مصر الشهداء
الشهادة واجب يؤمن به كل مصري يعيش في وادي النيل الحبيب.
والشهادة أو الاستشهاد ميتة يشتهيها المصريون ويؤثرونها على كل ميتةٍ أخرى، طالما أن الموت كأسٌ مشروب وحوضٌ مورود.
وما أكثر الشهداء الذين ضحَّوا بأرواحهم من أجل مصر العزيزة .. هم خالدون في سجل الشهادة المصري .. فهم إن ماتوا أجسادًا فإن أسماءهم حية وذكراهم باقية وأعمالهم خالدة في قلوب شعب مصر.
ومصر الشهداء سجلٌّ عامر بالشهداء من جميع العصور ومن كل الأعمار: منهم الطلبة والقادة والعلماء والعمال والفلاحون.
ومن أحدث الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل مصر، الشهيد «يوسف السباعي» الكاتب القصصي والأديب الصحفي .. مات في ساحة الشهداء بيد الغدر والإرهاب المعادي للأقلام الشريفة والأصوات القوية السديدة الرأي والفكر، والمدافعة عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية.
وهناك أرواح الشهداء رجال الصاعقة الخمسة عشر الذين استشهدوا فداءً لمصر في ساحة الدفاع عنها ضد الطغيان والإرهاب الأسود وضد الغدر الخسيس.
تحتفل مصر في شهر مارس من كل عام بعيد شهدائها، في نفس اليوم الذي استشهد فيه الفريق أول «عبد المنعم رياض»، فاعتبر هذا اليوم عيدًا لتخليد ذكرى جميع شهداء مصر.
للشهداء نصبٌ تذكاريٌّ ضخم، هو نصب الجندي المجهول .. أقامته مصر حديثًا لتخليد ذكرى أبنائها الشهداء العظماء.
تخلد مصر شهداءها بإطلاق أسمائهم على شوارعها .. وقلَّما يخلو حيٌّ واحد من أحياء مصر من عدة شوارع تحمل أسماء بعض شهدائه الخالدين .. وللطلبة الشهداء نصبٌ تذكاري في حرم الجامعة، يرمز إلى كل من سقط دفاعًا عن مصر في معركتها ضد الإنجليز الغاصبين المحتلين.
مات هؤلاء الطلبة عزلًا من السلاح وهم يواجهون رصاص الإنجليز في شوارع القاهرة بجسارة يعجز عنها الوصف وفوق التصور والخيال .. آثر هؤلاء الشبان الذين كانوا في عمر الزهور؛ آثروا ظلمة القبر عن الحياة والنور في وضع من الأمور تجعل الدماء في العروق تثور وتفور!
ولعل «حي عابدين» يشمخ برأسه عاليًا بعد أن استشهد أحد أبنائه وهو الشهيد المعروف «أحمد عبد العزيز» أحد أبطال حرب عام ١٩٤٨م، حرب الأسلحة الفاسدة التي استخدمها المصريون ضد أنفسهم وهم لا يعلمون .. فماتوا شهداء للخديعة الوضيعة في عهد عرف بالظلم والطغيان …
تكرِّم مصر اليوم اللواء مهندس «أحمد حمدي»، أحد عمالقة وحدات الكباري بسلاح المهندسين في حرب أكتوبر سنة ١٩٧٣م، الذي استشهد في الساعات الأولى من حرب رمضان المقدسة .. تكرمه مصر اليوم بإطلاق اسمه الكريم على النفق الذي يقام الآن في «سيناء»، في الموضع الذي استشهد فيه.