الفصل التاسع
تحت ظلال الأشجار المنعكِسة من ضوء القمر، تعثَّرت الأم من شدة التعَب. لم يَدرِ الأب كم مرَّ من الوقت عليهما منذ انطلاقهما. ومع كل خطوة كان يُحدق بالأرض، ويتذبذب ضوء المصباح الذي يتأرجح في يده. كانت الغابة زاخرةً بالأشكال الداكنة والظلال، فكانت آثار الأقدام غير الواضحة على الأرض تكاد لا تُرى؛ كان الأمر أشبَهَ بالبحث عن إبرة في كومة قش. عندما تعثَّرت الأم، سندَها بذراعه.
قال الأب: «يجب أن نرتاح.»
هزَّت الأم رأسها وابتعدت عنه بغضب. «بل لا بد أن نواصِل السير. علينا أن نعثر على مينلي.»
قال الأب: «لكنكِ مُتعبة، وأنا أيضًا مُتعَب. يُمكننا أن نستريح، وبعد ذلك سنكون قادرين على استئناف سَيرِنا على نحوٍ أسرع.»
قالت الأم بحدَّة: «أنا لستُ مُتعَبة.» كان حنقها بمثابةِ وقودٍ يدفعها للمضي قدمًا. «إذا كنتَ مُتعَبًا، يمكنك أن ترتاح أنت. لكني سأواصل البحث عن ابنتنا.»
قال الأب بهدوء: «يجب أن نبقى معًا.»
قالت الأم: «إذا كنتَ ترغب في البقاء معي، فسيتعين عليك مواصلة السير.»
تنهَّد الأب وأخرج شمعةً أخرى للمصباح. أبعد الضوء المنبعِث من المصباح حيوانات الغابة، لكنه لم يُخفِّف من حدة غضب الأم. بدا، مع تواري القمر من الأفق، أنَّ استياءها يزداد.
لكن فيما تابعا المسير، شقشق الصباح في الأفق، ورُويدًا تسلَّل ضوءُه إليهما خلال ستار أغصان الأشجار حتى سمح أخيرًا للأب بإطفاء شمعة مصباحه. نظر إلى الأم فرأى أن نور السماء الخافت لم يزِدْها إلا مرارةً.
قال الأب: «إذا توقَّفَت مينلي للراحة، فقد نلحَق بها قريبًا.»
قالت الأم: «عندما نعثر عليها، لا بد لها أن تعرف أنها لن تُكرر هذا الأمر مرةً أخرى. مطلقًا!»
قال الأب: «هوِّني عليك يا زوجتي العزيزة، لم ترحل مينلي نكايةً بنا.»
قالت الأم بحدَّة تصدَّع لها الهواء من حولها: «صحيح، بل رحلت للبحث عن أسطورة. الجبل اللامُتناهي وعجوز القمر! دون سِواهما من حماقات!»
قال الأب مرةً أخرى بطريقته الهادئة: «القصص ليست حماقات.»
قالت الأم: «هذا رأيك أنت! أنت الذي ملأت رأسَها بها. وبقصةٍ مستحيلة جعلتها تعتقد أنها تستطيع أن تُغيِّر قدَرَنا البائس! يا للحماقة!»
قال الأب بحزن «نعم، هي مُستحيلة. لكنها ليست بحماقة.»
فتحت الأم فمها لتتحدَّث مجددًا، لكنها توقفت. إذ أتاهما من مسافةٍ أمامهما صوتُ تكسُّر أغصان. كان صوت شخص يشقُّ طريقه عبر الغابة. نظرت الأم والأب كلٌّ منهما إلى الآخر. وقالت الأم: «مينلي!»
نسِيت الأم والأب ما بهما من تعب وإحباط، وانطلقا يركضان عبر الغابة. وأثناء اندفاعهما نحو الشخص غير المرئي، تجاهلت الأم الأغصان التي كانت تخدشها، وترك الأب قُبعته تسقط على الأرض. صاحا: «مينلي! مينلي!»
لكن عندما برز أمامهما الشخص فجأةً، توقَّفا مذهولَين. لم تكن مينلي. كانت الأم والأب يُحدِّقان بدهشة في بائع الأسماك الذهبية.