الفصل الخامس والثلاثون
بعد العاصفة العاتية، خشِيَت الأمُّ والأب أن تكون أضرارٌ جسيمة قد لحِقَت بالقرية. ولمَّا أشرقت الشمس في الصباح، بدت القرية وكأنها خراب. فقد سقطت أغصان الأشجار الكبيرة، وتناثر على الأرض كثيرٌ من أوراق الأشجار وقرميد الأسقف والغبار والأتربة. ومع ذلك، عندما بدأ أهل القرية يُنظفونها، وجدوا أن العاصفة لم تؤذِهم بقدْر ما كانوا يَخشَون.
قال أهل القرية بعضهم لبعض: «على الأقل لم تُدمِّر أيَّ منازل، ونحن نعلم أن الجميع بخير.»
أضافوا في صمت: «أجل، الجميع باستثناء مينلي.»
لم تقُلِ الأم ولا الأب شيئًا عندما سكت جيرانهما مُحرَجَين. وساعَدا في إزاحة الأغصان المكسورة، وكنسا قِطع الفخار والقرميد المُحطَّمة من الشارع، وثبَّتا مصاريع النوافذ بالمسامير. وفي الليل، جلسا بهدوء معًا على المائدة ومعهما السمكة الذهبية. وعلى الرغم من أنَّ الأم لم تسمع منها شيئًا، تذكَّر الأب كلمات السمكة عن الخوف الذي كانت تحمِله الرياح. فملأه القلق، وانتظر أن تتحدَّث السمكة مرةً أخرى. ومع ذلك، بقِيَت صامتةً بصورةٍ غريبة.
أخيرًا، أثناء انشغال الأم بمساعدة أحد الجيران، حاول الأب أن يَستفهم الأمرَ من السمكة.
قال للسمكة: «أثناء العاصفة قلتِ إنه ثمَّة خوف في الرياح. خوف مَن كان؟ خوف مينلي؟ هل كانت خائفةً من شيءٍ ما؟»
حدَّقت السمكة في الأب بعينيها المُستديرتَين ولم تُصدِر أي صوت.
قال الأب وقد لفَّ يدَيه حول الوعاء: «أخبريني من فضلك.»
ظلَّت السمكة تسبح صامتةً في الماء.
احتار الأب. هل كفَّت السمكة عن الكلام؟ أم إنه لم يعُد قادرًا على فهمها؟ أم لعلَّ السمكة لم تتكلَّم مُطلقًا إنما صوَّر له خياله ذلك؟
قرَّب الأب أذُنه من الماء. هل كانت تلك البقبقة الخافتة همسًا؟ اقترب أكثر، وبدأت أذُنه تغطس في الماء …
حين دخلت الأمُّ الغرفة سألته: «ماذا تفعل؟»
رفع الأب رأسه بغتةً، فقطر الماء من أذُنه.
قال بخجل: «لا شيء.»
قالت الأم بشيء من الاستنكار: «هل كنتَ تُنظف أذُنك في وعاء السمكة؟»
قال الأب مُحرجًا: «ليس بالضبط.»
ارتسمَت على وجه الأم نظرةٌ غاضبة عابرة، ولكن فيما كانت تنظُر إلى الأب، الذي كان يفرك أذُنه بخجل، فعلت شيئًا لم تفعله منذ سنوات. ضحكت.
قالت: «منظرك مُضحِك! لو كانت مينلي هنا الآن، لضحكت منك.»
قال الأب وقد انفجر هو أيضًا في الضحك: «أجل، هذا صحيح. كانت ستضحك حتى تدمع عيناها.»
تداخلت ضحكاتهما، ولكن عندما نظر كلٌّ منهما إلى الآخر، رأيا أن الدموع التي تجمَّعت في عينَيهما لم تكن دموع فرح.