الفصل التاسع والعشرون
بدا أن صرخة مينلي تجمَّدت في الهواء. ووثب النمر نحوَها مُكشِّرًا عن أنيابه المُدبَّبة التي تلمع في فمه، مُوجِّهًا مَخالبه التي تُشبه النصال إليها. أدركت مينلي أنه لا مَفر.
وفجأة! أبعدَ وميضٌ أحمر المِخلبَ المهاجِمَ بعُنف. شهقت مينلي عندما زأر التنين؛ إذ مزَّقَت مخالب النمر ذراعه. لكن باستخدام القوة الغاشمة لذراعه الأخرى، دفع التنين النمر، مُطيحًا به في الهواء.
صاح التنين بصوتٍ مدوٍّ ارتعدت له مينلي: «ابتعِد من هنا!» لم تكن لتتخيَّل قَط أن التنين يُمكنه التحدُّث بهذه الطريقة.
حملق النمر غاضبًا كطفلٍ مُدلَّل. رأت مينلي الآن أنه ليس نمرًا عاديًّا. كان حجمه أكبر من حصان أو جاموس، ولونه أخضرَ داكنًا أغبرَ كلَون الرمال التي لطَّخها زبد المُحيط. وحتى في ضوء القمر الخافت، كانت مينلي ترى عينَيه تُحملقان بحِقد.
أمره التنين مرةً أخرى: «ابتعد!» أدركت مينلي أنها كانت قد نَسِيَت مدى ضخامة التنين. كان النمر ضخمًا، لكن التنين كان يفوقه ضخامة، لكن شراسة تعابير النمر جعلتهما يَبدُوان نِدَّين مُتكافئين.
لكن النمر أطلق زمجرةً خبيثةً أخرى وولَّى مُبتعدًا. ووقف التنِّين ناصبًا قامته حتى اختفى ظلُّ النمر في ضوء القمر عن الأنظار.
سألها التنين أخيرًا: «هل أنتِ بخير؟»
قالت مينلي بذهول: «كان هذا النمر … كان هذا النمر سيقتُلني!»
قال التنين: «أعلم هذا. كان هذا النمر شريرًا حقًّا. عندما صرختِ، شعرتُ بذلك.»
فجأةً انفجرت مينلي في بكاء لا تعرف له سببًا. كان صدى زئير النمر لا يزال يتردَّد في أُذنَيها، وكان لا تزال عيناه ومَخالبه القاسية ماثلةً أمامها. والآن وقد رحل، فاض منها الهلَع الذي حبسَته في وجوده.
قال التنين وهو يضع ذراعه برفق على كتفَيها: «اطمئنِّي.»
حينها رأت مينلي على ذراع التنين أربعةَ جروحٍ طويلة تنزف. كانت مخالب النمر حادةً، وكانت الجروح التي خلَّفَتها غائرة. أفاقت مينلي من صدمتها ومسحت دموعها. وقالت وهي تنظر إلى الجروح التي كانت قد بدأت تتورَّم بالفعل: «لقد جُرِحتَ.»
قال التنين: «كل شيء على ما يُرام. لا تقلقي. تُشفى التنانين بسرعة.»
عادا إلى الكهف، وسكبت مينلي الماء على الجروح لتنظيفها. ولفَّت بطانيتها حول ذراع التنين، لكنها استمرت في النزف ببطء. وأثناء استلقائه، لاحظت مينلي أن عينَي التنين تذبُلان وتزيغان.
قال التنين بصوتٍ مبحوح: «بدأتُ أشعر أني لستُ على ما يرام. ربما سأنام.»
قالت مينلي: «حسنًا، فلْتَخلد للنوم. ربما تشعر بتحسُّن عندما تستيقظ.»
لكن مينلي شعرت بغُصَّة في حلقها. التنين ليس على ما يُرام. هي واثقة من ذلك. وخلال الليل ازدادت أنفاسه تحشرجًا وتعرَّق جلده. وفي كل مرة كانت تفك البطانية، كان وجهها يمتعض؛ إذ تحوَّل لون الجروح القبيحة إلى الأسوَد، وبدأ يَسيل منها سائل كريه. اقشعرَّ جسد مينلي لكن ليس من البرد.
قالت مينلي في نفسها إنه يزداد ضعفًا. ثَمة خَطبٌ ما ليس بالهيِّن. يجب أن تفعل شيئًا. يحتاج التنين إلى المساعدة. لكنها لا تُريد تركه. فماذا تفعل؟
وبمجرد أن تسلَّل أول ضوء للشمس إلى الكهف، كان التنين يُجاهد لالتقاط أنفاسه؛ وعندما هزَّته مينلي، لم يستيقظ. اجتاحها الذُّعر. قالت في نفسها بيأس إنها لا تعرف كيف تتصرَّف. انطلق عقلها النبيه يتسارع بالأفكار مِثل فراشةٍ مرتبِكة. فجأةً خطرت لها فكرة. سوف تذهب إلى تلك القرية. لعلها تجد شخصًا ما هناك يعرف ما يجب فِعله.
نهضت مينلي، وهمست في أذن التنين: «سأذهب للحصول على مساعدة. لن أتأخَّر، أعِدُك. فقط اصمد لحين عودتي، اتفقنا؟»
لكن التنين لم يَرُد عليها، وشعرت مينلي بعينَيها تغرورق بالدموع. فاستدارت بسرعة وغادرت دون أن تجمع أغراضها.
بالخارج، لم يكن وقت الظهيرة قد حان، فضيَّقت مينلي عينَيها من شدة ضوء الشمس. كانت الرياح لا تزال تعصف بقوة، لكنها لم تُلاحظها. بل انطلقت تعدو نحو البُقعة الصفراء البعيدة.