الفصل الحادي والثلاثون
تبِعَتهما مينلي والفتى من مسافةٍ بعيدة، مارَّين بالأحجار والصخور الحادَّة الناتئة. توقَّفَت الفتاة أخيرًا في فسحة أخرى. وحين اختبأت مينلي والفتى خلف إحدى الصخور، أدركَت أنها كانت ذات يوم تمثالًا حجريًّا، وأن تلك الفسحة هي أنقاض منزلٍ مهجور أبْلَت الرياح أغلَبَه.
قالت الفتاة وهي تُشير إلى حفرةٍ غريبة في الأرض: «هنا. لقد جرجر الوحش أخي إلى ذلك الكهف!»
بصعوبة أدركَت مينلي أنها بئر كبيرة مهجورة. كانت الصخور حول فتحتها خشنة ومتصدِّعة، واستقرَّت قطعة مُمزَّقة من قماش أحمر على إحدى الأحجار الحادَّة. نظرت مينلي إلى الفتى، ورأت سرواله المُمزَّق. وابتسم لها ابتسامة تنمُّ عن دهاء.
قالت الفتاة مُتلعثِمةً: «الوحش … ابنك … موجود بالداخل! كما أنه قال …»
زمجر النمر حاثًّا إيَّاها على المتابعة.
تابعت الفتاة وهي تزدرد في خوف: «قال إنك … إنك جبان، ولن تجرؤ على مواجهته.»
زمجر النمر بوحشية، ومشى بغطرسة إلى حافة البئر، وزأر في ظلماتها.
قالت الفتاة: «إنه بالداخل. هل تراه؟»
كانت البئر العميقة حالكة الظلام، لكن المياه الداكنة عكست عينَي النمر المُتوعِّدتَين وأسنانه الحادة. زمجر النمر بغضب شديد في انعكاس صورته؛ إذ حسِبها وحشًا أسود. عندما ردَّ الانعكاس زمجرته، زأر النمر زئيرًا غاضبًا. وتردَّد صدى الزئير مرةً أخرى.
قالت الفتاة: «هذا هو. إنه يسخر منك!»
استشاط النمر غضبًا، وخدش الأرض الحجرية بمخالبه، وزأر مرةً أُخرى بصوتٍ أعلى وأشدَّ غضبًا.
قالت الفتاة: «كيف يجرؤ على ذلك؟! ابنك! يُهينك!»
على إثر كلمات الفتاة ورَجْع صدى زئيره، ثارت ثورة النمر الأخضر. بدا الهواء مشحونًا بغضبه العارم؛ إذ انتصبت كل شعرة في جسده وكأنها شوكة حادة، ولمعت أنيابه وعيناه مثل نصل السكين.
زأر زئيرًا صاخبًا يُصمُّ الآذان تردَّد في السماء كالرعد. على إثره سقطت الفتاة على الأرض، وغطَّت مينلي والفتى أُذنَيهما. كشَّر النمر عن أنيابه، واستلَّ مخالبه استعدادًا للهجوم. وعندما تردَّد صدى الزئير، تملَّك منه الغضب العارم. وفي النهاية، زأر النمر الأخضر مرةً أخيرة ثم … قفز في البئر!
تسمَّرت الفتاة والفتى ومينلي في مكانهم، بينما امتلأ الهواء بالزئير وطرطشة المياه. ثم فجأةً، حملت الرياح إلى السماء صوتَ عواءٍ أخير، وبعدَها ساد الصمت. حدَّقَت مينلي غير مُصدقة. لقد انتهى النمر الأخضر!