مصر مع الجميع
مصر الكبيرة كبيرة في قلبها، كبيرة في حبها .. كفُّها تسع الجميع، ممدودة للجميع، تعانق الجميع .. مصر لا تفرق بين عدو أو صديق .. مصر لا تحابي ولا تمالق ولا تجانب، وإن جانبت فمع الحق البين .. مصر لا تكابر، وإن كابرت فمن أجل الحق والعدل السليم القويم .. مصر تناضل، وتاريخها كله حافل بالنضال؛ نضال الأبطال الشرفاء .. فمصر بحق أمة الأبطال، وأبطالها الصناديد قاموا بالمعجزات، وحققوا لها الآمال على مر القرون والأجيال.
مصر بلدٌ مسالم، تسالم من يسالمها وتعانق من يعانقها، وتهادن من يهادنها، ولكنها لا تخنع ولا تحني رأسها .. لا تضام ولا تهان، كما أنها لا تضرب ولا تصفع ولا تركل .. حاراتها أسود، وشوارعها ضراغم، ونجوعها مقابر للمكابرين الظالمين المعتدين الشامتين.
مصر الزرع هي مصر الضرع، تطعم الجائع وتروي الظمآن .. هي مأوى للجميع، جميع القاصدين المحبين الصادقين المؤمنين الصالحين، الذين هم على عقيدة ودين.
إذن، فمصر للجميع ومع الجميع .. مع كافة الناس، مع الأقوام المحتشدين المتكتلين تحت لواء الدين والكرامة والصوت الشريف الأمين .. مصر مع الجميع وأم للجميع، ويسعدها أن تكون كذلك هي المسئولة عن الحق والصدق والعدل .. هي المسئولة عن القيم الرُّوحية والأخلاق والمثل العليا السامية الهادية الراقية والداعية إلى الخير والنقاء والصفاء والتسامح والتآخي والمحبة الخالصة.
مصر تسعى إلى خير الجميع .. تناضل مع المناضلين، وتكافح مع المكافحين، لا تهن ولا تلين، لا تضعف ولا تستكين، لا تتقاعس ولا تنحاز إلى يسار أو يمين .. العالم كله في أحضانها، وهي في أحضان العالم كله.
مصر التي هي أم الجميع، تعامل الجميع كما لو كانوا أبناءها، وكما تعامل أية أم أولادها. فالجميع من طين، والكل إلى الطين يرجعون .. الكل عند مصر سِيَّان، سواء أكان الطين أسود أو أحمر أو أصفر .. المهم أن تكون أمًّا لكل مخلوق من طين، وآمن بالله واليوم الآخر والدين، واعترف بها أمًّا لا تغفل ولا تهمل ولا تلين .. إنها أمٌّ صالحةٌ تقيةٌ ورعةٌ مباركة .. أرضها أرض الأديان، وشعبها يصلي ويصوم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والبغي .. نيلها يجري فيسقي الظمآن والعطشان، وقطنها الأبيض يكسو العريان، وشمسها الرءوم تشفي العليل والمرضان، وتحت سمائها لا يقوم زور ولا إفك ولا بهتان، ولا هراء ولا هذيان.