الفصل التاسع عشر
استيقظت مينلي بغتةً حين سمعت صرير الباب عند احتكاكه بالأرض الترابية. كان ضوء القمر يتدفق إلى الداخل من النافذة ويضيء الكوخ المعدم. كان الصبي قد ترك لها كومته من العشب لتنام عليها، وشارك هو الجاموس في كومته، مُستخدمًا بعضًا من كلئه كوسادة. ولكن فيما كان الجاموس يغطُّ بصوتٍ عالٍ، رأت مينلي أن التجويف المُقعَّر في القش كان خاويًا. قالت مينلي: «تُرى أين ذهب؟» ووجدت نفسها تُفكر في أُمِّها وأبيها والتنين، الذين كانوا جميعًا ينتظرونها. وشعرت فجأةً أن الغرفة تئنُّ من الوحدة.
قالت مينلي مُدرِكةً: «لا بد أن الصبي يلتقي بصديقته»، ولمَّا لم تستطِع كبْح فضولها، تسلَّلت إلى النافذة لاختلاس النظر.
بالفعل، كانت الصديقة موجودة. ذُهلَت مينلي حين رأتها. مع أن راعي الجاموس كان يحجب عنها رؤية صديقته بوضوح، لم يخْفَ جمالها عن مينلي، بل إنها كانت أجمل مما وصفَها. كانت تتألق كلؤلؤة في ضوء القمر، وكان فستانها الحريري ذو اللون الأزرق الغامق كأنه بلون السماء. وبدَت الحقيبة التي كانت تحملها في يدها الرشيقة مصنوعةً من الحرير نفسه، لكن الخيط الفضي المُطرَّز عليها جعلها تبدو وكأنما صُنعت من قطعة من السماء المرصَّعة بالنجوم. بدا كل ما فيها أجملَ وأرقَّ من أي شخص عادي. كان في صديقة راعي الجاموس شيءٌ غير عادي قطعًا.
راقبَتها مينلي تضحك ثم تُصغي باهتمام إلى حديث راعي الجاموس. حينما أشار إلى المنزل، انحنت مينلي لتتوارى عن الأنظار عندما التفتت الصديقة نحوَها. قالت مينلي في نفسها إنه يسألها حتمًا كيف يمكن مقابلة الملك.
وما إن واتَتها الجرأة، حتى اختلست مينلي النظر من النافذة مرةً أخرى. كانت صديقة راعي الجاموس ترفع رأسها إلى السماء مغمضةً عينَيها، وكأنها تُصغي إلى الريح. ثم نظرت إلى راعي الجاموس وتكلَّمت. أومأ برأسه، وابتسمت الفتاة ردًّا على ما تخيَّلَت مينلي أنه كلماتُ شكرٍ حماسية من راعي الجاموس.
جلست مينلي على الكرسي الخشبي. قال راعي الجاموس عن صديقته: «إنها تعرف كثيرًا من الأشياء.» وبعد أن رأتها مينلي، صارت مُستعدَّةً لتصديق ذلك. سألت مينلي بصوتٍ مسموع: «ولكن من تكون؟»
في تلك اللحظة، عاد راعي الجاموس إلى الداخل. وقال عندما رأى مينلي: «أوه، إنكِ مُستيقظة.» حاول عبثًا إخفاء البسمات والضحكات التي تبقَّت من الزيارة؛ فقد كان في عينَيه الْتماعة وهو يَستلقي على فراشه المصنوع من الكلأ. «لقد تحدَّثتُ إلى صديقتي. وقالت إن الملك قد يكون في سوق الفيض الأخضر صباح الغد، لكن سيتعيَّن عليك أن تبحثي عنه بنفسك.»
سألت مينلي: «حقًّا؟ كيف تعرف ذلك؟»
هزَّ الصبيُّ كتفَيه.
سألت مينلي: «ألم تسألها؟ ألا تعتقد أنه من الغريب أنك لا تراها إلا من حين لآخر؟ وأنك لا تزورها أبدًا وإنما تزورك هي؟ وأنها تعرف أشياء مثل أين قد يكون الملك غدًا؟ من تكون حقيقةً؟»
قال الصبي ببساطة: «هي صديقتي. صديقتي وكفى.»
عندما نظرت مينلي إلى راعي الجاموس الذي كان يشعُّ بالسعادة بالرغم مما يَكتنفه من فقر، أدركتْ أن ذلك يكفيه فعلًا. بل يفيض، كما أخبرتها الابتسامة التي لم تنفك تتسلل إلى وجهه. وتلاشت أسئلة مينلي حين أدركت أنه ليس لديها ما تُضيفه.