الفصل السابع والعشرون
واصلت مينلي والتنين رحلتهما بعد أن حصلا على الشيئين المُستعارَين. وصنعت مينلي بوصلتها مُجددًا باستخدام وعاء الأرز المرسوم عليه الأرنب، واتَّبعت الاتجاه الذي أشارت إليه الإبرة. وأثناء سيرهما، ازدادت الأرض وعورةً وقسوة وانحدارًا. ودون أشجار تُخفِّف من شدتها، هبَّت الرياح عنيفة، فلفح بردُها وجْنتَي مينلي. وكان الهواء الشديد البرودة يدفعهما بقوة وكأنما يُحاول إبعادهما.
وفي وقتٍ مُتأخِّر من بعد الظهر، بعد أن قطعا مسافةً عبر الأرض الصخرية، هلَّل التنين. وقال «انظري أمامك.»
لاحت أمامهما من بعيد بقعةٌ صفراء زاهية. وبالمقارنة مع مُحيطهما الذي يغلب عليه اللون الرمادي، بدت كقطعة ذهب سقطت على الأرض.
سألت مينلي: «هل هي غابة؟ هل هي أشجار ذات أوراق صفراء؟» ثم نظرت إلى الأحجار الرمادية التي تُحيط بهما. «ولكن أي أشجار تلك التي يُمكن أن تنموَ هنا؟»
قال التنِّين وهو يُحدِّق فيها مُضيِّقًا عينَيه: «أعتقد أن هناك قرية. لو صح ذلك، يُمكننا أن نجد لك ملابس أثقل.» وعلى الرغم من أن البرد لم يُزعج التنين، فقد لاحظ ارتجاف مينلي.
قالت مينلي: «لن نصِل إليها قبل حلول الليل، لكنني أعتقد أن هناك كهفًا أمامنا. دعنا نبيت فيه الليلة، وغدًا نُحاول الوصول إلى القرية أو أيًّا كانت.»
وافق التنين، وخيَّما في الكهف. أنقذَها الكعك الذي أمدَّها به الملك هي والتنين من الجوع، لكنها تمنَّت لو كان معها البطانية الحريرية الوثيرة. إذ حتى داخل الكهف، وبعيدًا عن الرياح، كانت الأرض قاسيةً وباردة. أشعلت مينلي النار بأسرع ما يمكن، وتنهَّدت فيما بدأ دفؤها يُسخِّن الهواء تدريجيًّا.
لكن تلك الليلة لم تستطِع مينلي النوم. ورغم غطيط التنين خلفَها وطقطقة النيران وبطانيتها التي لفَّتها حول كتفَيها، أبَت عيناها أن تغمض. ومثل الغبار الحجري الذي تعصف به الرياح، ظلَّت الأفكار تدور في رأسها. وظلَّت تفكر في أُمِّها وأبيها وراعي الجاموس اليتيم. شعرت بوخْزِ الضمير وهي تتذكَّر كيف تُحِثُّها أمُّها وأبوها إلى العودة إلى المنزل مُبكرًا من الحقل، وكيف أن وعاءها كان دائمًا أول وعاء يُملأ بالأرز، وكيف كانت تنام كل ليلة في سريرها الدافئ وهي تعلَم أنهما بجوارها، ومدى قلقِهما الآن لغيابها. لم يملك راعي الجاموس كل هذا. بل كان لدَيه أرضية تُرابية، وكومة من العشب يتَّخِذها فراشًا، وجاموس مُوحل، وصديقة سِرِّية. ومع ذلك، لم يقبَلْ عملتها النحاسية ورحل ضاحكًا. لم تستطِع مينلي فَهم ذلك وشعرَت نوعًا ما بالخِزي.
ولكن بينما كانت مينلي تهزُّ رأسها في ارتباك، أتاها صوتٌ مفاجئ من خارج الكهف. ماذا كان هذا؟ أمالت رأسها لتتبيَّنَه. دوَّى الصوت مرةً أخرى، كان كهزيمِ رعدٍ خافت. هل ستُمطر السماء؟ نهضت مينلي بهدوء، وتسلَّلت خارج الكهف لتتبيَّن الأمر.
ولكن ما إن خرجت حتى صرخت مفزوعة! فالضجَّة لم تكن هزيم رعد، بل زئير «نمر»! زمجر النمر العملاق، ثم انقضَّ مباشرةً على مينلي!