الفصل الثاني
كعادتهم كل صباح، قبل أن تطلع الشمس، بدأت مينلي وأُمها وأبوها العمل في الحقول. كان موسم الزراعة، وهو موسم شاقٌّ للغاية. كان الطين يلتصق بأقدامهم مثل الصمغ، وكان لا بد من زراعة كل شتلة يدويًّا بشقِّ الأنفس. حين تسطع الشمس الحارقة فوق الرءوس، كانت رُكبتا مينلي ترتجفان من فرْط الإرهاق. وكانت تكره ملمَس الطين الكثيف اللزِج الذي يُلطِّخ يدَيها ووجهها؛ وفي كثير من الأحيان أرادت التوقُّف من فرْط الضيق والإنهاك. لكن رؤية والدَيها يعملان بصبر وقد أحنيا ظهرَيهما جعلتها تكتُم شكواها وتواصل العمل.
فور أن بدأت الشمس في المغيب، أرسلها والداها إلى المنزل كي تجهز العشاء وتستريح فيما يُواصلان هما العمل في الوحل الكثيف. إذ لا يعودان إلى المنزل حتى تغيب الشمس تمامًا من السماء.
في المنزل، غسَلَت مينلي وجهها ويدَيها وقدمَيها؛ ومع أن الماء في الحوض استحال بُنيًّا، كانت تشعر أن الطين لا يزال يُلطِّخها. وكانت ذراعاها وساقاها مُنهَكين حتى إنها شعرت وكأنها سلطعون عجوز يزحف على الصخور. وعندما نظرت إلى انعكاس صورتها في الماء الداكن، رأت عبوس والدتها على وجهها.
قالت مينلي لنفسها: «أُمي على حق. حظُّنا قليل فعلًا. مع أن أبي وأمي يكدحان كل يوم، ما زلنا لا نملك شيئًا. ليتني أستطيع تغيير قدَرِنا.»
في تلك اللحظة، سمِعَت مينلي همهماتٍ خافتةً لم تسمعها من قبل، كأنها أغنية تتردَّد من السُّحب. بدافع الفضول، فتحت الباب لتتبيَّن مصدر الصوت.
وهناك، على الطريق أمام منزلها، رأت رجلًا غريبًا ضئيل البِنية يُنادي بهدوء. كان يقول بصوتٍ خافت كما لو أنه يستحثُّ أسماكَه على السباحة: «أسماك ذهبية. اجلب الحظ لبيتك.»
حدَّقَت مينلي وأهل القرية في الرجل وهو يدفع عربَتَه. مع أن القرية تُجاور نهرًا، لم يرَ أيٌّ من سُكانها سمكةً ذهبية منذ سنواتٍ عديدة. فقد كانت الأسماك في نهر اليشم بُنِّيةً باهتة مثل القرية. كانت عربة بائع الأسماك الذهبية مليئةً بأوعية من الأسماك المُتلألئة التي تلمع مثل الجواهر.
انجذبت مينلي إلى ندائه العذب مِثلما تنجذب العُثَّة إلى مِصباحٍ مُضيء. سألت: «كيف لسمكةٍ ذهبية أن تجلب الحظ لمنزلي؟»
نظر إليها بائع الأسماك الذهبية؛ كانت الشمس تغرُب من خلفه فانعكس عليه وهج ضوئها الأحمر والأصفر. سألها: «ألا تعرفين؟ السمكة الذهبية تعني الكثير من الذهب. ووجود وعاء به سمكة ذهبية في منزلك يعني أنه سيمتلئ بالذهب واليشم.»
بينما كانت مينلي تُحدِّق في أوعيته بعينَيها السوداوَين اللامعتَين، حدَّقَت في وجهها سمكةٌ برتقالية برَّاقة بعينَيها السوداوَين اللامعتَين. توجَّهَت بعد ذلك مينلي سريعًا إلى المنزل دون أي تفكير حتى، وأخذت العُملتَين النحاسيتَين من وعاء الأرز المرسوم عليه الأرنب الأبيض.
وقالت مينلي: «سأشتري تلك السمكة»، وأشارت إلى السمكة البرتقالية البرَّاقة ذات العينين السوداوين والزعنفة السوداء التي لفتت انتباهها.
نظر إليها أطفال القرية الآخرون بحقد بينما هزَّ الكبار مِمَّن كانوا يراقبون المشهد رءوسهم بغير استحسان. قال أحد الجيران: «مينلي، لا تُصدِّقي كلامه المستحيل. فالسمكة الذهبية لن تجلب الثراء. وفِّري مالك.»
لكن هذا لم يُثبِّط عزيمة مينلي التي مدَّت يدها بعُملتَيها النحاسيتَين لبائع الأسماك الذهبية. نظر إليها وابتسم. ثم أخذ قطعةً نقدية واحدة، والتقط أحد الأوعية وأعطاها إيَّاه.
قال: «أتمنَّى أن تجلب لك ثروة كبيرة.» وانحنى انحناءةً بسيطة تحية للقرويين، ثم دفع عربته مغادرًا القرية. وفي لحظات، توارى عن الأنظار في ظلال الجبل القاحل، ولولا السمكة الذهبية التي بين يدَي مينلي، لظن الجميع أنه كان حلمًا.