الفصل الرابع والثلاثون
سألت مينلي التوءم: «أيُّكما إيه-فو وأيكما دا-فو؟ أنا اسمي مينلي.»
ضحك الطفلان؛ كانت ضحكاتهما مثل أجراس تدقُّ في تناغُم تام. قالت الفتاة: «أنا إيه-فو، وأخي دا-فو. لكن يمكنك مناداتنا باسم دا-إيه-فو، فنحن لا نفترق أبدًا. الجميع يُنادينا بهذا الاسم.»
ابتسمت مينلي. كانت تشعُر بالثِّقَل وصعوبة السير من فَرطِ الإنهاك الذي خلَّفته الليلة الطويلة المُقلِقة التي قضتها، لكن سعادة الطفلَين كأنما أخذت بيدِها. بدا أن المرح كان يُخالط كل كلمة ينطقانها، وحثَّتها ضحكاتُهما على السير نحو الرقعة الصفراء البعيدة المبهجة.
ولمَّا دنَوا من الرقعة، أدركت مينلي أن اللَّون الأصفر كان لون زهور؛ إذ لاحت أمامهم أرض مليئة بالأشجار المزهرة. وكانت الأشجار مليئةً بالأزهار الزاهية، وبينما كانت الرياح تهبُّ عبر الأغصان، كانت الزهور الذهبية تنهمر كالمطر.
عندما وصلوا إلى الأشجار، واستنشقوا رائحة الزهور العطرة، شهقت مينلي. وقالت: «يا لها من رائحةٍ جميلة!» ضحك الطفلان مرةً أخرى، بدا أن لون ملابسهما الأحمر اللامع واللون الأصفر الذهبي للأزهار في الشجر قد أذهل عينيها.
لكن هذا الزهاء كان نقيض الأسطح الحجرية لمنازل قرية يُطلُّ عليها. إذ بدت منازلها وكأنما نُحِتت من صخور الجبل الباردة القاسية، ولاحظت مينلي أن الأشجار المزهِرة هي الأشياء الوحيدة التي نمَت بسهولة من التربة الجافة القاسية. وانتبه الصبيُّ لنظرة مينلي المُحدقة.
وقال لها: «هذه ديارنا، قرية مطر القمر.»
تساءلت مينلي: «قرية مطر القمر؟ يا له من اسم غريب! لماذا لم تُسَمَّ القرية على اسم الأشجار المزهرة؟»
قال دا-فو: «سأُخبركِ السبب.»
قصة قرية مطر القمر
منذ أكثر من مائة عام، عندما حضر أسلافنا إلى هنا لأول مرة، كانت أرض القرية قاحلةً ورمادية. وكان كل شيء كئيبًا باهتًا، والرياح باردة قاسية. ومع ذلك، كدَّ أسلافنا. فبنَوا منازل من حجارة الجبل، وحاكوا ستراتٍ دافئةً محشوَّة بالقطن، وزرعوا البذور في التربة القاسية.
لكن على الرغم من جهودهم، أبَت الأرض أن تُخرج نبتة أو زهرة واحدة. ومع ذلك استمر أسلافنا في العمل، على الرغم من أن الأمر كان يبدو ميئوسًا منه.
ثم ذات ليلة كان القمر فيها مُكتملًا ومُستديرًا، امتلأ الهواء بصوتٍ غريب لدقاتٍ خفيفة. اعتقد أسلافنا أن عاصفة كبيرة قادمة، وهُرعوا إلى منازلهم.
وبالفعل كانت عاصفة كبيرة قادمة. وتساقطت قطرات المطر من السماء مُحدِثةً ضوضاء عالية.
لكنه كان مطرًا غريبًا! ففي الضوء المتوهِّج، بدت قطراتُ المطر الكروية الملساء وكأنها لآلئ فضية! وكانت تتلاشى ما إن تلمس الأرض.
قال أسلافنا بعضهم لبعض: «السماء تُمطر لآلئ! جواهر من القمر!» وهُرعوا إلى الخارج حامِلين سلالًا وأكياسًا، يجمعون فيها ما استطاعوا من قطرات مطر تلك العاصفة الغريبة. وللعجَب، لم تتلاشَ القطرات التي جمعوها، وسرعان ما امتلأت سِلالُهم وأكياسهم.
لكن في الصباح، أدرك أسلافنا أن قطرات المطر لم تكن لآلئ أو جواهر. وفي ضوء الشمس، رأوا أنها كانت في واقع الأمر بذورًا. لكن أحدًا لم يعرف أي نوع من البذور هي. فزرعوها في الأرض القاسية بدافع الفضول.
وعندما ارتفع القمر مرةً أخرى في تلك الليلة، هطل المطر الغريب مرةً أخرى. هذه المرة لم ينخدع أسلافنا، وتركوا قطرات المطر تختفي في الأرض. ولكن في الصباح، نبتت البذور المزروعة كما لو أنها سُقِيت بماءٍ سحري.
هكذا ظلَّت الأمطار المُحمَّلة بالبذور تسقط من السماء ليلةً تلوَ الأخرى. ما إن تشرق الشمس فوق الأرض حتى تكبر الشتلات. وسرعان ما صارت أشجارًا فضيةً جميلة تحمل أزهارًا ذهبية. لَشدَّ ما كانت بديعة، زرع أسلافنا المزيد والمزيد من البذور، وسرعان ما أصبحت القرية بأكملها تزدهر بمئات ومئات من الأشجار المزهِرة.
ومنذ ذلك الحين سُميت الديار باسم قرية مطر القمر. فنحن نزرع بذورًا جديدةً كل يوم، وفي كل ليلة تسقط أمطار القمر، وكل صباح تنبُت شتلةٌ جديدة. ربما بعد مائة عامٍ أخرى ستُغطي الأشجار كل هذه الأرض الحجرية، وسيكون الجبل ذهبيًّا كالقمر.
سألت مينلي: «إذَن تتساقط تلك البذور من السماء كل ليلة؟»
قالت الفتاة: «تتساقط كل ليلة يظهر فيها القمر. لهذا السبب نُطلِق عليها اسم مطر القمر.»
سألت مينلي: «وأنتم لا تعرفون سببًا لذلك؟» رغم تعبها، لم تستطِع كبح فضولها.
هزَّ الطفلان رأسيهما، وقبل أن تتمكَّن مينلي من طرح المزيد من الأسئلة، أشار الفتى. فاتبعت مينلي ببصرها يدَه، فرأت بوابةً قرمزية كُتِب عليها كلماتُ ترحيب مبهجة.
صاح: «ها قد وصلنا! هيا، لقد وصلنا إلى الديار!»