الفصل السابع عشر
ازدردت مينلي ريقَها وهي تسير باتجاه سور المدينة الحجري الرمادي. وعندما مرَّت على الأسدَين الحجريَّين الموضوعَين عند البوَّابة، ألقت نظرةً خاطفة خلفَها. ومع أنها لم ترَ سوى الأشجار والظلال، كانت تعلم أن التنين مُختبئ هناك. وبسرعة، دفعت البوابة تاركةً خلفها الغابة والتنين.
عندما انغلقت البوابة، وقفت مينلي مُحدِّقةً. كانت الشوارع مزدحِمة وصاخبة، كان صوت تدفُّق الناس في المدينة مثل بقبقة غليان الأرز. دلَّل باعة الفاكهة والأحذية على بضاعتهم بينما كان الناس يندفعون من أمامهم، بعضهم يدفع عرباتٍ يدويةً ذات عجلات أو يحمل سلالًا على أكتافهم. وكان جاموس ماء كبير، مُلطَّخ بالوحل يسوقُه صبيٌّ يكبر مينلي بعام أو عامَين تقريبًا، يتجوَّل في الأرجاء، فلم يلتفت إليهما أحد باعتبار ذلك حدثًا مألوفًا.
قال رجلٌ فظٌّ من خلفها: «انتبهي أيتها الفأرة الصغيرة»، ودفعتها سلال الكرنب التي يحملها إلى وسط الحشود. وفيما كان الناس يدفعونها، تشبَّثت مينلي بذراع الصبي الذي يسوق الجاموس.
قالت: «مرحبًا. إذا أردتُ مقابلة الملك، فأين أذهب؟»
نظر إليها الصبي بدهشة وقال: «الملك؟ سيكون عليكِ أن تذهبي إلى القصر.»
سألت مينلي: «وكيف أصِل إلى القصر؟»
قال الصبي مشيرًا إلى الطريق المرصوف بالطوب المصقول: «اتبعي الحجارة السوداء. ستقودك إلى المدينة.»
قالت مينلي: «مهلًا، أليست هذه هي المدينة؟ هل يقع القصر في مدينةٍ أخرى؟»
ضحك الصبي: «لا بدَّ أنك غريبة عن المدينة. فمدينة ضوء القمر الساطع منقسِمة إلى قِسمَين. هذه هي المدينة الخارجية، التي يُسمَح للعامة بالسكن فيها أو زيارتها. أما القصر فيُوجَد في المدينة الداخلية حيث يسكن الملك والمسئولون. كي تدخلي المدينة الداخلية يجب أن تحصلي على إذنٍ بذلك. وإلا، فلن تتمكني من مقابلة الملك أو دخول القصر. المدينة الداخلية يحرسها الآلاف من الحراس، لن يسمحوا لأي شخص بالمرور دون إذْن.»
قالت مينلي بثقة: «سأجد طريقة. شكرًا لك.» ثم أفلتت ذراع الصبي، واتَّجهَت نحو الطريق الأسود.
لكن لمَّا اقتربت مينلي من المدينة الداخلية، أدركَت أنَّ الصبيَّ كان مُحقًّا. إذ كانت الجدران الحمراء للمدينة الداخلية تلوح في الأفق شاهقةً منيعة، وكان يحرس كلَّ بوابة من بواباتها المُرصَّعة بالذهب جُنديَّان على الأقل، درْعاهما الفضيان يعكسان الشمس الحارقة. سيكون مجرد دخول المدينة الداخلية مهمةً عسيرة، ناهيك عن العثور على القصر والملك.
قالت مينلي لنفسها: «لكن لا بدَّ لي من ذلك.» لكن كانت وجوه الحراس صارمة وقاسية، وتسلَّل الهلع إلى نفسها. فكَّرت مينلي وهي تتراجع إلى حيث أكشاك بيع الفاكهة وبائعي الأسماك؛ إنها إذا طلبت الدخول، فسوف يتجاهلونها أو يُجبرونها على الابتعاد بسيوفهم. وفي كلتا الحالتَين، لن تتمكن من مقابلة الملك. فماذا تفعل؟
قال صوتٌ بجانبها: «الأمر ليس سهلًا كما تخيَّلتِ، أليس كذلك؟» استدارت مينلي، ورأت الصبيَّ صاحب الجاموس واقفًا بجانبها.
نظرت إليه مينلي بسخرية. وقالت في نفسها: دائمًا ما يعتقد الصِّبيان أنهم يعرفون كل شيء. ومع ذلك، كان عليها أن تعترف أنه كان مُحقًّا. فهي لا تعرف كيف تُقابل الملك. قالت مينلي: «لا بدَّ أنهم يسمحون للناس بدخول المدينة الداخلية في بعض الأحيان.»
قال الصبي: «هذا صحيح. فهم يفتحون البوابات للجميع مرةً واحدة سنويًّا في مهرجان القمر.»
سألت مينلي: «ومتي يحين مهرجان القمر؟»
قال الصبي «لقد أُقيم بالفعل. عليكِ الانتظار حتى العام المقبل.»
عضَّت مينلي شفتها في إحباط. ماذا ستفعل؟
قال الصبي: «لا أعرف سبب رغبتك الشديدة في الدخول. صحيح أن المباني والملابس هناك أجمل، أما الناس فهم شيء آخر. إنهم حفنة من المُتعجرِفين! ففي مهرجان القمر، أراد أحد السُّيَّاس أن يُجبرني على تنفيذ أوامره، واعتقد أن بإمكانه خداعي لأعتقد أنه الملك. لكن حين سألته لمَ لا يرتدي شعارَ تنينٍ ذهبي، عرف أن حيلته لن تنطلي عليَّ. هل اعتقد أنني غبي؟ يعلم الجميع أن شعار التنين الذهبي حكر على الملوك والإمبراطور. الناس هناك يَحسبوننا حفنة من الثيران الغبية.»
خار الجاموس الواقف بجوار الصبي. فقال الصبيُّ وهو يُربِّت على أنفه: «آسف، أنت تعلم أنني لم أقصد ذلك.»
في تلك اللحظة رآهما حُرَّاس المدينة الداخلية يتلكَّآن عند البوابة.
صاح أحدهم: «أيها الطفلان هناك. ارحلا من هنا!»
قال الصبي وهو يَشدُّ كُم مينلي: «تعالَي. لنذهب.»
تبعته مينلي هو والجاموس. وسألته: «إلى أين أنت ذاهب؟»
قال: «أنا ذاهب إلى المنزل. يُمكنك أن تأتي معي إذا أردتِ.»
ولمَّا لم يكن لدى مينلي مكان آخر تقصده، ذهبت معه.