الفصل السابع والأربعون
«مينلي؟ مينلي!» كانت الأم والأب في غاية السعادة، وحتى قبل أن تفتح عينَيها ألقيا بأنفسهما عليها. يا لَفرحتهما التي فاضت وغمرت مينلي! كانت أثمن من سوار التنين الذهبي الذي يرتديه الملك، وأعذب من ثمرة خوخ من حديقة الملكة الأم، وأجمل من إحدى إلهات السماء! ابتسمت مينلي مُمتنَّةً لثروتها الطيبة.
لم يكفَّ أبواها عن عِناقها إلا حين بدأت مَعِدتها تُصدِر أصواتًا من الجوع. هُرعت الأم لإعداد وجبة إفطار خاصة، فأخرجت لحم الخنزير المُجفَّف المحفوظ بعناية لصنع عصيدة مينلي المُفضَّلة، بينما هبَّ الأب ليجلب بعض الماء العذب لإعداد الشاي.
ولكن ما إن ذهب الأب إلى الردهة حتى صدرت منه شهقة عالية هُرعت إليه مينلي وأمُّها على إثرها.
قال مشيرًا بإصبعه: «ما هذا؟» اتبعت مينلي ببصرها إصبعه، فرأت أنه يُشير إلى أغراض السفر الموضوعة على الطاولة. كانت السمكة تسبح بمرح في وعائها، وانعكس ضوء الشمس عن حرير حقيبتها المُزركَش مُتراقِصًا في أرجاء الغرفة.
قالت مينلي: «هذه حقيبة أعطاني إياها ملك مدينة ضوء القمر الساطع. إنها فاخرة، أليس كذلك؟»
قال الأب وهو يُشير بيده مُستبعدًا الحقيبة: «ليس هذه. بل هذه!»
فرأت مينلي أنه كان يشير إلى كرة التنين الحجرية.
قالت وهي تُناوِلها لأبيها: «إنها مجرد هدية من صديق.» حملها الأب في يدَيه بتبجيل، وعلى وجهه هيبة.
وهمس قائلًا: «هذه ليست مجرد هدية»، ودَعَك سطح الحجر برفق بكُمِّه. ولدهشة مينلي العظيمة، بدأ لون الحجر الرمادي يزول كاشفًا عن لمعانٍ برَّاق متلألئ. «هذه لؤلؤة تنين.»
حدَّقت مينلي وأمُّها. وقالت الأم ببطء: «لؤلؤة تنين!» جلست ونظرت إلى مينلي. «تُعادل قيمة لؤلؤة التنين ثروة الإمبراطور بأكملها.»
فتحت مينلي فمَها، ولكن قبل أن تخرج منه أي كلمات سُمِع صياح وضجيج عارم من الشارع بالخارج. وعلى الفور، وضع الأب بحذَرٍ لؤلؤة التنين مرةً أخرى على الطاولة قبل أن يُهرعوا جميعًا لمعرفة سبب الصخب.
أوقفت الأم أحد الجيران وسألته: «ما الخَطب؟» كانت القرية بأكملها تتدفَّق إلى الشارع، وتتحدَّث وتصيح مثل سِرب من الطيور اكتشف وليمة. «ماذا يحدث؟»
قال الجار: «الجبل القاحل! لقد أثمر الجبل القاحل.»
قال الأب: «ماذا؟»
قال جارٌ آخر: «هذا صحيح، هذا صحيح! الجبل القاحل لم يعُد قاحلًا! ونهر اليشم أصبح صافيًا وعذبًا أيضًا!»
نظرت مينلي وأمُّها وأبوها إلى الجبل. كان الأمر صحيحًا. لم يعُدِ الجبل القاحل ظلًّا أسود يرتفع فوقهم. فمع بزوغ فجر اليوم، تبدَّل حال الجبل. بدت النباتات الخضراء الخصبة تنبت من بين الصخور، فأضفت عليه رونقًا أخضر بلون حجر اليشم خفَّف من حدة حوافه التي كانت تخترق السماء بلا هوادة. أما السماء فبدت وكأنما تُعانِق الجبل. وداعبت الرياح بلطفٍ الزروع الخضراء اليانعة بنسيمٍ عذب، وانزلقت فوق نهر اليشم، الذي أصبحت مياهُه الآن صافيةً مثل دموع الفرح.
سألت الأم: «كيف يُعقَل هذا؟»
قال الأب: «لا بد أن تنينة اليشم قد عاد إليها سرورها. ربما التأم شملُها مع أحد أبنائها.»
قالت مينلي في نفسها: «التنين!» وبدت الأفكار تدور في عقلها النبيه. لقد قال التنين إنه سيستقرُّ في الجبل القاحل. هل يمكن أن يكون أحد أبناء تنينة اليشم؟ ولكن كيف؟ لقد وُلد التنين من لوحة، من فرش الرسم والمحابر الحجرية … تردَّد في ذاكرة مينلي كالصدى حديث أمِّها عن الفنان الذي أتى إلى الجبل القاحل منذ سنواتٍ عديدة. لقد أخذ حجارة الجبل لينحت منها محابر.
ربما وُلِد التنين من محبرةٍ صُنعت من حجارة الجبل القاحل، قلب تنينة اليشم. إذَن، ربما كان بالفعل أحد أبنائها. وبإحضاره إلى الجبل القاحل، اكتشفت مينلي كيفية جعل الجبل القاحل يُثمر مرةً أخرى.
حدَّق في مينلي أحدُ أبناء القرية، كان قد تعافى أخيرًا من صدمة الجبل الأخضر، وقال: «مينلي! لقد عدتِ! انظروا جميعًا! لقد عادت مينلي!»
وبينما كان الجيران يحتشدون حولهم، تنهَّدت الأم. لكنها كانت تنهيدة فرح؛ إذ كانت صوتًا سعيدًا رفرف مثل فراشة في الهواء. قالت الأم مُبتسِمةً: «لقد حلَّ الثراء الطيب على القرية. وعلينا أيضًا.»
قال الأب وهو ينظر بمودة إلى مينلي: «أجل. لكنَّ أفضل ثروة هي تلك التي عادت إلينا.»
ابتسمت مينلي له. وفجأةً، وبينما كانت تتأمَّل رحلتها إلى الجبل اللامُتناهي ومنه، أدركت فجأةً أنه بالرغم من أنها لم تسأل عجوز القمر أيًّا من أسئلتها، فقد أُجيب عنها جميعًا.