مَنْ يبصر مصر فقد أبصر الدنيا كلها
يا لحظَّ مَن يرى مصر! يكون قد رأى صندوق الدنيا بكل ما في هذا الصندوق من طرائف وعجائب وغرائب، وفكاهات ودعابات وحسنات وسيئات وطيبات في شتى المجالات.
من يبصر مصر، فله أن يفخر ويزهو ويتطاوس إذ قد أبصر الدنيا كلها تتحرك في شوارعها وميادينها وحقولها وصحاريها.
من أبصر مصر، كُتب له الهناء الكامل؛ إذ سوف يسعد بما رأى، وسوف يهنأ بما شاهد، فيتضاعف هناؤه عندما يحتك بأهلها، ويتعامل مع شعبها العريق الطيب، صاحب السمعة الشريفة، والأصالة العتيدة، والزعامة الفريدة، والحضارة القديمة والحديثة.
من رأى مصر، فلن يرغب في أن يرى شيئًا غيرها .. فهي جامعةٌ حاوية، تجمع كل شيء من باطنها وتستوعب كل شيء في ربوعها وتستلهم كل شيء من واقعها وواقع أحداثها، وكلها أحداثٌ عالمية يؤثر فيها العالم، ويتأثر بها.
من يشاهد مصر يعشقها ويحبها ويعبدها ويموت فيها، ويود ألا ينفصل أو يبتعد عنها .. فهي جذابةٌ خفيفة الظل وخفيفة الروح .. مداعبةٌ مسلية، وراقصةٌ متحركة، وعازفةٌ مغرية، ألحانها حلوة، وأنغامها عذبة، وأغانيها شجية، وأصواتها منسجمة .. مآذنها تتكلم، وجوامعها تصلي، وكنائسها تجلجل؛ وقساوستها ترتل، وطيورها تغرد .. أشجارها تثمر، وأغصانها تظلل وشمسها تنشط، وقمرها ينادي، ونجومها ترشد الحادي وتنادم الساهر الولهان، بلألائها وروائها وبريقها.
من رأى مصر، مات قرير العين، إذ رأى أحلى مكان في الدنيا بأسرها، وشرب من أعذب مياه في العالم، واستدفأ بأعظم شمس في الدنيا، وأكل من أحلى ثمارٍ شهية.
سبحان الذي خلق الدنيا فسوَّاها، ثم جعل مصر صورةً مصغرة للدنيا الواسعة كي يقطعها المرء في لحظاتٍ قلائل.