المعركة الأخيرة بالكلام!
نظر «فهد» إلى «أحمد»، وسأل: هل نستمر؟
فكر «أحمد» بسرعة، ثم قال: من الخطورة أن نستمرَّ، إنَّ هذا يعني دَفْعهم للتفكير في طريقة أخرى أكثر عنفًا، ربما تكون تفجير السيارتين.
سكت لحظة، ثم أضاف: ينبغي أن نتوقَّف قليلًا؛ فإن ذلك قد يُعطيهم بعضَ الأمل في اصطيادنا.
أرسل رسالة إلى «رشيد»، بينما كان «فهد» يوقف السيارة في منتصف الطريق. كان «أحمد» يفكر بسرعة: ما الذي يمكن عمله الآن؟ وإذا كانت عصابة «سادة العالم» و«عصابة اليد السوداء» قد اتفقتَا معًا، فإنَّ هذا يعني أننا لن نستطيع بأيِّ حال أن نصطدمَ بهما، ولا أن ندخل في معركة معهما.
نظر «أحمد» إلى «فهد»، وقال: ماذا تقترح؟
فكر «فهد» قليلًا، غير أن «مصباح» كان أسرعَ منه في الرد: لماذا لا ننتظر حتى الصباح؟
سكت لحظة، ثم أكمل: إننا في النهار سوف نكون أكثرَ قدرة على الحركة؛ فنحن الآن نتصرف بنصف قدراتنا.
رد «أحمد»: لكنها في نفس الوقت أقوى من قدراتهم الآن؛ فما لدينا من أجهزة إلكترونية أو أجهزة حديثة فهم لا يملكون مثلها، وربما لا يعرفونها، وفي النهاية يمكن أن تقترب القُوَى.
قال «فهد»: إنني مع «مصباح»، غير أن ما أفكر فيه الآن هو: هل يمكن أن يمضيَ الليل دون هجوم منهم؟
ردَّ «أحمد»: تبعًا لترجمة الرسالة الشفرية التي ترجمها المقرُّ السري؛ فإن هجومهم سوف يكون مع بداية أول ضوء في الفجر.
تساءل «فهد» مرة أخرى: هل هذا يعني أننا لن نصطدم بهم قبل الفجر؟
لم يردَّ «أحمد» مباشرة؛ فقد كان يفكر في سؤال «فهد»، كان يقول لنفسه: صحيح، مَن يضمن أنهم لن يهاجمونا قبل الفجر؟
نظر إلى «فهد»، ثم قال: هذه تحتاج إلى مناقشة، ولا أستطيع الآن أن أقطعَ فيها برأي …
غير أنَّ خاطرًا مرَّ بذهنه بسرعة، فقال: إنني أقترح أن ننضمَّ إلى الشياطين في السيارة الخلفية، وأن نُحيطَ هذه السيارة بشحنة كهربائية؛ إذ إن وقوفنا هنا قد يدفعهم إلى مهاجمتنا، وفي هذه الحالة سوف تكون سيارتُنا نوعًا من الإنذار لنا.
قال «مصباح» متسائلًا: فإذا هاجموا السيارة الخلفية؟
ردَّ «أحمد»: عند ذلك سندخل معهم معركة بالتأكيد.
وبعد محاورات قرروا أن يُنفذوا اقتراح «أحمد» وأن ينتقلوا إلى السيارة الأخرى … نزل «أحمد» و«فهد» و«مصباح» … بسرعة ضغط «أحمد» بروازًا في مقدمة السيارة، ثم قال: الآن لا يستطيع أحدٌ الاقتراب منها؛ فهي مُكهربة تمامًا.
تحرَّكوا بسرعة … فقد كانت الأمطار لا تزال تنهمر بنفس قوتها. وعندما دخلوا السيارة الأخرى كانت هناك رسالة من رقم «صفر» … ترجمَها «رشيد»، وكانت تقول: «ما هو الموقف عندكم الآن؟»
ردَّ «أحمد» برسالة شفرية أخرى شرح فيها الموقف كاملًا … مرَّت دقائق قبل أن تأتيَ رسالةٌ أخرى من رقم «صفر» يقول فيها: «لا تتحركوا من مكانكم … كلُّ شيء سوف ينتهي!»
ابتسم «أحمد» وهو يقول: هل تنتهي مغامرتنا دون معركة؟!
قال «رشيد»: ماذا تعني؟
ردَّ «أحمد»: إنَّ ما أعنيه هو نفسه ما تعنيه رسالة الزعيم.
ولم تكن كلمات «أحمد» إلا بداية للأمنية التي تمنَّاها؛ فلم تمرَّ دقائق حتى كان ضوء قوي يُضيءُ المكانَ كلَّه. ضغط «رشيد» قدمًا في باطن السيارة، فخرجت المرآة العاكسة، وظهر الجانب الآخر. كانت هناك فرقة كاملة تتقدم في هدوء في اتجاه الشياطين، نظروا إلى بعضهم، ثم قال «أحمد» مبتسمًا: علينا باستخدام الإبر المخدرة سريعًا.
وفي لمح البصر كان الشياطين قد أخرجوا مسدساتهم وثبَّتوا فيها الإبر المخدرة. وفي إشارة واحدة انطلقَت ستُّ إبر في اتجاه فرقة العصابة. وفجأة سقط ستة منهم دون صوتٍ أو ضوء أو حركة، حتى إن الآخرين وقفوا جامدين.
مرة أخرى انطلقَت ستُّ إبر مخدرة، فأسقطت ستة آخرين … نظر «أحمد» إلى الشياطين، وقال: ينبغي أن نتحرك!
ردَّ «بو عمير»: إنَّ تعليمات رقم «صفر» …
قاطعَه «أحمد» قائلًا: إنني أعرف ماذا سيفعل رقم «صفر»، وأريد أن نساعد في التنفيذ.
تساءل «فهد»: ماذا تقترح الآن؟
ردَّ «أحمد»: سوف نغادر المكان بالسيارتَين، وبدايةً سوف نستخدم كرات الدخان … إنَّ العصابتَين أمامنا في حالة دهشة مما يحدث، وقد يفكِّرون الآن في خططٍ قد لا تخطر على بالنا … وقد تُفاجئنا؛ ولهذا ينبغي أن نُفاجئَهم نحن.
بسرعة … استعد الشياطين بكرات الدخان الصغيرة … ثبَّت كلٌّ منهم جهازًا خاصًّا على فوهة المسدس، ثم وضع فيه كرةً من كرات الدخان … وعند إشارة «أحمد» خرجَت كراتُ الدخان في اتجاه العصابة، ولم يمضِ إلا وقتٌ قليل حتى كان الدخان ينتشر بسرعة.
في نفس الوقت الذي كانت فيه مياه الأمطار تُساعد على كثافة الدخان … كان منظرًا طريفًا … المطر يسقط والضوء يغمر المكان … والدخان ينتشر، وأفراد العصابة كأنهم قد تجمَّدوا، فما يفعله الشياطين كان يملؤهم بحالة من الدهشة والاستغراب.
قال «أحمد» ﻟ «رشيد»: ينبغي أن نتحرك حتى نَصِل إلى السيارة الأمامية.
أدار «رشيد» موتور السيارة ثم تقدَّم في هدوء … وفجأةً انطلقَت مجموعةٌ من الرجال في اتجاه السيارة … كان واضحًا أنهم يريدون أن يستغلوا لحظة نزول «أحمد» و«فهد» و«مصباح».
همس «أحمد»: إنها فرصة ينبغي أن نشتبك في معركة، إن ذلك سوف يجعلهم لا يفكِّرون في خطط جديدة.
تقدَّم «رشيد» بالسيارة ببطءٍ … كان يريد أن يُعطيَهم فرصة حتى يصلوا في نفس وقت وصوله … وهذا ما حدث فعلًا … التفَّ الرجال حول السيارتَين … فتح «أحمد» البابَ المجاور له بعد أن أعطَى إشارة لبقية الشياطين … ففعلوا نفسَ الشيء … وكانت مفاجأة للرجال … فقد صدمَتهم أبواب السيارة وأوقعَتْ عددًا منهم … وكانت الفرصة سانحة … قفز الشياطين الواحد خلف الآخر إلى أفراد العصابة … ضرب «أحمد» أقرب رجل إليه … إلا أن الرجل كان قويًّا بما يكفي … فتلقَّى الضربة ثم اشتبك مع «أحمد».
في نفس الوقت كان «فهد» قد تلقَّى ضربة من أحدهم … تلقَّاها ببراعة، ثم ردَّ عليه بضربة قوية جعلتِ الرجلَ يتأرجح، وتابعَه بضربةٍ أخرى أوقعَته على الأرض، في حين كان «رشيد» قد طار في الهواء ثم ضرب اثنين منهما … فاصطدمَا معًا … كان المشهد غريبًا في هذه اللحظة؛ فالضوء الذي كان يَصِل إليهم يكاد يكون كلحظات التصوير في السينما …
كان «أحمد» قد انتهى من الرجل الذي اشتبك معه … وعندما استدار كان «مصباح» يطير في الهواء؛ فقد ضربه أحدهم ضربة قوية، ثم تبعه، إلا أن «أحمد» تلقَّاه بسرعة ودار حول نفسه دورة كاملة، ثم ضربه ضربةً أطاحَت به تمامًا …
أمَّا «بو عمير» فقد كان يُمسك غصنًا ضخمًا ويدور به، فيُطيح بكل مَن يقابله، حتى إنه كاد يصدم «أحمد»، لولا أنه قفز قفزة عالية من فوق الغصن … في حين كان «باسم» يُمسك أحدَهم ويضربه في ساق شجرة … كانت معركة رهيبة … انتهت عندما تردَّد صوت يقول: توقفوا!
فجأةً، توقَّف الرجال عن الاشتباك … ووقف الشياطين في حذرٍ مستعدِّين لأيِّ اشتباك جديد … كان «أحمد» يفكِّر مَن يكون صاحب الصوت؟
وأجاب بينه وبين نفسه: لا بد أنه أحد كبار العصابتَين!
تردد الصوت مرة أخرى: مَن أنتم؟ ولأيِّ جهة تنتمون؟
لم يردَّ أحد مباشرة … كان الشياطين يفكرون: هل يدخلون معه في مناقشة يُضيعون بها الوقت؟
مرة ثالثة قال الصوتُ: إننا يمكن أن نتفق، فمَن أنتم؟
فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم قال: نحن ننتمي إلى جماعة الزهرة القرمزية.
لم يردَّ الصوت، ولم يكن يسمع في هذه اللحظة سوى صوت المطر … فكَّر «أحمد»: هل يُرسل رسالة إلى رقم «صفر»؟ في مثل هذه الحالة يمكن ألَّا تكون في صالحهم … وضع يدَه في جيبه ليضغط جهاز الإرسال … إلا أن الصوت قال: لا داعيَ لأيِّ اشتباكٍ جديد … أرجو أن تُخرجَ يدَك من جيبك.
ابتسم «أحمد»، وقال: إنني لا أفكِّر في عمل أيِّ شيء.
لكنه كان قد ضغط زرَّ الجهاز، وكان رقم «صفر» يستطيع أن يسمع الحوار الذي يدور؛ ولذلك قال «أحمد»: ماذا تريدون؟
قال صاحب الصوت: نريد أن نتفق.
سأل «أحمد»: نتفق على ماذا؟
ردَّ الصوت: إننا من البداية كنَّا نعرفكم وأنتم ما زلتم حتى الآن تلبسون ملابس رجال الشرطة، يبدو أنكم لم تجدوا وقتًا لتغيير ثيابكم؟
سكت لحظة، ثم قال: لقد انتهى «فرانك» … وهو الذي كان يستطيع أن يتحدث إليكم.
سكت مرة أخرى ثم قال: والآن نريد أن نتفق!
سأل «أحمد» مرة أخرى: على ماذا سوف نتفق؟
ردَّ الصوت: أن تكون المعلومات لنا جميعًا.
كان رقم «صفر» يسمع الحوار الدائر بين «أحمد» وصاحب الصوت … وكان «أحمد» يعرف أن رقم «صفر» سوف يضع النهاية في اللحظة المناسبة … خصوصًا وأنه يعرف الآن تفاصيل الموقف.
لم يكن «أحمد» قد ردَّ بأيِّ جواب … فقال صاحب الصوت: إننا لم نسمع ردًّا … ومع ذلك أعرض عليكم … إمَّا أن تكونَ المعلومات لنا جميعًا … أو نشتريَ نصيبكم منها.
أخفى «أحمد» ابتسامة وهو يقول: أظن أننا لا نستطيع أن نتفق هكذا … إن المطر غزير، والمكان لا يسمح بالاتفاق.
قال الصوت: قد يكون عندك بعض الحق … وينبغي أن نتفق أولًا، ثم ندخل في التفاصيل في مكانٍ آخر.
أخفى «أحمد» ابتسامةً أخرى، ثم قال: إذن لا بأس من الاتفاق.
سكت الصوت قليلًا، ثم قال: إذن هيَّا بنا إلى المكان المناسب … إنه أمامكم تمامًا، فقط اركبوا سيارتكم.
انسحب الرجال الواقفون … وخفتَ الضوء قليلًا … كان المطر قد بدأ يتناقص … تقدَّم الشياطين إلى سيارتهم، وهمس «أحمد»: أخشى أن تكون خدعة!
ردَّ «رشيد»: لا أظن … فما حدث جعلهم يعرفون أننا نستطيع عملَ أيِّ شيء.
ركب الشياطين اﻟ «١٣» السيارتَين وتقدَّموا … كان «فهد» يقود السيارة الأمامية، وكان يمشي ببطء … فجأة جاءت رسالة من رقم «صفر» تقول: «أهنِّئكم، لقد أدرتم مغامرتكم بذكاء شديد … سوف ينتهي كلُّ شيء بعد نقطة واحدة.»
ابتسم الشياطين … فبعد ربع ساعة كان صوت سيارات الشرطة يملأ المكان … وكان واضحًا أن سيارات الشرطة تُحيط الغابة كلها … لحظة ثم جاء صوت طائرات تدور فوق الغابة … مرَّت لحظات ثم جاء صوت ميكرفون يقول: لا داعي للمقاومة … فلا فائدة!
في نفس الوقت تردَّد ضوءُ إشارة حمراء … وجاء صوت يقول: الطريق مفتوح أمام الأصدقاء.
انطلقَت سيارتَا الشياطين … وهمس «أحمد»: غدًا سوف نعود لنأخذ الحقيبة الحقيقية، ويكفيهم أنهم يملكون الحقيبة المزيفة …
وشَهِد الليلُ خروجَ الشياطين من الغابة ورسالة رقم «صفر» تقول: «إنَّ الاجتماع بعد غدٍ في العاشرة مساء.»
وضحك الشياطين.