الفصل الرابع والأربعون
واصلت الأم والأب انتظار مينلي في صمت وحزن. وعلى الرغم من أنهما أخبرا أنفسهما أنهما يثِقان في مينلي ويعتقدان أنها ستعود، أمضت الأم معظم وقتها تتطلع من النافذة هائمةً في أفكارها، بينما كانت ملامح الشيخوخة والشيب تتجلَّى في الأب يومًا تلوَ الآخر. وكان الليل مُستراحهما الوحيد، حين يروي الأب قصةً لتعجيل مرور الوقت. فحكايات الأب تجعلهما يهربان من الواقع، ويتناسيان غياب مينلي، ويتخيَّلان أنها موجودة تستمع.
وذات ليلة، عندما بزغ القمر في السماء، تحدَّثت الأم.
قالت: «زوجي العزيز، الليلةَ أودُّ أنا أن أحكي لك قصة.»
تفاجأ الأب قليلًا، لكنه أومأ برأسه.
القصة التي روتها الأم
يُحكى أنه كانت توجد امرأة لها زوج ودود وابنة جميلة. وكان يُظلل جبلٌ عظيم ديارَهم؛ مما جعل أرضهم جدباء وبيتهم صغيرًا. ولكن كان لديهم دائمًا قُوت يومِهم، وفي الأشهُر الحارَّة كان الماء لا ينقطع عنهم، بينما كانت النار تتَّقِد في مِدفأتهم طوال الأشهُر الباردة. ومع ذلك، لم تكن المرأة راضية.
سخطت المرأة على الجبل القاحل والأرض الفقيرة، وكانت تزدرد أُرزها البسيط بمرارة. وتعبس من ملابسهم القطنية المُتواضعة، وتزفر في استياء من ضيق غُرَف منزلهم.
يومًا بعد يوم، ظلَّت المرأة تتذمَّر. وكان الحسد يملؤها عندما تسمع قصصًا عن كنوز من الذهب واليشم. كانت تقول عابسةً مُحبَطة: «لماذا لا نملك شيئًا؟ ليست لدينا كنوز ولا ثروة. لماذا نحن فقراء جدًّا؟»
كان زوجها وابنتها يعملان ويكدحان أكثر كلَّ يوم، على أمل أن يجلبا الثروة إلى منزلهما. لكن الأرض القاسية لم تتجاوب معهما، وظلَّ منزلهم ضيقًا، وملابسهم متواضعة، ولم يتوفر لهم من الأرز سوى قوت يوم ثلاثتهم. وظلت المرأة تعيسة، ونما سخطها مثل الحشائش الضارَّة المُتشابكة التي لا يمكن السيطرة عليها.
امتلأت المرأة بعدم الرضا إلى حدِّ أنها لم تُدرك أنها كانت تزرع بذور السخط في ابنتها أيضًا. فحتى ذلك الحين، كانت ابنتها قانعةً بحياتهم، لكن الهمَّ بدأ يتسلَّل إليها. وأصبحت لا تستلذُّ بمذاق الأرز الذي يملأ أطباقهم، وتشعر بخشونة ملابسها التي طالما أحبَّت ألوانها، وضاق بها المنزل الذي طالما ركضت في أرجائه بحُرية.
في نهاية المطاف، لم تعُد الابنة قادرة على تحمُّل الإحباط المُتزايد؛ لذا تسلَّلت هاربةً في منتصف الليل، وتعهَّدت بألا تعود حتى تتمكن من جلب الثراء لعائلتها.
عندها فقط أدركت المرأة حماقة فِعلها. فبدون ابنتها، أصبح المنزل كبيرًا جدًّا وخاويًا، ولم تشتهِ الأرز الإضافي الذي توفَّر من نصيبها. ومرَّت الأيام وهي تشعر بالوحدة والخوف والقلق، ولعنت المرأة أنانيَّتها وحُمقها. كم كانت محظوظة! أخيرًا استطاعت أن تُدرك أنها لن تنال ما هو أثمن من ضحكة ابنتها وحُبها بامتلاك أجود الملابس أو المجوهرات، وأن السعادة كانت بالفعل تكمُن في بيتها مثل هدية لم تُفتَح بعد. بكت المرأة دموعًا لا عزاء لها. فطوال الوقت الذي كانت تتوق فيه للكنوز، كانت تمتلك بالفعل أثمنها.
وبعدما أصبحت المرأة الآن أكثر حِكمة، لا يَسعها سوى أن تذهب إلى زوجها، وتطلب منه أن يُسامحها على أفعالها، وتأمُل أن تفعل الشيء نفسه مع ابنتها يومًا ما. إنها لا تعرف إن كانا سيتعاطفان معها، لكنها تعهَّدت بأنها ستصبر حتى يتحقق ذلك. وإذا لزم الأمر، فستصبر مثل الجبل الذي يُظِلُّهم.
عندما انتهت الأم، جلست عند قدمَي الأب، ووضعت رأسها في حجره مثل الأطفال.
وقالت: «زوجي العزيز، لقد أخطأتُ عندما قلتُ إنك المسئول عن هروب مينلي. أنا المَلومة في ذلك. لقد عرفَت مينلي أنني غير راضية عن قدَرِنا؛ لولا ذلك لَمَا غادَرَت. أنا آسفة.»
عجز الأب عن الكلام. في الخارج كان القمر قد بلغ غاية الاكتمال حتى بدا وكأنما سينفجر، وترقرقت الدموع في عينَي الأب. ووضع يدَه بحنان على رأس زوجته.
قالت السمكة: «آه، جيد. إذا أسعدتَ القريبين منك، فسيأتي إليك البعيدون عنك.»
رفعت الأم رأسها بغتةً. ونظرت إلى السمكة ثم نظرت إلى الأب في ذهول.
وسألت: «هل قالت السمكة شيئًا؟»