لا تدري
– لا.
– لماذا؟
– لا أدري.
– أراكِ؟
– ماذا تريد من رؤيتي؟
– نتفاهم.
– علامَ نتفاهم؟
– على هذا الموقف.
– ليس هناك موقف.
– ولا هذا الامتناع؟
– لا أريد.
– بدون سبب؟
– بدون سبب.
– ماذا فعلت؟
– لم تفعل شيئًا؟
– إذن …
– لا أريد.
– أليس هذا موقفًا؟
– ليكن موقفًا.
– لنتفاهم إذن.
– بدون تفاهم.
– هناك غيري؟
– من هذه الجهة تستطيع أن تطمئن.
– إذن نلتقي.
– لا أرى فائدة من اللقاء.
– فهل ترين فيه ضررًا؟
– أبدًا.
– إذن …
– لا فائدة من هذا اللقاء.
– ولكن أرى أنه ضروري.
– إنك تستطيع أن تقول كل ما تريد في التليفون.
– هناك أشياء لا يستطيع التليفون أن يحلها.
– هذه الأشياء لن تُحل.
– مجرد أن أراكِ هام عندي.
– لا داعي لذلك.
– أنتِ خائفة؟
– ممَّ أخاف؟
– ألَّا تستطيعي مقاومتي؟
– أتظن ذلك؟
– أنا واثق.
– حيلة قديمة.
– أين الحيلة؟
– لنلتقي.
– لتكن حيلة.
– لا تنطلي عليَّ.
– ما دمت قد فهمت الحيلة فلا مانع من اللقاء.
– إذا كنت مصممًا.
– ألا ترغبين في هذا اللقاء؟
– لا أرى له فائدة.
– إذن نلتقي.
– إذا شئت.
ما هذا التصميم؟ لماذا؟
إن كل الأسباب التي جدَّت تدعو إلى اللقاء، ماذا ألمَّ بها؟ ماذا جنيت؟ لماذا تغيرت عليَّ؟ لقد دعتني أول الأمر، لم أفكر فيها يوم سكنت العمارة، حتى ابتسامتها التي كانت تلقيها إليَّ كل صباح عند خروجي كنت أظنها ابتسامة مبذولة لجار جديد، وكنت أردها بابتسامة أعتقد أنها كانت ابتسامة بلهاء، عرفت أنني حاصل على ليسانس الحقوق، ولم أعجب أنها عرفت؛ فسكان العمارات حديث مشاع لبعضهم البعض، ولكني عجبت يوم دق الجرس فوجدتها تدخل إلى بيتي؛ استشارة قانونية لقريبة لها مات زوجها، وهي حائرة مع أهله، والذين يتعلمون المواريث، يتعلمون كيف ينسونها في اللحظة التي يغادرون فيها كرسي الامتحان، فأصبحت أمامها أكثر حيرة من قريبتها مع أقارب زوجها.
– أبحث الموضوع وأرد عليك.
– متى؟
– غدًا.
– وهو كذلك، متى؟
– أجيء إلى حضرتك الساعة الخامسة.
– تجيء؟
– نعم.
– إلى البيت؟
– إذا لم ترَي مانعًا.
– أنا لا مانع عندي، ولكن أعتقد أن زوجي يمانع.
– زوجك؟
– ماذا؟ غريبة؟
– إذن …
– أجيء أنا إليك في السادسة، إنه يخرج دائمًا قبل السادسة.
وجاءت، ولم تسأل عن الفتوى التي مكثت الساعات أبحث عن جوابها، لم تسأل عن الفتوى، ولست غبيًّا إلى الدرجة التي تتصورها؛ حين دخلت بدأت أجيب فتواها، فإذا هي تغير الموضوع دون أي اهتمام بحيرة قريبتها.
راحت تقص عليَّ ما تلقاه من إهمال زوجها، وهذا الموضوع بطبيعته يؤدي إلى ما انتهى به الأمر بيننا.
واستمر الحال على هذا سنوات ثلاثًا وبضعة أشهر لم يكشفنا أحد؛ فقد كان من العسير أن يكشفنا أحد.
في أحد الأيام تيقظت من نومي على صراخ هائل يشق الفجر، وهرولت أسأل، لقد مات الزوج، كيف؟ لا أدري. مات.
أنا لا أدري كيف مات، لقد كان مريضًا منذ زمن بعيد، وكان من الطبيعي أن يموت، لم يكن يمتثل لأوامر الطبيب، وكان يحب أن يبدو أمام الناس شابًّا، أما أمامي فلم يكن يستطيع أن يبدو شابًّا، ولا أن يبدو رجلًا على الإطلاق، لم يكن يستطيع، ولكن ماذا يريد هذا الشاب الذي يقيم بالدور الأعلى، لم أعد أريد صداقته، لم أعد أريد، لا أدري لماذا لم أعد أريد أصعد إليه، ولا تعجبني ملاحقته لي بالتليفون، حاول أن يجيء إلى البيت فنهرته ومنعته؛ فالخادمة معي، ولا يعقل أن يدخل البيت، لماذا يلاحقني وقد قلت له لا أريد؟ يريد أن يعرف لماذا؟ ماذا يهمه أن يعرف؟ المهم أنني لا أريد، ألا يكفي هذا سببًا؟ أيظن أنني ما دمت أنا التي قدَّمت إليه نفسي فمن حقه أن يفرض عليَّ نفسه؟ إن أصر على هذه الملاحقة فسأترك العمارة والحي وأذهب بعيدًا إلى حيث لا يعرفني، يريد أن يلقاني، وما يهم؟ سألقاه، ماذا يستطيع لقاؤه أن يفعل؟! سألقاه.
– ها أنا ألقاك.
– لماذا؟
– لماذا تصر على أن تعرف لماذا؟
– لأعرف.
– ماذا تستفيد من المعرفة؟
– مجرد المعرفة.
– ليس هذا جوابًا.
– هل أخطأت في شيء؟
– أتظن أنك أخطأت في شيء؟
– أنا لا أعتقد ذلك.
– فلماذا تسأل؟
– لعلِّي أخطأت في شيء وأنا لا أعرف.
– لم تخطئ.
– إذن؟
– لا أحب الخيانة.
– وما كنا نفعله.
– آه، هذا؟
– نعم.
– كنت أخون زوجي.
– ثم؟
– ومات زوجي.
– أعرف هذا.
– وأنا لا أحب الخيانة.
– ألم تكن خيانة وزوجك حي؟
– نعم كنت أخون زوجي.
– أليست هذه خيانة؟
– ليست هذه هي الخيانة التي لا أحبها.
– فما الخيانة التي لا تحبينها؟
– لم يعد زوجي موجودًا، لا أحب أن أخون نفسي.