معركة في الظلام!
«تقول الرسالة الشفرية: إن عصابة «اليد السوداء» قد انتشرت حول الغابة، وإن التعليمات لديها أن تحصل على الحقيبة الهامة.»
عندما قرأ «أحمد» الرسالة استغرق في التفكير لحظة قبل أن ينقلها إلى «بو عمير» و«باسم» … أخيرًا همس يقول: هذا يعني أننا نقف ضد عصابتَين معًا … هما عصابة «سادة العالم»، وعصابة «اليد السوداء».
ردَّ «بو عمير»: إن ما حدث في المطار يؤكد ذلك؛ فقد تخلَّصت عصابة «اليد السوداء» من «فرانك» وهو تابع لعصابة «سادة العالم».
ردَّ «باسم»: هذا يعني أننا ندخل معركة مزدوجة مع العصابتَين!
بسرعة أرسل «أحمد» رسالة إلى «فهد» يشرح له فيها الموقف، وفي نهاية الرسالة قال: ينبغي أن نلتقيَ بسرعة؛ فقد تغيَّر الموقف، ولا بد أن تتغير خطتُنا.
مرت دقيقة، ثم جاء رد «فهد»: إذن، فليكن لقاؤنا قبل النقطة «ﻫ – ١» بشرطتين.
وما إن وصلَت رسالة «فهد» حتى أسرع «أحمد» و«بو عمير» و«باسم» إلى نقطة اللقاء الجديدة. وكان على مجموعة «أحمد» أن تقطع الطريق الذي يمرُّ من وسط الغابة، وهو طريق مكشوف، ويمكن أن يكون مُراقَبًا؛ ولذلك فعندما وصلَت المجموعة إليه توقَّف «أحمد» لحظة … كان الهدوء الذي يلفُّ الغابةَ كلَّها يُنذر بالخطر، فكيف تكون عصابة «سادة العالم» داخل الغابة، وعصابة «اليد السوداء» خارجها، ولا يكون هناك أي صوت؟! من المؤكد أن كل عصابة ترسم خطتها، وأنها تنتظر العصابة الأخرى، ولو أنهم قطعوا الطريق المكشوف ووقعَت أعين إحدى العصابتَين عليهم، فإن ذلك سوف يُعرِّضهم لموقف صعب؛ فقد تظن عصابة «سادة العالم» أنهم تابعون لعصابة «اليد السوداء»، وقد تظن الأخرى أنهم تابعون ﻟ «سادة العالم»، وقد تشترك العصابتان في اصطيادهم؛ لذلك لم يغامر «أحمد» بالمرور، لكنه فكَّر قليلًا، ثم عرض اقتراحًا: هل يمرون تحت ستار من الدخان بواسطة كرات الدخان؟
لم يردَّ «بو عمير» أو «باسم» … كانت المسألة تحتاج إلى تفكير، فمن المحتمل أن يرى أحدٌ سحابةَ الدخان، ويكون ذلك دليلًا يكشف وجودَهم مرة أخرى!
مرَّت لحظة … ثم قال «باسم»: أقترح أن أزحف إلى الجانب الآخر … في نفس الوقت الذي تراقبون فيه الطريق … إن الظلام كثيف، وهذا يعطيني فرصة المرور.
مرة أخرى، لم يردَّ أحد … كانت المسألة صعبة؛ فإذا اكتشف أحدٌ وجودَهم، فإن ذلك سوف يفتح عليهم صراعًا بلا نهاية. غير أن «أحمد» قال: سوف نحقِّق الفكرتَين معًا … سوف نُطلق كرات الدخان، ونقوم بالزحف في نفس الوقت.
فجأة قال «بو عمير»: إننا نستطيع أن نقوم بعملية تمويه لا تلفت النظر … وكأننا نأخذ بعض أغصان الأشجار ونمرُّ بها بين الأشجار؛ وبذلك لا نلفت نظرَ أحد.
وكانت الفكرة جيدة … وبسرعة أخذ الشياطين ينفِّذونها … أخرج كلٌّ منهم خنجرَه وبدأ يقطع في هدوء أحدَ أغصان الأشجار، ثم أمسك به وزحف يقطع الطريق. كان الثلاثة يبدون وكأنهم أشجار تُحرِّكها الرياح، وفي أقل من ثلاث دقائق كانوا قد انتقلوا إلى الجانب الآخر من الغابة، وبسرعة تحرَّكوا، إلا أن حركتَهم لم تستمرَّ؛ فقد جاءت رسالة من «فهد» تقول: «إن عصابة «سادة العالم» تكاد تسدُّ الطريق أمامهم، وهناك تحركات كثيرة من الجانب الذي يقفون فيه …»
نقل «أحمد» الرسالة إلى «بو عمير» و«باسم» الذي قال: إنَّ ذلك يحتاج إلى القيام بعملية أخرى حتى تستطيع مجموعة «فهد» الخروجَ من منطقتهم.
تساءل «أحمد»: إذن ماذا تقترح أن نفعل؟
ردَّ «باسم»: أن نهاجم أحد جوانب العصابة، فنلفت نظرهم بعيدًا حتى تمرَّ المجموعة.
قال «بو عمير»: إنها فكرة طيبة، وإن كانت جريئة تمامًا؛ فقد تكون هي بداية الصدام ونكشف أنفسنا.
فكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: ينبغي أن نعرف وضْعَ العصابة تمامًا حتى نستطيعَ أن ننفذ فكرةَ «باسم»، وهي فكرة جيدة.
سكت «أحمد» قليلًا ثم قال: سوف أُرسل رسالة شفرية إلى «فهد» إذا كان يستطيع أن يحدِّد لنا موقع العصابة.
وبسرعة أرسل رسالة شفرية … كانت الرسالة تطلب تحديد مواقع أفراد العصابة بطريقة جهاز الكشف بالأشعة … مرت ربع ساعة، ثم جاء ردُّ «فهد»: إن العصابة تُحيط بنا تمامًا، والخروج بالنسبة لنا صعبٌ للغاية!
فكَّر «أحمد»: إن العصابة تقف إذن على شكل دائرة، وهذا يعني أنها إذا أطلقت النار فسوف تُصيب بعضها البعض؛ لأن بعض أفرادها يواجه البعض الآخر، وهذا ترتيب يُفيد موقفنا تمامًا.
عرَض فكرتَه على «بو عمير» و«باسم» … فقال «بو عمير»: إنَّ ذلك سوف يجعل «فهد» و«رشيد» و«مصباح» في مرمى النيران، التي سوف تخرج من جميع الجهات، ولا أظن أن العصابة لا تُدرك اتجاهاتها، فكيف يمكن أن تُطلق النار على نفسها؟!
أضاف «باسم»: ولماذا لا تقول إن أعضاء العصابتَين يقفون أمام بعضهم؟ وفي هذه الحالة يمكن الإيقاع بينهم، وتدور معركة لا نكون نحن طرفًا فيها.
مرت دقائق قبل أن يقول «أحمد»: إنها إذن مسألة شائكة، ومن الخطر أن نبدأ في التعامل معها.
فجأة قال «أحمد»: لماذا لا نستخدم الغازات المخدرة، إننا نستطيع أن نفتح بها ممرًّا يمرُّ فيه «فهد» و«رشيد» و«مصباح»؛ فعن طريق تحديد أماكنهم يمكن أن تفعل الغازات المخدرة مفعولها.
بسرعة أرسل إلى «فهد» رسالة بهذا المعنى، فجاءه الردُّ بسرعة: إنها فكرة طيبة سوف نُنفذها … فقط نحتاج إلى أن تكونوا يقظين تمامًا، فتغطوا انسحابنا إذا حدث شيء.
فجأة جاء الحلُّ … بدأت رياح خفيفة تهبُّ، فقال باسم: هذه فرصتنا إذا اشتدت الرياح، فإن الحركة سوف تكون هادئة وسهلة؛ لأن حركة الأغصان سوف تكون كثيرة، ويمكن أن ننفذ نفس الطريقة التي قطعنا بها الطريق!
أخذت الرياح تشتدُّ أكثر فأكثر، وبدأ صوتُ حفيفِ الأغصان وكأنه فرقة موسيقية تقدِّم عملًا عنيفًا، تمايلَت الأشجار، فأرسل «أحمد» رسالة إلى «فهد» يشرح له فيها طريقةَ الخروج من هذه المصيدة.
فجأة بَرَقت السماء، وتردَّد صوت الرعد، وكأن كارثة سوف تهبط، فقال «بو عمير»: إن ما يحدث الآن في مصلحتنا تمامًا!
ولم تمضِ دقائق، حتى كانت السماء قد فتحَت أبوابها، وانهمر المطر بغزارة غير عادية …
قال «أحمد»: ينبغي أن ننسحب الآن إلى أطراف الغابة، وأن نُعيدَ تحديد النقطة التي نلتقي فيها!
أرسل رسالة إلى «فهد» يحدِّد له النقطة الجديدة، ويقول: إن هذه العاصفة فرصة للخروج من الغابة نهائيًّا، والاتجاه إلى حيث تقف السيارتان. وبعد قليلٍ كان «فهد» يردُّ: نعم إنها فرصة واللقاء هناك.
أسرعَت مجموعة «أحمد» في اتجاه السيارتَين. وقال «بو عمير»: هل نستطيع الحركة في هذا الجو العاصف؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: نعم … فالسيارة مجهَّزة لأي طقس.
كانت حركتهم صعبة؛ فقد كانت مياه الأمطار تنزل عليهم من فوق الأشجار، وكأنها خراطيم المياه. في نفس الوقت كانت قوة الرياح تدفعهم إلى الأمام، حتى إنهم لم يستطيعوا التحكُّمَ في خطواتهم؛ ولذلك فلم يكونوا يفعلون شيئًا سوى محاولة عدم الاصطدام بالأشجار.
انقضَت نصف ساعة، ولمعَت فجأةً أضواءُ البرق، فرأوا نهاية الطريق … همس «باسم»: لقد وصلنا.
لكن الضوء التالي الذي حدث جعلهم يتجمدون في أماكنهم … لقد تردَّدت عدة طلقات في نفس المكان الذي تقف فيه السيارتان. نظر «أحمد» بسرعة إلى «بو عمير» و«باسم»، وقال: يبدو أن أحدًا قد احتلَّ السيارتَين.
فكَّر بسرعة، ثم أرسل رسالة سريعة إلى «فهد» يشرح له فيها ما حدث، وبسرعة جاءه ردُّ «فهد»: سوف ندور حول المكان، وأُخبركم بما نرى.
توقَّفت مجموعة «أحمد» في انتظار رسالة «فهد» … في نفس اللحظة كان «أحمد» يفكر: ماذا هناك؟ وكيف استطاع أحدهم أن يعثر على السيارتَين المختلفتَين في منطقة لا يصل إليها أحد؟
فجأةً، جاءَت رسالة «فهد»: «عليكم التقدم ببطءٍ … ينبغي أن نبدأ اشتباكًا … ساعة الاشتباك «٢».»
تحرَّكت المجموعة في هدوء … أخرج «أحمد» جهاز الكشف بالأشعة … ضغط زرًّا في الجهاز، فانطلقَت أشعة غير مرئية في اتجاه السيارتَين، ثم ارتدَّت بسرعة وسجَّل الجهاز المسافة. قرأها «أحمد»، وقال: إنهم يبعدون عنَّا مسافة ٥٠٠ متر فقط.
قال «بو عمير»: إذن من الضروري أن نستمرَّ، وأن نبدأ معهم اشتباكًا بتوقيت «فهد».
تحرَّكت المجموعة … وكانت حركتُها تبعًا للبوصلة التي يحملها «أحمد»، والتي تُحدِّد لهم الاتجاه وسط هذا الظلام … لكن فجأةً قال «باسم»: أنا عندي اقتراح!
بدأ «باسم» في شرح اقتراحه. وما إن انتهى منه حتى قال «أحمد»: إنه اقتراح جيد.
سكت لحظة … ثم أضاف: هل يمكن أن أقوم بتنفيذه؟
ابتسم «باسم» وردَّ: لا بأس، المهم أن ننفذه!
أرسل «أحمد» رسالة إلى «فهد» يشرح له الخطوة القادمة، وهي تحتاج إلى أن يتقدموا إلى مكان السيارتين، وينتظروا حتى تبدأ إشارة «أحمد».
وجار ردُّ «فهد»: إنها فكرة جيدة، ونحن في انتظار الإشارة!
بسرعة كان «أحمد» يتسلَّق إحدى الأشجار، ورغم أن الرياح كانت قوية إلا أن ذلك ساعدَه على أن يستطيع الانتقال من فرع إلى فرع؛ فقد كانت الرياح بحركتها تجعل الأفرع قريبة من بعضها … قفز من فرع إلى فرع، ومن شجرة إلى شجرة …
فجأةً، لمع البرق، وشاهد «أحمد» في نظرة خاطفة أربعةً من الرجال يقفون بجوار السيارتين، وقد أمسك كلٌّ منهم مسدسَه. ابتسم ابتسامة عريضة، وقال في نفسه: إنها لحظة جيدة، فسوف أنقضُّ عليكم من فوق الأشجار، وكأنني صاعقةٌ لا تعرفون من أين جاءت؟!
أرسل «أحمد» رسالةً إلى فهد، وإلى «بو عمير» يحدِّد فيها لحظة الاشتباك … انتظر لحظة … كان يجلس فوق شجرة فوق رءوسهم تمامًا. وكان الأربعة يقفون متجاورين وكأنهم يخشَون البرد؛ مع أنهم كانوا يلبسون ملابس ثقيلة … مرَّت لحظة، ثم أرسل الإشارة … وفي لمح البصر … كان قد قفز فوق الأربعة، وأثناء هبوطه ضرب اثنين منهما. في نفس اللحظة كانت يداه قد تحرَّكتَا كالصاروخ في اتجاه الآخرين؛ ولأن الحركة كانت مفاجئة لهم؛ فقد سقطوا جميعًا على الأرض، وقبل أن يُفيقوا من المفاجأة، كان بقية الشياطين قد اشتبكوا معهم … ضرب «فهد» أقربَهم إليه ضربةً قوية أطارَت مسدسه من يده … في نفس الوقت الذي اشتبك فيه «باسم» و«بو عمير» و«رشيد» مع ثلاثة منهم، وفي أقل من دقيقتين، كان الرجال الأربعة بلا حَراك.
وبسرعة قفز الشياطين في السيارتين، لكن لم تكن هذه هي الخطوة الأولى في الخروج من الغابة؛ فقد كانت أمامهم مفاجأة أخرى، ولم تكن الخطوة إلا البداية في معاركَ جديدةٍ.