الفصل الثامن
استيقظت مينلي والشمس تتأجَّج في كبد السماء. حتى في ظلال الغابة، كانت حرارتها تلفح رأسَها الأسود. عند استيقاظها، نظرت إلى إبريق الماء. ولمَّا كانت قد استخدمت بعضًا منه لصُنع البوصلة وشربت قليلًا منه أثناء سيرها ليلًا، لم يبقَ من مائه إلا نصفه. رشفَت منه القليل من الماء، وحاولت أن تُبعِد عن تفكيرها تبعات عثور أُمِّها وأبيها على رسالتها. وقالت لنفسها وهي تنقل بضيقٍ ثقل إبريق الماء إلى كتفِها الآخر: «آمُل أن يتفهَّما الأمر.»
استأنفت مينلي السير باتجاه الغرب. وبعد لحظات، رشفت الماء من إبريقها مُجددًا. حاولت أن تشرب باعتدال، ولكن لهيب الشمس الصفراء كان يلفحها حتى من خلال أوراق الأشجار. وبعد قليل، بينما كان إبريقها الفارغ يتأرجح من ذراعها، التقطت أُذناها صوتًا خافتًا لسرَيان ماء يتخلَّل صوت الأشجار.
قالت لنفسها وهي تستدير نحو الصوت: «إنه خرير ماء! يُوجَد ماء هنا في مكانٍ ما.» وسُرعانَ ما وقعت عيناها على جدولٍ صغير يجري به ماء صافٍ مُتلألئ. بلهفة، انحنت لتشرب وتملأ إبريقها، ولكن ما إن تذوَّقَت الماء حتى بصَقَته!
صاحت مينلي: «ماء مالح! هذا الماء مالح!»
تراجعت وبدأت تتساءل: «كيف لهذا الجدول أن يكون مالحًا؟ فأنا بعيدة عن المحيط. كم هذا غريب.» لم تستطِع مينلي أن تكبح فضولها، فنسِيَت عطشها وسارت مُتتبِّعةً الجدول.
ظل الجدول يتَّسع ويزداد عمقًا حتى صار أقرب إلى نهر منه إلى جدول. وما إن خطر لمينلي أنها يجب أن تعود لاستئناف رِحلتها، حتى تهادى إلى سمعِها أنينٌ عميق هزَّ الأرض بلُطف.
صاحت مينلي: «من هناك؟»
أنَّ صوتٌ مكتوم: «النجدة! هل بإمكانك مساعدتي؟»
صاحت مينلي: «أنا قادمة!» تركت بوصلتها بسرعة على الضفة وخاضت في الماء. كان الماء دافئًا كماء الاستحمام، وصافيًا كالزجاج. استطاعت مينلي رؤية قدَمَيها وجميع الأحجار وأوراق الأشجار التي استقرَّت في قاع الجدول. وأثناء تقدُّمها نحو الصوت، أخذ منسوب الماء يرتفع شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى رُكبتَيها، ثم كاد يصل إلى رقبتها.
سأل الصوت بأسًى: «أما زلتِ هنا؟ أرجوكِ ساعديني!»
صاحت مينلي مرةً أخرى: «أنا قادمة!» وأخذت نفَسًا عميقًا، وغاصت نحو مصدر الصوت. لسَعَ الماء المالح عينَيها فأغلقتهما بإحكام حتى رفعت رأسها فوق سطح الماء. لكنها ما إن فتحت عينَيها أخيرًا، حتى كادت تغوص مرةً أخرى من هول الصدمة. إذ وجدت أمامها … تنينًا!