الفصل الرابع
في تلك الليلة لم تستطِع مينلي النوم. كان صدى كلمات أمِّها يتردَّد في أُذنَيها، وعندما أغمضت عينَيها رأت يد أبيها تُطعم السمكة الذهبية وهي ترتعش من العمل الشاق.
قالت مينلي في نفسها إن أُمَّها على حق. فالسمكة الذهبية ليست إلا فمًا آخر عليهم إطعامه. لذلك لا يُمكنها ترك أبيها يُطعم السمكة الذهبية. فكلٌّ من أبيها وأُمِّها يكدحان من أجل كل حبة أرز، ولا ينبغي لها أن تُلزم أباها بإطعام السمكة الذهبية أيضًا.
نهضت مينلي بهدوء من سريرها، وتسلَّلت إلى الطاولة حيث تستقر السمكة الذهبية. حدَّقت كلٌّ منهما في الأخرى فعرفت مينلي ما عليها فِعله. وبسرعة ارتدَت حذاءها وسُترتها، وأخذت السمكة الذهبية وغادرت المنزل.
كان الوقت متأخرًا. وكانت القرية تغطُّ في النوم، والنجوم تتناثر في السماء كذرَّاتِ مِلحٍ انسكبت على طحالب بحرية مُجفَّفة. بدت خطوات مينلي وهي تشقُّ طريقها نحو نهر اليشم وكأنها تُحاول إسكات الليل.
على حافة النهر، نظرت مينلي إلى سمكتها الذهبية للمرة الأخيرة. كان ضوء القمر ساطعًا حتى إنه جعل السمكة تتوهَّج باللون البرتقالي الزاهي في ظلام الليل. حملقت السمكة في مينلي بعينَين سوداوَين لامعتَين.
همست مينلي: «أنا آسفة لأنني لا أستطيع الاحتفاظ بك. أتمنَّى أن تكوني بخير في النهر.» قالت تلك الكلمات ثم أفرغت الوعاء في الماء. لوهلةٍ بدت السمكة مذهولةً، وظلَّت مُتسمرة في مكانها كاللهب المضطرب على رأس عود ثقاب. ثم أخذت تتلوَّى في الماء وتسبح في دوائر، مثل شُعلة مفعَمة بالبهجة تدور في الماء.
شاهَدَتها مينلي وتنهَّدت. ومع تلاشي الصوت في الليل، أدركت مينلي أنه كان صدًى لتنهيدة والِدتها المُتبرمة اليائسة. «لن تكفَّ أُمِّي أبدًا عن التنهُّد ما لم يتغير قدَرُنا.» سألت مينلي بحزن: «ولكن كيف سيتغير؟ أعتقد أن هذا سؤال آخر عليَّ أن أسأله لعجوز القمر. من المؤسِف أن لا أحد يعرف الطريق إلى الجبل اللامُتناهي حتى يمكنني سؤاله عن أي شيء.»
توقفت السمكة عن السباحة ونظرَت إلى مينلي.
قالت: «أنا أعرف مكانه.» كان صوتها الأنثوي عاليًا ناعمًا، مثل صفير مرور الريح خلال أعواد البوص النابتة على ضفاف النهر.
حدَّقَت فيها مينلي. وسألت: «هل قلتِ شيئًا؟»
قالت السمكة: «نعم. أعرف كيف يُمكنك الوصول إلى الجبل اللامُتناهي وطرح الأسئلة على عجوز القمر.»
سألت مينلي مُتلعثِمة من فرط حماستها: «هل تتكلَّمين؟ كيف ذلك؟»
قالت السمكة: «مُعظم الأسماك تتكلَّم، إذا كنتِ على استعداد للإصغاء. إذ لا بد، بالطبع، أن يكون لدى المرء الرغبة في الإصغاء إليها.»
قالت مينلي بافتتان ولهفة: «لديَّ الرغبة في ذلك.» كان هذا الموقف يُشبه تمامًا إحدى قصص والدها! اشتعلت في نفسها الحماسة. «كيف تعرفين الطريق إلى الجبل اللامُتناهي؟»
قالت السمكة: «لقد سبحتُ في كل المحيطات والأنهار إلا واحدًا اصطادني بائع الأسماك الذهبية وأنا في طريقي إليه. تملَّك اليأس منِّي في عربته؛ إذ كنت قد رأيتُ وتعلمت كثيرًا عن العالم، بما في ذلك الطريق إلى الجبل اللامتناهي. ولأنك حرَّرتِني سأُخبرك.»
سألتها مينلي: «هل سبحتِ في كل المحيطات والأنهار؟» ثم انهمرت أسئلتها كالفيضان. «أي نهر لم ترَيه؟ لماذا سافرتِ كثيرًا؟ أين يقع الجبل اللامتناهي؟ متى …»
قاطَعَتها السمكة: «هذا النهر هو النهر الوحيد الذي لم أسبح فيه، ولكَم انتظرت طويلًا لأراه. لذلك أودُّ أن أنطلق في أقرب وقتٍ ممكن. يُمكنك أن تُوجِّهي جميع أسئلتك الأخرى لعجوز القمر. لذا اسمحي لي أن أُخبرك بالطريق إليه حتى أتمكن من الذهاب.»
أومأت مينلي برأسها ولم تطرح المزيد من الأسئلة. أدركَت أنها تُجري محادثة مع سمكة ذهبية، وهو أمرٌ غير مُعتاد على الإطلاق؛ لذلك قرَّرَت الإنصات.