الفصل الحادي عشر
استغرق قَطعُ كل الحبال المجدولة التي قيَّدت التنين وقتًا طويلًا من مينلي. اضطرتها بعض العُقَد إلى السباحة تحت الماء بين الأعشاب المتماوجة لقطعِها. وأثناء ما كانت تغوص في الماء وتخرج منه لقطع الحبال، حكت للتنين كل شيء عن قريتها، والسمكة الذهبية، وعن رحلتها التي بدأتها للتو.
قالت للتنين: «أنا مينلي. ما اسمُك؟»
سأل التنين مفكرًا: «اسمي؟ لا أعتقد أن لي اسمًا.»
قالت مينلي: «لكلٍّ منَّا اسم. ألم يمنحك أحد اسمًا عند ولادتك؟»
تساءل التنين وهو يفكر بعُمق: «عند ولادتي؟»
قالت مينلي وهي تزداد يقينًا من أن هذا التنين يختلف تمامًا عن أي تِنين سمِعَت به من قبل: «أجل. بماذا أسمَوك عندما وُلدتَ؟»
قصة التنين
لحظة ولادتي، أتذكَّر سماع صوتَين يتحدَّثان.
قال أحدهما: «مُعلِّمي! هذا بديع، يكاد ذلك التنين أن ينبض بالحياة!»
قال الآخر: «فلتُضِف المزيد من الماء إلى المحبرة.» كان هذا الصوت قريبًا من رأسي حتى إنني شعرتُ بأنفاسه الدافئة. أردف: «واخفض صوتك. سوف توقِظ التنين.»
قال الصوت الأول بنبرةٍ أكثر خفوتًا: «آسِف يا سيدي. كل ما في الأمر أن هذه اللوحة غاية في الروعة، حتى بالنسبة لفنانٍ ماهر مِثلك. ستجلب لوحة التنين هذه فخرًا كبيرًا للقرية عندما نُقدِّمها إلى الحاكم.»
تَمتَم المُعلِّم بصوتٍ خفيض جدًّا حتى إنه لم يسمعه أحدٌ سِواي قائلًا: «لن يُقدِّر الحاكم قِيمتها. إنه رجل مغرورٌ مُعتدٌّ بذاته؛ إذ كلَّفني برسم لوحة لتنين في حين لا يُسمَح بتداول صور التنانين إلا لأفراد العائلة الإمبراطورية. الآن وقد تزوَّج ابنه من ابنة الملك، سيفعل الحاكم النمر أي شيء للتباهي بسُلطته وبسطِها. لكن هذه اللوحة ستضمن لنا موالاته، وتُعفي القرية من ضرائبه الجائرة.»
قال الصبي: «هل تقول شيئًا يا سيدي؟»
قال المُعلِّم: «لا شيء، سوى أني رسمتُ هذا التنين واقفًا على الأرض، لا مُحلِّقًا في السماء كسائر التنانين الأخرى. لعلَّه يجعل الحاكم يُدرك كيف أن ثروته تُثقله.»
قال الصبي: «أشكُّ في أن الحاكم سيُدرك منها ذلك المعنى يا سيدي.»
قال مُعلِّمه: «صحيح، لكنه سيُسَر بصورة التنين حتمًا. سأستعدُّ لزيارته. لقد اكتملت اللوحة. نظِّف الفرش واعتنِ جيدًا بمحبرتي. إنها فريدة من نوعها؛ فهي المحبرة الوحيدة التي أمكن صنعها من حجر اقتطعه مُعلِّمي من جبلٍ بعيد عن هنا. ولم يُخبر أحدًا قَط أيُّ جبل هو؛ لذلك لن نتمكن أبدًا من صُنع غيرها.»
قال الصبي: «حسنًا يا مُعلمي. لكن التنين …»
قال المُعلِّم: «ماذا عنه؟»
سأل الصبي: «هل اكتمل شكله هكذا؟ أنت لم ترسُم العينَين.»
قال مُعلِّمه: «نعم، لقد اكتمل شكله في اللوحة. أيها الصبي، لا يزال لديَّ كثير لأُعلمك إيَّاه.»
ثم تلاشت الأصوات والخطوات. وشعرتُ بشعور غريب. شعرتُ بضوء الشمس الدافئ يلامِس جلدي، لكن ذراعيَّ وساقيَّ كانت جامدة لا تتحرك. كنتُ أسمع حفيف الريح وهي تمرُّ في أوراق الأشجار، والطيور وهي تقفز على الأرض، لكنني لم أرَ شيئًا.
مرَّ الوقت؛ لم أتبيَّن ذلك إلا من ارتفاع برودة الهواء. سمعتُ وقْعَ أقدام تقترب منِّي، وقْع أقدام عديدة، فعلِمت أن حولي حشدًا من الناس.
قال أحد الأصوات: «كما طلبتَ، سُموك» — أدركت أنه صوت المُعلِّم — «هل لي أن أُقدِّم لك هذه اللوحة، التي رسمتُها بتواضُع تكريمًا لحُكمك العظيم؟»
ساد الصمت فيما كان الجميع يُحدِّق فيَّ كما افترضت.
قال صوتٌ آخر بإجلالٍ كبير: «أيها الرسام تشين، إنه حقًّا عملٌ عظيم.»
قال المُعلِّم: «شكرًا لك أيها الحاكم، أنا مسرور لأنها أعجبتك. إذَن سيُوفى باتفاقنا؟»
قال الصوت: «نعم، ستُعفى القرية من دفع الضرائب العام المقبل. وسآخُذ اللوحة.»
لم أكن أعرف ما الذي يجري بالضبط، لكني أدركتُ أنني لا أريد أن أكون ملكًا للحاكم النمر. كان يتخلل صوْتَه نبرةُ قسوة وجشع، حتى وهو يُعبر عن سعادته. حاولتُ الاحتجاج لكن شفتيَّ الجامدتَين لم تنطقا. ثم طُويَت لوحتي فتلاشت كل الأصوات والأحاسيس.
لا أعرف كَم من الوقت ظلِلتُ مَطويًّا. ربما كان يومًا أو شهرًا أو عامًا. لم يَسَعني سوى الانتظار. لكن أخيرًا فُرِدت اللوحة، وشعرتُ بعاصفة من الهواء البارد تكتنفني من كلِّ جانب. لدرجة أنني كنتُ سأرتجف، لو كان بوسعي ذلك.
قال صوت بدهشة: «هذه اللوحة تُحفةٌ فنية!» ثم ما لبث أن أردف وقد استحالت الدهشة تملقًا وإطراءً: «لا تليق إلا بسُموك.»
قال الحاكم النمر: «أجل، فلْتُعلقها خلف كُرسيي.»
قال الصوت: «حسنًا سيدي الحاكم»، ثم أردف بعد تردُّد: «يا للعجَب!»
سأل الحاكم: «ما الخَطب؟»
قال الصوت: «حسنًا، ليس لهذا التنين عينان. لا بد أن الرسَّام قد نسيَ رسمهما.»
انفجر الحاكم غضبًا: «ليس له عينان! هل تجرَّأ الرسام تشين على إعطائي لوحة غير مُكتملة! سأضاعف الضرائب على قريته خلال السنوات العشرة القادمة!»
قال صوتٌ ثالث، بدا أكثر لينًا: «سيدي الحاكم، إنه مجرد خطأ بسيط. إذا وضعنا فقط نقطتَين مكان العينَين، فسيكتمل التنين.»
قال الحاكم الذي بدا أنه يفكر في الأمر: «همم، حسنًا. أحضرْ لي فرشاةَ رسم وحبرًا.»
سمعتُ الخدم يُهرَعون ويجلبون فرشاة الرسم والحبر. وشعرت بأنفاس الحاكم الساخنة الجافة على أنفي عندما اقترب منِّي، وشعرتُ بالحبر البارد يلمس عيني، وفجأةً أبصرت! رأيت وجه الحاكم السمين ينظر إليَّ شزرًا وهو يمدُّ يده ويضع نقطةً مكان عيني الأخرى.
عندما بدأ البصر يتسلَّل إلى كلتا العينَين، ملأني شعور بالدفء كشعور احتساء الشاي الساخن في يومٍ بارد. وشعرتُ بالقوة تدبُّ في ذراعيَّ ويديَّ ورجليَّ وقدميَّ، وتمدَّدَت رقبتي ورأسي لأول مرة. كل الصيحات العالية التي كنت أرغب في إصدارها اندفعَت خارج فمي وزأرت زئيرًا هائلًا جعل الحاكم يسقط على الأرض.
سمعتُه يقول لاهثًا: «لقد دبَّت فيه الحياة!» وسمعتُ الخدم يصرخون: «تنين! تنين! لقد دبَّت فيه الحياة!»
أدركتُ أن هذه هي فرصتي لتحرير نفسي من الحاكم النمر. قفزتُ من مكاني، واندفعتُ فوق الجميع مُطيحًا بالمكاتب والكراسي والأعمدة. ورأيتُ السماء الزرقاء وأوراق الشجر الخضراء من خلال إحدى النوافذ، وتوجَّهت نحوها، وبسهولة حطمتُ الجدار لأعبُر. أثناء خروجي، كان المبنى ينهار، وكان جميع الناس يصرخون. وكانوا يصيحون قائلين: «تنين! تنين!»
كنت أعلم أنني يجب أن أرحل في أسرعِ وقتٍ ممكن؛ لذلك ركضتُ بأقصى سرعة إلى الغابة وابتعدتُ عنهم. وعشتُ في الغابة منذ ذلك الحين.
قال التنين: «لذلك أعتقد أن اسمي هو تنين. فهذا هو الاسم الذي دعاني به الجميع.»
كرَّرت مينلي وهي تُحاول ألا تبتسم: ««تنين». حسنًا، أعتقد أنه اسم جيد بما يكفي. سيسهُل عليَّ تذكُّره.»
أومأ التنين برأسه سعيدًا لأنه وجد لنفسه اسمًا.
قالت مينلي: «إذَن أنت وُلِدتَ من لوحة! هذا يفسر سبب اختلافك عن التنانين التي أخبرني والدي عنها.»
سأل التنين بلهفة: «هل يعرف والدك تنانين أخرى؟ لم أرَ تنينًا آخر من قبل. لطالما اعتقدتُ أني لو تمكنتُ من الطيران، فسوف أُقابل أخيرًا تنينًا غيري.»
قالت مينلي: «لا أعتقد أن والدي عرف أي تنانين على الإطلاق. هو فقط يروي قصصًا عنها. يعتقد معظم الناس أن التنانين ليست إلا أساطير. أنت التنين الوحيد الذي قابلتُه على أرض الواقع.»
قال التنين بحزن: «وأنا لستُ حتى تنينًا حقيقيًّا.»
طوال هذا الوقت، كانت مينلي تقطع الحبال المجدولة. وفي تلك اللحظة، قطعت الحبل الأخير ودلَّكت ذراع التنين. وقالت: «أنت التنين الوحيد الذي قابلتُه على أرض الواقع، وتبدو حقيقيًّا بالنسبة لي. لذا، أعتقد أنك تنين حقيقي. أو على الأقل حقيقي بما فيه الكفاية. على أي حال، إذا كنا سنذهب إلى الجبل اللامتناهي معًا، فلنكن على الأقل صديقين حقيقيين.»
وافق التنين قائلًا: «حسنًا»، وابتسم كلاهما.