الشرطة تقبض على «بو عمير»!
أغلق «بو عمير» الكتاب … وكأن «فرانك» كان ينتظر الفرصة؛ فقد أسرع يقول: هل انتهيت؟ إنني أنتظر!
ابتسم «بو عمير» وهو يقول: يبدو أنك من هواة لعب الدومينو!
ضحك «فرانك» وقال: إنني فقط لستُ من هواة السفر بالطائرة، ولعب الدومينو يقتل الوقت.
وبدأت مباراة قوية في الدومينو … كان «بو عمير» يُجيد اللعب تمامًا، حتى إن «فرانك» قال: ما هذا؟! إنني أُلاعب بطلًا!
فجأة، كان عددٌ من الرجال يحاصرون «بو عمير» و«فرانك» … وفي لمحة سريعة كان «بو عمير» قد فَهِم أنهم زملاء «فرانك»، وإن كانوا يُخفون ذلك. ابتسم «بو عمير» وهو ينظر إليهم قائلًا: هل الأصدقاء من هواة لعب الدومينو أيضًا؟!
ضحكوا ضحكةً واحدة، وكأنهم كانوا متفقين عليها، قال أحدهم: إنني أقترح أنَّ مَن يُهزم يغادر مقعده، ومَن ينتصر يظل في اللعب.
وبدأت المباراة … هزم «بو عمير» … «فرانك» الذي غادر مقعده ووقف يتابع اللعب، ثم هزم أول الأصدقاء وثانيهم وثالثهم … كانوا ينظرون إليه في دهشة وهو يلعب بذكاء شديد.
غير أنَّ «بو عمير» كان يفكر: لا بد أن أنهزم حتى يمكنَني أن أغادر المكان … فينبغي أن أُراقبَهم بعضَ الوقت؛ فالساعات تمرُّ، وأنا مشغول بهذه الألعاب، وفعلًا … أعطَى الرابعَ فرصةَ أن يهزمَه مستسلمًا وهو يضحك، ويقول: هذا بطل جديد!
ضحك الآخرون، ووقف «بو عمير» … كان يشعر أن الطائرة تدور به، وأنه يكاد يسقط؛ فقد قضى وقتًا طويلًا وهو يلعب وبتركيز شديد؛ لذا ألقَى بنفسه في أقرب المقاعد الخالية.
كان يبدو عليه الإجهاد عندما جاءَه «فرانك» بسرعة، وسأله: ماذا حدث؟
ردَّ «بو عمير»: بعض الإرهاق، يبدو أنني لعبتُ كثيرًا!
قال «فرانك»: هذا صحيح، وينبغي أن تنام قليلًا!
هزَّ «بو عمير» رأسه، ثم أغمض عينَيه، فتركه «فرانك» وانضم للآخرين. فكَّر «بو عمير»: هل آخذ الحقيبة أم أتركها لهم؟ … أخفى في نفسه ابتسامةً وهو يقول: إنها حقيبتهم في النهاية.
وبعد دقيقتين كان قد استغرق في النوم، ولم يستيقظ إلا عندما جاءه «فرانك» يهزُّه، وهو يقول مبتسمًا: لقد اقتربنا من «روما»، هل تريد أن تراها؟
فتح «بو عمير» عينَيه ونظر إلى «فرانك» لحظةً، ثم قال: يبدو أنني نمتُ جيدًا!
ابتسم «فرانك»، وقال: لكنك لم تشاهد المباريات التي وقعت … لقد كان الصراع عنيفًا.
ابتسم «بو عمير»، وقال في نفسه: إن الصراع سيكون أكثرَ عنفًا عندما نَصِل!
قام من مقعده، واتجه إلى مجموعة الرجال … كانوا قد أوقفوا اللعب، وبدأ كلٌّ منهم يعود إلى مقعده. أخذ «بو عمير» مكانه، وجلس «فرانك» بجواره لحظة، ثم جاء صوتُ مذيعة الطائرة تُعلن أنه قد بقيَ نصف ساعة على الوصول إلى مطار «روما».
فجأةً، شعر «بو عمير» بنشاط مفاجئ، وبدأ تفكيره يتحرك، وعقله يعمل بسرعة، فبعد نصف ساعة سوف يبدأ الصراع الحقيقي؛ إمَّا أن يكون صراعًا بينه وبين هؤلاء الرجال، أو الصراع بينهم وبين آخرين، أو بينه وبين الجميع.
مرة أخرى فكَّر «بو عمير»: هل الشياطين في الانتظار الآن في المطار؟ وأين؟
انقضَت نصف الساعة، وأعلنَت مذيعة الطائرة أن لحظة الهبوط سوف تبدأ الآن، وأن على الجميع ربْطَ الأحزمة. وبعد قليل كانت أضواء مطار «روما» تلمع من خلال نافذة الطائرة التي كان يجلس «بو عمير» بجوارها.
نظر في ساعة يده … كانت الساعة تُشير إلى الثامنة مساءً بتوقيت «روما». قال في نفسه: الليل أحسن بكثير في هذه الحالة، لقد وصلتُ في موعد مناسب …
فجأة … شعر بعجلات الطائرة وهي تلمس أرض المطار، ثم تستمر في سرعتها، حتى تتوقف نهائيًّا. ولم تمضِ لحظة حتى فُتح باب الطائرة، ودخل بعض رجال الشرطة … وقف أحدهم ينظر في أنحاء الطائرة … كان المنظر غريبًا؛ فقد وقف جميع ركاب الطائرة وهم ينظرون إلى رجال الشرطة في دهشة … ألقى «بو عمير» نظرةً سريعة على «فرانك» وزملائه … كان يبدو أنهم متحفزون تمامًا.
تقدَّم ضابط الشرطة في اتجاه «بو عمير» الذي كان يحمل حقيبته في هذه اللحظة، وقال له: هيَّا معي!
فكر «بو عمير» بسرعة … ثم قال: ولماذا يا سيدي؟
ردَّ الضابط: سوف تعرف بعد قليل!
نظر «بو عمير» إلى «فرانك» الذي أسرع إلى الضابط، وقال: هل يمكن أن أصحبَه؟
نظر له الضابط في دهشة: ولماذا؟
ردَّ «فرانك»: نحن أصدقاء.
ابتسم «بو عمير»، وقال: هذا صحيح، وأرجو أن تسمح له بذلك.
رأى «بو عمير» نوعًا من الارتياح على وجه «فرانك»، وظهرَت ابتسامة صغيرة على وجوه الآخرين.
قال الضابط: لا بأس، هيَّا معنا.
وضع الضابط ذراعَه في ذراع «بو عمير»، وتبعهما «فرانك»، قال «بو عمير» في نفسه: إنها خطة جيدة، ويبدو أنني وقعتُ في يد العصابة فعلًا، وأن هؤلاء الرجال ليسوا من رجال الشرطة الرسميِّين، ويبدو أنهم من رجال العصابة في ثياب رجال الشرطة!
قطعوا ممرَّ الطائرة واقتربوا من الباب؛ حيث كان يقف بقية رجال الشرطة. وعند الباب تمامًا كاد «بو عمير» أن يصرخ من المفاجأة لولا أنه تمالَك نفسه؛ لقد اكتشف أن رجال الشرطة هم أنفسهم الشياطين، وأن الضابط هو «أحمد».
نزل «بو عمير» في هدوء؛ بينما كان اثنان من الشرطة يمشون في المقدمة … أمَّا خلفه فقد كان يمشي اثنان آخران، أولهما «أحمد»؛ فحتى هذه اللحظة لم يستطع التعرُّفَ على بقية المجموعة. قطعوا أرض المطار ثم الصالة الداخلية ولم يعترضهم أحد. لكن فجأة، اقترب أحد رجال الشرطة من «فرانك»، وأمسك بذراعه قائلًا: نحتاجك بعض الوقت!
أسرع «أحمد» وتحدَّث إلى رجل الشرطة، فترك «فرانك» الذي ابتسم واستمر في طريقه بين مجموعة الشياطين. وصل الجميع إلى الباب الخارجي للمطار … كان الليل ممتدًّا، تلمع في جنباته الأضواء ورذاذ خفيف يسقط، فتلمع الأرض … تنفَّس «بو عمير» في عمق، وشعر بالانتعاش بسبب هواء الليل البارد، ثم نظر إلى «أحمد» الذي كان يلبس ملابس رجال شرطة «روما»: إلى أين الآن يا سيدي؟
ردَّ «أحمد» بلهجة جافة: سوف تعرف بعد قليل!
جاءت سيارتان متشابهتان تمامًا. وعندما فُتحت أبوابهما دوَّت طلقات الرصاص فجأة … قفز الشياطين من السيارتَين ولمح «بو عمير» «فرانك» وهو يسقط على الأرض، وبسرعة فَهِم أن هذه طلقات عصابة أخرى، غير أن سيارتَي الشياطين كانت قد انطلقتَا بسرعة رهيبة، بينما كانت الطلقات لا تزال تدوِّي خلف السيارتَين، وتصطدم بهما؛ لكنها سيارات مجهزة ضد الرصاص … كانت الشوارع خالية بعض الشيء، وكان هذا يُعطي الشياطين فرصة الإفلات … كان الطريق بين المطار والمدينة طويلًا.
قال «أحمد» وهو يخلع نظارة سوداء: معنا هنا «باسم» و«فهد».
قال «فهد» بسرعة: أهلًا بالمغامر الأوحد!
ردَّ «بو عمير»: مغامر بالإكراه!
فضحك الشياطين، وقال «باسم» الذي كان يقود السيارة: لقد كنَّا قلقين تمامًا عليك.
فجأة جاء صوتٌ من تابلوه السيارة يقول: إن وراءَنا ثلاث سيارات في حالة مطاردة، ويبدو أننا سوف ندخل في معركة!
عرف «بو عمير» صوتَ «رشيد»، فسأل: مَن مع «رشيد»؟
ردَّ «باسم» بسرعة: «مصباح».
تحدَّث «أحمد» إلى «مصباح» و«رشيد» قائلًا: سوف نلتقي في النقطة «ع» عند التقاطع الثاني … ينبغي تغيير الاتجاه.
قال «فهد»: إن الطريق مكشوف، وسوف تكون مهمتنا صعبة … ينبغي أن ينضمَّ إلينا «رشيد» و«مصباح»، وإخفاء سيارتهما.
وافق الشياطين على اقتراح «فهد» فتحدَّث «أحمد» إلى «رشيد»: سوف نُقلِّل من سرعتنا … في نفس الوقت عليكما رفع السرعة حتى تلحقَا بنا.
بدأت السيارة الأولى تُخفض من سرعتها … فجأة لمح «فهد» ضوءَ سيارة خلفية قادمة … أعطى إشارة ضوئية، فردَّت السيارة؛ عرف أنه «رشيد» … أخذت السيارة تقترب … في نفس اللحظة شاهد عدة أضواء تتحرك، فقال: يبدو أن السيارات التي تُطاردنا كثيرة.
قال «باسم»: لا بأس … كلما ازداد عدد السيارات كلما صعبت مهمتهم.
اقتربت سيارة «رشيد» أكثر، ثم شيئًا فشيئًا أصبحت خلف سيارة «فهد» تمامًا … قال «أحمد»: اكشفِ الطريق حتى نرى ماذا أمامنا؟
ضغط «فهد» زرًّا في تابلوه السيارة، فانطلق ضوء قوي يكشف الطريق إلى مسافة بعيدة.
وقال «فهد»: هناك خمسة كيلومترات حتى تبدأ الغابة!
ردَّ «أحمد»: لا بأس.
ضغط «فهد» الزرَّ مرة أخرى؛ فغرق الطريق في الظلام؛ لكن كانت السيارة تتقدَّم بسرعة كبيرة، حتى إن المسافة لم تستغرق دقائق. فجأة، ظهرَت غابة كثيفة يخترقها الطريق … دخلَت السيارة الأولى التي يقودها «فهد» وخلفها الثانية بعد حوالي كيلومتر … انحرفت سيارة «فهد» إلى اليسار تُعطي إشارة إلى «رشيد» ليدخل في اتجاه يمين الطريق. نفذ «رشيد» ذلك … وبعد نصف كيلومتر توقَّف.
كانت سيارة «فهد» قد فعلَت نفسَ الشيء، وغادر الشياطين السيارتَين بسرعة، متجهين إلى الطريق الرئيسي الذي يخترق منتصف الغابة.
كان الظلام حالكًا؛ لكن ضوء السيارات القادمة كان يكشف بعض المساحات، ويجعل بقية الأمكنة قليلة الظلام.
انقسم الشياطين إلى مجموعتين: مجموعة تضم «أحمد» و«بو عمير» و«باسم»، ومجموعة تضم «فهد» و«رشيد» و«مصباح». وكانت كلُّ مجموعة تختفي على جانب من الطريق.
انقضَت ربع ساعة، ثم ظهرَت سيارات العصابة … دخلت الغابة، ثم فجأة توقَّفت. كان الشياطين يختفون خلف الأشجار القريبة؛ لكن أحدًا منهم لا يستطيع أن يفعل شيئًا إلا بعد الإشارة المتفق عليها … انفتح باب السيارة ونزل أحدهم قائلًا: السيارات توقَّفت هنا؛ فقد توقَّف العادم!
كان يعني الدخان الذي يتخلَّف عن احتراق البنزين …
ردَّ آخر، وهو يغادر السيارة: هذا حقيقي؛ ولهذا ينبغي أن نفتش المكان جيدًا.
كان الشياطين صامتين تمامًا في انتظار ما سوف يحدث … ما داموا قد عرفوا أنهم في نفس المكان.