الفصل الثالث عشر
بعد أن حرَّرت مينلي التنين من قيوده، ثُلِم نصل سكينها، وتجعَّد جلد أصابع يدَيها وقدمَيها بسبب مكوثها في بحيرة دموع التنين لفترةٍ طويلة. كانت أيضًا ظمآنة جدًّا.
عرض التنين أن يحملها إلى جدول الماء العذب. فقد كان يعرف الغابة جيدًا. قال: «بهذا ستصِلين إلى هناك أسرع بكثير.»
تردَّدت مينلي بعض الشيء بشأن امتطاء التنين. فالتسلُّق إلى ظهره عندما كان نصفه مغمورًا بالماء يختلف تمامًا عنه وهو واقف الآن على اليابسة، حيث أدركت كم هو ضخم. إذ كان التنين طويلًا، بطول الشارع الممتد أمام منزل مينلي. وأدركت أنه إذا نهض واقفًا على ذراعَيه وساقَيه، فستبلغ قامته ارتفاع عش طائر على شجرة. وحتى الآن وهو مُنحنٍ لها، كان ارتفاعه أعلى من منزلها.
لكنه ثنى مرفقه لها ليكون بمنزلة درجة سُلَّم، وباستخدام يدَيها رفعت جسدها ثم تسلَّقت صاعدةً إلى ظهره. كانت الكرة المُستديرة على رأس التنين بحجم بطيخةٍ صغيرة، وكانت كبيرة بما يكفي لتلفَّ يدَيها حولها، وتمسَّكت بها عندما بدأ التنين في التحرك.
كان التنين سريعًا، لكن ليس بالقَدْر الكبير. فقد كان رشيقَ الحركة، لكنه كان يُضطرُّ لأن يُناور بجسده الضخم باستمرارٍ مُتفاديًا الأشجار والصخور، فلم تكن حركته سلسة. وشعرت مينلي من الارتجاج المتواصِل وكأنها تمتطي جاموس ماء ضخمًا. وفيما كان التنين ينحني مُتفاديًا الأغصان ويدور من حول الأشجار، أدركت مينلي سبب تحليق معظم التنانين.
سألت مينلي فجأةً: «كم عمرك يا تنين؟»
قال التنين: «عمري؟» وبدا أن ذلك سؤال آخَر لم يُطرَح عليه من قبل. «لا أعلم.»
قالت مينلي: «حسنًا، كم مضى على وجودك في هذه الغابة؟»
فكَّر التنين مليًّا. وقال لها: «وقتٌ طويل. أتذكَّر أن طائرًا يُحلق في السماء أسقط بذرة خوخ على الأرض. شاهدتُ تلك البذرة تنمو لتُصبح شجرة، وثمار الخوخ وهي تسقط منها على الأرض فتنبت من بذورها المزيد من الأشجار، حتى تكوَّنت أيكة أشجار الخوخ التي يستولي عليها القرود الآن.»
قالت مينلي في نفسها وهي تتخيل الأشجار وهي تنمو إن عمره كبير جدًّا، إذ لا بد أنه موجود في هذه الغابة منذ مائة عام. وأشفقَت على التنين حين تخيَّلَته وحيدًا عاجزًا عن الطيران يُكابد مشقَّة التنقُّل بين الأشجار والأغصان على نحوٍ مُتواصِل.
بعد أن التقطَت مينلي أغراضها وشرِبَت من مجرى الماء العذب، صعدت مرةً أُخرى على ظهر التنين. وسرعان ما نامت واضعةً رأسها على كُرة التنين، ومُمسِكةً بيدِها وعاء الأرز. لاحظ التنين أنها نائمة؛ لذا تحرَّك ببطء وهدوء، حتى عندما تناثر الماء من بوصلة مينلي وسال على أنفه.
استيقظت مينلي عندما تردَّد في أرجاء الغابة صياحٌ عالٍ. كان صخبًا جامحًا ومُزعجًا حتى إنه أيقظها فزِعةً فاغرةً عينيها في خوف.
قال لها التنين: «لا تقلقي، إنها القرود.»
وكانت بالفعل القرود، مع أن الشمس كانت تغرب، استطاعت مينلي رؤية القرود وهي تصيح في الأشجار، وكان ما عدَّته مينلي منها قليلًا، إلا أن صياحها كان يُوحي بأن عددها بالآلاف.
قال التنين لمينلي: «لقد اقتربنا من أشجار الخوخ، وذلك يُثير غضبها.»
قالت مينلي: «توقَّف هنا.» وقفزت نازلةً من فوق ظهر التنين، ومن خلال أوراق الأشجار والأغصان كانت لا تزال ترى القرود مُكشِّرةً عن أسنانها البراقة.
قالت مينلي: «أشجار الخوخ هذه تقع بالضبط في الاتجاه الذي ننشُده. علينا أن نجتاز القرود.»
قال التنين: «بإمكاني اجتيازها عنوةً، لكن القرود ستُهاجمك. لستُ متيقنًا أن بوسعنا المرور دون أن تُصابي بأذًى. أتسمَعين صياحها؟»
استمرَّت القردة في الصياح. غطَّت مينلي أُذنَيها بيدَيها، لكن كان لا يزال بإمكانها سماعها. كانت تصرخ وكأنما تقول: «ابتعدا من هنا! هذا ملكنا! ملكنا! كله ملكنا!»
قالت مينلي للتنين: «أنت على حق. لن تسمح لنا بالمرور.»
قال التنين: «لكنك قلتِ إن هذا هو الطريق إلى عجوز القمر. أليس كذلك؟»
أومأت مينلي برأسها. وبدأ وقعُ صيحات القرود يُشبه الضحكات الهستيرية، وظل يعلو أكثر فأكثر مثل بركان يوشك أن يثور. تلفَّتت مينلي يَمنةً ويَسرة، لكن بدا لها أن القرود تُحيط بها من كل الاتجاهات. لم يكن ثَمة سبيل للالتفاف من حولها.
سأل التنين: «إذَن، ماذا سنفعل؟»