مصر للمصريين وطنٌ مكين
انتهى عصر الحصون والقلاع، والسيف والمقلاع، وما عاد الإنسان يفضل أرضًا على أرض، ولا منطقة على منطقة .. فالعالم كله وطنٌ واحد، يمكن للمرء أن يعيش في أية بقعة من بقاعه.
غير أن مصر كوطن يعتزُّ به المصريون ولا يرضون عنه بديلًا .. يجد المصريون، في مصر، معقلًا فريدًا في نوعه .. إنه معقلٌ كريم، معقل للشرف والقيم والأخلاق الفاضلة والمثل العليا؛ لذا كانت مصر للمصريين وطنًا حبيبًا مكينًا .. يعيش أهله في أمنٍ أمين، وفي شرفٍ عظيم …
تجد كل شيء في مصر عزيزًا .. تجد الكرامة والشهامة والرجولة .. تجد التضحية والاستشهاد والفداء، والجود والكرم والعطاء .. ما من أحد يستطيع أن يفهم مصر غير بنيها؛ ولا يمكن أن يرفع من شأنها وشأوها إلا عمالها وصناعها وعلماؤها وكبراؤها.
مصر وطنٌ مكين؛ يعتز بمصريته وبالمصريين أجمعين .. يمثل كل مصري يمشي فوق أرض مصر سنبلة خرجت من باطن الأرض لتؤتي نفعًا معينًا، لا يمكن أن يُنال منه أو يُقلَّل من شأنه .. فأهل مصر سنابل تُقبِّل الأرض وتناجي السماء وتشبع البطون الجائعة .. إنهم كل نبتة تقوم فوق كل حقل، وبجوار كل شط، سواء بيد إنسان أو بغير يده .. فأرض مصر تعطي بلا توقف، وتطعم من لا طعام له، وتروي كل ظمآن لا شراب عنده .. هي أرضٌ عظيمة، وكل مَنْ عليها عظماء .. عظماء في مقرهم .. عظماء في غناهم وثرائهم .. عظماء بدينهم وعقيدتهم .. عظماء بتكاتفهم وتعاونهم .. وهم في هذا التكاتف يمثلون جبهةً عريضة لا يمكن اختراقها أو النفاذ إليها .. وهم في تساندهم يخلقون ماردًا جبارًا يستحيل التغلب عليه أو المساس به .. وهم في ثباتهم ووقفتهم أسودٌ كواسر يُخشى بأسها، وتُرهَب قوَّتها ويفزع العدو من زئيرها الذي يخاف من هول الإنس والجن ويفزع منه الجميع، جميع مَنْ على الأرض وما على الأرض.
إذن، فمن حق المصريين أن يتمسكوا بحب مصر، وأن يستميتوا في الذود عنها.
مصر بالنسبة للمصريين وطنٌ مكين، وحصنٌ حصينٌ أمين، وطنٌ عزيزٌ منير، وطنٌ جدير بأن ينتسب إليه الإنسان المصري العظيم الهمة، والكريم المحتد، والشريف النِّجَار، الأبيُّ النفس، والحييُّ الوجه.