الفصل الخامس والعشرون
مرَّت الأيام على الأم والأب طويلةً وثقيلةً في غياب مينلي. ففي الصباح فور أن يَستيقظا، كانا يُهرَعان إلى سرير مينلي ليريا إن كانت فيه. وفيما بعد الظهيرة، كانا يُغادران الحقول سريعًا آمِلَين أن يَجِداها تنتظرهما في المنزل. وفي الليل كانا يجلسان إلى الطاولة بانتظارها وقد وضعا لها وعاء أرز وعودَي أكل، ويرفعان رأسَيهما في انتباه كلما سمِعا وقْع خطوات.
لكنهما دائمًا ما كانا يجدان الفراش والمنزل خاوِيَين، وكان وقعُ الأقدام دائمًا ما يخصُّ جارًا عابرًا. وبالرغم من تلاشي غضب الأم من بائع الأسماك الذهبية، فقد ازدادت نحافةً وشحوبًا يومًا بعد يوم، وانطفأت الالتماعة من عين الأب.
وذات مساء، في منتصف الليل، استيقظ الأب وحيدًا في الفراش على صوتٍ ينادي.
كانت السمكة تقول: «استيقِظ أيها الرجل العجوز! استيقظ! زوجتك بحاجة إليك.»
نهض الأب بسرعة وبحث عن الأم، فوجدَها جالسةً إلى جوار فراش مينلي. وفي سكون الظلام، كان جسدُها يهتزُّ من النحيب.
قال الأب بهدوء، وهو يجلس بجانبها: «زوجتي العزيزة.»
التفتت إليه الأم، ووجهها يلمع من الدموع التي تُبلِّله. قالت الأم: «ماذا لو لم تعُد مينلي أبدًا؟ ماذا لو بقِينا دائمًا من دونها؟»
وضع الأب يدَه على وجهه، ماسحًا الدموع التي كانت تتكون في عينيه. وقال: «لا أعرف.»
قالت الأم: «ولا أنا»، ودفنت وجهها في فراش مينلي وهي تبكي في يأس.
ربَّت الأب على شعرِها وهي تبكي، مُغلقًا عينَيه من حين لآخر مُغالبًا حُزنه. وفي النهاية، عندما هدأ بكاء الأم حتى سكنت، قال الأب: «هل تتذكَّرين قصة ورقة السعادة التي حكيتُها لك؟ والسر الذي كان عبارة عن كلمةٍ واحدة مكتوبة مرارًا وتكرارًا؟»
رأى الأب إيماءةً من رأسها فسمح لنفسه بابتسامةٍ صغيرة.
قال الأب: «لقد فكرت طويلًا فيما عساها أن تكون تلك الكلمة. أهي الحكمة أم الشرف؟ الحب أم الحقيقة؟ لوقتٍ طويل مِلتُ للاعتقاد بأن الكلمة هي الرفق.»
ظلَّ وجه الأم مدفونًا في فراش مينلي، لكن تنهُّداتها توقَّفت، فعرف الأب أنها تُصغي إليه.
قال الأب: «لكن الآن، أعتقد أن الكلمة ربما كانت الإيمان.»
تسلَّل ضوء رمادي خافت إلى الغرفة، كأنما انسلَّ القمر من بين الغيوم. رفعت الأم رأسها، ونظرت إلى الأب مرةً أخرى. ومسحت عينَيها بكُمِّها، وابتسمت له ابتسامةً صغيرة حزينة.
وقالت: «ربما، ربما أنت على حق.»
ووضعت يدَها المُبلَّلة بالدموع في يده.