مختلفًا تجاه القيم الجنسية والسلوك الجنسي للمرأة؛ فشخصية سامانثا هي الأكثر تطرفًا، فهي امرأة «كثيرة العلاقات»، وشارلوت — الأكثر محافظةً — متزوجة وتسعى إلى أن تصبح أمًّا، أما ميراندا فهي مدفوعة بالحياة المهنية على نحوٍ أكبر وهي محامية تعمل بجد، بينما تقف كاري — الراوية — في مكانٍ ما في وسط كل هذه المواقف المتطرفة، وتتأمل حياتهن في سياق معضلات المسلسل العديدة المتعلقة بالمرأة والحياة الجنسية، وعلاقاتها بالرجال والنساء الأخريات، وعلاقتها بالعمل. جميع الشخصيات جذابة وحسنة الملبس إلى أقصى حد، ويعشن في شققٍ أو منازلَ أو أدوارٍ علويةٍ جيدة التأثيث في مدينة نيويورك، ولا يعانين من أي أزمةٍ في إنفاق المال والتسوُّق. باختصار، فإن القيم الاستهلاكية للمسلسل واضحة. في الواقع، كانت قدرة المسلسل على تصوير شخصيات هؤلاء النساء الأربع المختلفات وحياتهن على مدى عددٍ من السنين هي مصدر قوته. ومن أجل تفسير هذا البُعد في نص «الجنس والمدينة»، ينبغي لنا ترك مولفي ونظرية المشاهد وراءنا والتحوُّل إلى أنواعٍ أخرى من الأعمال التي تُعَدُّ مفيدة على نحوٍ مساوٍ في فك رموز قوة هذا النص وتأثيره وأهميته.

استخدم الباحثون في الوقت الحالي النظرية النسوية لفهم مزيجٍ معينٍ من العناصر الثقافية التقليدية، و«النسوية» على نحوٍ تقليدي، والمناهضة للنسوية، والاستهلاكية التي نراها موجودة في نص مثل فيلم «الجنس والمدينة»، أو غيره من الأفلام النسائية الحديثة مثل «يوميات بريدجيت جونز» أو حتى فيلم «الحبلى»، والتي تُقدِّم بعض المتعة للإناث المشاهدات، ولكن تحتفظ بنزعة التمرْكُز حول الذكر التي ميزت سينما هوليوود الكلاسيكية. ولتفسير هذا، صاغ الباحثون مصطلحَي «ما بعد النسوية» و«الموجة النسوية الثالثة». وكما ذكرنا سابقًا، عادةً ما توصف هذه الحركات بأنها تجمع بعض رؤى ومطالب الموجة النسوية الثانية — على سبيل المثال، التركيز على عدم المساواة الاقتصادية التي تعاني المرأة منها — مع تخفيف قيود الموجة الثانية المُحددة ثقافيًّا، والتي تتعلق بطرق المرأة في ارتداء الملابس والتعبير عن الميول الجنسية، والأشكال العامة من سلوك الجنسين المتضمَّنة في الثقافة. فبينما قد تنتقد الموجة النسوية الثانية الأحذية ذات الكعب العالي، الغالبة في الأحذية التي ترتديها الشخصيات النسائية الرئيسية في «الجنس والمدينة»، فإنه من منظور الموجة الثالثة أو ما بعد النسوية، ساعدت الأزياء في «الجنس والمدينة» الشخصيات النسائية الرئيسية في استكشاف الملابس كوسيلةٍ للتعبير الجمالي والجنسي (انظر جيل ٢٠٠٣، ٢٠٠٨). تميل المناهج الحالية لتحليل الأفلام لدى المختصين بدراسة نوع الجنس والإعلام إلى الجمع بين الرؤى النظرية الاجتماعية والتاريخية والتحليلية النفسية؛ لفهم نصوص الأفلام ذات الشعبية وكيفية تلقيها.

(٢-٢) التليفزيون ونوع الجنس: قضايا التلقي والتمثيل

أسفرت دراسات تمثيل الجنسين في المسلسلات التليفزيونية الرائجة في كثيرٍ من الأحيان عن نتائجَ مماثلةٍ لتحليلات الأفلام الواردة سابقًا؛ إذ وجد ليكتر وزملاؤه (ليكتر وروثمان وليكتر ١٩٨٦، ليكتر وليكتر وروثمان ١٩٩٤) أن بطلات التليفزيون كن على نحوٍ غير متكافئٍ شاباتٍ بيضاواتٍ ممشوقات القوام يظهرن في المنزل وليس في العمل، وفي مناصبَ ثانويةٍ مقارنةً بالرجال، وكنَّ عمومًا ممثَّلَات تمثيلًا ناقصًا في البرامج التليفزيونية التي تُذاع في وقت الذروة، ولكن اتسعت في السنوات الأخيرة أدوار المرأة في التليفزيون؛ ففي سنوات التليفزيون الأولى أصبحت أدوارٌ مثل أم والي وبيفر في مسلسل «اترك الأمر لبيفر» (ليف إت تو بيفر) أو دور ربة المنزل التي لا تكلُّ دونا ريد في مسلسل «دونا ريد» (دونا ريد شو)؛ رموزًا ثقافية للولع النسائي بالحياة الأسرية، والتي — كما أشار الباحثون — لم تعكس بأي حالٍ أنماطَ الأسر الحقيقية في ذلك الوقت (كونتس ١٩٩٢). تطورت الأسر في التليفزيون على مدى عقودٍ لتشمل أسرًا ذات عائلٍ واحد (بدءًا من أُسر الوالد الأعزب في مسلسلَي «أبنائي الثلاثة» (ماي ثري صَنز)، و«خطوبة والد إدي»، حتى أُسر الأم العزباء في مسلسل «مَن المسيطر؟» (هُو إذ ذا بوس)، ومسلسل «كيت وألي» (كيت آند آلي)، وأسر ممتزجة (مثل المسلسل الشهير «أسرة برادي الكبيرة»، ١٩٦٩–١٩٧٤)، وأسر مكان العمل؛ مثل تلك الأسر في مسلسل «ماري تايلر مور»، وأكثر مجموعةٍ تنوعًا من الأسر والمشكلات التي تدور حولها أحداث مسلسل «ربات بيوت يائسات» (ديسبريت هاوس وايفز) الحديث. وتطوَّرت صور النساء كذلك؛ إذ تطوَّرت أدوار المرأة العزباء عن تلك الأدوار الأُولى في «الآنسة بروكس» إلى النساء المهتمات بالحياة المهنية في: «تلك الفتاة»، ومسلسل «ماري تايلر مور»، وأكثر المسلسلات حداثة؛ مثل: «المحاماة في لوس أنجلوس» (إل إيه لو)، و«ألي ماكبيل»، و«تشريح جراي» (جرايز أناتومي)، و«الجنس والمدينة».

في الآونة الأخيرة، تغيرت طبيعة التليفزيون كوسيلةٍ إعلاميةٍ تغيرًا هائلًا، حتى إن هذا النوع من الدراسات الأولى التي قام بها ليكتر وليكتر وروثمان (١٩٩٤) صار إجراؤه صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا؛ فقد كان هؤلاء الباحثون قادرين في دراستهم الأولى على تصنيف وتحليل صور الجنسين في جميع البرامج التي تذاع على التليفزيون في وقت الذروة، وهي عملية كانوا يقومون بها على فتراتٍ دوريةٍ من سبعينيات القرن العشرين حتى تسعينيات القرن نفسه. وأشارت دراساتهم إلى اتجاهٍ عامٍّ يشير إلى نقص تمثيل النساء في التليفزيون كمجموعة، والإفراط في تمثيلهن في الأدوار الثانوية والنمطية على نحوٍ تقليدي؛ مثل: المربيات، وربات المنازل، والأمهات.

رغم أن صور وقت الذروة زادت ونمت مع انهيار عصر الشبكات وما صاحبه من زيادةٍ في عدد القنوات، فإننا نجد تقسيمًا أكبر بكثيرٍ في البرامج، واستهدافًا أكبر لجماهير معينة. ومن منظور نوع الجنس، وكذلك العرق والميول الجنسية والطبقة الاجتماعية (كما هو مبيَّن فيما يلي)، فإن ذلك يعني وجود قدرٍ أكبر بكثيرٍ من التنوُّع في الصور المعروضة على شاشة التليفزيون. ورويدًا رويدًا أصبحت المسلسلات التي تضم نساءً من الأقليات ونساءً مُسنَّاتٍ ومِثْليَّاتٍ أكثر شيوعًا في المسلسلات التليفزيونية التي تذاع في وقت الذروة. وتعالج بعض المسلسلات الجديدة — لا سيما التي تذاع على القنوات الخاصة التي يُدفع مقابل الاشتراك فيها، والتي لا تخضع لعائدات الإعلانات — القضايا المثيرة للجدل في حياة المرأة، وغالبًا ما تعالجها على نحوٍ نسويٍّ تقدمي. وتقدم لوتز (٢٠٠٦) مناقشة مستفيضة لهذه التغيرات في تليفزيون المرأة منذ انحسار عصر الشبكات. واكتشفت أن هذا المستوى من التقسيم يعني عمومًا المزيد من التنوُّع في تمثيل نوع الجنس، وفي الوقت نفسه تقليل عمليات القولبة الواضحة مقارنةً بالوضع في عصر الشبكات.

حصلت بعض المسلسلات التليفزيونية على وجه الخصوص على اهتمامٍ نقديٍّ وشعبي، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى الطبيعة المبتكرة لتمثيلات المرأة. على سبيل المثال، تَركَّز كثير من الاهتمام على المسلسل التليفزيوني «بافي قاتلة مصاصي الدماء» (بافي ذا فامباير سلاير، ١٩٩٧–٢٠٠٣، شبكة إف إكس). وجد الباحثون هذا المسلسل مثيرًا للاهتمام على نحوٍ خاص؛ لتصويره القوي لامرأةٍ شابةٍ جميلةٍ تمتلك مصادفةً قوًى خارقةً للطبيعة تُمكِّنها من قَتْل مصاصي الدماء؛ ومن ثَمَّ تحافظ على أمان العالم. وأشاروا إلى أن مسلسل «بافي قاتلة مصاصي الدماء» يمثل حقبة جديدة في تمثيل المرأة الشابة لا تُصوَّر فيها النساء كمجرد أدوات للمتعة الجنسية فحسب، ولكن أيضًا في صورة قوية للغاية، وشديدة البأس، ومثيرة جنسيًّا في حد ذاتها (لوتز ٢٠٠٦). وقد سهَّلت البيئة الإعلامية الجديدة من خَلْق الإثارة حول بافي؛ حيث إن العديد من مجموعات المحبين الإلكترونية التي لا تزال موجودة (موقع Fanpop، وموقع Fan-Sites.org، وموقع vipfanauctions.com التابع لشركة في آي بي ليمتيد بارتنرشيب ٢٠٠٢، وموقع BuffyWorld.com) ساعد في استمرار الاهتمام والالتفاف حول هذا المسلسل، حتى وإن كان يُعاد بثُّه فحسب.

يعد مسلسل «ربات بيوت يائسات» (عُرض على قناة إيه بي سي من ٢٠٠٤ وحتى كتابة هذه السطور) مسلسلًا آخر يستحق إشارة خاصة في هذا الصدد؛ حيث يُصوِّر على نحوٍ تقدميٍّ حياةَ النساء الأكبر سنًّا المتورطات في سلسلة من العلاقات الأسرية/المهنية الصعبة والمتغيرة، والمقدَّمة في سياق تغيُّر أدوار المرأة المعاصرة فيما يخص العمل والأسرة؛ فقد عُرضت في المسلسل قضايا مثل: العلاقات المضطربة بين الأمهات وأطفالهن، والزيجات العَصِيبة، والجنس والفتيات العزباوات و/أو المتزوجات، وتربية الأطفال من قِبَل والدٍ واحد، والجنس في سن المراهقة وما إلى ذلك، من وجهة نظرٍ نسائية. يعرض هذا المسلسل قضايا تُشكِّل صعوبة في حياة النساء، ويحاول تصويرها بطريقةٍ عادلةٍ ومتوازنةٍ تُعامِل النساء بتعاطف، بصرف النظر عن الصعوبات التي يواجهْنَها.

على سبيل المثال، تأمَّل شخصية لينيت في المسلسل التي كانت سابقًا امرأة عاملة تتمتع بنجاحٍ ونفوذٍ في مجال الإعلان، لكنها تركت وظيفتها للبقاء في المنزل ورعاية أطفالها الأربعة؛ الملائكة الصغار المزعجين الذين يُسيئون التصرُّف باستمرارٍ ويجعلون حياتها كابوسًا. من الرائع مدى الصدق الذي يصوِّر به المسلسلُ المشاعرَ المتناقضة التي تنتابها حيال حياتها كأمٍّ متفرغةٍ لرعاية أطفالها، وتعبها، وإحباطاتها المستمرة، ومن الرائع أيضًا عرْض المسلسل مشاعرَها المتناقضة حيال ترك وظيفتها، ومدى افتقادها لحياتها السابقة السريعة الوتيرة كامرأةٍ عاملة.

في إحدى الحلقات (الموسم الأول، الحلقة ٢٥)، يحصل زوجها على ترقيةٍ كان يطمح إليها — وظيفة نائب الرئيس — سوف تتطلب مزيدًا من السفر وعبء عمل أكبر؛ مما يجعل حياة لينيت أكثر صعوبةً وأكثر عزلة. وعلى الرغم من توسُّلها لزوجها كي يرفض الترقية، فإنه يخبرها صراحةً كم يعني له أن يصبح نائب الرئيس، ومدى رغبته في المنصب، مع أن سفره سيزداد. مع ذلك، ترفض لينيت أن تلعب دور الزوجة الداعمة التي تتماشى مع طموح زوجها، وتتآمر دون علمه مع زوجة رئيسه للتأكُّد من أن رئيسه سيُغير قراره ويمنح الترقية شخصًا آخر؛ فهي ببساطةٍ لا تقدر على مواجهة الحياة كأمٍّ لأربعة أطفالٍ دون قرب زوجها، وهي مستعدة للتضحية بطموحه بسبب هذه المشاعر. وعلى الرغم من إصابة توم بخيبة أملٍ واضحةٍ عندما وصلته الأنباء بأنه لم ينل الترقية، لا تكشف لينيت أنها تدخَّلت في ذلك. إن نموذج الأم وربة المنزل الجديد، الذي يُصوِّره هذا المسلسل، لا يمكن ببساطةٍ أن يتوافق مع النماذج القديمة التي تُصوِّر الرجل الفائق النجاح والمرأة التي تقف بجانبه مهما حدث.

بطبيعة الحال، على الرغم من هذه الانحرافات عن الصور النمطية للمرأة والأسرة، فإن بعض الصور النمطية لا تزال موجودة، حتى في هذا المسلسل، فكل «ربات البيوت» في مسلسل «ربات بيوت يائسات» جميلات بالمعنى المتعارف عليه من امتلاك بشرةٍ مشرقة، وملامحَ طبيعية، وأجسامٍ ممشوقةٍ رقيقةٍ وجذابة، على الرغم من محاولات جعْل لينيت تبدو مُتْعَبة، ومنْح سوزان شعرًا رديئًا (ويلسون ٢٠٠٥، مكابي وأكاس ٢٠٠٦). إننا ببساطةٍ لم نصل بعدُ في وسائل الإعلام المرئية إلى المرحلة التي يصبح فيها من المقبول عمومًا تقديم نساءٍ تُقارب أجسامُهن الأجسامَ الطبيعية، وتظهر على وجوههن علامات الشيخوخة الطبيعية، ويتقبَّلن هذا الوضع على أنه عادي؛ ففي حين أننا نزعم أن الرجال قد فازوا بحرية التمثيل بأشكال أجسامهم ومظهرهم الطبيعي، فإن هذا العصر بالنسبة إلى النساء لم يأتِ بعد (انظر شكل ٥-٦).

يوجد إلى حدٍّ كبيرٍ نقصٌ في دراسات الجمهور الحاسمة حول تأثير التليفزيون على هوية نوع الجنس وتطوُّرها في سياق دراسات التليفزيون والسينما الحالية حول نوع الجنس، لا سيما في بيئة الإعلام الجديدة؛ حيث غالبًا ما يقترن تلقِّي البرامج التليفزيونية مع المشاركة في مجموعاتٍ على شبكة الإنترنت، أو حيث يُستكمل التلقِّي عن طريق المعلومات التي يجمعها المستخدمون من الإنترنت (ليفنجستون وبوفيل ٢٠٠١، ليفنجستون ٢٠٠٣). لكن الدراسات حول تأثير تعرُّض الأطفال للتليفزيون عديدة، وتشير إلى أن الصور العنيفة وغيرها تؤثر فعلًا في تطوُّر الأطفال بمجموعةٍ متنوعةٍ من الطرق؛ إذ تؤثر على سلوكهم العنيف، وسلوكيات تناول الطعام، ووزن الجسم، وإدراكهم للعالم الاجتماعي. وقد أدَّى ذلك إلى بعض القوانين التنظيمية والإصلاحية من جانب الحكومة الأمريكية (باكارد ١٩٩١، سنتروول ١٩٩٢، هيندرشوت ١٩٩٨، ٢٠٠٤، ليفنجستون وبوفيل ٢٠٠١، سينجر وسينجر ٢٠٠١، ليفنجستون ٢٠٠٣، بيكتورا وموري وورتيلا ٢٠٠٧، تاشنيت ٢٠٠٠).

fig8
شكل ٥-٦: لينيت من مسلسل شبكة إيه بي سي «ربات بيوت يائسات».

باختصار، أوضحت الدراسات حول تأثير مشاهدة التليفزيون على البالغين في بعض الأحيان أن وسائل الإعلام لها آثار يصعب قياسها كميًّا. ونحن لا نزال حاليًّا في مرحلة تخيُّل وبدء دراسة تأثير السينما والتليفزيون ووسائل الإعلام الجديدة على هويات نوع الجنس لدى البالغين. وثَمَّةَ حاجة إلى مزيدٍ من دراسات الجمهور والتأمُّلات حول مسألة كيفية دراسة هذه الظواهر.

(٣) الإعلام والعِرق

لقد كان العرق مسألة جوهرية في المجتمع الأمريكي منذ الأيام الأولى للجمهورية. بالتأكيد كان العرق مبدأً تنظيميًّا في الحياة الأمريكية في حقبة العبودية المنصرمة، وطوال العقود التالية منذ إلغاء العبودية. وبالمثل، احتل العرق موضعًا رئيسيًّا في وسائل الإعلام الإلكترونية الأمريكية منذ بدايتها وعلى مدى عقود تطوُّرها. تأمَّل حالة السينما في هوليوود. غالبًا ما يعود أصل السينما الروائية إلى فيلم دي دبليو جريفيث «ولادة أمة» (بيرث أوف آ نيشن، ١٩١٥). يركز الفيلم الروائي القديم الشهير «ولادة أمة» على ظهور جماعات كو كلوكس كلان في الجنوب الأمريكي، ويتضمَّن قصة جانبية حول المحاولة المزعومة لاغتصاب امرأةٍ بيضاء من قِبل رجلٍ من أصلٍ أفريقي، وإعدامه بعد ذلك دون محاكمةٍ على يد مجموعةٍ من البيض الذين كانوا يرتدون الزي المألوف لكو كلوكس كلان، وتدور أحداث الفيلم على خلفية أوضاع المجتمع الأمريكي قبل وبعد الحرب الأهلية (انظر شكل ٥-٧).
حكم دارسو الأفلام طوال عقود على هذه القصة بأنها تُقدِّم وجهاتِ نظرٍ عنصريةً للغاية؛ تؤمن دون شكٍّ بتفوُّق البيض على الملونين. مع ذلك، لا جدال على أهميتها التاريخية في تطوُّر الأفلام الروائية الأمريكية (روجين ١٩٩٢، ١٩٩٦، جاكسون ٢٠٠٨).5 هذه الحقيقة وغيرها من سمات صناعة السينما في هوليوود دفعت الباحثين إلى وضع نظرياتٍ حول مركزية العنصرية في منظومة السينما الهوليوودية، سواءٌ أكانت العنصرية التي تُعلي من شأن البيض على الملونين (روجين ١٩٩٦)، أو معاداة السامية (جابلر ١٩٨٨، برودكين ١٩٩٨)، أو غيرها من أشكال العنصرية أيضًا (أونو ٢٠٠٨، تشونج تحت الطبع).
fig9
شكل ٥-٧: الكلان «ينقذون» الأنوثة البيضاء في فيلم دي دبليو جريفيث «ولادة أمة» (١٩١٥).

يعج تاريخ السينما في هوليوود بأدلةٍ على التنميط العنصري؛ فبدايةً وقبل كل شيء، كانت صور وسائل الإعلام الأمريكية لسنواتٍ تُطبِّق سياسة الفصل العنصري إلى أقصى حدٍّ فيما يتعلق بلون بشرة أبطالها؛ إذ كانت صور الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية والآسيوية واللاتينية وغيرهم من الأقليات غائبة على مر التاريخ، أو محتقَرة ومقولبة للغاية، أو محصورة (في حالة الأمريكيين ذوي الأصل الأفريقي) على الأعمال الفنية ﻟ «السود فقط»، التي تكون فيها جميع الشخصيات من أصولٍ أفريقية. هذه المشكلات التي تخص تمثيل الأقليات بدأ يعالجها الإعلام لدينا على مدى العقدَين الماضيَين فحسب.

في دراسةٍ بارزةٍ من الدراسات الإعلامية الحاسمة حول العرق والأفلام، يقدم بوجل (٢٠٠١) واحدة من المناقشات الأولى لصور الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في أفلام هوليوود. ويذكر هذا الكتاب — الذي نُشر لأول مرةٍ عام ١٩٧٣ — خمس صور نمطية رئيسية تسيطر على التصوير القديم للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في الأفلام: «توم»، وهو الأمريكي ذو الأصول الأفريقية الصالح «المقبول اجتماعيًّا»؛ «كُون»، وهو الشخص الأسود الكسول الأخرق؛ «مولاتو»، وهو الشخص الأمريكي ذو الأصول الأفريقية الودود الذي يتمتع ببشرةٍ أفتح لونًا؛ «مامي»، وهي المرأة السوداء العطوفة الكبيرة الحجم ذات الشخصية الشديدة الاستقلال؛ «باك»، وهو الشخص ذو الأصول الأفريقية الشهواني الشبق العنيف. أكدت جميع هذه الصور النمطية دونيَّة السُّود بالنسبة إلى البيض، وهي تمثيلات مُهينة للغاية.

يُطوِّر روجين (١٩٩٦) مناقشة بوجل إلى مستوًى إضافي، مؤكدًا أن تاريخ السينما الأمريكية بأكمله يمكن قراءته على أنه تاريخ للصراع بين البيض والسود في ثقافتنا. ويتتبع ذلك من خلال مناقشة ما أشار إليه بأنه الأفلام الأربعة الرئيسية التي مهَّدت الطريق أمام مشكلة العرق في أفلام هوليوود: «كوخ العم توم» (آنكل تومز كابين)، وفيلم «ولادة أمة»، وفيلم «مغني الجاز» (ذا جاز سينجر)، وفيلم «ذهب مع الريح» (جَنْ ويذ ذا ويند). تضمَّن كلُّ واحدٍ من هذه الأفلام قوالبَ نمطيةً ذكرها بوجل، وكلٌّ منها يصور — على نحوٍ غير ناقدٍ إلى حدٍّ كبير — المعاملة العنصرية التي تَعرَّض لها السود في التاريخ الأمريكي. يروي فيلم «كوخ العم توم» قصة العبد الأسود الذي يقبل المعاملة السيئة التي يتعرَّض لها باستمرار، وهي القصة التي ذاع صيتها في الرواية الشهيرة للمؤلفة هارييت بيتشر ستو. وأصبح اسمه — «العم توم» — مرادفًا للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية الذين يخضعون، حسبما يُفترض، لسوء المعاملة على يدَي المجتمع الأبيض.

قدَّم فيلم «ذهب مع الريح» الممثلة السوداء هاتي مكدانيل كواحدةٍ من أبرز شخصياته. وقد لعبت الدور الذي أصبح الأكثر اعتيادًا بين الممثلين والممثلات الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في أفلام هوليوود الكلاسيكية، ألا وهو دور الخادمة المنزلية (انظر شكل ٥-٨). كانت شخصية مكدانيل مرسومةً ببراعةٍ شديدةٍ لدرجة أنها أصبحت أول ممثلةٍ أمريكيةٍ من أصلٍ أفريقيٍّ تفوز بجائزة الأوسكار، على الرغم من الطبيعة النمطية لدورها. ويروي فيلم «مغني الجاز» — المشهور بأنه أول فيلم ناطق في هوليوود — قصة مغنٍّ يهوديٍّ مهاجرٍ أصبح لزامًا عليه أن يختار بين نجاحه الدنيوي في مجال الجاز، أو السير على خُطا والده كقائد جوقة ترتيل؛ وهو المُغنِّي في الطقوس الدينية اليهودية التقليدية. قدَّم هذا الفيلم، في سياقٍ غير نقدي، ممثلين من البيض يؤدُّون أدوار السود عبر تسويد وجوههم بمساحيق التجميل، وهو الأمر الذي كان شائعًا في بدايات القرن العشرين. إن نجاح هذين الفيلمين ومكانتهما الرئيسية في قائمة أفلام هوليوود المستحِقَّة للدراسة يؤكد أن زعم روجين حول مركزية العنصرية في نظام ولغة أفلام هوليوود هو زعم مؤثر.
لم يكن من المعروف دائمًا على مستوًى شعبيٍّ بين البيض الأمريكيين أن صناع السينما السود البارزين، مثل أوسكار ميشو، صنعوا أفلامًا إلى جانب أفلام البيض في أوائل تاريخ هوليوود؛ فبين عامَي ١٩١٩ و١٩٤٨، قدَّم ميشو سلسلة من الأفلام خلال العقود الأولى من صناعة السينما في هوليوود كانت معدَّةً خصوصًا للجمهور من أصلٍ أفريقي (ولكنها شوهدت أحيانًا من قِبل الجماهير البيضاء)، وكان العديد منها يضم فريقًا من الممثلين جميعُهم من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية.6 وقد أبرم صفقاتٍ مع مديري دور العرض في الجنوب بحيث تُعرض أفلامه في بعض الأحيان في حفلاتٍ نهاريةٍ من أجل جمهور السود خصوصًا، أو في عروض منتصف الليل من أجل جماهير البيض، واستخدم فريقًا من الممثلين والممثلات السود، وغالبًا ما كان يصوغ شخصياتهم على غرار شخصياتٍ معينةٍ لبعض نجوم السينما البيض. كانت أفلامه في بعض الأحيان تتبع أسلوب أنواعٍ معينةٍ من أفلام هوليوود مثل أفلام العصابات (فيلم «عالم الرذيلة والإجرام» (أندروورلد)) أو أفلام الميلودراما (فيلم «الخداع» (ذا ديسيت)، وفيلم «في الزنزانة» (ذا دنجن)). وفي أحيانٍ أخرى، ركزت الأفلام على موضوعاتٍ معينةٍ تخص قضايا الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في ذلك العصر مثل القدرة على الالتحاق بالكلية («حق طبيعي» (بيرث رايت))، أو مشكلات السود من ذوي البشرة الفاتحة الذين «يشقون طريقهم» نحو مجتمع البيض (فيلم «المغضوب عليهم» (جودز ستيب تشيلدرن)).7
fig10
شكل ٥-٨: «الآن ماذا سترتدي عزيزتي الصغيرة؟» مامي — التي مثلت دورها هاتي مكدانيل — تتحدث إلى سكارليت؛ التي مثَّلت دورها فيفيان لي في فيلم إم جي إم الكلاسيكي لعام ١٩٣٩ «ذهب مع الريح».
على مدى العقود القليلة الماضية، أُنتج فيض من الأفلام التي شكلت ما أصبح معروفًا في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته باسم «سينما السود الجديدة» (واتكينز ١٩٩٨). قدَّم مخرجون مثل سبايك لي وماتي ريتش سلسلةً من الأفلام التي حظيت بشعبيةٍ كبيرةٍ لدى جمهور الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية والجمهور الأمريكي الأبيض على حدٍّ سواء، وركَّز الكثير منها على موضوعاتٍ تُمثِّل أهميةً خاصةً للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية. ومن الأفلام المهمة خصوصًا فيلم سبايك لي «افعل الصواب» (دو ذا رايت ثينج، ١٩٨٩)، وهو فيلم يدور عن العلاقات العرقية في ضاحية بيدفورد-ستايفسنت في بروكلين، ويتناول موضوع العنف العنصري، ويشكك في ضرورته وملاءمته في مختلِف المواقف. اكتسب الفيلم سمعة سيئة بسبب مهاجمة بعض النقاد البيض له، زاعمين أنه قد يحرض الجماهير السوداء على الشغب، في حين رأى آخرون — بما فيهم سبايك لي نفسه — أن مثل هذه التعليقات نفسها عنصرية لافتراضها أن المشاهدين السود لا يمكنهم كبح أنفسهم أمام العنف المصور في فيلم سينمائي (انظر موسوعة ويكيبيديا). ودوَّن كلٌّ من كِنت أونو (٢٠٠٨) وسيلفيا تشين هوي تشونج (تحت الطبع) تاريخ تمثيل الآسيويين والأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية في سينما هوليوود ووسائل الإعلام الأخرى.8

وجَّه آخرون عدسة النقد العرقي إلى وسائل الإعلام الأخرى؛ فلطالما كان تمثيل الأقليات العرقية أقل من المفترض على شاشة التليفزيون. ويُقدِّم فيلم مارلون ريجز الوثائقي المهم «تعديل الألوان» (كلر أدجستمنت، ريجز ١٩٩٢) ملخصًا ممتازًا لتاريخ التليفزيون في هذا الصدد، ويتناول الفيلم تاريخ التمثيلات العرقية — أو تاريخ قلتها — على شاشات التليفزيون في فترات الذروة أثناء ظهور وانحسار عصر الشبكات. وباستخدام صورٍ من العقود القليلة الأولى لظهور التليفزيون، ومقابلات مع الممثلين والممثلات والكتَّاب والمنتجين، يؤكد ريجز في هذا الفيلم الوثائقي أن الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية على وجه الخصوص عانَوْا من نقص التمثيل، والوضع في قوالب نمطية طوال تاريخ التليفزيون. وقد حدث ذلك بطُرقٍ مشابهةٍ لمعاملتهم في السينما ووسائل الإعلام الأخرى، وبالتوازي مع ما يتعرضون له من تنميطٍ فعَّالٍ في ثقافتنا عمومًا. كما يشير ريجز أيضًا إلى مكر أساليب التصوير النمطية في العدد القليل من التمثيلات التي ظهرت بالفعل.

في أوائل عصر التليفزيون، كان ظهور الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية نادرًا للغاية، لدرجة أن ظهور أحدهم كان يُعَدُّ حدثًا كبيرًا في مجتمع الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، وكان يضمن تجمُّع جمهورٍ كبيرٍ منهم من أجل التمتُّع بهذا الحدث. ثَمَّةَ جزء لا يُنسى من فيلم «تعديل الألوان» يُظهر باحثين من أصلٍ أفريقي، والممثلة السوداء دايان كارول، يتحدثون عن مسلسلٍ تليفزيونيٍّ قديمٍ جدًّا عن الحياة الحضرية للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية بعنوان «آموس وآندي» (آموس آند آندي). وبينما أشار النقَّادُ البيض وذوو الأصول الأفريقية، على حدٍّ سواء، إلى أن هذا المسلسل كان مسيئًا وعنصريًّا للغاية تجاه شخصياته من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، ومليئًا بالقوالب النمطية، فإن هذه المقابلات عرضت ذكريات مُشاهدِين فعليِّين للمسلسل يتحدثون عن مدى أهمية رؤية أي صور، أيًّا كانت، للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية على شاشة التليفزيون في برامج وقت الذروة في أمريكا في خمسينيات القرن العشرين. وتروي بيل هوكس ذكرى مماثلةً عن رحلتها إلى دور السينما في ثلاثينيات القرن العشرين لرؤية فيلم «محاكاة الحياة» (إيميتيشن أوف لايف) الجديد الذي يضم الممثلة السوداء الشابة الجميلة فريدي واشنطن في دور «بيولا»؛ وهي امرأة شابة تتحدَّث علنًا ضد العنصرية في المجتمع الأمريكي. رأى العديد من المشاهدين من أصلٍ أفريقيٍّ أن مجرد مشاهدة منتجات إعلامية تعترف بوجودهم كأقليةٍ في المجتمع أمر محرِّر، بدلًا من الإعلام التقليدي الذي محا الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية وتجاهَلهم.

يصفُ هنري لويس جيتس الابن في مذكراته مدى أهمية مشاهدة المسلسل التليفزيوني «آموس وآندي» بالنسبة إليه وإلى أسرته كأشخاصٍ أمريكيين ذوي أصولٍ أفريقيةٍ ترعرعوا في الجنوب، فيقول متذكرًا:

كانت رؤية شخصٍ ملوَّنٍ على شاشة التليفزيون حدثًا. ربما كنت تسمع أحدهم يصرخ: «شخص ملون، شخص ملون على القناة الثانية.» ويُهرَع شخص آخر إلى الهاتف لنشر الخبر، في حين يطرق آخر الشرفة الأمامية ويخبر جميع الجيران أين يرَوْنه. «الجميع» أحب «آموس وآندي». لا يهمني ما يقوله الناس اليوم. وبالنسبة إلى الأشخاص الملونين، كان اليوم الذي أوقفوا فيه عرض «آموس وآندي» على التليفزيون واحدًا من أتعس الأيام في بيدمونت … كان ما يميز «آموس وآندي» بالنسبة إلينا هو أن عالمهم كان من الأشخاص الملونين «بأكمله»، تمامًا مثل عالمنا. بالطبع كان لديهم قضاة ومحامون وأطباء وممرضون ملونون. لم يكن بإمكاننا سوى الحلم بوجودهم أو أن نصبح مثلهم، وبالفعل حلمنا بهذه الأشياء. (جيتس ١٩٩٤: ٢٢)

يذكر جيتس في مذكراته نفسها أنه من خلال التليفزيون — التليفزيون فحسب — تعرف على الأشخاص البيض. ومن الواضح أنه في بدايات التليفزيون، كانت وسائل الإعلام قد بدأت لعب دورٍ رئيسيٍّ في تعريف شرائح المجتمع المعزولة من المُجْتمعَين كليهما بعضها ببعض. في الواقع، وضع دارسو الإعلام نظريةً تدفع بأن واحدةً من المهام الاجتماعية الرئيسية للتليفزيون هي: تعريف بعض الفئات الاجتماعية بالأنشطة «غير الواضحة» التي تمارسها الفئات الاجتماعية الأخرى المعزولة عنها في الحياة الحقيقية (ميرووِيتز ١٩٨٥).

تضمَّن جزءٌ آخر لا يُنسى من الفيلم الوثائقي «تعديل الألوان» مقابلةً مع إستر رول؛ إحدى الشخصيات الرئيسية في المسلسل الناجح «أوقات طيبة» (جود تايمز، ١٩٧٤–١٩٧٩). تذكر إستر أنه عندما عُرض عليها المسلسل — الذي تدور أحداثه حول عائلةٍ من السُّود في شقةٍ تابعةٍ لأحد مشاريع الإسكان الحكومية في شيكاجو — كان عليها أن تَظهر في دور الأم العزباء، لكنها طالبتْ بأن يكون لها زوج؛ ونتيجةً لهذا الطلب، أصبحت العائلة التي تدور حولها أحداث المسلسل عائلة تضم الوالدَين كليهما؛ فقد كانت إستر غاضبةً ببساطةٍ من الافتراضات النمطية حول غياب الآباء السود، التي يفترضها كتَّابُ ومنتجو المسلسلات في تصوُّرهم الأوَّلي للمسلسل. وبطبيعة الحال، يزيد من تعقيد هذه المسألة على وجه الخصوص الارتفاعُ الحاد في نسبة الأطفال السود الذين يعيشون في أسر تعولها أمهات عزباوات خلال سنوات عرض المسلسل.9

إن انتقاد رول للمسلسل على تمثيله هذا الواقع يوضح مدى صعوبة تحديد دور الإعلام في مجتمعٍ متغير؛ إما كانعكاسٍ للواقع في المقام الأول أو كمؤثرٍ عليه. وأظهرت الصور النمطية الأخرى، التي ظهرت في هذا المسلسل وغيره من مسلسلات، الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية على أنهم، في كثيرٍ من الأحيان، مصدرٌ للفكاهة البهلوانية. كان هذا واضحًا، على نحوٍ خاص، في شخصية جيه جيه في هذا المسلسل، الذي استخدم المزاح الجسدي بدرجةٍ متطرفةٍ جعلتْه غالبًا ما يقدِّم نفسه كأضحوكةٍ خرقاء مفرطة الغباء؛ الأمر الذي رآه الكثير من المشاهدين السود مُحْرجًا وكريهًا.

قبل ظهور مسلسل «عائلة كوسبي» (ذا كوسبي شو، ١٩٨٤–١٩٩٢)، كانت معظم المسلسلات الكوميدية الخاصة بعائلات السود تدور إما حول أسرٍ فقيرة (كما في مسلسل «أوقات طيبة» و«سانفورد وابنه»)، أو من الطبقة المتوسطة الدنيا، من دون آباء في كثيرٍ من الأحيان؛ حيث كانت تظهر أسر السود التي تعولها الأم على نحوٍ بارزٍ في الأخبار في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. كان هناك استثناء واحد بارز هو مسلسل «آل جيفرسون» (ذا جيفرسونز)، الذين كانوا أسرة كاملة «تتقدَّم للأمام» وصلت لأن تكون من الطبقة المتوسطة العليا، على الرغم من كونها آتيةً من الطبقة العاملة، كما يوضح المسلسل.

أصلح مسلسل «عائلة كوسبي» صورة الأسرة السوداء حرفيًّا وعلى نحوٍ واعٍ، كما رأينا في تصريحات بيل كوسبي نفسه حول هدفه من جعْل الأسرة السوداء مركزًا لهذا المسلسل. سعى كوسبي صراحةً كي يقدِّم للجمهور الأمريكي في وقت الذروة صورة لعائلةٍ سوداء كاملة العدد وناجحةٍ مهنيًّا، حتى في العصر الذي شهد انخفاضًا حادًّا في عدد العائلات السوداء المتماسكة التي تضم الوالدين كليهما. قدَّم المسلسل الممثل الكوميدي الشهير كوسبي في دور كوسبي نفسه؛ أب في عائلة سوداء من الطبقة المتوسطة العليا. وعلى الرغم من نسج المسلسل ليكون مسلسلًا كوميديًّا قصيرًا على نحوٍ تقليديٍّ للغاية، فإنه وصل آفاقًا جديدةً بتمثيلاته للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية من الطبقة المتوسطة العليا.

وعلى نحوٍ مماثل، غيرت دراسة جالي ولويس المؤثرة «العنصرية المستنيرة: مسلسل عائلة كوسبي والجماهير وأسطورة الحلم الأمريكي» (١٩٩٢) طريقة تفكيرنا حول العلاقة بين التمثيل والتأثير فيما يتعلق بقضية التفرقة العنصرية. وجَّه جالي ولويس أعين منظري التلقي نحو مسلسل «عائلة كوسبي»، الذي تصدَّر قوائم تقييمات المشاهدة في الكثير من مواسمه الثمانية؛ وذلك جزئيًّا بسبب شعبيته الكبيرة بين المشاهدين البيض والسود.

تكهَّن النقاد بأن المسلسل سيحسن العلاقات بين الأعراق في الولايات المتحدة، وسيجعل البيض أكثر تعاطفًا مع جيرانهم السود، لكن دراسة جالي ولويس، التي أخذت عيناتٍ من آراء المشاهدين البيض والمشاهدين السود، وجدت على نحوٍ مفاجئٍ إلى حدٍّ ما — وبالتأكيد على عكس توقُّعات معظم الباحثين — العكس؛ فبدلًا من أن يصبحوا أكثر تعاطفًا مع السود، أصبح مشاهدو مسلسل «عائلة كوسبي» البيض أكثر انتقادًا للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة، مُعربِين عن آراء حول جيرانهم السود؛ مثل: «لماذا لا يعملون بجهدٍ ويُظهرون تصميمهم وينجحون في حياتهم مثلما فعلت عائلة كوسبي؟» فما كان يُرى على نطاقٍ واسعٍ كمسلسلٍ يفرض تأثيرًا تقدميًّا بوضوحٍ في قضية العرق ثبت أنه أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير، وأكثر تفاوتًا بكثير، في تأثيره الفعلي على المشاهدين؛ مما تسبب في اضطراب مفاهيمنا البديهية حول ما سيُحدثه الخروج عن قواعد التمثيلات التليفزيونية المعتادة من تأثيرٍ اجتماعي. تتشابه هذه الدراسة إلى حدٍّ كبيرٍ مع الدراسة حول مسلسل «كل شيء في العائلة»، والتي أظهرت — كما ناقشنا سابقًا — أن المشاهدين تعاطفوا مع أرتشي بانكر وتوجهاته العنصرية وعارضوه على حدٍّ سواءٍ (فيدمار وروكيتش ١٩٧٤).

في حين لا تزال الصور النمطية موجودةً حاليًّا على شاشة التليفزيون، أصبح المنتجون والكتَّاب والممثلون والممثلات أكثر وعيًا بمدى تغلغل الصور النمطية الشائعة، وقاموا بمحاولاتٍ واعيةٍ لتقويضها من خلال نشر تمثيلاتٍ مختلفةٍ لمجموعةٍ متنوعةٍ من مجموعات الأقليات؛ فعلى سبيل المثال كانت شخصية لين وُو — المحامية الأمريكية الحازمة ذات الأصول الآسيوية التي لعبت دورها لوسي لُو في مسلسل «آلي ماكبيل» (١٩٩٧–٢٠٠٢) المذاع في وقت الذروة — تُمثِّل خروجًا واضحًا بالنسبة إلى الأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية عن شخصية السيدة ليفنجستون؛ الخادمة الأمريكية الهادئة المنقادة ذات الأصول الآسيوية، والتي لعبت دورها ميوشي يوميكي من عام ١٩٦٩ حتى عام ١٩٧٢ في المسلسل الناجح «خطوبة والد إدي». وعلى نحوٍ أكثر حداثة، حدد أونو (٢٠٠٥) نطاقًا فرعيًّا جديدًا بعنوان دراسات الأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية، يدرس الطرق التي من خلالها غيَّرت هُويَّات المهاجرين الآسيويين المختلفة الحياة بالنسبة إلى الأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية، ويدرس أيضًا طريقة مناقشة الأمريكيين الآخرين للأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية، ووضعهم في صورٍ نمطية، وتمثيلهم طوال تاريخهم في هذا الجزء من الكرة الأرضية.

تُوسِّع فالديفيا (١٩٩٥) وغيرها من الباحثين (هاريسون وبروجنسكي وأونو وهيلفورد ١٩٩٦، أونو ٢٠٠٥) عالم تحليل التمثيلات العنصرية من التركيز على صور الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية على شاشات التليفزيون إلى صور الأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية والآسيوية والجماعات العرقية الأخرى؛ فعلى سبيل المثال تُحلِّل فالديفيا، في إحدى المقالات، الطريقة النمطية التي ظهرت بها الممثلة السينمائية ذات الأصول اللاتينية روزي بيريز في أفلامها (فالديفيا ١٩٩٦). فملابسها ومجوهراتها ولغتها القاسية كلها عناصر تشهد على الصور النمطية التي تُطبق عادةً على ذوي الأصول اللاتينية في ثقافتنا. تناقش فالديفيا مجال دراسات ذوي الأصول اللاتينية في التواصل والإعلام كبؤرة تركيزٍ جديدةٍ نسبيًّا ضمن مجال الدراسات الإعلامية ككلٍّ (فالديفيا ٢٠٠٤، ٢٠٠٨).

قدم مسلسل «شرطيو شارع هيل» (هيل ستريت بلوز) في سبعينيات القرن العشرين شرطيًّا من أصلٍ أفريقيٍّ جنبًا إلى جنبٍ مع رجالِ شرطةٍ بيضٍ كشخصيةٍ رئيسيةٍ تم استكشافها بعمقٍ خلال حلقات المسلسل. كذلك قدَّم المزيدُ من المسلسلات الحديثة («التنصت»، و«تشريح جراي»، و«التحقيق في مسرح الجريمة»، و«حياة المثليَّات»، و«غرفة الطوارئ» (إي آر)) شخصياتٍ من الأقليات عرقية وقومية كشخصياتٍ رئيسيةٍ في مسلسلاتٍ تتميز بفريقٍ من الممثلين ذوي الأصول العرقية المختلفة. على الرغم من أن الصور النمطية لم تُستأصل، فإن هذه التمثيلات قطعت شوطًا طويلًا منذ التصوير النمطي المتطرف لشخصيات السود في مسلسل «آموس وآندي» في أوائل عصر التليفزيون.

نتتبع في الجزء التالي تاريخ تصوير الميول الجنسية البديلة في الإعلام، وكذلك نناقش التغيرات الأخيرة في طريقة تصوير الميول الجنسية.

(٤) الميول الجنسية

الملخص الرسمي لشبكة شوتايم لمسلسل «حياة المِثليَّات»

جيني شيكتر (ميا كيرشنر)؛ مؤلفة قصص خيالية موهوبة شابة … تصل إلى لوس أنجلوس لبدء «حياتها كبالغة» مع صديقها — الذي سيصبح قريبًا خطيبها — تيم هاسبيل (إريك مابيوس)؛ مدرب السباحة لفريق النساء في جامعةٍ حكوميةٍ كبيرة.

يقيم الحبيبان في غرب هوليوود في منزلٍ مجاورٍ لمنزل بِت بورتر (جنيفر بيلز) — مديرة متحف — وحبيبتها تينا كينارد (لوريل هولومان). كانت بِت وتينا تعيشان معًا منذ سبع سنوات، وتحاولان العثور على متبرعٍ بالحيوانات المنوية مثالي؛ لمساعدتهما على تأسيس أسرة …

تتضمَّن شبكة الأصدقاء المقربين من بِت وتينا: شاين ماكوتشن (كاثرين موينج)، مصففة شعر فاتنة؛ ودانا فيربانكس (إيرين دانيالز)، لاعبة التنس المحترفة التي لم تعلن بعدُ عن ميولها الجنسية المثلية؛ والصحفية المزدوجة الميول الجنسية أليس بيتشكي (ليشا هايلي)؛ والأخت غير الشقيقة لبِت كيت بورتر (بام جرير)، الموسيقية التي تتعافى من إدمان الكحوليات.

المصدر: شبكة شوتايم (٢٠٠٩)

يقدِّم مسلسل «حياة المِثْليَّات» — مسلسل تليفزيوني عُرض على شبكة شوتايم مؤخرًا — تفاصيل حياة مجموعةٍ من النساء المثليَّات والمزدوجات الميول الجنسية والطبيعيات اللاتي يُقِمْنَ في منطقة لوس أنجلوس. على الرغم من أن معظم النساء في مسلسل «حياة المِثْليَّات» يَظهَرن فاتناتٍ بطريقة هوليوود التقليدية، فإن معاملة الميول الجنسية المِثْليَّة والهُويَّة المِثْليَّة والعلاقات المثلية صريحة تمامًا في المسلسل. وهذا يطرق بوضوحٍ آفاقًا جديدةً في مجال تصوير الميول الجنسية في المسلسلات التليفزيونية التي تُعرَض في وقت الذروة.

على الرغم من أن شبكة شوتايم بالطبع شبكة تخضع لنظام الاشتراك، وأقل تقيُّدًا من شبكات التليفزيون في تصويرها للميول الجنسية، كما أشرنا من قبل، فإن هذا المسلسل رمز للشوط الطويل الذي قطعناه في تصوير الميول الجنسية في وسائل الإعلام الجماهيرية، وسيناقِش هذا الجزء طريقة تصوير الميول الجنسية غير التقليدية، وطريقة دراستها في الأفلام والمسلسلات التليفزيونية ذات الشعبية، والتغيرات الأخيرة في الصور والمواضيع المسموح بها.

أشار كثيرون إلى أن للإعلام تاريخًا طويلًا من المساهمة في اضطهاد الأقليات الجنسية؛ مثل: المثليين، والمثليات، ومزدوجي الميول الجنسية (جامسون ١٩٩٨، والترز ٢٠٠١). درست والترز (٢٠٠١)، على وجه الخصوص، كيف ارتُكبتْ جرائم الكراهية ضد مثليي الجنس في الأوقات التي شهدت تصويرًا محددًا للمثليين والمثليَّات في الأفلام أو المسلسلات التليفزيونية الرائجة. مع ذلك، رأى جامسون (١٩٩٨) أن البرامج الحوارية التليفزيونية غيَّرت هذا الأسلوب، وأوضح أن تلك البرامج كان لها في الواقع تأثير مُحرِّر، وتُمثل خطوةً كبيرةً إلى الأمام بالنسبة إلى المثليين في ثقافتنا؛ لأنها كانت واحدةً من الأماكن الأولى التي أوصلت الأصوات الحقيقية للمثليين والمثليات في ثقافتنا لعالم ذوي الميول الجنسية الطبيعية.

كشف العلماء، مؤخرًا، صراحةً ما يُنظر إليه الآن على أنه نهج قديم في سينما هوليوود والمسلسلات التليفزيونية ذات الشعبية يَنزع إلى تمثيل الميول الجنسية المِثْليَّة على نحوٍ سريٍّ (دوتي ٢٠٠٠، روسو ١٩٨١). يشير روسو في كتابه الشهير «خزانة الأفلام السينمائية» إلى أن بعض أكثر أفلام هوليوود شعبيةً وتأثيرًا، في عصر الاستوديوهات وبعده، تضمَّنت صورًا للمثليين جنسيًّا، وإشاراتٍ لهم في شخصياتها، وأوضح — من خلال ذكر العديد من نجوم هوليوود الكبار والمؤثرين من العصرين الكلاسيكي والصامت، والذين كان من المعروف أنهم مثليو الجنس أو مزدوجو الميول الجنسية — كيفية تقديم العديد من أكثر الأفلام شعبيةً شخصياتٍ كانت ميولها الجنسية تتسم بالغموض. مرةً أخرى، يمكن قراءة هذه الصور على أنها قامعة؛ وذلك لأنها ربما كانت خفية بالنسبة إلى معظم المشاهدين، أو محرِّرة؛ وذلك لأنها ربما تُقرأ من قِبل البعض على أنها تمنح صوتًا جليًّا للغاية لوجهات نظر مثليي الجنس.

أحد الأفلام التي يذكرها على وجه الخصوص هو الفيلم الرومانسي الكوميدي الذي يعرض ميولًا جنسية طبيعية «تنشئة بيبي» (برينجينج أب بيبي، ١٩٣٨)؛ بطولة كاري جرانت وكاثرين هيبورن. على الرغم من أنه في القراءة السطحية للفيلم يبدو كاري جرانت شخصيةً ذاتَ ميولٍ جنسيةٍ طبيعيةٍ تمامًا، يشير روسو إلى أن المشهد الكوميدي الذي يخرج فيه جرانت من الحمام مرتديًا رداء الحمام الأبيض المكشكش الخاص بهيبورن ويقول: «لقد أصبحت فجأةً «سعيدًا»!» (تحمل كلمة Gay باللغة الإنجليزية معنيين، هما: سعيد، ومِثْلي الجنس)، هو في الواقع إشارة ثانوية لثقافة مثليي الجنس قُرئت بوضوحٍ على هذا النحو من قِبَل العديد من المشاهدين المثليين لهذا الفيلم (انظر الشكل ٥-٩).
طوال عقودٍ من أفلام هوليوود، كانت هناك أيضًا أفلام تُقدِّم بالتفصيل — على نحوٍ صريح — العنفَ ضد المثليين والمثليات. ومن الأفلام ذات الأهمية الخاصة في هذا الصدد فيلم «ساعة الأطفال» (ذا تشيلدرن آور، ١٩٦١)، المقتبس من مسرحية ليليان هيلمان حول مُدرِّستَين في مدرسةٍ للبنات تفقدان مكانتهما الاجتماعية وعملهما في المدرسة عندما اتُّهمتا بوجود علاقةٍ مِثْليَّةٍ بينهما. كان فيلم «مقتل الأخت جورج» (ذا كيلينج أوف سيستر جورج) — الذي عُرض في عام ١٩٦٨ — أول فيلم في الولايات المتحدة يحصل على التصنيف X. أثار هذا الفيلم جدلًا كبيرًا من خلال تصوير العلاقة المعقدة بين اثنتين من المِثْليَّات؛ جورج وتشايلدي، ويحتوي على مشاهدَ جنسيةٍ ومشاهدَ في حانات المثليين كانت غير عاديةٍ على نحوٍ متطرفٍ بالنسبة إلى عصره.
fig11
شكل ٥-٩: مشهد «لقد أصبحت فجأةً «سعيدًا/مثليَّ الجنس»!» لكاري جرانت مرتديًا رداء حمام كاثرين هيبورن في فيلم «تنشئة بيبي» (١٩٣٨).

بحلول ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته، أصبحت تمثيلات شخصيات المثليين والمثليات أكثر شيوعًا، وإن لم تصبح أمرًا روتينيًّا تمامًا، في الأفلام الأمريكية الشهيرة. وكان تمثيل جرائم عنفٍ ضد المثليين في فيلم «تجوال» عام ١٩٨٠ يُقدِّم صورةً لعصرٍ كان مجردُ وجودِ شخصيةٍ تعلن عن ميولها الجنسية أمرًا مثيرًا للاضطرابات، ومولِّدًا لموجةٍ من العنف داخل وخارج صالات عرض الفيلم.

بحلول تسعينيات القرن العشرين كانت شخصيات المثليين تظهر كشخصياتٍ عاديةٍ في الأفلام الرائجة؛ ففيلم مثل «زواج أعز أصدقائي» (ماي بيست فريندس ويدينج، ١٩٩٧) — بطولة نجمة هوليوود الكبيرة جوليا روبرتس — قدَّم شخصية المِثْلي الذي يُعلن ميوله الجنسية في دور أفضل صديقٍ لها، دون الكثير من الضجة أو الاهتمام العلني ﺑ «الميول المثلية» لشخصيته. وبالمثل ظهرت شخصيات مثلية في عددٍ من الأفلام الأخرى الحديثة؛ لدرجة أنها لم تعد غير عاديةٍ أو مثيرةً للتعليقات. ومؤخرًا، دار الفيلم الناجح «جبل بروكباك» (بروكباك ماونتين، ٢٠٠٥) حول علاقةٍ بين اثنين من رعاة البقر في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته. بيَّن هذا الفيلم بوضوحٍ تفاصيل التحيُّزات الاجتماعية ضد المثليين في ذلك الوقت، بينما يُقدِّم في سياقٍ عامٍّ قصةَ حبٍّ رقيقةً بين اثنين من الرجال المثليين.

كان تاريخ التليفزيون من التمثيلات الجنسية البديلة أكثر إيجازًا، ولكن اتبع مسارًا مماثلًا لأفلام هوليوود. يشير معظم الباحثين إلى أن النماذج الأولى لهذه التمثيلات كانت في ثمانينيات القرن العشرين عبر شخصية ستيفن كارينجتون؛ المُعلَن عن ميولها المِثْليَّة في مسلسل «الأسرة» (ديناستي)، الذي كان يُعرض في وقت الذروة (جريبسرود ١٩٩٥). وقد ظهر ستيفن في أول قُبلةٍ علنيةٍ بين مِثْليَّين في مسلسلٍ يُعرَض وقت الذروة على التليفزيون الأمريكي. ومن الأحداث المهمة الأخرى في تاريخ التمثيلات التليفزيونية للميول الجنسية المِثْليَّة حلقة مسلسل «إيلين»، التي أعلنت فيها نجمة المسلسل إيلين دي جينيريس أنها مِثْليَّة؛ كشخصيةٍ في المسلسل وفي الحياة الحقيقية. أثار هذا الحدث — الذي صاحَبَته قُبلةٌ مِثْليَّةٌ على الهواء لتقديم شخصية إيلين الجديدة في هذه الحلقة — ضجةً كبيرةً في وسائل الإعلام، وأدَّى إلى توعية الجمهور بمسألة تمثيل المثليين.

تمحور المزيد من أكثر المسلسلات حداثةً — مثل مسلسل «ويل وجريس» (١٩٩٨–٢٠٠٦)، ومسلسل «مجتمع المثليين» (كوير آز فولك، ٢٠٠٠–٢٠٠٥)، ومسلسل «حياة المثليات» كما ذُكر سابقًا — حول شخصياتٍ وعائلاتٍ مِثْليَّة، وبدأت عملية جعْل هذه التمثيلات طبيعية. وكما ذُكر سابقًا، يوجد بحث ممتاز في مجال الدراسات الإعلامية (والترز ٢٠٠١) يوثق العلاقة بين التمثيلات السينمائية والتليفزيونية الواضحة للمثليين والمثليات ووقوع الجرائم ضدهم في الثقافة. وبينما تصبح هذه الصور أكثر عددًا، يمكننا أن نأمُل فحسب أن تتضاءل هذه العلاقة (انظر شكل ٥-١٠).
fig12
شكل ٥-١٠: النساء الساحرات من مسلسل «حياة المثليات»، من إنتاج شبكة شوتايم.

على الرغم من أن التمثيلات الجنسية البديلة كانت بطيئةً في الوصول إلى وسائل الإعلام السينمائية والتليفزيونية المهيمنة، فإننا الآن في عصرٍ مثيرٍ توجد فيه هذه التمثيلات بالفعل، وتُصنَع على نحوٍ مستمر، وغالبًا ما تكون تقدُّمية على نحوٍ كبير. وكما ذكرنا سابقًا، فإن مسلسل «حياة المثليات» يضم مجموعةً كبيرةً من النساء المثليات الشابات اللاتي يتتبع المسلسل علاقاتهن، وحياتهن الأسرية، وحياتهن العملية والمهنية؛ فلأول مرةٍ على شاشة التليفزيون في وقت الذروة، تصبح المِثْليَّة ببساطةٍ إحدى سمات النساء اللاتي ظهرن في المسلسل الذي يُصوِّر مجموعةً متنوعةً من الشخصيات النسائية المِثْليَّة. وعلى الرغم من أن هذا المسلسل يُعرض على قناةٍ باشتراكٍ خاص، وليس من مسلسلات الشبكات التليفزيونية؛ ومن ثَمَّ فلن يراه إلا جمهور أصغر حجمًا وأكثر ثراءً، فإن هذا المسلسل يُعَدُّ حقًّا خطوةً نحو تمثيلٍ أكثرَ ديمقراطيةً ومساواةً للمِثْليَّات على شاشات التليفزيون.

(٥) خاتمة

نختتم بهذا نظرتنا العامة على قضايا تمثيلات صور الطبقة، ونوع الجنس والعرق، والهويات الجنسية في وسائل الإعلام الشعبية وتلقِّيها. لقد تتبعنا تطوُّر الدراسات الإعلامية حول الطبقة ونوع الجنس والعرق والهويات الجنسية على مدار تطوُّر الإعلام من البيئة الإعلامية «القديمة» إلى البيئة الإعلامية الجديدة، وألقينا نظرة على الدراسات التي ركزت على كل واحدةٍ من هذه القضايا، وبعض الدراسات التي تناولت طريقة عمل نوع الجنس والطبقة، أو نوع الجنس والعرق، أو العرق والطبقة الاجتماعية جنبًا إلى جنبٍ كلٌّ منها مع الآخر. بينما لم تلمس هذه المناقشة إلا اليسير من الكم الهائل من المعلومات التي قدَّمها باحثو الدراسات الإعلامية حول هذه القضايا نظرًا لضيق المساحة، فإن ما نأمل أن نكون قد حققناه هو توجيه القارئ العام نحو مركزية وأهمية إجراء الدراسات حول الاختلافات وعدم المساواة في تراثنا الإعلامي.

في الفصل التالي، تَصحَبنا هذه الاهتمامات في بحثنا لقضايا التمثيل والتلقِّي التي تحدث اليوم في البيئة الإعلامية الجديدة، والتي تحتفظ ببعض التحيزات التي كانت تميز وسائل الإعلام القديمة، ولكنها تطرح قضايا جديدةً تتعلق بالعلاقة بين وسائل الإعلام وعدم المساواة والتحيز. ومرةً أخرى، فإننا نُولِي اهتمامًا خاصًّا للطبيعة الجنسانية والطبقية والعرقية لوسائل الإعلام الجديدة وتلقِّيها. كيف غيَّر ظهور الإعلام الرقمي والإنترنت هيئة الصور التي نتعرض لها في الإعلام؟ هل توجد تغيرات ملحوظة في تأثير الإعلام نظرًا للتطوُّرات التكنولوجية الجديدة التي شهِدناها على مدى العقود العديدة الماضية؟ كيف درس الباحثون هذه القضايا؟ وما المخاوف التي كانت محورًا مستمرًّا في الأبحاث الإعلامية في بيئة الإعلام الجديدة؟ هذه هي القضايا التي سنتناولها في الصفحات القادمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤