الفصل الرابع عشر
جلست مينلي والتنين في فسحة وخيَّما فيها ليبيتا ليلتَهما. ولمَّا غربت الشمس وبزغ القمر، أراها التنين كيف يُمكنه صُنع شرارة من خلال حكِّ مخالبه بالحجَر، وأشعلا نارًا صغيرة. لمَّا لم تتوغل مينلي والتنين في الغابة أكثر من ذلك، هدأت القرود. لكنها ظلَّت تُراقبهما.
قال التنين: «يُوجَد من الخوخ ما يكفي الجميع. لا داعيَ لأن تتصرف القرود بهذا الجشع.»
سألت مينلي: «حقًّا؟»
قال التنين: «أجل، هي حمقاء للغاية. هي لا تنفك تطمع في المزيد وإن لم تكن بحاجة إليه. لقد رأيتُها تأبى التخلِّي عن فطر عيش غراب فاسد وتتشاجر على أكوام من الطين.»
لمَّا قال ذلك، انتصبت مينلي في جلستها، والتمعت عيناها بما ينمُّ عن سرعة توارُد أفكارها. أكوام من الطين! فجأةً تذكَّرت مينلي الطفلَين اللذين كانا يتشاجران على أكوام الطين عندما غادرت قريتها. فبدلًا من دخول البيت لتناول العشاء، تشبَّث الطفلان بأطباقهما المُزيَّفة المملوءة بالوحل. كان تصرُّفهما غايةً في الحماقة. هل يمكن أن تكون القرود بهذه الحماقة؟ أنانِيَّتها المُفرِطة ستمنعها من قبول المقايضة أو الرشاوي. لكن ربما يدفعها جشَعُها البالغ للتصرُّف بقدْر من الحماقة يكفي لأن تنطوي عليها حيلة. ربما لو … قالت مينلي فجأةً: «سأُعِدُّ بعض الأرز.»
قال التنين: «لا بد أنك جائعة. من المؤسِف أننا لا نستطيع أن نجلب لك بعض الخوخ.»
قالت مينلي: «إنه ليس لي»، وابتسمت ابتسامةً غامضة. «إنه للقرود.»
قال التنين: «القرود؟ لماذا؟ إذا كنتِ تنوين تقديمه لها كهدية أو رشوة، فلن ينجح الأمر. ستأخذه وتأكُله، لكنها لن تسمح لكِ بالمرور.»
قالت مينلي وهي تملأ وعاءها بالماء والأرز غير المطبوخ: «هذا ما أتوقَّعه.» كانت تتوق إلى إخبار التنين بفكرتها، لكنها لم تكن متأكدة من مدى فهم القرود لكلماتها. نظرت إليه بعينَين متلألئتَين، لكنه لم يفعل شيئًا سوى التحديق بها بعينين خلتا من الفهم.
قال التنين: «حقًّا؟ لا أفهم.»
قالت مينلي وهي تشعر بالحماسة تتَّقِد فيها كما النار في القِدْر الذي تغليه: «لا تقلق، أعتقد أنني أعرف كيف يُمكننا تجاوز القرود.»
راقب التنين مينلي وهي تُقلِّب الأرز في الوعاء الكبير. ومن خلال البخار المتصاعد، كان يرى العيون المُستديرة لجميع القرود تلتمع عبر الأغصان مثل مئات الماسات وهي تُراقبها كذلك. همس لمينلي: «القرود تُراقبنا.»
ردَّت همسًا: «جيد، هذا ما آمُله.»
عندما نضج الأرز، كان الوعاء يفيض بحبات الأرز البيضاء كالثلج. كان ثقيلًا جدًّا حتى إنها اضطُرت لأن تطلُب من التنين أن يرفعه من فوق النار ليبرد. طلبت مينلي من التنين أن يضعه بالقُرب من الأشجار التي تُراقبهما منها القرود. ثم ربطت مينلي شبكة الصيد فوق الأرز والقِدْر.
لمَّا استدارت مينلي والتنين لينصرفا، سمِعا القرود تُثرثِر.
قال التنين: «شبكة صيد السمك هذه لن تمنع القرود من الحصول على الأرز. إنها منسوجة بإحكام، لكن على الأرجح ستتمكن أيديها من النفاذ خلالها.»
قالت مينلي وهي تُطفئ النار: «أعرف ذلك. لِنتظاهرْ بأننا نعتقد أن الأرز بمأمن وأننا تركناه يبرد.»
على الرغم من حيرة التنين، فقد أومأ برأسه. وجلسا بعيدًا عن الأرز، لكن كانا لا يزالان بإمكانهما رؤيته، وأطفآ النار، وتظاهرا بالنوم.
لكن مينلي لم تستطِع منع نفسِها من اختلاس النظر. وعلى الرغم من أنها حاولت ألا تتحرك، كانت مُفعَمة بالحماسة. هل ستنجح خطتها؟ هل ستأخذ القرود الأرز؟
في ضوء القمر الساطع، اختلست القرود النظر إليهما، ثم تسلَّلت نحو الأرز. كان التنين مُحقًّا؛ ومثلما قال، لم تَحُلْ شبكة الصيد بين القرود والأرز. إذ انزلقت أيديها النحيلة عبر فتحات الشبكة، واغترف كلٌّ منها ملء قبضتَين كبيرتَين من الأرز. لكن عندما حاولت القرود الهروب بالأرز، علقت في الشبكة. فقد كانت ثقوبها تتَّسِع لإنفاذ أكُفِّها الفارغة، ولكنها لم تكن واسعة بما يكفي لقبضاتها المُمتلئة!
ظلت القرَدة تصيح وتُحاول سحب قبضاتها، وكفَّت مينلي والتنين عن التظاهر بالنوم. لم يستطيعا منع أنفسهما من الضحِك وهما يُشاهدان القرود تُصارع وتَلكم بقبضاتها العالقة الهواء وبعضها بعضًا.
حزمت مينلي أغراضها بسرعة، وأثناء مرورهما تعالى صياح القرود وصرخاتها. اهتز وعاء الأرز الثقيل أثناء محاولات القرود الضارية للتحرُّر. لكن شبكة الصيد كانت قوية ومنسوجة بإحكام، ولمَّا كان جشع القردة يمنعها من أن تتخلَّى عن الأرز، دخلت مينلي والتنين أيكة الخوخ وواصلا طريقهما عبر الغابة.