الفصل السابع والثلاثون
في صباح اليوم التالي، هز دا-إيه-فو مينلي لإيقاظها.
قال دا-فو وهو يَجذبها: «استيقظي أيتها الكسولة! هيا! نُريد أن نُريكِ شيئًا.»
قالت إيه-فو: «هيا، أسرعي!»
تبعتهما مينلي خارج المنزل وعبر الشوارع. كانوا كالموكب إذ كان أفراد العائلة جميعًا يخرجون من منازلهم ويتبعونهم. لم تكن مينلي تُدرك أن عائلة دا-إيه-فو كبيرة إلى هذا الحد. كانت هناك عمَّات وأعمام وأبناء عمومة؛ فقد كانت الديار الواقعة وراء البوابة الحمراء في الواقع قرية من الأقرباء. عندما ركضت مينلي عبر البوابة المفتوحة، توقَّفت وابتسمت. إذ وجدت التنين ينتظرها على الأرض الحجرية!
كان مُعافًى مبتسمًا، يجلس مُنتصبًا مُنتبهًا. اختفى الزَّيغ من عينَيه والسواد القبيح من جسده؛ في الواقع، بدا كما كان تمامًا قبل أن يَلقيا النمر الأخضر، باستثناء أربعة ندوبٍ شاحبة بارزة على ذراعه. قالت مينلي وهي تُعانِقه: «لقد استعدتَ عافيتَك!»
قال لها التنين مُبتسمًا في سعادة: «بالطبع، أخبرتُك أن التنانين تُشفى بسرعة.»
قال إيه-جونج الذي كان يقِف بجانبها: «أجل، هذا صحيح. فبعد أن خرج السُّم من جسده، التأمت جروحه على الفور تقريبًا.»
من فرطِ سعادتها لرؤية التنين، لم تلحظ مينلي أن معظم أفراد عائلة دا-إيه-فو احتشدوا حولهما مُنبهِرين.
سمِعَت صبيًّا صغيرًا يهمس: «إنه تنينٌ حقيقي.»
غمغم دا-إيه-فو لأبناء عمومتهما قائلَين: «مثلما قُلنا لكم. أرأيتم؟!»
قال إيه-جونج رافعًا صوته ليُسمِع الجميع: «لسوء الحظ يا صديقي التنين، لا يُمكننا استضافتك داخل منزلنا بسبب حجمك الهائل.»
قالت مينلي: «لا بأس. ينبغي أن نُغادر قريبًا على أي حال»، والتفتت إلى دا-إيه-فو وقالت: «هذا إن لم تكونا قد غيرتُما رأيكما بشأن إرشادنا إلى الجبل اللامتناهي؟»
قالا مُبتسِمَين: «بالطبع سنُرشِدكما إليه.» وقالت الجدة: «أجل، يجب أن تُغادري بأسرع ما يمكن. فكلما سارعتِ في الرحيل، عجلتِ بالعودة إلى والدَيك. وسيكون ذلك في مصلحتك.»
أومأ إيه-جونج برأسه عندما سمع كلمات الجدة. وقال: «إذَن لنتناول الإفطار، وبعدَها نُودِّع صديقينا الجديدين.»
على الرغم من أن الأجواء في الأرض الصخرية كانت باردةً وعاصفة، أحضرتِ الأسرة إفطارها المكوَّن من عصيدة الأرز الدافئة ليتناولوه في الخارج. إذ لم يُرِد أيٌّ منهم أن يفوته النظر إلى تنينٍ حقيقي ولو للحظة.
وجاءت الجدة بقِدرٍ حديدي كبير محمول على منصَّة خشبية خشِنة، يجرُّه اثنان من أعمام دا-إيه-فو، ووضعَته أمام التنين. كان القِدر مُمتلئًا ويتصاعد منه البخار، وأدركت مينلي أنه الشاي المُعالِج. وحملت إحدى العمات أكواب الشاي على صينيتَين وازنتهما على عصًا وضعَتها على كتفَيها ليأخذ منهما من يشاء. مدَّت مينلي يدها بحذَر لتأخذ كوبًا؛ فقد كانت رائحته الفوَّاحة مُغْرية للغاية.
قال أحد الأعمام: «لا ينبغي أن نُسمِّي هذا الشراب بالدواء. فهو لذيذ للغاية، والآن بعد القضاء على النمر الأخضر، لم يعُد ثمَّة من يحتاج للعلاج به.»
قالت إيه-فو ضاحكةً: «ربما يجب أن نُسمِّيَه «شاي البئر»؛ لأن النمر الأخضر يستقرُّ في البئر الآن.»
قال إيه-جونج: «لا، نُريد أن نتذكَّر أصدقاءنا، لا أعداءنا.»
قال دا-فو: «إذَن يجب أن نُسمِّيه «شاي تعافي التنين»؛ لأنه جعل التنين يستردُّ عافيته!»
هلَّل جميع أفراد العائلة لذلك القول، فأطلَّت من عينَي التنين نظرةُ ودٍّ لم ترَها مينلي فيهما من قبل. أدركت أنه ليس مُعتادًا على اللطف. فقد أمضى مُعظم سنواته وحيدًا وعالقًا في جسده الذي لا يطير.
بعد فترةٍ وجيزة، أنهَوا الإفطار، وبدأت مينلي تحزم أغراضها في الحقيبة الحريرية الصفراء التي أعطاها إيَّاها الملك، بينما ربطت الجدة المؤن على ظهرَي إيه-فو ودا-فو. وقالت وهي تضع طعامهما البسيط من الأرز الملفوف بأوراق الشجر والبيض المسلوق المُملَّح: «خذا هذا من باب الاحتياط. أوصِلا مينلي إلى الجبل اللامُتناهي ثم عودا إلى المنزل مباشرةً.»
وضع إيه-جونج يدَيه على كتفَي مينلي وقال: «مينلي، أنت فتاة شجاعة نبيهة وذكية. لكن طال غيابك عن المنزل. لذا اذهبي بأسرع ما يمكن.»
طوَّقت الجدة مينلي بذراعَيها الدافئتين، ثم أخرجت سترةً ثقيلة. وقالت: «هذه من أجلك. لقد حِكْناها أثناء نومك. فثيابك خفيفة جدًّا بالنسبة للجبل.»
كانت السترة مُتعدِّدة الألوان، مصنوعة من رُقَع كبيرة خيطت معًا، بعضها باللون الأزرق الغامق، وبعضها باللون الأرجواني الغامق، وقليل منها باللون الأحمر الفاتح. ابتسمت مينلي بامتنان؛ فقد كانت ترتجف بالفعل من الرياح الباردة، لكنها كانت مُتردِّدة في طلب أي شيء من هؤلاء الأشخاص؛ إذ كانوا بالفعل قد منحوها الكثير. لمَّا لبست السترة، أدهشها الدفء الذي منحتها إيَّاه. إذ بدا النسيج المصنوعة منه كالقطن العادي، لكنها دفَّأَتها وكأنما التحفت بفراءٍ كثٍّ.
قال دا-إيه-فو: «هيا بنا إذَن!» وأرجح الصبي ذراعه مُتحمسًا. عندها فقط لاحظت مينلي وجود قطعةٍ كبيرة مفقودة من كُمِّه. نظرت إلى كُم مِعطفها الجديد والرقعة الحمراء الزاهية المصنوع منها وشهقت.
لوَّحت لهما عائلة دا-إيه-فو قائلين: «وداعًا!» وبينما كانوا يلوِّحون لهما، رأت مينلي أن كلًّا منهم تنقص من كُم ثوبه رقعة. تجمَّدت كلمات الوداع في حلقِها؛ إذ أدركت أن مِعطفها الثقيل مصنوع من رُقع قماش اقتطعها أفراد العائلة من ملابسهم.
قالت إيه-فو، وقد انسلَّت يدُها البيضاء من كُمِّها المقطوع لتجذب مينلي: «هيا. أسرعي!»
قال التنين: «أجل، يجب أن ننطلق حتى يتمكن التوءمان من العودة إلى قريتهما في أقرب وقتٍ ممكن.»
أومأت مينلي برأسها، وبينما كانت تلوِّح مودِّعةً القرية بامتنان، لوَّحت لها العديد من الأكمام الممزقة.