الفصل الثاني
وكان الحديث بين الصديقين أثناء قهوة الصباح قصيرًا سريعًا حاسمًا، بدأه عليٌّ حين سأل صاحبه هل استخرت الله؟ قال عبد الرحمن: صدق الله العظيم: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا. وقد أرتني الأحلام شيخنا غير مرة يتلو عَلَيَّ هذه الآية، فأفقت وأنا واثق أن الخيرة فيما اختاره الله.
قال علي متهللًا: فابسط يدك لنقرأ الفاتحة. قال عبد الرحمن: مهلًا أبا خالد؛ فإن بيننا وبين ذلك أمورًا ثلاثة. قال عليٌّ: وما هي؟ قال عبد الرحمن: أمَّا أولها: فأن تعلم أن ابنتي قبيحة الشكل بشعة الصورة، لا تكاد تقع عليها العين إلا انصرفت عنها مشمئزة، وانحرفت عنها نافرة. وأما الثاني: فهو أن لابنك أمًّا كما أن له أبًا، ويجب أن تعلم من هذا الأمر كله مثل ما نعلم، ويجب أن تنقل إليها في أمانة ما حدثتك به عن قبح ابنتي. وأما الثالث: فهو أنك لن تتزوج ابنتي وإنما سيتزوجها خالد، فيجب أن يعلم من هذا الأمر ما نعلم، ويعرف أنَّ الشيخ لا يهدي إليه عروسًا رائعة، وإنما يبتليه بمحنة مروعة.
قال عليٌّ وهو يضحك: أوليس قد أمر الشيخ؟! أوليس قد تلا عليك الشيخ هذه الآية في أحلامك؟! فأينا يقدر على أن يخالف أمر الشيخ؟! وأينا يقدر على أن يختار لنفسه غير ما اختار له الله؟! ثم نهض من فوره فدخل على أهله، وعاد بعد ساعة أشد ما يكون سرورًا وابتهاجًا، ثم سأل عن ابنه، فالتُمس له في المساجد حتى جيء به بعد حين. فلما أنبأه النبأ قال في شيء من الاستحياء: وما دام شيخنا قد أمر بذلك فهو الخير.
ولم تمض إلا أيام حتى كانت سفينة من السفن تهبط بعبد الرحمن وأصهاره إلى القاهرة، ثمَّ لم يمض بعد ذلك إلا شهر أو أقل من شهر حتى كانت سفينة من السفن تصعد بعلي وأسرته إلى الإقليم، وقد زاد عددها حتى بلغ الأربعة.