تولى «رعمسيس الأول» عرش مصر إثر وفاة العاهل العظيم «حور محب» الذي لم يعقب ولدًا
يرثه على أريكة الكنانة، وقد كان انتخاب «رعمسيس الأول» لملك أمرًا تتطلبه الأحوال ونظم
الحكم التي كانت تسير عليها البلاد وقتئذ؛ إذ كانت تحكم مصر حكومة مشبعة بالروح
العسكري، وكان «حور محب» نفسه قبل كل شيء جنديًّا معروفًا؛ ولذلك انتخب خلفه ضابطًا من
ضباط الميدان يُدعى «بارعمسيس».
(١) نشأته قبل تولي الملك
وتدل الآثار على أن «بارعمسيس»
١ قد نشأ من أسرة ضباط قديمة، فقد كان والده «ستخي» أو «سيتي» يحمل لقب
رئيس الرماة، ويدل الاتصال الوثيق الذي نجده بين ملوك الرعامسة فيما بعد، وبين بلدة
«تانيس» — هذا بالإضافة إلى ما جاء على لوحة أربعمائة السنة، وما ذُكر في نقوش «بحر
نفر» أحد كبار رجال الدولة في الأسرة الرابعة — على أن هذه الأسرة تنتسب إلى بلدة
«سترت» (ستوريت) من أعمال الدلتا، كما فصلنا القول في ذلك (راجع مصر القديمة الجزء
الرابع).
هذا ونعلم أن «بارعمسيس» قد بدأ حياته بالانخراط في سلك الجندية، وأخذ منصب والده
«سيتي»، ودرج إلى منصب رئيس الرماة، ويلحظ على حسب الألقاب التي كان يحملها أنه
رُقي قائدًا لحامية قلعة «سيلة» (تل أبو صيفة الحالي فيما بعد)، ومن هنا نعلم أنه
كان موكلًا بحماية الحدود الشمالية الشرقية للدلتا. وأخيرًا، نعلم أنه وصل إلى رتبة
قائد فرسان؛ مما يدل على أنه كان محظوظًا، وأنه كان ذا علاقات حسنة مع رجال البلاط،
وقد ورث ابنه «سيتي» عنه فيما بعد وظائفه العالية، غير أننا لا نعرف في أي وقت وصل
«بارعمسيس» إلى رتبة قائد فرسان التي كانت تُعد من أعلى الرُّتب العسكرية، والمحتمل
أنه نالها في عهد الملك «آي»، ولا نزاع في أن هذه الوظيفة كانت ذات قيمة عظيمة
جدًّا، وبخاصة عندما نعلم أن «آي» قد حصل عليها قبل تولي عرش الملك في عهد كل من
«سمنخكارع»، و«توت عنخ آمون»، ولا نستبعد أنه كان عاملًا هامًّا في نجاح «حور محب»
نجاحًا أدى إلى اعتلائه العرش. وتدل شواهد الأحوال على أن مكانة «بارعمسيس» بجوار
الفرعون «حور محب» تشبه تمام الشبه مكانة «حور محب» بجوار الفرعون «آي»؛ فقد كان في
استطاعة الفرعون بمساعدته وموافقته أن ينفذ إرادته، والظاهر أن الفرعون «آي» لم
يفطن لهذه الحقائق، وغابت عن حسابه؛ ولذلك سقط من عليائه، فكان ذلك درسًا مفيدًا
لخلفه «حور محب» في سياسة الملك، فلم يتأخر أو يتردد في أن يجعل هذا القائد العظيم
خلفًا له على العرش، فمنحه لقب «ربعت»، وهو كما أسلفنا لقب
٢ يضم في غضون معانيه أن حامله هو نائب الفرعون في إدارة البلاد في
الدولة المصرية. أما وظيفة المدير العظيم للبيت الفرعوني التي كانت تُعد من أعظم
ألقاب الدولة فلم يتقلدها «بارعمسيس» كما كان يتقلدها يومًا ما «حور محب»؛ وذلك لأن
لقب «ربعت» كان يدل على أن حامله في يده كل سلطة المدير العظيم للبيت الفرعوني،
وغيرها من السلطات العظيمة في الدولة.
وعلى الرغم من ذلك كانت في حكومة البلاد وظيفة أخرى عظيمة الخطر بالنسبة للإصلاح
الجديد الذي قام به رجال الحزب العسكري، وكانوا يعدونها حربًا عليهم تحول دون
سلطانهم، وتقلل من نفوذهم، وهذه وظيفة منصب الوزير. والواقع أنه كان يوجد في البلاد
منذ منتصف الأسرة الثامنة عشرة وزيران: واحد للوجه القبلي، والآخر للوجه البحري على
وجه عام، غير أنه مما يلفت النظر أننا لم نجد لهذه الوظيفة أثرًا في عهد «توت عنخ
آمون» حتى الآن، ولا في عهد الفرعون «آي» أيضًا، وقد كان في قدرة الوزير بوصفه
الرئيس الأعلى لطائفة الموظفين أن يؤلبهم على رجال الجندية الذين كانوا يقبضون في
تلك الفترة على السلطة العليا في طول البلاد وعرضها، ولكن «حور محب» قد فطن لهذا
الموقف، وعين «بارعمسيس» الذي كان من طائفة الجنود وزيرًا على البلاد؛ وبذلك تفادى
كل خطر من ناحية الموظفين. ومن ثم نعلم أن وظيفة الوزير — إذا كانت قد ألغيت — قد
أعيدت، غير أن حاملها لم تعد له علاقة بالشعب كما كانت حال الوزير قبل عهد
«إخناتون»، وما كان له من جاه بوصفه صاحب أعظم وظيفة في الدولة وقتئذ، بل أصبح
حاملها الآن مجرَّد ضابط من ضباط الجيش يعمل لصالح طائفته.
وليس لدينا براهين بينة على مقدار ما كان للوظائف الأخرى الهامة في الدولة من
قيمة إذا ما قيست بمصير وظيفة الوزير، وقد بقي الارتباط بين وظيفة ولاية العهد
ووظيفة الوزير وثيقًا في أول عهد فراعنة الرعامسة، غير أنه كان لزامًا على ولي
العهد أن يكون قد خدم في الجيش العامل؛ ولذلك نجد أن «بارعمسيس» لما تولى العرش بعد
موت «حور محب» كان ابنه وخلفه على العرش يحمل نفس الألقاب التي كان يحملها والده
قبل توليه أريكة الملك؛ فنجد «سيتي» (ستخي) يحمل في بادئ الأمر لقب رئيس الفرسان،
ثم رُقي إلى رتبة قائد الخيالة، ثم أصبح ولي العهد ورئيس الوزارة، وكذلك نجد «سيتي»
نفسه قد نصب بدوره ابنًا له يُدعى «رعمسيس» الذي كان يحمل لقب رئيس الفرسان؛ ولي
عهده ووزيره على البلاد، غير أن الأخير قُضي دون أن يتولى العرش كما سنذكر بعد. ومع
كل ذلك نجد أن هاتين الوظيفتين قد فُصلتا في عهد «رعمسيس الثاني».
ونلحظ أنه كان يوجد فرق واحد بين الوظائف التي تقلدها «بارعمسيس»، والتي قام
بأعبائها «حور محب» في عهد الملك «آي»؛ ذلك أن «بارعمسيس» لم يكن يحمل لقب القائد
الأعلى للجيوش. ويمكن تفسير ذلك من الأحوال التي كانت تحيط بكل منهما؛ فقد كان
«بارعمسيس» — على ما يظهر — يتقلد وظيفته بوصفه وزيرًا في «طيبة»، كما يدل على ذلك
تماثيله في «الكرنك»، في حين أن وظيفة القائد الأعلى كان مقرُّها في «منف». والظاهر
أن «حور محب» كان يقطن «منف» وهو الرأي السائد، وإن لم تكن لدينا براهين قاطعة تؤكد
لنا هذا الزعم؛ وأصحاب هذا الرأي يستندون على ما جاء في نقوش تمثال «تورين» الخاص
«بحور محب»؛ إذ إنه عند تتويجه صعد في النيل نحو الأقصر. ونجد كذلك أن «حور محب» لم
ينصب في وظيفة القائد الأعلى أميرًا، كما كان المتبع، بل قلدها «أمنمأبت» الذي لم
يكن من طبقة الموظفين؛ بل كان من الضباط العاملين في الجيش، وكان يحمل قبل توليته
منصبه الجديد لقب رئيس الفرسان.
٣
وبالجملة نرى أنه قد حل محل طبقتي الموظفين والكهنة ضباط قدامى من ضباط الجيش
العامل في عهد «حور محب»، ومما لا شك فيه أننا لم نجد إلا النزر اليسير من كبار
الموظفين ورجال الكهانة؛ مما يحتم علينا فحص هذا الموضوع من جديد، على أن هذا النقص
في رجال هاتين الطبقتين له ارتباط بنقل العاصمة من «طيبة» إلى «منف»، ولكن الكشوف
الأثرية لم تسعفنا بمعلومات كافية في هذا الصدد، ومع ذلك يقص علينا «حور محب» نفسه
على تمثاله الموجود «بتورين» الآن ما يأتي:
٤ «أنه جهز المعابد بكهنة مطهرين، وكهنة مرتلين من خيرة رجال
الجيش.»
على أنه من جهة أخرى لم تصل إلينا أية معلومات عن السلطات التي كانت في يد
«بارعمسيس» بوصفه نائب الملك ووزيره، كما لا نعرف اسم الوزير الذي كان يسيطر على
الوجه البحري في عهد «حور محب»، وليس من شك في أنه كان يوجد في عهده وزيران،
٥ ومن المحتمل أن «بارعمسيس» نفسه كان مصورًا في مقصورة «حور محب» التي
نحتها في صخور السلسلة، وقد مثل هناك بوصفه حامل المروحة على يمين الفرعون بجوار
محفة الفرعون في منظر يمثل «حور محب»،
٦ وهو عائد من حروبه في بلاد النوبة.
وعلى أثر وفاة «حور محب» اعتلى بعده «بارعمسيس» عرش الملك، وسمى نفسه «رعمسيس
الأول»، غير أنه كان وقتئذ متقدمًا في السنِّ جدًّا، وقد لقَّب نفسه بالألقاب
الملكية التالية: (١) الثور القوي صاحب الملك الزاهر. (٢) الممثل للإلهتين الذي
يظهر ملكًا مثل … (٣) حور الذهبي … الخطا في الأرضين. (٤) ملك الوجه القبلي «من
بحتي رع» (شديد القوى). (٥) ابن الشمس «رعمسسو».
ومما يلفت النظر في ألقابه أنه عد نفسه المؤسس للأسرة التاسعة عشرة؛ إذ قد اتخذ
لنفسه لقبًا يشبه لقب «أحمس الأول» أول فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، لقب «أحمس
الأول»: «واز خبر رع نب بحتي أحمس.»
لقب «رعمسيس الأول»: «وازنيستيو رع من بحتي رعمسسو.»
ولدينا مثال آخر بعد هذا العهد، فقد قلد «شيشاق الأول» مؤسس الأسرة الثانية
والعشرين ألقاب الملك «نسيبا نبدادو» مؤسس الأسرة الواحدة والعشرين.
٧
(٢) أسرة رعمسيس الأول
ولقد أصبح من المؤكد الآن أن والد «رعمسيس الأول» هو «سيتي» (ستخي)، وكان يحمل
ألقابًا حربية وغير حربية (راجع مصر القديمة الجزء الرابع)، وهي الألقاب التي كان
يحملها والده من قبل.
أما والدته، فإنها على حسب ما جاء في لوحة أربعمائة السنة كانت تُدعى «تيو»،
وتلقب «ربة البيت»، وهو اللقب العادي الذي كانت تحمله كل امرأة محترمة، كما كانت
تلقب فضلًا عن ذلك مغنية «بارع» أي إله الشمس. وقد يتساءل الإنسان عما إذا كانت هذه
السيدة إحدى أتباع شيعة عباد «رع» حتى جعلها تسمي ابنها «بارعمسيس»؛ أي إنها جعلت
اسم ابنها مركبًا تركيبًا مزجيًّا مع اسم الإله «رع»، وقد صار اسم «رعمسيس» تقليدًا
يطلق على معظم ملوك هذه الأسرة.
ويدل نسبة «رعمسيس الأول» إلى أسرة من مدينة «ستريت» من أعمال الدلتا على عدم
وجود أية صلة أسرية بينه وبين «حور محب»، الذي نعلم واثقين أن مسقط رأسه هو بلدة
«حت نسوت» (راجع الجزء الخامس)، وكذلك كان الإله الذي يعبده ويُنسب إليه هو الإله
«حور» لا الإله «ست» معبود هذه الأسرة.
ومن المحتمل أن نشأة هذه الأسرة في شمالي الدلتا كان ضمن الأسباب التي أوحت لملوك
الأسرة التاسعة عشرة بتأسيس عاصمة الملك الجديدة في هذه الجهة في المكان الذي فيه
بلدة «قنتير» الحالية على أغلب الظن، والواقع أنه توجد أسباب أخرى سياسية ودينية
ذات أهمية عظمى جعلت هؤلاء الملوك يتخذون العاصمة في هذه البقعة (راجع الجزء الرابع
من مصر القديمة).
ولدينا مناظر تمثل لنا أسرة «رعمسيس الأول» على جدران معبده الجنازي «بالعرابة
المدفونة»، وهو المعبد الذي أقامه له ابنه «سيتي الأول»؛ فنشاهد «رعمسيس» يحرق
البخور ويصب القربان أمام الإله «أوزير»، والإلهتين «إزيس»، و«حتحور»، وتقف خلف
«رعمسيس» الملكة ضاربة بالصاجات، وخلفها رجل وامرأتان، ثم ثلاث نسوة، وكل هؤلاء
يحملون طاقات أزهار، ولكن مما يدعو للأسف أن أسماء كل أولئك الأشخاص قد فُقدت بسبب
ما أصاب الجدار من عطب، وقد أشير إلى هؤلاء الأشخاص على حسب رأي الأستاذ «ونلك»
الذي درس آثار هذا المعبد
٨ في السطر السادس عشر من لوحة الإهداء التي دونها «سيتي الأول»، إذ نجده
يعلن في صراحة عندما يتحدث عن والده قائلًا: «إن والدته بجانبه، وأجداده لم يهجروه؛
لأنهم مجتمعون في حضرته، وإني ابنه الذي يخلد اسمه، ووالدة الإله (أي الملكة
«ساترع») قد احتضنته بساعدها مثل «إزيس» عندما تضم والدي، وكل إخوته وأخواته
يصحبونه، وأنه مغتبط لأن أسرته تحيط به.» ومن هذا النقش نعلم أن الملكة «ساترع» تقف
بجانب «رعمسيس الأول»، والرجل الذي يليها يمكن أن يكون أخا الملك المحبوب. أما
السيدة الثانية، فيجب أن تكون «يويا» أم «رعمسيس»، وأما سائر الرجال والسيدات فهم
إخوته وأخواته، والظاهر أن آخر سيدة ذُكرت في هذا النقش كانت تحمل لقب «ربة البيت»،
وهذا يتفق مع الرأي القائل بأن هذه الأسرة ليست من أصل ملكي. ويرى الأستاذ «ونلك»
في هذا اللقب برهانًا على أن هؤلاء الأفراد قد وقفوا بجانب «رعمسيس» على حسب ترتيب
قرابتهم له، لا على حسب قرابتهم للملك «سيتي» كما يفهم ذلك من الوصف. وإذا كانت
السيدة المذكورة أخت «سيتي الأول» كانت بطبيعة الحال بنت «رعمسيس الأول»؛ فكان من
الواجب أن تحمل لقب «بنت الملك من صلبه»، لا لقب «ربة البيت» الذي يُعد لقبًا عاديًّا.
٩
ولسنا مبالغين إذا قرَّرنا هنا أن هذا المنظر يعد من أعظم المناظر المؤثرة التي
وصلتنا عن الملوك وأسرهم حتى الآن؛ فقد كشف لنا عن المحبة الوثيقة العرى بين أفراد
أسرة متحابين متآلفين. فضلًا عما يشاهده الإنسان فيه من عاطفة إنسانية تذكرنا بتلك
المناظر التي رأينا كثيرًا منها على لوحات الدولة الوسطى الجنازية؛ حيث نجد أن كل
ما كانت تتوق إليه نفس المتوفى أن يكون محاطًا بأحبائه من أفراد أسرته في عالم
الآخرة. وأمثال هذه المناظر ظلت تُرسم في مقابر عامة الشعب؛ حيث نشاهد الأسرة تولم
الولائم التي قد يجتمع فيها أحيانًا ثلاثة أجيال من أفرادها، وهذه الظاهرة لا يكاد
يخلو منها قبر من مقابر وجهاء القوم. والواقع أنه — على قدر ما وصلت إليه معلوماتنا
— لا يوجد منظر يدل على ألفة ومحبة أسرية مثل هذا المنظر في معابد الملوك الجنازية
إذا استثنينا معبد «إخناتون»، ومقابر «تل العمارنة» التي يرجع وجود مثل هذه المناظر
فيها إلى سبب خاص، ومن أجل ذلك يعد المنظر الذي نتحدث عنه الآن برهانًا بينًا على
أن أسرة «رعمسيس الأول» ليست من نسل ملكي.
وكان «رعمسيس الأول» يحمل غير الألقاب التي على لوحة أربعمائة السنة الألقاب
التالية، وقد وُجدت منقوشة على تمثاله المنصوب أمام بوابة «حور محب» العاشرة بالكرنك:
١٠ قائد الحامية، والمشرف على مصبات فروع النيل، أي الموكل بحماية مداخل
فروع النيل الخمسة من بلوزيم حتى دمياط، وسائق عربة جلالته، وهذا اللقب كان لقب شرف
عظيم لحامله، وكان لا يُعطاه إلا الأمراء، وأصحاب المكانة العالية، ولما كان سائق
العربة يجاور الفرعون في العربة المصرية الصغيرة، اقتضى ذلك أن يوكل هذا العمل إلى
رجل على جانب عظيم من الكمال والتهذيب، ورسول الفرعون في كل بلد، وقائد الرماة،
وقائد جيش سيد الأرضين، والمشرف على كهنة الآلهة، ونائب جلالته في الوجهين القبلي
والبحري، ورئيس القضاة، ونائب «نخن»، وكاهن الإلهة «ماعت»، والمشرف على قاعات العدل
الست العظيمة، والأمير الوراثي للأرض قاطبة، ونجده على تمثال آخر يحمل غير ما ذكر
لقب حامل المروحة على يمين الفرعون
(Ibid. p. 30.).
ومما تجدر ملاحظته في هذه الألقاب أننا لم نجد «بارعمسيس» يحمل لقب ابن الملك، أو
لقب قريب الفرعون، مع أنه كان يحمل أعلى الألقاب الإدارية والحربية في الدولة؛ مما
يثبت أنه لم يكن بينه وبين «حور محب» قرابة ما، بل تدل قرائن الأحوال على أنه كان
زميلًا ﻟ «حور محب» في الجيش، ومن الجائز أن الأخير قد رباه تربية خاصة ليخلفه على
عرش البلاد حتى ينفذ سياسته الحربية والإدارية التي وضعها «آي»، وسار عليها هو من
بعده، كما أوضحنا ذلك من قبل (راجع مصر القديمة الجزء الخامس).
ويظن المؤرخ «كيث سيلي»
١١ أن «رعمسيس الأول» قد يكون مدينًا بعرشه للمساعدة التي قدمها له كهنة
«آمون»، وهذا يوضح لنا السبب الذي من أجله اهتم بإقامة مباني «آمون» الضخمة
بالكرنك، لدرجة أنه أهمل إقامة المعبد الجنازي الخاص به نفسه.
وقد تزوج في باكورة مجال حياته الحكومية من سيدة تُدعى «ساترع»، ولا نعرف شيئًا
عن نسبها، ولكن «بتري» يلقبها بالأميرة الملكية،
١٢ وكل ما نعرفه عنها أنها كانت ملكة تحمل الألقاب التالية: زوج الملك،
وزوج الإله، والأم العظيمة والدة الملك، وأم الإله، وسيدة الأرضين، وسيدة الوجه
القبلي والوجه البحري المحبوبة، جميلة الحب، (راجع
Maspero, La
Reine Satra. P. S. B. A. XI, p. 190 ff.)، ونجدها في مقبرة
«سيتي الأول» تحمل الألقاب التالية: الأميرة الوراثية، العظيمة الحظوة، وحظية حور
(الفرعون) رب القصر، والتي ينفذ قولها، وزوجة الملك العظيمة، وقريبة الفرعون،
والظاهر أن «رعمسيس الأول» لم يعقب منها أحدًا غير «سيتي الأول». ومن الغريب أن
الأثري «كابار» قال عنها: إنها زوج «سيتي الأول» لا والدته دون أن يدلي ببرهان يعزز
ما ادَّعاه. وكذلك يقول: إن «مسبرو» قد جمع ألقابها من مختلف النقوش التي وجدت على
الآثار، ودرسها، واستخلص منها صورة نجد ترجمتها في كتابه المسمى:
(Maspero Etudes de Mythologie & Archeol. IV, P.
327–332).
وقد خالفه «كابار» في بعض نقط، وهاك نص الترجمة كما يفهمها الأخير:
١٣
الأميرة التي نالت أعظم حظوة محبوبة «حور» سيد القصر، وهي الملكة التامة
في أعضائها؛ لأن «إزيس» هي التي سوتها، وهي التي تُعبد عندما ترى مثل جلالة
سيدة السماء، وهي الهدية اليومية من «ماعت» (العدالة) ﻟ «حور» الثور القوي
ابن «إزيس» الأم المقدسة، وعندما تقترب من جلالته يضع يديه حولها ليحملها
كل يوم، وهي التي يفعل لها ما تقوله، والزوجة الملكية العظمى للفرعون التي
يحبها «ساترع» محبوبة «إزيس»، سيدة السماء وحاكمة الأرضين العائشة المتجددة
الشباب السليمة الجسم أبد الآبدين.
ولا شك في أن هذه النعوت تكاد تكون فذة في بابها؛ إذ لا نراها كثيرًا
في النعوت الملكية.
والواقع أن «رعمسيس الأول» قد تولى الملك وله ابن واحد في مقتبل العمر وعنفوان
الصبا، وكان بدوره قائدًا حربيًّا محنكًا، وإداريًّا ماهرًا.
وقد كانت مدة حكم «رعمسيس الأول» قصيرة؛ ولذلك لا يمكننا بطبيعة الحال أن نعزو
إلى عهده حوادث تاريخية جسيمة، غير أنه ثبت لدينا سيره على نهج السياسة التي كان قد
اختطها له «حور محب»، ويمكن أن نرى ظلالها منعكسة في الأعمال التي قام بها ابنه
«سيتي الأول» الذي لم يحِد عن هدي والده، وقد كان «رعمسيس» يهدف إلى القيام بإتمام
الإصلاحات التي بدأها «حور محب»، أي إنه كان يسعى إلى السير بمصر ثانية نحو المكانة
الرفيعة التي كانت تحتلها بين دول الشرق القديم قبل نزول «أمنحتب الثالث» لابنه
«إخناتون» عن عرش الإمبراطورية المصرية. وهذه السياسة الطامحة كانت تتطلب حكومة
ثابتة الأركان قوية البنيان في الداخل، وإعادة الفتوح الأجنبية في الخارج، وبخاصة
في آسيا، وهي السياسة التي وضع أسسها الفرعون «آي»، وسار بها «حور محب» قدمًا إلى
حد ما، وسنرى فيما يلي أنها كانت السياسة التي اتُّبعت بعدهما بحذافيرها.
(٣) أعمال «رعمسيس الأول»
خلَف «رعمسيس الأول» على الرغم من قِصر مدة حكمه آثارًا عدة منتشرة في طول البلاد
وعرضها من «سرابة الخادم» بسينا شمالًا حتى «أمدا» في بلاد النوبة جنوبًا.
(٣-١) سرابة الخادم
ففي «سرابة الخادم» وجدت له لوحة دون عليها أنه قد جدد آثار والدته «حتحور»
سيدة الفيروزج،
١٤ وعلى لوحة أخرى مشابهة للأولى في نفس المكان نشاهد «رعمسيس الأول»
يقدم إناءين للإلهة «حتحور سيدة الفيروزج» أيضًا، وهاتان اللوحتان لهما
أهميتهما الخاصة؛ إذ نعلم منهما أنه في عصره بُدئ إعادة فتح محاجر هذه الجهة
بعد أن بقيت مهجورة نحو ثلاثة أجيال؛ أي منذ عهد «أمنحتب الثالث» حتى عهد
«رعمسيس الأول».
(٣-٢) القنطرة
وفي القنطرة عُثر على قاعدة تمثال ضخم لصقر، نُقش عليها صورة «سيتي الأول»
يقدم آنية للإله «حور» صاحب «مسن»، وتحدِّثنا النقوش أن «سيتي الأول» قد أقام
صورته ليكون عملًا طيبًا باقيًا؛ فيقول: «تأمل، إن رغبة جلالته تمكين اسم والده
الملك «رعمسيس الأول» أمام هذا الإله «سرمديًّا».» والظاهر أن هذا الأثر لم يكن
تامًّا عند موت «سيتي الأول»؛ لأن ابنه «رعمسيس الثاني» قد أضاف نقشًا على ظهره
قال فيه: «إنه نحت أثر والده هذا حاملًا اسم جده «رعمسيس الأول» يعيش في معبد
حور» (راجع patrie Nebesheh (Am) and Depenneh Tahpanhis p.
104). ومن الأشياء الطريفة السارة أن نرى «رعمسيس الثاني»
يقوم بدور الابن البار متممًا آثار أسلافه بدلًا من اغتصابها لنفسه كما هو
المعروف عنه.
(٣-٣) تل اليهودية
عثر الأثري «نافيل» على بعض الآثار منقوشًا عليها اسم هذا الفرعون في «تل اليهودية».
١٥
(٣-٤) منف
ويوجد في متحف «اللوفر»
١٦ قاعدة تمثال لهذا الفرعون، يقال أنها وُجدت في «منف».
(٣-٥) المرج
وعُثر لهذا الفرعون عند بئر بالقرب من «الشيخ عبادة» على قطعة من الحجر عليها
طغراء هذا الفرعون.
١٧
(٣-٦) القاهرة
وبالقرب من «باب الفتوح» وُجدت قطعة من الحجر عليها لقب «رعمسيس الأول»
منقوشًا نقشًا دقيقًا.
١٨
(٣-٧) العرابة المدفونة
وعثر «بتري» على قطعة تحمل الاسم الحوري لهذا الفرعون في «العرابة المدفونة»،
١٩ وكذلك عثر لهذا الفرعون على تمثال عند أحد تجار الآثار «بالبلينة»
القريبة من «العرابة المدفونة»، وعليه نقوش تحدثنا بأن «سيتي الأول» قد أقامه
ليجعل اسم والده ثابتًا وسعيدًا في مقاطعة «العرابة المدفونة»، ومخلدًا طول
الأبد السرمدي (راجع:
A. S. XXI, pp 193)، وفي
معبد «العرابة المدفونة» مثل الفرعون «رعمسيس الأول»، وزوجه «ساترع» في هيئة
تمثالين مقدسين في القارب المقدس، كما نجد اسمه مذكورًا في قائمة الملوك التي
نُقشت في إحدى حجرات المعبد العظيم (راجع:
(Petrie History III.
P. 4)).
(٣-٨) آثار «رعمسيس الأول» في الكرنك
يدل ما خلفه لنا هذا الفرعون في «الكرنك» على مقدار طموحه، وطول باعه في فن
العمائر، وأعني بذلك؛ قاعة العمد الضخمة القائمة إلى الآن في معبد الكرنك، وهذه
القاعة الفخمة تُعد بحق أكبر قاعة في عمائر مصر كلها، ويبلغ طولها نحو سبعين
ومائة قدم، وعرضها نحو ثمانية وثلاثين وثلاثمائة قدم، ومجموع مساحتها حوالي ستة
آلاف ياردة مربعة، نظمت عمدها ستة عشر صفًّا، يمتاز الصفان اللذان يتوسطانها
بارتفاعهما عن الصفوف الأخرى، ولعمدهما تيجان على هيئة زهرة البردي المُفتحة،
ويبلغ أعلى هذه العمد النباتية الشكل، الشاهقة الطول نحو تسع وستين قدمًا، أما
تاج كل منها فيبلغ ارتفاعه نحو إحدى عشرة قدمًا، ومحور ساق كل عمود حوالي إحدى
عشرة قدمًا وثلاثة أرباع القدم، أما محيط العمود فيبلغ حوالي ثلاث وثلاثين
قدمًا، ويمكن للإنسان أن يتصور ضخامة هذه العمد عندما يعلم أنه يلزم لقياس محيط
الواحد منها ستة رجال واقفين ناشرين أذرعتهم حوله.
أما سائر العمد الأخرى غير ما ذكرنا فيبلغ ارتفاع كل منها اثنتين وأربعين
قدمًا ونصف قدم، ومحيطه نحو سبع وعشرين قدمًا ونصف قدم، وهذه القاعة الجميلة
الأخاذة قد أقيم أمامها بوابة تُعرف الآن بالبوابة الثانية، يشاهد على كل من
جانبيها أربع قنوات محفورة، كان مثبتًا فيها عمد أعلام ترفرف في أعلاها أيام
الأعياد والأحفال الرسمية. وطبعي أن إنجاز مثل هذا العمل الضخم لا يتسع له عمر
ملك كان قد بلغ من العمر أرذله؛ ولذلك ترك إتمامه لابنه ثم حفيده من
بعده.
وإذا أردنا أن نفهم مقدار العمل الذي أنجزه «رعمسيس الأول» في قاعة العمد هذه
فلا بد لنا أن نتصور هذا الجزء من معبد الكرنك كما كان عليه عند نهاية حكم
الفرعون «حور محب» الذي يُعد المؤسس الأول للبوابة الثانية، وقد كانت وقتئذ تعد
جزءًا خارجيًّا بالنسبة لمعبد الكرنك، وكانت هذه البوابة مزينة بنقوش غائرة كما
كانت العادة في مثل هذه المباني، وكانت متصلة بالبوابة الثالثة التي أقامها
«أمنحتب الثالث» بصفين من العمد الضخمة كما كان يكنفها جدران، فتألفت بذلك قاعة
عمد ضيقة طويلة، ويظن البعض أن هذا البناء كان تقليدًا لقاعة العمد العظيمة
التي أقامها «أمنحتب الثالث» في معبد الأقصر،
٢٠ ويعد اتخاذ «حور محب» هذا التصميم في معبد الكرنك دليلًا آخر على
أن هذا الفرعون كان يريد منافسة أعمال سلفه العظيم في فن العمارة، ويدل تزيين
البوابة الثانية بنقوش غائرة على يد «حور محب» — وهو طراز كان يستعمل عادة في
الزينة الخارجية — على أن «حور محب» لم يكن له دخل في تغيير التصميم العام؛
٢١ ولذلك يجب أن يُنسب للفرعون «رعمسيس الأول».
ومن المدهش إذن أن ترى رجلًا قد أثقلته السنون يقدم على القيام بمشروع ضخم
مثل هذا مع أنه لم يكن قد بدأ بعد إقامة معبده الجنازي، ويظن الأثري «كيث سيلي»
أن «رعمسيس الأول» ربما كان مدينًا بعرشه إلى مساعدة كهنة الإله «آمون»، وأنه
قد شرع في إقامة أضخم قاعدة عمد في مصر وفاءً للدين الذي يثقل كاهله، وفي الوقت
نفسه ليوطد أركان أسرته الجديدة التي لم يكن لها من المبررات الشرعية ما يخولها
تسنم عرش مصر كما أسلفنا، ومهما تكن مقاصد «رعمسيس الأول» فإنه لم يعِش طويلًا
ليرى مشروعه العظيم منفَّذًا، بل لم يمتد أجله حتى يرى اسمه منقوشًا على جدران
هذه القاعة العظيمة التي بدأها.
(٣-٩) قبر رعمسيس بطيبة
ويلحظ قِصر مدة حكم «رعمسيس الأول» من المقبرة التي أقامها لنفسه في «وادي
الملوك»، وهي المعروفة الآن بمقبرة رقم ١٦؛ إذ لا تحتوي إلا على حجرتين فقط لم
تُزين منهما إلا حجرة الدفن بنقوش على نمط مقابر الملوك الأخرى، وتشمل مناظر
ومتونًا تصف لنا سياحة إله الشمس الليلية في عالم الآخرة السفلي، وفي وسط هذه
الحجرة وضع تابوت الفرعون، وقد زُينت جدرانه بالصور والمتون الملونة بالأصفر.
وقد جرت العادة بأن تُنقش التوابيت المصنوعة بالجرانيت. وتلوين تابوت «رعمسيس
الأول» بدلًا من نقشه يُشعر بأن ساكنه قد مات قبل إتمامه. ولم تمكث موميته
طويلًا مطمئنة في مخدعها الأصلي، فقد حدث في نهاية الأسرة العشرين عندما انحلت
قوة الملكية المصرية التي كان من نتائجها نهب مقابر الملوك نهبًا منظمًا؛ لما
كانت تحويه من نفائس وذهب، أن نُقلت الموميات الملكية — كما هو معروف — أولًا:
إلى مقبرة الملكة «إنحابي»، وأخيرًا إلى المخبأ السري الواقع بجوار الدير
البحري. والظاهر أن تابوت «رعمسيس الأول» الخشبي فُقِد أو هُشِّم قبل نقله أو
في أثناء ذلك، ونلحظ أنه قد وضع في تابوت مستعمل من عهد الأسرة الحادية
والعشرين بعد أن عملت فيه إصلاحات، وقد كُتب متن التحقيق الخاص بنقل مومية
«رعمسيس الأول» بالمداد على هذا التابوت، وأرِّخ بالسنة السادسة عشرة، الشهر
الرابع من فصل الزرع، اليوم الثالث عشر من حكم الفرعون «سيامون» (الأسرة
الواحدة والعشرون)، وقد وُجد مع هذا التابوت مومية لم تُسمَّ، وجسمها عارٍ،
ولكن ليس لدينا برهان بيِّن على أنها مومية «رعمسيس الأول».
(٣-١٠) معبد رعمسيس الأول الجنازي
ذكرنا من قبل أن «رعمسيس الأول» لم يكن لديه متسع من العمر ليقيم لنفسه
معبدًا جنازيًّا خلال مدة حكمه، ولكن ابنه البار «سيتي الأول» قد سد هذا
الفراغ؛ إذ أقام له محرابًا صغيرًا بجوار معبده الفاخر الذي رفع بنيانه لنفسه
في «العرابة المدفونة».
ولكن على الرغم من صغر حجمه كان جميلًا فخمًا،
٢٢ ويحتوي على قاعة متوسطة الحجم مبنية كلها بالحجر الجيري الأبيض،
تكنفها حجرتان جانبيتان، ويحيط بالمحراب جدار سميك البنيان، وله ردهة
أمامية.
وقد غُطيت واجهة هذا المحراب الوسطى بنقوش وكتابات تحدثنا عن إهداء هذا
المعبد؛ فنشاهد على الجانب الأيسر «سيتي الأول» واقفًا مادًّا يده بالوضع
الجنازي المتبع عند تقديم القربان. وعلى الجانب الأيمن يرى «رعمسيس الأول»
مواجهًا له، وقد نقش أمام صورة سيتي الكلمات التي كان مفروضًا أن يتلوها، وهي:
«يقول ملك الوجه القبلي والوجه البحري «من ماعت رع» ابن الشمس «سيتي مرنبتاح»
معطي الحياة مثل «رع»: تعالَ في أمان يأيها الإله الطيب، ليتك تحتل المكان الذي
صنعته لك، وترى المعبد الجنازي القائم بجوار «وننفر» (يشير هنا إلى أن هذا
المعبد قد أقيم بالقرب من معبد أوزير العظيم)، وإني أسست لك قربانًا فيه، وكذلك
شرابًا يوميًّا»، ثم تستمر النقوش تحت صورة «سيتي»، فنقول: «يا ملك الوجه
القبلي والوجه البحري «من بحتي رع»، لقد صنعت هذه الأشياء المفيدة لك عندما
أقمت معبدًا لروحك في الجهة الشمالية من معبدي العظيم، وحينما حفرت بحيرته
المغروسة بالأشجار، وجعلتها بهجة بالأزهار، وحينما أمرت أن يوضع تمثالك في
داخله، ورتبت الطعام والشراب، وكل قربان يوميًّا، وذلك على حسب ما فعلت لكل
الآلهة، وإني ابنك الحقيقي من قلبك. ولقد جعلت … كل ما طلب مني؛ لأنك أنت الذي
أنجبتني، وإني أرفع اسمك إلى عنان السماء، وأعلي تاجك (؟) … وإني أمكن اسمك في
الأرض كما فعل «حور» لوالده «أوزير»».
٢٣
وتحتوي النقوش التي أمام صورة «رعمسيس» وتحته على جواب هذا الفرعون على
الخطاب الذي وجهه إليه ابنه «سيتي الأول»، وفيه يرجو الآلهة أن يطيلوا في حياة
ابنه البار.
وكانت بوابة سور المعبد المصنوعة من الحجر الجيري كذلك مزينة بالنقوش، وتحمل
اسم «من ماعت رع» الذي يطلب القربان لأفق «أوزير»، وقد أضاف أسفل هذه النقوش
الفرعون «مرنبتاح» حفيد «سيتي الأول» اسمه بحروف ضخمة.
٢٤ وقد كشف الأستاذ «ليفبر» عن لوحة من الحجر الجيري عندما كان يقوم
بأعمال الحفر في موقع هذا المعبد، دوِّن عليها متن إهداء وضعه «سيتي الأول»؛
فجاء مؤكدًا للنقوش التي على البوابة السالفة الذكر.
٢٥
وقد أقام «سيتي الأول» معبدًا «بالقرنة» للإله «آمون»، ولوالده «رعمسيس
الأول» معًا، ولكن هذا المعبد لم يتم في عهده، وقد قام بإنجازه ابنه «رعمسيس
الثاني»، وقد أتمه بطريقة جعلته يستعمل معبدًا جنازيًّا لجده «رعمسيس الأول»،
ولوالده «سيتي الأول»، ثم لنفسه كما سنتكلم عن ذلك بعد.
ويشاهد في معبد «الرمسيوم»،
٢٦ وفي معبد مدينة «هابو» تمثال «رعمسيس الأول» محمولًا في موكب الأجداد.
٢٧
(٣-١١) وادي حلفا
والأثر الوحيد الذي وصل إلينا حتى الآن مؤرَّخًا هو لوحته التي عثر عليها في
«وادي حلفا»، وقد ذكر لنا الأثري «ويجول» نقشًا مهشمًا للفرعون «رعمسيس الأول»
في قاعدة عمد «أمدا» في بلاد النوبة السفلية مؤرَّخًا بالسنة الأولى، الشهر
الرابع، من فصل الزرع اليوم الأول، وهذا النقش معظمه مهشَّم، ولكن يظهر أنه
يشير إلى ابن الملك نائب بلاد النوبة.
٢٨
أما لوحة «وادي حلفا» السالفة الذكر فقد أقيمت تخليدًا للأعمال الصالحة التي
قام بها «رعمسيس الأول» في معبد الإله «حور بوهن» في السنة الثانية من حكمه،
وهاك ما جاء عليها: راجع:
(Breasted A. R., §§ 76
ff).
السنة الثانية، الشهر الثاني من الفصل الثاني، اليوم العشرون: يعيش
حور الثور القوي المزهر في الملك محبوب الإلهتين، والمنير بوصفه ملكًا
مثل … حور الذهبي … في الأرضين ملك الوجه القبلي والوجه البحري «من
بحتي رع» ابن الشمس «رعمسيس» محبوب آمون رب طيبة، «ومين» ابن «إزيس»،
والظاهر على عرش حور الأحياء مثل والده «رع» يوميًّا.
«تأسيس القربان»: تأمل، لقد كان جلالته في مدينة «منف» يؤدي شعائر
والده «آمون رع»، و«بتاح جنوبي جداره»، ورب «حياة الأرضين»، وكل آلهة
مصر بقدر ما أعطوه (القوة والنصر على كل البلاد)، وقد اتحدوا بقلب واحد
في مديح حضرتك، وقد هزمت كل البلاد، وكل الممالك، وقبائل الأقواس التسع
… وقد أمر جلالته ملك الوجه القبلي والوجه البحري «من بحتي رع» (رعمسيس
الأول) معطي الحياة بحبس قربات مقدسة على والده «مين آمون» القاطن في
«بوهن»، وأولى مخصصاته في هذا المعبد هي اثنا عشر رغيفًا (برسن)، ومائة
رغيف (بعيت)، وأربع أواني جعة، وعشر حزم من الخضر، وكذلك اكتظ المعبد
بالكهنة المرتلين، وبالكهنة المطهرين، وجهزت معابده بالعبيد والإماء من
الذين أسرهم جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «من بحتي رع» (معطي
الحياة مثل رع مخلدًا وسرمديًّا)، وكان جلالته … يقظًا، ولم يقصر في
البحث عن الأشياء الممتازة ليقوم بعملها لوالده «مين آمون» القاطن في
«بوهن»؛ فأقام له معبدًا مثل أفق السماء الذي يشرق فيه «رع».
وفي نهاية هذا النقش كتب اسم «سيتي الأول» ولقبه، ويدل ذلك على أنه كان
مشتركًا معه في الملك، ومما يقوي هذا الزعم أنه وجد اسم «اسم سيتي الأول» مع
اسم «رعمسيس الأول» في مباني قاعة العمد الكبرى بالكرنك، يضاف إلى ذلك أنه عثر
على قاعدة تمثال في «المدمود» نُقش عليها اسما هذين الملكين معًا.
ويلفت النظر في نقوش لوحة «وادي حلفا» ذكر العبيد والإماء الذين أسرهم
جلالته، مما يوحي بأن «رعمسيس الأول» قد شن حروبًا في مكان ما في بلاد النوبة،
ولكن اللوحة قد ذكرت لنا في صراحة أن الفرعون نفسه كان في «منف»؛ لذلك يحتمل
كثيرًا أن هذه الحملة (إذا كانت قد حدثت فعلًا) قد قام بها ابنه «سيتي الأول»،
وبخاصة أن اسمه قد جاء في نهاية هذا النقش.
ويقول الأستاذ «برستد»: إن «رعمسيس الأول» قد قُضِيَ بعد إقامة هذه اللوحة
بستة أشهر؛ وبذلك يكون قد حكم على أكثر تقدير سنتين ونصف سنة، غير أن المتفق
عليه عند عامة المؤرخين القدامى والأحداث أنه حكم أقل من سنتين.
٢٩