معركة هادئة … في الظلام!
قال واحد من رجال العصابة: ينبغي أن نتصرف بسرعة؛ فاختفاء «فرانك» إلى الأبد سوف يُسبِّب لنا مشاكل، ولاحِظوا أن عصابة «سادة العالم» سوف تهتزُّ مكانتُها … لو أننا لم نعثر على الحقيبة!
ردَّ آخر: هناك عصابة «اليد السوداء» أيضًا، ولولا ما حدث في المطار، لكان الصراع قائمًا حتى الآن.
سكت لحظة، ثم أضاف نفس الصوت: غيرَ أنهم لن يتركوا الحقيبة هم الآخرون، وسوف يظهرون في أية لحظة.
كان الشياطين يسمعون ما يدور … تحدَّث «أحمد» بلغة اللمس، قال: ينبغي ألَّا نصطدمَ بهم الآن على الأقل؛ لأن ذلك سوف يضعنا في موقف صعب.
فجأةً تردَّد صوت طائر فوق شجرة، فانتبه الشياطين … كانت الحشائش في أرض الغابة لا تسمح لصوت الأقدام أن تظهر، وكان ذلك يعني ضرورة الحذر في كل حركة. فجأةً، جرى ثعلب صغير فأثار بعض الضوضاء؛ مما جعل أحد رجال العصابة يقول بسرعة: لا بد أنهم في نفس المكان الذي خرج منه الثعلب!
وكانت هذه حقيقة … فقد جرى بجوار قدمَي «باسم»؛ ولذلك أسرع «أحمد» بالتحرك، فتحرك الشياطين خلفه في هدوء.
في نفس اللحظة كان رجال العصابة يتجهون إلى حيث كان الشياطين يقفون، فظلت المسافة بين الاثنين قائمة؛ غير أن «أحمد» لمس «بو عمير» الذي كان خلفه مباشرة؛ فقد استطاع «أحمد» أن يشعر بوجود أحد في نفس الاتجاه … قال في نفسه: ربما يكون رجال العصابة قد وزَّعوا أنفسهم.
أسرع يُرسل إشارة إلى «فهد» و«رشيد» و«مصباح»، الذين كانوا يقفون في الجانب الآخر … كانت الرسالة تقول: «خذوا حِذْركم، يبدو أن رجال العصابة قد انتشروا في المنطقة.»
بعد قليلٍ جاءت رسالة من «فهد» تقول: «نقترح الخروج من هذا المكان والتقدم حتى النقطة «ل» لنلتقيَ هناك.»
همس «أحمد» ﻟ «بو عمير» و«باسم» قائلًا: سوف نتجه إلى النقطة «ل»، وسوف نلتقي هناك ببقية المجموعة.
وبسرعة تحرك الشياطين … كان الظلام كثيفًا تمامًا، حتى إنه لم يكن أحد يستطيع أن يرى شيئًا، إلا أن البوصلة التي يحملها «أحمد» كانت هي المرشد الحقيقي لهم …
فجأة صاح طائر، فتوقَّف «أحمد» … كان هذا يعني أن أفراد العصابة سوف يحددون مكانهم؛ فالطائر لا يغادر مكانه في الليل إلا إذا شعر بالخوف. وكما فكَّر «أحمد» تمامًا؛ فقد جاء صوت يقول: لا بد أنهم في هذا الاتجاه.
وبسرعة غيَّر «أحمد» خطَّ سير مجموعته، وبدلًا من أن يتَّجه إلى النقطة «ل» حسب الاتفاق، اتجه إلى مكان آخر؛ ولذلك أسرع يُرسل إلى «فهد» رسالة أخرى يشرح له ما حدث. وفي نهاية الرسالة قال: «… ينبغي أن نضع نقطة أبعد نلتقي فيها؛ فالنقط القريبة سوف نضطرُّ إلى تغييرها كثيرًا.»
وفي النهاية اتفقَا على أن تكون نقطة اللقاء في «ﻫ١»، وهي أبعد نقطة يمكن أن يلتقوا عندها. ظلَّت مجموعة «أحمد» في تقدُّمِها؛ لكن فجأةً، دوَّى طلقٌ ناري في الاتجاه الآخر. توقَّف «أحمد» بسرعة، وركَّز انتباهه في اتجاه صوت الطلقة. مرة أخرى تردَّد الصوت، ثم أخذ يزداد، وكان هذا يعني أن العصابة قد استخدمت المسدسات، وأنها تمسح المكان بطلقات الرصاص. بسرعة أرسل «أحمد» رسالة إلى «فهد» ليطمئن على المجموعة، وجاءه الرد يقول: إننا محاصرون الآن؛ وإن كانوا لم يكتشفوا مكاننا بعد.
فكَّر «أحمد» بسرعة: إن هذا يعني أنهم يمكن أن يقبضوا على مجموعة «فهد»!
فهمس إلى «بو عمير» و«باسم» قائلًا: المجموعة الأخرى محاصرة، هل ننضم إليها؟
قال «بو عمير»: يجب أن نقترب منها حتى إذا حدث شيء، فإننا نكون قريبين منهم!
وردَّ «باسم»: هذا حقيقي؛ فقط لا يجب أن نبدأ بالصدام.
غيَّرت مجموعة «أحمد» اتجاهَها، وعادَت من جديد … كانوا يتحركون في حذر، وكان أكثرهم تعبًا هو «بو عمير»؛ فقد كان يحتضن الحقيبة الهامة، ويخشى أن يصطدم بها في إحدى الأشجار، حتى إنه فكر لحظة، ثم قال ﻟ «أحمد»: إن الحقيبة تحدُّ من حركتي، ولو أننا اشتبكنا معهم فسوف تمثِّل مشكلةً بالنسبة لي. أقترح أن ندفنها في مكان حتى تكون حركتي أسرع، وحتى لا نفقدَها في أي لحظة.
فكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: لا بأس، ويمكن أن ندفنها هنا تحت هذه الشجرة، ونحن نحدد مكانها بواسطة البوصلة، فلا نفقد أثرها أبدًا.
وبسرعة اشترك الثلاثة … «أحمد» و«بو عمير» و«باسم» في حفر حفرة تتَّسع للحقيبة، وقبل أن يضعها «بو عمير» فيها، دوَّى طلقٌ ناري أضاء الليل لبرهة سريعة. كان الطلق قد مرَّ في منطقة قريبة من مكانهم، فقال «أحمد» بسرعة: يبدو أن مجموعةً أخرى قريبةٌ منَّا!
همس «باسم»: أخشى أن يكونوا قد رصدوا مكاننا، وهذا يمكن أن يكشف مكان الحقيبة.
قال «بو عمير»: إذن ينبغي أن نغيِّر المكان.
وبسرعة تحرَّكوا من مكانهم إلى عمق الغابة … وبعد حوالي مائتي متر توقَّفوا وبدءوا الحفر من جديد وبسرعة. كانت الحقيبة الهامة قد استقرت في باطن الأرض. في نفس الوقت كان «أحمد» قد سجَّل مكانها على شاشة البوصلة، ونقل التسجيل إلى ذاكرة البوصلة حتى لا يضيعَ … في نفس اللحظة سجل جهاز الاستقبال رسالة من «فهد» تقول: «إنهم يتقدمون منَّا كثيرًا، ويبدو أننا سوف نضطرُّ إلى الاشتباك معهم.»
نقل «أحمد» الرسالة إلى «بو عمير» و«باسم» … فقال «باسم» بسرعة: ينبغي الإسراع إليهم!
فكَّر «أحمد» لحظة، قبل أن يقول: نعم، ينبغي ذلك.
كان «أحمد» يفكر في طريقة أخرى؛ فقد كان يرى أن يشتبك مع المجموعة القريبة، وبذلك يبتعد الآخرون عن المنطقة التي تقف فيها المجموعة الأخرى. وليكن هذا صدًّا عنيفًا معهم؛ لكنه وافق على رأي «باسم»؛ ولذلك تحرَّك بسرعة ومعه «بو عمير» و«باسم» في اتجاه منطقة «فهد» …
قال «بو عمير»: إنني أتحرك بحرية الآن؛ فقد كانت الحقيبة تمثِّل لي مشكلة.
في نفس الوقت أرسل «أحمد» رسالة إلى «فهد» يقول فيها: «إنه في الطريق هو و«بو عمير» و«باسم».» كانت حركتهم سريعة جدًّا؛ ولذلك لم يستطيعوا كشفَ كلِّ الاتجاهات؛ فقد كان هدفهم الوصول بسرعة إلى «فهد» ومجموعته.
لكن ما حدث كان مفاجأة حقيقية لم يتوقعوها … ففجأة اصطدم «أحمد» برجلٍ، حتى إن الرجل صاح؛ فقد كانت الصدمة مفاجئة له هو الآخر، إلا أن «أحمد» تدارك الموقف، فأسرع وضربَه ضربةً جعلَت الرجل يتراجع بسرعة ويصطدم بساق شجرة، ثم يسقط بلا حَراك، إلا أن صرخة الرجل الأولى كانت كافية ليظهر الباقون … ولأن الليل كان كثيفًا فإن استخدام المسدسات لم يكن ذا فائدة. كذلك كان من الضروري أن يبحث أيُّ واحد عن الآخر حتى يشتبكَ معه.
كانت هذه أفكار «أحمد»، أمَّا أفكار العصابة فقد اختلفت تمامًا؛ فحين صاح زميلهم وجَّهوا مسدساتهم في اتجاه مصدر الصوت، وبدأت الطلقات … إلا أن الشياطين كانوا حذرين تمامًا … فقد اختفى كلٌّ منهم خلف ساق شجرة.
في نفس الوقت كان ضوء طلقات الرصاص يحدِّد مكان أفراد العصابة … اصطدمَت طلقةٌ بالساق التي يختفي خلفها «أحمد»، فقال في نفسه: يبدو أنهم حدَّدوا مكاننا بالضبط!
انبطح «أحمد» على الأرض وزحف مبتعدًا عن ساق الشجرة. في نفس الوقت كانت الطلقات لا تزال تدوِّي … أخذ يبتعد حتى أصبح في مأمن.
حدَّد اتجاه مصدر الضوء من خلال فوهة المسدس، ثم زحف في اتجاه أحد أفراد العصابة، وبهدوء شديد أخذ يقترب في نفس اللحظة التي كان الآخر لا زال مستمرًّا في إطلاق الرصاص. وعندما أصبح قريبًا منه بما يكفي، مدَّ يده ولمس ذراع الرجل، فقال: إنهم هناك في نفس الاتجاه الذي نُطلق عليه النار، استمر في إطلاق الرصاص.
ابتسم «أحمد» في الظلام؛ فقد فَهِم أن الرجل لم يعرفه … وقبل أن يُكمل الرجل كلمة أخرى كانت يد «أحمد» قد ارتفعَت لتضربَه بقوة، جعلَته يصطدم بالأرض. في نفس اللحظة كان المسدس قد أصبح في يد «أحمد» … فجأة، سمع دقات يعرفها، وفَهِم منها أن «بو عمير» و«باسم» قد تحرَّكَا معه في نفس الوقت، وأنهم قد قضَوا على اثنين. ابتسم مرة أخرى، وقال في نفسه: إنهم شياطين حقًّا.
جاء صوت يقول: «بوب» … لماذا توقَّفْتَ عن إطلاق الرصاص؟
ابتسم «أحمد»، وقال في نفسه: لا بد أن أحدَ الذين انتهَوا اسمه «بوب» … زحف في اتجاه الصوت الذي قال مرة أخرى: لماذا توقفتم «جيم»، «براند»؟ لماذا توقفتما أنتما الآخران؟
غير أن أحدًا لم يردَّ عليه، فقال بصوت مملوء بالخوف: لماذا لا تردون «بوب»، «جيم»، «براند»؟ ماذا حدث؟
أخذ صوته يرتفع أكثر فأكثر، لكنه فجأةً صمت إلى الأبد؛ فقد كان «أحمد» هو الذي ردَّ عليه بضربة قوية أفقدَته وعْيَه تمامًا. انتظر «أحمد» قليلًا، وعندما لم يصدر صوت آخر عرف أنهم كانوا أربعة فقط.
همس «أحمد»: «بو عمير» و«باسم» … أين أنتما؟
ردَّ «بو عمير»: إنني هنا، ويبدو أنه لم يَعُد أحد هناك!
ثم جاء صوت «باسم» يقول: لقد انتهينا من نصف المجموعة. علينا أن نُسرعَ إلى «فهد»!
ولم يكَدْ ينتهي من كلامه حتى دوَّت طلقات الرصاص في الجانب الآخر بعد صمتها الطويل.
فقال «بو عمير»: يبدو أن المعركة الأخرى بدأت!
أسرعَت المجموعة في اتجاه «فهد»، إلا أن الرسالة التي وصلَت جعلَت الشياطين يتوقفون.
كانت رسالة من «فهد» تقول: «نقطة اللقاء «ﻫ – ١»، لقد تركناهم يبحثون دون أن نشتبك معهم؛ فقد خدمَتنا الظروف في خدعة جيدة.»
وبسرعة اتجه «أحمد» اتجاهًا آخر، ومعه «بو عمير» و«باسم» حيث نقطة اللقاء الأخيرة «ﻫ – ١» … كان كلُّ شيء هادئًا في هذه اللحظة، إلا من صوت طلقات الرصاص هناك. وكانت المعركة الهادئة التي حققها الشياطين قد أعطَتهم نوعًا من الانتعاش، بجوار انتعاش الطقس داخل الغابة.
قال «بو عمير»: هل نأخذ الحقيبة معنا أم نتركها؟
ردَّ «أحمد»: إن الحقيبة لا تهمُّنا الآن؛ فهي في مكان لا يستطيع أحد أن يصل إليه.
صمت لحظة، ثم قال: إن المهم الآن أن ننتهيَ من صراعاتنا، أمَّا الحقيبة فسوف نعود إليها فيما بعد.
تقدَّموا بخطوات سريعة … لكن ما حدث جعلهم يتجمَّدون في أماكنهم من الدهشة، ولم يكونوا يتوقعون ذلك أبدًا.