مقدمة
ربما كان هذا الكتاب أحد مؤلَّفاتي القريبة من نفسي لسببٍ بسيط؛ أنه أول كتابٍ لي في النقد الأدبي، وقد صدر للمرة الأولى عام ١٩٦٢م، أي منذ أكثر من سبعة وعشرين عامًا.
وهناك سبب آخر لاعتزازي بهذا الكتاب؛ فقد فتح أُفقًا أمام النقَّاد والدارسين الشباب جرءوا على اقتحامه بعد طول تردُّد؛ فقد أصبحت العلاقة بين الرجل والمرأة في مقدمة العلاقات التي يبحثها النقد الأدبي في النصوص التي تناولتها من كتابات المعاصرين.
وقد كان هذا الموضوع من المحرمات، بالرغم من أنَّ الأدباء يتصدَّون له في رواياتهم وقصصهم … وبالرغم من أنه محور غنيٌّ بالتوجهات التي أَمْلَتْ على الكتَّاب مادتَهم وصاغت أشكالَها، فإننا برفقة هؤلاء الكتَّاب والكاتبات لا نزداد وعيًا فحسب بدَورهم الاجتماعي، أو بالقيمة الجمالية لأعمالهم، وإنما نتعرف تعرُّفًا حميمًا على دَور الفنون الأدبية في تجسيم القيم، خلال مرحلةٍ تاريخيةٍ من تطور أحد المجتمعات. وهو دَور يُفصح لنا عن المكبوت من «حركة» هذه القيم، ويفضح المسكوت عنه من التناقضات الخافية تحت السطح.
والعلاقة بين الرجل والمرأة عنوان كبير لإشكاليات التقدُّم والتخلُّف والتطوُّر والارتداد. والكتَّاب لا يعكسون في كتاباتهم مواقف فردية، بل يجسِّدون رؤى الفئات والشرائح والطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها، أو التي اندغمت مصالحها في أصواتهم. إننا إذن من خلال اللحظة الجمالية نستكشف لحظاتٍ أخرى لا تقلُّ سخاءً في العطاء.