الفصل الثلاثون
ضربت قدما مينلي الأرض الصخرية بقوة وهي تُجاهد لصعود المنحدَر غير المُستوي. كان الأمر شاقًّا. أعاقت طريقَها الأحجارُ والصخور الكبيرة التي نحتتها الرياح، فبدت وكأنما نبتت من الأرض كالأشجار، وأخلَّت بتوازنها. كان تركيزها منصبًّا على حركتها فكادت لا تلاحظ الزمجرة الخافتة. لكن ما إنِ انتبهَت لها حتى توقفَت عن السير. إنه النمر!
رأت طرف ذيله الأخضر أمامها من وراء إحدى الصخور الكبيرة المشوَّهة. وبهدوء، التقطت من على الأرض حجرًا يبدو حادًّا وتقدَّمَت مُتسلِّلةً.
رأت مينلي الحيوان الشرير يذرع فسحةً حجرية مُستوية ذهابًا وإيابًا وكأنما ينتظر شيئًا ما. فأحكمت قبضتها على الحجر.
شهقت مينلي. إذ رأت فتاةً صغيرة مُكتنِزة ترتدي ثوبًا أحمر لامعًا تركض نحو النمر! وقبل أن تصيح مينلي مُحذِّرةً إيَّاها، جذبها شخصٌ ما من خلفها لأسفل، ووضع يدَه على فمها.
قال الصوت: «صه!» ونظرت مينلي في عينَي صبيٍّ صغير بدا أنه في نفس عمر الفتاة. ومن تحت دثار رمادي يلتحف به كعباءة، لاحت لها ثياب حمراء مُبطَّنة تتماشى مع ملابس الفتاة. كان له وجه وردي دائري، بدا وكأنما يألف الضحك أكثر من العبوس الجاد الذي كان يعلوه الآن. أومأت برأسها ردًّا على إشاراته المذعورة بالتزام الصمت.
خرَّت الفتاة الصغيرة ساجدةً على الأرض، مُرتجفةً أمام الوحش، قائلةً: «أيها النمر الأخضر العظيم! الروح القوية للحاكم الذي أغضبَه أسلافي الحقراء! لقد أُرسِلنا إليك أنا وأخي قربانًا كما طلبت.»
زأر النمر بشراسة، فتراجعت الفتاة مُنكمِشةً.
قالت الفتاة بصوتٍ مُرتعِش: «أنا آسفة. لقد أُرسِلنا أنا وأخي إليك، ولكن في الطريق إلى هنا، هاجَمَنا وحشٌ آخر رهيب! وأخذ أخي؛ ولذا لم يتبقَّ سواي.»
زأر النمر غاضبًا.
قالت الفتاة: «أجل، وحشٌ آخر. هذا ما حدث.»
القصة التي روتها الفتاة للنمر الأخضر
لقد أثارت رسالتك ارتباك العائلة. وساد العويل والبكاء لمَّا أخبرَنا جدُّنا إيه-جونج أنك أمرتَ بطفلَين قربانًا لك كل شهر. وقال إن هذا ثمن الإهانة التي سبَّبها لك أجدادنا، وإننا إذا التزَمنا بتقديم القرابين لك، فستترك بقية الأسرة في سلام. وإنه لثمنٌ باهظ، لكنَّنا لمَّا كنَّا نعلم قوتك وسُلطتك الهائلَين، أدركنا أننا لا نستطيع عصيانك.
هكذا اخترتُ أنا وأخي أن نكون أول طفلَين. وفيما كانت العائلة تذرف الدموع، غادرتُ وأخي منزلنا قادِمَين إليك. لكن في طريقنا لمُلاقاتك، خرج علينا وحشٌ شرير من بين الصخور!
كان يُشبهك، لكنه لا يُضاهيك في قوتك أو عظمتك بالطبع. وكان لونه داكنًا كحلكة الليل. زأر في وجهَينا، ولكن بينما كنا مُنكمِشين نرتعد على الأرض صرختُ قائلةً: «لا تلتهِمْنا أيها الوحش! فنحن مِلك النمر الأخضر العظيم!»
توقَّف الوحش عن الزئير عند سماع كلامي. وتساءل مزمجِرًا: «النمر الأخضر؟»
قلت: «نعم. لقد أُرسِلنا قربانًا للنمر الأخضر العظيم! لا حظَّ لك فينا. إذا هاجمْتَنا، فسوف تُغضب النمر الأخضر العظيم، وسوف يقضي عليك!»
قال الوحش ضاحكًا: «يقضي عليَّ؟ ها! ها! النمر الأخضر ليس إلا عجوزًا واهنًا!»
احتجَّ أخي قائلًا: «بل هو أقوى وحش على الإطلاق! لا أحد يستطيع أن يُخالف أوامره!»
ضحك الوحش مرةً أخرى، وقال: «حتى خنزير مصنوع من الورق سيكون أقوى من النمر الأخضر! سآخُذك، لكني سأترك أُختَك له؛ إنه كلب مُثير للشفقة.»
قالت الفتاة: «وهكذا أخذ أخي وجرَّه إلى كهفه.»
انفجرت الفتاة في البكاء بينما استرقت مينلي النظر إلى الصبي. بدا عليه شيء من الخجل، لكنه وضع مُجددًا إصبعه على شفتيه مُشيرًا إليها بأن تلزم الصمت. زمجر النمر بنفاد صبر.
ازدردتِ الفتاة ريقَها بتوتُّر وهي تنظر إلى وجه النمر الأخضر الغاضب وقالت: «وبينما كان يتوارى عن نظري قال … قال: «أخبِري النمر الأخضر أن ابنه، الملك، تركَكِ له بدافع الشفقة، الشفقة على والده الفقير الضعيف!»
على إثر هذه الكلمات، زأر النمر الأخضر بغضبٍ شديد ارتجفت له الصخور. انتفضت مينلي، فأمسك الصبيُّ ذراعها بقوة أكبر.
قالت الفتاة مُرتعِدة: «يُمكنني أن أُريك عرينه الذي جرجر إليه أخي.»
أومأ النمر للفتاة مُضيِّقًا عينَيه اللاتي تغليان غضبًا.
نهضت الفتاة وهي ترتجف، وبدأت تقود النمر بعيدًا عن الفسحة. وأشار الصبي لمينلي ليتبعاهما في صمت.