عندما تحوَّل … الليل إلى نهار!
كانت السيارة الأولى تضمُّ «أحمد» و«فهد» و«مصباح»، والثانية تضم «رشيد» و«بو عمير» و«باسم» … أدار «فهد» موتور سيارته، ثم بدأ التحرك، لكن سيارة «رشيد» لم تتحرك من مكانها. توقَّف «فهد» وانتظر، لكن السيارة الأخرى كانت لا تزال في مكانها.
قال «مصباح»: يبدو أنَّ سيارة المجموعة الثانية قد أُصيبَت بعطل ما.
بسرعة قفز «أحمد» من السيارة وأسرع يجري إلى السيارة الأخرى. كان «رشيد» لا يزال يحاول … سأل «أحمد»: ماذا هناك؟
ردَّ «رشيد»: لا أدري!
أسرع «أحمد» إلى موتور السيارة وكشف غطاءَها … مدَّ يده، وثبَّت أحدَ الأسلاك، ثم قال ﻟ «رشيد»: أَدِرِ الموتور.
أدار «رشيد» الموتور بسرعة؛ فقد فكَّر في شيء ما … نزل إلى حيث يقف «أحمد»، ونزل معه «بو عمير» و«باسم».
قال «أحمد»: هذه خدعة مقصودة؛ فموتور السيارة لا يُصدِر هذا الصوتَ المرتفع …
سكت لحظة ثم أضاف: ينبغي أن نكون حذرين؛ فمن الضروري أن يكون أحدُهم قريبًا منَّا الآن.
كان الشياطين فعلًا يدورون بأعينهم خشيةَ أن يحدث شيء، لكن الظلام كان كثيفًا بدرجة كبيرة. في نفس الوقت كانت الأمطار لا تزال تسقط بغزارة … كانوا يفكِّرون: ما الذي يجعل السيارة تُصدر هذا الصوت؟ وهل يتركونها؟
لكن أحدًا منهم لم يطرح الاقتراح الأخير؛ فسيارات الشياطين مجهزة بطريقة خاصة.
قطع «بو عمير» الصمتَ قائلًا: أعتقد أنَّنا نستطيع التغلب على مشكلة الصوت هذه؛ فهي لا تعدو أن يكون هناك ما يعوق خروج العادم من شكمان السيارة!
وبسرعة ذهب إلى مؤخرة السيارة — وكما توقَّع تمامًا — كانت هناك قطعة خشبية رقيقة موضوعة بطريقة معينة، ويمكن أن تتسبَّب في إصدار هذا الصوت … نزع القطعة الخشبية، ثم همس: أَدِرِ السيارة.
أسرع «رشيد» بإدارة الموتور، فلم يصدر الصوت، لكن ما حدث كان كافيًا ليُعطيَ إشارة لأحد ما تمامًا كما توقَّع «أحمد»؛ ولذلك ما إن تحرَّك «أحمد» إلى سيارته التي تقف بعيدة بعضَ الشيء حتى انقضَّ عليه أحدُهم وكمَّم فمه. لم يكن يظهر شيء في الليل، ولم يكن «أحمد» يستطيع أن يناديَ أحدًا؛ فقد كانت يدُ المجهول قوية بدرجة كادت تخنقه، إلا أنه ضغط زرًّا في جهاز الإرسال في جيبه، فأعطى إشارة حمراء في السيارة الأمامية، وكانت هذه الإشارة تعني أنَّ أحد الشياطين في خطرٍ.
لم يشعر «أحمد» بشيء بعد أن ضغط الزر؛ فقد هوى شيءٌ ثقيل فوق رأسه، جعل الدنيا تدور به، ثم سقط على الأرض تحت المطر. لكن «فهد» و«مصباح» كانَا قد نزلَا بسرعة، واتجهَا إلى حيث سقط «أحمد». كان لا يزال غائبًا عن وَعْيِه … نظرَا حولهما، لكن لم يكن يوجد شيء هناك. أعطى «فهد» إشارة سريعة للسيارة الأخرى التي كانت قد اقتربَت، وبسرعة نزل الشياطين وانضموا إلى «فهد» و«مصباح». وقف الجميع ينظرون حولهم … كان السؤال: ما الذي حدث؟ وكيف سقط «أحمد»؟ وهل سقط وحدَه أم أن هناك مَن هاجمه في غفلة؟ … غير أنه لم تكن هناك إجابة.
همس «بو عمير»: لا أظن أن «أحمد» قد سقط وحده … من الضروري أن يكون هنا أحد.
أكَّد «رشيد» ما قاله «بو عمير» عندما أضاف: إن حكاية صوت السيارة تعني أن هناك أحدًا في هذا الظلام الكثيف.
فجأة … تحوَّل المكان إلى غابة من الرجال، وكأنهم قد خرجوا من تحت الأرض، رأى الشياطين ذلك فجأة ثم اختفَت ملامح الأشياء.
كان كلٌّ منهم يحمل بطارية صغيرة … أضاءوا البطاريات فجأةً في أعين الشياطين، فلم يروهم سوى لحظة سريعة … رأوا دائرة من المصابيح الصغيرة وكأنها تلتفُّ حولهم.
في نفس اللحظة، وبسرعة كان «فهد» قد فكَّر وتصرَّف … ألقى عددًا من كرات الدخان، وعندما أخذ الشياطين يستعيدون أنفسهم ويستطيعون رؤية الأشياء، كان الدخان قد انتشر بسرعة حتى غطَّاهم تمامًا. في نفس الوقت كان الرجال قد أخذوا يسعلون بشدة، وكانت هذه فرصة للشياطين؛ فقد أسرعوا يكيلون لهم الضربات حتى قضَوا عليهم.
جرى «رشيد» في اتجاه «أحمد» … كان قد بدأ يُفيق بتأثير المطر، وعندما فتح عينَيه رأى «رشيد»، فسأل: ماذا حدث؟
ردَّ «رشيد» بسرعة: هيَّا بنا الآن … يبدو أننا قد وقعنا في كمين.
قفز «أحمد» بسرعة، واتجهت كلُّ مجموعة إلى سيارتها، ثم انطلقوا … كانت السيارتان مطفأتَين؛ غير أنهما كانتَا تتحركان تبعًا لرادار مثبَّت في كلٍّ منهما. فجأة شاهد «أحمد» حركة على شاشة الرادار، فقال: هناك حركة أمامنا.
ضغط زرًّا في تابلوه السيارة، فانطلق شعاع، ثم ظهر رقم، قال «أحمد»: إنهم يبعدون عنَّا بمسافة كيلومتر فقط!
قال «فهد»: ليس أمامنا إلا أن نَصِل إليهم؛ فنحن لا نستطيع أن نمشيَ بين الأشجار، ولا بد لنا من الالتزام بالطريق الرئيسي.
ردَّ «مصباح»: لا بأس.
ظل «فهد» متقدمًا في نفس الوقت الذي أرسل فيه رسالةً إلى «رشيد» يُخبره بما سجَّلَته شاشة الرادار. كان المطر لا يزال ينهمر بشدة، فقال «أحمد»: إنَّ المطر يُساعدنا تمامًا؛ فلولاه لكانت المعارك قد امتدَّت بلا حدود.
فجأةً سجل جهاز الاستقبال في السيارة رسالة شفرية … أخذ «أحمد» يتابعها … كانت غريبة الرموز … ظل يتابعها حتى انتهَت. وكانت رسالة طويلة إلى حدٍّ ما، مما جعل «أحمد» يُسرع في إرسالها إلى المقر السري، حيث يوجد جهازُ حلِّ الشفرة الإلكتروني … مضَت دقائق، ثم جاء الرد يقول: سوف تتأخر ترجمة الرسالة؛ فهي من نوع غريب تمامًا … ما الموقف عندكم؟
ردَّ «أحمد» برسالة: «من ش ١٣ إلى رقم «صفر» … الحركة عادية؛ وإن كانت التوقعات تُشير إلى معارك عنيفة.»
ردَّ رقم «صفر»: «من «م. س» إلى «ش ١٣»: الحقيبة التي معكم تحمل أسرارًا هامة عن سلاح كيماوي جديد … ما هو مصير الحقيبة؟»
ردَّ «أحمد»: «من «ش ١٣» إلى «م. س»: كل شيء على ما يُرام، ولا يستطيع الأسد الوصول إلى الفريسة.»
جاءت رسالة: «من «م. س» إلى «ش. ١٣» … أتمنى لكم التوفيق!»
قال «أحمد» وهو ينظر إلى «فهد»: يبدو أن العصابات قد غيَّرت شفرتها!
ردَّ «مصباح»: لا بأس؛ فجهاز حل الشفرة في المقر السري لن يعجز عن حلِّها مهما كانت معقَّدة.
فجأة لمع ضوءٌ قويٌّ في مواجهة سيارة الشياطين جعلهم يُغمضون أعينهم، في نفس اللحظة التي قال فيها «أحمد»: المرآة العاكسة.
ضغط «فهد» جهازًا في أرضية السيارة، فارتدَّ الضوء في الحال؛ فقد خرجت مرآة عاكسة من باطن السيارة إلى مقدمتها، فعكست الضوء إلى مصدره. ورأى الشياطين جهازًا ضخمًا هو الذي يُرسل هذه الأشعة الضوئية. في نفس الوقت شاهدوا عددًا من الرجال وعددًا من السيارات يسدون الطريق. ضغط «فهد» قدمَ البنزين؛ فارتفعت سرعةُ السيارة تمامًا. ولم يكن أمام الرجال إلا أن يُفسحوا الطريق، خصوصًا وأنهم لا يستطيعون رؤيةَ السيارة جيدًا بسبب انعكاس الضوء عليهم، غير أن الجهاز الضخم الذي يُرسل الضوء كان يسدُّ الطريق. بسرعةٍ فكر «أحمد»: يجب تفجير هذا الجهاز … صحيح أن تفجيره سوف يُصدر صوتًا هائلًا؛ لكن هذه هي الطريقة الوحيدة.
وبسرعة ضغط قدمًا في أسفل السيارة، فانطلق تيار كهربائي واصطدم بالجهاز، وما هي إلا لحظة حتى دوَّى انفجار رهيب هزَّ الغابة، وكان للانفجار ضوءٌ هائل كشَف كلَّ شيء، وكأن الغابة تسبح في ضوء النهار. ولم يستغرق ذلك وقتًا؛ ففي أقل من عشر دقائق كان الجهاز الضخم قد تلاشى وتحوَّل إلى كومة صغيرة من الرماد … كاد المطر أن يُخفيَها تمامًا. وكان «فهد» قد تجاوز المكان بسيارته وخلفه «رشيد» بالسيارة الأخرى، وقبل أن يُفيقَ الرجال من دهشتهم لما حدث، كان الظلام قد ابتلع سيارتَي الشياطين.
قال «فهد»: ماذا حدث؟
ابتسم «أحمد»، وقال: لعل ضخامة الجهاز قد أفزعَتك!
ردَّ «فهد»: نعم، إنه كان ضخمًا بطريقة مخيفة، فكيف تحوَّل إلى رماد بهذه السرعة؟!
قال «أحمد»: هذه كلها مواد صناعية من البلاستيك والقماش وغيرها، وهي عندما تتعرض لتيار كهربائي تتلاشى تمامًا، كما رأيت.
علق «مصباح»: صدِّقني، إنها مسألة أغرب من الخيال!
في نفس اللحظة، جاءت رسالة من «رشيد» يهنِّئ فيها «أحمد» على هذه المغامرة السريعة الناجحة. لكن رسالة «رشيد» لم تكن سوى نقطة في نهاية مغامرة واحدة؛ فقد جاءت رسالة شفرية استقبلها «أحمد» … كانت:
من م. س إلى ش ١٣
«حدث اتفاق بين عصابة سادة العالم وعصابة «اليد السوداء» لإنقاذ المعلومات السرية … هناك هجوم مع أول ضوء في الفجر … عليكم أن تنتهوا قبل هذا الموعد، نحن في انتظارِ أيِّ إشارة منكم!»
ترجم «أحمد» الرسالة ونقلها إلى «فهد» و«مصباح»، ثم أرسلها إلى «رشيد»، فعلَّق «مصباح» قائلًا: هي إذن معركة النهاية!
وقال «فهد»: لا بأس؛ فقبل ظهور ضوء الفجر سوف نكون قد ابتعدنا عن هنا!
ابتسم «أحمد» ونظر إليه قائلًا: هل تتوقع ذلك؟
ردَّ «فهد»: بلا شك، باقٍ على نهاية الطريق عشرون كيلومترًا فقط، ونحن نمشي بسرعة خمسة كيلومترات؛ أي أمامنا أربع ساعات حتى طلوع الفجر، وإذا كانت الساعة الآن منتصف الليل، فهذا يعني أننا سوف نكون خارج الغابة عند بداية الهجوم.
مرة أخرى ابتسم «أحمد» وقال: هذا إذا كان الطريق مفروشًا بالورد.
ثم ضحك قائلًا: إنه مفروش بالمعارك كما ترى!
وكانت هذه الجملة بداية معركة جديدة، جعلَت «فهد» يضحك معلِّقًا: إن الورد بالنسبة لنا هو معاركنا!
فضحك «أحمد» و«مصباح»، بينما كانت طلقات الرصاص تصطدم بجوانب السيارة، فترتد منها دون أن تُصيبَها؛ لأنها ضد الرصاص، لكن ذلك لم يكن يعني أن المغامرة انتهت.