رعمسيس الثاني
(١) اشتراك «رعمسيس الثاني» في الملك مع والده «سيتي الأول»
فقد فسر الأستاذ «برستد» — كما ذكرنا آنفًا — إضافة «رعمسيس الثاني» صورته إلى بعض نقوش المناظر الحربية التي لوالده على جدران معبد الكرنك بأنها غش وتزوير في الوثائق التاريخية الأصلية، وأن غرض «رعمسيس» من ذلك قلب الحقائق؛ ليبرهن للعالم مقاسمته لوالده في الحروب التي قام بها، وأن والده قد أشركه منذ نعومة أظفاره معه في عرش الملك مدة حياته، ثم انفرد به من بعده، ولكن التحليل والفحص الدقيق لنقوش المعابد من حيث موضوع مادتها، وطراز نقشها، وترتيبها قد أسفر عن ظهور صورة واضحة تتفق في معظم تفاصيلها مع الاقتباس الذي يدَّعي «رعمسيس الثاني» أنه مقتبس من كلمات والده التي فاه بها، كما وردت في نقش الإهداء العظيم الذي حفره «رعمسيس» على جدران معبد «العرابة المدفونة» بعد موت والده، وقد أرِّخ بالسنة الأولى من حكم هذا الفرعون، وهو أعظم وثيقة وصلت إلينا عن فاتحة حكمه، عندما انفرد بالمُلك بعد وفاة والده. وفي هذه الوثيقة يدَّعي «رعمسيس» أن والده قد عينه «الابن الأكبر، والأمير الوراثي، ورئيس المشاة والفرسان.» ثم يستمر قائلًا: «وعندما ظهر والدي للملأ كنت لا أزال طفلًا بين ذراعيه، وقد قال عني: توِّجوه ملكًا حتى أستطيع رؤية جماله وأنا عائش معه.» وعلى ذلك اقترب (؟) رجال البلاط ليضعوا التاج المزدوج على رأسي، وقد تكلم عني، وهو لم يزل على الأرض قائلًا: «ضعوا له التاج على رأسه.»
ولدينا منظر تتويج له آخر حدث في مدينة «هليوبوليس» على يد الإله «آتوم» كما سيأتي بعد.
والواقع أن «رعمسيس الثاني» قد أعلن اشتراكه في الملك مع والده في أثناء حياته، وكتب اسمه ولقبه في طغرائين. وقد اتخذ «رعمسيس» لنفسه اللقب الرسمي التالي: «وسر ماعت رع»؛ أي رع قوي العدالة، مقلدًا في ذلك والده الذي كان يحمل اللقب الرسمي «من ماعت رع» (رع ثابت العدالة)، ولكن «رعمسيس» كان يضيف في حالات خاصة إلى لقبه هذا نعوتًا مختلفة مثل: «مري رع» (محبوب «رع»)، أو «تيت رع» (صورة «رع»)، أو «أعورع» (وارث «رع»)، أو «ستبن رع»، (مختار «رع»)، وكان في هذا كله مقلدًا والده أيضًا، وقد استمر في استعمال هذه النعوت كلها مدة قصيرة بعد وفاة والده مع اللقب القصير «وسر ماعت رع» الذي كان له غالبية الاستعمال على كل الألقاب الأخرى الطويلة التي كان يتألف كل منها من هذا اللقب القصير، مع إضافة نعت من النعوت السابقة، وفي النهاية اتخذ لقب «وسر ماعت رع، ستبن رع» (رع قوي العدالة، ومختار رع) لقبًا مختارًا، ونبذ كل النعوت الإضافية التي كانت تضاف إلى اللقب «وسر ماعت رع».
من أجل ذلك يمكن القول بأن اللقب البسيط «وسر ماعت رع» كان من مميزات مدة اشتراك «رعمسيس الثاني» في الملك مع والده، هذا بالإضافة إلى استعماله مع النعوت السالفة بدرجة قليلة في تلك الفترة، مع مراعاة أنه كان يستعمل نادرًا مع النعت «ستبن رع»، أما اللقب «وسر ماعت رع، ستبن رع» فكان يحمله «رعمسيس الثاني» فقط على الآثار التي تُنسب إلى عهد حكمه المنفرد بعد وفاة والده.
وإذا ألقينا نظرة فاحصة على كثير من المعابد التي كان العمل مستمرًّا فيها خلال السنين الأخيرة من حكم «سيتي الأول»، ظهر لنا واضحًا حقيقة اشتراك «رعمسيس» مع والده، فإن «سيتي الأول» كان يستعمل بوجه عام النقش البارز طرازًا رئيسيًّا لتزيين جدران معابده.
ويظهر أن «سيتي» قد وكل أخيرًا لضرورة حربية تزيين معابده لابنه الصغير، وشريكه في الملك «رعمسيس الثاني»، وربما كان هذا هو السبب الذي نجد من أجله رجال بلاطه يخاطبونه كما جاء على لوحة «كوبان» المؤرَّخة بالسنة الثالثة من حكمه، واصفين بعض نواحي حياته الملكية الأولى قائلين: «وإنه لم يُنفذ أثر إذا لم يكن تحت سطانك.» وقد قفا «رعمسيس» في بادئ الأمر تقاليد والده الهندسية باستعمال النقش البارز، ولكن بعد فترة من الزمن — لا يمكن تحديد مداها — نبذ استعمال هذا الطراز من النقش كلية، واتُّخذ بدلًا منه طراز النقش الغائر، وجعله طرازًا سائدًا متبعًا في مبانيه كلها؛ ولذلك محا عندما انفرد بالحكم كل نقوشه، وقليلًا من نقوش والده البارزة، وأعادها بالنقش الغائر، وهذا التحول في طراز النقش من بارز إلى غائر، يمكن الاهتداء إليه بسهولة عظيمة على جدران المعابد التي أقامها.
- الطور الأول: كان «رعمسيس» يحمل اللقب القصير «وسر ماعت رع»، وكان يضيف إليه أحيانًا نعتًا من النعوت السالفة الذكر، هذا إلى أن النقش البارز كان هو الطراز الشائع الاستعمال.
- الطور الثاني: كان «رعمسيس» يحمل فيه نفس أشكال لقب الطور الأول المختلفة، غير أن النقوش التي استعملها كانت من الطراز الغائر كلها، والطوران الأول والثاني كانا في عهد اشتراكه في الملك مع والده، هذا إلى أن الطور الثاني قد امتد بعض الشيء في مدة حكمه المنفرد.
- الطور الثالث: يبدو فيه جليًّا أن «رعمسيس الثاني» قد حول طراز النقش من بارز إلى غائر، وبخاصة في «معبد العرابة»، وقاعة العمد العظمى في الكرنك، وكذلك نشاهد أنه زاد في لقبه القصير «وسر ماعت رع» بإضافة النعت «ستبن رع»؛ أي مختار رع.
- الطور الرابع: نجد أن «رعمسيس» حفر نقوشًا جديدة من الطراز الغائر فقط، واستعمل اللقب «وسر ماعت رع ستبن رع»، ويجب أن نضع الطورين الثالث والرابع في فترة انفراده بالحكم، ومن الجائز أنهما كان يتداخلان تاريخيًّا.
وللبرهان الذي عثرنا عليه في نقوش معبد «بيت الوالي» نتائج أخرى؛ إذ لم يقتصر الأمر على أن «رعمسيس» كان مشتركًا في ثلاث حملات على الأقل في حياة والده وحسب، بل إن اثنين من أولاده كانا يصحبانه، وهذا يضع أمامنا مسألة بحث عمره عندما اشترك في الملك مع والده «سيتي».
ولما كنا نعلم أن حكم «رعمسيس» قد امتد نحو سبع وستين سنة — على أقل تقدير، فمن المعقول أنه كان لم يزل حدث السن نسبيًّا عندما اشترك في الحكم مع والده، وتدل موميته بوضوح على أنه كان رجلًا طاعنًا في السن عند وفاته، ولكنا مع الأسف لا نستطيع من فحصها تقدير سنه على التحديد. ومن نقوش السنة الأولى من حكمه — وهي التي عثر عليها في مقبرة الكاهن الأعظم «نب وننف»، وما يتبعها من رسوم — نعلم أنه كان في هذا الوقت قد بنى بزوجته المحببة إلى قلبه الملكة «نفرتاري».
ولما كانت نقوش معبد «بيت الوالي» قد مثل فيها ابناه الأميران «آمون حرونمف»، و«خعمواست» فلا بد أنهما قد ولدا بطبيعة الحال قبل ذلك ببضع سنين؛ وبذلك يجوز لنا أن نحكم بأن الملكة «نفرتاري» قد تزوجت من «رعمسيس» في صباه المبكر جدًّا، ويحتمل أن ذلك كان قبل اشتراكه مع والده في الحكم، وأنها كانت أم ولديه السالفي الذكر.
والآن يتساءل الإنسان، كم كان عمر «رعمسيس» وقتئذ، وبخاصة أنه كان قد أنجب ولدين في مقدورهما أن يشتركا معه في ساحة القتال، ويقودا العربات، ويقدما الجزية عند الاحتفال بالنصر النهائي، وهو لم يبدأ السنة الأولى من حكمه المنفرد؟
وعندما نطبق هذا القياس على صور «رعمسيس الثاني» نفسه في الصور التي ربما كانت تمثله من بداية مجال حياته، نجد فيه ما يمكن أن نعتمد عليه بحق في استنباط براهين على صدق ما نقول بوجه عام، حقًّا إن هذه البراهين لا تخلو من الإبهام، ولكنها مقبولة، فمثلًا؛ في نقوش «الكرنك» التي اقتبسها «برستد» ليبرهن على أن «رعمسيس» لم يكن يومًا ما وارثًا للعرش إلا بعد أن أزال من الوجود أميرًا آخر نجده (رعمسيس) قد رُسم عليها بصورة أصغر من أي شخص آخر معه، وتعليل ذلك: أن ضيق المكان هو الذي دعا إلى حشر كل صور «رعمسيس» في مساحات صغيرة جدًّا بالنسبة للصور الأخرى، وأغلب الظن أن هذه الأشكال المحشورة لا يمكن أن تعد معاصرة للنقش الأصلي؛ ومن الجائز أنها قد أضيفت إليه بأمر من «رعمسيس» بعد مضي سنين على الحوادث التي أراد تخليدها بنفسه. وإذا ألقينا نظرة فاحصة على منظر التتويج الذي رسمه «رعمسيس» في معبد «القرنة»، شاهدنا أن «رعمسيس» نفسه قد رُسم بنفس الحجم الذي رُسم به والده «سيتي»، وبحجم الآلهة الثلاثة الذين أقيم هذا الحفل في حضرتهم. وإذا كان هذا المنظر يمثل فعلًا تتويج «رعمسيس» مشتركًا في الملك مع والده كما سنرى، فإن ذلك يدل على أنه قد بلغ سن الرشد على الأقل من حيث النمو الجسمي، اللهم إلا إذا اعترفنا — وذلك ممكن — أن «رعمسيس» لم يكن ليسمح أن تُنحت صورته في هذا المنظر بالذات بحجم أصغر من صور والده، أو الآلهة الذين كانوا معه، وعندنا على أية حال ثلاثة مناظر في معبد والده «بالعرابة المدفونة» رُسم فيها «رعمسيس» بوصفه ولي عهد بصورة أصغر من صورة والده «سيتي الأول»، ويلاحظ في كل من هذه المناظر أن اسمه لم يُنقش في طغراء في نهاية سلسلة الألقاب التي لُقب فيها «رعمسيس» «بالأمير، بكر وأولاد الملك من صلبه.»
وفي منظر آخر نشاهد الأمير يحمل الطغراءين اللذين يحتويان اسمه وألقابه على مقدمة ردائه، ويلاحظ أن لقبه قد كُتب بالصيغة القصيرة؛ أي «وسر ماعت رع»، وعلى أساس ما استنبطناه من براهين في نقوش معبد «بيت الوالي» كان «رعمسيس» فعلًا وقتئذ مشتركًا في الملك مع والده عندما حُفرت نقوش «العرابة»، وأنه كان لم يزل وقتئذ صغيرًا لدرجة أنه مثل في هذه المناظر في صورة صبي صغير.
ولدينا مناظر ونقوش عديدة في معبد «القرنة» حُفرت في الطور الأول والثاني، وتمثل الموقف التاريخي الذي شاهدناه في معبد «بيت الوالي»، فقد رُسم — كما ذكرنا — على جدران هذا المعبد منظر تتويج «رعمسيس» مشتركًا مع والده في الملك، وقد نُقش الحفر البارز المميز للطور الأول من أطوار حكمه التي ذكرناها سابقًا. هذا ونشاهد في مناظر ثلاثة شعائر متتابعة من طراز الطور الثاني، اسم كل من «رعمسيس» و«سيتي» يُذكر بالتوالي في أحوال يمكن فهمها على الوجه الأكمل إذا كانا مشتركين في حكم البلاد بمرتبة متساوية. هذا، ويوجد إفريز محلَّى بعلامات «خكر» أقيم فوق سلسلة المناظر السالفة الذكر، وقد كُرر عليه اسما الملكين بالتوالي؛ مما يدل كذلك على صحة مشاطرتهما ملك البلاد معًا. وفي «العرابة» نجد في كل من معبد «سيتي الأول»، ومعبد «رعمسيس الثاني» ما وجدناه من مادة في كل من معبد «بيت الوالي»، ومعبد «القرنة»؛ إذ الواقع أن جزءًا كبيرًا من معبد «رعمسيس الثاني» كان قد تم بناؤه، وزخرفته قبل موت والده، أما في معبد «سيتي» نفسه فقد صُور «رعمسيس» بوصفه ولي العهد في حضرة والده لابسًا رداء مزينًا بطغراء نُقش فيه لقبه القصير الخاص بعهد اشتراكه في الملك مع والده، وقد أتم «رعمسيس» معبد «سيتي الأول» بعد وفاة والده؛ حيث نشاهد أنه قد حول نقوش والده البارزة في الردهة الثانية إلى نقوش غائرة باسمه، وقد استعمل لقبه الطويل كما كان المنتظر في هذا الطور من تاريخ حياته.
والآن نلقي نظرة على قاعة العمد العظيمة «بالكرنك» التي كان الغرض الأساسي في طراز بنائها محاكاة قاعة عمد معبد «الأقصر»، وتدل شواهد الأحوال على أن العمل قد بُدئ فيها في عهد الفرعون «حور محب» كما أسلفنا، غير أن التصميم الأصلي قد غُير في عهد «رعمسيس الأول»، وقد تم تزيين الممر الشمالي في عهد «سيتي الأول»، وتم تزيين الممر الجنوبي في عهد «رعمسيس الثاني»، وكان إنجاز معظمه في عهد اشتراكه في الملك مع والده.
وإذا أنعمنا النظر وجدنا أن كل الأطوار الأربعة التي تقلب فيها عهد «رعمسيس الثاني» — كما أسلفنا — ممثلة في زخرفة هذه القاعة الشاسعة الأرجاء وفي زينتها، فنشاهد أن أكثر من نصف الصور التي على الواجهة الشرقية لبرج البوابة الجنوبي، وكذلك أغلبية الصور التي على الجدار الجنوبي كانت كلها محفورة حفرًا بارزًا من طراز الطور الأول، ويلاحظ أن هذه النقوش بعينها مضافًا إليها بعض مناظر «سيتي الأول» المحفورة حفرًا بارزًا، قد حُولت إلى نقش غائر في الطور الثالث، عندما أضاف «رعمسيس الثاني» إلى لقبه البسيط نعت «ستبن رع»، وأصبح يلقب «وسر ماعت رع ستبن رع»، ويلاحظ أن النقوش الغائرة من الطور الثاني التي كانت تحمل اللقب القصير «وسر ماعت رع» قد بقيت كما كانت دون إحداث أي تغيير.
(١-١) منظر سفينة آمون المقدسة «وعيد الوادي» وصلتهما بعهد اشتراك «رعمسيس» في الحكم
وإذا أردنا أن نبحث في المصادر المصرية لتفسير ذلك كان جديرًا بنا أن نولي وجهنا ثانية نحو ما ينطق به «رعمسيس» نفسه حين يقول: «لا يوجد أثر أُنجز لم يكن تحت سلطاني (حرفيًّا تحت سلطانك)»؛ وبذلك نجد «رعمسيس» يؤكد عن قصد تسلطه على عمليات البناء وقتئذ؛ مما يجعل الإنسان يميل إلى الاعتقاد بأنه كان صاحب اليد الطولى شخصيًّا في تصميم أمثال هذه المباني وإنجازها. ومن المحتمل أنه في عهد اشتراك الملكين كان «سيتي» في غالب الأحيان غائبًا عن مصر في حروبه المختلفة، في حين كان «رعمسيس» مقيمًا في البلاد يدير شئون الملك على وجه عام.
ومن الجائز إذن أنه في مثل هذه الأحوال قد تأثر بمبادئ مدرسة جديدة للنحت كانت تعتقد أن طراز النحت البارز من بقايا عصر بائد، ولا بد من التجديد. وعلى أية حال، فإن «رعمسيس» الشاب لم يكن بعيدًا عن عصر «إخناتون» الذي كان قد بدأ يظهر فيه النقش الغائر بصفة واضحة، ومهما يكن تأثير العوامل الخارجية على فكره، فإنا نعلم أنه خضع لنفوذ هذا الطراز من النقش، ولا بد أنه قد اعتنق هذا التجديد عن عقيدة قوية كانت تزداد كل يوم؛ لأنه لم ينبذ النقش البارز حبًّا في النقش الغائر فحسب، بل إنه بعد مدة قصيرة ذهب في حبه لهذا الطراز إلى حد أنه — على الأقل في «العرابة»، و«الكرنك» — كشط كل نقوشه البارزة، ونقشها من جديد بالحفر الغائر، ومن الجائز أنه كان هناك دوافع أخرى قد شجعته على ذلك، منها أن النقش الغائر يمكن إنجازه بسرعة، وهو أبقى على الزمن من الحفر البارز. وعلى أية حال، فإنا نعجب بحماسه وغيرته في هذا الصدد أكثر مما نعجب بذوقه، ولن نحيد إذن عن الصواب إذا قلنا: إن «رعمسيس الثاني» قد وجد الطراز الجديد في عينه أكثر جمالًا من القديم، وأنه كان مقتنعًا بحكمة شبابه أكثر من أي ملك قديم محنك.
هذا ملخص عام للآراء التي أوردها «كيث سيلي» في كتابه عن عهد اشتراك «رعمسيس الثاني» مع والده في الحكم، وهي بلا شك تُعد مقدمة لا بد منها لمن أراد أن يدرس تاريخ «رعمسيس الثاني» من الآثار، وعلى الرغم مما فيها من فروض — قد تصيب وقد تخطئ — فإنها في مجموعها تُعد أساسًا صالحًا لدرس حياة هذا الملك العظيم الذي ملأ الإمبراطورية المصرية بآثاره التي — كما هي الآن — يخطئها العد.
والآن نبتدئ بعد درس الوثائق التي خلفها لنا هذا الفرعون عندما أخذ مقاليد الحكم في يده منفردًا بعد أن ألقينا نظرة عامة على ما قام به في عهد اشتراكه في الحكم مع والده، وأهم هذه الوثائق من الوجهة التاريخية والدينية والهندسية وثيقة الإهداء التي دونها على جدران الجزء الذي أضافه لمعبد والده «بالعرابة المدفونة»، وهي التي أرِّخت بالسنة الأولى من تربعه على عرش الملك بعد وفاة والده.
(أ) وثيقة الإهداء الكبرى في معبد العرابة المدفونة
-
(١)
خطاب أوزير للملك: خطاب «أوزير» رب الأبدية لابنه ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع»: إن قلبي في راحة بفضل ما فعلت لي، وإني لمبتهج بما قد أمرت به لي، وإني لفرح بتقديمك العدالة لي قربانًا؛ لأني أعيش بأعمال الخير التي أهديتنيها مدة أمد السماء، وإن أعمالك الصالحة تشبه أعمال قرص الشمس، وستبقى أنت ما بقي «آتوم»؛ لأنك تسطع على عرشه، وكذلك ما دام «رع» مزدهرًا عندما يخترق السموات العلا حيثما تكون أنت ملكًا على الوجه القبلي والوجه البحري بفضل أعمالك الصالحة داخل قصرك، وخططك محببة إلى قلبي، وما فعلته في الأفق كان مقبولًا، والمحراب يكون في حبور عندما يسمعك تلقي قصة أعمالك الصالحة، والإله «تاتنن» إله الآخرة قد منحك مئات ملايين السنين.
-
(٢)
خطاب «إزيس»: خطاب «إزيس» العظيمة والدة الإله: يا بني العزيز محبوب «آمون رعمسيس»، إن طول أمد حياتك مثل١١ طول أمد حياة ابني «حور»، فهكذا أنت، وهكذا سيكون من خرج من بطني، وإنك بار بنا مثله، وإن مدة أجل السماء، وممالك السيد المهيمن «أوزير» جميعها، وسني «حور» و«ست» ستُمنح لك بوصفك ملكًا على الأرض.
-
(٣)
خطاب «سيتي الأول»: خطاب «أوزير» الملك «من ماعت رع» (صادق القول): فليفرح قلبك يا ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع»؛ لأن «رع» إله الشمس يهبك الخلود، و«آتوم» يبتهج باسمك «حور» الغني بالسنين، تأمل إني في حبور يوميًّا؛ لأني أعود إلى الحياة من جديد، وإني لفي سرور لما فعلته لي منذ أن دعيت صادق القول؛ أي توفيت، ولقد عظمني «وننفر» (أوزير) لما فعلته لي.
-
(٤)
خطاب «رعمسيس الثاني»: خطاب ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» لوالده «أوزير»: إني أتضرع لوجهك كما كان يفعل ابنك «حور»، وإني أفعل ما يفعله فأعمل لك آثارًا في المكان المقدس (الجبانة)، وأضاعف الأوقاف لروحك، وإني أنا المجيب عن والدي وهو في عالم الآخرة السفلي، وإني تحت تصرفك، وتحت سلطانك، ولما كنت أعرف أنك تحب العدالة فإني أقدمها لجمالك حاملًا إياها على راحتي أمام وجهك حتى تجعل الأرض ملكًا لي في سكينة، وحتى تهبني الخلود بوصفك ملكًا، والأبدية بوصفك راعيًا للأرضين، وإني على استعداد لتنفيذ ما يحبه قلبك كل يوم بلا انقطاع.
-
(٥)
رحلة رعمسيس الثاني إلى «طيبة»، وسرد أعماله التي قام بها تكريمًا لوالده: لقد كان ولدًا بارًّا بأبيه مثل «حور» عندما انتقم لوالده «أوزير»، فهو الذي صور من سواه، ونحت تمثال من أنجبه، وأحيا اسم من وضع بذرته ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس الذي يحبه، ورب التيجان «آمون مري رعمسيس» معطي الحياة مثل «رع» مخلدًا «أوزير» سيد «العرابة»، فقد ظهر سيد الأرضين ملكًا ليحافظ بتقى على ذكرى والده في السنة الأولى في أثناء سياحته الأولى إلى «طيبة»، وقد نحت تمثالين لوالده الملك «من ماعت رع»، أحدهما في «طيبة»، والآخر في «منف» في المعبدين اللذين أقيما لهما هناك، وزاد في جمال ما كان موجودًا في «تاور» في ضاحية «العرابة»؛ لأنه كان يحب ما يميل إليه قبله (أي قلب والده) منذ أن وُجد على الأرض؛ أي على تربة «وننفر» (أوزير)، وقد جدد إصلاح آثار والده التي في الجبانة ليجعل اسمه باقيًا، وقد بدأ في نحت تماثيله، وتخصيص قربان ثابت لروحه المبجل، وإمداد معبده، وتموين قربانه، وإصلاح ما كان قد تخرَّب في المثوى الذي يعزه. وكذلك أقام العمد في معبده، وبنى جدران سوره، وأخذ في تدعيم أبوابه، وفي إقامة أنهار في مثوى والده في بقعة «أوزير» (؟) … والبوابة المزدوجة المقامة في الداخل (؟)، ويرجع الفضل في ذلك لأعمال الملك الشجاع ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن «رع مري آمون رعمسيس»، معطي الحياة لوالده «أوزير من ماعت رع» صادق القول، وقد أسس له أملاكًا وأمدها بالأرزاق لما له من سمعة بين الملوك، وكان قلبه رفيقًا بمن أنجبه، ولبه شفيقًا على من نشأه.
-
(٦)
وصف حالة آثار العرابة التي وجدها عليها الملك عند عودته من «طيبة»: واتفق ذات يوم في السنة الأولى في الشهر الثالث من الفصل الأول في اليوم الثالث والعشرين أنه منذ العيد (؟) … بعد أن سار في ركاب «آمون» حتى «الكرنك» طلع الملك مغمورًا بالثناء من «آمون-آتوم» في «طيبة» لشجاعته وبطشه، وقد كافأه هذا الإله بملايين من السنين أكثر عددًا من سرمدية «رع» في السماء، وعندما سمع … هادئًا (؟) في خلود الزمن والأبدية، وقد رفع ذراعه حاملًا المبخرة نحو أفق الذي يستقر في الحياة (؟)، ولقد كانت قرباته طيبة ومقبولة عند والده رب الحب، وعاد جلالته من البلدة الجنوبية (طيبة) … «رع»، وقد بدأ السير في طريقه بعد أن أعدت العدة، ومخرت السفينة الملكية عباب الماء متجهة صوب الشمال إلى مكان الشجاعة بيت «مري آمون رعمسيس»، العظيم الشجاعة.
وقد دخل جلالته ليرى والده مقلعًا في مياه قناة «تاور» ليقرِّب القرابين للإله «وننفر» في المكان الجميل الذي يحبه روحه، وليسلم على ٦ … أخاه «أنحور» ابن «رع حقا»، وهو مثله تمامًا.
وقد وجد مباني الجبانة التي من عهد الملوك الأقدمين، وكذلك مقابرهم التي في «العرابة» آيلة للخراب، ولا يزال البناء جاريًا في نصفها … ساقطًا على الأرض، وجدرانها منبوذة على الطريق، ولم تكن لبناتها متماسكة، وقد درس ما كان قائمًا منها، ولم يكن هناك إنسان ليبني … ما كان قد عمل تخطيطه أبدًا (؟) منذ أن طار إلى السماء أصحابها، ولم يكن هناك ابن يقوم بإصلاح ما تركه والده من آثار في الجبانة.
أما معبد الفرعون «من ماعت رع»، فكان البناء جاريًا في واجهته ومؤخرته عندما دخل الملك السماء، وكانت مبانيه لم تُنجز بعد، ولم تكن قواعد عمده قد أقيمت، وكان تمثال الفرعون ملقى على الأرض، ولم يكن قد نُحت بعد على حسب القواعد المتبعة في محاجر «حتنوب» (؟)، وكانت قد انقطعت قرباته وكهنته غير المحترفين أيضًا، وقد استولى على ما كان قد جُلب إليه؛ لأن حقوله وحدودها لم تكن قد ثبتت تمامًا على الأرض.
-
(٧)
«رعمسيس الثاني» يعقد مجلسًا من رجال بلاطه وموظفيه: تحدث جلالته لحامل خاتم الوجه البحري الذي كان بجانبه: تكلم، ادعُ رجال البلاط والأشراف ورؤساء البلاط جميعًا، ومديري الأعمال بجملتهم، والمشرفين على بيت الكتب، وقد أحضروا لجلالته وأنوفهم تقبِّل الأرض راكعين مهللين فرحًا، رافعين أكف الضراعة لجلالته، ثم أخذوا في إطراء هذا الإله الطيب، وعظموا فضائله في حضرته، وتكلموا بخير عما أنجزه، وتأثروا أعمال شجاعته كما وقعت، وكل كلام خرج من أفواههم يطابق ما فعله سيد الأرضين بحق، وبعد ذلك انبطحوا على بطونهم، وتمرَّغوا على الأديم أمام جلالته قائلين: لقد أتينا إليك يا سيد السماء، ويا رب الأرضين يا «رع»، يا حياة العالم كله، ويا سيد الأبدية، ويا قويًّا في دوراته، يا «آتوم» الإنسانية، ويا صاحب الحظ السعيد، ويا خالق الكثرة، ويا «خنوم» بارئ البشر، ويا واهبًا أنوف المخلوقات نفس الحياة، ويا من يجعل التاسوع الإلهي كله يعيش، ويا عماد السماء، وقوام الأرض، ومنظم شاطئ النيل، ومعدلهما، ورب الغذاء وصاحب الغلال الوفيرة، أنت يا من تحت قدميه الإلهة «رنوتت» إلهة الحصاد، ويا من يخلق العظماء، ويسوي الصغار، ويا من كلامه طعام، يأيها السيد السامي اليقظ عندما ينام الناس، ويا من تحمي شجاعته مصر، ويا شديد البأس على الأجانب، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا (؟)، ومن خنجره يحمي الدلتا، ويا محبوب الإلهة «ماعت»، والعائش بالقوانين التي سنتها، ويا مدافعًا عن شاطئ النيل، والغني في السنين، والعظيم الانتصارات، ويا من سحق البلاد الأجنبية خوفهم إياه، يا مليكًا، ويا شمسًا، ويا من كلامه حياة «آتوم»، تأمل إنا أمام جلالتك لتأمر بمنحنا الحياة التي تهبها، يأيها الفرعون الحي السليم القوي، يا نسيم أنوفنا، ويا حياة كل البشر عندما تسطع عليهم.
-
(٨)
الملك يقص خبر توليته عرش الملك، ويستعرض مشاريعه: ثم تحدث إليهم جلالته قائلًا: «تأملوا؛ لقد أمرت بدعوتكم لما جال بخاطري عندما شاهدت مباني الجبانة ومقابر «العرابة» لم تنجز أعمالها بعد منذ زمن أصحابها حتى اليوم؛ ذلك أنه عندما يخلف ولد أباه على عرش الملك يجب عليه أن يتم ما شرع فيه، ووضع أسسه أبوه؛ من أجل ذلك قلت لنفسي: إذا أعاد المرء إقامة ما تهدم جلب لنفسه سعادة الحظ، وإنه لعمل صالح أن يفكر الإنسان في ذلك، وإنه لجميل أن يهتم لب الابن بوالده، وبمثل هذا يدفعني قلبي لعمل أشياء نافعة ﻟ «مرنبتاح» (سيتي الأول)، وإني سأعمل حتى يقول الناس إلى الأبد السرمدي، إنه ابنه الذي جعل اسمه يحيى؛ ومن أجل هذا سيخصني والدي «أوزير» بحياة ابنه «حور» الطويلة؛ جزاء ما سأقوم به من الأعمال الطيبة لوالدي؛ لأني كنت بارًّا به كما كان «حور» بارًّا بمن أنجبه، وإني خرجت من «رع» … قولوا أنتم (أي (؟)) إن «من ماعت رع» والرب العالمي نفسه «أوزير» قد نشأني وجعلني أنمو حينما كنت لا أزال طفلًا حتى أصبحت ملكًا وأعطاني الملك (؟)، ومنذ أن كنت لا أزال في البيضة، وكان العظماء يقبِّلون الأرض أمامي، وأنا لم أزل أنشأ بوصفي البكر، والأمير الوراثي على عرش «جب»، وإني وضعت التقرير (؟) (٤٥) عن أحوال الأرضين بمثابة قائد المشاة والخيالة، وعندما كان يظهر والدي أمام الشعب كنت طفلًا صغيرًا بين ذراعيه، وكان يقول عني: «توِّجوه ملكًا حتى أرى جماله وأنا لا أزال حيًّا.» وعلى ذلك دعي المهندمون ليضعوا التيجان على جبيني، وقيل: ضعوا له التاج على رأسه حتى ينظم هذه البلاد، ويدير شئون مصر … وليولِّ وجهه شطر الناس (هكذا تكلم (؟)) (٤٧) … باكيًا بسبب الحب العظيم الذي كان يكنه لي في جوفه، وقد أمدني بإماء، ووصيفات فاتنات (؟) مع عذارى من القصر، وقد انتخب لي زوجات من بين اللائي يؤخذ منهن مغنيات «آمون» … وأراد أن يخصني من بين نساء القصر مربية (؟) تأمل، لقد كنت «رع» (الشمس) فوق الناس، فأهل الجنوب وأهل الشمال كانوا تحت نعلي … وإنه أنا الذي (٤٩) … قد صنعت تمثال والدي من الذهب، وثبَّت حقوله … وحبست القربان على روحه (٥٠) … من خمر وزيت خروع، وكل أنواع الفاكهة وكل باكورات المحاصيل، ونميت المزارع له. تأمل، لقد وضع معبده تحت ملاحظتي، وكل أشغاله كانت تحت مراقبتي منذ أن (؟) … حينما كنت طفلًا (٥١) … لأجل (؟) والدي، وسأكبرها بإعادة إقامة المباني، ولن أهمل مكانها كما فعل أولئك الأطفال الذين نسوا والدهم، وسأعمل حتى يقول الناس (٥٢) … ولد كان يعمل الطيبات، والأعمال الجبارة التي أنجزتها إكرامًا لوالدي عندما كنت لا أزال طفلًا أريد أن أتمها الآن وأنا سيد القطرين، وإني سأستعمل بإخلاص أحسن وسيلة (؟) … (٥٣) … وإني سأقيم جدرانًا في معبد من أنجبني، وسأكِل لرجل ممن أختار العناية بإدارة الأعمال، وسأسد الثغرات التي في الجدران، وإني … هذه البوابات، وسأغطي بيته بسقف، وأقيم واجهته، وسأضع قطعًا من الحجر في أماكن الأسس. وإنه لجميل أن يقيم الإنسان أثرًا فوق أثر، فهما شيئان مفيدان يعملان دفعة واحدة، ويحملان اسمي واسم والدي، فهكذا كان الأب، وهكذا من أنجبه أيضًا.»
-
(٩)
جواب المستشارين: وعندئذ تكلم السمار الملكيون مجيبين الإله الطيب: «إنك «رع» (الشمس)، وجسمك جسمه، ولا يوجد قط ملك يشابهك، فأنت وحدك مثل ابن «أوزير»، وتعمل على حسب خططه (٥٦) … «حور» بن «إزيس»؛ ولم يفعل أي ملك هكذا (؟) منذ عهد «رع» إلا أنت وابنه، وإن ما فعلته أعظم مما فعله منذ أن تولى الملك بعد «أوزير»، وإن قانون البلاد يثبت ويستقر عندما يكون الابن مهتمًّا بشأن من أنجبه، والبذرة المقدسة … ذلك الذي سوَّاه، والبيضة (؟) تحيط بالعناية مربيها المبجل (أي والده)، ولم يفعل بعد إنسان ما فعله «حور» لوالده إلى هذا اليوم إلا جلالتك … فقد عملت ما لم يعمل من قبل، فأي مثال فضيلة يوجد (٥٨) في استطاعتنا أن نأتي به لنذكره أمامك؟ ومن ذا الذي يأتي لينصحك عندما يفكر في الذي أتيته بمحض عبقريتك؟ لقد صيرت الجاهل … حلوًا، وإن في قلبك لحلاوة لوالدك «من ماعت رع» الوالد الإلهي محبوب الآلهة «مرنبتاح» صادق القول، ومنذ عهد «رع»! ومنذ عهد أن تُوج الملوك لم يوجد آخر مثلك؛ إذ لم يرَ مثلك وجه، ولم يسمع لمثلك قول، كما لم يوجد ابن آخر قد جدد آثار والده، ولا أحد اعتلى العرش مثلك قد حافظ بصلاح على ذكرى والده إذ كان كل واحد يعمل لما فيه فائدة اسمه إلا أنت و«حور» هذا؛ ولذلك فإنك وابن «أوزير» سيان.
تأمل، إنك وارث ممتاز مثله؛ إذ تدير ملكه بنفس طريقته، وإذا فعل أي فرد ما فعله الإله كان له نفس طول عمره (أي عمر الإله) وإن قلب «رع» في السماء لفرح، والآلهة مبتهجون بمصر منذ تتويجك ملكًا على الأرضين جميل … وإن عدالتك لممتازة، وإنها تصل إلى السماء، وإن خططك مستقيمة لقلب «رع»، وإن «آتوم» لممتلئ حبورًا، والإله «وننفر» منتصر بفضل ما فعلته جلالتك لروحه، ويقول … إني أمنحك (؟) أمد هاتين السماءين وآلهة المكان سرى (؟) لصاحبه سيد العالم السفلي يقولون: (؟) إنك ستكون على الأرض مثل «آتون» ص شمس)، وإن قلب «مرنبتاح» لفرح؛ لأن اسمه قد أحيي من جديد، وإنك تصوغه من ذهب، وأحجار كريمة حقيقية … من السام … وإنك تصنعه من جديد باسمك، وكل الملوك الذين في السماء، والذين كانت مبانيهم لم تزل في دور التنفيذ، ليس لهم ولد قد عمل ما عملته منذ عهد «رع» حتى هذا اليوم … (٦٥) … جلالتك، والذي فعله قد جددت ذكراه بعد أن كان قد نسي، ولقد جددت آثارًا في الجبانة، كما أن كل المشروعات التي كانت مهملة قد أنجزتها على الوجه الأكمل (؟) … (٦٦) … والأجيال تمرُّ، ويحل غيرها، وجلالتك ملك الوجه القبلي والوجه البحري؛ لأنك أنت الذي تعمل الخير، وقلبك مرتاح لإقامة العدل، وما عمل في زمن الآلهة سيسمع (؟) … (٦٧) … وعندما تُرفع إلى السماء ستصعد أعمالك الصالحة حتى الأفق؛ والأعين ترى أعمالك العظيمة التي أُنجزت أمام الآلهة والناس، وإنك أنت الذي تعمل، وإنك أنت الذي تكرر الأثر فوق الأثر للآلهة على حسب أوامر والدك «رع» (٦٨) … واسمك في كل بلد من أول بلاد النوبة جنوبًا وشمالًا من أول شواطئ البحر حتى بلاد «رتنو» حيث القبائل البدوية (؟)، وفي الأماكن الملكية الحصينة، وكذلك في المدن المشيدة، والتي يسكنها الناس (٦٩) … وكل الأماكن تعرف أنك إله لكل الموجودات، والناس يسهرون ليقوموا لك بتقديم البخور على حسب أمر والدك «آتون» الذي تعظمه مصر، وكذلك تفعل الأرض الحمراء (الصحراء).»
-
(١٠)
تقديس معبد «سيتي» الذي أتمه «رعمسيس الثاني» (٦٩–٧٥): وبعد أن سمعت هذه العبارات التي فاه بها هؤلاء العظماء أمام سيدهم؛ أعطى جلالته الأمر بأن توكل الأعمال لمهندس البناء، فانتخب جنودًا وعمالًا بنائين، ونقاشين، ورسامين محترفين (؟) وعمالًا من كل طوائف الصناع لبناء قدس أقداس والده، ولأجل إصلاح ما كان قد تخرَّب في الجبانة، وفي مثوى والده الجنازي. تأمل، إنه قد بدأ في نحت تمثاله في السنة الأولى، وفي الوقت نفسه ضاعف القربان لأجل روحه، حتى أصبح معبده ممونًا كما يجب، وكذلك أمده بما يلزمه، وقد عمل قائمة أملاكه دفعة واحدة بما تحويه من حقول، وزراع، وقطعان ماشية، وعيَّن الكهنة، وحدد اختصاصاتهم تمامًا، فخادم للإله لتكون السجلات تحت إدارته، وهؤلاء الناس تحت … لأجل إدارة ممتلكاتهم (؟) … وهذه المخازن كانت غنية بالحبوب (٧٤) … وأملاكه الشاسعة في الجنوب والشمال قد وُضعت تحت مراقبة مديره، ويرجع الفضل في ذلك لما فعله مدير الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع» «ستبن رع» ابن رع محبوب آمون «رعمسيس» معطي الحياة سرمديًّا ومخلدًا؛ لأجل والده الملك «من ماعت رع» صادق القول (٧٥) … تحت إدارة «وننفر»، وقد أعاد ما كان قد فعله لروحه في «طيبة»، و«هليوبوليس»، و«منف»، وتماثيله جاثمة مكانها في طرق الصحراء كلها.
-
(١١)
خطاب الفرعون لوالده «سيتي» (٧٥–٩٨): «وهاك كلام ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع» «ستبن رع» ابن الشمس سيد التيجان، محبوب «آمون» «رعمسيس» معطي الحياة، عندما أعلن ما فعله لوالده «أوزير» الملك «من ماعت رع»، صادق القول إذ يقول: تنبه وولِّ وجهك قِبل السماء لترى «رع» يا والدي «مرنبتاح» أنت يا من أصبحت إلهًا، انظر لقد جعلت اسمك يحيى، وإني أرعى صلاح ذكراك؛ إذ أعتني بمعبدك (٧٧)، وقربانك ثابت دائم، وإنك تُثوى في العالم السفلي مثل «أوزير» في حين أني أشرق مثل «رع» على الإنسانية، وأجلس على عرش «آتوم» مثل «حور» بن «إزيس»، الذي انتقم لوالده، ما أجمل ما فعلته لك (؟) فإنه مضاعف الحسن (؟)؛ لأنك عدت به إلى الحياة من جديد! فقد صنعت لك تمثالًا، وبنيت مثواك الذي كنت ترغب فيه، والذي فيه صورتك في جبانة العرابة (إقليم الأبدية)، وإني أضع قرابين لتماثيلك، كما تقدم لك هبات يومية، وما فعلته كان بطريقة محكمة حتى إذا نقصك شيء فعلته لك؛ لأن كل ما يرغب فيه قلبك مفيد لسمعتك (؟)، وإني أُعين لك خدمًا للمائدة (٨٠) ليحملوا الطعام لروحك، وليصبُّوا الماء له على الأرض من خبز وماء على التوالي، ولقد أتيت بنفسي مرتين (؟) لأزور معبدك الذي بجوار «وننفر» ملك الأبدية، ولقد عكفت على أعمال هذا المعبد؛ فبنيت رقعته (غطيتها بالبلاط) (٨١)، وإني … ما رغبت فيه، وأقمت كل مساكنك التي نبت فيها اسمك سرمديًّا؛ ولقد فعلت كذلك لأجل حالة معبدك الطبعية (أي لتكون هذه الحالة الطبعية باقية ثابتة) وإني أهبك أقوام الجنوب، الذين يحملون العطايا لمعبدك، وأقوام الشمال الذين يحملون جزيتهم لوجهك الجميل، وقد جمعت كل من يعمل لك هدايا في مكان واحد تحت ملاحظة (؟) كاهن معبدك حتى تبقى ملكيتك كتلة موحدة (لا تقسم) على حين أن الأشياء تحمل إلى معبدك مدى الخلود.
وقد جعلت خزانتك فاخرة؛ إذ ملأتها بالخيرات على حسب رغباتك (؟)، وإني أقدمها لك في الوقت نفسه مع الجزية التي تستحقها (؟)، وإني أهديك سفينة نقل بحمولتها على البحر الأبيض مشحونة بالذخائر العظيمة من بلاد الآلهة، والتجار يتجرون في سلعهم، وطرائفهم المشغولة (؟) من ذهب وفضة ونحاس، ودونت من أجلك قوائم حقول كانت من قبل معروفة شفويًّا فقط (؟) … على الأراضي العالية المقدرة بالحقول، وإني أمدها بملاحظين ومزارعين لحصد الحبوب للقرابين المقدسة، وإني أقدم لك سفنًا بنواتيها، والنجارون يشتغلون حتى لا يكون هناك ما يعوق سير السياحة إلى المعبد.
وقد جمعت لك قطعانًا من كل نوع من الحيوان الصغير لإمداد قرابينك بطريقة منظمة، وخصصت لك أوزًا مجلوبًا من حظائر التسمين (؟)، وأخرى (٨٧) … وكذلك أوزًا حيًّا لتتربى، وهي تلك التي كانت قد فقست (؟)، وعيَّنت صيادين على المياه في البحيرات ليحصلوا لك على دخل يقدر بحمولة سفن (؟)، وقد أمددت معبدك بكل الحِرف (٨٨)، وجلالتي يسهر على الإشراف على المعبد (؟)، وكهنة الساعة كاملون من جهة عدد الرءوس (؟) والفلاحون قد أجبروا على عمل النسيج اللازم للملابس، أما عبيد حقولك في كل مركز؛ فيحمل كل رجل جزيته لملء بيتك. تأمل، فإنك قد دخلت السماء في صحبة «رع» تختلط بالنجوم وبالقمر! وإنك ترتاح في العالم السفلي مثل الذين يسكنون بجانب «وننفر» سيد الأبدية، وذراعاك تجرَّان سفينة «آتوم» في السماء، وعلى الأرض مثل النجوم السيارة، ومثل النجوم الثابتة (القطبية) حينما تكون في مقدمة «سفينة ملايين السنين»، وعندما يشرق «رع» في السماء تصوب عينيك إلى جماله (٩١)، وعندما يخرج «آتوم» من العالم السفلي تكون بين أتباعه، وإنك قد دخلت القاعة السرية في حضرة سيدها، وخطواتك تذهب بعيدًا في أعماق العالم السفلي، وإنك تتآخى مع تاسوع الجبانة المقدس. تأمل، لقد طلبت الهواء لخيشوميك الفخمين؛ وإني أعلن اسمك كثيرًا يوميًّا (؟)، وإني … والدي … (٩٣)، وإني أعلن أعمالك العظيمة عندما أكون في الممالك الأجنبية، وإني أصنع هدايا لك وذراعاي محملتان بالقربان باسمك (لروحك) (؟) في أماكنك كلها، ليتك تقول ﻟ «رع» … (٩٤) امنح الحياة ابن «وننفر» بقلب محب، وأعطِ حياة طويلة فوق حياة طويلة موحدة في أعياد ثلاثينية للملك «وسر ماعت رع ستبن رع» معطي الحياة، وإنه لمن الخير لك أن أكون ملكًا مخلدًا (٩٥)؛ لأنك ستكون … بابن بار سيذكر والده، وإني أستشير في أمر معبدك كل يوم عما يخص شئون روحك في كل أنواع المواد، فإذا سمعت أن تلفًا على وشك أن يحدث أعطيت الأمر بتجنبه في الحال بكل أنواع المواد اللازمة، وإنك ستكون كأنك لم تزَل عائشًا ما دمت أحكم، وإني أسهر على معبدك كل يوم يطلع (؟)، وإن قلبي يحيطك بالعناية، وإني أرعى صلاح ذكرى اسمك، وأنت في العالم السفلي، وكل شيء سيصير على ما يرام لك ما دمت أحيا عمرًا طويلًا بوصفي محبوب «آمون رعمسيس» معطي الحياة مثل رع ابن رع.»
-
(١٢)
شكر «سيتي الأول» لابنه (٩٨–١١٦): كان الملك «من ماعت رع» «صادق القول» (متوفى)، ذا روح سامية ﮐ «أوزير»، مبتهجًا بالسرور من أجل كل ما فعله ابنه، منفذًا الأشياء الممتازة ملك الوجه القبلي والوجه البحري، ورئيس الأقواس التسعة، سيد الأرضين، «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس، رب التيجان، محبوب «آمون رعمسيس»، مخلدًا وسرمديًّا، وقد أعلن كل أعماله الصالحة أمام «رع حور اختي»، وأمام الآلهة الذين في العالم السفلي. تأمل! إنه تكلم بقوة كما يتكلم والد على الأرض لابنه قائلا: فليبتهج قلبك كثيرًا يا بني العزيز، «وسر ماعت رع ستبن رع»، معطي الحياة بسبب (؟) … إن «رع» يمنحك ملايين السنين، والأبدية على عرش حور (١٠١) الأحياء، وإن «أوزير» يرجو لك بقاء السماء التي تشرق فيها مثل «رع» كل صباح، وإن الحياة والصحة معك … والصدق والقوة، وابتهاج القلب هي من عمل مَن هو غني بالسنين (١٠٢)، وإن القوة والنصر ملكك أنت يا عظيم الانتصار، والصحة ملك أعضائك مثل ما هي ملك أعضاء «رع» في السماء، والفرح والسرور في كل الأماكن التي توجد فيها يأيها الملك، يا حامي مصر، وغال الأقوام الأجنبية، وإن الأبدية قد عملت لتكون عمرك، بوصفك ملك الوجه القبلي والوجه البحري، مثل «آمون» عندما يكون مزدهرًا حينما يشرق، وعندما يغيب. تأمل! ما قلته لرع بقلب محب، امنحه الخلود على الأرض مثل «خبر رع»، وقد كررت على «أوزير» عندما دخلت أمامه ضاعف له عمر ابنك «حور»، وعلى ذلك تأمل فقد أجاب «رع» في أفق السماء، ليت الخلود والسرمدية، وملايين السنين تكون ملك ابن «رع» في صورة أعياد ثلاثينية، وهو الخارج من ظهره، والعزيز محبوب «آمون رعمسيس» معطي الحياة، ومنفذ الأشياء السامية! وقد وهبك «آتوم» مدى عمره بوصفك ملكًا، وقد تجمعت القوة والانتصارات (١٠٦) في ركابك، وقد دونها «تحوت» بجانب السيد العالمي، وقد صاح التاسوع المقدس: نعم، إن «رع» في سفينته، وهو سيد سفينة الليل، وقد جمعها له، وعيناه تريان ما فعلته من الأشياء الممتازة، عندما يخترق السماء في ريح رخاء كل يوم، وإن خلفه لفي بهجة عظيمة عندما يستذكر أعمالك الصالحات، وحبك في صدره كل يوم إلى أن يغيب «آتوم» في الأرض الغربية. تأمل! فإن «وننفر» أصبح منتصرًا بما فعلته جلالتك له بكل إخلاص (؟)، وقد أيقظه «حور» لذكرى أعمالك الصالحات، وإن قلبي لفي سرور مضاعف بالخلود الذي منحه إياك. تأمل! فإني أتسلم الأشياء التي أعطيتنيها — خبزي ومائي — بقلب حنون، وإن نسمات الريح تصل إلى أنفي من أجل ما آتاه ابن سليم القلب، وحام مبرَّأ من الإهمال، عارف كل جميل (؟)، وإنك تعيد أثرًا فوق أثر ﻟ «أوزير»، تحت ملاحظتي (؟)، في حضرتي … (١١١)، في داخل «تاور» (إقليم العرابة)، ولقد أصبحت عظيمًا من أجل ما فعلته لي، وقد وضعت على رأس دولة الأموات (؟)، وقد تحوَّلت (؟)، وتألهت أكثر مما تستحقه فضائلي منذ أن اهتم قلبك بي في أثناء وجودي في العالم السفلي، وإني والدك الحق الذي أصبح إلهًا، ولقد اختلطت بالآلهة المرافقة ﻟ «آتوم»، وكنت (١١٣) … الذي في السفينة … «رع» (؟) مثل واحد من الذين … منذ أن سمعت (١١٤) أنه يذكر طيبتك … تأمل، فإنه سيكون لك بقاء طويل في الحياة، وإن «رع» قد منحك … أبديًّا مثل … وإن صورة «آتوم» الحية، وكل كلامك يتحقق مثل كلام سيد العالمين، وإنك بيضة «خبر رع» الممتازة، والبذرة المقدسة الخارجة منه، ومن أنجبته هو ما خلقه «رع» نفسه، ويقول لك … مثل منفذ (؟) … المربي، وإنك تأتي بوصفك «رع» منبع الحياة للناس، فالجنوب والشمال تحت قدميك، ويرجو أن أعيادًا ثلاثينية لأجل «وسر ماعت رع ستبن رع»، وكذلك دوام رب العالمين عندما يشرق، وعندما يغيب في خلود سرمدي.
تعليق
لا نزاع في أن هذا المتن على ما به من عبارات تقليدية، ومراسيم دينية، وأساطير يقدم لنا ملخصًا رسميًّا حقيقيًّا عن المباني والأوقاف التي أخذ «رعمسيس الثاني» على عاتقه القيام بإنجازها في مدينة «العرابة المقدسة» لأجل الآلهة العظام، ولأجل عبادة والده «سيتي الأول» المتوفى، وكذلك يضع أمامنا بهذه المناسبة تاريخ شباب «رعمسيس»، وتتويجه ملكًا على البلاد منفردًا، وقد حاول مؤلف هذه النقوش التي دونت بطبيعة الحال على حسب تعليمات خاصة من «رعمسيس» نفسه أن يضعها أمامنا في صورة تمثيلية رائعة، جمع فيها بين الدين والأخلاق، والتاريخ، والآثار معًا، فيظهر أمامنا على المسرح أولًا الإله «أوزير» الذي يعد أعظم آلهة بلدة «العرابة المدفونة» التي أقام فيها «سيتي الأول» معبده العظيم تكريمًا لهذا الإله، وغيره من آلهة الدولة العظام، مما فصلنا فيه القول عند التحدث عن حياة «سيتي»، فيخاطب «أوزير» «رعمسيس الثاني» مظهرًا له اغتباطه بما قام له به من جليل الأعمال الخالدة في معبده، وبخاصة تقديمه له العدالة، وهي أعز شيء عند الآلهة؛ بمثابة قربان يعيشون عليه؛ ولذلك يقول له: «إني سأعيش على أعمال الخير التي قدمتها لي طوال أبدية السماء، وإنك ستبقى ما بقي الإله «آتوم»؛ لأنك تسطع على عرشه بأعمال الخير التي قمت بها.» وكذلك يقول له: «إن الإله «تاتنن»، وهو صورة من صور «أوزير» في العالم السفلي قد أعطاك ملايين السنين تحياها حياة طيبة.»
وبعد أن ينتهي «أوزير» من خطابه هذا الموَجه لابنه «رعمسيس» تظهر الإلهة «إزيس» على المسرح، وهي زوجه وأم الإله «حور»؛ فتخاطب «رعمسيس» قائلة له: «إن طول حياتك سيكون مثل طول حياة ابني «حور».» وقد كان «حور» هذا أول ملك حكم على الأرض بعد موت «أوزير» والده، هذا إلى أن جميع ما كان يتسلط عليه «أوزير»، وكذلك السنين التي حكمها الإله «حور»، والإله «ست» معًا، سيمنحها «رعمسيس» أيضًا، وبعد أن تفرغ «إزيس» من خطابها الموجه لابنها «رعمسيس» يأتي دور والده «سيتي» الذي أصبح مثل «أوزير» يحكم في عالم الأموات؛ فيظهر على المسرح مبشرًا «رعمسيس» بأن الإله «رع» سيمنحه الخلود، وأن الإله «آتوم» مسرور؛ لأنه قد أصبح «حور»؛ أي ملكًا بعد وفاته هو، ثم يخبره بأنه مبتهج بما قام له به من جليل الأعمال في «العرابة المدفونة» منذ أن أصبح «صادق القول»؛ أي منذ أن ذهب إلى عالم الآخرة، ولكن تأثير أعمال ابنه الصالحات قد جعلته يعود للحياة من جديد بما يقدمه له من قربان. هذا إلى أن الإله «وننفر» (الكائن الطيب)، وهو الذي يمثل الإله «أوزير» في عالم الآخرة قد رفعه إلى مكانة علية بسبب ما فعل الابن لأبيه، ولسنا في حاجة إلى التنويه بما في هذه العبارات من مبادئ قويمة عن معاملة الابن لأبيه؛ مما وصَّت به كل الأديان السماوية التي جاءت بعد العهد الذي نحن بصدده.
وبعد فراغ الوالد من التحدث لابنه جاء دور «رعمسيس الثاني»؛ فظهر على المسرح ووجه خطابه للإله الأعظم «أوزير» في أدب جم، واحترام بالغ، وافتتح كلامه بالصلاة والدعاء له، كما كان يفعل له «حور» ابنه، ثم طمأنه بأنه سيسير على نهج «حور» الذي كان يعد ملكًا مثاليًّا، وأنه سيجدد ما أفسده الدهر من آثاره في جبانة «العرابة المدفونة» التي كانت تعد كعبة المصريين، وبيت تقديسهم، وأنه سيقرِّب له قربانًا مضاعفًا لروحه، وأنه سيكون رهن إشارته وتحت تصرفه في كل ما يطلب، ثم يقول له: إنه قد قدم له العدالة قربانًا؛ لأنه يعرف أنه يحبها؛ أي «ماعت»، وهي النظام الكوني الذي كان يسير عليه العالم منذ بدأت الخليقة على يد «رع» أول ملك حكم العالم.
والواقع أننا نرى «رعمسيس» ممثلًا في المنظر الذي يتبع هذا المتن، وهو يضع تمثال العدالة على راحته، ويقدمها إلى وجه «أوزير» حتى يجعل الأرض تسير في طريق السلام، وكذلك يمنحه الخلود؛ لأنه راعي الأرضين، وهكذا نرى أن العدالة «ماعت» كانت محببة للآلهة، وأنها كانت الهدى الذي يرشد الملوك؛ لأنهم من نسل «رع»، والشعب إلى الطريق السوي في كل زمان ومكان، وقد أراد المصري كما كانت سليقته أن يقرِّب الأشياء المعنوية إلى الأذهان، فصور لنا العدالة في صورة امرأة جالسة على رأسها ريشة، ثم أصبح يرمز لها بالريشة فقط، وما أشبه الليلة بالبارحة، فالريشة رمز العدالة في معظم بلدان العالم في أيامنا هذه.
من أجل ذلك دعا «رعمسيس» رجال بلاطه، وعظماء موظفيه من كل صنف، فجاءوا إليه وخروا ساجدين، وأخذوا في إطرائه وتمجيده حتى رفعوه إلى منزلة أعظم من منزلة الآلهة أنفسهم، وبعد أن أحاطوه بسياج من القوة والعظمة بعباراتهم المنمقة التقليدية المتواترة، قالوا: «وها نحن إذن أمام جلالتك لتمنحنا الحياة التي تتحكم فيها يأيها الفرعون الحي السليم القوي، ويا نسيم أنوفنا، ويا حياة كل البشر عندما تشرق في أعينهم.» وهكذا كان حكم الفرعون المنحدر من صلب الآلهة، فكان يعد نفسه إلهًا. وعندئذ أخذ «رعمسيس» يقصُّ على رجال دولته أعجوبة توليته العرش أولًا، ثم يستعرض أمامهم المشروعات التي يريد تنفيذها في تلك البلدة المقدسة التي اصطفاها والده، وأقام فيها معبده المنقطع الفذ.
وقد بدأ «رعمسيس» بإلقاء درس على رجال بلاطه وموظفيه في واجبات الابن نحو أبيه، وبخاصة إحياء ذكراه بإقامة الآثار له، وأنه لن يكون كأبناء الملوك الآخرين الذين أهملوا آثار آبائهم؛ فدرست، وعفت، وأصبحت كأن لم تغنِ بالأمس، بل صمم على أن يحيي ذكرى والده حتى يقول عنه الخلف: «إنه ابنه الذي جعل اسمه يبقى.» وبتلك الوسيلة فقط يَحبُوه الإله «أوزير» بالملك المثالي كما حبا به ابنه «حور» الذي خلفه على عرش الأحياء، وبعد ذلك أخذ يحدثنا «رعمسيس» عن عناية والده به، وكيف أنه خصَّه بالملك، وتوَّجه على عرش البلاد، وهو لم يزل حيًّا؛ فكان شريكًا له في الملك حتى قضي، كما فصلنا القول فيه من قبل.
وبعد أن فرغ من قصة توليه العرش أمر بتنظيم معبد والده على الوجه الأكمل؛ على أن ينجز ما كان ناقصًا فيه، ويمد بالحقول، ويحبس عليه الأوقاف لقربانه من كل أنواع الخمر والزيوت والفاكهة، والماشية والطيور، وجعل إدارة أملاكه في يد رجل ممن اختصهم بثقته، وأظهر ما في هذا المعبد الجزء الذي أقامه «رعمسيس الثاني»؛ إذ إن طراز نقشه ظاهر للعيان؛ لأنه قد نُقش بالحفر الغائر في حين أن الجزء الذي أقامه والده كان بالحفر البارز كما أسلفنا؛ ولذلك يختم كلامه عن ذلك بقوله: «وإنه لجميل أن يقيم المرء أثرًا على أثر، وهما شيئان مفيدان في الوقت نفسه، ويحملان اسمي، واسم والدي.» وبهذه الكيفية يكون الابن، وكذلك من أنجبه باقيين على مر الدهور بآثارهما، وبعد أن فرغ الفرعون من سرد ما يريد عمله، أو ما كان قد قام به فعلًا — لأن هذه النقوش تشعر بأنها كانت على ما يظن قد دونت بعد إتمام ما أمر به هذا الفرعون، وإن كان تاريخها يرجع إلى السنة الأولى من حكمه — أجابه مستشاروه بما يجاب به ملك عزيز الجانب قوي البطش، وقد أسرفوا في إطرائه حتى فضلوا أعماله على أعمال «حور» الملك المثالي، كما فضلوه هو على كل من سبقه من الفراعنة.
والظاهر أن هذا المتن كان قد نقش قبل قيام «رعمسيس» بحروبه الأخيرة التي ادعى فيها أنه وصل بفتوحه إلى نهر «دجلة والفرات»؛ إذ يقول له مستشاروه: «واسمك في كل بلد من أول بلاد النوبة جنوبًا وشمالًا لأول شواطئ البحر حتى بلاد «رتنو» حيث القبائل البدوية إلخ.»
وسنرى فيما بعد أنه بعد حروبه مع مملكة «خيتا» كان يقول: إنه مد سلطانه حتى بلاد نهرين «بابل»، أو «متني».
وعلى أثر تلك التحية التي قابل بها المستشارون دعوة الفرعون لهم، وعرض مشروعاته عليهم؛ أمر بالبدء في العمل، فوكل أمر البناء للمهندسين المهرة، وانتخب الجنود والعمال، والنحاتين والرسامين، والصناع ممن كان يحتاج إليهم لإنجاز هذا العمل العظيم، وقد أقام قدس الأقداس، وأصلح ما تخرَّب، ثم أمد المعبد بكل ما كان يلزمه من حقول، ومزارعين، وماشية، وكهنة، وحددت أملاك المعبد تحديدًا دقيقًا حتى لا يتعدى عليها أحد، ثم وكل أمر إدارتها إلى رجل من عظماء القوم، وبعد أن أتم «رعمسيس» كل ما أراد بناءه وإصلاحه في «العرابة المدفونة» لإحياء ذكرى والده، خاطبه وهو في مثواه الأبدي في عالم الآخرة ليعدد له ما قام به من الأعمال الباقية التي تخلد اسمه فيقول: «تنبه، وولِّ وجهك قِبل السماء؛ لترى الإله «رع» يا والدي «مرنبتاح»، أنت يا من أصبحت إلهًا.»
ثم يعدد له ما قام به من مبانٍ عظيمة، وما صنع له من تماثيل، وما وقفه لروحه من قربان يقدَّم له يوميًّا من كل ما تنتجه أرض مصر، وما كان يرد عليها من الأراضي الأجنبية، والواقع أن ما ورد في هذه الفقرة يذكرنا بما خصصه «سيتي» لهذا المعبد — كما جاء على لوحة نوري — مما يضع أمامنا صفحة ناصعة عن حالة البلاد المصرية في ذلك العهد من حيث فن المباني والصناعة والتجارة والحرف، التي كانت تزخر بها البلاد، ثم يعود «رعمسيس» فيصف لنا حالة والده في عالم الآخرة، فيقول لنا: «إن مثله هنا كمثل أهل النعيم المقرَّبين؛ إذ كان يسير في ركاب «رع» في سياحته في السماء في سفينته من الغرب إلى الشرق، ثم من الشرق إلى الغرب يوميًّا، فكان يحيا حياة إله الشمس نفسه، وهناك يختلط بالنجوم السيارة، والنجوم الثابتة وبالقمر؛ فيسبح مع «رع» في سفينة الليل، ثم ينتقل معه في سفينة النهار، وهكذا. وبذلك كان يسير في جنة السماء مع الشمس نهارًا، وفي عالم «أوزير» السفلي ليلًا حتى مطلع الفجر، ثم يطلب منه بعد ذلك أن يسأل الإله «رع» أن يمنح ابنه «رعمسيس» الخلود، والسرمدية، والأعياد الثلاثينية التي يخطئها العد، وهي التي كان يجدد بها شباب الملك بعد حكمه ثلاثين عامًا، وإنه في مقابل ذلك سيقوم بكل ما يتطلبه معبده، وكذلك يسهر على أداء كل ما يلزمه، وهو في العالم السفلي ما دام «رعمسيس» حيًّا.»
هذا ما قام به «رعمسيس» لوالده، وللآلهة، وللملوك السابقين في «العرابة المدفونة»، ومعابدها، وما حباه به الإله الأعظم «أوزير»، وغيره من الآلهة العظام، وبخاصة والده مكافأة على حسن صنيعه، وبره بهم. وهكذا نرى ما جمعته هذه الوثيقة من حقائق تاريخية، وأساطير دينية، وفضائل خلقية، وأوصاف اجتماعية كان لا بد للمؤرخ من نخلها ليصل إلى استخلاص ما فيها من تاريخ صريح هام.
«لوحة كوبام» وباكي
وقد حاول «سيتي» أن يجعل الطريق الموصلة إليها معبدة مجهزة بالماء الوفير، وسبل الراحة، ولكنه لم يصب الفلاح كله في ذلك، ولكن ابنه «رعمسيس» قد حاول محاولة أخرى لتوفير المياه فيها، فحفر بئرًا عميقة تدفق منها ماء سائغ للشاربين؛ وبذلك أصبح في مقدوره أن يرسل حملاته لاستخراج الذهب بدون تكبد عناء كبير، أو خسارة جسيمة في الأنفس والحيوان؛ مما يدل على أنه كان حريصًا على حياة رجاله حرصه على منفعته الشخصية، ولما عزم على إصلاح الطريق الموصلة إلى هذه المناجم بحفر بئر عميقة، جمع مجلس شوراه لعرض الأمر عليهم، وقد دون هذا الحادث على لوحة عُثر عليها في «كوبان» عاصمة المقاطعة الثانية عشرة من مقاطعات بلاد النوبة، وتقع على الشاطئ الشرقي للنيل على مسافة ثمانية ومائة كيلومتر جنوبي «أسوان»، واللوحة من الجرانيت؛ وسنترك المتن المصري يقص علينا ما قاله الفرعون، وما أجاب به مجلسه، وما تم بعد ذلك من إجراءات على يد نائب بلاد «كوش» الذي وكلت إليه هذه المهمة الشاقة.
- مقدمة: السنة الثالثة، الشهر الأول من الفصل الثالث، اليوم الرابع في عهد جلالة «حور» الثور القوي محبوب العدالة، ومحبوب الإلهتين، حامي مصر، وغال المتوحشين، حور الذهبي، الغني في السنين، والعظيم النصر، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس، محبوب آمون «رعمسيس»، معطي الحياة مخلدًا وسرمديًّا، محبوب «آمون رع»، رب تيجان الأرضين، والمشرف على الكرنك، والمضيء على عرش «حور» الأحياء مثل والده «رع» يوميًّا، والإله الطيب، رب الأرض الجنوبية، «وحور» إدفو، ذو الريش الزاهي، الصقر الجميل المصنوع من السام، الذي يحمي مصر بجناحيه، ومن يظل الناس، وحصن القوة والنصر، والذي خرج من الجسم — أي ولد — مرهوب الجانب في السلب، وكانت قوته تزيد في حدود بلاده، ومن كانت قوته في أعضائه مثل شدة بأس الإله «منتو»، وهو السيد المزدوج «حور» و«ست»، ومن في يوم ولادته كان السرور في السماء، والآلهة قالت: «إن بذرتنا فيه»، والإلهات قلن: «إنه خرج منا ليدبر ملك «رع»»، وقال آمون: «إني أرسو»؛ أي الذي خلقه، وقد وضعت العدالة مكانها، واستقرَّت الأرض، وارتاحت السماء، وسر التاسوع الإلهي بصفاته، الثور الشجاع أمام أهالي «كوش» الخاسئين، وضارب الخارجين حتى أرض الزنوج، ومن حوافره تدوس أهل «كوش»، ومن قرناه تنطحانهم، وشهرته عظيمة في بلاد «خنتنفر» (بلاد النوبة)، أما رهبته فقد وصلت حتى «كاراي»، واسمه ينتشر في البلاد كلها بسبب انتصاراته التي أحرزتها يداه، والذهب يخرج من جوف الجبل عند ذكر اسمه مثل: اسم والده «حور» سيد «باكا»، العظيم الحب في الأراضي الجنوبية، ومثل «حور» في أراضي «ميعمام» (الدر) سيد «بوهن»، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، «وسر ماعت رع ستب ان رع» ابن «رع» من صلبه، رب التيجان «مري آمون رعمسيس»، معطي الحياة مخلدًا وسرمديًّا مثل والده «رع» يوميًّا.
- فحص أرض أكيتا: وعندما كان جلالته في «منف» يؤدي شعائر والده السارة، وشعائر آلهة الجنوب والشمال بمقدار ما أعطوه من قوة ونصر، وحياة طويلة تقدَّر بعشرات آلاف السنين، حدث أنه ذات يوم؛ تأمل! كان جلالته جالسًا على عرش عظيم من السام، ومرتديًا تاجًا ذا ريشتين، ومعددًا الممالك التي يأتي منها الذهب، وواضعًا خُططًا لحفر آبار على الطرق التي ينقصها الماء، بعد أن سمع عن وجود ذهب وفير في إقليم «أكيتا»؛ لأن الطرق إليها كان ينقصها الماء جدًّا، فإذا ذهب عدد عظيم من رجال القوافل الذين ينظفون الذهب إلى هناك، كان لا يصل إلا نصفهم؛ لأنهم كانوا يموتون عطشًا على الطريق مع غيرهم التي كانوا يسوقونها أمامهم؛ إذ كان لا يوجد ماء كافٍ في القِرب في أثناء صعودهم ونزولهم في الصحراء، وعلى ذلك لم يؤتَ بذهب من هذا الإقليم لقلَّة الماء في الطريق.
- الفرعون يعقد مجلس البلاط: وقد قال جلالته لحامل الخاتم الملكي الذي كان بجانبه: «ادع أمراء البلاط»؛ لأن جلالته يريد مشاورتهم في أمر هذا الإقليم، وكيف يمكنني أن أتخذ الإجراءات الضرورية بشأنه. فأُحضروا في الحال أمام الإله الطيب، رافعين أيديهم لحضرته، مهللين ومقبِّلين الأرض أمام وجهه الجميل، فأخبرهم الملك عن طبيعة هذا الإقليم، وشاورهم في خطة حفر بئر على الطريق المؤدية إليه.
- خطاب رجال البلاط إلى الفرعون: قالوا أمام جلالته: «إنك مثل «رع» في كل ما تفعل، وكل ما يرغب فيه قلبك ينفذ، وإذا رغبت أمرًا في أثناء الليل وقع بسرعة في الصباح، لقد كنا نشاهد عددًا عظيمًا من أعاجيبك منذ أن ظهرت ملكًا على الأرضين بما لم نسمع به، ولم ترَه أعيننا، ومع ذلك وقعت، أما كل ما يخرج من فمك فإنه مثل كلمات «حور اختي»، ولسانك كفتا ميزان، وشفتاك أكثر من قسطاس «تحوت» المستقيم دقة، وأي شيء لا تعرفه؟ ومن ينجزه مثلك؟ وأين المكان الذي لم ترَه؟ على أنه لم يوجد إقليم لم تطأه قدمك، وكل الأمور تلقى في أذنيك منذ أن مارست سلطتك، ولم يحدث شأن دون علمك، وقد كنت رئيس الجيش، وأنت صبي في العاشرة، وكل عمل تم يرجع الفضل فيه إلى يدك التي وضعت أساسه، وإذا نطقت تفجر على الجبل الماء؛ لأن الفيضان ينبع بسرعة بعد كلمتك؛ لأنك «رع» في أعضائه، والإله «خبري» في صورته الحقة، وإنك صورة «آتوم هليوبوليس» الحية على الأرض، فالذوق في فمك، والعقل في لبِّك، ومكان لسانك هو محراب الصدق، والإله يجلس على شفتيك، وكلماتك تنفذ كل يوم، وقلبك صنع في صورة قلب «بتاح» خالق الحرف، وإنك تبقى مخلدًا، وسنعمل على حسب خططك، وكل ما تقوله مسموع يأيها الملك، يا سيدنا.»
- مقال نائب الملك في «كوش»: أما إقليم «أكيتا»، فقد قال عنه ابن الملك صاحب «كوش» أمام جلالته: «إنه كان ينقصه الماء بهذه الكيفية، فقد ماتوا — أي روَّاده — عطشى فيه، وكل ملك قبلك رغب في فتح بئر هناك، ولكن لم يصِب نجاحًا، وقد حاول ذلك الملك «من ماعت رع» «سيتي الأول»، وأمر بحفر بئر عمقها عشرون ومائة ذراع في زمنه، ولكنها نبذت على الطريق؛ لأن الماء لم ينبع منها، ولكن إذا تكلمت بنفسك لوالدك «حعبي» (النيل) والد الآلهة وقلت له: «دع الماء يفِض على الجبل»؛ فإنه سيعمل على حسب كل ما قلته، شأن كل مطالبك التي حدثت أمامنا، وإن لم يكن قد سمع حديثها؛ وذلك لأن والدك وكل الآلهة يحبونك أكثر من أي ملك كان منذ «رع».»
- «رعمسيس» يصمم على حفر بئر في «أكيتا»: وقال جلالته لأولئك الأمراء: «ما أصدق ما نطقتم به من أنه لم تحفر ماء في هذا الإقليم منذ زمن الآلهة كما قلت، ولكني سأفتح بئرًا هناك تُمد بالماء يوميًّا، كما هي الحال في وادي النيل، وذلك بأمر والدي «آمون رع» رب «طيبة»، وكل آلهة بلاد النوبة بقدر ما يرتاح إليه قلبهم لما يرغبون فيه، وسأجعل الناس يقولون في هذه البلاد …» وبعد ذلك مدح أولئك الأمراء سيدهم، مقبِّلين الأرضين، ومنبطحين على بطونهم في حضرته، ومهللين حتى عنان السماء، وقال جلالته لكاتبه الأول: «… الخاص بطريق «أكيتا»، اجعل الشهر يصر يومًا عندما ترسل …» — وعندئذ أرسل كاتب الملك الأول إلى ابن الملك صاحب «كوش» على حسب ما أمر به: تأمل! اجمع الأهلين لحفر بئر … ولكنهم قالوا: ما الذي سيفعله ابن الملك؟ هل ستسمع المياه التي في العالم السفلي له؟ بعد ذلك حفروا البئر على الطريق المؤدية إلى إقليم «أكيتا»، ولم يفعل قط مثل ذلك منذ زمن الآلهة الذين سلفوا … ووضع سمكًا في برك إقليم من مستنقعات الدلتا، سارًّا قلبه بإيجاد … كسكان في الهواء.
- خطاب من نائب الملك في «كوش» يعلن نجاح المشروع: وقد حضر إنسان حاملًا رسالة من ابن الملك صاحب «كوش» الخاسئة قائلًا: «… إن البئر قد أُنجزت»، وما قاله جلالتك قد حدث؛ إذ إن الماء قد نبع منها — أي من البئر — بعد اثنتي عشرة قدمًا، وعمقها؛ أي الماء، أربع أقدام … خارج كما يفعل الإله لإرضاء القلب بما يرغب فيه، ولم يفعل مثلها منذ زمن الآلهة، و«أكيتا» تبتهج بفرح عظيم، وأولئك البعيدون … الحاكم، والماء الذي في العالم السفلي يصغي إليه عندما يحفر ماء على الجبال …
- خاتمة: … إليه من ابن الملك معلنًا ما فعله، وكانوا فرحين بذلك … الممتاز الخطط، والجميل في … وقد أمر جلالته أن يطلق على هذه البئر اسم بئر محبوب «آمون» «رعمسيس» العظيم النصر، مثل …
فهذه اللوحة على الرغم من تهشيم الجزء الأكبر من الأربعة عشر سطرًا الأخيرة منها تقدم لنا صورة صادقة عن اهتمام هذا الفرعون البالغ — كما كان والده من قبل — في العمل على استغلال مناجم الذهب، كما تقدم لنا صورة أخرى عن قيمة المجالس الاستشارية التي كان يجمعها الفراعنة على حسب التقاليد المرعية منذ القدم، فكان القول فيها ما قال الفرعون لا تبديل ولا تغيير، بل فضلًا عن ذلك كان المجلس يقابل سيده بقرض آيات الثناء، وكل أنواع النعوت والصفات التي كان لا يُنعت بها إلا الآلهة، وكيف يجوز لهؤلاء المستشارين أن يأتوا برأي يخالف رأي سيدهم، وإلههم الأعلى الذي أنجبه الإله «رع» رأس كل آلهة مصر؟ والواقع أننا لم نسمع بمجلس عُقد بحضرة الفرعون، وعارض في الآراء التي أبداها سيدهم إلا في ظرف واحد، وهو حينما عقد «تحتمس الثالث» مجلسه الحربي عندما أراد اختراق ممر «عرونا» ليصل إلى ساحة القتال بسرعة في موقعة «مجدو» من أقصر طريق، وحتى في هذا فإنه عندما أبدى المجلس مخالفة «تحتمس الثالث» في رأيه إشفاقًا عليه، فإن شجاعته وإقدامه وسرعة خاطره أملت عليه خطته الحكيمة التي أدت إلى نصره المؤزر بعد أن ضرب بآراء مجلسه عرض الحائط، ولذلك خضعوا لخطته وهم صاغرون، مقدمين فروض الطاعة والإذعان، ومن ذلك نعلم أن المجالس الاستشارية في تلك الأزمان السحيقة — وفي كثير من الأحيان في أيامنا — على الرغم مما كان عليه عظماء القوم من تحضر ورقي أمام الفرعون مجرد بطانة لا حول لأعضائها ولا طول، وكل الحكمة وصواب القول في نطق سيدهم وأمره، فما أشبه البارحة باليوم في كثير من مجالسنا الاستشارية التي يذعن أعضاؤها للرئيس الأعلى، وإن كان رأيه خاطئًا وتفكيره سقيمًا، هذا مع الفارق أن المصري في العهد الفرعوني كان يعتقد أنه يسير على نظام إلهي (ماعت) موضوع منذ القدم وضعه الإله «رع» أول ملك حكم العالم، وسار على نهجه، وعدله الملوك الذين خلفوه من نسله؛ فكانوا لا يحيدون عن النظام الكوني العادل (ماعت) الذي وضعه والدهم «رع»، ولهذا كان الشعب ينقاد لرأي الفراعنة، وينفذ أوامرهم.
(٢) حروب رعمسيس الثاني
وإذا ألقينا نظرة فاحصة على محتويات هذا المتن — على الرغم مما يشيع فيه من عبارات المدح، وقرض الثناء للفرعون على شجاعته، وأمثال ذلك من الجمل التقليدية التي نجدها في كل متن خاص بالفراعنة، وجدنا أن هذا الفرعون قد شن حروبًا على قوم جدد، غير النوبيين، واللوبيين، والأسيويين الذين يستفتح فرعون عهده بمحاربتهم، وهؤلاء القوم هم أهل البحار الذين يعرفون «بالشردانا»، ولا بد أنهم كانوا قد أغاروا على مصر في السنة الثانية من عهد هذا الفرعون فقضى عليهم الأسطول المصري، وأصبح أهل الوجه البحري ينامون في سلام، وهذا يفسر لنا وجود جنود «شردانا» في موقعة «قادش»، وهم الذين كانوا عماد الفرعون في هذه الموقعة؛ لأنهم كانوا حرسه الخاص كما سنرى بعد.
(٢-١) «شردانا» — أصلهم وحروبهم
وهذان الاقتباسان معًا يدلان على أن الدلتا قد هوجمت منذ سنوات عدة من البحر قبل عهد «مرنبتاح»، وأن قوم «شردانا» كانوا من بين المهاجمين، ومن حقنا إذن أن نشك في أن «رعمسيس الثاني» كان أول من صد هذا الهجوم؛ إذ يجوز أنه قد حدث في عهد أحد الملوك الذين سبقوه مباشرة.
(٢-٢) حورب رعمسيس الثاني مع التمحو أي اللوبيين
وعلى أية حال، فإن الحروب التي رسمت على معبد «بيت الوالي» يعزوها «سيلي» كما ذكرنا قبلًا إلى عهد اشتراك «رعمسيس الثاني» مع والده في الحكم.
(٢-٣) حروب رعمسيس الثاني في بلاد النوبة
ذكرنا فيما سبق على حسب ما استنبطه الأثري «كيث سيلي» أن الحروب التي صورت على معبد «بيت الوالي»، وهي التي قامت بين «رعمسيس الثاني» وبلاد النوبة، كان قد احتدم أوارها بين البلدين في عهد اشتراك «رعمسيس» مع والده في الحكم، غير أن هذه المناظر التي تصور لنا تلك الحروب في بلاد النوبة على جدران معبد «بيت الوالي» وغيره من المعابد المصرية، لم تضع أمامنا حربًا معينة لها تواريخها، وحوادثها كما هي الحال في حروب «رعمسيس الثاني» مع بلاد آسيا، بل نجد مناظر حروب بلاد النوبة، والبلاد الأخرى يختلط بعضها ببعض حتى أصبح من المستحيل علينا أن نتكلم على كل منها على حدة، فلدينا فضلًا عن مناظر «بيت الوالي» مناظر على معبد «بو سمبل»، ومعبد الأقصر، و«معبد العرابة» هذا غير ما ذُكر على لوحتي «أسوان» و«تانيس» اللتين تحدثنا عنهما، ولا نعلم إن كانت مجرد مناظر فخرية لتبرز قوة الفرعون، وشدة بأسه، وانتشار نفوذه، أو كانت هناك وقائع حربية حدثت فعلًا، وغابت عنَّا تفاصيلها وتواريخها، والغالب أنها من النوع الأول كما شاهدنا في أحوال الملوك السابقين أمثال «توت عنخ آمون» وغيره، ومع كل ذلك سنضع أمام القارئ بعض مناظر هذه الحروب كما جاءت على هذه المعابد.
(أ) معبد «بو سمبل»
وفي منظر آخر نشاهد «رعمسيس»، وبيده القوس يقود صفين من الأسرى السود يقدمهم إلى ثالوث «طيبة»، وهم: «آمون»، و«موت»، وابنهما «خنسو».
إحضار الجزية بوساطة الإله الطيب لوالده «آمون رع» رب «طيبة»، بعد وصوله من بلاد «كوش» هازمًا الأقاليم الخارجة، ومحطمًا الأسيويين في أماكنهم، وتشمل فضة وذهبًا، ولازورد وتوتية، وكل حجر فاخر غالٍ بمقدار ما كتبه له من قوة ونصر على البلاد كلها.
(٢-٤) حروب «رعمسيس» في آسيا
(أ) مقدمة
تكلمنا عن حروب «رعمسيس» مع بلاد «شردانا»، و«لوبيا»، و«النوبة» فيما سبق، وقد رأينا أنها كانت كلها حروبًا مبهمة لا يمكن تحديد مواقعها أو أسبابها؛ لأننا لا نعرف عنها إلا النزر اليسير، وتدل شواهد الأحوال على أن معظمها حدث في عهد اشتراك «رعمسيس» مع والده، وحتى حروبه الأولى في «سوريا» إذا كانت هناك حروب إلى السنة الخامسة لا نعلم عنها شيئًا معينًا لقلة ما لدينا من المصادر الواضحة، وقد كان أكبر مناهض له في آسيا مملكة «خيتا» التي تُعد أكبر دولة وقفت في وجه مصر في الأصقاع الأسيوية، وقد بقي النضال بينهما محتدمًا مدة تربى على عشرين عامًا، ويمكن تقسيمها ثلاثة أطوار مميزة: ففي الطور الأول: كانت حدود «رعمسيس الثاني» الفينيقية تمتد شمالًا حتى «بيروت»، ثم أوغل بعد ذلك حتى نهر «العاصي»، وهناك قابل «خيتا» في موقعة «قادش»، ولم تكن نتائجها مرضية للجانب المصري إلى حد كبير؛ إذ إن «قادش» قد بقيت في يد «خيتا» بعد الواقعة. والطور الثاني: نجد فيه «رعمسيس الثاني» يحارب أهالي «فلسطين» الذين حرضهم «ملك خيتا» على الخروج على مصر، وقد أطفأ «رعمسيس» نار الثورة هناك، وعادت «فلسطين» خاضعة للحكم المصري. أما الطور الأخير: فنجد فيه «رعمسيس» في بلاد «خيتا» يغزوها؛ فتابع فتوحه حتى وصل إلى بلدة «تونب»، وعندئذ خاف ملك «خيتا» على بلاده، وأرسل إلى «رعمسيس» يطلب عقد محالفة دائمة بين البلدين، وقد لوحظ في شروطها أنه لم تعيَّن حدود معلومة تفصل أملاك البلدين بعضها عن بعض.
وسنفحص كل طور من هذه الأطوار على حدة:
(ب) بداية الحروب مع «خيتا»
كانت الخطة الحكيمة التي اخترعها عقل «تحتمس الثالث» الجبار في حروبه مع آسيا الاستيلاء على «سوريا»، والإيغال في داخلها، هي أن يبدأ بتأمين طرق مواصلاته بالاستيلاء أولًا على موانئ الساحل، ومن ثم يوغل في الداخل حيث يلتقي مع «خيتا» للمرة الأولى.
الحملة الثانية: موقعة «قادش»
وتعد الموقعة التي تقابل فيها «رعمسيس الثاني» مع «الخيتا» وجهًا لوجه لأول مرة عند بلدة «قادش» نهاية الطور الثاني من حروبه مع هذه المملكة العظيمة.
- الأولى: ملحمة «قادش»، وهي التي تسمى — خطأ — قصيدة «بنتاور»؛ لأن «بنتاور» لم يكن الشاعر الذي ألَّف هذه الملحمة، بل هو الكاتب الذي نسخها بخطه.
- الثانية: الوثيقة الرسمية عن موقعة «قادش».
- الثالثة: المناظر والنقوش الخاصة بالموقعة، وهي التي رسمها «رعمسيس» على جدران معابده العظيمة في مختلف جهات القطر، وقبل أن نتحدث عن الواقعة، والخطط الحربية التي رسمها «رعمسيس» لنفسه يجدر بنا — كما هي عادتنا — أن نضع أمام القارئ ترجمة نصوص هذه الوثائق، حسب آخر الكشوف الحديثة التي قام بها المؤلف شخصيًّا في معبد «الأقصر» كما يجدها القارئ في كتابه عن ملحمة «قادش».٣٤
ملحمة «قادش»
لقد ظلت الروايات المختلفة التي رويت بها هذه الملحمة مبعثرة على جدران أهم معابد القطر، وبلاد السودان التي نقشت عليها دون أن يجمع شتاتها في كتاب واحد، وقرن بعضها ببعض.
- الأولى: نُقشت على بوابة معبد الأقصر الكبرى التي أقامها «رعمسيس الثاني».
- الثانية: على الجدارين الجنوبي والجنوبي الشرقي لردهة هذا المعبد نفسه.
- الثالثة: منقوشة على الجهة الخارجية من الجدار الغربي لردهة «أمنحتب الثالث» في نفس المعبد.
- الرابعة: دُونت على الجدار الخارجي لقاعة العمد العظيمة في معبد «الكرنك».
- الخامسة: حُفرت على الجدار الخارجي الواقع بين البوابتين التاسعة والعاشرة من هذا المعبد.
- السادسة: كُتبت على الجدار الشمالي الغربي الخارجي لمعبد «رعمسيس الثاني» الذي أقامه بالعرابة المدفونة.
- السابعة: صوِّرت على البوابة الثانية لمعبد «الرمسيوم الجنازي» الذي أقامه «رعمسيس الثاني» لنفسه.
أما المتون الأخرى، وكذلك الجزء الأسفل من المتن الذي على بوابة معبد «الأقصر» — وهو الذي كشفنا عنه لأول مرة — فنضعها أمام القارئ الذي يريد أن يرجع إلى الأصول المصرية لدرس هذه الواقعة، وهاك ترجمة الملحمة على حسب نصوص الروايات المختلفة يكمل بعضها بعضًا:
نص ملحمة قادش
وعندما كان جلالته سيدًا غض الشباب شجاعًا لا مثيل له، قوي الساعدين، ثابت القلب كالجدار، يماثل الإله «مونتو» في قوته الجسمية في ساعته؛ أي ساعة غضبه، جميل الطلعة مثل الإله «آتوم»، والنظر إلى جماله يبعث السرور، عظيم الانتصارات على كل البلاد الأجنبية، ومن لا يعرف أحد كيف يأخذه لينازله، وإنه جدار قوي يحمي جنوده ودرعهم في يوم القتال، ولا مثيل له في الرماية، وقوته تفوق مئات الألوف مجتمعين، وهو الزاحف في المقدمة موغلًا في الجموع وقلبه مفعم بالشجاعة، قوي حين ينازل القرن كالنار عندما تلتهم؛ ثابت القلب كالثور المتأهب لساحة القتال لا يجهله أحد في الأرض قاطبة، ومن لا يقدر ألف رجل أن يثبت أمامه، ومن يتخاذل مئات الألوف عند رؤيته، وهو رب الخوف، وذو الزئير الهائل الذي يدوي في قلوب البلاد كلها، عظيم الرهبة التي يبعثها في قلوب الأجانب الخاسئين، وكالأسد الهصور في وادي البهم، ومن يغزو مظفرًا، ويعود منتصرًا أمام الناس من غير مفاخرة، تدابيره ممتازة، ونصيحته حسنة، سديد في جوابه، حامٍ مشاته يوم النزال … والفرسان والقائد لأتباعه، ومن يحمي مشاته، وقلبه كجبل من البرنز، السيد ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس «مري آمون رعمسيس» معطي الحياة، ولقد جهز جلالته مشاته وخيَّالته «شردانا»، وهم من سبي جلالته، وقد أحضرهم بانتصارات سيفه مدججين بكل أسلحتهم، وقد أعطاهم التعليمات للواقعة، ولما وصل جلالته إلى جهة الشمال، كان معه مشاته وفرسانه بعد أن سلك الصراط السوي في سيره. وفي السنة الخامسة، الشهر الثاني من فصل الصيف، اليوم التاسع، اجتاز جلالته قلعة «ثارو» (تل أبو صيفه الحالية)، وكان شديد القوى مثل الإله «منتو» في طلعته، في حين كان كل بلد أجنبي يرتعد أمامه، وقد حمل إليه كل الأمراء جزيتهم، وكان الثائرون منهم يأتون مطأطئي الرءوس خوفًا من بطش جلالته، وكان مشاته يسيرون في طرق ضيقة، وكأنهم يسيرون على طرق مصر المعبدة.
نعم إن الناس سيعملون لك بقلب محب، وقد ناديتك يا والدي «آمون» عندما كنت في وسط الأعداء، وأنا لا أعرف الممالك الأجنبية التي قد تجمعت عليَّ حين كنت وحيدًا دون أن يكون فرد آخر معي، وكان جنودي العديدون، قد نبذوني دون أن يلتفت نحوي واحد من فرساني، ولقد ناديتهم ولكن لم يصغِ إلي واحد من بينهم، وعندما دعوت وجدت «آمون» أكثر نفعًا من ملايين الجنود، وكثير من مئات آلاف العربات، وأكثر من عشرات آلاف الرجال، ومن كل الإخوة والأطفال الذين يكونون على وئام فيما بينهم متحدين في قلب واحد، على أن مجهودات الرجال العديدين تتبدد؛ لأن «آمون» أكثر منهم نفعًا، وبعد أن وصلت إلى هنا على حسب نصيحة فمك يا «آمون» لم أتعدَّ خططك، وعندما وجهت نداءاتي من أقصى أعماق البلاد الأجنبية انطلق صوتي حتى «أرمنت»، وإذ ذاك وجدت «آمون» قد أتى على إثر ندائي له، ومد إلي يده، وحينما كنت في ابتهاج كان يصيح خلفي: إلى الأمام أمامك يا «مري آمون رعمسيس» إني معك، وإني والده، ويدي معك، إني أكثر نفعًا من مائة ألف رجل مجتمعين معًا في مكان واحد، وإني سيد الانتصار الذي يحب الشجاعة، ولقد وجدت لبي ثابتًا، وقلبي مبتهجًا، وكان الفلاح نصيب كل ما فعلته؛ لأني كنت مثل «منتو» عندما أشد قوسي بيميني، وعندما كنت أحارب بيدي اليسرى، لأني كنت مثل «بعل» في لحظته أمامهم — أي الأعداء — وقد وجدت الخمسمائة والألف العربة التي كنت في وسطها قد تحولت إلى كومة أمام خيلي، ولم يكن في مقدور واحد منهم أن يجد (يستعمل) يده ليحارب بها؛ لأن قلوبهم سقطت في جوفهم خوفًا مني، وأذرعتهم قد شُلت، فلم يكن في مقدورهم أن يفوِّقوا السهام، وكان من المستحيل عليهم أن يستردوا قلوبهم ليقبضوا على حرابهم، وقد جعلتهم يتساقطون في الماء كما يسقط التمساح، وقد خرُّوا على وجوههم الواحد فوق الآخر، وذبحت منهم من أردت، ولم يلتفت أحد منهم وراءه، وكذلك لم يعد واحد منهم، ومن سقط منهم لم يقُم ثانية، وعندما وقف رئيس «خيتا» الخاسئ في وسط مشاته وخيالته ليشاهد جلالته يقاتل وحيدًا بدون مشاته وخيالته معه، ظل واقفًا متلفتًا بوجهه، ومرتعدًا، وخائفًا يترقب، فأمر بإحضار رؤسائه العديدين، ومع كل منهم عرباته، وكانوا مدججين بأسلحتهم الحربية، وهم: أمير «إرثو»، وأمير «ماسا»، وأمير «أرون»، وأمير «لوكي» = «لسيا»، وأمير «بداسا»، وأمير «دردني»، وأمير «كركميش»، وأمير «قرقاشا»، وأمير «حلب»، وأخوه أمير «خيتا» كلهم مجتمعون في مكان واحد، ومعهم فيلق مؤلف من ألف عربة أتت أمامهم نحو النار، (الورقة = من ألفين وخمسمائة عربة).
وقد انقضضت عليهم مثل «منتو»، وجعلتهم يذوقون يدي في لحظة، وقد حاربتهم (الورقة = قتلتهم) في مكانهم حينما كان الواحد يصيح على صاحبه قائلًا: إن الذي بيننا ليس بشرًا، إنه «ستخ» صاحب القوة العظيمة، و«بعل» في أعضائه — أي بعل نفسه — إذ إن البشر لا يمكنهم أن يأتوا بما يأتيه من الأعمال، فعمله فرد وحيد يصد — أي يمكنه أن يصد مئات الآلاف دون أن تكون معه مشاة أو خيالة — هلموا نسرع، ونولِّ الأدبار أمامه، ونبحث لأنفسنا عن الحياة حتى نستطيع أن نستنشق الهواء! تأمل! إن مما لا شك فيه أن الخور منه سيصيب يد، وجميع أعضاء من يقترب منه، فالإنسان لا يمكنه أن يقبض على القوس، ولا على الحربة عندما يراه من بعيد آتيًا يعدو بسرعة؛ لأن جلالته كان خلفهم مثل المارد المجنح «جرفون»، وقد أعملت السيف فيهم دون هوادة، ورفعت السوط، وصحت على مشاتي وخيالتي قائلًا: قفوا وثبتوا قلوبكم يا مشاتي ويا خيالتي، شاهدوا انتصاراتي عندما كنت وحيدًا، و«آمون» كان حاميَّ، ويده معي، ما أشد ضعف قلوبكم يا فرساني، لهذا لا يحق أن يملأ الإنسان قلبه بكم (أي أن يهتم بأمركم)، حقًّا إنه ليس بينكم واحد سأعمل لخيره في بلادي، ألم أقم فيكم سيدًا في حين كنتم بين اليائسين؟ ومع ذلك رضيت عن طيب خاطر أن تصبحوا عظماء بوساطة حضرتي كل الأيام، فقد ورَّثت الابن متاع الوالد، وأبعدت كل الظلم الذي كان في هذه الأرض، وتركت لكم جزية أرضكم، ومنحتكم أخرى إذا اغتصبت منكم، وأنصفت من استنصفني، وكنت أقول له كل يوم تأمل، وليس هناك سيد عمل لجنوده ما عمل جلالتي على حسب ما تهوى قلوبكم، وقد منحتكم أن تبقوا في مدنكم دون القيام بمهام الجندية، وكذلك جعلت لخيالتي طريقًا إلى مدنهم — أي سمحت لهم بالعودة إلى مدنهم — على شرط أن أستدعيهم لمثل هذا اليوم، وقت خوض المعارك؛ ولكن انظروا فقد أتيتم جميعكم أفرادًا؛ إذ لم يقف رجل واحد منكم ليمد يده لي وأنا أحارب، وإني أقسم بروح والدي «آمون-آتوم» ليتني كنت مثل والد آبائي الذين لم يرَهم السوريون، والذين لم يشنوا حربًا عليهم في مصر؛ أرقص — يقصد بذلك إخناتون الذي لم يرَ سوريا قط، ولم يشن حربًا هناك — على أن ليس بينكم واحد سيأتي مصر ليقص مفاخره (أحواله).
ما أجملها من فرصة لإنشاء آثار عدة في «طيبة» بلد «آمون»! لأن الجريمة التي ارتكبها مشاتي وخيالتي أعظم بكثير من أن أقصها، ولكن انظروا فإن «آمون» قد وهبني قوته دون أن يكون معي المشاة أو الخيالة، وقد جعل البلاد كلها ترى انتصاراتي وشجاعتي عندما كنت وحيدًا دون أن يكون عظيم خلفي، يشد أزري، لا سائق عربة، ولا جنديًّا من الجيش، أو أي ضابط، وقد نظرت إلى الممالك الأجنبية لدرجة أنهم تحدثوا باسمي حتى البلاد النائية التي لم تكن معروفة، أما أولئك الذين أفلتوا من يدي منهم، فإنهم إذا وقفوا متطلعين وراءهم رأوا ما كنت أعمله، فإني كنت أزحف على ملايين عدة من بينهم، وسيقانهم لا تستطيع الوقوف في مكانها، بل كانوا يولون الأدبار، وكل من كان يفوق سهمًا نحوي طاش، وسهامهم كانت تسقط إذا صُوبت إليَّ، ولكن عندما رأى «مننا» سائق عربتي أن عددًا عظيمًا من العربات قد أحاط بي تخاذل واستولى الخور على قلبه، ودخل الخوف قلبه، وعندئذ قال لجلالتي: يا سيدي الطيب، يأيها الحاكم الشجاع، يأيها الحامي العظيم لمصر في يوم الواقعة؛ عندما نقف وحيدين وسط الأعداء، انظر؛ لقد نبذنا المشاة والخيالة، فلماذا نقف لننجيهم؟ ليتنا نوهَب الخروج سالمين! نجنا يأيها السيد «وسر ماعت رع ستبن رع» له الحياة والسعادة والصحة (يا سيدي الطيب).
وعندئذ قال جلالته للسائق: قف وثبِّت قلبك يا سائق عربتي، إني أريد أن أدخل بينهم كما ينقض الصقر مذبحًا ومقتلًا ومجدلًا من على الأرض، من هؤلاء المخنثون الذين لا يمكن أن يصفر وجهي أمام مليون منهم؟
وعلى أثر ذلك كرَّ جلالته بخطًى واسعة في وسط الأعداء (من الخيتا الخاسئة) حتى الكرَّة السادسة، وهو يدخل وسطهم، وقد كنت خلفهم مثل «بعل» في ساعة شدة بأسه، وأعملت السيف فيهم دون أن أخطئ، وعندما رأى مشاتي وخيالتي أني مثل الإله «منتو» القوي الشديد البأس، وأن الإله «آمون» والدي في الوقت نفسه كان معي، وقد جعل البلاد الأجنبية كالهشيم أمامي، أخذوا يقتربون واحدًا فواحدًا متسللين نحو المعسكر في وقت الغروب، وقد وجدوا أن الأقوام الأجانب كلهم الذين شققت طريقي بينهم قد جدلوا أرضًا مضرجين بدمائهم، وبخاصة خيرة محاربي «خيتا»، وكذلك أطفال أميرهم وإخوته، وقد جعلت ميدان قتال «قادش» أبيض اللون؛ أي بالجثث، وملابسها البيضاء — حتى لم يستطع أحد أن يجد مكانًا يمشي عليه لكثرة جموعهم من القتلى.
وعندئذ جاء جنودي يدعون الله باسمي، وشاهدوا ما فعلت، وقد أتى عظمائي ليمجدوا قوتي، وأتى خيالتي ليشيدوا باسمي قائلين: «يأيها المحارب الجميل الذي يثبت القلب؛ لقد نجيت مشاتك وخيالتك لأنك ابن «آمون» الذي يعمل (يحارب بساعديه)، لقد خربت أرض «خيتا» بسيفك البتار؛ لأنك محارب جميل منقطع النظير، وملك يحارب لمشاته يوم القتال؛ لأنك واحد عظيم القلب، والمقدام في المعمعة، ولا تستطيع الأرض قاطبة أن تحيطك بالنظر؛ لأنك واحد عظيم الظفر أمام الجيش، وأمام وجه الأرض قاطبة من غير إسراف في القول، وإنك حامٍ لمصر، وقاهر للبلاد الأجنبية، وإنك قصمت ظهر «خيتا» أبدًا.» وعلى ذلك قال جلالته لمشاته، وعظمائه، وكذلك لخيالته: «من هم إذن عظمائي ومشاتي وخيالتي الذين يعرفون كيف يقاتلون؟ أليس في استطاعة الرجل أن يجعل نفسه عظيمًا في بلدته إذا عاد أمام سيده آتيًا بعمل شجاع؟ وبذلك يكون صاحب سمعة طيبة؛ لأنه قد حارب بشدة بأس؛ لأن الرجل يمدح بشجاعته منذ القدم. ألم أعمل عملًا صالحًا لواحد من بينكم حتى تنبذوني وحيدًا بين الأعداء؟ هل استطبتم جمال الحياة، واستنشاق النسيم عندما كنت وحيدًا؟ ألا تعلمون في قرارة نفوسكم أني سياجكم الحديدي بخاصة؟
التقرير الرسمي لموقعة «قادش»
- أولًا: على الجدار الغربي الخارجي من ردهة «أمنحتب الثالث» في معبد «الأقصر».
- ثانيًا: على الجدار الجنوبي الشرقي لردهة «رعمسيس الثاني».
- ثالثًا: على بوابة معبد «الأقصر» الذي أقامه «رعمسيس الثاني».
- رابعًا: على الجدار الجنوبي الغربي لمعبد «العرابة المدفونة».
- خامسًا: على البوابة الأولى لمعبد «الرمسيوم».
- سادسًا: على الجدار الشمالي للردهة الثانية من معبد «الرمسيوم».
- سابعًا: على الجدار الشمالي لمعبد «بو سمبل».
ويلاحظ أن الجزء الأسفل من متن الأقصر كان تحت الأرض، ولم يكن قد كُشف عنه بعد، وقد كشف المؤلف عنه، واستفاد مما جاء فيه في هذه الترجمة.
هاتان هما الوثيقتان اللتان سنعتمد عليهما في فحص موقعة «قادش»، وهما كما يرى القارئ من جانب واحد، وهو الجانب المصري، أما المصادر الخيتية فلم يصلنا عنها إشارة عن هذه الواقعة.
- أولًا: معبد العرابة: بقي لنا من رسومه المعسكر، والموقعة، وحصر الغنائم.
- ثانيًا: معبد الكرنك: نشاهد على جدار قاعة العمد فوق نص الملحمة رسم الغنائم التي قُدمت لثالوث «طيبة».
- ثالثًا: وكذلك نشاهد شمالي نص الوثيقة في الكرنك المعسكر، وكذلك الموقعة.
- رابعًا: وعلى جدار الردهة التي بين البوابة التاسعة والعاشرة لمعبد الكرنك نشاهد المعسكر والموقعة، وإحصاء الغنائم.
- خامسًا: وفي معبد الأقصر نرى على جدران البوابة المعسكر، والموقعة في الجهة الشرقية، وفي معبد الأقصر كذلك على الجدار الغربي من ردهة «أمنحتب الثالث» نشاهد صورة المعسكر، والموقعة، وإحصاء الغنائم، ورجوع الفرعون منتصرًا (؟).
- سادسًا: وفي «الرمسيوم» نشاهد على البوابة الأولى من الشمال المعسكر، ومن الجنوب الموقعة.
- سابعًا: وفي «الرمسيوم» على البوابة الثانية نشاهد صورة الموقعة في الجهة الشمالية.
- ثامنًا: وفي «الرمسيوم» على الجدار الشمالي للردهة الثانية نشاهد منظر المعسكر.
- تاسعًا: وفي «بو سمبل» على الجدار الشمالي نشاهد منظر المعسكر، والموقعة، وإحصاء الغنائم.
وهذه هي كل المصادر التي ستكون عمادنا في مناقشة حوادث هذه الموقعة.
موقعة قادش
والآن بعد أن سردنا ما جاء في قصيدة «رعمسيس»، أو ملحمة «رعمسيس»، والتقرير الرسمي، ونوهنا بالمناظر التي على جدران المعابد، بالإضافة إلى ما سنستخلصه من المناظر الملحقة بالنقوش قد أصبح لدينا مادة يعتمد عليها في تصوير سير موقعة «قادش» التي كادت نتائجها تكلف «رعمسيس الثاني» حياته، وتضيع على مصر الجزء الذي أعاده لها «سيتي الأول» من إمبراطوريتها بعد حروب طويلة طوال مدة حكمه لولا شجاعة «رعمسيس»، وقد رأينا فيما سبق أن «سيتي الأول» قد اشتبك مع مملكة «خيتا» في حروب كان يبغي من ورائها أن يستعيد أملاك مصر في آسيا برمتها، غير أنه لما فطن إلى أن الوقت لم يحِن بعد للقيام بحملة يكون فيها القضاء المبرم على دولة «خيتا» القوية الفتية فضل إبرام معاهدة مع عاهلها، وبذلك ساد السلام، وخيم الأمن على ربوع الدولتين.
ولكن على الرغم من ذلك وجدنا ابنه «رعمسيس الثاني» قد سار على رأس جيشه في السنة الخامسة من حكمه لمنازلة مملكة «خيتا» في حملة قد مهد لها، ووضع خططها في السنين التي سبقت قيامه بها؛ إذ قد استولى على ساحل «فينيقيا» حتى «بيروت»، وأقام لوحة حدود إمبراطورية في هذه الجهة عند شواطئ «نهر الكلب» كما ذكرنا آنفًا. والواقع أنه لا يمكن الجزم بمن كان المعتدي الأول من البلدين، وخرق المعاهدة التي أبرمها «سيتي»، والصورة التي نكوِّنها من خطابات «تل العمارنة» عن هذا العصر تصوِّر لنا غربي آسيا في حالة اضطراب ودسائس، تظهر فيها بلاد «خيتا» تعمل جهد الطاقة للاستيلاء على الأصقاع الأسيوية كلما سنحت الفرصة لتوسيع رقعة بلادها، ومد سلطانها. وفي استطاعتنا من جهة أخرى أن نتصور «رعمسيس الثاني» منذ نعومة أظفاره مشبعًا بروح والده الحربي، جاهدًا في أن يعيد لمصر إمبراطوريتها بالغزو والفتح. والواقع أن «رعمسيس الثاني» عند توليه عرش الملك كان حدث السنِّ، كما قدمنا، وكان نشطًا في الوقت نفسه، وطموحًا إلى أقصى غاية بفضل دم الشباب، ساعيًا في توسيع رقعة بلاده. ورجل هذه أطماعه ومقاصده يرى في كل معاهدة تحول دون تنفيذ أغراضه قصاصة ورق وحسب، ومع ذلك لا يمكننا الجزم هنا برأي والده «سيتي الأول» في تشجيع مواصلة الحرب مع «خيتا» عند سنوح الفرصة ليستولي على شمالي «سوريا» أم لا، ولكنا نعلم أن ملك خيتا «مواتالو» بقي مسالمًا، ومن المحتمل أن البعث الذي أرسله، وهو الذي سنتكلم عنه فيما بعد، كان الغرض منه الوصول إلى محادثات تؤدي إلى إيجاد علاقات سلمية، ولكن لم يكن في استطاعة مملكة «خيتا» أن تصر على إيغال «مصر» في «سوريا»، وهذا ما كان قد شرع فيه «رعمسيس»، ثم تبقى مكتوفة اليدين.
وفوق ذلك كله كان لا بد للنظر في أمر سقوط بلاد الآمورين التي كانت منذ جيلين داخل دائرة نفوذهم، ويجب ألا تبقى مكشوفة غير محصنة، وعلى ذلك وطَّد الملك «مواتالو» العزم على القيام بهجمة مضادة؛ فقام بتجنيد شامل كما ذكرت لنا النصوص المصرية، فجمع كل ما في البلاد من ذهب وفضة حتى نزف دماء أهلها، وأعد بتلك الثروة العظيمة جيشًا عظيمًا، وجمع حوله كل البلاد المحالفة له؛ أي التي كانت تحت سلطانه، وهي التي جاء ذكرها في نقوش الملحمة، وفي نقوش التقرير الرسمي عن الموقعة، وهذا الجيش كان يتألف من مشاة مسلحين بالحراب والسهام، ومن عربات حرب، وبذلك أصبح كل سهل آسيا الصغرى، وشمالي سوريا (بلاد نهرين) حتى ما وراء «قادش» مشتركًا معه في شن الحرب على مصر، وقد كان غرضه الأول استرجاع بلاد «آمور».
وكان على رأس فرق هذا الجيش أمراء الحلف الذين كانوا مع ملك «خيتا» (مواتالو)، وكذلك كان معه «خاتوسيل» الوصي على «البلاد المرتفعة»، وقد صوَّر لنا «رعمسيس الثاني» صورة ناطقة لهؤلاء الجموع في النقوش والصور التي تركها لنا على جدران معابده المختلفة التي على الرغم من اختلاف الروايات في جزئياتها تعد من أهم المصادر التي يعتمد عليها، وبخاصة ما تركه لنا من المناظر على معبد الأقصر، وفي معبد «بو سمبل»، وعلى جدران «الرمسيوم»، (انظر المصوران الخاصان بذلك)، وكذلك على الجزء الأسفل من جدران معبد «العرابة المدفونة»؛ فنشاهد فيها مع طرازي «خيتا» الممثلين على هذه الجدران ساميين لهما لحيتان، وخصلة شعر، كما نجد آخرين معظم شعورهم حليقة، أو قُصت قصًّا قصيرًا جدًّا، وأهل البدو الذين ميزوا تمييزًا تامًّا بتقاسيم وجوههم وملابسهم، وقد مثلوا هناك كثيرًا، وهم الذين يُعرفون في المتون المصرية باسم «شاسو»؛ وتدل الظواهر على أنهم كانوا يتدفقون على الجيوش حتى من دائرة النفوذ المصري، ومن ثم تظهر العلاقات القديمة ثانية بين «الخيتا»، وأولئك الأقوام من الساميين البدو — أي «الخبيري» — الذين كانوا ينزحون إلى البلاد صاحبة الثقافة للنهب والسلب من شمالي «سوريا»، وبلاد «مسو بوتاميا» كما ذكرنا ذلك من قبل (راجع ج٥)، وهذه المناظر تشمل الجزء الأعظم من مشاة الخيتيين الذين اشتركوا في موقعة «قادش»، وهم الذين وقفوا بجوار مليكهم أمام «قادش»، وكانوا يتألفون من فرقتين: واحدة منهما نحو ثمانية آلاف، والثانية نحو تسعة آلاف مقاتل، يضاف إلى ذلك بعض جنود من «خيتا»، وبخاصة مشاة حلفائها.
أما عدد عربات القتال التي كان يستعملها ملك «خيتا» وحلفاؤه، فهي على حسب الصور المصرية نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة، فإذا كان هذا العدد صحيحًا، وأن كل عربة كانت تحمل ثلاثة مقاتلين كما تقول النصوص، فإن قوام خيَّالتهم كان نحو خمسمائة وعشرة آلاف مقاتل، والواقع أن عدد مشاة جيش «خيتا» لم يبالَغ فيه كما بالغ اليونان في عدد مشاة الفرس، وتدل الظواهر على أن كل قوتهم كانت نحو خمسة وعشرين وثلاثين ألف مقاتل، غير العربات والرجال الذين يقومون بخدمة الجيش، وحراسة عتاده.
والواقع أن «رعمسيس» قد خانه الحظ بعدم استطاعة كشافته معرفة موقع العدو، هذا بالإضافة إلى أنه — على ما يظهر — قد صدَّق ما قصه عليه الجاسوسان، وعلى ذلك سار بحرسه في سرعة خاطفة على بلدة «قادش»، وقد كان سيره سريعًا إليها لدرجة أن جيش «آمون» لم يكن في استطاعته أن يجاريه في السير؛ إذ لم يكن بصحبته إلا حرسه الخاص، وقد كانت المسافة بين جيش «آمون» وجيش «بتاح» نحو ميل ونصف، في حين كان جيش «ستخ» يتعثر في سيره في المؤخرة بعيدًا، حتى أن مؤلف القصيدة قد ذكر بإبهام أنه كان سائرًا على الطريق، والواقع أنه لم يشترك في الموقعة قط. ولا نزاع في أن مثل هذا التوزيع للجيوش المصرية يعد طريقة فاشلة في القيادة الحربية، هذا على زعم أن «رعمسيس» كان يعرف أن جيش العدو قريب منه، ولكن الحقيقة أنه ظن أن أمير «خيتا» الخاسئ كان على مسافة لا تقل عن مائة ميل بعيدًا عنه عند «حلب»؛ ولذلك كان لسير جيوشه على هذا النظام الذي يفصل بعض الفرق عن بعض مسافات ما يبرره، هذا فضلًا عن أن سيرها متباعدة بعضها عن بعض يريح الجنود؛ إذ يجعلهم يصلون إلى ساحة القتال دون أن يصيبهم إعياء كبير قد يؤثر على سير الواقعة.
بعد ذلك تحدثنا القصيدة والتقرير الرسمي على السواء أن «رعمسيس» قد وصل إلى شمالي مدينة «قادش» على الشاطئ الغربي من نهر «الأرنت» يتبعه فيلق «آمون»، وعسكر هناك وقت الظهيرة، أما فيلقا «رع»، و«بتاح»، فكانا وقتئذ لا يزالان يسيران على الطريق مخترقين غابة «أرنانامي»، أما فيلق «ستخ» فلم يأتِ له ذكر في المتن (انظر المصور).
وكان «رعمسيس» في موقفه هذا في غفلة عما ينتظرها من أحداث جسام، بل ظن أنه يُحسد على ما قام به من خطط مرضية ينتظر من ورائها النصر العاجل، ولكن آماله كلها قد تبددت؛ إذ إنه في أثناء جلوسه على أريكته الذهبية في معسكره أحضر إليه كشافان من الأعداء، وبعد أن ضُربا ضربًا مبرحًا ليُطلقا عقال لسانيهما كي ينطقا بالحقيقة أذعنا وصدعا، فأسمعا الفرعون الأخبار المفجعة التي أنبأته أن العدو واقف له بالمرصاد خلف «قادش» المخادعة، وعندئذ أخذ «رعمسيس» يكيل لجنوده اللوم والتقريع، وفي ساعة توبيخهم انقض العدو بعد أن عبر النهر على فيلق «رع» في أثناء سير جنوده نحو مكان الفرعون، وقد أمر الفرعون وزيره — غير عالم بالكارثة الأخرى — أن يحث فيلقه — أي فيلق «رع» — على الإسراع، وأطاع الوزير الأمر، وعندئذ وصل إلى «رعمسيس» رسول يخبره بالكارثة التي حلت بفيلق «رع»، وفي هذه اللحظة بدأ الملك الفتي يدرك الخطر المحدق به الذي جلبه عليه طيشه وتسرعه.
وقد كان في مقدور «رعمسيس» أن يثبت في ميدان القتال بشجاعته الشخصية؛ حتى وصلت إليه نجدة أشار إليها المتن المصري «بالمدد»؛ مما جعل كفة ميزان الموقعة تميل إلى جانبه، ولم تأتِ الظهيرة حتى سيطر المصريون على الموقف، على أنه — لا متن القصيدة، ولا تقرير الموقعة — قد فسر لنا كُنه أولئك الجنود الذين أخذوا بناصر «رعمسيس»، وهم — بلا شك — لم يكونوا من أحد الفيالق السالفة الذكر.
وقد فحص الميجر «برن» هذا الموضوع بعناية، واستنبط أنهم لا بد كانوا يؤلفون جزءًا من الحامية التي كان «رعمسيس» قد تركها في قاعدته البحرية في السنة السالفة، وقد ساقهم معه في سيره إلى «قادش»، وقد ضمهم إما لمؤخرة فيلق «رع»، أو جعلهم يسيرون في مقدمة فيلق «بتاح»، وقد حدد «برن» مكان هؤلاء الجنود بين الفيلقين السالفي الذكر على المصور الذي رسمه «برستد»، ويظن أن الوزير — حين حاقت به الكارثة — قفل راجعًا على جناح السرعة ليحث فيلق «بتاح» فمر بهم — أي جنود المدد — في طريقه، وحضهم على الإسراع قُدُما بكل ما لديهم من جهد للحاق ﺑ «رعمسيس» ونجدته.
وعندما خيم الظلام ولى الأحياء من جنود «خيتا» الأدبار نحو المدينة، وكان «رعمسيس» ومدده الظافرين في هذا النزال، والواقع أنه حاق ﺑ «الخيتا» خسائر فادحة، وكان من بين القتلى كثير من أسرة الملك وموظفيه، ولكنه لم يكن النصر الفاصل ﻟ «رعمسيس» وجيشه، ولا بد أن الجيش المصري قد حاقت به خسائر فادحة، غير أن النقوش لا تعترف بذلك، وقد لخص الأستاذ «برستد» الموقف في العبارة التالية: «على أن ما جعل النتيجة نصرًا ﻟ «رعمسيس» هو إنقاذه لنفسه من الدمار الساحق، أما إنه استولى في النهاية على ساحة القتال فلم يضف هذا إلى النصر إلا فائدة قليلة فعلية.»
الثورة في فلسطين
والنقوش المفسرة لهذا المنظر على الرغم من أنها تكاد تكون كلها عقود مدح للفرعون فإنها مع ذلك تظهر لنا حقيقة هامة هي أن «خيتا» كانوا منذ واقعة «قادش» قد أوغلوا في هذه الأصقاع جنوبًا، واحتلوا مؤقتًا بلدة «دبور» التي يقصيهم عنها «رعمسيس»، وتعد هذه البلدة أقصى بلدة في الجنوب وصل إليها «الخيتا» في إيغاله، وهذا الإيغال كان بطبيعة الحال وقتيًّا؛ إذ لم نجد لهم آثارًا جنوبي «حماة»، والواقع أن هذا التقدم العظيم كان له علاقة بالثورة في فلسطين.
قال خاسئ «خيتا» في مدح الإله الطيب: أعطنا النفس الذي تهب، يأيها الحاكم الطيب، تأمل إننا تحت نعليك، وإن الفزع منك قد نفذ إلى أرض «خيتا»، وإن أميرها قد سقط بسبب شهرتك، وإنَّا مثل قطيع من الخيل عندما ينقض عليه الأسد ذو العين المفترسة، وإنه الإله الطيب العظيم الشجاعة في الممالك، والقوي القلب في ساحة القتال، الثابت على الجواد، والجميل في العربة عندما يقبض على القوس ليرمي به أو يحارب يدًا ليد، الثابت الذي لا يفلت منه أحد … والذي يرتدي الزرد الجميل في ساحة القتال، والذي يعود بعد انتصاره على أمير «خيتا» الخاسئ، وعندما تغلب عليه ذرَّاه مثل التبن في الهواء حتى إنه تخلى عن مدينته خوفًا منه، وقد وضع «رعمسيس» شهرته هناك لكل يوم، وقد كانت قوته في أعضائه مثل النار، وإنه ثور يناضل عن حدوده، ويستولي على الأشياء التي وقعت في قبضته، ولم تترك يده إنسانًا حيًّا، وإنه عاصفة في الممالك، عظيم في المعمعة، مرسل الصاعقة على الرؤساء لتخريب مدنهم، ومصير كل أماكنهم أصقاعًا صحراوية، وسهامه خلفه مثل «سخمت» عندما تنقض كالريح … أرض «خيتا» الخاسئة عدوته، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس «رعمسيس» محبوب «آمون».
وفي هذا المنظر ذكر لنا أسماء ستة من أولاده وهم: «خعموا ست»، و«منتو»، و«مري آمون»، و«آمون مويا»، و«سيتي»، ثم «ستبن رع». ولدينا نقش آخر على قطعة من الحجر في «الرمسيوم» تدل على أن «دبور» تقع في إقليم «تونب» في أرض النهرين، إذ قد جاء فيه: «بلد خاسئ و«خيتا» الواقعة في إقليم بلدة «تونب» في أرض نهرين.» وقد ظهر في الصورة أن المدافعين عن البلد كانوا من «خيتا».
ومن ثم نعلم أن «رعمسيس» أوغل في بلاد «نهرين» التي كانت تحت سيطرة «خيتا»، وفي نهاية هذه الحروب التي دامت ثلاث سنوات أصبح «رعمسيس» يمد سلطانه على البلاد التي كانت تحت قبضته بعد موقعة «قادش»، بل زاد عليها، غير أن هذه البلاد التي استولى عليها من «خيتا» لم تكن تحت الحكم المصري تمامًا، بل كان يحكمها حكام من «خيتا» بإشراف «رعمسيس».
وعلى حسب قائمة فتوح «رعمسيس» نجد أنه قد استولى على بلاد «نهرين»، و«رتنو» السفلى (شمالي سوريا)، و«إرواد»، وبلاد «كفتيو»، و«قطنة» على نهر «الأرنت»، وخلاصة القول أن «رعمسيس الثاني» بعد أن ارتكب غلطته الطائشة في بادئ حروبه مع «خيتا» عندما سار بجيشه، وألقى بنفسه ببراءة وسذاجة في الفخ الذي نُصب له عند «قادش» أصبح — بعد أن حنكته التجارب وصهرته ميادين القتال وحيل الأعداء وثوراتهم العديدة — جنديًّا ثابت الجنان، واسع الحيلة؛ مما جعله في نظر جيرانه «الخيتا» خطرًا حقيقيًّا على دولتهم في سوريا.
وبعد حروب دامت أكثر من خمسة عشر عامًا مات «مواتالو» ملك «خيتا»، أو قُتل على حسب بعض الآراء، وخلفه على العرش أخوه «خاتوسيل»، وكان سياسيًّا قديرًا، ففطن في الحال إلى أن سقوط دولة «متني» قد عرضت حدود بلاده الشرقية لهجوم «آشور» القوية، فعمل على أن تكون علاقاته مع «بابل» علاقة سلم ومهادنة، ثم شرع في اتخاذ التدابير لإنهاء الحرب بينه وبين مصر، ولذلك نجده قد طلب إبرام معاهدة مع مصر قوامها السلم الدائم، والود الأكيد كما سنرى.
(ﺟ) معاهدة التحالف التي أُبرمت بين «خاتوسيل» ملك خيتا، وبين الفرعون «رعمسيس» الثاني
ولما كانت قصة هذا الكشف غير معروفة لمعظم المصريين، فإني سأعرضها هنا ببعض الاختصار قبل أن أتناول الكلام عن المعاهدة نفسها من الوجهة التاريخية والسياسية، والواقع أن «شامبليون» عندما أخذ في حل رموز النقوش التي على المعابد المصرية وجه عناية خاصة للمتون والنقوش الخاصة بحروب «رعمسيس الثاني» مع قوم سماهم «شيتو»، وكانت نتائج هذه الحروب معاهدة نُقشت شروطها التامة باللغة المصرية على لوحتين عظيمتين في معبدي «الكرنك»، و«الرمسيوم» على التوالي.
نص المعاهدة في اللغتين
مقدمة إيضاحية (بالمصرية فقط):
-
(١)
السنة الحادية والعشرون، الشهر الأول من فصل الشتاء، اليوم الواحد والعشرون في حكم عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن «رع» «رعمسيس مري آمون»، معطي الحياة أبدًا ومخلدًا، محبوب ««آمون رع»، و«حور اختي»، و«بتاح جنوبي جداره»، سيد «عنخ تاوي»، والإلهة «موت» سيدة «إشرو»، و«خنسو نفر حتب» الذي اعتلى عرش «حور» الأحياء مثل والده «حور اختي» مخلدًا وسرمديًّا.»
-
(٢)
في هذا اليوم عندما كان جلالته في بلدة «بررعمسيس مري آمون» يعمل ما يسر والده «آمون رع»، و«حور اختي»، و«آتوم» رب أرض «هليوبوليس»، و«آمون»، و«رعمسيس مري آمون»، و«بتاح رعمسيس مري آمون»، و«ستخ» عظيم الشجاعة ابن «نوت» بقدر ما يعطونه أعيادًا ثلاثينية لا عداد لها، وأبدية سنين سلم، وكل البلاد، وكل الممالك الجبلية تحت نعليه سرمديًّا، (في هذا اليوم) أتى رسول الملك، والقائد نائب الفرعون … ورسول الملك … «وسر ماعت رع ستبن رع» … «تشب»، ورسول «خاني» … حاملًا اللوحة الفضية التي أمرنا بإحضارها رئيس «خيتا» العظيم «خاتوسيل» إلى الفرعون ليرجو الصلح من جلالة «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن «رع» «رعمسيس مري آمون»، معطي الحياة مخلدًا وسرمديًّا مثل والده «رع» يوميًّا.
- التعليق: هذه المقدمة تكاد تعد صورة تقليدية في النقوش المصرية التاريخية، إذ تبدأ بالتاريخ والألقاب، ثم يأتي بعد ذلك المقر الذي يسكنه الفرعون، وما يقوم بعمله عندما ينظر في الأمر الذي يُعرض عليه. وتاريخ اللوحة وهو العام الواحد والعشرون مهم بطبيعة الحال، وكان «رعمسيس» كما جرت العادة يقطن في عاصمته الشمالية «بررعمسيس» (قنتير الحالية). ومما يؤسف له هنا أن الفقرة التي ذُكر فيها أسماء رسل ملك «خيتا» وجدت مهشمة، ولا يمكن استنباط شيء منها، والظاهر أن اسمي الضابطين الحربيين اللذين يحتمل أنهما كانا القائدين على الحدود المصرية، هما اللذان صحبا رسول ملك «خيتا» إلى حضرة الفرعون. هذا، وتدل ألفاظ المقدمة على أن بلاد «خيتا» كانت تطلب صلحًا، ولكن الواقع أن الرسل قد حضروا لعقد معاهدة ومحالفة مع ملك مصر كما سنرى بعد.
- عنوان للترجمة المصرية: صورة من اللوحة الفضية التي أمر بإحضارها رئيس «خيتا» العظيم «خاتوسيل» إلى الفرعون على يد رسوله «ترتشوب Tartesub»، ورسوله «رع موسى» رجاء الصلح من جلالته «وسر ماعت رع ستبن رع» (ابن رع) «رعمسيس مري آمون» ثور الحكام، ومن يقيم حدوده حيث يريد في كل أرض. وتدل عبارة «رجاء الصلح» على أن النص هنا في أصله مصري؛ لأنه تعبير مصري صريح.
ديباجة المعاهدة الحقيقية
- المتن المصري: المعاهدة التي عقدها أمير «خيتا» العظيم «خاتوسيل» القوي ابن «مورسيلي Mursili»، رئيس «خيتا» العظيم القوي ابن ابن «شوبيليوليوما»، رئيس «خيتا» العظيم على لوحة من الفضة لأجل «وسر ماعت رع ستبن رع»، حاكم مصر العظيم القوي ابن «من ماعت رع»، حاكم مصر العظيم القوي ابن ابن «من حبتي رع» (رعمسيس الأول) حاكم مصر العظيم القوي: المعاهدة الطيبة للسلام والإخاء والتي تهب السلام والإخاء (؟) … بيننا بوساطة معاهدة (؟) «خيتا» مع مصر أبديًّا.
-
المتن الخيتي البابلي: وهكذا يكون، فإن «رياماساسا ماي أمانا» الملك العظيم ملك
مصر القوي قد أبرم معاهدة مع «خاتوسيل» الملك العظيم ملك
أرض «خيتا» أخيه؛ لأجل أن يمنح صلحًا وحسن إخاء، وليحصل
على مملكة (؟) عظيمة بينهما٨٧ ما دمنا أحياء إلى الأبد.
«ريا ماساسا ماي أمانا» ملك مصر العظيم القوي في كل الأراضي ابن «منمواريا» الملك العظيم ملك مصر القوي ابن ابن «منباخير يتاريا»، الملك العظيم ملك مصر القوي إلى «خاتوسيل»، الملك العظيم ملك أرض «خيتا» القوي ابن «مورسيل»، الملك العظيم ملك أرض «خيتا» القوي ابن ابن «شوبيليوليوما»، الملك العظيم ملك أرض «خيتا» القوي، انظر الآن فإني أقدم إخاء حسنًا وسلامًا حسنًا بيننا إلى الأبد؛ لأجل أن تعطي سلامًا طيبًا وإخاء حسنًا بتحالف مصر مع «خيتا» إلى الأبد، وهكذا يكون.
- التعليق: يلاحظ هنا أن المتنين كليهما متفقان في محتوياتهما كما أنه يوجد تشابه في التعبير، والفرق الرئيسي في المتنين أن المتن الخيتي يذكر نسب الملك إلى الجد الثاني.
المعاهدة تدل على استئناف العلاقات الودية القديمة بين البلدين
- المتن المصري: والآن في الزمن السالف منذ الأبدية فيما يخص سياسة حاكم مصر العظيم، ورئيس «خيتا» العظيم، فإن الإله لم يسمح بخصومة تحدث بينهما، وذلك بوساطة معاهدة، ولكن في عهد «مواتالو» رئيس «خيتا» العظيم أخي تحارب مع «رعمسيس مري آمون» ملك مصر العظيم، ولكن بعد ذلك من ابتداء هذا اليوم تأمل، فإن «خاتوسيل» رئيس «خيتا» العظيم أصبح في معاهدة لأجل أن تكون السياسة التي عملها «رع»، والتي عملها «ستخ» دائمة لأرض مصر مع أرض «خيتا»؛ حتى لا يسمح بقيام مناوشات بينهما أبدًا.
-
المتن الخيتي البابلي: تأمل سياسة الملك العظيم ملك مصر، والملك العظيم ملك
«خيتا» منذ الأبدية، فإن الإله لم يسمح بقيام خصومة
بينهما، وذلك بوساطة معاهدة سرمدية …
تأمل! «رياماساسا ماي أمانا» الملك العظيم ملك مصر، فإنه لأجل أن يجعل السياسية التي عملها «شاماش»، و«تشب» لمصر مع أرض «خيتا» بسبب سياسته التي كانت منذ الأبد آثمة؟ (فإنه لن يكون خصام أو عداء بينهما إلى الأبد، وإلى الزمن السرمدي).
إعلان المعاهدة الجديدة
-
المتن المصري: تأمل، إن «خاتوسيل» رئيس «خيتا» العظيم قد جعل نفسه في
معاهدة مع «وسر ماعت رع» «ستبن رع» ملك مصر العظيم، وقد
ابتدأ بهذا اليوم، فأمر بإبرام صلح طيب، وإخاء حسن بيننا
أبدًا، وأنه في إخاء معي، وفي صلح معي، وإني في رضى معه،
وفي صلح معه أبدًا.
ومنذ أن أسرع «مواتالو» رئيس «خيتا» العظيم أخي إلى قدره (توفي)، وأخذ مكانه «خاتوسيل» رئيسًا عظيمًا ﻟ «خيتا» على عرش والده. تأمل، لقد أصبحت مع «رعمسيس مري آمون» حاكم مصر العظيم، نحن معًا في صلحنا وإخائنا، وإنه لأفضل من الصلح والإخاء السابقين الذين كانا في الأرض (بين البلدين). تأمل، إني بوصفي رئيس «خيتا» العظيم مع «رعمسيس مري آمون» حاكم مصر العظيم في صلح طيب، وفي إخاء حسن، وإن أولاد أولاد رئيس «خيتا» العظيم سيكونون في صلح وإخاء مع أولاد أولاد «رعمسيس مري آمون» ملك مصر العظيم، وأنهم سيكونون في سياستنا الأخوية، وسياستنا السلمية، وأرض مصر ستكون مع أرض «خيتا» في سلام، وفي إخاء مثلنا أبدًا، وإن التخاصم لن يقوم بينهما سرمديًّا.
-
المتن الخيتي البابلي: إن «رياماساسا ماي-أمانا» الملك العظيم ملك مصر قد جعل
نفسه في معاهدة على لوحة من الفضة، مع «خاتوسيل» الملك
العظيم ملك أرض «خيتا» أخيه منذ هذا اليوم ليقدم صلحًا
طيبًا، وإخاء حسنًا بيننا أبدًا، وإنه أخ لي، وفي مهادنة
معي، وإني أخ له، وفي مهادنة معه أبدًا.
وقد عقدنا إخاء وسلامًا وحسن نية أفضل من الإخاء والسلام الذي كان في الأزمان السالفة بين «مصر» و«خيتا».
تأمل، إن «رياماساسا ماي-أمانا» الملك العظيم ملك مصر في سلام طيب، وإخاء حسن مع «خاتوسيل» الملك العظيم ملك أرض «خيتا».
تأمل! إن أولاد «رياماساسا ماي-أمانا» ملك مصر سيكونون في صلح، وإنهم إخوة مع أولاد «خاتوسيل» الملك العظيم ملك أرض «خيتا» أبدًا، وإنهم سيكونون على حسب سياستنا في إخائنا ومهادنتنا، وإن مصر مع الأرض «خيتا» في وئام، وإنهما أخوان مثلنا أبدًا.
تبادل الثقة بالنسبة للغزو
- المتن المصري: ولن يعتدي رئيس «خيتا» العظيم على أرض مصر أبدًا بأخذ أي شيء منها، ولن يعتدي «وسر ماعت رع ستبن رع» حاكم مصر العظيم على أرض «خيتا» لأخذ أي شيء منها أبدًا.
- المتن الخيتي البابلي: ولن يعتدي «رياماساسا ماي-أمانا» الملك العظيم ملك مصر على أرض «خيتا» لأخذ أي شيء منها أبدًا، ولن يعتدي «خاتوسيل» الملك العظيم ملك أرض «خيتا» على مصر بأخذ أي شيء منها أبدًا.
التجديد الرسمي للمعاهدة السابقة
- المتن المصري: أما عن المعاهدة الرسمية التي كانت في عهد «شوبيليو ليوما» رئيس «خيتا» العظيم، وكذلك المعاهدة الرسمية التي كانت في عهد «مواتالو»٨٨ رئيس «خيتا» العظيم والدي فإني أحافظ عليها — تأمل! فإن «رعمسيس مري آمون» حاكم مصر العظيم يحافظ على السلم الذي تعلمه (؟) معنا، كذلك منذ هذا اليوم، وسنعمل على حسب هذه السياسة المحكمة.
-
المتن الخيتي البابلي: تأمل! المرسوم الأبدي الذي أصدره «شماش» و«تشوب» لمصر
وأرض «خيتا» للمهادنة والمؤاخاة، حتى لا تقوم مخاصمة
بينهما.
وتأمل! «رياماساسا ماي-أمانا» الملك العظيم ملك مصر يتسلمه لأجل أن يبرم صلحًا منذ هذا اليوم، وتأمل! إن «مصر» و«خيتا» في سلام وهما إخوة أبدًا.
الشروع في معاهدة دفاعية
- المتن المصري: فإذا أتى عدو آخر لأراضي «وسر ماعت رع ستبن رع» حاكم مصر العظيم، وأرسل إلى رئيس «خيتا» العظيم قائلا: «تعالَ معي مساعدًا عليه»، فإن على رئيس «خيتا» العظيم أن يأتي إلي، وينبغي على رئيس «خيتا» العظيم أن يذبح عدوه، ولكن إذا لم يكن لرئيس «خيتا» العظيم رغبة في المجيء، فعليه أن يرسل خيالته ويذبح عدوه.
- المتن الخيتي البابلي: وإذا أتى عدو آخر على أرض «خيتا» وأرسل إلي «خاتوسيل» ملك بلاد «خيتا» العظيم قائلا: تعال إلي لمساعدتي عليه فعلى «رياماساسا ماي-أمانا» الملك العظيم ملك مصر أن يرسل جنوده وعرباته، ويجب أن يقتل عدوه ويعيد الثقة (؟) إلى أرض «خيتا».
العمل المتبادل الذي يُتخذ ضد الرعايا الثائرين
- المتن المصري: أو إذا غضب «رعمسيس مري آمون» ملك مصر العظيم على خدم له، وارتكبوا جريمة أخرى ضده ثم ذهب لقتل عدوه، فإن رئيس «خيتا» العظيم يجب أن يعمل معه للقضاء على كل فرد سيغضبان عليه.
- المتن الخيتي البابلي: وإذا غضب «خاتوسيل» الملك العظيم ملك أرض «خيتا» على خدم له، وارتكبوا ذنبًا ضده، وأرسل إلى «رياماساسا» الملك العظيم ملك مصر بهذا الخصوص، فإن جنود وعربات «رياماساسا ماي-أمانا» يجب أن ترسَل في الحال وتقضي على كل من أصبحت غاضبًا عليه.
مادة متبادلة تقابل المادة ٦
- المتن المصري: ولكن إذا أتى عدو آخر ضد ملك «خيتا» العظيم، فإن حاكم مصر العظيم «وسر ماعت رع ستبن رع» يجب أن يأتي إليه مساعدًا لقتل عدوه (ولكن) إذا لم تكن رغبة «رعمسيس مري آمون» حاكم مصر العظيم في أن يأتي فإنه … «خيتا» (ويجب أن يرسل جنوده وخيالته)، هذا عدا إرسال رد لأرض «خيتا».
- المتن الخيتي البابلي: (وإذا) أتى عدو آخر ضد مصر، وأرسل «رياماساسا ماي-أمانا» ملك مصر إلى أخيه «خاتوسيل» ملك أرض «خيتا» قائلًا: تعالَ تعالَ لمساعدتي عليه، فإنه على «خاتوسيل» ملك أرض «خيتا» أن يرسل في الحال جنوده وعرباته، وعليه أن يذبح عدوي.
مادة متبادلة تقابل المادة ٦
- المتن المصري: ولكن إذا تعدى خدم رئيس «خيتا» العظيم عليه، و«رعمسيس مري آمون» حاكم مصر العظيم …
- المتن الخيتي البابلي: وإذا أصبح «رياماساسا» الملك العظيم ملك مصر غاضبًا على خدام له ثم ارتكبوا إثما ضده، وأرسل إلى «خاتوسيل» ملك «خيتا» أخي بخصوص ذلك فعندئذ يجب على «خاتوسيل» الملك العظيم أن يرسل لملك مصر جنوده وعرباته، وأن يقضي عليهم كلهم، وإني «سا … (؟)».
مادة خاصة بالوراثة
- المتن الخيتي البابلي: (٤٠) وتأمل! إن ابن «خاتوسيل» ملك أرض «خيتا» (المعاهدة التي أبرمناها (؟) …) (٤١) في قصر «خاتوسيل» والده بعد سنين … (٤٢)… أرض قد ارتكبوا جريمة … (٤٣) … عربات حيث كنت سأعود … (٤٤) … في أرض «خيتا» (؟) …
- المتن المصري: … أرض «خيتا»، وأرض مصر … (٢٠) … الحياة على فرض إني سأذهب إلى مصيري، وبعد ذلك فإن «رعمسيس مري آمون» حاكم مصر العظيم عائشًا أبديًّا سيعمل؟ … آتيًا إلى أرض «خيتا» … ليجعله يعمل (؟) … (٢١) … هم (؟) ليعملوه لأنفسهم ليسيطروا حتى يجعل «وسر ماعت رع ستبن رع» ملك مصر العظيم يصمت بفمه أبدًا، وبعد … أرض «خيتا»، ويرجع (؟) لينصب رئيس «خيتا» العظيم وكذلك …
- تعليق: يلاحظ أنه عند هذه النقطة أصبح كل من المتنين مهشمًا حتى إن ما يفهم منهما لا يخرج عن الحدس والتخمين فحسب، ويظن الأثري «ميسنر Meissner» أن المتن البابلي يشترط أن يعترف «رعمسيس» بأن وارث «خاتوسيل» هو الابن الذي اختاره الأخير مدة حياته، وبرهن على ذلك باقتباس ما جاء في معاهدة عُقدت بين ملك «خيتا»، و«شوناشورا» ملك «كزواتنا». أما المتن المصري فإن الكلمات الحساسة فيه التي قد سيئ فهمها حتى الآن تميل للأخذ بهذا الرأي، وإن كان واضحًا أن كلًّا من الروايتين يختلف عن الأخرى في التفسير اللفظي، وما تبقى من المتن المصري يمكِّن الإنسان من الظن بأن «خاتوسيل» كان يفكر في حالة موته أن «خيتا» بلاده قد تنتخب حاكمًا لها لم يكن على حسب اختياره.
تسليم الفارين من المذنبين العظماء
- المتن المصري: إذا فرَّ رجل عظيم من أرض مصر، وجاء إلى أراضي رئيس «خيتا» العظيم، أو إلى بلد، أو مركز … تابع لأراضي «رعمسيس مري آمون» حاكم مصر العظيم، وأتى إلى رئيس «خيتا» العظيم، فعلى رئيس «خيتا» العظيم ألا يستقبله، بل يجعله يعاد إلى «وسر ماعت رع ستبن رع» حاكم مصر العظيم سيده بسبب ذلك — أي فراره.
ومن هذه النقطة في المعاهدة ليس لدينا إلا المتن المصري، غير أن التشابه بين ما جاء فيه، وما سبقه من المتون الخيتية ظاهر.
تسليم الفارين من صغار المذنبين
إذا فرَّ رجل أو رجلان غير معروفين (٢٣)، وأتوا إلى أرض «خيتا» ليكونوا عبيدًا لفرد آخر؛ فيجب ألا يقيموا في أرض «خيتا»، بل يجب أن يرسلوا إلى «رعمسيس مري آمون» حاكم مصر العظيم.
مادة متبادلة تقابل المادة الحادية عشرة
أو إذا هرب رجل من أرض «خيتا» وأتى إلى أراضي «وسر ماعت رع ستبن رع» حاكم مصر العظيم، أو إلى بلدة، أو مركز، أو (٢٤ …) تابع لأرض خيتا، وأتوا إلى «رعمسيس» محبوب «آمون» حاكم مصر العظيم، فعلى «وسر ماعت رع ستبن رع» — أي رعمسيس — حاكم مصر العظيم ألا يستقبلهم، بل عليه أن يجعلهم يرسلون إلى رئيس … ويجب ألا يبقوا.
مادة متبادلة تقابل المادة الثانية عشرة
وكذلك إذا ذهب رجل أو رجلان ليسا بمعروفين إلى أرض مصر ليكونوا رعايا لآخرين، فعلى «وسر ماعت رع ستبن رع» حاكم مصر ألا يتركهم، بل يجب عليه أن يأمر بإحضارهم إلى رئيس «خيتا» العظيم.
آلهة خيتا ومصر شهود في المعاهدة
وألفاظ المعاهدة التي أبرمها رئيس «خيتا» العظيم مع «رعمسيس» محبوب «آمون» حاكم مصر العظيم كتابة على هذه اللوحة الفضية، قد شهد كلماتها معي عليها ألف إله من الذكور، وإلهات من الإناث من آلهة أرض مصر السامعين لهذه الكلمات — أي كلمات المعاهدة — وهم: «برع» رب السماء، و«برع» بلدة «أرينَّا»، و«ستخ» رب السماء، و«ستخ» رب «خيتا»، و«ستخ» رب «أرينَّا»، و«ستخ» إله بلدة «زبالاندا»، و«ستخ» إله بلدة «بتيارك»، و«ستخ» إله بلدة «جيشا شابا»، و«ستخ» إله بلدة «سارشا»، و«ستخ» إله بلدة «حلب»، و«ستخ» إله بلدة «لخزن»، و«ستخ» إله بلدة … و«ستخ»إله بلدة … و«ستخ» إله بلدة «سمس»؟ و«ستخ» إله بلدة «سبخن»، و«عشتارت» صاحبة أرض «خاتي»، وإله «زيتخارياش»، وإله «كارزيش»؟ وإله «خابنتارياش»، وإلهة «كارخنا»، وإلهة بلدة «صور»، وإلهة … وإلهة «زن» (؟)، وإله «بنت» (؟)، وإله … وإله «خبت» (؟)، وملكة السماء، والآلهة أرباب القسم، وهذه الإلهة سيدة الأرض، وسيدة القسم «إسخارا»، وسيدة … وجبال وأنهار أرض «خاتي»، وآلهة أرض «كزواتنا»، و«آمون»، و«برع»، و«ستخ»، والآلهة الذكور، والإلهات الإناث، وجبال مصر وأنهارها، والسماء والأرض، والبحر العظيم، والرياح والسحاب.
ومما تجدر ملاحظته في هذه المادة من المعاهدة، أن تفصيلها في مجموعه مصبوغ بالصبغة البابلية الخيتية، غير أن الكلمات الافتتاحية هنا نجد لها صورة معروفة في المعاهدات الخيتية، أما عن الآلهة الذين جاء ذكرهم هنا، فيلاحظ أن معظم المدن التي كانوا يعبدون فيها مهشمة أو مبهمة، وبخاصة الإلهة «ستخ» الذي يقابل عند الخيتيين الإله «تشب» رب السماء.
أما الإله «برع» رب السماء المصري، فيقابل «برع» ربة بلدة «إرنن»، وهي الإلهة الحامية لأرض «خيتا»، وبلدة «إرنن» موحدة ببلدة «أرينَّا» على نهر «ساروس» في «كبادوشيا» بآسيا الصغرى.
اللعنات على الذين ينقضون هذا العهد والرحمات على الذين يحافظون عليه
أما الكلمات التي على هذه اللوحة الفضية الخاصة بأرض «خيتا»، وأرض «مصر»، فإن من لا يرعاها ينقض ألف إله من آلهة أرض «خيتا»، وألف إله من آلهة أرض مصر سيخرب بيته وخدمه، أما من يرعى هذه الكلمات التي على هذه اللوحة الفضية خيتيين أو مصريين، وكذلك من لا يهملها، فإن ألف إله من آلهة أرض «خيتا»، وألف من آلهة مصر سيجعلونه معافى، ويعيش مع بيوته، وأرضه، وخدمه.
العفو عن الأشخاص المذنبين الهاربين
إذا فرَّ رجل من أرض مصر، أو رجلان، أو ثلاثة رجال، وأتوا إلى رئيس «خيتا» العظيم، فإن رئيس «خيتا» العظيم ينبغي عليه أن يقبض عليهم، ويأمر بإعادتهم إلى «وسر ماعت رع ستبن رع» حاكم مصر العظيم، أما الرجل الذي سيحضر إلى «رعمسيس» محبوب «آمون» حاكم مصر العظيم؛ فيجب ألا تُوجه إليه جريمة، ولن يضارَّ في بيته، وزوجته، أو يقضى على أطفاله، ويجب ألا يُقتل، وألا يُضار في عينيه، أو أذنيه، أو فمه، أو ساقيه، ويجب ألا توجه أية جريمة إليه.
مادة متبادلة مع المادة السابعة عشرة
وكذلك إذا فرَّ رجل من أرض «خيتا»، أو اثنان، أو ثلاثة، وأتوا إلى «وسر ماعت رع ستبن رع» حاكم مصر العظيم، فعلى «رعمسيس» محبوب «آمون» أن يأمر بإرسالهم لرئيس «خيتا» العظيم، وعلى رئيس «خيتا» العظيم ألا يوجه إليهم تهمة جريمتهم، كما ينبغي ألا يقضي على بيته، وأزواجه، أو أطفاله، ويجب ألا يقتل ولا يضار في أذنيه، أو عينيه، أو في فمه، أو ساقيه، ويجب ألا توجه أية جريمة نحوه.
وصف اللوحة الفضية
ما يوجد في وسط اللوحة الفضية على واجهتها الأمامية: منظر (؟) يحتوي صورة الإله «ستخ» يضم صورة أمير «خيتا» العظيم محاطًا بمتن (؟) جاء فيه: خاتم «ستخ» حاكم السماء، وخاتم المعاهدة التي أُبرمت بين «خاتوسيل» رئيس «خيتا» العظيم القوي ابن «مورسيلي» رئيس «خيتا» العظيم القوي. أما ما يوجد داخل الإطار المحيط بهذا المنظر فهو: «خاتم ستخ حاكم السماء»، وعلى الجانب الآخر: منظر يحتوي على صورة إلهة «ختي» تضم صورة رئيسة «خيتا» يحيط بها متن ينص: «خاتم «برع» ربة بلدة «أرينا» ربة الأرض، وخاتم «بودوخبا» رئيسة أرض «خيتا»، بنت أرض «كزواتنا» كاهنة بلدة (؟) «أرينَّا» سيدة البلاد، خادمة الإلهة»، أما ما يوجد داخل الإطار المحيط بالمنظر فهو «خاتم «برع» صاحب «أرينَّا» رب كل أرض.»
والظاهر أن الكاتب المصري قد تورَّط عندما صادفته كلمة «شمس»، وكذلك كلمة إله الشمس «رع»، وهو في المصرية مذكر في حين أن إلهة الشمس (أرينا) مؤنث في الديانة الخيتية؛ ولذلك نجده في هذا المتن يكتب «سيد كل أرض» بدلًا من «سيدة كل أرض»، ويلحظ أن ملكة «خيتا» قد اشتركت في توقيع هذه المعاهدة.
العلاقات التي بين الروايتين
يدل الفحص الدقيق على أن هذه المعاهدة في صورتها الأولى قد اتفق على موادها في بلدة «بوغازكوي» (خاتوشا) بالتشاور مع سفراء مصر هناك — على ما يظهر، وعندما تم الاتفاق على صورتها النهائية كُتبت على لوحة من الفضة، وأحضرت إلى مصر حيث وقَّع «رعمسيس» بالموافقة عليها، وأعطى التعليمات للكتَّاب البابليين بكتابة صورة منها باسمه هو، وهذه الصورة كانت تحوي بطبيعة الحال معظم الجمل التي في الأصل الخيتي، مع حذف الإشارات إلى «مواتالي» ملك «خيتا»، هذا بالإضافة إلى تغييرات بسيطة كان لا بد منها، وأخيرًا نُقشت الصورة التي أُلفت ﻟ «رعمسيس» بدورها على لوحة من الفضة، وخُتمت بخاتم الفرعون وأُرسلت إلى بلاد «خيتا»، وقد وُضع الأصل عند قدمي الإله «تشوب» إله بلاد «خيتا» في حين أن نسخًا أخرى لا بد أنها كُتبت على الآجر لتحفظ في السجلات الملكية، وهي التي عثر عليها الأثري «فنكلر».
وهذه النظرية التي ذكرناها هنا قد تُعد أحسن تفسير ممكن لتوضيح الرواية التي كُتبت بالخط المسماري، غير أنها مع ذلك لا تخرج عن مجرد نظرية وحسب.
على أنه من جهة أخرى ليس لدينا أي ظل من الشك في أن اللوحتين اللتين عثر عليهما في معبد «الكرنك» و«الرمسيوم» يحوي كل منهما النص النهائي للمعاهدة التي قبلها «خاتوسيل».
والظاهر أن المادتين السابعة عشرة والثامنة عشرة، وهما الخاصتان بالعفو عن المجرمين السياسيين قد أضيفتا بعد وضع صيغة المعاهدة النهائية، ومن الجائز أن يكونا قد وُضعا في اللوحة الفضية أولًا، ولكن ليس من الواضح لدينا أن الواضع لهما هو «خاتوسيل»، أو «رعمسيس الثاني».
ومما تجب الإشارة إليه هنا أن علماء الآثار والتاريخ لم يستنبطوا النتيجة الصحيحة عن الفقرات التي تشير إلى «مواتالي»، وهي فقرات كُتبت في المتن الخيتي كما برهنا على ذلك، وتدل شواهد الأحوال على أنها تحتوي على نوع من الخضوع من ناحية ملك «خيتا»، والواقع أنه كانت توجد فكرة قبل ذلك تميل إلى القول بأن المصريين هم الذين خسروا الحروب مع «خاتوسيل»، ولكن البحوث التي وصلنا إليها تظهر أن «خاتوسيل» هو الذي سعى إلى الصلح، وأنه هو الذي نادى بإبرامه بين البلدين.
الموقف التاريخي لهذه المعاهدة
- (١)
كان «خاتوسيل» في حرب مع «رعمسيس الثاني» قبل موت «كادشمان تورجو».
- (٢)
أنه أعلن الصلح مع «رعمسيس» قبل موت «كادشمان تورجو».
ومن هذا الخطاب نعلم جليًّا أن المعاهدة التي أُبرمت بين «رعمسيس الثاني»، والملك «خاتوسيل» في السنة الواحدة والعشرين كانت نهاية عهد مخاصمة، سواء أكانت ممثلة في حروب فعلية، أم في منازعات سياسية، وهذه الخصومات قد ظلت حتى بعد موقعة «قادش»، ولكن منذ السنة الواحدة والعشرين نجد أن السلام قد خيم على ربوع كل من «خيتا» ومصر، وقد أدت العلاقات الطيبة بينهما إلى زواج «رعمسيس الثاني» من بنت ملك «خيتا»، كما هو مدون على لوحة «بو سمبل»، ونسختها المؤرخة بالسنة الرابعة والثلاثين من حكم هذا الفرعون كما سنرى بعد.
(د) العلاقات بين مصر و«خيتا» بعد المعاهدة
عاش «رعمسيس الثاني» بعد عقد هذه المعاهدة مع ملك «خيتا» ما يربى على ست وأربعين سنة، كان السلام في أثنائها بين البلدين تامًّا لم يعكر صفوه أي حادث أليم.
قصيدة «بركات بتاح»٩٧
السنة الخامسة والثلاثون، الشهر الأول من الفصل الثاني، اليوم الثالث عشر في عهد جلالة «رعمسيس الثاني» معطي الحياة.
- مقدمة: خطاب «بتاح تاتنن» صاحب الريشتين العاليتين، والمتأهب بقرنيه، ومنجب الآلهة لابنه ومحبوبه وبِكره من صلبه، الإله المقدس، ملك الآلهة، العظيم الأعياد الثلاثينية الملكية مثل «تاتنن» الملك «رعمسيس الثاني» معطي الحياة.
- خطاب «بتاح» وولادة «رعمسيس»: إني والدك الذي أنجبك مثل الآلهة، فكل أعضائك أعضاء آلهة، ولقد تشكلت في صورة الكبش سيد «منديس» (تل الربع الحالي)، ووضعتك في فرج أمك الفاخرة منذ أن عرفت أنك ستكون حاميًا لي، وإنك ستقوم حقًّا بعمل أشياء مفيدة لحضرتي، ولقد سويتك لتشرق مثل «رع» (الشمس)، ورفعتك أمام الآلهة يأيها الملك، يا «رعمسيس الثاني» معطي الحياة، ورفيقات «بتاح» هن منشآتك، والإلهات اللائي ساعدت في وضعك (مسخنت) يمرحن في السرور منذ أن رأوك صورة من جسمي الفاخر القوي؛ أي إنه عندما يرون «رعمسيس» كأنهم يرون «بتاح»، وكاهنات بيت «بتاح»، والإلهات «حتحور» في بيت «آتوم» في عيد وقلوبهن في حبور، وأكفهن مرفوعة بالتصفيق منذ أن رأين صورتك الجميلة، ولطفك مثل لطف جلالتي، والآلهة والإلهات يهللون لجمالك مادحين ومقدمين لي الثناء قائلين: إنك والدنا الفاخر الذي سويت لنا إلهًا مثلك وهو «رعمسيس الثاني» معطي الحياة.
- الإله «بتاح» يعد الفرعون منحة السعادة: وعندما أشاهدك يفرح قلبي، وأستقبلك بضمة ذهبية، وإني أحيطك بالبقاء والثبات والرضى، وإني أمنحك الصحة وفرح القلب، وإني أغمسك في الابتهاج والفرح، وسرور القلب، والحبور أبدًا.
- «بتاح» يعد «رعمسيس» الحكمة: إني أجعل قلبك قدسيًّا مثلي؛ وإني أنتخبك، وإني أزنك، وإني أعدك ليستطيع قلبك التبصر، وليكون نطقك مفيدًا، ولا يوجد شيء مهما كان لا تعرفه؛ لأني قد أتممتك هذا اليوم، ومن قبل حتى تستطيع أن تجعل كل الناس تعيش من معرفتك يأيها الملك، يا «رعمسيس الثاني» معطي الحياة.
- «بتاح» يعد «رعمسيس» القوة: لقد مكنتك ملكًا مخلدًا وحاكمًا مثبتًا أبدًا، وصنعت أطرافك من السام، وعظمك من النحاس، وأعضاءك من الحديد، وإني منحتك الوظيفة المقدسة لتستطيع أن تحكم الأرضين بمثابة ملك الوجه القبلي والوجه البحري (بمثابة مملكتك).
- الإله «بتاح» يعد «رعمسيس» ثروة زراعية: إني أمنحك نيلًا عظيمًا، وأجري على الأرضين من أجلك ثروة ومحصولًا، وطعامًا، وطرائف، وأبذل الرخاء في أي مكان تطؤه، وإني أمنحك حصادًا دائمًا لتغذي الأرضين، وحزم قمح (في رواية أخرى الحبوب)، ومخازن غلالها تناهض السماء (في علوها)، وعرم حبوبها مثل الجبال، والفرح والحبور يعمَّان عند رؤيتك؛ لأن وفرة السمك والدواجن تحت قدميك، والجنوب والشمال راضون بحضرتك، والسماء وما فيها قد أعطيتها، والأرض قد سيقت إليك بما فيها، والبرك تأتي إليك حاملة دواجنها، والإلهة «سخات حر» (مرضعة أولاد حور) تحمل مئونتها وهي أحسن طعام «رع»، وقد وضعها «تحوت» على كل جانب من جانبيك حتى تستطيع أن تفتح فمك لتغني من تحب بقدر ما أنت «ختوم» الحي، وأملاكك في ظفر، وقوتك مثل قوة «رع» عندما كان يحكم الأرضين، يأيها الملك «رعمسيس الثاني» معطي الحياة.
- «بتاح» يعد ثروة معدنية وصناعية: إني أجعل الجبال تصور لك آثارًا عظيمة ضخمة تامة، وأجعل الممالك تسوِّي لك كل حجر فاخر ثمين لتستعمله في الآثار باسمك، وأجعل كل الأعمال مثمرة لك، وأجعل كل الصناع في خدمتك: من كل من يمشي على ساقين، أو على أربع، ومن كل ما يطير، ومن كل ما يحلق في الجو، وأضع في قلب كل بلاد أن يتقرب أهلها إليك، وأن يعملوا لك بأنفسهم، والرؤساء والعظماء والصغار يعملون متحدين أشياء مفيدة لحضرتك يا «رعمسيس الثاني» معطي الحياة.
- المدينة التي اتخذها رعمسيس مقرًّا له ومبانيها: لقد أقمت مقرًّا فخمًا لتجعل حدود الأرضين متينة، وسميتها بيت «رعمسيس محبوب آمون» معطي الحياة حتى تنمو على الأرض مثل عمد السماء الأربعة … ملكًا فيها حتى تقيم الأعياد الثلاثينية الملكية التي احتفلت بها فيها، وإني أتوِّجك بيدي عندما تظهر على السلم العظيم المزدوج، والناس والآلهة يهللون باسمك مثلما يهللون باسمي عندما تحتفل بالأعياد الثلاثينية الملكية، وإنك تنحت التماثيل، وتقيم أماكنها المقدسة مثل ما فعلت في الأزل.
- «بتاح» يعد الفرعون حياة طويلة وفلاحًا: إني أمنحك سنين أعيادًا ثلاثينية، وكذلك أمنحك حكمي، ومكانتي، وعرشي، وإني أجزل الحياة لأعضائك، والرضى والحماية خلفك، وكذلك الفلاح والصحة، وإني أحمي مصر تحت سلطانك، والأرضين تملؤهما الحياة الرضية التي يتمتع بها «رعمسيس» معطي الحياة.
- «بتاح» يعد «رعمسيس» القوة: لقد مكنت لك القوة والنصر، وبطش سيفك في كل أرض، وغللت لك قلوب كل الأراضي (أراضي الأسيويين)، ووضعتهم تحت قدميك، وعندما تشرق كل يوم يحضر إليك أسرى الأقواس التسعة، والرؤساء العظام في كل البلاد يقدمون لك أطفالهم، وإني أهب سيفك البتار إياهم لتتصرف فيهم كيف تشاء، يأيها الملك، يا «رعمسيس» معطي الحياة، ولقد وضعت الرعب منك في كل قلب، وحبك في كل جسم، ومكنت سلطانك في كل مملكة، والخوف منك يحيط بالجبال، والرؤساء يرتعدون عند ذكرك، وإن جلالتك تفلح على الدوام بوصفك رئيسهم، وإنهم يأتون إليك صائحين معًا يرجون السلام منك، وإنك تترك من تريد ليحيى، وتذبح من تشاء … تأمل! إن عرش كل أرض تحت سلطانك.
- «بتاح» رب نعمة «رعمسيس»: وإني أجعل معجزاتك العظيمة تحدث، وكذلك كل شيء طيب يصيبك، والأرضان اللتان تحت إدارتك في ابتهاج، ومصر تسعد فرحة يا «رعمسيس» معطي الحياة، وإني نقلت عزتي إليك، وسموك العظيم المدهش يصل إلى عنان السماء، والأرضان في حبور، ومن فيهما يبتهجون بما حدث لك، أما الجبال والمياه والمباني التي على الأرض تتحرك ثانية عند اسمك الطيب (المظفر) عندما يشاهدون هذا الأمر.
- زيارة الخيتيين لأرض مصر: قد جعلت أرض «خيتا» رعايا قصرك، وقد وضعت في قلوبهم أن يقدموا أنفسهم لحضرتك بخطوات خائفة، حاملين جزيتهم التي استولى عليها رؤساؤهم، وكل متاعهم جزية لشهرة جلالته — له الحياة والفلاح والصحة، وبكر بناته قد سارت في المقدمة لتسر قلب رب الأرضين الملك «رعمسيس الثاني» معطي الحياة، وإنها لأعجوبة غامضة؛ فهي لا تعرف الأمر الممتاز الذي عملته على حسب رغبتك، حتى يكون اسمك العظيم ساميًا أبدًا، وإن نجاح البطل المظفر سر عظيم يصلَّى من أجله، ولم يسمع به منذ زمن الآلهة، والوثائق السرية كانت في بيت الصحف منذ زمن «رع» حتى عهد جلالته — له الحياة والفلاح والصحة — ولكن علاقة «خيتا» بمصر متحدتين لم تكن معلومة من قبل. تأمل! لقد صدر الأمر الكريم بقتلهم تحت قدميك ليجعل اسمك باقيًا أبدًا، يأيها الملك «رعمسيس الثاني».
- جواب «رعمسيس» للإله تاتنن: نطق الملك المقدس رب الأرضين السيد من صورته مثل «خيري»، ومن في أعضائه «رع»، والذي خرج من «رع»، ومن أنجبه «بتاح تاتنن»، الملك «رعمسيس الثاني» معطي الحياة لوالده، والذي خرج من صلبه، «تاتنن» والد الآلهة: «إني ابنك الذي أجلسته على العرش، لقد منحتني مملكتك وخلقتني في صورتك وهيبتك التي أعطيتنيها وسويتها، وإني سأعمل ثانية كل شيء جميل ترغب فيه حينما أكون السيد الفرد كما كنت لأجل أن أضع أمور البلاد في نصابها، ولقد خلقت لك مصر من جديد، وقد جعلتها كما كانت في البداية، وصنعت أشكال الآلهة من أعضائك حتى لونهم وأجسامهم، وجهزت مصر على حسب رغبتهم، وقد شيدتها بالمعابد.»
- إقامة معبد «منف»: لقد وسعت بيت «منف»، وجعلته محميًّا بالأعمال المخلدة، والصناعة الممتازة بالحجر المغشَّى بالذهب، والأحجار الكريمة الأصلية، وبنيت الردهة الأمامية الواقعة في الشمال بواجهة فخمة مزدوجة أمامك، وباباها مثل أفق السماء؛ مما جعل جميع الناس حتى الأجانب يمدحونك، وقد أقمت لك معبدًا فاخرًا في وسط السياج، وأنت يأيها الإله الذي شكلته، إنك في مقصورته السرية — أي المعبد — جالسًا على عرشها العظيم في قدس الأقداس.
- أوقاف معبد «منف»: وإنه مجهز بالكهنة المطهرين، وبالكهنة خدام الإله، وبالعبيد الفلاحين، وبالأرض وبالماشية، وأصبح في عيد القربان الإلهية التي يخطئها العد، والتي تشمل كل الأشياء الطيبة، وإني حفلت بأعيادك الثلاثينية الملكية العظيمة كما أمرتني به، وكل الأشياء الموجودة قد أتى بها إليك قربات عظيمة كما ترغب من ثيران وماشية لا تُحصى، وقد أحضرت كل عددهم بالملايين، أما الشحم المستخرج منها فقد وصل إلى عنان السماء، وتسلمه أهل السماء.
- الفتوح الخارجية: لقد جعلت كل أرض ترى جمالك في الآثار التي أقمتها لك، وإني وسمت أهل الأقواس وكل البلاد باسمك، فهم ملك حضرتك أبدًا؛ لأنك أنت خالقهم بأمر ابنك هذا الذي على عرشك يا سيد الآلهة والناس، الملك المحتفل بالأعياد الثلاثينية مثلك عندما تحمل الصاجتين، ابن التاج الأبيض، ووارث التاج الأحمر، ومالك الأرضين في سلام «رعمسيس الثاني» معطي الحياة مخلدًا وسرمديًّا.
مغزى هذه الوثيقة
هذه اللوحة نُقشت على جدران القاعة الأولى من جدران معبد «بو سمبل»، ويشاهد في أعلاها صورة تمثل «رعمسيس الثاني» يضرب ثلاثة من الأسيويين الأعداء أمام الإله «بتاح تاتنن» الذي كان يقود أمامه ستة من الأسرى، واحد منهم أسود، والآخرون ذوو لحى، ومن أسمائهم نعلم أنهم لا بد كانوا من السود أيضًا.
وعلى الرغم من الطابع الديني الذي ظهرت به هذه الوثيقة فإنها تمدنا بمعلومات تاريخية واجتماعية عظيمة، تكشف النقاب عن نقط هامة في تاريخ هذا الفرعون، بل في استطاعتنا أن نعدها ملخصًا لكل أعماله التي قام بها بعد تولية الملك، وهي تلك الأعمال التي أوضحها لنا في نقشه العظيم الذي تركه على جدران معبد «العرابة المدفونة»، وقد سبق تفصيل القول فيه.
وأول ما يلفت النظر هنا أن هذه اللوحة لم تكن مقدمة لأحد الآلهة الذين يسكنون في الجهة التي أقيم المعبد فيها الذي نقشت اللوحة على جدرانه، بل أهديت للإله «بتاح تاتنن» رب «منف» وأعظم آلهتها، ولا غرابة في ذلك فإن «رعمسيس» وأسرته كانوا من أهل الدلتا التي كانت عاصمتها «منف» منذ القدم، وبقيت صاحبة نفوذ وسلطان في كل عصور التاريخ المصرية. ولقد أهدى «رعمسيس» لهذا الإله تلك اللوحة لأنه ناصره، وعززه على أقوام الشمال في آسيا المجاورين لهذا الإله العظيم؛ لأنه ابنه، إذ قد تمثل «الإله بتاح» لأمه في صورة كبش «منديس»، ووضع فيها بذرته، ومثله في ذلك مثل بعض ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وبخاصة «حتشبسوت»، و«أمنحتب الثالث» اللذين تمثل لأميهما الإله «آمون» في صورة الملك، ووضع بذرته فيهما؛ من أجل ذلك نجد أن الإله «بتاح» قد ناصر «رعمسيس الثاني»، وعني بتربيته وثقافته عناية بالغة، فوهبه السعادة والصحة في الحياة الدنيا، كما نفخ فيه من روحه، وجعل قلبه قدسيًّا مثل قلبه، ثم أعطاه القوة، ومكَّن له في الأرض، وجعله ملكًا على العباد، وأسعد البلاد التي كان يحكمها، فجعل النيل يفيض على مصر الخصب والنماء حتى أصبحت غلات البلاد وفيرة كرمال الشاطئ، وصارت مخازن الغلال تناطح السماء في علوها، وأكوام القمح كالجبال الشامخات، كما جعل له من الماء لحمًا طريًّا، ومن طيور السماء لحمًا شهيًّا تفيض بهما البلاد من بين أيديهم، ومن تحت أرجلهم، وكذلك منحه السماء وما فيها، وأتت إليه الأرض طائعة بما تخرج من بطنها، فبِرَك الماء تجود بطيورها، والإلهة «سخات حور» رمز الغذاء تحمل له كل مؤنها، وهو الذي جعل الجبال الراسيات تخرج له الأحجار التي يشيد بها آثاره العظيمة، كما جعل كل البلاد تصنع له الأحجار الغالية اللازمة لآثاره، وكذلك أوحى لكل ما يمشي على اثنين وعلى أربع، وكل ما يطير، وكل ما يحلِّق ليكون في خدمته، كما أوحى في نفوس كل البلاد أن يعمل أهلها، ويقدموا له القربان؛ وفضلًا عن ذلك شيد له مقرًّا للحكم ليحمي حدود الأرضين وسماه «بررعمسيس» معطي الحياة، وهي العاصمة الجديدة التي أقامها في الجزء الشمالي من ممتلكاته ليكون بعيدًا عن نفوذ رجال الدين في «طيبة»، وقريبًا من البلاد التي استردها لمصر في آسيا، وتدل كل المعلومات التي وصلت إلينا حتى الآن على أنها في أغلب الظن «قنتير» الحالية كما سنتحدث عن ذلك فيما بعد، هذا إلى أن «بتاح» قد وعد ابنه حياة طويلة وفلاحًا عظيمًا على الأرض، وقوة جبارة، وسيفًا بتارًا يهزم به الأعداء، حتى أصبحت كل الممالك التي فتحها طوع بنانه، ورهن إشارته، يضاف إلى ذلك أنه قد سلمه كل عزته وكرامته وسلطانه، حتى إن الجبال والمياه، وما على الأرض من مبانٍ كانت تسير إليه عندما يصدر أمره بذلك.
وأعظم من ذلك أن جعل هذا الإله ملك «خيتا»، وبلاده من رعايا قصره يأتون إليه بالهدايا، وهم يتوجسون خيفة، كما حمل إليه ملك هذه البلاد كبرى بناته معه لتكون زوجه لهذا الفرعون العظيم، وبعد أن سرد الإله «بتاح» كل هذه النعم التي أنعم بها على ابنه الذي أنجبه من صلبه أجابه هذا الفرعون معترفًا بأنه ابنه، وأنه هو الذي وضعه على عرش الملك، وأنه قد خلقه صورة ناطقة منه، وأنه في مقابل ذلك سيفعل كل ما يرغب فيه هذا الإله. وهنا يشير «رعمسيس» إلى أنه خلق له مصر من جديد، وجعلها كما كانت من قبل، وربما يشير بذلك إلى العهد الذي كانت عليه قبل الفوضى الذي أحدثها «إخناتون» وشيعته، فأعاد بذلك تماثيل الآلهة كما كانت عليه من قبل حتى ألوانها وأجسامها، وأمد البلاد بما يلزمها، وأقام فيها المعابد. ومن أهم ما لفت نظره في هذه الناحية توسيع معبد «بتاح» ﺑ «منف»، وتزيينه بكل النفائس، كما أقام له معبدًا في وسط سور المعبد الكبير، ونحت له تمثالًا وضعه في قدس الأقداس على عرشه العظيم، ثم أجزل لمعبده العطاء، فحبس عليه الأوقاف، وأمده بالكهنة من كل صنف، واحتفل بأعياد ثلاثينية كما أمر هذا الإله، أما القرابين التي كانت تقرب إلى «بتاح» فكانت من البقر والماشية التي تُحصى بالملايين. وفي نهاية المطاف نجد «رعمسيس الثاني» يظهر اعترافه بالجميل للإله لما حباه به من نصر على البلاد الأجنبية؛ إذ جعلهم يشاهدون ما أقامه لهم من آثار عظيمة، هذا إلى أنه قد وسم قوم الأقواس التسعة وكل الأرض باسمه؛ لأنهم ملكه، وهو خالقهم، وذلك بأمر منه. ومن هذه النظرة العجلى التي تكشف لنا القناع عن سلطان «رعمسيس» في السنة الخامسة والثلاثين من حكمه، نعلم أن البلاد كانت في رخاء، وأنها تتمتع بأحسن نعمة، وهي نعمة السلام الذي كان ناشرًا ألويته على ربوع البلاد كلها، وبخاصة مع بلاد «خيتا» التي كان «رعمسيس» على ما يظهر صاحب مكانة عند عاهلها الذي سعى إليه، ومعه كبرى بناته لتكون من بين زوجاته، وقد خص الفرعون هذا الحادث الذي كان يعد في نظره أمرًا جللًا بنقوش تحدِّثنا عن هذا الزواج، وعلاقاته بملك «خيتا» الذي أصبحت بلاده حاجزًا بين مصر والبلاد المتمدينة الأخرى التي قد تهدد مصر من جهة حدودها الشمالية؛ لأن «خيتا» كانت مسلحة تسليحًا قويًّا يمكنها من الوقوف في طريق المغيرين، ومن ثم كانت سدًّا منيعًا تقف أمامه قوى العدو إذا أراد أن ينفَذ منها إلى أرض الكنانة.
وفي الحق كان العاهلان المصري والخيتي يحافظان كل المحافظة على المعاهدة التي أبرمت بينهما، وقد كان من أكبر علامات الود والمصافاة بينهما وحسن النية زيارة ملك «خيتا» لفرعون مصر «رعمسيس الثاني» عند تولية عرش الملك، وحمله الهدايا إليه على ما يظهر مما سنتكلم عنه بعد، ثم زواج «رعمسيس الثاني» من ابنة عاهل «خيتا» «خاتوسيل»؛ مما زاد في رابطة الود بين البلدين، بعد أن قامت بينهما حروب طاحنة فصلنا فيها القول، وقد كان الفرعون بوجه خاص فخورًا بهذا الزواج؛ ولذلك ترك لنا وثيقة ساذجة في وصفها، وقد نقشها على الجدار الجنوبي من ردهة معبد «بو سمبل»، وغيره كما سيأتي. وقد بدأها «رعمسيس» بعبارات التفاخر، وما طبع عليه من شجاعة، وما قام به من أعمال البطولة، والخوف الذي بعثته انتصاراته في أرجاء العالم، وتسابق ولايات سوريا لقضاء مآربه، وما ذكره من أن أمير «خيتا» كان يرسل إليه هدايا فاخرة في كل فرصة ممكنة.
ولما لم يكن لديه وسيلة أخرى للتقرُّب منه، والتحبب إليه، خاطب عظماء رجال بلاطه مذكرًا إياهم بأن بلادهم كانت قد اجتيحت بالحروب، وأن إلههم «ستخ» قد حاربهم، وأنهم قد تخلصوا من شرورهم ومصائبهم بلين جانب شمس مصر ورحمته، وبعد ذلك قال لهم ملك «خيتا»: «فلنأخذ متاعنا، ونضع كبرى بناتي على رأسه، ثم نذهب إلى بلاد ذلك الإله العظيم حتى يعترف بوجودنا.» والواقع أنه فعل ما اقترحه، وذهب رسوله بالهدايا من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة، وحاشية من الجنود، وكذلك ساق معه الماشية، وحمل المؤن لطعامهم على الطريق، وعندما وصل «خارو» (بلاد سوريا) كتب الحاكم هناك في الحال للفرعون قائلًا: «إن أمير «خيتا» ومعه وفد قد حضروا ومعهم كبرى بناته، وعدد من الهدايا من كل نوع، وأن هذه الأميرة قد وصلت ومعها رئيس كل بلاد «خيتا» إلى تخوم جلالتك بعد أن قطعا الجبال العديدة، وقاسيا رحلة شاقة من بلاد نائية، ونحن في انتظار التعاليم التي ستتبع معهما.» وقد كان الفرعون عندما وصلته هذه الأخبار في عاصمة ملكه «بررعمسيس». فلما ألقيت على مسامعه أعلن سروره رسميًّا؛ لأنه لم يسمع من قبل في تاريخ البلاد أن أميرًا عظيم الشأن قوي السلطان مثل ملك «خيتا» يحمِّل نفسه هذه المتاعب الجسيمة، ويأتي مصر ليزوج ابنته من حليف له.
وعلى أثر ذلك أرسل الفرعون أمراء قومه، ومعهم جيش لاستقباله، غير أنه كان حريصًا طوال هذه المدة على إخفاء قلقه، وكما جرت العادة استشار ربه «ستخ» على مألوف العادة، فسأله عن القوم الذين أتوا برسالة في هذا الوقت لأرض «زاهي»؟ وقد طمأنه الوحي الإلهي على مقاصدهم، فأسرع في الاستعداد لمقابلتهم كما يجب، ودخل الوفد بفخامة وعظمة مقر ملك «رعمسيس»، وعلى رأسه الأميرة، وفي ركابها الجنود المصريون الذين أرسلوا لهذا الغرض، ومعهم مشاة «خيتا» وفرسانهم الذين كانوا يؤلفون نخبة جيش هذه البلاد، وقد أقام الفرعون حفلًا مهيبًا تكريمًا لهم؛ مقدمًا فيه الطعام والشراب بسخاء مصري، وفي نهايته عقدت مراسيم الزواج على الأميرة من «رعمسيس الثاني» في حضرة عظماء القوم، وأمراء كل الأرض.
ولما كان «رعمسيس الثاني» لا يريد أن يضع أميرة من أصل رفيع مع حظياته العاديات، فإنه خلع عليها لقب ملكة كأنها من دم شمسي؛ أي بنت الإله رع، ووضع اسمها في طغراء، وأطلق عليها اسم «مات نفرو رع»؛ أي التي ترى جمال «رع»، وقد احتلت منذ تلك اللحظة في الأحفال وعلى الآثار المكانة التي كانت تحتلها نسوة الفرعون اللائي من دم ملكي طاهر، ومن الجائز أن هذا الشرف العظيم الذي انفردت به على غير المألوف قد جعل هذه الأميرة الغضة الإهاب تتجاوز عن ارتفاع سن «رعمسيس» عندما تأهل بها؛ إذ كان في هذا الوقت يربى على الستين من عمره. هذا هو ملخص هذه الوثيقة التي وصلتنا ممزقة بعض الشيء.
لوحة زواج «رعمسيس الثاني» (A. S. XXV, p. 181–228)
- لقب أميرة «خيتا»: الزوجة الملكية العظيمة «مات نفرو رع» بنت رئيس «خيتا» العظيم.
- خطاب رئيس «خيتا» العظيم: لقد أتيت إليك، وإني أعبد جمالك … وإنك حقًّا محبوب «ستخ»، وإنه قد جعل أرض «خيتا» من نصيبك، ولقد جُردت من كل أملاكي، وكبرى بناتي على رأسها لأقدمها لوجهك البهي، فهل تتعطف أن تظل عند موقف قدمك أبد الآبدين، وكذلك بلاد «خيتا» قاطبة؟ ومع ذلك فإنك تظهر على عرش «رع»، وكل الممالك تحت قدميك أبدًا.
- تاريخ اللوحة ومديح الفرعون: السنة الرابعة والثلاثون في عهد جلالة الصقر، الثور القوي محبوب «ماعت»، سيد الأعياد الثلاثينية مثل والده «بتاح تاتنن»؛ المنسوب للإلهتين، حامي مصر، وقاهر البلاد الأجنبية، محبوب «رع»، والد الآلهة، ومؤسس القطرين، الصقر، قاهر «ست»، الغني بالسنين، العظيم الانتصارات، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، وسيد القطرين، المسمى «قوية عدالة رع»، والمنتخب من «رع» ابن الشمس، سيد الإشراق، محبوب «آمون»، وإن «رع» هو الذي خلقه (رعمسيس) معطي الحياة، وهو الذي فتح كل البلاد بشجاعته وقوته، ومن تذكر الأقطار القصوى انتصاراته، ومن خوفه في كل القلوب أبدًا، «رعمسيس» رب مصر وسيد الصحراء، عاهل الأرضين مثل «آتوم»، وسور من الظران حول مصر، وبطل مشاته، وحامي خيالته، وحمى البلاد، و«بعل مصر»، ومانحها النصر على كل البلاد الأخرى، جميل الوجه عندما يرتدي التاج الأزرق، فائق الوجه عندما يلبس تاجي الوجه القبلي والوجه البحري؛ لأنه جمع المملكتين في سلام مثل والده «حورتنن»، وقد أجلسه «رع» على عرشه ليحمي هذه المملكة على حسب رغبته، ومن اسمه عظيم، ومن ألقابه فاخرة، ولا يوجد إله مثله، ومن كلامه مختار، ومن أفكاره مستحبة، ومن قلبه يقظ، ومن يحكم الأرض بقراراته: «رعمسيس».
- المديح الثاني: وهنا يبتدئ هذا الأثر الذي لا يفنى، والذي مآله
هو تعظيم قوة رب الساعد، وتفخيم شجاعته، والافتخار
بشدة بأسه، وهو الأثر الذي يذكر بالمعجزات العظيمة
الخفية التي وقعت لرب الأرضين، وأنه «رع» في شخصه
أكثر من كل الآلهة، وهو الذي على أثر وضعه في عالم
الوجود كان من نصيبه الشجاعة: «رعمسيس».
وهو ملك يقظ، وفرعون شجاع، ابن «ست»، ومحبوب «منتو»، ونجم الأرض، وقمر مصر، وشمس الدنيا، معطيهم النور، وقرص الشمس، المضيء للناس، ومن النظر إليه يجعلهم يحيون، ومن عدد سنيه مرتفعة، ومن حكمه عظيم، ومن أعياده الثلاثينية فخمة، وأعاجيبه عديدة، ومن خيره يفيض على الأرضين، وثروته تفيض على الصعيد والدلتا، فالمئونة في يديه، والخير العميم تحت قدميه، والمأكولات موضوعة تحت نعليه، ومن اسمه عزيز في قلوب الآلهة، ومن يحبه الناس حبًّا عميقًا، وإنهم يفرحون عندما يرونه كما يرون «رع» عندما يشرق في الأفق: «رعمسيس».
ومن عرشه ثابت، ومن … مبجل، ومن حكمه … بسرور، ومن اسمه بارز، وإنه يصل إلى السماء مثل «رع» في أعماله الأولى، ومن قراراته كاملة، وتعليماته ثابتة … شجاع …: «رعمسيس»؛ وجلالته — له الحياة والفلاح والصحة — ملك الأقواس التسعة، السيد العظيم لكل الممالك، وإن السماء أغلقت، والأرض زلزلت عندما استولى على مملكة «رع»، وإنه استولى على تيجان «آتوم» مع صل سيد الكون على رأسه، واجتمع على شخصه رمز السيدين «حور»، و«وست»، وسلطانهما وملكهما في متناوله، وقد فتح الجنوب والشمال، والغرب والشرق يحنيان رأسيهما، وإنه البذرة المقدسة لكل إله، وأنه وُضع من كل إلهة، وقد نشأه الكبش سيد «منديس» في المأوى العظيم في «هليوبوليس»: (رعمسيس) … وثامن آلهة «الأشمونيين» عندما خلقوا (؟)، وأنه مثل «خبري» عندما يرتفع، ومثل «شو»، و«تفنوت» أمام «حورتنن» لأجل أن ينظم مصر كما يجب عليه، وعندما يمد الأرض بالمعابد: «رعمسيس». وإنه صورة «رع» الحية، ورمز من يسكن «هليوبوليس»، ومن لحمه من ذهب، وعظامه من فضة، وأعضاؤه من حديد، ابن «ست»، ومربي «عنتا»، والثور القوي مثل «ست» صاحب «أمبوس» «حور» المقدس (؟) محب الناس، والإله العظيم بين الآلهة، حامي مصر، والمدافع عن القطرين، ومن يجعل حدوده على حسب ما يريد، وكل البلاد في سكينة، وليس بجانبه خارجون، والماهر في غزواته، إذ يسير إليها، ويحرز النصر: (رعمسيس) … لمصر، والثمين للناس من الجنسين … ويأتون إليه … وكل فيضاناته تأتي بالخير …: «رعمسيس»، والمفيد في الصعيد، والمحبوب في الدلتا، ومن برؤيته تبتهج كل الأنام، ومن جماله لهم بمثابة الماء والهواء، وحبه كالطعام واللباس، وقرص الشمس لمصر قاطبة، والإله شو، للقطرين، والقطران متحدان معًا كرجل واحد، قائلين ﻟ «رع» عند شروقه: امنحه الأبدية في الملك حتى يسطع لنا كل يوم مثلك، واجعله يجدد لنا دائمًا مثل القمر، وأن ينعم كنجوم (؟) السماء، امنحه الأبدية كما منحتها ابنك «ست» الذي في قارب ملايين السنين: «رعمسيس». وإنه «رع» الحي والجميل من الذهب، وسام الآلهة، ومن يملأ الأرضين بانتصارات يمينه، والفخار في الأعمال التي يأتيها ساعده، وهو بكر «بتاح تنن» الذي أنجبه … «رعمسيس» … وهذا الإله الكامل هو «آتوم»، ووارث «رع»، والصورة المعظمة لمن في «عين شمس»، ومن يكون معه جسمًا واحدًا، ومن يشرق كل يوم في الأفق ليسمع التضرعات التي يوجهها إليه عندما يخاطبه كل شروق في الصباح: ماذا تريد؟ لأجل أن أفعله لك، وهو يتكلم على الأرض، ويسمع في السماء … على طريقة الإله نفسه بقلب منبسط مثل «رسي انيف»؛ أي الذي جنوبي جداره يقصد الإله بتاح، فإنه … مثل جلالة «تحوت»: «رعمسيس»، والذكي مثل … جاسًّا الأجسام مثل «رع» رب السماء، وإن خوفه هو الذي … الناس هذه البلاد في عيد لشجاعته عندما … كل البلاد بقوته: «رعمسيس».
- الموضوع: تأمل! لقد كان رؤساء البلاد العظام يتعلمون تلك
الأخلاق الهائلة التي فُطر عليها جلالته، فقد
تقهقروا مذعورين؛ إذ كان الفزع من جلالته في قلوبهم،
وكانوا يعبدون شهرته، مقدمين الخضوع لوجهه الكامل …
وأطفالهم ورؤساء «رتنو» العظام، والبلاد التي لا يصل
الإنسان إليها والمجهولة؛ لأجل أن يهدئوا قلب الثور
القوي، ويطلبوا إليه السلام: «رعمسيس»، وإنه استولى
على أملاكهم جزية تقدم كل سنة، وكان أولادهم على رأس
هداياهم متعبدين منبطحين على الأرض … «رعمسيس»، وكل
البلاد الأجنبية قد أحنت رءوسها حتى الأقدام لهذا
الإله الكامل، وقد عمل حدوده معهم … (٢٤) … إلا …
بلاد «خيتا» التي لم تكن منضمة إلى هؤلاء الرؤساء،
وكما أنه حقًّا قال جلالته: إن والدي «رع» قد خصني
أبدًا ملكًا على القطرين، وجعلني أشرق مثل قرص
الشمس، وأرتفع مثل «رع»، وكما أن السماء ترتكز حقًّا
على عمدها الأربع، فإني سأصل إلى نهاية حدود «خيتا»
القصوى، وأجدلها تحت قدمي أبدًا، وإني أنا «رعمسيس»
سأجعلهم يفرُّون، وهم يحاربون في ساحة القتال حتى
يسكتوا عن وقاحتهم في بلادهم؛ وذلك لأني أعلم أن
والدي «ستخ» قد جعل من نصيبي النصر على كل البلاد،
وقد قوَّى يميني حتى جعله يصل إلى عنان السماء، وجعل
سلطاني شاسعًا مثل الدنيا.
وعلى ذلك جهز جلالته مشاته وخيالته، وانقض بهم على بلاد «خيتا» ففتحها منفردًا بنفسه … جميعًا، وقد اكتسب شهرة أبدية: «رعمسيس»، حتى إنهم حفظوا ذكرى انتصار ساعدي، أما الذين تركتهم يده فقد لعنهم، وكانت أرواحهم فيهم كأنها شعلة متقدة، ولم يترك الرؤساء على عروشهم …: «رعمسيس»، وقد أمضوا سنين في البؤس، و… من سنة لسنة تحت سلطان أرواح الإله العظيم الحي ملك الأرضين وسيد الأقواس التسعة: «رعمسيس»؛ ولكن ملك «خيتا» العظيم أرسل رسالة إلى جلالته معظمًا أرواحه ومفخمًا … قائلًا … غضبك … نفس الحياة … بلاد «خيتا» الضرائب، وسنحملها إلى قصرك الفاخر، وها نحن عند موطئ قدميك يأيها الملك القوي، فافعل بنا ما قد عزمت عليه يا «رعمسيس»، ولقد أرسل رئيس «خيتا» رسلًا لإرضاء جلالته السنة بعد السنة، و«رعمسيس» لم يعِرهم أذنًا صاغية مرة واحدة، ولكن لما رأوا بلادهم في هذا الموقف البائس تحت سلطان الأرواح العظيمة لسيد الأرضين «رعمسيس» عندئذ قال الرئيس «خيتا» العظيم لجيشه ولرؤسائه: ثم ماذا؟ إن بلادنا قد خربت، وسيدنا «ستخ» غاضب علينا، والسماء لا تمنحنا ماء أمامنا … فلنجرِّد أنفسنا من ملك متاعنا، وعلى رأسه كبرى بناتي، ولنحمل هدايا خضوعًا للإله الكامل ليمنحنا السلام، ولنعيش: «رعمسيس». وعلى ذلك أمر باستصحاب كبرى بناته مع الجزية الثمينة أمامها من ذهب وفضة وطرائف عدة وهامة، وخيول يخطئها العد، وثيران وغنم بعشرات الألوف، وكل محاصيل بلادهم قاطبة «رعمسيس»، وقد جاءت الأخبار لجلالته تقول: «تأمل! إن رئيس «خيتا» العظيم حقيقة قد جاء بكبرى بناته، وهدايا عديدة، وطرائف من كل صنف … بنت ملك «خيتا»، وابنته ملك «خيتا» والموكب، قد اجتازوا جبالًا وعرة، ومسالك شاقة يا «رعمسيس»، وسيصلون إلى تخوم جلالتك، فأرسل جنودًا ووجهاء ليستقبلوهم يا «رعمسيس».» وقد أخذ جلالته … والقصر كان في فرح عندما سمع بهذا الخبر الخطير، وهو ما لم يسمع بذكر مثله في مصر منذ الأبد، فأرسل الجيش مسرعًا، والعظماء ليتقدموا الوافدين: «رعمسيس»، وقد تناقش وفكَّر جلالته مع لبه فيما يخص هذا الجيش قائلًا: «ما حالتهم إذن، هؤلاء القوم الذين أرسلتهم، وهم الذين سيذهبون في بعثة نحو بلاد «سوريا» في أثناء تلك الأيام المطيرة، والمتساقطة الثلوج التي تنزل في الشتاء؟» وعندئذ قدم قربانًا عظيمًا لوالده «ستخ» ودعاء … بهذه العبارات: «إن السماء على يديك، والأرض تحت قدميك، وكل تخرجه بإرادتك، ليتك تجعل المطر وريح الشمال والثلوج تسكن إلى أن تحدث على يدي المعجزات التي وهبتنيها: «رعمسيس».» وقد حقق والده «ستخ» كل تضرعاته؛ فهدأت السماء، وهلت أيام الصيف … وجنوده، وكانوا سعداء كلهم، وارتاحت أجسامهم، وفرح قلبهم: «رعمسيس»، وبنت رئيس «خيتا» العظيم … سارت نحو مصر، وقد سار المشاة والعظماء والخيالة في ركابها، وكان مختلطًا بالجنود والخيَّالة وعظماء «خيتا»، والجنود المحاربين الأسيويين، وكذلك المشاة: «رعمسيس»، وكذلك خيالته، وكل أهل «خيتا»، وقد امتزجوا بأهل مصر، وأكلوا وشربوا سويًّا، وأصبحوا قلبًا واحدًا كالإخوان الذين لا … الواحد من الآخر، وقد ساد السلام بينهم مثل الإله نفسه، و«رعمسيس».
وقد مر الرؤساء العظام من كل بلد … متقهقرين، وملتفتين برءوسهم مشدوهين عند رؤية أهل «خيتا»، ممتزجين بجنود الملك «رعمسيس»، وهؤلاء الرؤساء كانوا يتحدثون فيما بينهم، فيقول الواحد للآخر: هل صحيح ما قاله جلالته … مثل ما أنهم عظماء، وهذه … الذين نراهم بأعيننا؛ وكل بلاد معه بمثابة خادم … فأصبحوا قلبًا واحدًا مع مصر … «رعمسيس».
… وبلاد «خيتا» له مثل مصر، وحتى السماء تحت خاتمه، ويعمل كل شيء كما يريد «رعمسيس». وحقًّا بعد … وصل في مقر «رعمسيس» … المظفر بالمدهشات العظام، وبالقوة والشجاعة في السنة الرابعة والثلاثين الشهر الثالث من الشتاء: «رعمسيس».
وقد جيء ببنت رئيس «خيتا» العظيم، تتهادى نحو مصر أمام جلالته، وسارت خلفها هدايا هامة جدًّا، يخطئها العد … وحقًّا وجد جلالته أنها صبيحة الوجه … آلهة، وقد كان حادثًا عظيمًا غامضًا، بل أعجوبة ممتازة محيرة، ولم يدُر مثلها في أفواه الناس، ولم يُذكر مثلها في سجلات الأجداد، البنت … «رعمسيس»، وكانت محببة لقلب جلالته الذي أحبها أكثر من كل شيء، وذلك بالسعادة التي منحها إياه والده «بتاح تنن»: «رعمسيس»؛ وقد جعل اسمها الزوجة الملكية «مات نفرو رع» — لنعيش — بنت ملك «خيتا» … العظماء والمواطنون (؟) … وعندما يذهب رجل أو امرأة إلى بلاد «آسيا» في بعثة كانوا يصلون بلاد «خيتا» دون أي خوف في قلبهم بسبب انتصارات جلالته …
وقد فهم الأستاذ «برستد» المعنى العام لهذا المتن؛ فهو — كما قال — يبحث في تحالف بين «رعمسيس الثاني» مع الأسرة الحاكمة في بلاد «خيتا»، وذلك بوساطة الأميرة «مات نفرو رع» (التي ترى جمال رع)، وقد قرن «برستد» بين اسم هذه الأميرة، وبين اسم آخر ساعة من ساعات الليل «مات نفرو رع»، وفي رواية أخرى «مات نفرو نبس»، أو «بترت نفرو نبس»؛ أي إن اسمها يمثل بنور الفجر.
والواقع أن هذه القصة على ما يظهر يرجع تاريخها إلى عهد سحيق في القدم في تاريخ العلاقات بين مصر وبلاد «خيتا»؛ ولذلك يجب أن نحاول هنا أن نوفق بين ما يمكن استخلاصه من هذا المتن، وبين ما يُعرف من مصادر أخرى، غير ما ذكرناه من شرح مجمل سابقًا.
- (١)
امتنعت بلاد «خيتا» أن تنضم إلى الرؤساء الأسيويين الذين كانوا يحملون جزيتهم إلى «رعمسيس الثاني» (٢٤).
- (٢)
وقد قام ملك مصر بدوره وأعلن الحرب عليهم، وخرب البلاد الخارجة (٢٤–٢٧).
- (٣)
كانت بلاد «خيتا» مستعدة كل سنة لتحمِل للفرعون جزيتها، ولكن عرضها هذا كان يُرفض دائمًا (٢٨–٣٠).
- (٤)
ولكن في إحدى السنوات انتقل ملك «خيتا» إلى دور العمل، ولأجل أن يجبر «رعمسيس» على العفو عنه أحضر إليه — فضلًا عن الهدايا الفاخرة التي جلبها — كبرى بناته (٣١–٣٣).
- (٥)
وعندما سمع «رعمسيس» هذا الخبر أمر بإرسال ركب على جناح السرعة لمقابلة الوفد (٣٤-٣٥).
- (٦)
ولما كان ذلك في فصل الشتاء، وكانت أحوال الجو في آسيا رديئة، فقد أتى «رعمسيس» بمعجزة على يد الإله «ست»، فانقبلت الأحوال الجوية (٣٦–٣٨) الرديئة إلى جو معتدل لطيف.
- (٧)
وقد وصل الركب الخيتي إلى مصر في رفقة مصريين، فوصل إلى أرض الكنانة في السنة الرابعة والثلاثين، الشهر الثالث من الشتاء في وسط أفراح عظيمة (٣٨). وعند هذه النقطة أصبح المتن ممزقًا وناقصًا، ولكن يمكننا أن نخمن أن الأميرة أعجبت الفرعون، وصارت ملكة. ومن ثم أصبح ذلك الحادث بداية عهد علاقات ودية بين البلدين.
- (١)
الحملة التي قام بها «رعمسيس الثاني» على «خيتا»، وانتهت بموقعة «قادش»، على الرغم من أنه كان على ود ومصافاة مع ملك خيتا في أول حكمه، كما سنشرح ذلك بعد.
- (٢)
إعادة فتح «فلسطين»، و«سوريا» من السنة الخامسة حتى السنة الثامنة من حكمه، ثم المعاهدة مع ملك «خيتا» في السنة الواحدة والعشرين، ولكن كيف يمكن ربط هذه الحوادث بقصة اللوحة التي نحن بصددها؟ ففي استطاعتنا أن نقدر أن الحملة المظفرة التي جاء ذكرها في لوحتنا من (٢٤–٢٧) تتفق مع حملة موقعة «قادش» في السنة الخامسة، ولكن يتساءل المرء: لماذا مر متن اللوحة على معاهدة السنة الواحدة والعشرين دون الإشارة إليها من قريب أو بعيد؟ من أجل ذلك يجوز لنا أن ننظر إلى هذا العصيان، وإلى قمعه بأنهما وقعا بعد المعاهدة، وأن هذه اللوحة تحدثنا حينئذ عن الحوادث التي وقعت بين العام الحادي والعشرين والرابع والثلاثين. والتاريخ الأخير يعلم لنا المهادنة التي قامت بين «خيتا» و«مصر»، والزواج الذي عُقد بين «رعمسيس» والأميرة الخيتية، وعيده الثلاثيني الثاني.
وتدل شواهد الأحوال على صحة هذه المحالفة الجديدة، وتاريخها بين البيتين الخيتي والمصري، فقد أكدتها النقوش، كما أظهر ذلك بحق «برستد» بالآثار التي نجد فيها ذكرها.
ماعت نفرو رع
زيارة ملك خيتا لمصر عند تولي رعمسيس الملك
أما باقي مدة حكم «مورسيل» فليس فيه ما يخص موضوعنا، ومن الجائز أنه قد عُقدت معاهدة بين الفرعون «حور محب» و«مورسيل».
ونعلم من ترجمة «خاتوسيل» لنفسه أن «مواتالو» هجر «خاتوشا» التي كان مهددة بغزو «جاسجاس» (حوالي ١٣٢٠–١٣١٠ق.م) وحمل معه آلهته إلى البلاد المنخفضة في مدينة «داتاشاش»، وقد بقيت عاصمة الملك مدة نهاية حكم «مواتالو»، ثم في عهد ابنه «أوهي تشوب»، وحتى بداية عهد «خاتوسيل».
ومهما يكن من أمر فإن «مواتالو» قد قام برحلة إلى «مصر» (حوالي عام ١٣٠٢)، ولا نعلم إذا كانت هذه الرحلة قاصرة على محادثة بينه وبين «رعمسيس الثاني» جرت على شواطئ النيل، أم كانت في «فلسطين» وحسب، ونحن من جانبنا نعلم السبب الذي من أجله لم تبقَ العلاقات طيبة بين البلدين؛ إذ قام سكان «آمور» بثورة نقضوا بها ولاءهم لبلاد «خيتا»، وولوا وجوههم شطر مصر، وقد كان من جراء ذلك حملة «رعمسيس الثاني» في السنة الخامسة، والقتال الذي وقع في «قادش» (حوالي عام ١٢٩٧ق.م) كما فصلنا القول في ذلك.
لوحة «بنترش» أو لوحة «بختان»
وقد عثر عليها في معبد صغير من العهد الإغريقي الروماني كان قائمًا بجوار معبد «خنسو» في الكرنك، وكان أول من عرف حقيقة هذه اللوحة هو الأستاذ «إرمان»؛ إذ وجد أن الملك الذي يتحدث عنه في اللوحة هو «رعمسيس الثاني» محبوب «آمون»، غير أن الكهنة، لجهلهم على ما يظهر، لما أرادوا أن يضعوا ألقاب «رعمسيس» الرسمية قبل اسمه كما جرت العادة، وضعوا ألقاب «تحتمس الرابع»، وهو أول من تزوج بأجنبية بدلًا منها، هذا بالإضافة إلى أنهم لم يكونوا على علم بالتاريخ يؤهلهم لحذف المتناقضات في القصة، فقد قالوا: إن المدة اللازمة لقطع المسافة ما بين «مصر» و«بختان»، وهي بلاد غير معروفة لنا تستغرق نحو سبعة عشر شهرًا، ويحتمل أنها ضمن بلاد فارس القديمة؛ ولذلك كتبوا اسم الأميرة «نفرو رع» بدلًا من «مات نفرو رع»، وهو الاسم الذي أطلقه «رعمسيس» على ابنة ملك «خيتا»، وكذلك جعلوا زواج «رعمسيس» من هذه الأميرة قبل العام الثالث والعشرين، والواقع أن الزواج حدث في السنة الرابعة والثلاثين، وهذه الأغلاط وغيرها تجعلنا على حذر من قبول ما جاء على لسان أولئك الكهنة في العصر المتأخر، وبخاصة «منيتون» الذي كان يعيش في هذا العهد عندما كُتبت هذه الأقصوصة وأمثالها.
أما اللوحة نفسها كما حاكها خيال الكهنة فتتألف نقوشها من جزأين: الجزء الأعلى، ويشغل ربع مساحة اللوحة، عليه منظر يتألف من قاربين مقدسين للإله «خنسو»، ثم رسم على كلا جانبي اللوحة، ويحمل كلًّا منهما عدد من الكهنة، فالقارب الذي على اليمين يُسمى خنسو في طيبة «نفر حتب»، ويحرق له «رعمسيس الثاني» البخور، أما القارب الذي على اليسار فيسمى «خنسو» واضع الخطة في «طيبة» الإله العظيم، ضارب الأرواح الشريرة، وأمامه كاهنه يطلق البخور، والنقش المفسر التالي: اسم خادم الإله كاهن «خنسو واضع الخطة في طيبة»، هو «خنسو حات نترنب» (ومعنى الاسم خنسو: سيد كل الآلهة).
أما الجزء الثاني من اللوحة فيشمل المتن التالي: وهو القصة كما رواها كهنة العهد الفارسي.
- مقدمة: «حور» الثور القوي شبيه التيجان، الباقي في الملك مثل «آتوم»، حور الذهبي، عظيم القوة، طارد الأقواس التسعة، ملك الوجه القبلي، والوجه البحري رب الأرضين «وسر ماعت رع ستبن» ابن الشمس، من جسده «رعمسيس مري آمون»، محبوب «آمون رع رب طيبة»، وكل آلهة «طيبة» الإله الطيب ابن «آمون»، ونسل «رع حور اختي»، ومن تنبئ له بالانتصارات على أثر خروجه من البيضة.
- جزية بلاد «نهرين»: تأمل! لقد كان جلالته في بلاد «نهرين» على حسب عادته السنوية عندما أتى الرؤساء من كل مملكة منحنين أمامه في أمان؛ لما لجلالته من شهرة، وكانت جزيتهم من المستنقعات — عند نهاية حدود الأرض، فالفضة والذهب واللازورد، وكل خشب حلو من أرض الإله كانت على ظهورهم، وكان كل واحد منهم يقود جاره.
- زواج «رعمسيس» وبنت رئيس «بختان»: وعندئذ أمر رئيس «بختان» بإحضار جزيته، ووضع كبرى بناته أمامها مادحًا جلالته ملتمسًا عنده الحياة، وكانت آية في الجمال لقلب الفرعون الذي أحبها أكثر من أي شيء، وبعد ذلك دوَّنوا لقبها بوصفها زوجة الملك العظيمة «نفرو رع»، وعندما وصلت إلى جلالته في مصر أدت كل وظائف الزوجة الملكية.
- وصول الرسول من «بختان»: ولما حلت السنة الثالثة والعشرون، الشهر العاشر، اليوم الثاني والعشرون، عندما كان جلالته في «طيبة» المظفرة سيدة المدن، يؤدي شعائر والده «آمون رع» سيد «طيبة» في عيده الجميل الخاص بالأقصر مقره الجميل المحبب منذ الأزل لجلالته؛ جاء جلالته: أن رسولًا من رئيس «بختان» قد حضر يحمل هدايا عدة لزوج الملك، وبعد ذلك مثل أمام جلالته، ومعه الهدايا، فقال مادحًا جلالته: «الحمد لله يا شمس الأقواس التسعة»، امنحنا الحياة منك، وهكذا تكلم مقبَّلًا الأرض أمام جلالته، ثم تكلم ثانية أمام جلالته: «إني آتٍ إليك يأيها الملك، يا سيدي بسبب «بنترش» = (بنت السرور) الأخت الصغرى١١١ لزوج الملك «نفرو رع»، لقد نفذ المرض في أعضائها ليت جلالتك ترسل طبيبًا ليفحصها.»
- إرسال الطبيب إلى «بختان»: وعندئذ قال جلالته: أحضروا إليَّ الكتَّاب الإلهيين، وموظفي البلاط، فأحضروا إليه في الحال، فقال جلالته: فليقرأ لكم واحد حتى تسمعوا هذا الأمر، ثم أحضروا إليَّ واحدًا ذا تجربة في قلبه في استطاعته أن يكتب بأصبعه من بينكم، فمثل أمام جلالته كاتب الملك «تحوت محب»، فأمره جلالته بالذهاب إلى «بختان» مع هذا الرسول.
- وصول الطبيب إلى «بختان»: ووصل الطبيب إلى «بختان»، ووجد «بنترش» في حالة إنسان تحت سلطان عفريت، ووجد فضلًا عن ذلك أنه كان عدوًّا يمكن محاربته، وقد كرر «رئيس بختان في حضرة جلالته قائلًا يأيها الملك، يا سيدي، ليأمر جلالته بإحضار هذا الإله»، وبعد ذلك رجع الطبيب الذي أرسله جلالته في السنة السادسة والعشرين، الشهر التاسع في وقت عيد «آمون» عندما كان جلالته في «طيبة».
- «رعمسيس» يتحدث مع الإله «خنسو»: وبعد ذلك أعاد جلالته هذا القول أمام الإله «خنسو» في «طيبة» «نفرحتب» قائلًا: «يا سيدي الطيب، إني أعيد أمامك حالة بنت رئيس «بختان».» وبعد ذلك قادوا «خنسو واضع الخطة»، الإله العظيم ضارب الأرواح الشريرة، ثم قال جلالته أمام «خنسو في طيبة نفرحتب»:١١٢ أنت أيها الرب الطيب، إذا أحنيت وجهك إلى «خنسو واضع الخطة»، الإله العظيم، ضارب الأرواح الشريرة، فإنه سيحمل إلى «بختان»، وقد حدث انحناء عنيف، وعندئذ قال جلالته: «أرسل حمايتك معه حتى أجعل جلالته يذهب إلى «بختان» لينجي بنت رئيس بختان.» فهز بعنف «خنسو في طيبة نفرحتب» رأسه، وعندئذ عمل حماية «خنسو واضع الخطة» أربع مرات؛ بتحريك رأسه طبعًا.
- سفر «خنسو واضع الخطة»: وقد أمر جلالته بأن يُحمل «خنسو واضع الخطة» إلى سفينة، ومعها خمس سفن نقل وعربات عديدة، وخيل من الغرب والشرق.
- وصول الإله إلى «بختان»: وقد وصل هذا الإله في مدى سنة وخمسة أشهر، وعندئذ جاء رئيس «بختان» بجنده وأشرافه أمام «خنسو واضع الخطة»، وانبطح أمامه على بطنه قائلًا: «لقد أتيت إلينا فمرحبًا بك عندنا بأمر الملك «وسر ماعت رع ستبن» «رعمسيس الثاني».»
- شفاء «بنترش»: وبعد ذلك ذهب هذا الإله إلى المكان الذي فيه «بنترش»، وعندئذ عمل على حماية بنت رئيس «بختان»؛ فشُفيت في الحال.
- مصالحة العفريت: وعندئذ قال هذا العفريت الذي كان يتقمصها أمام «خنسو واضع الخطة في طيبة»: إنك تأتي في سلام أنت أيها الإله العظيم ضاربًا الأجانب، وإن «بختان» مدينتك، وأهلها خدَّامك، وإني خادمك، فسأذهب من حيث أتيت لأرضي قلبك فيما يخص الأمر الذي أتيت من أجله، ولكن مرْ بأن يقام يوم عيد لي مع رئيس «بختان»، وعندئذ هزَّ هذا الإله رأسه لكاهنه قائلًا: دع رئيس «بختان» يقدم قربانًا عظيمًا أمام هذا العفريت، وحينما كانت تحدث هذه الأشياء التي عملها «خنسو واضع الخطة في طيبة» مع العفريت كان رئيس «بختان» واقفًا مع جنوده يتوجس خيفة، وبعد ذلك قدم قربانًا عظيمًا أمام «خنسو واضع الخطة في طيبة» والعفريت، واحتفل رئيس «بختان» بيوم عيد معهما، ومن ثم برح العفريت في سلام إلى المكان الذي يرغب فيه بأمر من «خنسو واضع الخطة في طيبة»، وفرح بذلك رئيس «بختان» غاية الفرح مع كل رجل كان في «بختان».
- حجز الإله في «بختان»: ولكنه بعد ذلك تشاور مع قلبه، قائلًا: «سأجعل هذا الإله يبقى معي في «بختان»، ولن أسمح له بالعودة إلى مصر، وعلى ذلك لبث هذا الإله في «بختان» ثلاث سنين وتسعة أشهر.»
- رؤيا رئيس «بختان»: ثم نام رئيس «بختان» على سريره، فرأى هذا الإله مقبلًا عليه ليهجر محرابه، فكان في هيئة صقر من الذهب، وطار عاليًا نحو مصر، وعندئذ استيقظ رئيس «بختان» منزعجًا.
- سفر الإله إلى مصر: وعلى أثر ذلك قال لكاهن «خنسو واضع الخطة في طيبة»: «إن هذا الإله لا يزال معنا، ولكن دعه يرحل إلى مصر، دع عربته تنزح إلى مصر.» وبعد ذلك جعل رئيس «بختان» هذا الإله يسير إلى مصر، وأعطاه هدايا عديدة جدًّا من كل الأشياء الطريفة، وعددًا عظيمًا من الجنود والخيل.
- وصول الإله إلى مصر: فوصلوا إلى «طيبة» في سلام، ثم ذهبوا نحو مدينة «طيبة»، و«خنسو واضع الخطة في «طيبة» إلى بيت «خنسو» في طيبة» «نفرحتب»، فوضع الإله الهدايا من الأشياء الطريفة التي أعطاها إياه رئيس بختان أمام «خنسو في طيبة نفرحت»، غير أنه لم يقدم كل شيء أخذه هذا البيت، وقد وصل «خنسو واضع الخطة في طيبة» إلى مكانه في أمان في العام الثالث والثلاثين، الشهر الثاني، اليوم التاسع من حكم «وسر ماعت رع ستبن رع» ليته يعطي الحياة مثل «رع» أبدًا (راجع Br. A. R. III § 429 ff.).
وهكذا يرى الباحث المدقق كيف تشوَّه الحقائق التاريخية عندما ينقلها من لا يعرف كنهها عن أفواه العامة، والروايات المشوَّهة إلى أن يقيض لها علماء ينخلونها، وينقونها من كل شائبة، ويبنون استنباطهم للحقائق على قواعد علمية لا يتسرب إليها الشك، كما يعتمدون في كتاباتهم على أسس متينة ترتكز على الحقائق التاريخية الثابتة، ولولا ذلك لظلت هذه الحادثة التاريخية وغيرها من الحوادث التي لها شأن في تاريخ القوم أساطير تعد من نسج الخيال، وقصة يتحدث بها للأطفال؛ والواقع أنها كانت قد كُتبت — كما قلنا — لإظهار فضل مصر، وعظمتها على «الفرس» الذين كانوا يحكمونها في تلك الفترة التي كُتبت فيها القصة، وأن مصر قد حكمت الفرس وسيطرت عليها في الأزمان الغابرة.
(٣) آثار رعمسيس الخالدة
(٣-١) النقوش الأثرية التي تركها «رعمسيس الثاني» في بلاد النوبة والسودان على مبانيه العظيمة
كان «رعمسيس الثاني» أعظم ملك أقام مبانٍ من حيث الضخامة والروعة في طول البلاد وعرضها، ولن نكون مبالغين ولا مسرفين في القول إذا قرَّرنا هنا أنه لا يكاد يوجد مبنى أثري في البلاد من الشلال الثاني شمالًا حتى مصب النيل إلا عليه اسم «رعمسيس الثاني»، يضاف إلى ذلك المباني والآثار التي خلفها في «فلسطين»، وغيرها من البلاد التي فتحها في آسيا ثانية مما تكلمنا عنه في حينه؛ ولذلك فإن من العبث أن يحاول الإنسان وصل آثاره كلها هنا بالتفصيل، وسنكتفي بالتحدث عن أهمها، وبخاصة التي كان له اليد الطولى في إقامتها؛ إذ الواقع أن «رعمسيس الثاني» قد جار على أسلافه كثيرًا باغتصاب كثير من آثارهم، ونسبتها لنفسه مدة حكمه الطويل الذي قارب السبعة والستين عامًا، على أنه لو فحصنا كل الآثار التي تُنسب إليه حقًّا لوجدناه على الرغم من ذلك أعظم الفراعنة المشيدين للآثار في مصر، وغيرها من أملاك الإمبراطورية في آسيا وبلاد النوبة.
(٣-٢) مبانيه في بلاد النوبة
ففي بلاد النوبة حيث تكنف الصحراء النيل تراه قد انتهج نهجًا جديدًا في إقامة الآثار؛ إذ إنه بدلًا من قطع الأحجار، وبناء المعابد للآلهة المحلية أخذ في نحت تلك المعابد في الصخر نفسه، وبخاصة لأنه لم يكن لديه الفضاء الكافي لإقامة هذه المعابد بين النيل والتلال الصخرية التي تكنفه من الجانبين. على أن فكرة قطع المعابد الكهفية لم تكن فكرة مبتكرة ﻟ «رعمسيس الثاني»، بل ترجع في الواقع إلى عهد الدولة القديمة منذ الأسرة الرابعة، بل منذ الأسرة الأولى عندما كان أولاد الأسرة المالكة، وعظماء القوم ينحتون مزاراتهم في الصخور التي بُنيت بجوارها الأهرام العظيمة لإقامة شعائرهم فيها، وربما لم يفكر مصريو الدولة القديمة في نحت معابد الآلهة، أو الملوك في الصخر؛ لأنه لم يكن الطراز الشائع في ذلك الوقت بالنسبة للآلهة، ولكن لم يحل عهد الدولة الوسطى حتى رأينا هذا الطراز من المعابد والمزارات يظهر، فنجده في «بني حسن»، وفي «أسيوط» في عهد الأسرة الثانية عشرة، كما نجده في «الدير البحري»، و«الكاب»، و«جبل سلسلة» كما ذكرنا من قبل، ومما هو جدير بالملاحظة في هذه المعابد الكهفية أنه قد روعي فيها أن تكون على غرار المعابد المقامة بالحجر من حيث التخطيط، اللهم إلا بعض تغييرات تحتمها طبيعة الصخر الذي نُحت فيه المعبد، ويشاهد أنه من الأمكنة التي فيها متسع على ضفة النيل كان ينحت جزء من المعبد في الصخر فقط، أما الجزء الأمامي منه فكان يبنى في الهواء الطلق بقطع أحجاره من المحاجر المجاورة، وبهذه الكيفية كان المعبد يتألف من جزأين: أحدهما مبني، والآخر مقطوع في أصل الصخر. وأهم هذه المباني وأعظمها من الوجهة التاريخية والفنية ما يأتي:
معبد «بيت الوالي»
وعلى هذا النسق نظم مهندسو «رعمسيس الثاني» ردهة معبد «بيت الوالي» وبوابته، وقد نُحتت حجراته في الصخر عند فوهة وادٍ جانبي، ويتألف من دهليز وقاعة عمد منحوتة في الصخر، ومحراب صغير ودهليزه الذي لم يبقَ منه إلا جدرانه المنحوتة من الصخر، وقد استعمل في العهد المسيحي كنيسة، وأهم ما يلفت النظر في هذا المعبد النقوش التاريخية التي نُقشت على جدران الدهليز، وقد عملت منها — لجمالها وأهميتها — نماذج محفوظة الآن بالمتحف البريطاني، والواقع أن هذه المناظر لها أهمية تاريخية عظمى في حياة «رعمسيس الثاني» قبل انفراده بالحكم كما سبق الكلام عن ذلك.
فعلى الجدار الذي على يسار الداخل يشاهد منظران يمثلان انتصار الفرعون على النوبيين، ويُرى الملك في المنظر الأول جالسًا على عرشه تحت قبة، وفي الصف الأسفل فيه نشاهد عظماء القوم يقدمون له الجزية من مختلف الأنواع، وأهم ما يلفت النظر من بينها لوحة محلاة بالنباتات يتدلى منها حلقات وجلود، وخلف ذلك يُرى نوبيان مكبَّلان، ثم يأتي خلفهما نوبيون يحملون القرَب، وتتألف من قردة وكلاب صيد وفهود وزرافة ونعامة وماشية، وكذلك نساء معهن أطفالهن، إحداهن تحمل طفلها على ظهرها في سلة بوساطة سير مربوط على رأسها، ويلاحظ أن أحد الثيران المهداة له قرنان ممثلان كالذراعين بينهما رأس عبد أسود يطلب الرحمة.
وفي الصف الأعلى نشاهد اللوحة السالفة الذكر موضوعة أمام الفرعون في حين كان نائب السودان (ابن الملك) يحلِّي صدره سلاسل شرف من الذهب؛ مما أنعم به الفرعون عليه، ويشاهد بعد ذلك حلقات من الذهب، وكراس، وأسنان فيلة، وأقواس، ودروع، وجلود فهود، وأبنوس، ومراوح، ومواد أخرى قُدمت جزية، وكذلك نرى عبيدًا يتقدمون بهداياهم التي تتألف من ماشية وغزلان، وأسود، وغير ذلك. وفي المنظر الثاني نشاهد الملك وولديه يظهرون في عرباتهم يهاجمون الأعداء من السود، فيهرب العبيد إلى قريتهم التي تقع بين خمائل الدوم، ويلاحظ أن نوبيًّا مجروحًا قد قاده صديقان له إلى زوجه وأولاده، في حين نرى امرأة أخرى تقعد بجانب نار تطهو طعامًا.
أما المنظر الذي على الجدار الأيمن فيمثل حروب الفرعون مع السوريين واللوبيين، ففي الصورة الأولى من جهة اليمين نشاهد الفرعون يقف فوق عدوين مطروحين أرضًا، ويقبض على ثلاثة آخرين من السوريين من نواصيهم، على حين نشاهد أميرًا يسوق أسرى موثقين أمامه.
وفي المنظر الثاني نشاهد الفرعون أمام حصن سوري على شرفاته رجال ونساء يطلبون الرحمة، ومن بينهم امرأة تحمل طفلًا بين ذراعيها، ويُرى الملك قابضًا على أحد الأعداء — الذي كان ممسكًا بقوس مهشم — من شعره ليقتله، وفي أسفل نشاهد أحد الأمراء يهشم بابًا ببلطته.
وفي المنظر الثالث يشاهَد الفرعون في عربته يهاجم السوريين الفارِّين، ويقتل اثنين من الأعداء، على حين يُرى اثنان آخران مربوطين في عربته.
وفي المنظر الذي يلي ذلك نرى الفرعون يضرب لوبيًّا في حين كان كلبه يقبض على العدو، وفي آخر المطاف نشاهد الفرعون جالسًا تحت قبته على عرشه، وبجانبه أسده الأليف، وابنه المسمى «آمون حرونمف» يقدم له أسيرًا سوريًّا.
معبد «جرف حسين»
معبد «السبوعة»
وكذلك نقش على عمود في الردهة الأمامية الإهداء التالي: ««رعمسيس مري آمون» في «بيت آمون» قد أقامه بمثابة أثر لوالده «آمون رع» صانعًا له عمودًا عظيمًا وفاخرًا، محلَّى بكل حجر ثمين غالٍ، ليعطي الحياة والثبات والرضى مثل «رع» يوميًّا.»
معبد «الدر»
يقع عند سفح التلال، وهو مقطوع في الصخر أيضًا، ويسمى معبد «رعمسيس» في بيت «رع»، وقد أقامه «رعمسيس الثاني»، وأهداه إلى إله الشمس «حور اختي»، وهاك نص الإهداء: «لقد أقامه «رعمسيس الثاني» بمثابة أثر لوالده «حور أختي»، فعمل له بيت «وسر ماعت رع مري آمون في بيت رع».»
كذلك نجد نقش إهداء آخر وهو: ««رعمسيس الثاني» أقامه بمثابة أثر لوالده «آمون رع» رب «طيبة»، وملك الأرضين فأقام له معبدًا في بيت «رع».»
معبد «بو سمبل»
وإذا وازنا هذا المعبد بالمباني الفرعونية الأخرى في مصر نفسها نجده يفوقها من كل الوجوه، وهو منحوت كله في الصخر الصلب، وقد أهداه بانيه أولًا للإلهين «آمون رع» رب طيبة، و«حور اختي» إله «هليوبوليس» وهما الإلهان الرئيسيان في مصر، ولكن نجد أن الإله «بتاح» رب «منف» و«رعمسيس الثاني» نفسه كانا يقدَّسان كذلك فيه، والقول المشهور عن تأسيس هذا المعبد أنه يُنسب إلى «رعمسيس الثاني»، غير أن الأستاذ «برستد» يقول: إنه كان قد بُني منه جزء كبير عند تولية «رعمسيس» الملك، وقد عزز رأيه هذا بقوله: إنه يوجد نقش باسم «سيتي الأول» على المدخل في نهاية القاعة الأولى، وهذا المدخل هو الذي يصل منه الإنسان للقاعة الثانية.
ويوجد إهداء للإله «حور اختي» وهو:
«إن «رعمسيس الثاني» قد عمله بمثابة أثر لوالده «حور اختي» الإله العظيم رب النوبة» وسنفصل القول بعض الشيء في وصف نقوش هذا المعبد لما لها من الأهمية العظمى من الوجهة الحربية والدينية والسياسية في تاريخ البلاد في ذلك العهد.
يتألف هذا المعبد من ردهة أمامية قُطعت في الصخر أمام المعبد الأصلي، وكانت محاطة في الأصل بسور من اللبن، ويتصل بهذه الردهة طوار يصل إليه الإنسان بسلم، وعلى اليمين واليسار منه كوتان ربما كانتا تحتويان على أحواض للطهور لزائري المعبد، وعلى جدرانه نقوش ﻟ «رعمسيس الثاني»، وهو يقدم القربان، ويحرق البخور للآلهة «آمون»، و«رع»، و«حور اختي»، و«بتاح»، وعلى جدران هذا الطوار صفوف من الأسرى تنتهي بشرفة نقش عليها متن الإهداء الذي نقشه «رعمسيس»، وخلف هذه الشرفة أربعة تماثيل هائلة الحجم للفرعون مقطوعة في الصخر، كل منها يربى على خمس وستين قدمًا في الارتفاع؛ أي أعظم حجمًا من تمثالي «ممنون» اللذين أقامهما «أمنحتب الثالث» أمام معبده الجنازي بطيبة الغربية (راجع ج٥). وقد نُحت على يمين وشمال كل من هذه التماثيل الجالسة صورتان لبعض أفراد الأسرة، نذكر منها الأميرة «نب تاوي»، والأميرة «بنت عنتا»، ثم الملكة «تويا» والدة «رعمسيس الثاني»، وزوجه «نفرتاري»، وبين ساقي تمثال منها الأمير «آمون حرخبشف».
أما واجهة المعبد التي تمثل هنا البوابة في المعبد المبني بناء عاديًّا فموَّجة بكرنيش على هيئة جريد النخل، ويعلوها صف من القردة يتعبدون للشمس المشرقة، وهنا نجد نقش الإهداء ﻟ «آمون رع»، و«حور اختي»، وبعد المرور من هذه البوابة تدخل المعبد المقطوع في الصخر، ويبلغ عمقه حوالي ثمانين ومائة قدم من الأسكفة حتى آخر حجرة داخلية؛ أي حتى قدي الأقداي، والحجرة الأولى من هذا المعبد، وهي قاعة العمد العظيمة، تقابل في المعبد العادي الردهة المفتوحة ذات العمد المسقوفة، ويبلغ عرضها أربعًا وخمسين قدمًا، وعمقها ثمانٍ وخمسون قدمًا، ويرتكز سقفها على ثمانية أعمدة مربعة الشكل، يستند على كل منها صورة الملك في هيئة «أوزير»، وسقف الطريق الوسطى في هذه الحجرة محلَّى بعقبان طائرة، أما الطريقان فيحلى سقفيهما نجوم.
ويشاهد على النصف الأيمن من جدار المدخل الملك وهو يضرب زمرة من الأعداء في حضرة «رع حور اختي» الذي يقدم له السيف المعقوف، وعلى النصف الأيسر من الجدار منظر آخر يماثل الأول، غير أن الملك في هذه المرة يقف أمام الإله «آمون رع»، وعلى الجدار الجنوبي نشاهد الملك في عربته يهاجم قلعة سورية، على حين نرى المحاصرين يطلبون الرحمة، وهم فوق الشرفات والسهام نافذة في أجسامهم، ويتبع الملك ثلاثة من أولاده، وفي أسفل هذا المنظر نشاهد راعيًا يفر بقطيعه إلى المدينة، كما نشاهد الفرعون يضرب بحربته لوبيًّا، وفي النهاية يعود الملك مظفرًا من الواقعة، ومعه الأسرى من السود.
ففي النصف الأسفل من الجدار نشاهد أولًا سير الجيش المصري الذي يحتوي على مشاة وخيالة، والمعسكر المصري ودروع الجنود مصفوفة حوله كأنها أقيمت حاجزًا، وجلبة الجيش ممثلة هنا بصورة حية، ونشاهد الخيل غير المسرجة يوضع أمامها علفها، كما نشاهد الجنود يأخذون نصيبهم من الراحة، وكذلك أتباع الجيش الذين يحملون الأمتعة، وعلى اليمين نشاهد السرادق الملكي، والصورة الثالثة على هذا الجدار يظهر فيها الفرعون على عرشه عاقدًا مجلسًا حربيًّا استشاريًّا مع ضباطه، وأسفل هذا نرى جاسوسين تُنتزع منهما الاعترافات بالضرب، وفي المنظر الأخير على اليمين ترى عربات المصريين و«الخيتا» مشتبكة فعلًا في معركة، أما المنظر الذي على النصف الأعلى من الجدار فنشاهد فيه الواقعة على أشدها، فيُرى الفرعون على اليسار وهو ينقضُّ بعربته على العدو الذي أحاط بعرباته، وفي الوسط نشاهد قلعة «قادش» محاطة بنهر «الأرنت»، والمدافعون عنها يرقبون سير القتال من الشرفات، وفي أقصى اليمين نشاهد الملك في عربته يفحص ضباطه الذين يعدُّون أيدي العدو المقطوعة، كما يحضرون أسرى مكبلين بالأغلال، وعلى الجدار الخلفي على يمين الباب الأوسط نرى «رعمسيس الثاني» يقود صفين من أسرى «خيتا» أمام الإله «حور اختي»، وأمام تمثاله المؤلَّه (تمثال «رعمسيس الثاني»)، والإلهة «ورت حكو» برأس أسد، وعلى اليسار يقدم صفين من العبيد للإله «آمون»، ولصورة «رعمسيس» المؤلَّه، وللإلهة «موت».
معبد «حتحور»
وعلى مقربة من هذا المعبد العظيم معبد آخر أقامه «رعمسيس» للإلهة «حتحور» و«نفرتاري» زوجه التي أُلهت مثله، وواجهة هذا المعبد التي تقوم مقام البوابة عرضها اثنتان وتسعون قدمًا، والظاهر أنه لم يكن أمامها ردهة، وعلى كلا جانبي الباب نحت «رعمسيس الثاني» تمثالين ضخمين له يتوسطهما تمثال لزوجه «نفرتاري»، وبجانب هذه التماثيل نُحتت تماثيل بعض أولاد الفرعون، فبجانب تمثال «نفرتاري» نُحتت صورة الأميرة «مريت آمون» على اليمين، وصورة الأميرة «حنت تاوي» على اليسار، وبجانب تمثالي الملك نُحتت صور الأمراء أولاد الملك، وهم: «مري آتوم»، و«مري رع»، و«آمون مرخبشف» و«بارع حرونمف».
محراب «فرس»
وعلى الضفة اليمنى للنيل نحت «رعمسيس» محرابًا للإلهة «حتحور» لا تزال بقاياه محفوظة حتى الآن، وبه مقصورة صغيرة لحاكم السودان «ستاو» الذي كلف تولي العمل فيه (راجع مصر القديمة ج٥).
معبد «سره»
وفي «نباتا»
(٣-٣) المعابد الضخمة التي أقامها «رعمسيس» في القطر المصري ونقوشها التاريخية
والمعابد التي أقامها «رعمسيس» داخل القطر لا تقل في روعتها وبهائها وكثرتها عن التي شيدها في بلاد النوبة والسودان، بل أكثر منها عددًا، وتنتشر في البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وسنذكر ما تبقى منها حتى الآن مبتدئين من الجنوب.
(أ) معبد «الكاب»
(ب) معبد «الأقصر»
كان المؤسس لهذا المعبد — كما ذكرنا في (الجزء الخامس) — «أمنحتب الثالث»، وكان «تحتمس الثالث» قد أقام مقصورة من الجرانيت قبالة هذا المعبد، غير أنه في عهد الثورة الدينية مُحيت صور الإله «آمون»، وبُني هناك محاريب للإله «آتون» بجوار المعبد الكبير، وقد أزيل معبد «آتون» في عهد «سيتي الأول»، وأعيدت صور «آمون» كما كانت. ولما تولى الحكم «رعمسيس الثاني» الذي يُعد بحقٍّ أكبر مقيم للمباني الدينية وغيرها لم يسَعه إلا أن يضيف شيئًا لمعبد الأقصر، فأقام ردهة عظيمة ذات عمد أمام المعبد الذي كان يُعد كاملًا، ولكن قضت الأحوال — لأجل إتمامه — أن يغتصب مقصورة «تحتمس الثالث» السالفة الذكر، فمحا نقوشها القديمة، ونقش غيرها جديدة باسمه، وكذلك أقام البوابة الضخمة التي لا تزال قائمة حتى الآن.
وقد أقام «رعمسيس الثاني» أمام البوابة الرئيسية ستة تماثيل ضخمة لنفسه، وأمام هذه التماثيل نَصَب هذا الفرعون مسلتين من الجرانيت الوردي بمناسبة ذكرى أحد أعياده الثلاثينية، وتوجد إحداهما الآن في ميدان «الكونكورد بباريس» منذ عام ١٨٣٦م، ونقوش هذه المسلات تحتوي نعوتًا وألقابًا ضخمة، يدعي فيها أنه هو الذي أسس المبنى الفاخر في الأقصر الجنوبية «إبت»، أما الثانية فلا تزال في مكانها.
أما المناظر التي على البرج الأيسر فتضعنا في وسط معمعة القتال، فالفرعون ينقضُّ على الأعداء الذين أحاطوا به، ويفوِّق سهامه عليهم. ولذلك نجد ساحة القتال مغطاة بالقتلى والجرحى في حين أن جنود «خيتا» يولون الأدبار في ارتباك متجهين نحو قلعة «قادش» التي كان يبرز منها جنود جدد. وعلى مسافة من ذلك شمالًا نشاهد بلدة «قادش» محاطة بالماء، وعلى شرفاتها يقف المدافعون عنها كما يُرى بعيدًا عن ساحة القتال أمير بلاد «خيتا» واقفًا في عربته محاطًا بحرسه، وهو يرتعد خوفًا أمام جلالته، وتحت هذه المناظر نقرأ على جدران البرج الغربي القصيدة التي تصف هذه الحروب، وضروب الشجاعة التي أظهرها الفرعون.
وتؤدي هذه البوابة الرئيسية إلى الردهة العظيمة التي أقامها «رعمسيس الثاني»، وكانت محاطة بالعمد التي يبلغ عددها أربعة وسبعين عمودًا بردية الشكل، وجدرانها مغطاة بالمناظر والنقوش الدينية والحربية.
والمهندس الذي أشرف على بناء هذا الجزء من معبد «الأقصر» هو «باكنحنسو» الكاهن الأكبر للإله «آمون»، وقد ترك على تمثاله ملخصًا عن بناء هذا المعبد (راجع حياة «باكنحنسو»).
الأول: الثور القوي مفخِّم «طيبة»، محبوب الإلهتين، ممكن الآثار في الأقصر لوالده «آمون» الذي وضعه على عرشه، «حور» الذهبي الذي يبحث وراء الأشياء الممتازة لمن صوَّره، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع»، لقد أقامه بمثابة أثره لوالده «آمون رع» ملك الآلهة مقيمًا له معبد «رعمسيس مرى آمون» في بيت «آمون» من الحجر الرملي الدقيق الذي عمله له «ابن رع» (رعمسيس) معطي الحياة مثل رع أبدًا.
(ﺟ) أعمال «رعمسيس» في معبد «الكرنك»
فالأمر الأول هو طول مدة حكم «رعمسيس الأول» التي نعلم أنها كانت على ما يظن قصير جدًّا، والتاريخ الوحيد المحقق لدينا هو السنة الثانية، اليوم العشرون من الشهر الثاني من فصل الزرع، وهذا التاريخ يعد أقل مدة لحكمه، وقد يجوز أنه حكم خمسة أعوام على أكبر تقدير، غير أن معظم علماء الآثار يعتقدون أنه لم يحكم أكثر من سنتين، وقد كان من الطبعي أن يوجه الفرعون جل همه لبناء معبد جنازي له لا إلى إقامة المباني في «الكرنك»، اللهم إلا إذا كان قد أجبر على ذلك إجبارًا من كهنة «آمون»، أو بعوامل أخرى ساعدته على ادعائه بأحقيته في تولي عرش البلاد، ومع ذلك لم نجد أن هذا الفرعون قد أتم بناء واحدًا باقيًا للآن؛ إذ الواقع أن ابنه «سيتي الأول» هو الذي أقام له معبده الجنازي الصغير في «العرابة»، وقد حُفظ جزء منه في متحف «متروبوليتان»، وكذلك شاركه ابنه في معبده الخاص، ولم يتممه «سيتي» بدوره في عهد حكمه الذي بلغ اثنتي عشرة سنة أو أكثر، وهذه الحقيقة تجعلنا نعتقد أن ما قام به «رعمسيس الأول» من المباني كان محدودًا، اللهم إلا إذا كانت هناك ظروف خارجة عن حد المألوف جعلته يشحذ من عزيمته، ويضاعف من همته.
وفي اعتقادي أن إعادة نقش البوابة، وبناء قاعة العمد كان كالآتي: على أثر وضع تصميم لقاعة العمد كان من البدهي أن النقوش الغائرة الأصلية التي عملها «حور محب» لم تعد صالحة لأسباب مختلفة؛ ولذلك أزيلت، وعلى ذلك بدأت أعمال محو المناظر — وكانت هذه العملية تجرى في أثناء إقامة الأعمدة — عندما كانت القاعة تُملأ تدريجيًّا بالأتربة لرفع الأحجار اللازمة، وقد استمرت عملية المحو حتى وصلت إلى كتل الأحجار التي كانت مخبأة وراء «مداميك» السقف هذه، وهذه العملية ربما تمت في عهد «حور محب» إذا كان هو الذي أمر بتغيير تصميم المبنى في أواخر حكمه، وبذلك يكون قد محا نقوشه التي عملها، أو أن الذي قام بهذه العملية هو «رعمسيس الأول»، ويحتمل أنه أشرك ابنه «سيتي الأول» معه في ذلك، والرأي الأخير هو المرجح.
وعند الانتهاء من بناء قاعة العمد كان كل البناء قد ملئ بالأتربة، وكانت الأعمدة الخالية من الزينة المقامة حديثًا بطبيعة الحال مدفونة تحت هذه الأتربة، ولم يكن ظاهرًا للعيان غير أحجار السقف، وعند هذه المرحلة من البناء كان الصناع على استعداد لبدء تهذيب وجوه الأعمدة كلما أزيلت عنها الأتربة التي كانت تغمرها، وهي التي كانت تستعمل بمثابة «سقالات» في أثناء بناء القاعة، وقد نقش «رعمسيس الأول» نقوشه الجميلة عندما بُدئ في إزالة هذه الأتربة في الصف الأعلى من البرج الشمالي للبوابة، وقد كان مضطرًّا أن يعمل نقوشه على الصف الأعلى؛ لأن باقي القاعة كان مغطى طبعًا بالأتربة.
«رعمسيس الثاني» الملك القوي، المقيم الآثار في بيت والده «آمون»، والباني بيته بناء مخلدًا ثابتًا أبدًا. تأمل! إن الإله الطيب قد مال قلبه ليقيم آثارًا، وسواء أكان قائمًا أم يقظًا فإنه لم يفتر عن البحث في عمل أشياء ممتازة، وقد كان جلالته الذي وضع الأنظمة، وقاد العمل في آثاره، وكانت كل خططه تنفذ في الحال مثل خطط والده «بتاح جنوبي جداره»، وهو صورة في الواقع مما عمله ذلك الصانع الممتاز الذي يضع الأشياء الممتازة التي عملها جلالته … من عمل ممتاز مخلد. وكل مملكة تحت قدميك يأيها الملك، يا حاكم الأقواس التسعة، يا رب الأرضين «رعمسيس الثاني». لقد عمله بمثابة أثره لوالده «آمون رع» رب «طيبة»، فأقام معبد «روح رعمسيس محبوب آمون في بيت آمون» بالكرنك من الحجر الرملي الأبيض بمثابة مثوى لرب الآلهة، ومأوى للتاسوع المقدس، وقد أحيط ﺑ … عمد، وجدرانه مثل جبلي أفرديتبوليس (كرم أشقاو) ثابتة، وقد عمل … وجماله يصل إلى عنان السماء.
الإله «آمون» يخاطب الآلهة
الرئيس الأعلى للأعمال في كل آثار جلالته، الذي يقيم أعمدة عظيمة في بيت «آمون».
وإذا كان ما يقوله هذا المهندس حقًّا فإن ذلك حدث — ولا بد — في أثناء اشتراك «رعمسيس» مع والده في الحكم كما يقرر ذلك «سيلي».
مقبرة «رعمسيس الثاني»
وقد حفر «رعمسيس الثاني» لنفسه مقبرة في «وادي الملوك»، وتُعرف برقم ٧، وليس للمقبرة شهرة واسعة مثل قبر والده «سيتي الأول»، ويرجع ذلك إلى أنها مملوءة بالرمال والطين، وقد نُهبت في الأزمان القديمة، ولكن القبر يعد من الأعمال العظيمة التي عملها «رعمسيس الثاني»، فقد حفره إلى عمق أربعمائة قدم في الصخر، وممره الذي يبلغ نحو مائة وخمسين قدمًا يؤدي إلى قاعة عظيمة تبلغ مساحتها أربعة وأربعين قدمًا مربعًا، كما يحتوي على أربع حجرات أخرى، وهو في الواقع مثل قبر والده في الطول إلا أنه أعظم منه مساحة، أما من جهة النقش والرسوم التي على جدرانها فإنها تتضاءل أمام مقبرة والده. ومما يلفت النظر أننا نجد على كلا جانبي المدخل متنًا من قصيدة في مديح إله الشمس نُقشت بالحروف البارزة، وعلى اليسار نشاهد صورة الفرعون أمام إله الشمس «رع حور اختي»، وصورة تمثل إله الشمس برأس كبش، وجعران ونقوش هذه المقبرة عادية.
أما مومية «رعمسيس» فلم توجد في قبره، بل وجدت في خبيئة الدير البحري، والسبب في ذلك: أنه كان سبق ذكره في غير هذا المكان عند نهاية الدولة الحديثة، لم يكن في استطاعة الحكومة المصرية أن تحمي مقابر ملوكها العظام، إذ لم يكن التعدي مقصورًا على «جبانة ذراع أبو النجا»، بل كذلك على مقابر الملوك المنعزلة في وادي الملوك؛ ولذلك اكتفى رجال الإدارة بالمحافظة على موميات الفراعنة فحسب، فنشاهد أن موميات ثمانية من الملوك قد وضعت في حجرة جانبية من مقبرة الملك «أمنحتب الثاني»، ولنفس هذا السبب نُقلت مومية «رعمسيس الثاني» من مثواها الأصلي بأبواب الملوك إلى مقبرة «سيتي الأول»، وفيما بعد إلى مقبرة «أمنحتب الأول»، وأخيرًا في نهاية الأسرة الثانية والعشرين صممت السلطة الإدارية على صيانة الموميات الملكية من العبث بها مرة أخرى، فدفنوها معًا حيثما اتفق مع ملوك الكهنة المنتسبين للأسرة الحادية والعشرين في مقبرة قديمة يرجع تاريخها إلى الأسرة الحادية عشرة بالقرب من الدير البحري، وهكذا بقيت مومية «رعمسيس الثاني» مع الملوك الآخرين الذين دفنوا معها في مقبرة والده «سيتي» في أمان حتى سنة ١٨٧٥م؛ عندما كشف فلاحو هذه الجهة المكان الذي دفن فيه الفراعنة، ثم بدأت المقابر الملكية تُنهب ثانية، وفي عام ١٨٨١م تعقب رجال الأمن أثر السرقة، واستولوا على ما وجدوه، وسلم للمتحف المصري وبقي فيه.
(د) معبد «الرمسيوم»
يقع معبد «الرمسيوم» الذي بناه «رعمسيس الثاني» ليكون معبده الجنازي على الضفة اليمنى من النيل، وتدل الآثار الباقية على أن هذا الفرعون قد بنى معه في نفس المكان قصرًا منيفًا لسكناه، وقد أطلق «رعمسيس» على هذا المعبد اسم «بيت وسر ماعت رع ستبن رع» (رعمسيس الثاني) — له الحياة والفلاح والصحة — في بيت «آمون».
ويعتقد الأستاذ «بتري» أن «معبد الرمسيوم» كان تصميمه في الأصل ليكون معبدًا للفرعون «سيتي الأول»، وأن «رعمسيس الثاني» قد اغتصبه لنفسه كما اغتصب لوالده معبد «القرنة» الذي كان مخصصًا لجده «رعمسيس الأول» فيقول ما معناه:
والواقع أن ما ذكره الأستاذ «بتري» مقبول ومعقول في ظاهره؛ ولكن عندما نطبق عليه النظرية التي جاء بها الأستاذ «كيث سيلي» في موضوع اشتراك «رعمسيس الثاني» مع والده في الحكم تنهار نظرية الأستاذ «بتري» من أساسها بالنسبة لاغتصاب «رعمسيس الثاني» معبد «الرمسيوم» لنفسه؛ إذ لا يدل على حسب هذه النظرية وجود اسم «سيتي» في هذا المعبد على شيء قط؛ لأنه من المحتمل جدًّا أن «رعمسيس الثاني» قد بدأ بناء معبده الجنازي أيام والده، واستمر في بنائه مدة انفراده بالحكم، وأن «رعمسيس» لم يبدأ في بنائه بعد أن جلس وحده على عرش البلاد.
لقد أقامه «رعمسيس الثاني» بمثابة أثر لوالده «آمون رع» فعمل له قاعة شاسعة عظيمة فخمة من الحجر الرملي الأبيض الجميل، ووسطها مزين بالعمد الزهرية الشكل، محاط بعمد على هيئة براعيم ليكون مقامًا يأوي إليه رب الآلهة في «عيد الوادي الجميل»، وليمنح أبدية الحياة، وقد وضع سفينته المقدسة مثل أفق الإله، وحابسًا له قربات يومية، ومنفذ الأشياء التي تسر والده، وجاعلًا بيته له مثل «طيبة» مموِّنًا بكل شيء طريف من مخازن غلال تصل إلى عنان السماء، وبيت مال فاخر يحتوي فضة وذهبًا، وكتانًا ملكيًّا، وكل حجر ثمين، أحضرها له الملك «رعمسيس الثاني».
وتخطيط هذا المعبد العام مثله كمثل تصميم المعابد الكبرى التي أقيمت في هذا العهد، فكان يحتوي على بوابة عظيمة أقيمت أمام المعبد، وكانت الردهة الأولى مكشوفة، أما الثانية فكانت مزينة بصفين من الأعمدة حولها، والقاعة الثالثة كانت قاعة العمد العظيمة المسقوفة، وخلفها أربع حجرات يتلو بعضها بعضًا، يكتنفها من كل جانب حجرات صغيرة جانبية، وكان يحوط كل البناء جدران طويلة تخفي كل معالم المعبد للناظر إليه من الخارج، ولم يبقَ من هذا البناء الضخم إلا البوابة الأمامية والأعمدة، وكذلك الأعمدة التي لم يمكن نقلها، واستعمالها مادة للبناء، ونحو واحد من عشرة من الجدران المسطحة التي كانت مغرية للمصريين القدماء، والأحداث لاستعمالها في مبانيها؛ ولذلك لم يبقَ من المناظر التي كانت تزين جدران هذا المعبد، والتي كانت سجلًا تاريخيًّا عظيمًا إلا نحو سُبْع ما كان منقوشًا في الأصل، وهذه البقية الباقية لا تعطينا إلا فكرة ناقصة عن المعبد ومحتوياته.
أما النقوش التي على الجدران الباقية في هذا المعبد فتنحصر أهميتها بوجه خاص في المناظر الحربية، فعلى البوابة العظيمة التي كان عرضها نحو عشرين ومائتي قدم نشاهد على الجزء الداخلي من جدرانها المحفوظة مناظر توضح لنا حملة «رعمسيس الثاني» على بلاد «خيتا»، وبخاصة في السنة الخامسة من حكمه (موقعة قادش).
على البرج الشمالي: نشاهد في أقصى الشمال الحصون التي استولى عليها «رعمسيس» في السنة الثامنة من حكمه، ويمكن التعرف على ثلاثة عشر من الثمانية عشر المعروف كل منها بالاسم الدال عليه، ويلاحظ الأسرى وهم يساقون، وفي الوسط نشاهد مناظر من الحرب مع «خيتا»، وتستمر هذه المناظر على البرج الجنوبي، ففي أسفله نشاهد الجيش المصري يتابع السير، وفوق ذلك يظهر المعسكر المصري في صورة سور من الدروع، وجنوده في حركة عظيمة، فالعربات تُصفُّ في أماكنها، وبجانبها جيادها غير مسرجة، وعلى مقربة منها نشاهد عربات الأمتعة الثقيلة بحيواناتها التي لا تهاب أسر الفرعون الأليف الرابض أمامه، وترى الحمير التي كانت تستعمل لحمل الأثقال وراء الجيش بصورة بارزة في المعسكر، إذ نشاهدها بعد أن وُضعت عنها أثقالها تُظهر الرضى، بوساطة حركات وأوضاع كان لا يمل المفتن من إظهارها. وكذلك نشاهد الجنود يتجاذبون أطراف الحديث معًا، ويرى واحد منهم وهو يشرب من قربة ماء، هذا ولا نعدم رؤية قيام المشاحنات والمخاصمات فيما بينهم، وفوق هذا المنظر من جهة اليمين نرى أن صفو هذه السكينة قد عُكر بقوة انقضاض جيش «خيتا» على المعسكر المصري، وعلى اليمين نشاهد الفرعون يعقد مجلسًا حربيًّا مع الأمراء، وتحت هذا المنظر نرى جاسوسين يُعذبان ليعترفا بمكان موقع العدو، أما النصف الأيسر من جدار البرج الجنوبي للبوابة فقد صور عليه موقعة «قادش» وقد شاهدناها على بوابة معبد الأقصر (راجع صورة المعسكر)، فيمتطي هنا «رعمسيس الثاني» عربته، وينقض بها على الأعداء فيرديهم بسهامه، ويهربون في ارتباك مفزع، ويسقطون في نهر الأرنت «العاصي»، ويتبع الفرعون عربات الحرب.
وكذلك نشاهد على اليمين من ساحة القتال أمير «خيتا» واقفًا على بُعد، وفوق هذا نشاهد منظرًا «للخيتا»، وهم يهربون إلى حصنهم، أما النقوش التي على اليمين فتمثل الفرعون يقبض على الأعداء من نواصيهم منها لا بالضرب عليهم، وعلى مسافة من ذلك من جهة اليمين يُرى الفرعون قابضًا على صولجان طويل يتبعه حاملو المراوح، وعلى الجدران الداخلية لمدخل هذه البوابة نرى مناظر عادية يقرِّب فيها «رعمسيس الثاني» القربان للآلهة المختلفين.
- الردهة الأولى: هذه القاعة قد هُدمت تمامًا، ولم يبقَ منها إلا بقايا تمثال ضخم جدًّا ﻟ «رعمسيس الثاني»، ويعد من أكبر التماثيل التي عثر عليها، وقد وجد عليه اسم هذا الفرعون على ذراعه، وعلى القاعدة، وما بقي منه يدل على دقة صنع هذا الأثر الضخم، ويبلغ ارتفاعه على ما يظهر قدمًا، ووزنه نحو ألف طن.
-
الردهة الثانية: وجدت كذلك مهشمة إلا أنها أحسن حالًا من الأولى، وفيها بعض
تماثيل للفرعون على هيئة «أوزير»، وعلى جدارها الأمامي مناظر
تمثل موقعة «قادش» ١٥، وتمجد ضروب
الشجاعة التي أظهرها «رعمسيس» في أثنائها، (راجع منظر موقعة
«قادش» الذي على جدار البوابة الثانية لمعبد الرمسيوم)، ففي
الصف الأسفل نشاهد «رعمسيس» في صورة أضخم بكثير من الجنود
الذين حوله منقضًّا بعربته، فتخترق سهامه «الخيتا» وتدوسهم
عربته، ويجدلون على الأرض مكدسين بعضهم فوق بعض، كما يرمي
بأحشاد منهم في نهر العاصي، وعلى مسافة من ذلك من جهة اليمين
تظهر قلعة «قادش» ذات الشرفات، وينساب حولها نهر العاصي،
وبجانبها من الجهة الأخرى من النهر يرى جنود من «الخيتا» لم
يشتركوا في الموقعة، ولكن بعضهم كانوا يمدون يد المساعدة
لزملائهم الغارقين في النهر.
أما الصف الأعلى فيمثل مناظر من عيد «مين» إله الحصاد، وقد كان يُحتفل به عندما يعتلي ملك عرشه ملكه كما هو ممثل في معبد مدينة «هابو»،١٣٩ فعلى اليمين يقف الفرعون ينتظر الموكب الذي يرأسه كهنة يحملون صور الملوك القدامى، وقد نصب أمام الفرعون قضيبان طويلان يحملان تاج الفرعون، وبجانب هذا كهنة يطلقون أربعة طيور لتحمل الأخبار إلى جهات العالم الأربع بأن الملك قد اعتلى العرش، وعلى اليمين يظهر الفرعون يحصد حزمة من القمح ليقدمها للإله، وتشمل الردهة الثانية تماثيل ضخمة للفرعون، ومنها يصل الإنسان إلى دهليز مقام على طوار يصعد إليه في درج، ولم يبقَ من جدرانه إلا جزء من الجدار الخلفي الجنوبي، وعليه ثلاثة صفوف من النقوش عليها أحد عشر ولدًا للفرعون.وخلف الدهليز قاعة العمد العظمى التي لها ثلاثة مداخل، ومثلها كمثل قاعة عمد الكرنك تشمل صحنًا يحتوي على ثلاثة ممرات من العمد أعلى من الممرات الستة الجانبية،١٤٠ وعلى سيقان عمد هذه القاعة «رعمسيس الثاني» يقدم القربان للآلهة. وعلى النصف الجنوبي من الجدار الشرقي يرى الهجوم على حصن «دابور» الخيتية في الصف الأسفل، وعلى اليسار هجوم الفرعون على العدو بعربته، فيقتل بعضهم، ويولي الباقي من خيالة ومشاة وعربات الأدبار، وعلى اليمين القلعة التي يحميها «الخيتا»، والمصريون يهاجمونها متسلقين سلالم، أو يقتحمون الجدران تحت حماية المظلات والدروع، وهنا نرى أولاد الملك بأسمائهم يظهرون شجاعتهم في حومة الوغى.أما قاعة العمد الصغرى، فقد زين نقشها بصورة ملكية، وبصور للفرعون والآلهة، وأهم منظر يلفت النظر على جدران هذه القاعة على الجدار الغربي، تمثيل الفرعون جالسًا تحت شجرة «هليوبوليس» المقدسة، والإله «آتوم» يكتب اسم الفرعون على أوراقها: والإلهة «سشات» ربة الكتابة، والإله «تحوت» إله العلم على يساره، وقاعة العمد الصغيرة الثانية لم يبقَ من جدرانها إلا جزء بسيط.١٤١
(ﻫ) معبد القرنة
لقد أقامه بمثابة أثره لوالده «آمون رع» ملك الآلهة، وسيد السماء، وحاكم «طيبة»، فقد أصلح بيت والده الملك «سيتي الأول» المرحوم. تأمل! لقد ذهب إلى مثواه، ورُفع إلى السماء، في حين كان البناء لا يزال جاريًا في بيته هذا، وكانت أبوابه مخرَّبة في محاطها، وكل جدرانه من الحجر واللبن، ولم ينجز فيه عمل كتابة ولا صور. وعندئذ أمر ابنه رب الأرضين «رعمسيس الثاني» بإقامة الأعمال في بيته لملايين السنين قبالة «الكرنك»، وبنحت صورته التي تبقى في بيته مغشاة بالسام؛ عندما يقلع الإله بشخصه في «عيد الوادي» ليأوي إلى بيته بوصفه أول الملوك.
(وباقي النقش كالكلام السابق.)
تجديد الآثار التي أقامها «رعمسيس الثاني» لوالد والده الإله الطيب «رعمسيس الأول» في معبد والده رب الأرضين «سيتي الأول».
(و) معبد «سيتي الأول» بالعرابة المدفونة، ومباني «رعمسيس الثاني» فيه
وقد تحدثنا عنه في تاريخ «سيتي الأول».
معبد «رعمسيس الثاني» بالعرابة
يدل على ما بقي لنا من نقوش وآثار في معبد «رعمسيس الثاني» الذي أقامه بالعرابة على أنه كان على جانب عظيم من الروعة والفخار، وأنه أقامه ليناهض به معبد والده «سيتي الأول» الذي رفع بنيانه في هذه البقعة المقدسة لوالده «أوزير»، ولعبادته هو بوصفه إلهًا، وعلى الرغم من صغر حجم معبد «رعمسيس» بالنسبة لمعبد والده، فإنه مبنى عظيم تبلغ مساحته حوالي ثلاث وعشرين ومائتي قدم، وعرضه خمس وعشرون ومائة قدم، والواقع أن المعبد الآن في حالة سيئة من التخريب والتدمير، والبقايا الضئيلة التي بقيت لنا حتى الآن تدلنا على أنه كان يحتوي على دهليز محلًّى بالأعمدة الأوزيرية الشكل، وعلى قاعتين ومحراب، وخلف هذه حجرات أخرى مختلفة، وما بقي قائمًا من جدران هذا المبنى لا يزيد ارتفاعه على خمس أو ست أقدام، وإذا حكمنا — من بقايا النقوش والمباني التي نشاهدها على الجدران — على مكانة هذا المعبد، فلا يسعنا إلا الاعتراف بأنه كان على جانب عظيم من الفخامة، ودقة الصنع والجمال مما لا يضارعه فيه مبنى آخر من المباني التي تركها لنا «رعمسيس الثاني»، إذ لم يستعمل في إقامته الحجر الجيري الأبيض فحسب، بل كذلك الجرانيت الأحمر، والجرانيت الأسود، فقد استُعملت لصنع الأبواب كما استعمل للعمد الحجر الرملي، والمرمر لقدس الأقداس، هذا إلى أن ألوان الجدران التي لا تزال ساطعة في الحجرات الخلفية بما فيها من نقش دقيق بارز يذكرنا بالنقوش التي زين بها «سيتي الأول» معبده في هذه الجهة أيضًا؛ مما يدل على أن هذا المعبد قد بدأ «رعمسيس» في إقامته في عهد اشتراكه مع والده في الحكم.
تأمل إن جلالته — له الحياة والفلاح والصحة — كان «الابن الذي يحبه» حامي والده، «وننفز»، بإقامة معبد جميل فاخر له ثابت إلى الأبد من حجر «عيان» الجيري الأبيض له بوابة مزدوجة ممتازة الصنع، ومداخله من الجرانيت، وأبوابها من النحاس المغشى بالصور المصنوعة من السام الحقيقي، وعرشه من المرمر، مقام على جرانيت، وهو عرشه الأزلي، وقاعة مسخنت (الولادة) لتاسوعه المقدس، ووالده المبجل هو الذي يسكن فيه، و«رع» عندما رُفع إلى السماء، وصورته الحامية مستقرة بجانب من سواه مثل «حور» على عرش والده.
وقد رصد له قربات يومية في بداية الفصول مقدَّمة لروحه كل الأعياد في مواقيتها، وقد ملأها بكل شيء حتى أصبحت مفعمة بالطعام والرزق من فحول، وعجول، وثيران، وأوز، وخبز، ونبيذ، وفاكهة. وكانت مكتظة بالعبيد الفلاحين، وضوعفت حقولها، وجعلت قطعانها عديدة، ومخازن الغلال قد ملئت حتى فاضت، وأكوام الحبوب ناهضت السماء في ارتفاعها … لمخزن القربان المقدس من أسرى سيفه المظفر.
وكانت خزانته مليئة بكل حجر غالٍ، وفضة وذهب في هيئة ركائز، والمخازن كانت مليئة بكل شيء من جزية الممالك كلها، وقد غرس عدة حدائق زرعت فيها كل أنواع الشجر، وكل الأخشاب الحلوة والعطرة، وهي من نباتات «بنت»، وقد أقامه له ابن «رع» رب التيجان «رعمسيس مري آمون» محبوب «أوزير» أول أهل الغرب، والإله العظيم رب «العرابة».
لقد أقامه بمثابة أثره لوالده «أوزير» في بيت «رعمسيس مري آمون» صاحب «العرابة»، فصنع له مدخلًا من الجرانيت الأسود، ومصراعين مغشيين بالنحاس، ومطليين بالسام، وهو الذي قد عمله له ابنه «رعمسيس الثاني»، وهذان المصراعان قيل عنهما في نقش على قاعدة نفس هذا الباب إنهما صُنعا من السام، واسم الباب هنا «مدخل وسر ماعت رع ستبن رع» ملك الأبدية، يعيش الإله رب الأرضين «رعمسيس الثاني»، لقد أقامه بمثابة أثره لوالده «آمون أوزير» رب العرابة، فصنع له مدخلًا عظيمًا من الجرانيت الوردي، ومصراعاه من البرنز المطروق، وسمي مدخل «رعمسيس وسر ماعت رع ستبن رع» رافع الآثار في العرابة.
(ز) معابد «منف»
- (١) مجموعة مؤلفة من «رعمسيس الثاني»، والإله «بتاح» عثر عليها في داخل حدود المعبد أمام المدخل العظيم، وهذه المجموعة موجودة الآن في متحف «كوبنهاجن».١٥٢
- (٢) «بولهول» يمثل «رعمسيس الثاني»، وهو الآن في متحف «فلادليفيا»١٥٣ في المدخل الغربي للقاعة الغربية.
- (٣) وجد له تماثيل ضخمة، وبقايا متن على قاعدة تمثال ضخم من البازلت.١٥٤
- (٤) تمثال من الحجر الجيري جالس بالقرب من المدخل الشمالي.١٥٥
- (٥) كما وجدت أمام المدخل العظيم قطع من لوحات، وقطع أبواب أخرى، وعمد.١٥٦
- (٦) وأمام المدخل العظيم للمعبد وجد تمثال ضخم لا يزال محفوظًا في بناء خاص به، وقد عثر عليه سنة ١٨٢٠م.١٥٧
- (٧)
وبجوار التمثال السالف وجد تمثال آخر ضخم من الجرانيت الأحمر، وعليه صورتان للأمير «مرنبتاح»، والأميرة «بنت عنتا»، وقد عثر عليه في عام سنة ١٨٥٣ على مسافة مائتي ياردة من الشمال الشرقي من التمثال الجيري، وقد تُرك في مكانه.
- (٨) وفي هذه البقعة وجد لهذا الفرعون كذلك تمثال راكع بدون رأس، وفي يده رأس الإلهة «حتحور»، وتمثال آخر يقبض على علم برأس١٥٨ إله.
- (٩) وفي متحف «كوبنهاجن» توجد له قطعة من عمود صوِّر عليها وهو يقدم للإله «بتاح» القرابين.١٥٩
- (١٠)
وقد عُثر على مبنى من المرمر في هذه الجهة نُقش عليه اسم «رعمسيس الثاني».
- (١١) وقد وجدت ودائع أساس في مبنى أقامه «رعمسيس»، غير أن المبنى قد تهدَّم، ولا تزال الودائع محفوظة في متحف «مانشستر».١٦٠
- (١٢) وفي غرب البحيرة المقدسة لمعبد «بتاح» وجدت قطع من تمثال من الجرانيت الأسود لهذا الفرعون.١٦١
- (١٣) هذا وقد وجد له بعض آثار في هذه الجهة لا يعرف موقعها بالضبط منها مجموعة تمثل الإله «بتاح تنن»، والفرعون «رعمسيس»، وهي الآن بالمتحف المصري.١٦٢
- (١٤) وكذلك عثر له على قاعدتي تمثالين.١٦٣
والواقع أن التمثالين الضخمين اللذين نحتهما «رعمسيس الثاني» لنفسه — وهما الموجودان الآن في خرائب منف — يدلان على أن «رعمسيس الثاني» أقام معبدًا في هذه الجهة، ولا نزاع في أن المكان الذي وجدا فيه يحدد بقعة مدخل المعبد على ما يظهر، وكان هذا المعبد للإله «بتاح» أو «آمون»، وقد عثر للأول على تمثال في هذه الجهة، وهو الآن بالمتحف المصري، وكذلك يوجد في المتحف البريطاني قبضة يد من الجرانيت لتمثال ضخم؛ مما يقوي وجود معبد هناك، ويحتمل أن هذا المعبد كان في جنوب البحيرة المقدسة.
والواقع أن المباني الدينية التي أقامها «رعمسيس الثاني» في «منف» قد زالت بزوال المدينة نفسها، وكان يطلق على أحد المعابد التي أقامها هناك اسم «ملايين السنين للملك «وسر ماعت رع ستبن رع» في بيت آمون بمنف.»
وقد جاء في نقوش هذه اللوحة «محط الفرعون»، أو المكان الذي يحتله الفرعون عندما كان يحتفل بتتويجه في المعبد كما ذكرنا من قبل، وهذه اللوحة كغيرها من اللوحات التي أقيمت في معابد «طيبة» ﻟ «أمنحتب الثالث»، و«إلفنتين»، و«أمدا»، وقد نقش عليها قصة إقامة المبنى الذي نصبت فيه؛ ولذلك بدئت كمثيلاتها ببيان عن تتويج الفرعون، وقد بقي من هذا المتن المهشم ما يدل على أن الإله «آمون» قد ظهر علنًا كما حدث في تتويج «تحتمس الثالث» (راجع ج٤)، وفي تتويج «حور محب» (راجع ج٥). ونزل وحيه معلنًا «رعمسيس» ملكًا، وسار حتى المكان الذي هو فيه؛ ولذلك فإن من المرجح جدًّا أن يكون الوحي والتتويج على يد «آمون» عادة مرعية عند اعتلاء كل فرعون العرش في عهد الإمبراطورية، ومن ثم نعلم أن الإشارات التقليدية بأن «آمون» هو الذي ثبَّت التاج على رأس الفرعون تدل على وجود احتفال فعلي كان يقام لذلك، ومن البدهي أن هذا الامتياز الذي خص به «آمون» لم يكن وقفًا عليه في الأصل، بل اغتصبه من إله الشمس «رع» إله الدولة الأصلي، ولا نزاع في أن مثل هذا الاحتفال كان يُعقد في الأصل في «هليوبوليس» عند تولية كل فرعون منذ الأسرة الخامسة فصاعدًا إلى أن ظهرت «طيبة» على «هليوبوليس»، وأصبح إلهها «آمون» إله الدولة، وأطلق عليه اسم «آمون رع»، وبذلك أصبح يشارك «رع» في هذا الاحتفال، غير أننا لا نعرف على وجه التأكد في أي تاريخ حدث ذلك.
آمون وآلهته يخرجون: … بيته في الأقصر وتاسوعه خلفه، وعندما أضاءت الأرض ثانية وطلع النهار … الوحي يسمى الملك … إنك ابني والوارث الذي خرج من أعضائي: وكما أكون أنا ستكون أنت مع غيرك … وقرباتهم ستضاعف وسيعترفون بك بوصفك ابني الذي خرج من صلبي. ولقد جمعت …
التتويج في القصر: «… أشياء له إلى القصر، وقد أجلس نفسه أمامه في محراب ابنه الفاخر … «آمون» [ ]، تأمل لقد أتى «آمون» وابنه أمامه إلى القصر ليضع التاج على رأسه، وليرفع الريشتين …»
حالة حكمه: «… لأجل أن يفعل ما يرضيك. ولقد تجنب الخداع وأقصى الكذب من الأرض، وكانت قوانينه متينة في إدارة أنظمة الأجداد … التاج […]، وكان عنده […] ما تحيط به الشمس، وكل الأراضي تقوم بخدمة هذا الإله العظيم [ ] مثل …»
محط الملك ومتن المباني: «لقد أقامه بمثابة أثر لوالده «بتاح القاطن جنوبي جدارة» فأقام له محط الحاكم من حجر الجرانيت في [ ] … عليها أبوابها من خشب الأرز الحقيقي لأجل أن يجعل فحمًا بيت … ليظهر الطريق التي يسلكها والده بتاح. وقدم له بيتًا جديدًا … ذراعًا من كل حجر فاخر غالٍ، وأعمدة أعلامه من خشب الأرز الحقيقي مغشاة بنحاس أسيوي وأطرافها من السام، وقد عملت قاعة واسعة …»
وعلى الرغم من أن نقش الإهداء قد سبقه حفلة تتويج الفرعون على يد الإله «آمون رع» في «طيبة»، فإن ما لدينا من النقوش يثبت أن الفرعون «رعمسيس الثاني» قد احتفل بتتويجه في «هليوبوليس»، مما يدل على أن الفراعنة كانوا يتوَّجون في «طيبة»، وكذلك في «هليوبوليس»، ولأن «رعمسيس» كان من الدلتا فلم يغفل عن أن يتوج كذلك في عاصمتها الدينية الأصلية، ولدينا قطعة حجر باسم «رعمسيس الثاني» محفوظة الآن في معهد «باث» من الحجر الرملي عليها نقوش تمثل جزءًا من الاحتفال بتتويج «رعمسيس الثاني»، فقد اعترف به الإله «آتوم» رب «هليوبوليس» ملكًا على البلاد. ويظن الأستاذ «جريفث» أن هذا الحجر أتى به من «هليوبوليس»، وهو المكان الذي أقيم فيه الاحتفال.
والنقش الذي خلف «آتوم» هو: «كلام الإله العظيم رب البيت العظيم، لقد منحت كل الحياة والحياة الرضية، والصحة لابني المحبوب، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس من جسمه «رعمسيس محبوب آمون» …» ثم نشاهد «آتوم» رب البيت العظيم جالسًا على عرشه داخل محراب ممسكًا بيد «رعمسيس» الواقف أمامه في حين نجد الكاهن «عمود أمه» مزينًا بضفيرة شعر جانبيه، ورداء من جلد الفهد، وينطق بالكلمات التالية: «قربان يقدمه «جب»، وقربان يقدمه «حور»، وقربان يقدمه التاسوع ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» رب الأرضين، يظهر على عرش «حور» ممنوحًا الحياة والثبات والرضى (؟)، وقلبه فرح مثل «رع» أبدًا.» ويشاهد خلف الكاهن «عمود أمه» في صفين أرواح «بي»، و«نخن» كل منها برأس صقر، أو رأس ابن آوى على التوالي راكعين تعظيمًا للملك الذي توِّج حديثًا، والأولى تقدم له كل الحياة والعيشة الرضية (؟)، والأخرى تقدم له الثبات والعيشة الرضية، وأسفل هذه المناظر تمتد علامة السماء.
(ﺣ) معبد الإله «تحوت» بمنف
والخلاصة هي أنه إذا كان هذا التمثال قد وجد في مكانه الأصلي فإنه يحدد لنا المكان الذي أقام فيه «رعمسيس الثاني» معبد هذا الإله.
(٤) مدينة «بررعمسيس»
والآن نذكر ملخص ما جاء في مقال الأستاذ «حمزة» أولًا، ثم نورد اعتراض الأستاذ «جاردنر» عليه، على الرغم من أنه اعترض على نفسه بوجود الاسمين كل منهما على حدة في قائمة جغرافية مصرية قديمة، وهاك ملخص كلام الأستاذ «حمزة»:
إن الأدلة الأثرية تعضد الرأي القائل بأن «قنتير» كانت على ما يظن مقر المُلك الشمالي للفراعنة منذ عهد «رعمسيس الثاني» حتى نهاية عصر «الرعامسة»، وكانت مقر الحكومة في الدلتا، والظاهر أن «سيتي الأول» كان أول من أقام فيها قصرًا ليجعله مكانًا لراحته بعد عودته من حروبه في «آسيا»، ولما جاء عهد «رعمسيس الثاني» رأى أنه تسهيلًا للقبض بيد من حديد على ممتلكاته في «آسيا»، وتخليص البلاد من غارات الساميين المتتالية أن يترك مقره في «طيبة»، ويجعله في الدلتا على مقربة من «فلسطين» ليقمع أي ثورة في مهدها؛ ولذلك يعد من الأمور الهامة في حكم «رعمسيس الثاني» انتخاب موقع «قنتير» ليكون مقره الملكي في الدلتا.
والواقع أننا وجدنا في الحقول والبيوت عوارض أبواب، وعتب نقش عليها اسمه، هذا بالإضافة إلى مئات القراميد، والزهريات المصنوعة من الخزف، والأشكال التي كانت تؤلف جزءًا هامًّا في تزيين القصر وزخرفته، على أن وجود مئات القوالب من الفخار المطلي باسم «سيتي الأول»، و«رعمسيس الثاني»، و«مرنبتاح الأول»، و«سيتي الثاني»، و«رعمسيس الثالث»، و«رعمسيس السابع»، و«رعمسيس العاشر» لبرهان على أن هؤلاء الفراعنة كانوا يقطنون في هذا القصر الذي كان يحلى بمنتجات مصنع خاص؛ وذلك ليكونوا على اتصال بأملاكهم الأسيوية. وكما قلت من قبل: كان «سيتي الأول» هو مبتكر هذه السياسة الحكيمة المثمرة في أول عهده؛ لأنه وجد أن حدود بلاده الشرقية كانت مهددة بالساميين المغيرين الذين كان يطلق عليهم اسم «شاسو»، وكذلك كان في «قنتير» معابد للإله «آمون»، و«بتاح»، و«ست»؛ وهذا فضلًا عن محاريب لآلهة آخرين أقل أهمية، كما يشاهَد من قطع الجرانيت الضخمة التي لا تزال موجودة على سطح الأرض حتى الآن، وقد كان «آمون رع» هو الإله الرئيسي للمدينة بطبيعة الحال، وقد وجد اسمه وألقابه على كثير من الأشياء التي عُثر عليها في هذه البقعة، وكانت الضرائب تُجلب إلى «قنتير» حيث كانت الإدارات العامة للحكومة. وكان الموظفون طبعًا يبنون مساكنهم حول قصر الفرعون، إذ وجدنا آثارًا تحمل أسماء بعضهم مثل «ست حرخبشف» رئيس جيش «رعمسيس»، و«بتاح معي» رئيس كتبة المعبد المسمى «بيت ملايين السنين لرعمسيس الثاني في بيت رع»، والوزير «خعي» الذي كان مكلفًا بتنظيم الأعياد الثلاثينية في جنوبي البلاد وشماليها، وبعض القوالب كان عليها اسم حامل المروحة على يمين الملك، والكاتب الملكي، والمشرف على بيت رب الأرضين، كما نجد على غيرها الألقاب: حاجب الفرعون للعيد الثلاثيني الثالث للفرعون «رعمسيس الثاني» والحاجب الملكي للعيد الثلاثيني السادس للفرعون «رعمسيس الثاني». ومن المحتمل أن القصور والمساكن قد خربت في عهد الاضطرابات التي وقعت بين سقوط أسرة «الرعامسة»، وقيام أسرة «تل بسطة»، أما البقية الباقية فقد قضى عليها الأهلون الحاليون.
ومن المحتمل جدًّا إذن أن «قنتير»، و«بررعمسيس مري آمون» مقر الرعامسة المعروف في الدلتا موحدتان — وبعد ذلك يفند الأستاذ حمزة رأي الأستاذ «جاردنر» في أن بلدة «بلوزيوم» هي موقع العاصمة «بررعمسيس»، وهو نقد صائب وافق عليه جاردنر — ثم يستمر الأستاذ حمزة قائلًا: وعلى ذلك تكون «قنتير» — على أغلب الظن — هي «بررعمسيس»؛ إذ فيها على ما يظهر اتخذ «رعمسيس» مقره الشمالي، ولم يكن ذلك لأجل أن يكون آمنًا من محاصرة الأسيويين له إذا قاموا بغزو البلاد المصرية فحسب، بل لأجل أن يكون كذلك على اتصال بشئون البلاد، والإشراف على كل أملاكه الشمالية (وقد ذكرنا أسبابًا أخرى لاتخاذ «رعمسيس» العاصمة في الشمال راجع ج٤).
وهكذا نعود إلى الفكرة الأولى التي ذكرها «نافيل»، وهي التي يقول فيها: إن «رعمسيس» أقام عاصمته الجديدة في مقاطعة العرب التي كانت عاصمتها «فكوسا» الإغريقية، وهي «فاقوس» الحالية، لا «صفط الحنا» كما زعم «نافيل».
وتدل أعمال الحفر على أن آلهة «قنتير»، وآلهة «بررعمسيس» موحدة وهم: «آمون»، و«ست»، و«بتاح»، و«رع»، ويحمل كثيرًا من القوالب المصنوعة من الفخار المطلي التي عثر عليها في «قنتير» اسم «رعمسيس الثاني» مصحوبًا باللقب «بانتر»؛ أي الإله، وأخرى تحمل طغراء نفس الملك مصحوبًا بالنعتين «شمس الأمراء»، و«حاكم الحكام».
ومثل هذه النقوش لا تبرهن على أن «رعمسيس» كان ملكًا فقط في «قنتير» بل كان يلقب كذلك بلقب «شمس الأمراء»، و«حاكم الحكام»، وفي ورقة «أنسطاس» الخامسة نجد فقرات هامة عن «بررعمسيس» ذكر فيها «رعمسيس الثاني» أنه إله في المدينة ووزير، ويلقب «شمس الأمراء»: «لقد بنى جلالته لنفسه قلعة اسمها عظيمة الانتصارات … «رعمسيس مري آمون» فيها بمثابة إله … والوزير شمس الأمراء.» وهذه الحقائق تحمل على الظن بتوحيد «قنتير» مع «بررعمسيس».
وتدل شواهد الأحوال على أن هذه المدينة كان قد بُدئ العمل فيها في العهد الذي اشترك فيه «رعمسيس» مع والده في الحكم، بل يحتمل أن «رعمسيس» قد اتخذها مركزًا له، ولما توفي والده وانفرد بالحكم نقل الحكومة إليها.
(٥) أعياد «رعمسيس الثاني» الثلاثينية ومسلاته
لقد أقامها بمثابة أثر له لوالده «آمون رع» فنصب له مسلتين عظيمتين من الجرانيت»، والثانية قائمة الآن في «باريس»، وجاء عليها: «لقد أقامها «رعمسيس الثاني» بمثابة أثر له لوالده «آمون رع» فنصب له مسلة عظيمة تسمى «رعمسيس مري آمون»، ومحبوب «آتون».»
والظاهر — كما قلنا — أن المسلة بعد أن كانت رمزًا شمسيًّا محضًا قد أصبحت بالتدريج مجرد أثر عادي الصبغة يقام لتخليد ذكرى الفرعون ومفاخره، ولا أدل على ذلك مما نقرؤه على نقوش مسلات «رعمسيس الثاني» التي أقامها في «تانيس»، إذ كل ما عليها من نقوش تمجد شجاعة الفرعون، وقهره للأعداء، ونسبته للآلهة، أما أهميتها في أنها تذكار للعيد الثلاثيني، فقد تلاشت تقريبًا، ولا أدل على ذلك من أن النقوش التذكارية التي تشيد بذكرى الاحتفال بالأعياد الثلاثينية الملكية توجد في الوجه القبلي من «الكاب» حتى «فيلة» منقوشة على الصخور، كأن الأمر وقتئذ كان يحتاج إلى تسجيل هذه الأعياد على آثار أخرى غير المسلات، وهذا ما نشاهده في موضوع أعياد «رعمسيس الثاني» الثلاثينية التي احتفل بها مدة حياته، وهي أكثر من أعياد أي ملك آخر حكم مصر، ولا غرابة في ذلك فقد كان حكمه أطول حكم في الدولة الحديثة، كما أنه كان أعظم ملك أغرم بحب إقامة الآثار التذكارية في طول البلاد وعرضها؛ إذ الواقع أنه احتفل بهذا العيد، على حسب ما وصل إلينا حتى الآن، أكثر من ثلاث عشرة مرة، وها هي ذي:
(٥-١) التاريخ
-
(١)
في «جبل سلسلة»: «السنة الثلاثون، أول عيد ثلاثيني ملكي لرب الأرضين «وسر ماعت رع» معطي الحياة مخلدًا، وقد أمر جلالته بالاحتفال بالعيد الثلاثيني في كل البلاد.» ويشاهد في أعلى هذا النقش صورة ابن الملك «خعمواست»، مرتديًا ملابس الكاهن الأعظم، ونقش معه «ابن الملك الكاهن «سم خعمواست» المنتصر».
-
(٢)
وعلى صخور جزيرة «بجة»١٩١ نجد النقش التالي:
السنة الثلاثون، العيد الأول الملكي الثلاثيني، السنة الرابعة والثلاثون، إعادة العيد الملكي الثلاثيني، السنة السابعة والثلاثون، العيد الملكي الثالث الثلاثيني لرب الأرضين «وسر ماعت رع ستبن رع»، رب التيجان «رعمسيس مري آمون»، معطي الحياة مخلدًا.
وقد كلف جلالته الكاهن «سم» — أي الكاهن الأكبر لمنف — ابن الملك «خعمواست» ليقيم الأعياد الملكية في كل البلاد.
وعلى صخور جزيرة «سهيل» نجد نقشًا جاء فيه:السنة الثالثة والثلاثون، إعادة العيد الملكي الثلاثيني لرب الأرضين «رعمسيس الثاني».١٩٢ -
(٣)
النقش الثاني الذي على صخور «السلسلة»: يوجد على يمين المدخل لمعبد «حور محب» العظيم الذي نحته في صخور «السلسلة» نقش من عهد «رعمسيس الثاني» يشاهد في أعلى النقش «رعمسيس الثاني»، وابنه «خعمواست» يتعبدان للإله «بتاح»، والإله «سبك» رب جبل «سلسلة»، وهاك نص المتن:
-
السنة الثلاثون: أول عيد ثلاثيني ملكي.
-
السنة الرابعة والثلاثون: إعادة العيد الملكي الثلاثيني.
-
السنة السابعة والثلاثون: العيد الثالث الملكي الثلاثيني.
-
السنة الأربعون: العيد الرابع الملكي الثلاثيني.
في عهد رب الأرضين «وسر ماعت رع»، رب التيجان «رعمسيس مري آمون» معطي الحياة مخلدًا، وقد أمر جلالته بتكليف الكاهن «سم» (كاهن منف الأعظم)، ابن الملك «خعمواست» ليحتفل بالعيد الملكي الثلاثيني في كل الأرض في الشمال وفي الجنوب.١٩٣ -
-
(٤)
نقش «جبل السلسلة» الثالث: يوجد كذلك على شمال مدخل معبد «حور محب» في جبل السلسلة نقش من عهد «رعمسيس الثاني».١٩٤
ويشاهد فوق المتن منظر ممثل فيه «رعمسيس»، وابنه «خعمواست» يتعبدان أمام الإلهين «بتاح تاتنن»، و«آمون رع» ملك الآلهة. وهذا المتن صورة من المتن السالف، غير أنه يحتوي على غلطة؛ إذ يسمى عيد السنة السابعة والثلاثين العيد الرابع.
-
(٥)
نقش «جبل السلسلة» الرابع: هذا النقش مدون على لوحة كبيرة تقع على يمين باب معبد «حور محب» المنحوت في الصخر في «جبل السلسلة»،١٩٥ ويشاهد فوق المتن قبل التواريخ الوزير «خعي» راكعًا، وفوقه نشاهد «رعمسيس الثاني» أمام الآلهة «آمون رع»، و«حور اختي»، و«ماعت»، و«رع سبك» إله السلسلة، وهاك المتن:
السنة الثلاثون: أول عيد ملكي ثلاثيني.
السنة الرابعة والثلاثون: تجديد العيد الملكي الثلاثيني.
السنة السابعة والثلاثون: وهو العيد الملكي الثالث الثلاثيني.
ولكن يقول الأستاذ حمزة: إن العيد الثالث والسادس قد احتفل بهما في «قنتير» عاصمة «رعمسيس» على حسب رأيه هو (راجع A. S. XXX, p. 50)، ويعاضده في ذلك الأستاذ هايس.١٩٦السنة الأربعون، العيد الرابع الملكي الثلاثيني في عهد جلالة رب الأرضين «وسر ماعت رع»، رب التيجان: «رعمسيس مري آمون»، معطي الحياة مثل رع مخلدًا.
قد أمر جلالته بتكليف الأمير الوراثي، والكاهن محبوب الإله، ونائب «نخن»، وكاهن «ماعت» وقاضي القضاة، والقاضي وعمدة العاصمة، والوزير «خعي» المظفر أن يحتفل بالأعياد الملكية الثلاثينية في كل الأرض جنوبيها وشماليها.
-
(٦)
نقش جزيرة «سهيل»: وكذلك أمر «رعمسيس الثاني» بحفر نقش على صخور جزيرة «سهيل» عند الشلال الأول،١٩٧ وهو:
السنة الأربعون، لقد أتى ابن الملك الكاهن الأول للإله «بتاح» مرضيًا قلب رب الأرض «خعمواست» لإحياء العيد الملكي الثلاثيني (الرابع) في كل الأرضين جنوبيها وشماليها.
-
(٧)
نقش مدينة «الكاب»: هذا النقش — على حسب ما جاء في «لبسيوس» — نحت في معبد «أمنحتب الثالث»،١٩٨ وقد مثل في أعلى اللوحة «خعمواست» بن «رعمسيس الثاني» في صورة «أوزير» وهاك النص:
السنة الأربعون، لقد حضر ابن الملك الكاهن الأول للإله «بتاح» إرضاء لقلب رب الأرضين «خعمواست» لإحياء العيد الملكي الخامس الثلاثيني في كل الأرض.
-
(٨)
نقش جبل «السلسلة» الخامس: «السنة الثانية والأربعون، الشهر الأول من الفصل الثاني، اليوم الأول من عهد الملك «رعمسيس الثاني» معطي الحياة مخلدًا وسرمديًّا، لقد أمر جلالته بأن يكلف الوزير «خعي» بالاحتفال بالعيد الملكي الخامس للملك «رعمسيس الثاني» في كل الأرض.»
-
(٩)
نقش جبل «السلسلة» السادس: هذا النقش نُحت على لوحة على يمين مدخل المعبد الذي نحته «حور محب» في جبل «السلسلة»، وفوق المتن نشاهد «رعمسيس الثاني» تصحبه الإلهة «ماعت» أمام الآلهة «آمون»، و«موت»، و«خنسو»، و«حور اختي»، و«سبك» إله السلسلة، ونشاهد تحت المتن الوزير «خعي» راكعًا وأمامه متن للعبادة، ونص المتن الخاص بالعيد هو:
السنة الرابعة والأربعون (وفي متن شامبليون السنة الخامسة والأربعون) الشهر الأول من الفصل الثاني، اليوم الأول من الشهر في عهد جلالة الملك رب الأرضين «وسر ماعت رع ستبن رع» معطي الحياة مخلدًا … ابن «رع» رب التيجان «رعمسيس مري آمون» معطي الحياة مثل «رع» مخلدًا، لقد أمر جلالته بتكليف الأمير الوراثي، والكاهن محبوب الإله رئيس العدالة والقاضي وعمدة المدينة الوزير «خعي» المظفر ليحتفل بالعيد السادس الملكي الثلاثيني في كل البلاد جنوبيها وشماليها.
-
(١٠)
وفي معبد «أرمنت» كُشف حديثًا عن بعض نقوش على بوابة المعبد عند المدخل من الجهة الشرقية للباب تحدثنا عن أعياد ثلاثينية احتفل بها هذا الفرعون في هذا المعبد، وهي:١٩٩
السنة الرابعة والخمسون، الشهر الأول من فصل الشتاء في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع» ابن الشمس «رعمسيس الثاني»، محبوب «آمون» معطي الحياة، أمر جلالته بتكليف الكاتب الملكي والمدير العظيم لمعبد «الرمسيوم» في ضِياع «آمون» المسمى «إيوبا» لإعلان العيد التاسع الثلاثيني للملك «وسر ماعت رع» … كما كلف الوزير «نفررنبت» بالاحتفال بهذا العيد في السنة السابعة والخمسين، وكذلك السنة الستين، كما سيأتي بعد.
ومن كل هذه النقوش نفهم أن هذه الأعياد لم يتبع في تدوين متونها تلك الأبهة والفخامة التي كانت تسير على نهجها ملوك الأسرة الثامنة عشرة عندما كانوا يقيمون لها المسلات الضخمة تكريمًا لهذا العيد، بل على ما يظهر نجد أن «رعمسيس الثاني» قد اكتفى بحفر نقوشها على صخور بلاد النوبة وبعض المعابد، ويحتمل أنه قد فعل ذلك وبالغ في تكرارها؛ لأن العاصمة كانت في الوجه البحري، وأنه كان يريد أن يذكِّر سكان مملكته النائين بعظمته وفخاره، وإن كان الاحتفال نفسه يقام في العواصم السياسية والدينية. ومما يلفت النظر في كل هذه النقوش أن الفرعون لم يكلف بها ابن الملك حاكم بلاد النوبة، بل كان يكلف بنقشها إما بكر أولاده الذي كان سيخلفه على العرش، أو وزيره الأكبر بوجه عام؛ ولذلك فإنه من المهم جدًّا، إذا أتيحت لنا الفرصة، أن نعلم لماذا كان هؤلاء الأشخاص بالذات يكلفون القيام بهذه المهمة، وكذلك نعلم العلاقة الخاصة لبلدة «أرمنت» بهذا الحفل.
(٦) الآثار والمباني الصغيرة الأخرى التي خلفها «رعمسيس» في أنحاء القطر
كانت آثار «رعمسيس الثاني» منتشرة في أنحاء القطر لدرجة تفوق حد المألوف، حتى إنه لا تكاد توجد بقعة أثرية إلا له فيها أثر. وقد ذكرنا أهمها من الوجهة التاريخية أولًا، وسنذكر هنا بعض آثاره الهامة المبعثرة في أنحاء القطر متوخين في ذلك الاقتصاد بقدر المستطاع؛ إذ إن تعدادها كلها يخطئه الحصر.
(٦-١) «سرابة الخادم» (في سينا)
-
(١)
وفي «سرابة الخادم» كذلك وجد له قطعة من الحجر منقوشة، وقد ظهر عليها موظف يُدعى «عشو حب سد» يحمل مروحة وشرائط، يتعبد للملك «رعمسيس الثاني».٢٠٤
-
(٢)
قطعة أخرى من الحجر صور عليها «رعمسيس الثاني»، وملكة تقدم قربانًا لإله، وقد جاء في هذا النقش اسم الوزير «باسر».٢٠٥
- (٣)
-
(٤)
ووجدت له لوحة مهشمة رُسم عليها الفرعون يتبعه ابنه «مري آمون»، وكذلك نجد عليها اسم رئيسي الرماة «امنمأبت»، و«عشو حب سد».٢٠٨
-
(٥)
لوحة مهشمة أهداها رئيس الرماة «عشو حب سد»، وقد نقش عليها طغراءا «سيتي الأول»، و«رعمسيس الثاني»، ويحمل «رعمسيس الثاني» في هذه اللوحة لقب «وسر ماعت رع»، ولكنه يُدعى ابن الملك،٢٠٩ وهذا دليل آخر يعزز الرأي القائل بأن «رعمسيس الثاني» كان مشتركًا مع والده في الملك كما سلف.
-
(٦)
قطعة من تمثال نقش على جانبها الأيسر صورة بنت «عنتا» ابنة الفرعون «رعمسيس الثاني»، وتلقب هنا «بنت الملك، والزوجة الملكية العظيمة».٢١٠
-
(٧)
قطع من تمثال للملك «رعمسيس الثاني»، والإله «حتحور»، وكذلك قاعدة تمثال آخر.٢١١
-
(٨)
وقد أقام «ست حتب» لوحة هناك في السنة الخامسة من عهد هذا الفرعون، كما أقام «ست نخت» لوحة أخرى مؤرخة بالسنة السادسة في «سرابة الخادم»، ولا بد أنهما كانا قد أرسلا من قبل هذا الفرعون لقطع الأحجار (راجع في Petrie Hist. III, p. 102).
-
(٩)
وتوجد له كذلك لوحة مؤرخة بالسنة الخامسة، وأخرى بالسنة الثامنة.٢١٢
ومن هذه النقوش نعلم أن «رعمسيس الثاني» كان صاحب نشاط لاستخراج الأحجار الثمينة، وغيرها من الأحجار الضخمة لمبانيه العظيمة في أول حكمه.
(٦-٢) أبو قير
(٦-٣) الإسكندرية
-
(١)
ووجد له في «الإسكندرية» تمثال من الجرانيت على الميناء شمالي الجمرك.٢١٨
-
(٢)
تمثال من الجرانيت الأسود وجد للإلهة «سخمت» كتب عليه اسم «رعمسيس الثاني»، ويحتمل أنه من معبد «آمون» «بالكرنك».٢١٩
-
(٣)
تمثال من الجرانيت الأحمر بدون رأس باسم «رعمسيس الثاني»٢٢٠ في متحف «الإسكندرية».
-
(٤)
وقد كتب «رعمسيس الثاني» اسمه على مسلتي «تحتمس الثالث» التي نقلت إلى «الإسكندرية»، وهما المعروفتان بمسلتي «كليوباترا» (راجع ج٤).
-
(٥)
وفي «سيزاريوم» عثر على قطعة من محراب عليها اسم «رعمسيس الثاني».٢٢١
(٦-٤) القنطرة
(٦-٥) تل الفراعين
(٦-٦) «شديا» (؟)
(٦-٧) كوم الأبقعين
(٦-٨) كوم الحصن
وقد وجد له هذا العام في الحفائر التي يقوم بها الأستاذ «حمادة» الجزء الأسفل من تمثال مزدوج هو والإلهة «حتحور» واقفين (تقرير مصلحة الآثار).
(٦-٩) قنتير
ومن هذا نرى أن «مونتيه» لا يزال يميل إلى توحيد «بررعمسيس» ﺑ «تانيس»، وقد فاته أن صاحب هذه الفكرة قد أخذ يتراجع بعض الشيء في التمسك برأيه، وأخذ ينظر بعين الجد إلى ما قرره الأستاذ «حمزة» على ضوء الكشوف الحديثة، هذا فضلًا عن أن الحفائر التي يقوم بها الأستاذ «لبيب حبشي» في هذه المنطقة تدل نتائجها على أن ما قرره «حمزة بك» هو الرأي الصواب.
(٦-١٠) «نبيشة» (تل فرعون)
(٦-١١) «صفت الحنا» (عاصمة المقاطعة العشرين من مقاطعات الوجه البحري)
(٦-١٢) «صان الحجر» (تانيس)
لا نزاع في أن «تانيس» كانت تُعد من أهم المدن المحببة إلى ملوك الأسرة التاسعة عشرة، وبخاصة لما ذكرناه عنها آنفًا من أنها كانت محل عبادة الإله «ست» الذي ينسب إليه ملوك هذه الأسرة، وقد فصلنا القول في ذلك في (الجزء الرابع) عند التحدث عن لوحة «أربعمائة السنة»، وقد أقام فيها «رعمسيس الثاني» مباني ضخمة هامَّة، وبخاصة مسلاته التي يبلغ عددها نحو اثنتين وعشرين مسلة، ويلحظ هنا أنه اغتضب آثارًا عدة من الملوك السالفين، ونقلها إلى هذه المدينة، ونسبها لنفسه، ومع ذلك نجد أنه أعاد بناء معبدها على طراز جديد، وآثاره الأصلية هنا تشمل التمثال الضخم الذي يبلغ ارتفاعه اثنتين وتسعين قدمًا، وكذلك أربعة تماثيل ضخمة من حجر «الكوارتسيت»، وثماني لوحات من الجرانيت يتراوح ارتفاعها بين تسع أقدام وتسع عشرة قدمًا، وعمودين ارتفاع كل منهما نحو عشرين قدمًا، وأجزاء كثيرة من الجرانيت، أما التمثال الهائل السالف الذكر الذي وُجدت منه قدمه، وبعض أجزاء أخرى فقط، فيعد أعظم تمثال نصبه هناك، ولا بد أنه كان يشرف على مباني المعبد، ويمكن رؤيته على مسافة عدة أميال من السهل، عندما كان يقترب الإنسان من زيارة هذه البلدة.
(٦-١٣) هربيط
(٦-١٤) تل بسطة
وكان أمام مدخل المعبد تمثالان ضخمان منصوبان؛ أحدهما: الآن في «المتحف المصري» والثاني: في «لندن». ومما يلفت النظر في هذا المعبد أن «رعمسيس الثاني» قد استعمل أحجارًا في مبانيه هنا من عهد الدولة القديمة، عليها اسم «خوفو» و«خفرع».
(٦-١٥) «تل الربع» (منديس)
(٦-١٦) «بهبيت الحجارة» (الواقعة جنوبي المنصورة)
(٦-١٧) «تل طنبول» (بمركز السنبلاوين)
عثر المسمدون على قطع حجر باسم «رعمسيس الثاني» من «العصر الساوي».
(٦-١٨) «تل المقدام» (مركز ميت غمر)
(٦-١٩) «دنديت» (مركز ميت غمر)
(٦-٢٠) بلجاي
(٦-٢١) «تل أم حرب»، أو «تل مسطاي» (مركز زفتى)
(٦-٢٢) «البرنوجي» (بدمنهور)
(٦-٢٣) «كوم فرين» القريبة من «الدلنجات» مديرية البحيرة
(٦-٢٤) «كوم القلزم» بالقرب من السويس
(٦-٢٥) «تل المسخوطة» (بيتوم)
عاصمة المقاطعة الثامنة من مقاطعات الوجه البحري.
-
(١)
بها معبد مخرب، وقد وجد فيه ثالوث من الجرانيت الوردي، يتألف من «رعمسيس الثاني» جالسًا بين الإلهين «آتوم»، و«خبري»، والإله الأخير يلبس على رأسه قرص الشمس منقوشًا عليه جعران مجنح.٢٤٧
-
(٢)
ثالوث من الجرانيت الأحمر مثل فيه «رعمسيس» جالسًا بين الإلهين «حور اختي»، و«خبري».
-
(٣)
لوحة من الجرانيت الأحمر الوردي محلاة من جهاتها الأربع، وعلى أحد أوجهها الرئيسية نشاهد «رعمسيس» يقدم تمثال العدالة للإله «حور اختي» الذي يقدم له بدوره الحياة، وملايين السنين.
-
(٤)
ولوحة أخرى ﻟ «رعمسيس» أقل حفظًا من السابقة، ومحراب من الجرانيت المحبب يشاهَد فيه «رعمسيس» يحتفل بالأعياد الثلاثينية.
-
(٥)
وتمثال «بولهول» من الدولة الوسطى، اغتصبه أحد ملوك الهكسوس، ثم اغتصبه ثانية «رعمسيس الثاني»، وهو من الجرانيت الأسود.٢٤٨
-
(٦)
وصقر يحمي طغراء «رعمسيس الثاني» من الجرانيت الأسود، وهو الآن «بالمتحف البريطاني» (راجع Tanis p. 16).
-
(٧)
وكذلك وجدت على القناة بالقرب من «الكبريت» لوحتان ﻟ «رعمسيس الثاني»، وهما الآن «بمتحف الإسماعيلية» (راجع Tanis p. 15-16)، وقد نصبت إحداهما على هضبة تشرف على منخفض القناة ومنقوشة من وجوهها الأربعة، ويشاهَد على أحد وجهيها الرئيسيين صورة الإله «ست» برأس إنسان كالتي نشاهدها على لوحة «أربعمائة السنة»، ونقرأ على وجهيها الثانويين اسم الإله «ست»، وزوجه الإلهة «عنتا»، ونرجح أن صورتهما كانت على الوجهين الممحوين. أما اللوحة الأخرى فعلى مسافة ثمانية كيلومترات من الأولى، وقد لحق بها عطب كبير، ونشاهد على الوجه المحفوظ منها بعض الشيء «رعمسيس الثاني» يقدم البخور للإله «سبد» رب الشرق، وصاحب مقاطعة العرب. ومما يلفت النظر أننا نجد على الوجه المقابل للسابق اسم الإله «بعل»، وهو الذي أصبح له — منذ عهد «رعمسيس الثاني» — محراب من «منف» يطلق عليه اسم «بعل سابونا»، وقد حاول البعض أن يوحد مكان هذه اللوحة بالمحط الذي قبل الأخير من المحاط التي وقف عندها اليهود عند خروجهم من مصر، وهي التي يطلق عليها اسم «بلسفون»، ولكن مثل هذه الاستنباطات يجب أن يقرأها الإنسان بحذر.وقد كشف الأثري «كليدا» على مسافة قريبة من هذه اللوحة عن معبد صغير أقامه «رعمسيس الثاني» مهدى للإلهين «ست» و«حتحور» سيدة الفيروزج (Tanis. P. 17).٢٤٩
(٦-٢٦) تل رطابة
(٦-٢٧) تل اليهودية
(٦-٢٨) «مسطرد» (ضواحي القاهرة)
(٦-٢٩) بهتيم
(٦-٣٠) منطقة «هليوبوليس»
جبانة «هليوبوليس»
(٦-٣١) منشية الصدر
(٦-٣٢) تل الحصن
(٦-٣٣) الجيزة
السنة الأولى من عهد جلالة «حور» الثور القوي محبوب ماعت، والمنتسب للإلهتين، حامي مصر والمسيطر على الممالك الأجنبية «حور» الذهبي، الكثير السنين، العظيم الانتصار، الملك … الإله الطيب المجدد بوصفه ملكًا، رب القوة الشجاع والمقدام على الأرض مثل «منتو» عندما يجري، والذي يسير حول … على اﻟ … الأقواس التسعة، ومقتحمًا الطريق قافلًا، والمشرف على القتال … مثل لهيب النار عندما يأتي ويصعد … المخترق ممالك نهاية الأرض، وإنه لمسرع أكثر من السهم إلى الغرض، وإنه يطير مثل الصقر الذهبي خلف … مخترقًا الممالك الأجنبية مثل … شبوب النار وهو الأسد المفترس للأسيويين ذو أسنان حادة، ومخالب فتاكة، والفاتح بلا هزيمة، والمقتحم في حومة الوغى.
لقد سمعت أنك قد استوليت على ثمانية عمال كانوا يعملون في بيت «تحوت رعمسيس» محبوب «آمون» — له الحياة والصحة والفلاح — المسمى: «الراضي بالصدق في منف»، فعليك أن ترحلهم لأجل جر الأحجار ﻟ «بولهول» في «منف».
(٦-٣٤) بنها
- (١) منها مجموعة من الجرانيت ﻟ «رعمسيس»، ومعه إلهان (راجع A. S. XXI pp. 212–13).
- (٢) تمثال سبع من الجرانيت الأحمر محفوظ الآن «بالمتحف البريطاني».٢٦٢
- (٣) قطع عليها مناظر سحرية، ونقوش باسم «رعمسيس الثاني» (راجع A. S. XVII, p. 186–93 fig. 1–4).
(٦-٣٥) زاوية رازين
(٦-٣٦) كوم «أبوبللو»
(٦-٣٧) القاهرة
نقل الأهلون عدة قطع من آثار هذا الفرعون القريبة من القاهرة، واستعملوها في المباني الخاصة بهم، وقد استولي عليها بعد، ونقلت إلى «المتحف المصري»، وغيره من متاحف العالم، وأهمها ما يأتي:
-
(١)
جزء من تمثال في متحف «فلورنس» بإيطاليا (راجع Rec Trav. XX. P. 99).
-
(٢)
قطعة حجر من باب عليها بقايا متن، وقد استعملت بمثابة هاون وُجدت بجوار باب زويلة (راجع Descrip. De L’Agypte. VIII. P. 249 n. 6).
-
(٣)
مسلة من الجرانيت الأسود باسم «رعمسيس الثاني»، وقد كتب عليها ابنه «مرنبتاح» اسمه، ومن المحتمل أنها مغتصبة من آثار الدولة الوسطى من «تل أتريب» (بنها)، وقد استُعملت أسكفة في بيت من بيوت «القاهرة»، ثم نُقلت إلى متحف «برلين».٢٦٤
-
(٤)
قطعة من مسلة من الجرانيت اغتصبها «رعمسيس الثاني»، ويحتمل أنها من «تل أتريب» أيضًا، وقد عثر عليها في مصر العتيقة، وهي الآن بالمتحف المصري (راجع A. S. XVIII, p. 276).
-
(٥)
قطعة من تمثال الملكة «نفرتاري» زوج «رعمسيس الثاني»، وهي الآن بمتحف «بروكسل» (بلجيكا).٢٦٥
(٦-٣٨) أهناسيا المدينة
(٦-٣٩) «كوم العقارب» القريب من «أهناسيا المدينة»
(٦-٤٠) «طهنا الجبل» (مركز المنيا)
(٦-٤١) الأشمونين
(٦-٤٢) الشيخ عبادة
ولا يزال كثير من عمد القاعة قائمًا مكانه، وقد مثل عليها مناظر عدة تمثل الفرعون يقدم أزهار البشنين للإله «تحوت»، والبخور والقربان، كما يشاهد هذا الفرعون على أعمدة أخرى أمام الإله «خنوم»، والإلهة «حتحور»، والإلهة «سوكر»، و«تحوت»، و«ماعت»، و«حور اختي»، و«آتوم»، «وبتاح»، و«سخمت»، و«خبري»، و«نفتيس»، و«نحمت عواي» (زوج تحوت)، و«آمون رع»، و«موث»، وغيرهم من الآلهة يقدم لهم القربان والأزهار والخبز، كما يتقبل الحياة من الإله «خبر» رب الوجود، ولا تزال أعمدة الردهة، وقاعة العمد قائمة في مكانها.
(٦-٤٣) الشيخ سعيد
(٦-٤٤) أسيوط
(٦-٤٥) المطمر
(٦-٤٦) طوخ (نبت)
(٦-٤٧) قفط
(١) رعمسيس محبوب «آمون» مثل الشمس. (٢) … أشراف كل أرض حاملين جزيتهم من. (٣) … كثير من الذهب وكثير من الفضة من كل نوع من المعدن. (٤) … وكثير جدًّا من أسرى بلاد «كشكش»، وكثير جدًّا من أسرى. (٥) … كتابات الفرعون «رعمسيس» محبوب «آمون» … (٦) وكثير جدًّا من قطعان الماعز، كثير من العنزات، أمام بنته الثانية. (٧) … محضرين الجزية ﻟ «رعمسيس» الذي يمنح مصر الحياة للمرة الثانية، على أنه لم يكن الجيش الذي جعلهم يحضرونها، ولم يكن … (٨) … بل كان آلهة أرض مصر، وآلهة كل البلاد الذين جعلوا أمراء كل البلاد يحضرون بأنفسهم للملك «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس «رعمسيس محبوب آمون» معطي الحياة. (١٠) … ليحملوا ذهبهم، وليحملوا فضتهم، وليحملوا أوانيهم من الفيروزج؟ (١١) … لابن الشمس «رعمسيس» محبوب «آمون» معطي الحياة، وليحضروا قطعانهم من الخيل، وليحضروا قطعانهم من. (١٢) البقر، وليحضروا قطعانهم من الماعز، وليحضروا قطعانهم من الغنم، وقد كان أبناء عظماء أمراء بلاد «خيتا». (١٣) … هم الذين حملوها أنفسهم حتى حدود بلاد الملك «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس (رعمسيس محبوب آمون معطي الحياة) … (١٤) ولم يكن من ذهب ليحضرها أميرًا، ولم يكن جيش من الرجال قد ذهبوا لإحضارها، ولم يكونوا خيالة قد ذهبوا لإحضارها، ولم يكن … قد ذهب لإحضارها، بل كان الإله «بتاح» والد الآلهة هو الذي وضع كل البلاد، وكل الممالك تحت قدمي هذا الإله الطيب إلى الأبد السرمدي.
والظاهر أن هذه النقوش كانت قصيدة مدح قيلت تمجيدًا للإله «بتاح»، كما يدل منطقها على أنها قد كتبت بعد انتصار «رعمسيس» على بلاد «خيتا» وحلفائها. ومن المحتمل جدًّا أن عبارة: «الذي أعطى الحياة لمصر مرة ثانية» تشير إلى مد سلطان مصر على البلاد الأسيوية التي كانت قد ضاعت منها في نهاية الأسرة الثامنة عشرة.
(٦-٤٨) نجع المدمود
(٦-٤٩) أرمنت
أقيم في هذا البلد العتيق معبد للإله «منتو»، والإلهة «رع توي» في عهد البطالمة والرومان، وقد وجد في أسس تلك المعابد أحجار، وبقايا تماثيل من عهود مختلفة منذ الدولة الوسطى وما بعدها، كما وجدت مبانٍ من عهود مختلفة، كما ذكرنا آنفًا. وقد وجدت فيها للفرعون «رعمسيس الثاني» متون جاء فيها ذكر الأعياد الثلاثينية، واسم الوزير «نفررنبت» الذي ينسب إلى عهد «رعمسيس الثاني»، كما ذكرنا آنفًا عند الكلام على هذا الوزير.
(٦-٥٠) الكاب
(٦-٥١) جبل السلسلة
(٦-٥٢) جزيرة إلفنتين
(٦-٥٣) أسوان
(٦-٥٤) المتون المنقوشة في صخور جزيرة «سهيل»
(٧) تماثيل «رعمسيس الثاني»
ومما يلفت النظر بين صوره؛ تمثاله «المجيب» المصنوع من البرنز، والمحفوظ الآن بمتحف «باريس»، وسنتكلم عن فن نحت التماثيل في عهد «رعمسيس» في مكان آخر، ونذكر الكثير منها.
(٨) أسرة «رعمسيس الثاني»
لا غرابة إذا كان «رعمسيس الثاني» قد ضرب الرقم القياسي في إنجاب الذكور، ومن خلف وراءه من الإناث، والواقع أنه قد وُفق أكثر من كل من سبقه من الملوك في كل نواحي الحياة؛ فقد بزهم في المباني، كما وُهب مدة حكم تربى على مدة أي فرعون آخر إذا استثنينا «بيبي الثاني» أحد ملوك الأسرة السادسة، وكذلك كان له القدح العلي فيمن تركه خلفه من ذرِّية تًعد بالمئات.
(٨-١) زوجاته
(أ) الملكة «نفرتاري مرنموت»
غير أننا لا نعرف إلى أي سنة من سني حكمه عاشت هذه الملكة؛ لأننا لم نرَها تظهر على تماثيل «رعمسيس» المؤرخة بأواخر سنيه، وإن كانت تظهر في نقوش معبد «بو سمبل» بصورة بارزة كما أشرنا إلى ذلك من قبل. ومن أولادها — خلافًا لما ذكرنا من قبل — «سيتي» الابن التاسع بين أولاد «رعمسيس»، وآخر يُدعى «انبو إررخو»، وتُلقَّب على آثار معبد «أبو سمبل» بكاهنة الإلهة «حتحور»، والإلهة «موت»، والإلهة «عنقت»، كما كانت تحمل لقب الأميرة وارثة الجنوب والشمال؛ أي إنها كانت وارثة عرش الملك، وقد مثلت على تماثيل «رعمسيس» الضخمة في معبد «بو سمبل»، وفي معبد «الأقصر» كذلك على تمثاله الفذ الموجود في «تورين»، وهو المنحوت في الجرانيت الأسود، ويوجد لها كذلك تمثال جميل من الجرانيت في متحف «الفاتيكان»، غير أنه مما يؤسف له قد أعيد صنعه.
وعلى الجدار الذي على يمين القاعة نشاهد الملكة أمام الإله «أوزير» إله الآخرة، كما نشاهدها متعبدة لإله الشمس «حور اختي»، وإلهة الغرب. وفي منظر آخر نشاهد الإلهة «إزيس» تقودها أمام الإله «خبر» (إله الشمس) الممثل برأس جُعل، وفي الحجرة الجانبية نشاهد الإله «خنوم» تصحبه كل من الإلهتين «إزيس»، و«نفتيس»، كما ترى الملكة تتعبد للعجل المقدس، وللبقرات السبع الإلهية، وفي منظر آخر تقدم الملكة أدوات الكتابة للإله «تحوت»، وتقدم الأضاحي للإله «بتاح»، وعلى الجدران الجانبية للسلم المؤدي للحجرة الثانية نشاهد الملكة في حضرة آلهة مختلفة، كما نشاهد «إزيس»، و«نفتيس» راكعتين في حزن، كما نشاهد على عتب الباب إلهة العدل في صورة طائر ناشر جناحيه، ثم نصل بعد ذلك إلى حجرة الدفن، وهي مقامة على أربعة عمد، ومعظم صورها قد هُشمت، وفي وسطها تابوت الملكة «خاو».
وهذه المقبرة تُعد من أعجب وأفخم المقابر التي عُثر عليها حتى الآن من هذا العصر الذي نحن بصدده، ومن أجل ذلك قد فصلنا فيها القول بعض الشيء لنعطي صورة عن المناظر الجنازية الشائعة وقتئذ.
أما باقي الآثار التي ذُكرت عليها هذه الملكة فقد ذكرناها في مناسباتها في أثناء الكلام عن تاريخ «رعمسيس الثاني» وآثاره.
(ب) الملكة «است نفرت»
(ﺟ) الملكة «مات نفرو رع»
(د) الملكة «توي»
(٨-٢) أولاد «رعمسيس الثاني» الذكور
ولدينا لأولاد هذا الفرعون ثلاث قوائم هامة، كما ذكرنا، هذا بالإضافة إلى ما جاء من الأسماء على التماثيل المختلفة، والمناظر التي على جدران المعابد، وسنحاول هنا أن نعدِّد أولاد الفرعون الذكور بقدر ما تسمح به الآثار التي في متناولنا.
- (١)
«آمون حرخبشف»: تدل النقوش التي لدينا عن هذا الأمير أنه قد اشترك مع والده في موقعة «قادش»، وكان يلقب كاتب الفرعون، وقائد الجيش الأعلى، إذ نشاهده في مناظر مصورًا على الجدار الجنوبي لقاعة العمد الكبرى «بالكرنك» مع والده مقدمًا أسرى من الخيتيين لثالوث «طيبة»، وهم من الذين أُسروا في موقعة «قادش»؛ إذ نرى أربعة من أولاد الفرعون يسوق كل منهم صفًّا من الأسرى خلف والده، وقد كان «آمون حرخبشف» المقدم عليهم، ويحمل لقب القائد الأعلى للجيش، أما الثلاثة الآخرون وهم: «خعمواست»، و«مري آمون»، و«سيتي»، فكان كل منهم يحمل لقب ابن الملك فحسب، وهذا دليل — على ما يظهر — على أنه كان أكبر أولاد الفرعون وقتئذ.
وكذلك نشاهد هذا الأمير وهو يهاجم العدو مع والده في عربته في مناظر معبد «أبو سمبل».٣١٣ كما نجده كذلك مصورًا على تماثيل والده الضخمة في معبدي «أبو سمبل»، والكرنك، وعلى التمثال الجميل الموجود في «تورين» كما ذكرنا من قبل. - (٢) الأمير «رعمسسو»: هذا الأمير هو ابن الملكة «إست نفرت»، ونشاهده مصورًا مع والدته وأخيه «خعمواست» في مجموعة صغيرة «بمتحف اللوفر»،٣١٤ كما نشاهده مصورًا مع والده «رعمسيس»، وأسرته في نقش على الصخور الواقعة على الطريق القديمة بالقرب من «أسوان»، وقد لقب هنا بقائد الجيش.٣١٥وفي متحف «فلورنس» توجد واجهة من مقبرة نُقش عليها: «ابن الملك الأمير الوراثي، والقائد الأعلى للجيش، ومدير جلالته «رعمسسو».»٣١٦وقد وجد اسمه في القوائم الثلاث السالفة الذكر، كما نشاهده في نقوش «أبو سمبل» يحارب بجانب والده، وقد أهدي له تمثال بعد موته في حياة أخيه «خعمواست»، أهداه له ابن الأخير.٣١٧وعثر له على تمثال «مجيب» في معبد «السرابيوم» (مدافن العجل أبيس) مؤرخ بالسنة السادسة والعشرين من حكم والده، وهو لا يزال على قيد الحياة.٣١٨
- (٣)
- (٤)
الأمير «خعمواست»: تدل الآثار التي وجدت لهذا الأمير على أنه كان أهم أولاد «رعمسيس الثاني»، وبخاصة أن والده قد فكر في السنة الثلاثين من حكمه بعد أن تخطى الخمسين في أن يُشركه معه في إدارة الملك، وهو على حسب قول «كيث سيلي» ثاني اثنين من أولاد هذا الفرعون بهذا الاسم، والأول قد توفي في طفولته كما ذكرنا، وقد اختاره الفرعون ليكون وارثه على عرش البلاد، وهو ابن الملكة «إست نفرت» كما قلنا؛ كما تدل على ذلك النقوش التي في «السلسلة». وقد شاهدنا من قبل أنه كان يكلَّف في غالب الأحيان بنحت النقوش التذكارية للأعياد الثلاثينية، والاحتفال بها، والظاهر أنه كان قد عُين الكاهن الأعظم للإله «بتاح»، وبذلك ضمن لنفسه دخل هذا الإله الذي كان يُعد أغنى الآلهة بعد الإله «آمون» إله الإمبراطورية الأعظم، ونجده يحمل هذا اللقب في عدة آثار أهمها:
تمثال عثر عليه في «سقارة» مهدى للعجل «أبيس»، ويشاهد في نقوشه واقفًا وممسكًا بمحراب صغير مثل فيه العجل «أبيس» برأس إنسان، وجسم عجل، ويحمل الألقاب التالية: الكاهن الأكبر «سم» للإله «بتاح»، ومطهِّر البيت العظيم، والكاهن «إيونموتف» — أي عمود أمه — ومدير الأرضين، ورئيس كل الفراء؛ لأن الكاهن «سم» كان يلبس جلد فهد.٣٢١وكذلك نجد هذا اللقب وغيره على جزء من تمثال وجد في قرية «الشيخ مبارك» قبالة مدينة «المنيا».٣٢٢والظاهر أنه قد تقلد مهام هذه الوظيفة في السنة السادسة عشرة من حكم والده كما هو مدون على تمثال مجيب في مقبرة العجل رقم ٢، وهذه التماثيل كانت تقوم بدلًا منه في أداء الأعمال الصعبة بمثابة خدام للعجل «أبيس»، وقد وجدت مثل هذه التماثيل باسمه كذلك في مقبرة العجل رقم ٣ المؤرخة بالسنة السادسة والعشرين.
وفي السنة الثلاثين لم نجد له في مقبرة العجل الرابع تماثيل من هذا النوع، ولكن في مقبرة العجل التاسع لقب بالكاهن الأعظم. ومن السنة الثلاثين حتى السنة الأربعين كان هو المشرف على الأعياد الثلاثينية كما أسلفنا، وقد خلفه في وظائفه هذه أخوه «مرنبتاح» — الذي أصبح فيما بعد الفرعون «مرنبتاح» — في السنة الخامسة والخمسين من حكم «رعمسيس»، وهو الذي نشاهده يقوم بدور الكاهن الأعظم على لوحة العجل العاشر،٣٢٣ وهي السنة التي توفي فيها «خعمواست».وقد دفن الأمير «خعمواست» في جبانة «الجيزة»؛ حيث وُجد قبره في «كفر البطران»،٣٢٤ وقد عثر في هذا القبر على تماثيله المجيبة، كما عثر على بعضها في معبد «السرابيوم»،٣٢٥ ومن الأشياء التي عثر عليها في قبره كذلك آنية أحشاء،٣٢٦ كما عثر على آنية أخرى لأحشاء العجل رقم ٣ قام بصنعها «خعمواست». هذا إلى أنه دفن تعاويذ أخرى مع العجل السادس، والعجل التاسع نقش عليها اسمه وألقابه. وقد وجدت حجرة دفن العجلين الثاني والثالث سليمة لم تمس بسوء؛ مما أدهش كاشفها العظيم «مريت باشا»؛ إذ عندما فتح التابوت الذي كان فيه العجل الثاني لم يجد فيه مومية العجل، بل وجد غطاء مجوفًا موضوعًا على الأرض على مادة قطرانية تحتوي على كمية عظيمة من شظيات العظام، كما وجد صدرية فخمة مصنوعة من الذهب المرصع بالأحجار الثمينة، وكذلك ستة تماثيل مجيبة كل منها برأس ثور.أما العجل الثالث فلم يوجد معه كذلك صندوق، بل وجدت حفرة تحت الغطاء الذي كان يغطي كتلة من القطران مختلطة بشظايا عظام عديدة جدًّا، ووجد معه كذلك خمسة عشر تمثالًا مجيبًا، كما وجدت تماثيل أخرى مجيبة باسم الأمراء «خعمواست»، و«رعمسسو»، و«حوي» أمير «منف»، و«سوي»، و«حات عا»، و«بتاح نفر حر» كاتب «خعمواست»، وكذلك لامرأتين تدعيان «قدت»، و«حوي» هذا إلى تعاويذ باسم «خعمواست»، وخمس صدريات للوزير «باسر»، وكذلك صدرية أخرى، ونسر برأس ثور من الذهب المرصع، وأوراق كثيرة من الذهب، ومن البدهي إذن أن العجل لم يكن يُحنط، بل كان يؤكل لحمه تبركًا كما كان يؤكل لحم كبش «طيبة» الذي يمثل الإله «آمون».
وقد عثر له على تمثال محفوظ الآن «بالمتحف البريطاني» رقم ٩٤٧،٣٢٧ ولما كانت النقوش التي على هذا التمثال تثبت لنا بعض الشيء الشهرة الواسعة التي نالها «خعمواست» في عالم السحر، فإنا سنوردها هنا على الرغم مما بها من صعوبات لغوية جعلت فهم المتن من الصعوبة بمكان، وكأن كاتبها أراد أن يجعلها طلسمًا سحريًّا ليتفق مع شهرة هذا الأمير في هذا المضمار.ويقال إن هذا التمثال الجميل عثر عليه في «أسيوط»، ولكنه في الأصل كان منصوبًا في «العرابة» كما سنبين ذلك فيما بعد، ومادته من الظران (الصوَّان) المختلف الألوان، والتمثال قد نقشت قاعدته من الجهات الأربع، وكذلك نقش العمود المستطيل الذي يرتكز عليه من جانبيه، كما نُقشت العصوان اللتان كانا يمسك بهما في يديه كالعلمين، وهاك الترجمة:- العلم الذي في اليد اليمنى على: الإله الطيب؛ رب الأرضين «وسر ماعت رع ستبن رع» محبوب التاسوعين اللذين في العرابة.
- على العلم الذي في اليد اليسرى: ابن الشمس، رب التيجان «رعمسيس»، محبوب «آمون»، محبوب «أوزير»، رئيس الغرب؛ أي الأموات.
- النقوش التي على القاعدة: يا آمون، ليتك تعطي النفس لابن الملك الكاهن سم «خعمواست»، وهو ذلك النفس الحلو الذي في أنفك! وإن ابن الملك «خعمواست» صادق القول يتخذ مقعده على العرش العظيم الذي في «هرموبوليس» (أرمنت الحالية)، ابن الملك «خعمواست» يحرس بيضة الصائح العظيم (الإله «آمون» في صورة الأوزة)، وكما أنها ثابتة فإن ابن الملك «خعمواست» ثابت، والعكس بالعكس، وكما تعيش فإنه يعيش، وكما أنها تستنشق الهواء فإنه كذلك يستنشق الهواء.
- النقوش التي على سطح القاعدة: لقد عمله ابن الملك «خعمواست» بمثابة أثره، وتمثاله لملايين السنين لأجل أن يبقى في العرابة أبديًّا (؟) على دائرة (؟) رب الأبدية بمثابة مكان فاخر للقربان، والمحل العظيم لأرض الصدق، الإقليم المقدس لتقديم الشكر للكائنات الممتازة (أو التماثيل)؛ لأجل أن يفتح طريقه لهذا الروح الممتاز الذي يأوي إلى المكان الذي فيه تمثال أكبر أولاد الملك، ومحبوبه الكاهن سم «خعمواست».
- النقوش التي على العمود الخلفي: يا «أوزير»، يا أكبر الآلهة، ويا أفخر ممن
سواه، ليتك تشاهد ما يفعل ابن الملك الكاهن سم
«خعمواست»، لقد عمل على أن يجعلك عظيم الشكل، وإنه
يعيش بوساطتك يأيها الإله، وإنك تعيش بوساطته، ليتك
تنصبه حاجبك الوحيد! وإنه حام يحوم حول الجبانة،
وواحد (أي قائد) يعرف طريق المرور (؟)، وإنه قد رفع
«حدز»، وحمى «نكن» (أي أوزير)، وإنه قد قوى من ينام
على فخذه (أي الميت)، وقد ثبت «إي»، و«سنح»، وحمى
«أشستانسا» (؟)، وإنه يفتح فم «سكر» نفسه، وإنه قد
خلق السحر في فرج «نوت»، وإنه يفتح المشيمة الملكية،
وإنه قد جعل حنجرتك تتنفس، وإنه هو الذي يقبض على
سواعد أعدائه كل يوم، ليتك تظهر بفخار بوساطته
بمثابة رب «العرابة» بقدر ما تعطيه ثباتًا وفلاحًا
وبقاء في معبدك لأنه ابنك وحاميك.
قربان يمنحه «أوزير» رئيس الغرب … من سوَّاه رحم أمه في أمان ونصر، فاخرًا في السماء، وقويًّا على الأرض، والنجار الأول في حماية سيده، ومن على رأس الأزميل ومن يفتح الطريق العظيم لإقليم «العرابة» حتى يثوى في مكانها (؟) في كل عيد … قاعة الصدقين في يوم حصر فضائل ابن الملك الكاهن «سم» الذي يقوم بدور «عمود أمه» «خعمواست».» (عمود أمه = لقب كهانة).
ولا نزاع في أن لغة هذا المتن المعقدة تُظهر أن كاتبها قد قصد بها الغموض إذا ما قرنت بالمتون الأخرى، ومن ثم نفهم أن صاحبها كان من كبار رجال اللغة، والأمور الخفية؛ مما جعلنا في حيرة للوصول إلى كنه المتن، ومع ذلك يمكننا أن نفهم منه ما يأتي على وجه التقريب، فنعلم من مضمون المتن ومن العلمين اللذين كان يحملهما «خعمواست» أن الأمير قد نصب تمثاله في العرابة، ويحتمل أن ذلك كان في المعبد نفسه؛ حيث كان يمكنه أن يتسلم نصيبه من القربان المقدس، وعلى ذلك يكون المتن الأصلي خطابًا موجهًا للإله «أوزير» الذي كان يعده «خعمواست» حاميًا له، غير أننا نلحظ في صلاته له أنها لم تكن صادرة من شخص متواضع متضرع لإله، بل كانت طلبًا من ساحر عظيم يعد نفسه مساويًا لإلهه، بل في الواقع كان يعد نفسه أنه هو الذي عمل على فخاره، ومما يلفت النظر في هذه المتون تعدد قوى «خعمواست» العظيمة. حقًّا إن قائمة المخلوقات العجيبة التي ذكرها الساحر هنا لا نفهم منها شيئًا كثيرًا، ولا يمكن تعريفها، غير أن العبارة التي جاءت في المتن القائلة بأن «خعمواست» يقوم بالاحتفال بفتح المشيمة الملكية لها أهمية عظيمة، فقد كتبت عنها «مس مري» مقالًا.٣٢٨ومهما يكن المعنى الأصلي لهذا الحفل الخفي، فإن «خعمواست» يعد من الأشخاص الذين كانوا يحملون هذا اللقب — الذي لا نعرف عنه شيئًا إلا في عهد الدولة القديمة — في عهد الأسرة التاسعة عشرة، هذا وكان أحب أولاد الفرعون إليه، والكاهن الأكبر للإله «بتاح». يضاف إلى ذلك أنه كان على اتصال وثيق بوالده؛ إذ كان هو الذي يقوم له بأحفال الأعياد الثلاثينية، وغيرها من مهام الأمور كما ذكرنا. وقد عثر له على تمثال آخر في متحف «فينا» من الجرانيت (راجع A. Z. XVIII, p. 49).وهذا الأمير كان له شهرة عظيمة في المسائل اللاهوتية الخفية، وفي علم السحر، وقد عزت إليه التقاليد في العصور المتأخرة تأليف عدة كتب عن السحر تحوي إرشادات لاستدعاء الأرواح والعفاريت الخاصة بهذا العالم وبعالم الآخرة، وقد أصبح بطل قصة خرافية؛ ذكر فيها عنه كيف أنه لما سرق من مومية إحدى السحرة كتب الإله «تحوت» أصبح فريسة غول تقمصه.٣٢٩وتدل شواهد الأحوال على أن «رعمسيس الثاني» قد خلص نفسه من أعباء الحكم عندما سلم مقاليد الأمور لابنه «خعمواست».
وقد كان أهم ما وجه «خعمواست» إليه عنايته، هو أن يحافظ بكل دقة وأمانة على القوانين الدينية، فاحتفل بأعياد الفيضان في جبل سلسلة في السنة الثلاثين، والرابعة والثلاثين، والسابعة والثلاثين، وكذلك في السنة الأربعين،٣٣٠ كما أشرف على الاحتفالات بتأليه والده وهو العيد الثلاثيني كما ذكرنا.وقد كان قبل عهد «رعمسيس الثاني» يعبد العجل المقدس الذي ينتسب للإله «بتاح» في معبد خاص في «منف»، وكان لا يزال موجودًا حتى العصور المتأخرة، وكان هذا العجل يُدعى «أبيس»، وبعد موته أو ذبحه على رأي البعض كان يُحنط مثل الآدميين، ويدفن باحتفال عظيم في الجبانة، ومنذ عهد «أمنحتب الثالث» — كما ذكرنا آنفًا — كانت مدافن العجول «أبيس» تشمل حجرة نُحتت في الصخر تحت الأرض يصل الإنسان إليها بطريق منحدرة، وفوق هذا المدفن كانت تقام مقصورة أو محراب أطلق عليه اليونان اسم «السرابيوم»، وكان لا يُدفن فيها إلا عجل واحد، فلما جاء عهد «رعمسيس الثاني» وأصبحت مقاليد الأمور في يد الأمير «خعمواست» نحت جبانة شاسعة الأرجاء تتألف من حجرة تحت الأرض، يبلغ طولها نحو مائة ياردة في عمق الصخر، وعلى كلا جانبي هذه الحجرة أعد لكل عجل حجرة دفن، وبعد الدفن كان البناءون يبنون الجدار ثانية. وقد تكلمنا فيما سبق عن العجول التي دُفنت في عهد هذا الأمير، وقد ظلت إدارة حكم البلاد في يده ما يقرب من ربع قرن من الزمان إلى أن توفي في العام الخامس والخمسين من حكم والده، وقد ترك لنا آثارًا عدة في طول البلاد وعرضها،٣٣١ وقد وصلنا تقرير وُجه إليه بوصفه حاكم «منف» عن ستة من العبيد الهاربين.٣٣٢ وإلى هذا الأمير تنسب كل المجوهرات التي عثر عليها في مدافن العجل «أبيس» بسقارة، وهي التي نقلها مريت باشا إلى بلاده مع كل آثار هذه العجول التي تُعد بحق من أنفس ما تركه لنا قدماء المصريين، وتعد بآلاف القطع. - (٥) الأمير «منتو حرشف»: ذُكر اسم هذا الأمير في القوائم الثلاثة الهامَّة التي ذُكر عليها أولاد «رعمسيس»، والظاهر أنه كان على رأس الفرسان والعربات مع والده في حصار «دابور»، ومعه خمسة من إخوته،٣٣٣ ويوجد جعل القلب الذي كان يوضع على صدر المومية باسمه بمتحف «برلين»، وكذلك عثرنا على صورة له في «تل بسطة» مغتصبة.٣٣٤
- (٦) الأمير «نب انخاروا»: ذُكر اسمه في القوائم الثلاثة، وفي حصار «دابور».٣٣٥
- (٧) الأمير «مري آمون»: اشترك مع والده في حصار «دابور» كما ذُكر في قائمة «الرمسيوم»، وكذلك في الكرنك.٣٣٦
- (٨) الأمير «آمون مويا»: ذُكر في القائمتين السالفتين، كما اشترك مع والده في حصار «دابور» (راجع L. D. III, p. 166).
- (٩) الأمير «سيتي»: اشترك مع والده في حصار «دابور» كما ذُكر في الكرنك، وهو ابن الملكة «نفرتاري»، وقد ظل على قيد الحياة حتى العام الثالث والخمسين من حكم والده، غير أنه جاء ترتيبه العاشر في قائمة الأقصر.٣٣٧
- (١٠) الأمير «ستبن رع»: اشترك مع والده في حصار «دابور» كما جاء ذكره في قائمة «الرمسيوم»، وترتيبه التاسع في قائمة الأقصر.٣٣٨
- (١١) الأمير «رع مري»: ذكر في قائمة «الرمسيوم»، وفي معبد «العرابة المدفونة».٣٣٩
- (١٢) الأمير «حرحرونمف»: ذكر هذا الأمير في قائمتي «الرمسيوم»، و«العرابة» (راجع L. D. III, p. 168).
- (١٣) الأمير «مرنبتاح»: ابن الملكة «إست نفرت»، وقد اختاره والده بعد وفاة «خعمواست» في العام الخامس والخمسين من حكمه ليكون وارثه على العرش، ولذلك حمل كل الألقاب التي كان يحملها «خعمواست»، فكان يلقب الكاهن الأول للإله «بتاح»، ورئيس الأرضين، وكاتب الفرعون، والقائد الأعلى للجيش؛ مما سنفصل فيه القول فيما بعد.٣٤٠ (راجع أيضًا Petrie Hist. III, p. 36-7).
- (١٤) الأمير «أمنحتب»: وقد جاء ذكره في قائمة «الرمسيوم» (راجع L. D., III, 168).
- (١٥) الأمير «اتف آمون»: كذلك ذُكر في قائمة «الرمسيوم»، وفي ورقة العبيد الموجودة في «ليدن» السالفة الذكر (راجع Lyden, Aegypt Mon. 179).
- (١٦)
- (١٧)
الأمير «حبن تانب»: جاء ذكره في قائمتي «الرمسيوم»، و«الأقصر».
- (١٨) الأمير «مري رع»: كذلك ذُكر في القائمتين السالفتين، وقد ذكر هذان الأميران الأخيران على تمثال في معبد «أبو سمبل» (راجع Petrie Hist. III, p. 37).
(٢٦) الأمير «أنوب أررخو»: هذا الأمير من أولاد الملكة «نفرتاري»، وتمثاله بمتحف برلين رقم ٧٣٤٧، وترتيبه غير معروف.
(٨-٣) بنات «رعمسيس الثاني»
وصلت إلينا بعض قوائم بأسماء بنات «رعمسيس الثاني» يظهر أنها رُتبت على حسب سنهنَّ، هذا إلى بعض الأسماء الأخرى التي نقشت على جدران المعابد، وقد رسم معظمها مع الفرعون نفسه على تماثيله التي أقيمت في المعابد، أو على اللوحات التي أقامها في مختلف جهات القطر، وسنحاول هنا أن نذكر أهمهن على حسب ما وصلت إليه معلوماتنا.
-
(١)
الأميرة «بنت عنتا»: وتعد كبرى بنات الملك «رعمسيس الثاني»، وأمها الملكة «إست نفرت»، وقد ظهرت معها في منظر على صخور السلسلة،٣٥٥ وكذلك في نقش في أسوان، كما أنها كُتبت على رأس قائمة الأقصر.أما أهم الآثار التي وجدناها مصورة عليها فهي:عثر لها على تابوت من الجرانيت الوردي في هيئة جسم محنط، وهذا التابوت كان في الأصل لرجل، غير أنه على ما يظهر اغتصبه «رعمسيس» لابنته «بنت عنتا».٣٥٦ وكانت «بنت عنتا» أول ابنة من بناته تزوج بها على الطريقة الفارسية القديمة، وسُميت الزوجة الملكية والابنة الملكية، وقد ظهر اسمها — كما قلنا — في قائمة الأقصر بين أسماء بنات «رعمسيس»، وفي «بو سمبل»،٣٥٧ وعلى بردية أيضًا.٣٥٨ هذا وقد ظهر اسمها مع زوجها، أو مع أسرتها في أماكن عدة.٣٥٩وقبر هذه الأميرة والملكة يوجد في وادي مقابر الملكات «بطيبة الغربية»،٣٦٠ والمناظر التي في قاعة هذه المقبرة نشاهد على جدرانها الملكة أمام الإله بتاح «سكر»، والإلهة «حتحور»، كما نشاهدها تقدم للإله «شو» بوساطة الإلهة «حتحور»، وكذلك تقدم للإله «أوزير» والإلهة «حتحور»، كما ترى في منظر آخر تقدم القربان للإله «بتاح»، وكذلك للإله «خبري» رب الوجود الذي يمثل الشمس في صورة جُعل، وفي كل هذه المناظر كُتب معها ألقابها، وفي الحجرة الأولى من هذا القبر نشاهد الملكة جالسة وأمامها الخبز وفي القاعة الداخلية نشاهدها تتعبد للإله «نو» — الذي يمثل الماء الأزلي — كما ترى مع أميرة تتعبد للإله «أوزير» في حين أن الأميرة كانت تتعبد للإلهة «نفتيس»، وفي منظر آخر كانت تتعبد لكليهما.
على أن ما يلفت النظر في قبر هذه الأميرة والملكة العظيمة ما نشاهده من اغتصاب «رعمسيس» تابوت رجل عادي لزوجة ملكية كريمة عزيزة عليه، هذا على الرغم من أنها كبرى بناته؛ ولذلك يخيل لي أن هذا الاغتصاب من جانب الملوك كان شيئًا عاديًّا، بل ربما كان شيئًا محببًا، ولعل السبب الذي دعا «رعمسيس» إلى ذلك هو أن موارد ثروته في أواخر حكمه قد قلت، وهذا شيء ملحوظ في مبانيه التي كانت كثيرة في بادئ حكمه، ثم أخذت تتضاءل في آخر أيامه كما سنتحدث عن ذلك بعد.
ومما يلحظ في قوائم أسماء بنات «رعمسيس الثاني» أنهن لم يكن يلقَّبن بنات ملك فحسب، بل كانت كل واحدة منهن لها وظيفة تقوم بها في المعابد المصرية، ولم تستثنَ واحدة منهن على حسب ما جاء في قائمة الأقصر، وعلى رأس هذه القائمة كانت الأميرة «بنت عنتا» تحمل لقب كبيرة نساء الإله «آمون»، وهذا أسمى لقب كهانة كانت تحمله امرأة في المعبد على ما يظهر.
-
(٢)
الأميرة الثانية: اسم هذه الأميرة على حسب قائمة «بو سمبل» وجد مهشمًا.٣٦١
-
(٣)
الأميرة «باكموت»: ذكر اسمها في قائمة «الدر».٣٦٢
-
(٤)
الأميرة «مريت آمون»: وتعد في قائمة «الأقصر» رابعة بنات «رعمسيس الثاني»،٣٦٣ وقد بنى بها والدها، فكانت تلقب الزوجة الملكية العظمى، وسيدة الأرضين. وقبر هذه الملكة في «وادي الملكات»، وقد نقش عليه كل ألقابها بوصفها زوج الفرعون العظمى، ونشاهدها في قاعة هذا القبر تتعبد للإله «أوزير»،٣٦٤ والإلهة «حتحور»، كما ترى مقدمة القربان للإله «بتاح سكر أوزير»، وكذلك للإلهين «خنوم»، و«حتحور»، وتابوتها محفوظ الآن «بمتحف تورين»، وقد نقش عليه اسمها وألقابها.٣٦٥وقد ظهرت في منظر على جدران معبد «بو سمبل»، وعلى أحد التماثيل كما صورت على تمثال في «تانيس»، ووجد لها جعارين باسمها.٣٦٦
-
(٥)
الأميرة «بيكاي»: وقد وجد اسمها مع أخرى مهشمة في قائمة «الأقصر».٣٦٧
-
(٦)
الأميرة «نفرتاري»: ذكر اسمها في قائمة «بو سمبل».٣٦٨
-
(٧)
الأميرة «نبت تاوي»: ظهرت مع الفرعون على أحد تماثيله الضخمة في معبد «بو سمبل»، كما ذكرنا من قبل كما جاء اسمها في قائمة معبد «الدر».٣٦٩وقد كانت تُدعى الزوجة الملكية العظمى، لذلك يحتمل أنها تزوجت من والدها «رعمسيس الثاني»، كما يظن كذلك أنها تزوجت بعد ذلك أو قبل ذلك من أحد أفراد الشعب؛ لأن ابنتها «استماخ» لم تدعَ ابنة ملك.٣٧٠ولا بد أنها كانت قد تجاوزت الأربعين من عمرها عند موت «رعمسيس الثاني»، ولا يظن أنها قد تزوجت وقتئذ، ويقول الأستاذ «بتري»: إنها إما أن تكون قد تزوجت من أحد الرعايا بعد موت الملك، أو أن الخرزة المنسوبة إلى «استماخ» تشير إلى الأميرة «نبتا» بنت «أمنحتب الثالث» (راجع Petrie History III, p. 89).وقبر هذه الأميرة في «وادي الملكات»،٣٧١ ونشاهدها على جدران قاعة هذا القبر، وهي تقدم القربان لصورة «ماعت»، كما نشاهدها في القاعة الداخلية، وهي تتعبد للإله «جب»، وكذلك للإله «حور اختي».
-
(٨)
الأميرة «إست نفرت»: هذه الأميرة تزوجت من أخيها «مرنبتاح» الذي أصبح فيما بعد ملكًا على مصر بعد والده «رعمسيس الثاني»، وقد وجد اسمها في قوائم «الدر»، و«بو سمبل»، و«الأقصر».٣٧٢
- (٩)
والواقع أنه لا يمكن حصر أسماء أولاد «رعمسيس الثاني» الذكور أو الإناث على وجه التأكيد؛ لأن هذه القوائم التي وصلت إلينا كُتبت في تواريخ مختلفة من حياته، وليس لدينا قائمة كاملة من أواخر حكمه يمكننا أن نعرف منها حقيقة عدد أفراد أسرته.
(٩) الموظفون والحياة الاجتماعية والدينية في عهد «رعمسيس الثاني»
كان عهد «رعمسيس الثاني» الطويل حافلًا بجلائل الأعمال التي تمت في أثناء حكمه، ولا غرابة إذن أن نجده قد استخدم في إنجاز أعماله والقيام بمهام الحكم في مختلف نواحي البلاد عددًا عظيمًا من كبار رجال الدولة الذين امتازوا بمهارتهم، وطول باعهم في مختلف الأعمال، ولسنا مبالغين إذا قررنا هنا أنه استخدم مدة انفراده بالحكم عددًا من الرجال في وظائف الحكومة وفي المعابد أكثر من أي فرعون آخر في التاريخ المصري، وسيرى القارئ أن حياة هؤلاء الموظفين ستكشف لنا عن حياة القوم الاجتماعية والدينية والسياسية والصناعية في كثير من الأمور التي لم يدونها لنا «رعمسيس» على جدران معابده الخاصة ولوحاته التي تركها لنا، إذ سنرى من بين هؤلاء الرجال من سيوضح لنا تاريخ حياته بصور من الحياة المصرية لم نكن نعرف عنها شيئًا مما تركه لنا هذا الفرعون العظيم عن نفسه، أو من اتصل به في نقوشه الخاصة التي ملأ بها بلاد الوادي، وممتلكاته في آسيا.
ومما يؤسف له جد الأسف أن حياة بعض هؤلاء العظماء قد جاءت مبتورة، فإن ما وصل إلينا منها قليل جدًّا، ولكن الأمل في ملء الفجوات في تاريخ حياتهم عظيم؛ لأن الكشوف الأثرية التي تظهر في مصر الآن تجيء متلاحقة يجري بعضها وراء بعض كل يوم، وتمدنا بالحقائق الجديدة عن تاريخ أولئك الرجال، كما تكشف لنا عن حياة غيرهم، مما لم نكن نعرف عنهم شيئًا، أو نعرف أسماءهم فحسب.
والذي يلفت النظر في هؤلاء الموظفين أنهم كانوا من أسر معروفة في مصر، وقد انحصرت الوظائف فيهم، وبخاصة أسرة الكاهن الأكبر «وننفر» الذي كان يشغل وظيفة الكاهن الأول للإله «أوزير» «بالعرابة المدفونة»، وأسرة هذا الكاهن قد ابتلع أفرادها، ومن ينتمون إليهم كل وظائف الحكومة تقريبًا في عهد هذا الفرعون، كما سنوضح ذلك بعد، وتدل شواهد الأحوال على أن كثيرًا من هذه الوظائف كان في معظم الأحيان وراثيًّا في أفراد الأسرة الواحدة؛ مما يعضد رأي «هردوت» بعض الشيء عندما قال: «إن الوظائف والحِرف كانت وراثية في مصر.» يضاف إلى ذلك أنه قد صورت أمامنا على مقابر هؤلاء الموظفين بعض الظواهر الجديدة، التي لم تألفها في عهد الأسرة الثامنة عشرة، كما اختفت مناظر أخرى مما كنا نشاهدها مصورة قبل عهد الرعامسة؛ ولذلك لم نتردد في شرح مناظر كل مقبرة يبدو فيها شيء جديد كلما سنحت الفرصة، على الرغم مما فيها من تطويل للقارئ المعتاد.
(٩-١) وزراء «رعمسيس الثاني»
(أ) الوزير «باسر»
ومن النقوش التي تركها لنا هذا الوزير نعلم أن جده كان يُدعى «تابايا»، وجدته تُدعى «تاتويا»، ووالده يسمى «نبننترو» (تري).
وقد بلغ «باسر» أعلى مكانة في وظائف الحكومة، إذ كان رئيسًا للوزراء في عهد كل من «سيتي الأول»، و«رعمسيس الثاني»، وتدل الألقاب التي كان يحملها والده على أنه من أسرة عريقة في خدمة الفراعنة، فقد كان يحمل الألقاب التالية: القاضي، والكاهن الأكبر للإله آمون، والكاهن الأكبر للإله «بتاح»، والمشرف على كهنة الوجهين القبلي والبحري، والأمير الوراثي، وحامل خاتم الوجه البحري، والسمير الوحيد، ورئيس أسرار المحاكم الست، والكاهن الأول ﻟ «آمون» في «عين شمس الجنوبية» (أرمنت)، وكذلك كانت أمه «مري رع» تحمل لقب رئيسة نساء «آمون» بالكرنك، ورئيسة نساء «آمون بمنف»، ومغنية «حتحور» سيدة «حتب» (مكان بالقرب من هليوبوليس).
ألقاب «باسر» ونعوته
ومما يلفت النظر في هذه الألقاب لقب «الكاهن الأول للإله آمون» في «عين شمس الجنوبية» (أي أرمنت)، فقد وجد على قطعة من لوحة محفوظة الآن «بمتحف الفاتيكان»، وعليها النقش التالي: «الأمير الوراثي، والكاهن والد الإله، وعمدة المدينة «باسر» الكاهن الأول ﻟ «آمون» في «إيون».»
ومن المناظر الطريفة في هذه القاعة صورة إلهة تتقمص شجرة — وتكون عادة الإلهة «حتحور» أو الإلهة «نوت» — وتبرز من قلب الشجرة لتقدم الشراب للمتوفى وزوجه، (والشجرة شجرة الجميز).
كما يوجد منظر يمثل الإله «آتوم» في سفينة الشمس، ومعه «سيتي الأول» يقدم قربانًا، وأمام هذه السفينة نشاهد أرواح بلدة «پ»، (أو «بوتو») وبلدة «نخن» (الملوك الغابرين)، وتستند القاعة على سبعة عمد نُقش على جوانبها صلوات للإله، وألقاب «باسر»، وألقاب «أوزير».
ويوجد للوزير «باسر» آثار عدة في مختلف جهات القطر أهمهما ما يأتي:
وفي «متحف بوستون» «بنيويورك» جزء من لوحة من الحجر الجيري الأبيض، وقد مثل عليه منظر يظهر فيه «باسر» يتبعه شخص آخر واقف خلف الفرعون «رعمسيس الثاني» الذي نشاهد الإلهة «حتحور» واقفة خلفه تحميه، ويحمل «باسر» في هذه اللوحة الألقاب التالية: «حامل المروحة على يمين الفرعون، وعمدة المدينة، والوزير «باسر» المرحوم، ورئيس العمال في …» ولا شك في أن «باسر» هذا هو «باسر» الذي نحن بصدد الكلام عنه، وعليه يمكن أن نضيف هذا الأثر الذي نحن بصدده إلى آثاره الأخرى.
وبهذه المناسبة يجدر بنا أن نشير إلى وجود اسم «باسر» بين الوزراء وحكام بلاد النوبة في الدولة الحديثة، والواقع أن «فيل» قد دوَّن في كتابه عن وزراء مصر وزيرين بهذا الاسم؛ الأول: في عهد الملك «آي»، والثاني: في عهد «رعمسيس الثاني» الذي نحن بصدده الآن، وقد دون كذلك «ريزنر» عند كلامه على حكام بلاد النوبة نائبين لبلاد «كوش» بهذا الاسم؛ الأول: كان في عهد الملك «آي»، أو «حور محب»، والثاني: في عهد «رعمسيس الثاني».
(ب) الوزير «نفر رنبت»
لم يُعثر على قبر هذا الوزير حتى الآن، غير أنه ترك لنا بعض آثار قليلة نقش عليها اسمه، وأسماء أفراد أسرته، والظاهر أن والده كان من الطبقة الوسطى، فكان يحمل لقب القاضي أو الوجيه (ساب)، وكان يسمى كذلك «نفر رنبت». أما والدته فكانت تحمل اللقب العادي الذي كانت تلقب به كل سيدات الطبقة الوسطى، وهو «ربة البيت»، واسمها «كافيراياتي»، وكانت زوجه تُدعى «بييو»، وقد رُزقت منه غلامين وأربع بنات. أما هو فكان يحمل الألقاب العادية التي كان يحملها الوزير في هذا العهد، وغيرها من الألقاب العالية، والنعوت السامية، وهي:
«وسر ماعت رع ستبن رع»، ابن الشمس محبوب «آمون» «رعمسيس الثاني»، معطي الحياة أمر جلالته عمدة المدينة الوزير «نفر رنبت» …
ومما جاء في نقوش الأعياد الثلاثينية التي وجدت في «أرمنت» نعرف أن هذا الوزير كان من الوزراء الذين عاصروا «رعمسيس» في آخر حياته.
(ﺟ) الوزير «رع حتب»
ومن أهم الآثار التي عُثر عليها باسم هذا الوزير لوحة محفوظة الآن في متحف «ميونخ»؛ إذ تكشف لنا عن صفحة شيقة في التقاليد الدينية، وبخاصة عبادة «رعمسيس الثاني» لنفسه، وعبادة الشعب له وهو لا يزال على قيد الحياة.
وجزء هذه اللوحة الأعلى مستدير، وينقسم سطحها قسمين متساويين تقريبًا، ففي القسم الأعلى نشاهد فرعونًا يتقدم وهو يطلق البخور، ويصب الماء نحو تمثال ملك أمامه مائدة قربان حافلة بألوان الطعام، ويشاهد خلف هذا التمثال أربع آذان ضخمة، وفي القسم الأسفل من اللوحة نشاهد مهدي اللوحة مرتديًا لباس الوزارة الرسمي، ورأسه عارٍ كما جرت العادة في عهد الدولة الحديثة، ويحمل هذا الوزير في يده اليسرى مروحة ومنديلًا، وينشد تضرعًا مؤلفًا من خمسة أسطر، وهو متجه نحو التمثال الموجود في القسم الأعلى من اللوحة، ومما يؤسف له أن أواخر الأسطر من هذا التضرع قد هُشمت تهشيمًا تامًّا، ومع ذلك يمكننا أن نصل إلى فهم كنه محتويات هذا التضرع بوجه عام، وهاك ما تبقى: «الصلاة لروحك (أي تمثال الملك «رعمسيس») الإله الأكبر الذي يسمع … (أو الذي يرفع التضرع) الرجال، ليته يعطي الحياة والفلاح والصحة والفطنة والمديح و… إلى الأمير الوراثي، وحامل المروحة على يمين الفرعون، وعمدة المدينة، الوزير «رع حتب» … في «بررعمسيس» محبوب «آمون».»
ونجد منقوشًا على التمثال الذي في القسم الأعلى ما يأتي: ««رعمسيس» حاكم الحكام، والإله الأكبر، وسيد السماء مخلدًا». وقد ظهر في الصورة في الجزء الأعلى ملك يخطو إلى الأمام، وفي الجهة الأخرى مائدة القربان، ونشاهد الفرعون «رعمسيس الثاني» لابسًا قبعة الحرب وهو يقدم البخور، ويصب الماء لتمثاله، وقد نقش فوق صورته اسمه ولقبه، وعلى يمينه قرص الشمس يتدلى منه صلَّان، وكذلك النقش التالي: «بحدتى الإله الأكبر.»
والواقع أن ما جاء على هذه اللوحة برهان على عبادة «رعمسيس الثاني» لنفسه بوصفه إلهًا في مدة حياته، والحث على هذه العبادة في صورة تمثاله كالتماثيل التي كانت تُنحت للآلهة.
وبهذه المناسبة نضع أمام القارئ بعض الأمثلة عن صور التضرع للملك المؤله دون أن ندخل في تفاصيل موضوع عبادة الملك «رعمسيس» بوصفه إلهًا، وهو في الواقع موضوع لا يزال يحتاج إلى إيضاحات كبيرة، ومن المدهش أن الأستاذ «موريه» في كتابه عن الملوك والآلهة لم يشِر إلى هذا الموضوع إشارة صريحة.
-
(١)
ففي معابد بلاد النوبة يظهر أمامنا «رعمسيس الثاني» نفسه مؤلهًا، وهو في كل حالة منها تكون صورته ممثلة كأي إله آخر، غير أنه لم يظهر قط وهو مؤله في صورة تمثال، بل في صورة إله. فمثلًا: في معبد «بو سمبل» نراه في هيئة إله برأس صقر، أي إنه في هذه الحالة يمثل إله الشمس، ويُسمى «رعمسيس الإله الأكبر»،٣٩٩ وكذلك يظهر في صورة إنسان، ولكن على رأسه قرص الشمس، ويسمى «رعمسيس الإله الأكبر رب السماء»، وفي معبد «أكشه» ببلاد النوبة مثل في صورة إنسان، ولكن النقوش التي تتبعه تقول عنه: «وسر ماعت رع ستبن رع الإله الأعظم رب النوبة.»٤٠٠ أي إنه في كل هذه الحالات كان يعد إلهًا خاصًّا لبلاد النوبة، وعلى ذلك نفهم من كل الأمثلة التي ضربناها أنها تتناول العلاقة التي كانت بين «رعمسيس الثاني» الملك، وبين صوره الخاصة بوصفه إلهًا.
-
(٢)
والواقع أن الصور التي على لوحة «رع حتب» تقرب من الصور التي ذكرناها؛ لأننا نشاهد هذا الوزير في هذه اللوحة يتعبد ﻟ «رعمسيس» كما يتعبد أي موظف لأي إله، وكما يتعبد كذلك لروح الملك «كا»؛ غير أن الروح كان لا يرسم قط، بل يستدل عليه من النقوش التي كانت تدون خلف الآلهة، مثال ذلك ما نجده في نقوش «السلسلة» في تعبيرات صيغ القربان فيقال مثلًا: «قربان يقدمه الملك والإله «حور اختي» إلخ، والنيل والد الآلهة، وروح الملك «مرنبتاح» حتى يمكنهم أن يعطوا إلخ لفلان.»٤٠١ وكذلك نجد بالعكس أن الآلهة كان يتضرع إليهم ليهبوا إلى روح الملك الحياة.٤٠٢ وفي مثل هذه الحالة قد يخالج الإنسان الشك فيما إذا كان روح الملك هنا يمثل بكل بساطة الملك العائش، أو أن الآلهة قد وهبوا الملك المؤله — في صورة روح ملكي — الحياة الأبدية، ولكن لدينا نقش في «السلسلة» يقرب من النقش الذي على لوحة «رع حتب»، وهو على الجدار الخارجي لمقصورة «حور محب»؛ إذ نرى في هذا المنظر وزيرًا يصلي لروح الإله «بتاح»، ولروح الملك «رعمسيس الثاني»، ويُرى هنا الملك «رعمسيس الثاني» واقفًا بين الوزير المتضرع والإله «بتاح»، ولكن هذا الإله الذي يصلي له الوزير قد ولَّاه ظهره، وقد عُرف الملك هنا بأنه: «الإله الطيب ابن الإله «بتاح» «رعمسيس الثاني».» وبذلك لم يكن يقوم بدور إله أو بدور الروح الملكي. والتفسير المعقول لهذا المنظر هو أن الوزير كان يوجه تضرعه بوساطة الروح الملكية إلى الإله «بتاح»، وبهذه الكيفية يصبح هذا التضرع له قيمته عندما ينقل الملك الحي للإله تضرع وزيره.
ومن ثم يمكننا أن نقرر هنا أن الصلاة التي على لوحة «رع حتب» كانت موجهة للروح «كا»، وللتمثال الملكي معًا؛ أي إن الروح يتقمص أو يسكن الملك المؤله. ولما كانت الصلاة التي على نقوش مقصورة «السلسلة» يوجهها الوزير للفرعون لأجل أن يوصلها «بتاح» بدوره؛ صار من المسلَّم به إذن أن الملك يقوم بالصلاة التي على اللوحة التي نحن بصددها للإله «بتاح» بوصفه المحامي عن الوزير المتضرع، مطلقًا البخور لتمثال روحه هو «الملك»، ومن الجائز أن الآذان الأربع التي نشاهدها خلف التمثال؛ اثنتان منها للملك، واثنتان لتمثال الروح. وعلى أية حال فإن الأذن كان لها هنا نصيب في رفع هذا التضرع للإله، على أنه يمكن تفسير وقوف الملك أمام تمثال روحه بصورة أخرى؛ إذ قد يكون ما يتطلبه الوزير بتضرعاته فائدة مادية، أو حظوة خاصة، كما نشاهد ذلك فعلًا على لوحة «موسى» الآنفة الذكر. وعلى ذلك يمكن للإنسان أن يفهم أن رفع التضرع كان ينفذ بوساطة تمثال الروح المؤله، وأن الملك كان يشترك في إجابة تضرع الوزير، ولذلك نجد أن تمثال الروح، وصورة الملك قد رُسما في القسم الأعلى من اللوحة كما شرحنا، وإذا نظرنا بعين فاحصة وجدنا أن تقسيم اللوحة بهذه الكيفية قسمين له مدلوله المنطقي المتناسق، ففي القسم الأسفل من اللوحة من جهة اليمين نجد الوزير راكعًا يقرأ التضرع لأذني تمثال الروح، وفي أعلى اللوحة نشاهد صورة الملك الحي يحقق رجاء الوزير، كما نشاهد مثل هذا على لوحة «موسى».
الحاكم الوراثي، قائد العظماء، والوزير «رع حتب» المرحوم يقول: «إني وزير القطرين، وباب قصر الفرعون، والكاهن الأول، والمشرف على الكهنة، ومدير كل فراء (لقب كهنوتي)، وأعظم الرائين، والرئيس الأعظم للصناع، والكاهن «سم» للإله «بتاح»، ومدير عيد من يسكن جنوبي جداره «بتاح»، والكاهن الأكبر للإلهة «وازيت»، ورئيس التشريفات الأعظم لرب الأرضين، ومدير الأعمال، ومدير الحرف، والمشرف على قوانين الإله الطيب (الملك) في ساحة العدالة، وفم الملك وحاجب ملك الوجه القبلي والوجه البحري، ومن يسر جلالته في قصره الفاخر، ومن يرفع سبيل العدالة لجلالته، والمقدم أمام كل الرجال، وحاسب كل جزية في الأرض قاطبة (أي المشرف على خزائن مصر) وعمدة المدينة، والوزير «رع حتب».»
- (١)
والده يُدعى «باحم نتر»، ويلقب الكاهن الأكبر للإله «بتاح».
- (٢)
والدته تسمى «خعي نسوت»، وتلقب رئيسة نساء الإله «أنحور».
- (٣)
وأخته تسمى «حنورا»، وتلقب رئيسة نساء الإله «حرشفي».
- (٤)
وأخوه يسمى «منمسو»، ويحمل لقب الكاهن الأول للإله «آمون».
ويدل لقب رسول الفرعون لبلاد «خيتا» على أنه كان وزير الفرعون في السنة الحادية والعشرين من حكم «رعمسيس الثاني».
(د) الوزير «با-رع حتب»
(ﻫ) الوزير «خعي»
(٩-٢) الكهنة في عهد «رعمسيس الثاني»
(أ) كهنة آمون
يدل ما لدينا من وثائق على أن كهنة «آمون» أخذ نفوذهم يزداد قوة، وسلطانهم رفعة أكثر مما كانوا عليه قبل عهد الإصلاح الديني الذي قام به «إخناتون»، ويرجع الفضل في ذلك إلى ما أظهره الفرعون «حور محب» من غيرة وحماس لإعادة مجد الإله «آمون»، وما كان لكهنته من نفوذ ومقام كريم بين أفراد الشعب المصري، والإمبراطورية المصرية جمعاء، وبخاصة الكاهن الأول للإله «آمون» الذي كان يعد المدير لشئون هذا الإله الدينية والدنيوية معًا. وإذا علمنا أن تنصيب هذا الكاهن العظيم كان لا يتأتى حينئذ إلا بوحي الإله نفسه، وأن الفرعون كان المنفذ لما يوحي به الإله «آمون» الذي كان يعده الفرعون — الآخذ بيده، والمناصر له في مواطنه كلها، وبخاصة في ساحة القتال — عرفنا مقدار ما كان لهذا الكاهن، وطائفته من سلطان، وجاه في أنحاء البلاد، وبخاصة في «طيبة»، مقر الملك الديني، يضاف إلى ذلك أن أملاك «آمون» كانت شاسعة، وتكاد تكون مستقلة عن أملاك الدولة لدرجة أنها كانت تعد شبه مملكة صغيرة داخل مملكة كبيرة، غير أن شواهد الأحوال تشعر بأن الفرعون كان — في الواقع — يشرف على تعيين الكهنة، كما كان يشترك في إدارة أملاك «آمون» بصفة غير مباشرة إلى حد ما.
نب وننف الكاهن الأكبر للإله آمون
شاءت الصدف المحضة أن تضع بين أيدينا وثيقة عن تنصيب أول كاهن أعظم للإله «آمون» في عهد الفرعون «رعمسيس الثاني»، وتعد فريدة في بابها، بل نسيج وحدها في ذلك العهد، إذ تكشف لنا النقاب عن الخطوات التي كانت تتخذ لملء هذه الوظيفة الخطيرة الشأن، وما كان لها من هيبة وجلال، وقد عثر عليها في قبر هذا الكاهن.
فقد حدث في السنة الأولى من حكم «رعمسيس الثاني» أن أصبح كرسي الكاهن الأكبر للإله «آمون» خاليًا، وعندما احتفل جلالته بعيد الأقصر (إبت) العظيم في الشهر الثاني من هذه السنة كان هذا الفرعون بنفسه يدير شعائر هذا الحفل، فسار مع سفينة «آمون» التي كان يحملها ثلاثون كاهنًا على أعناقهم بهذه المناسبة، وكانوا يرتدون وجوه أرواح «بوتو»، ووجوه أرواح «هيراكنبوليس» (الكاب الحالية)، وكان الكاهن يرتدي وجه صقر، أو وجه ابن آوى.
ولما كان «نب وننف» هذا ليس من طائفة كهنة «آمون» في «طيبة» فيحتمل أن هذا الاختيار كان من جانب الملك الذي كان يترجم بمهارة عن إرادة الإله «آمون»، وكان الداعي له إما أسباب سياسية أو شخصية، فقد كان «نب وننف» قبل اختياره يشغل وظيفة كاهن أول للإله «أنوريس» (أنحور) بالعرابة، وكذلك الكاهن الأول للإلهة «حتحور» صاحبة «دندرة»، وكانت سلطته نافذة وقتئذ على كهنة ومعابد جزء من مصر الوسطى يبدأ من «طيبة»؛ حيث كان مقره حتى مدينة «حري حر آمون» الواقعة عند بوابات «طيبة» نفسها، وهذا الاختيار الجديد للكاهن «نب وننف» جعل «رعمسيس الثاني» يغادر عاصمة ملكه في الجنوب، ويقلع منحدرًا في النيل ليصل إلى عاصمته «بررعمسيس» في الشمال، بيد أنه رسا بسفينته في مقاطعة «طينة» ليزف الخبر للكاهن «نب وننف». وتقص علينا النقوش تعيين هذا الكاهن، وتعد الوثيقة التي تروي هذا الحادث، وهي التي كتبها «نب وننف» على جدران قبره، وكذلك الوثيقتان اللتان وصلتا إلينا عن تنصيب الكاهن «أمنمأبت»، والكاهن «باكنخنسو» من الوثائق الأصلية التي يعتمد عليها عند كتابة تاريخ الكهنة العظام للإله «آمون» «بالكرنك».
السنة الأولى، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم الأول عندما انحدر جلالته في النيل من عاصمة الجنوب حيث قرَّب القربان لوالده «آمون»، صاحب تيجان الأرضين، والثور القوي، وسيد تاسوع الآلهة، وكذلك الإلهة «موت» سيدة «أشرو» (معبد بجوار الكرنك)، والإله «خنسو» في طيبة «نفر حتب»، وتاسوع «طيبة» في عيده الجميل «بالأقصر». وقد ذهب من هناك في حظوة بعد أن تقبل ما قُدم لحياة وصحة وعافية ملك الوجه القبلي والوجه البحري «رعمسيس الثاني» ليته يعيش مخلدًا، وقد رسا في مقاطعة «طينة»، وأتى بالكاهن الأعظم للإله «آمون نب وننف» المنتصر أمام جلالته، وكان لم يزل وقتئذ كاهنًا أولًا للإله «أنوريس»، والكاهن الأول للإلهة «حتحور» سيدة «دندرة»، ورئيس كل كهنة الآلهة في الجنوب حتى «حري حر آمون»، وفي الشمال حتى مدينة «طينة»، وعندئذ قال جلالته له: لقد أصبحت منذ الآن الكاهن الأعظم ﻟ «آمون»، وكذلك أصبحت خزائنه ومخازن غلاله تحت خاتمك، وصرت رئيس معبده، وكل خدامه تحت سلطانك، أما معبد «حتحور» سيدة «دندرة»، فإنه سيكون تحت إدارة ابنك، وكذلك موظفو آبائك، والمكان الذي كنت تحتله، وبقدر ما يحبني «رع» حقًّا، وبقدر ما يمجدني والدي «آمون» جمعت له — أي لآمون — موظفي البلاط، ورؤساء الجيش، وكذلك جمعت له كهنة الآلهة، وعظماء بيته ليمثلوا أمام وجهه، فلم يظهر رضاه بأي واحد منهم إلا عندما ذكرت اسمك، فليكن العمل الصالح له لأنه حباك (باختياره)؛ أما عني فإني أعرف فضلك، فزد في ذلك حتى تثني عليك روحه، وكذلك تمدحك حضرتي، ليته يجعلك تمكث في بيته، وليته يمنحك حراسة بيته، ويجعلك ترسو على أديم مدينته (الجبانة)، ولقد سلمك أمراس مقدمة السفينة ومؤخرتها، وإنه يرغب فيك نفسه، وإنه لم يقُل له شخص آخر هذا — أي إن اختيارك جاء من وحي الإله نفسه — وإنه منحك الغرب؛ لأن والدي «آمون» إله قوي، وليس له مثيل إذ يمتحن القلوب، ويجوس خلال الأرواح، وإنه الذكاء الذي يعرف دخيلة النفس، وليس في مقدور إله أن يأتي بما يفعله، ولا يعارض إنسان مشروعاته، ويرتكز الإنسان على ما يخرج من فيه، وهو سيد التاسوع، وقد اختارك لكمالك، وأخذك لسموك.
وتأمل: لقد تمدح رجال البلاط، ومجلس الثلاثين معًا بطيبة جلالته، وسجدوا مرات عدة أمام هذا الإله الطيب مصلين له، ومرضين صلَّه الذي على جبينه، ومتعبدين أمام وجهه، وقد مجدوا أرواحه حتى عنان السماء قائلين: أنت يا حاكم «آمون»، ويا من سيبقى حتى السرمدية، ومن أوجده بين الأجيال والأجيال! ليتك تحفل بأعياد ثلاثينية بالملايين، وليت سنيك تكون عديدة مثل رمال شاطئ البحر، وإنك تولد كل صباح، وتجدد لنا مثل الشمس، وتصير صبيًّا كالقمر … وإنك تحكم بوصفك ملكًا على الأرضين، والأقواس التسعة تحت أوامرك، ونهاية حدودك تمتد حتى حدود السماء، ودائرتها تحت سلطانك، وما تحيط به الشمس تحت نظرك، وما يغمره المحيط خاضع لك، وإنك على الأرض فوق عرش «حور»؛ حيث تظهر بوصفك رئيس الأحياء، وإنك تجند شباب مصر، وإنك تقهر أعداءك بوصفك سيدًا ملكه ثابت مثل والدك «آمون رع»، وإنك تحكم كما حكم، وإنك على الأرض كقرص الشمس في السماء، ووجودك مثل وجوده، وإنه يمنحك الخلود بلا نهاية مجهزًا وممنوحًا الحياة والسعادة، أنت يأيها الرئيس الطيب محبوب «آمون» الذي سيبقى حتى نهاية الزمن. تأمل! فقد منحه جلالته خاتميه اللذين صيغا من ذهب، وعصاه التي من السام، ثم نصب كاهنًا أعظم ﻟ «آمون»، ومديرًا لبيتي الفضة والذهب، ومديرًا لمخزن الغلال، ومديرًا للأعمال، ورئيسًا لكل طوائف العمال أصحاب الحرف في «طيبة».
ثم أمر بإرسال بريد ملكي ليجعل كل مصر تعلم أن بيت «آمون» قد وكل أمره إليه، وكذلك كل ممتلكاته، وكل قومه … بفضلك يا رئيس «آمون» الذي سيبقى إلى الأبد.
ولما تسلم «نب وننف» عمله الجديد خلع على ابنه «سماتوي» وظائفه القديمة، فأصبح الكاهن الأول للإلهة «حتحور» صاحبة «دندرة». ومن الغريب أننا نجد في ودائع أساس مقصورة «القرنة» لقبه القديم، وكذلك حافظ على ذكره في نقوش قبره، يضاف إلى ذلك أننا نعرف من نقوش هذا القبر كذلك أن زوجه «تاخعت» كانت تُلقب رئيسة نساء حريم الإله «آمون».
«وننفر» الكاهن الأكبر ﻟ «آمون»
على الرغم مما وصلنا من نقوش عن عظماء رجال عهد «رعمسيس الثاني»، فإنه لم يزَل لدينا فجوات كبيرة ننتظر ملأها بما تجود به الكشوف، والحفائر التي يقوم بها العلماء في أنحاء وادي النيل، وهذه الفجوات تقف في وجه المؤرخ حجر عثرة لا تجعله يعرف تتبع سير الحوادث بصفة متصلة، فها نحن أولاء نعرف أول كاهن أكبر تربع على كرسي كهنة «آمون»، ولكن بعد ذلك لا نعرف من الذي خلفه، إذ تعوزنا الوثائق كلية إلا بعض إشارات لا تشفي غلة، ثم تستمر بنا الحال كذلك في عهد «رعمسيس الثاني» حتى العام السادس والأربعين من حكمه؛ حيث تطالعنا الوثائق بأن الذي كان يشغل هذه الوظيفة حتى نهاية حكم هذا الفرعون هو الكاهن الأكبر «باكنخنسو»، على أن ذلك لا يعني أننا لا نعرف أسماء أشخاص آخرين قد شغلوا هذه الوظيفة في عهد هذا الفرعون، بل على العكس نعرف منهم حتى الآن أسماء ثلاثة؛ وهم: «وننفر»، و«باسر»، ويحتمل كذلك «أمنحتب»، ولكنا لا نعرف ترتيب توليهم مهام هذه الوظيفة الخطيرة، وعلى ذلك فإنا إذا ذكرناهم هنا في أي ترتيب فإن ذلك مجرد تخمين قد تدحضه كشوف جديدة.
وعلى أية حال فإن الظواهر تدل على أن كاهن «آمون» الأكبر الذي خلف «نب وننف» هو «وننفر».
«منموسي» الكاهن الأكبر لآمون
«باسر» الكاهن الأكبر للإله آمون
وكذلك نقش حول قاعدة هذا التمثال متن جاء فيه: «لأجل روح الأمير الوراثي، والكاهن الأول ﻟ «آمون» «باسر» يقول: إني رجل يبجل إلهه، وينفذ قوانينه، ولقد حباني على الأرض بمشاطرة واجباته، ليته يمنحني أن أتمم في سعادة حياتي على حسب ما أمر لأجل روح «كا» الحاكم الوراثي، «رئيس كهنة كل الآلهة»، والكاهن الأول ﻟ «آمون» «باسر».»
وهذا المتن — كما يرى القارئ — لا يمدنا بشيء عن أسرته، كما لا يحدثنا عن مكانته ونفوذه في هذا العصر، هذا إذا نظرنا إلى أن لقب رئيس كهنة كل الآلهة في هذه الفترة لم يكن إلا لقب شرف وحسب — لا كما كان في عهد «تحتمس الرابع»، و«أمنحتب الثالث» — يدل على أن صاحبه ذو نفوذ وسلطان.
«أمنحتب» الكاهن الأول للإله آمون
«باكنخنسو» الكاهن الأول للإله آمون
وسنورد هنا حياة «باكنخنسو» الذي عاش في عهد «رعمسيس الثاني» كما جاء على الآثار التي أرِّخت بعهد هذا الفرعون. والمصادر الأصلية الهامة التي سنعتمد عليها هنا في بحثنا مصدران؛ أولهما: تمثاله المحفوظ الآن «بمتحف مونيخ»، والآخر: تمثاله الموجود «بمتحف القاهرة» الذي عثر عليه «لجران» في الكرنك عام ١٩٠٤ بالقرب من الباب الجرانيتي للبوابة السابعة، وهذان التمثالان من طراز واحد، ويمثلان «باكنخنسو» لابسًا الشعر المستعار الخاص بعصر الرعامسة، ويرتدي قميصًا ضيقًا، وقد مثل جالسًا القرفصاء على قاعدة منخفضة بذراعيه مطويتين على صدره.
نقوش تمثال «مونيخ»
الأمير الوراثي والكاهن الأول ﻟ «آمون» (باكنخنسو) يقول: إني رجل عادل، ومحق ومفيد لسيده، ومحترم خطط إلهه، وسائر على الطريق، ومنجز أشياء نافعة في معبده؛ لأني المشرف الأعظم على الأعمال في بيت آمون، ومرضي سيدي إرضاء تامًّا، فأنتم يأيها الناس جميعًا أصحاب الروح اليقظ، وأنتم يا من يعيشون (فعلًا) على الأرض، وأنتم يا من سيأتون بعدي في ملايين ملايين السنين، بعد الشيخوخة والعمر الطويل، وأنتم جميعًا يا أصحاب العقل الفطن، الذي يفهم الفضل — إني سأحدثكم عما كنت عليه من خلق، عندما كنت — على الأرض — في كل الوظائف التي شغلتها منذ ولادتي: لقد أمضيت أربع سنوات طفلًا كاملًا، ومضيت اثنتي عشرة سنة صبيًّا، كنت في أثنائها رئيس إصطبل التعليم في عهد الملك «من ماعت رع» (سيتي الأول)، وكنت كاهنًا مطهرًا للإله «آمون» مدة أربع سنوات، وكنت كاهن والد الإله مدة اثنتي عشرة سنة، ثم كنت كاهنًا ثالثًا للإله «آمون» مدة خمس عشرة سنة، ثم كاهنًا ثانيًا للإله «آمون» مدة اثنتي عشرة سنة، وقد كافأني الإله فميزني لفضلي، وعينني في وظيفة الكاهن الأول للإله «آمون»، وقد مارستها سبعًا وعشرين سنة.
وقد كنت والدًا رحيمًا بمرءوسي، فعلمت أناسيهم الصغار، ومددت يدي لمن كان تعسًا، وطمأنت أولئك المحتاجين على حياتهم، وقمت بعمل أشياء نافعة في معبده، بوصفي المشرف الأعظم على الأعمال في «طيبة»، لحساب ابنه الذي أنجبه من ظهره، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «رعمسيس الثاني» معطي الحياة، ومؤسس الأوقاف الخيرية لوالده «آمون» الذي وضعه على عرشه.
لقد عملت أشياء نافعة في بيت «آمون»؛ لأني كنت المشرف على أعمال سيدي (الملك)، ولقد أقمت له معبدًا يُدعى «رعمسيس محبوب آمون» الذي يسمع التضرعات، عند الباب العلوي لبيت «آمون»، وقد أقمت فيه مسلات من حجر الجرانيت، وهي التي قد وصل جمالها إلى عنان السماء، وقد أقمت بوابة أمام المعبد من الحجر، مواجهة «لطيبة»، وكانت مغمورة بالمياه (أي إن أسفل البوابة كان مغمورًا بالماء الذي كان يُستعمل لرى الحدائق الممتدة أمام المعبد)، وكانت الحدائق مغروسة بالأشجار، وقد صنعت أبوابًا غاية في العظم من السام، بهاؤها يصل إلى السماء، وقد نحت كتلًا غاية في الضخامة، وأقمتها على الساحة الفخمة المواجهة لمعبده، وبنيت سفنًا عظيمة تسبح على النهر ﻟ «آمون»، و«موت» و«خنسو» بوساطة الأمير الوراثي الكاهن الأول ﻟ «آمون» (باكنخنسو).
الأمير الوراثي والكاهن الأول ﻟ «آمون» «باكنخنسو» يقول: إني رجل حازم عادل ومحق، ينفذ قوانين إلهه، ومستسلم لإرادته … ورجل يداه تقبضان على عمود السكان، وشغل مدة حياته في وظائف نوتي «آمون»، وقد كنت سعيدًا في هذا اليوم أكثر من أمس، وليت الإله يزيد في الغد كذلك في سعادتي! ولقد كنت منذ طفولتي المبكرة حتى شيخوختي، في بيت «آمون» خادمًا له في صدق، وعيناي تريان صليه، ليته يتمم لي حياة سعيدة مداها عشر ومائة سنة.
تمثال المتحف المصري (راجع Legrain, Catal. Gen. No. 24155).
قربان يقدمه الملك للإله «آمون رع»، الذي كان في الأصل للأرضين — السيد المسيطر بالسلطان والقوة، والعظيم بالخوف الذي يبعثه، وللإلهة «موت» العظيمة «عين رع»، وللإله «خنسو-نفر حتب»؛ لأجل أن يعملوا على أن يكون اسمي ثابتًا بقوة في «طيبة»، وأن يعيش في الكرنك، وعلى أن كل ما يأتي من موائد قربهم يوضع أمام تمثالي — لروح والد الإله صاحب اليدين الطاهرتين — والكاهن الثالث ﻟ «آمون»، والكاهن الثاني ﻟ «آمون»، والمشرف على كل كهنة الآلهة، والكاهن الأول ﻟ «آمون»، «باكنخنسو» يقول: إني المدير في «طيبة» لكل الأشغال الممتازة، وإني رجل حاز ثقة سيده تمامًا في إدارة كل طوائف الحرف في كل الآثار التي عملها لوالده «آمون».
الكاهن والد الإله، والكاهن الأول ﻟ «آمون» «باكنخنسو» يقول: إني رجل طيبي المنبت أبًا وأمًّا، وابن كاهن ثانٍ للإله «آمون» (بالكرنك)، وقد تخرَّجت من مدرسة الكتابة الكائنة في «معبد سيدة السماء»، وكنت لا أزال صبيًّا كاملًا، وقد لقنت وظائف الكهانة في معبد «آمون»، كالابن تحت سيطرة والده، وقد أثنى عليَّ «آمون»، وميزني لفضلي؛ وكنت متصلًا به بثقة، وعندما رُقيت كاهنًا والد إله، رأيت كل مظاهره، وأنجزت أعمالًا نافعة في معبده، فقمت بكل أنواع الأعمال الممتازة. وإني لم أرتكب خطيئة في معبده، ولم أهمل أوامري فيما يخصه، وسرت على أديمه، منحنيًا ومظهرًا خوفي من بطشه، وإني لم أرهب خدمه، بل كنت لهم أبًا، وقد قضيت للفقير مثل قضائي للغني، وللقوي مثل الضعيف، وأعطيت كل واحد ما يخصه؛ لأني كنت لا أمقت إلا الشره، وقد ضمنت لمن لا خلف لهم جنازهم، وتابوتًا لمن لا يملك شيئًا، وحميت اليتيم الذي رجاني، وتعهدت بيدي مصالح الأرملة، وإني لم أطرد الابن من مكان والده، ولم أنتزع الطفل الصغير من والدته، وبسطت ذراعي، وحصلت على مؤن لمن لا يملك قوتًا، وغذاء لمن كان في فقر … ذاهبًا نحو المتضرع (؟)، وفتحت أذني لمن يقول الصدق، وأبعدت عني من كانوا يحملون أوزارًا؛ لأجل روح الأمير الوراثي الكاهن الأول ﻟ «آمون» (باكنخنسو).
الأمير الوراثي، ووالد الإله، ومحبوب الإله، رئيس الأسرار في السماء وفي الأرض، وفي العالم السفلي، والكاهن أعظم الرائين للإله «رع» في «طيبة»، والكاهن «سم»، والرئيس الأعظم لمصنع «بتاح»، والمشرف على كهنة كل الآلهة، والكاهن الأعظم للإله «آمون» (باكنخنسو) يقول: إني رجل حازم عادل محق، فاعل الخير بين الناس، أخاف الله، منفذًا قوانينه، مستسلمًا لإرادته، وإني مختلط هنا بطائفة الممدوحين من صاحب الاسم الخفي، ومطعمًا نفسي من وجباته، وإني ذو شيخوخة غمرتها الحظوات التي يمنحها أصفياءه في أعماق معبده.
وإذا فحصنا نقوش هذين التمثالين معًا، أصبح من السهل علينا أن نستخلص منها حياة هذا الكاهن الأعظم، والواقع أن ما جاء عليهما يعطينا صورة صادقة عن حياته وأعماله، كما دونها هو، وتتلخص فيما يأتي: كان «باكنخنسو» طيبي المنبت، وكان والده يعمل من قبله في معبد «آمون» ﺑ «الكرنك» كاهنًا ثانيًا لهذا الإله، غير أنه مما يؤسف له لم يذكر لنا اسم والده، وقد تعلم في صباه المبكر في مدرسة الكتبة التي كان يتخرج منها كل العظماء الذين يحذقون الكتابة، وكانت أمثال هذه المدارس في داخل المعبد نفسه، وقد أرسله والده في معبد الإلهة «موت» الذي كان ملاصقًا لمعبد «آمون» ﺑ «الكرنك»، وقد نبغ فيها لأنه كان طفلًا كاملًا، وقد دخلها بعد السنة الرابعة من عمره، وتركها في السنة التاسعة تقريبًا، ثم يقص علينا بعد ذلك أنه قد أمضى اثنتي عشرة سنة رئيسًا لإصطبل التعليم للملك «سيتي الأول»؛ أي إنه قد بقي في هذه الوظيفة حتى الحادية والعشرين من عمره، ومن ثم بدأت حياته الدينية في المعبد؛ حيث كان والده يرشده في خطواته الأولى في هذا السبيل، فسار فيها حتى وصل إلى نهاية المطاف، وبلغ أعلى رتبة يتوق إليها أي كاهن طموح.
-
(١)
فكان كاهنًا مطهرًا مدة أربع سنوات؛ أي من السنة الحادية والعشرين إلى السنة الخامسة والعشرين.
-
(٢)
ثم رُقي إلى وظيفة كاهن بلقب «والد الإله»، وبقي فيها اثنتي عشرة سنة؛ أي من السنة الخامسة والعشرين حتى السنة السابعة والثلاثين، وانتقل بعدها إلى مرتبة كاهن ثالث، ومكث فيها خمس عشرة سنة؛ أي من السنة السابعة والثلاثين حتى السنة الثانية والخمسين، ثم قفز بعدها إلى وظيفة الكاهن الثاني، وشغلها اثنتي عشرة سنة؛ أي من السنة الثانية والخمسين، حتى السنة الرابعة والستين.
وعلى ذلك لم يعين كاهنًا أولًا للإله «آمون» إلا في السنة الرابعة والستين من عمره، وقد تربع على كرسي هذه الوظيفة العظيمة سبعًا وعشرين سنة؛ ولذلك يكون قد بلغ وقتئذ من العمر الحادية والتسعين، وهي السنة التي نصب فيها تمثاله في معبد «الكرنك»، حيث أصبح مختلطًا بطائفة الممدوحين، كما يقول هو في نقوشه، ولما كان كل من تمثاليه منقوشًا عليه لقب الملك «رعمسيس الثاني» دل ذلك على أن هذا الفرعون كان لم يزل حيًّا وقتئذ، ومن المحتمل أنه قد عاش حتى بلغ السابعة بعد المائة، كما يستنبط ذلك «انجلباخ»، عندما خمن أنه لم يوجد إلا «باكنخنسو» واحد في تاريخ هذه الفترة.
وقد أمضى «باكنخنسو» نحو سبعين سنة في سلك الكهانة، وقد عاش على أقل تقدير نحو إحدى وتسعين سنة، كما يحتمل أنه ولد في عهد «حور محب»، وبدأ حياته في عهد «سيتي الأول»، ثم رُقي كاهنًا أول ﻟ «آمون»، قبل السنة الأربعين من حكم «رعمسيس الثاني» (حوالي ١٢٦٠ق.م) والظاهر أنه على حسب رأي «ليفبر»، قبل السنة السابعة والستين بقليل، وهي السنة الأخيرة من حكم هذا الملك المسنِّ.
وقد تمدح «باكنخنسو»، بما له من صفات وهبها إياه إلهه، ومما لا شك فيه أن «رعمسيس الثاني» قد رقاه إلى وظيفة كاهن أول؛ لما لحظ فيه من فضائل أخرى، ولا يبعد أن مهارته في فن العمارة، هي التي لفتت نظر هذا الفرعون صاحب المباني العظيمة، وجعلته يرفعه إلى مرتبة الكاهن الأول، فقد رأينا أنه كان يشتغل بإنجاز معبد الأقصر في عهد «رعمسيس الثاني» الذي زاد فيه — كما ذكرنا من قبل — ردهة وبوابة ضخمة. وتنسب إلى «باكنخنسو» بوجه خاص، إقامة المسلتين اللتين لا تزالان باقيتين حتى الآن، واحدة منهما في ميدان «الكونكرد» بباريس، والثانية في مكانها الأصلي بالأقصر.
«رومع-روي» الكاهن الأول ﻟ «آمون»
قربان يقدمه الملك ﻟ «آمون رع» ملك الآلهة، وللإلهة «أمونيت» المبجلة في الكرنك، وللإلهة «موت» سيدة السماء، وملكة الآلهة، وإلى «خنسو في طيبة نفر حتب»؛ لأجل أن يجعلوا تمثالي يثوى ويبقى، ويتخذ مكانًا في الكرنك، مخلدًا لروح الكاهن الأول لآمون «روي»، يقول: إني آتي إليك يا سيد الآلهة، يا «آمون» رئيس تاسوع الآلهة، إني أعبد جمالك كل يوم، وإني أشبع رغباتك، ارْنُ إليَّ بوجهك الجميل؛ لأني عبدك المخلص الذي باركته، وحفظته على الأرض، وإني خدمتك باستقامة، وقد شخصت في بيتك مغمورًا بنعمائك، وعيناي تريان صليك؛ لأجل روح رئيس كهنة كل الآلهة، والكاهن الأول لآمون «رومع».
وهكذا يرى الإنسان — على نفس التمثال، وفي نفس النقش، بل وفي جمل وضعت جنبًا لجنب — الاسمين «رومع»، و«روي» مستعملين الواحد بدلًا من الآخر بلا تمييز، ومن ثم نستنبط على وجه التأكيد أن الاسمين لشخص واحد يسمى «رومع»، ومصغره «روي».
وقد عرف «رومع-روي» كيف يستغل ضعف «مرنبتاح» ليقوي مركزه الشخصي، ويمكنه من التمتع بالسيادة التي كان يتمتع بها الكاهن الأول ﻟ «آمون» قبل قيام «إخناتون» بحركته الدينية المعروفة. والواقع أنه قد أفلح في ذلك فلاحًا عظيمًا لدرجة أنه تمكَّن من نقش اسمه وصورته على أحد جدران معبد «الكرنك»، وقد كان هذا امتيازًا مقصورًا حتى الآن على الفرعون وحسب، ولم يكن في استطاعته اتخاذ هذه الخطوة التي كانت تعد في نظر الكهنة الأول في عهد الأسرة الثامنة عشرة انتهاكًا لحرمة القداسة الملكية، إلا عندما شعر بضعف سلطة الملك الدنيوية وقتئذ؛ أي عندما أخذ يشعر بضعف الفرعون في حكم البلاد، وقلة نفوذه فيها؛ فقد وجدت على الجدار الشرقي للبوابة الثامنة بالكرنك ثلاثة متون مدونة على عارضتي وعتب باب صغير يؤدي إلى السلم في داخل هذا الجدار؛ ثم نجد على اليمين مباشرة من الجهة الشمالية لهذا الباب لوحة عظيمة تحتوي على النقش العظيم الذي أطلق عليه الأثري «ليفبر» «النقش التذكاري»، وهذه المتون كلها كانت مؤرَّخة، غير أنه مما يؤسف له كثيرًا وجود التاريخ مهشمًا، ولم يبقَ منه أي شيء يرشدنا عن عصره إلا طغراء يحتوي لقب «سيتي الثاني»، يضاف إلى ذلك أننا نرى فوق عتب الباب المذكور لوحة تمثل «سيتي الثاني» يتعبد أمام الإله «آمون»، ويقدم له قرابين ملكية، وهنا نلحظ أن طغراءي الملك كانتا سليمتين.
إني رجل باسل يقظ نافع لسيده، أقمت له الآثار في بيته بقلب محب، ولبي يشتغل في كل الأعمال، ويبحث عن كل نافع لإلهي السامي، وقد كافأني على كل ما عملته؛ لأني كنت مفيدًا له، ولقد مكَّنني بوصفي الرئيس الأعظم على رأس بيته، وهكذا قد وصلت إلى الشيخوخة وأنا في خدمته مغمورًا بإنعاماته، وأعضائي لم تزَل مملوءة صحة، وعيناي تريان، والأطعمة المفيدة لم تزَل باقية في فمي، في حين أن نعم الفرعون تصيبني بفضل «آمون».
وقد منحني «آمون» أجيالًا من أولادي مجتمعين أمامي يؤدون وظائف الكهنة المكلفين بحمل تمثاله، وبينما كنت الكاهن الأول بفضل «آمون» إذ كان ابني يسكن بجانبي كاهنًا ثانيًا ﻟ «آمون»، وابني الثاني كاهنًا مطهرًا في المعبد الملكي في غربي طيبة، وابن ابني الكبير؟ كاهنًا رابعًا يحمل «آمون» رب الآلهة، وابن ابني الآخر والدًا له، وكاهنًا مرتلًا ذا يدين طاهرتين لصاحب الاسم الخفي «آمون».
ليته يجعل اسمي يبقى على تمثالي بجانب هذه الأوقاف الخيرية التي عملتها في هذا البيت، وأن يخلد ذكرى اسمي عليها في المستقبل سرمديًّا، وليت الأجيال المقبلة تمدحني لأعمالي الصالحة لأني كنت رجلًا مقدامًا.
ويحدد لنا أحد النقوش التي على تمثاله المحفوظ «بمتحف القاهرة» (رقم ٤٢١٨٥) أنه كان مدير الأعمال في الكرنك، وأنه هو الذي كان يعطي كل التعليمات للصنَّاع وأصحاب الحرف؛ كما نجده يفتخر في النقوش التي على التمثال رقم ٤٢١٨٦ بأنه بجده ومهارته قد أقام آثارًا مختلفة في بيت «آمون» باسم سيد الأرضين، وتشمل تماثيل من فضة وذهب مشغول ومطروق، ثم محرابًا مجهزًا ببابين عظيمين من الذهب المرصع بكل أنواع الأحجار الغالية (الحقيقية)، وكذلك يتحدث عن مبنى كان قد وسع أبوابه، ونقش عليه اسم سيد التيجان، وأخيرًا يذكر لنا سفنًا جارية في النهر ﻟ «آمون»، و«موت»، «وخنسو» (ثالوث طيبة).
أنتم يأيها الكهنة المطهرون، ويا كتبة بيت «آمون»، ويأيها الخدم الممتازون للقربان المقدسة، ويأيها الخبازون، وصانعو الجعة، وصانعو الحلوى، وخبازو الرغفان (المسماة) «سنت»، و«بيت»، و«بسن» الذين يقومون بأداء واجباتهم نحو سيدهم، والذين سيدخلون في هذا المصنع الذي في بيت «آمون»، عليكم أن تنطقوا باسمي كل يوم، مانحين إياي ذكرى حسنة، وعليكم أن تفخموني لأعمالي الصالحة؛ لأني كنت رجلًا مقدامًا.
لقد وجدت هذا المكان آثاره دارسة تمامًا، وجدرانه ساقطة، وخشبه متآكل، وإطاراته التي كانت من الخشب قد اختفت، وكذلك الألوان التي كانت تغطي النقوش البارزة قد أعددتها ووسعت … بأحسن ما يكون، وقد صنعت الإطارات من حجر الجرانيت، وركبت له أبوابًا من خشب الأرز الحقيقي، وأقمت فيه مصنعًا مريحًا للخبازين، وصنَّاعي الجعة الذين يسكنونه، وقد عملت هذا بصناعة أحسن من ذي قبل؛ محافظة على موظفي إلهي «آمون» سيد الآلهة.
وتدل النقوش على أن برجي البوابة الثامنة كانا بمثابة ملحق لسكن الكهنة العظام على الأقل في عهد «رومع-روي»، إذ قد عثر الأثري «ليفبر» على نقشين في أحد الجدران في الجزء الأعلى من السلم المؤدي للبرج، والنقش الأول الذي على اليمين هو منظر محاط بسطرين من النقوش الهيروغليفية السريعة، وقد مثل في المنظر شخص صغير يقف ورافعًا يديه تعبدًا، أما الكتابة فتقول: «عمله رئيس تشريفات بيت «آمون»، ورئيس إدارة الكاهن الأول ﻟ «آمون رومع»، والمسمى «أمنمأبت».» ثم يأتي بعد ذلك عمود خالٍ من النقش «ونقاش معبد «آمون» «باكنورل» بن «حاو نفر»، والنقش الثاني نُحت على مخرج السلم على الجدار الذي يحمل العتب، وهو: كاوي ملابس بيت «آمون»، وحارس حجرة الكاهن الأعظم لآمون «روي» المسمى «سمنتاوي».»
ونفهم في الحال أهمية هذين النقشين، إذ يدلان على وجود إدارتين في داخل البوابة الثامنة في عهد الكاهن «رومع-روي» بالقرب من المباني الخاصة بمسكن الكهنة العظام، وكذلك نعلم أن تشريفي «رومع-روي»، وهما «أمنمأبت»، وتابعه «سمنتاوي» كانا يترددان على هذه الأماكن للقيام بخدمات لسيدهم.
«ونتاوات» الكاهن الأول ﻟ «آمون خنوم واست»
كهنة «آمون» الثانويون، وموظفوه في مختلف الأعمال
- زت: الكاهن الثاني ﻟ «آمون»، وقد عثر على تمثال مجيب باسمه في جبانة «ذراع أبو النجا»، وهو الآن «بالمتحف المصري» (راجع Petrie Hist. III, p. 96).
- وسرمنتو: ويحمل لقب «خادم آمون»؛ أي كاهن آمون، وقد جاء اسمه على قطعة من بردية عثر عليها في «سقارة»، ويدل ما تحتويه على أنها كُتبت في «طيبة»، وهي من الأهمية بمكان؛ إذ تحتوي على موضوع قضية أقامها كاتب الأطعمة المسمى «نفر عابو»، وأخته بسبب قطعة أرض من أملاك معبد الإلهة «موت»، وكانا قد حُرما تثميرها مدة طويلة، على الرغم من أنها كانت هبة لهما، وعندما أراد أن يستردها هذا الكاتب ويستولي على محصولها، عارضه في ذلك «وننفر» كاهن معبد الإلهة «موت» قائلًا: إن هذه الأرض قد أصبحت ملكًا لمعبد الإلهة «موت» منذ زمن بعيد، ولكن المحكمة بعد فحص الدعوى حكمت للمدَّعي بالحق؛ وهذه من القضايا النادرة التي صادفناها في تلك الأزمان القديمة.
- (١)
الكاهن الأول لآمون «باكنخنسو».
- (٢)
كاهن آمون «وسرمنتو».
- (٣)
كاهن آمون «رومع».
- (٤)
كاهن معبد «موت» «وننفر».
- (٥)
كاهن معبد «خنسو امنمئيون».
- (٦)
الكاهن والد الإله لمعبد آمون «أمنمأبت».
- (٧)
الكاهن المطهر والمرتل لآمون «أمنحتب».
- (٨)
الكاهن المطهر والمرتل لآمون «آني».
- (٩)
الكاهن المطهر لمعبد آمون «حوي».
- (١٠)
كاتب الحسابات لقاعة العدل «حوي».
حريم «آمون» ومغنياته
ذكرنا فيما سبق ما نعرفه عن حياة الكهنة الأول لمعبد «آمون» بالكرنك، ويجدر بنا في هذا المقام أن نذكر الدور الذي كانت تقوم به أزواج هؤلاء الكهنة وبناتهم وغيرهن في خدمة الإله العظيم وغيره، والوظائف التي كانت تسند إليهنَّ.
- نفرت موت: رئيسة حريم «آمون» (راجع Lieblein Dic. Noms. 2052).
- تيي: مغنية بيت الفرعون، ورئيسة حريم «آمون»، وهذه المرأة كانت ابنة الوزير «باسر»، الذي عاصر كلًّا من «سيتي الأول»، و«رعمسيس الثاني» (راجع Champ. Notices I, p. 523).
- تاكمعي: مغنية «آمون»، ثم «تيا»، و«تويا»، و«باكأمون»، و«يي»، و«ويا»، وكلهن من أسرة واحدة (راجع Mariette Cat. Abydos No. 1128)، وكذلك «حنت محيت»، و«نفرتاري»، و«ياي»، والظاهر أن كل هؤلاء من أسرة واحدة، وهي أسرة رئيس الشرطة «أمنمأنت» (راجع ص وBrugsch Thesaurus p. 951 ff.).
- ستاو: المشرف على خزينة «آمون» ومدير أعياده، يوجد لهذا الموظف لوحة في المتحف البريطاني (No. 566)، وقد مثل عليها «ستاو» يتعبد للإلهين «رع»، و«إزيس»، وفي منظر آخر يقدم البخور، وماء الطهور للإله «أوزير»، وعلى حافة اللوحة نقشت صلوات للإله «رع حوب مأخت»، و«حتحور»، و«أنوب»، و«وبوات»، و«تحوت»؛ رجاء أن يقدموا للمتوفى قربانًا (راجع Budge. Sculptures p. 189).
- نخت تحوتي: المشرف على عمال بناء السفن للبحرية الشمالية، والمشرف على صياغ الذهب في ضيعة «آمون»، وقبر هذا الموظف «بالعساسيف» (راجع Gardiner & Weigall Cat. No. 189).
- «مس» (موسى): المشرف على أعمال رب الأرضين، في كل أثر ﻟ «آمون»، وقبره في جبانة «شيخ عبد القرنة» (رقم ١٣) (راجع G. W. Cat. No. 137).
- آمون واح سو: كاتب النقوش المقدسة في ضيعة «آمون»، وقبره في جبانة «شيخ عبد القرنة» (رقم ١١١) (راجع Ibid. No. 111).
- مري خنوم: رئيس الكتبة في معبد «آمون»، والمشرف على المدينة في الأراضي الأجنبية الجنوبية، عثر لهذا الموظف على لوحة منقوشة في صخور جزيرة «سهيل»، وقد مثل فيها واقفًا يتعبد أمام «رعمسيس الثاني» الجالس على عرشه (راجع De Morgan Cat. Mon. I, p. 99 (No. 197)).
(ب) موظفو معبد «الرمسيوم»
يدل ما لدينا من آثار باقية على أن «رعمسيس الثاني» قد رصد لمعبده الجنازي الذي أقامه لعبادته هو ولعبادة الإله «آمون» موظفين وعمالًا، وحبس عليه الأوقاف الكثيرة. وسنذكر بعض هؤلاء الموظفين، ومما يلفت النظر أن هؤلاء الرجال كانوا يقومون بأعمال حكومية أخرى، ومن المحتمل أن عملهم في هذا المعبد كان إضافيًّا أو عملًا فخريًّا كانوا يتقاضون عليه أجرًا وفيرًا، مما كان يحبس عليه من أموال طائلة، وأراضٍ شاسعة، وهذا ما يقابل في عصرنا تعيين نظار الأوقاف العظيمة التي يتقاضى القائمون عليها مبالغ ضخمة، وهذا المعبد كان يُسمى قديمًا: معبد «وسر ماعت رع ستبن رع» في بيت «آمون».
- نزم: كاتب الفرعون، ومدير معبد «الرمسيوم»، وجد اسمه على مجموعة مؤلفة من تمثالين مهشمين، عثر عليها في «العرابة المدفونة». (راجع Petrie Abydos II, pl. XXXVIII, p. 36).
- نب نختوف: مدير الأعمال في «الرمسيوم»، وحاكم البلاد الأجنبية في الشمال، ورئيس شرطة الصحراء «مازوي»، وسائق عربة جلالته، ورسول الفرعون في كل بلد أجنبي، وجد لهذا الموظف لوحة يظهر عليها «رعمسيس الثاني»، وقارب الإلهة «إزيس» المقدس، يحمله كهنة على أكتافهم (راجع Petrie Koptos p. 15-16 pl. XIX)، وقد وقف «رعمسيس» في المنظر، مقدمًا البخور «لإزيس» الكبرى، أم الإله، وقد كتب النقش التالي: ««رعمسيس» يطلق البخور لوالدته «إزيس».» وتدل شواهد الأحوال على أن «نب نختوف» قد قص على هذه اللوحة أحواله، وما أصابه من ظلم. وهاك ما تبقى من المتن المهشم: «مدير الأعمال في معبد «وسر ماعت رع» «نب نختوف» الذي وضعته … المرحومة يقول: الصلاة لك يا «إزيس» … يا صاحبة الوجه الجميل في سفينة معزت (سفينة النهار)، يا صاحبة الشجاعة العظيمة … أذرعًا ماحِيَة الشجار ومُعيدة … ومخلصة الضعيف من المتوحش … على الأرض، ومدينتك … (٧) … (٨) أنا على مصر، وإني قد وقفت بين … (٩) الأشراف، بوصفي رئيس شرطة الصحراء … (١٠)، وهذا الخادم المتواضع — يقصد نفسه — قد وصل إلى مدينته ليقدم الثناء ﻟ «إزيس»، وليمجد الإلهة العظيمة (١١) في كل يوم، وقد وضعتني بجانبه، وقد تعبدت إليها قائلًا (١٣): إنك قد خلصت «نب نختوف»، وإنك ستخلصين … (١٤) … وإنك ستجعلين … تأملي، لقد عملت لوحة مثلها … (١٥)، وكل طرقها قد مكنت تمامًا، ويدها لم توقف … (١٦) تأمل، إن ما قدم له عمل لي، ولقد عملت بوصفي حاكم البلاد الأجنبية في الأراضي الشمالية، وعملت بوصفي رئيس المازوي، وكذلك بوصفي سائق عربة جلالته، والسفير الملكي لكل أرض، والمشرف على الأعمال في معبد «وسر ماعت رع ستبن رع» في معبد «آمون» (الرمسيوم)، بوصفي خادم مفيد مثل نفسي، وإن «إزيس» قد منحتني …» ومما بقي من هذه اللوحة المهشمة نعلم أن «إزيس» كان لها مكانة عظيمة في هذه الجهة، ولا غرابة في ذلك، فقد كانت منذ الدولة الوسطى تُدعى أم الإله «مين»، أعظم المعبودات في هذه البلدة، وكذلك نستنبط أن «نب نختوف» قد جاء لزيارتها في «قفط» مسقط رأسه على ما يظهر، وأنه قد شكا إليها من شيء قام عليه نزاع بينه وبين فرد آخر، وقد قضت له «إزيس» بوساطة إشارة (وحي) من تمثالها، تدل على أنه هو المحق. وما جاء على هذه اللوحة يذكرنا بما جاء على لوحة أخرى، أقامها شخص يُدعى «باسر» في جبانة «مكان الصدق» في «دير المدينة»، وقد تحدثنا عنها (راجع مصر القديمة الجزء الرابع).
- رعمسيس نختو: مدير معبد «وسر ماعت رع ستبن رع» في بيت «آمون» على الجهة الغربية من «طيبة» (الرمسيوم)، يوجد في متحف «بروكسل» قطعة من الحجر عليها منظر يمثل «رعمسيس نختو»، وأمامه شخص آخر يحرق البخور، وخلفه زوجه ربة البيت، ومغنية «حتحور»، سيدة الجميزة «توي» المرحومة (راجع P. S. B. A. Vol. XI, p. 261-2)، وقد كُتب على هذه القطعة من الحجر ألقاب هذا الموظف.
- خنوم محاب: المشرف على خزانة الرمسيوم في ضيعة «آمون»، وقبره «بجبانة العساسيف»، وقد وجد على جدرانه فضلًا عن لقبه السالف الألقاب التالية: «كاتب الملك الحقيقي، ومحبوبه، وقائد جيوش رب الأرضين في قصره.»٤٤٤
- نب سومنو: المدير العظيم للبيت، ومدير البيت في معبد «وسر ماعت رع ستبن رع»، وقبره في «الخوخة» رقم ١٨٣.٤٤٥
- محو: وكيل بيت «وسر ماعت رع ستبن رع» (الرمسيوم) في ضيعة «آمون» في غربي «طيبة»، وقبره «بالعساسيف» رقم ٢٥٧، وهذا القبر قد اغتصبه «محو» هذا من موظف آخر عاش في عهد كل من «تحتمس الثالث»، و«أمنحتب الأول» يُدعى «نفر حتب»، كان يلقب «الكاتب حاسب حبوب آمون».٤٤٦
- «نب محيت» كاتب المجندين في «الرمسيوم»: وقبر هذا الموظف في جبانة «ذراع أبو النجا» رقم ١٧٠.٤٤٩
- نزم جر: المشرف على الحديقة في «الرمسيوم» في بيت «آمون»، وقبره في «جبانة شيخ عبد القرنة» رقم ١٣٨،٤٥٠ وليس في نقوش قبره ما يلفت النظر إلا منظر إلهة الجميزة تقدم طعامًا لزوج المتوفى، ومنظر حساب الآخرة، وله لوحة محفوظة الآن بالمتحف البريطاني، وهي مؤرَّخة بالسنة الثانية والستين من حكم «رعمسيس الثاني».٤٥١
- بتاح مويا: المشرف على ماشية «معبد الرمسيوم»، والكاتب الملكي للقرابين الإلهية لكل الآلهة، وقد وجدت هذه الألقاب على تمثال له عثر عليه في «العرابة»،٤٥٢ وكذلك عثر له على لوحة محفوظة الآن «بالمتحف البريطاني».
- «بتاح مويا» كاتب حجرة الفرعون: وفي المتحف البريطاني لوحة باسم شخص يُدعى «بتاح مويا»، غير أنه يحمل ألقابًا أخرى غير التي يحملها سميه السابق، وهي: المشرف على الإصطبلات الفرعونية، وكاتب حجرة الفرعون، والرسول الملكي للأراضي الأجنبية، ويشاهد في أعلى هذه اللوحة الشمس المجنحة التي تتدلى منها يدان بشريتان تحتضنان اسم «رعمسيس الثاني»، كما يشاهد في أسفلها المتوفى يتعبد للآلهة «أوزير»، و«إزيس»، و«حور»، ويقدم المتوفى القربان لأجداده الذين صفت صورهم في ثلاثة صفوف.٤٥٣
- نفر رنبت: رئيس النساجين في «الرمسيوم» في ضياع «آمون» غربي «طيبة»، وقبر هذا الموظف في «جبانة شيخ عبد القرنة رقم ١٣٣»، وقد وجد على السقف: أنه يحمل كذلك لقب المشرف على نساجي رب الأرضين، ويرى على جدران قاعة مزار هذا القبر النساجون، وهم يؤدون عملهم.٤٥٤
- رعمسسو: الكاهن المطهر، والمرتل لمعبد «الرمسيوم»، عثر على هرم من الحجر الجيري، وهو الآن «بمتحف فينا»،٤٥٥ وقد نقش على وجوهه الأربعة صلوات للشمس المشرقة، وللشمس الغاربة، وقد مثل الشمس المشرقة هنا «آمون رع حور اختي»، ومثل الشمس الغاربة «أوزير خنت أمنتي». وقد كان «رعمسسو» صاحب هذا الهرم الكاهن المطهر، والمرتل لمعبد الرمسيوم، كما كان مدير القربان لمعبد الملك، والإله «سوكار» في «خنوم واست»، والكاهن والد الإله ﻟ «آمون خنوم واست» أيضًا، هذا إلى أنه كان الكاهن المطهر الأول للإله «بتاح» في «الرمسيوم».
- باكا: كاتب معبد «الرمسيوم».٤٥٦
- باسر: حارس البيت في «الرميسوم»،٤٥٧ وقبره بجبانة «العساسيف».
- باكنخنسو: الكاهن المرتل الأول للإله «بتاح» في معبد «الرمسيوم».٤٥٨
- بياي: كاتب مخازن «الرمسيوم»، وقبر هذا الموظف في جبانة «ذراع أبو النجا»، وكان يلقب كذلك «كاتب مخزن آمون خنوم واست».٤٥٩
- بارع محب: المشرف على ماشية معبد «الرمسيوم» في ضيعة «آمون»، لم نعثر على اسم هذا الموظف إلا على تمثال مجيب من الخشب محفوظ الآن بمتحف «روان Rouen».٤٦٠
- أيوبا: مدير بيت معبد «الرمسيوم»، وقبر هذا الموظف غير معروف، ولكن وجدت له عدة آثار في متاحف العالم، منها تمثال من الحجر الجيري محفوظ بالمتحف المصري، وقد كُتب على كتفه اسم الفرعون «رعمسيس الثاني»، والإله «بتاح»، وزوجه «سخمت»، والإله «تحوت»، وزوجه «نحمت عواي»، وكتب على عمود التمثال صوات لآلهة مختلفة، وألقابه هي: كاتب الفرعون الحقيقي ومحبوبه، ومدير البيت، والمشرف على الخزانة، والمشرف على مخازن الغلال، والكاهن الماهر في عيد «آمون»، ومدير البيت في معبد «الرمسيوم».٤٦١
(ﺟ) كهنة «أوزير» في العرابة المدفونة
أنتم يأيها الكهنة خدام الإله، ويأيها الكهنة المطهرون، قدموا لي ماء، وضمخوني بالعطور الفاخرة؛ لأني قد عملت كل ما فيه خير للآلهة، وأنا على الأرض كما فعل والدي لأسرته جميعًا، ولقد كان أعلى موظف في «أرمنت» عليكم مثلي أمام سيدي.
رئيس الشرطة «أمنمأنت» المرحوم يقول: أنتم يا نواب رؤساء الشرطة العظماء، وكل شرطي من هذه البلدة، قدموا ماء وطعامًا (؟) لاسمي؛ لأني كنت أفعل الخير عندما كنت على الأرض: إلى روح «أمنمأنت».
- (١)
«وننفر»: الكاهن الأول ﻟ «آمون» المسمى «وننفر»، وهو والد «أمنمأنت» رئيس الرماة.
- (٢)
«حورا»: مدير الأعمال، والكاهن الأول للإله «أنحور» المسمى «حورا»، وهو الأخ الأكبر ﻟ «أمنمأنت».
- (٣)
«أمنمأبت»: الكاهن أعظم الرائين في بيت «رع» — وهذا أكبر لقب كان يحمل في «عين شمس» — الذي على عرش رب الأرضين، «أمنمأبت» أخو «أمنمأنت».
- (٤)
«باسر»: ابن الملك حاكم «كوش» المسمى «باسر» أخو رئيس رماة الجيش «أمنمأنت».
- (٥)
«منموسي»: الكاهن الأول للإله «مين»، و«إزيس» المسمى «منموسي»، وهو أخو والده «وننفر».
- (٦)
«بن نسوت توي»: رئيس رماة بلاد «كوش» المسمى «بن نسوت توي»، وهو أخو والده (أي والد أمنمأنت).
- (٧)
«خعمواست»: كاتب الكتاب الإلهي في بيت «آمون» المسمى «خعمواست» أخوه من أم واحدة.
- (٨)
«ماعت رومع»: كاهن «عين»، و«إزيس» المسمى «ماعت رومع»، وهو أخو أمه (أي خاله).
- (٩)
«إزيس»: أمه، كبيرة مغنيات «آمون» المسماة «إزيس».
- (١٠)
…: أخته من أم واحدة زوجة مدير بيت «آمون».
- (١١)
الحظية في بيت الملك: … من أم واحدة.
- (١٢)
«حنت محيت»: أخته من أم واحدة المسماة «حنت محيت» زوج مدير بيت «بتاح».
- (١٣)
… أخته من أم واحدة … زوج رئيس الرماة الخيالة.
- (١٤)
«أمنمأنت»: رئيس شرطة الصحراء (المازوي)، ومدير الأعمال لآثار جلالته المسمى «أمنمأنت».
- (١٥)
«منموسي»: الكاهن «سم» في معبد سكر «منموسي» والد زوج «أمنمأنت».
- (١٦)
«أمنمأنت»: سائق عربة جلالته «أمنمأنت»، وهو أخو زوجه.
- (١٧)
«حاتياي»: الكاهن الأول للإله «منتو»، «حاتياي»، وهو أخو زوجه.
- (١٨)
«ثاو»: رئيس رماة جيش المشاة «ثاو» أخو والدة زوجته.
- (١٩)
«بياي»: رئيس رماة الخيالة «بياي»، وهو أخو زوجه.
- (٢٠)
«سونرا»: المشرف على الكهنة «سونرا»، وهو أخو زوجه.
- (٢١)
«حنت محيت»: والدة زوجه مغنية «آمون» «حنت محيت»، وزوج «ستم».
- (٢٢)
«وياي»: زوجه مغنية آمون «وياي» بنت «ستم».
- (٢٣)
«نفرتاري»: زوجه مغنية آمون «نفرتاري» بنت «ستم».
- (٢٤)
… أخت زوجه من أم واحدة … بنت «ستم».
- (٢٥)
«نفرتاري»: أخت زوجه «نفرتاري» وزوج سائق عربة جلالته.
-
وننفر: ذكرنا في عهد «سيتي الأول» أن «مري» كان الكاهن الأكبر للإله
«أوزير»، وأن والدته كانت تُدعى «معياني»، وزوجته تُدعى «تي»،
وقد رُزق منها ولدًا يدعى «حورا» ورثه في وظيفته هذه بعد
وفاته. وكان «وننفر» هذا يحمل الألقاب التالية: الكاهن الأول
لأوزير، والمشرف على كل كهنة آلهة «العرابة»، وكاتم السر،
وكاهن «حور» حامي والده، وكاهن الساحرة العظيمة، وكاهن الإلهة
«وازيت»، والكاهن الأول في «العرابة المدفونة»، والمشرف على
كهنة «العرابة»، والكاهن «سم» في معبد الإله «سكر»، والمشرف
على مجلس قضاة الجبانة، ومدير بيت «أوزير». وقد ترك لنا عدة
آثار ذُكر عليها اسمه، واسم أفراد أسرته ونسبتهم إليه، وبخاصة
المجموعة التي تمثله هو ووالده «مري» المصنوعة من الجرانيت
الرمادي، وهي الآن بمتحف «أثينا»، وكذلك مجموعة أخرى «بمتحف
القاهرة» تمثله هو ووالده ووالدته وزوجه،٤٦٩ وقد كان له من الذكور خمسة، وكلهم كانوا يشغلون
وظائف كلها خاصة بالكهانة إلا واحدًا، وهم:
- (١) «رعمسسو»: رئيس الإصطبل.
- (٢) «يويو»: كاهن «إزيس».
- (٣) «ساإست»: الكاهن الثاني ﻟ «أوزير».
- (٤) «وتي»: الكاهن المرتل ﻟ «أوزير» (Ibid. 208).
- (٥) «مري الثاني»: الكاهن المرتل ﻟ «أوزير».
- حورا الثاني: ويدل ما لدينا من نقوش على أن «حورا» بن «وننفر» هو الذي خلف والده في وظيفة رياسة الكهانة في «العرابة المدفونة»، فقد وجد له تمثال «في العرابة»،٤٧٠ ومن نقوشه نعلم أنه كان يلقب: الكاهن حامي والده، ووالدته تُدعى «تي» رئيسة مغنيات «أوزير»، وكذلك وجد له لوحة من الحجر الجيري، ويدل ما عليها من نقوش على أنها كانت قد أهديت له عندما تولى رياسة كهانة «أوزير» خلفًا لوالده وننفر الثاني، وقد مثل عليها واقفًا مرتديًا لباس رئيس الكهنة، ويقدم الاحترام والخشوع لكل من «أوزير»، وزوجه «إزيس»، وقد لقب عليها الكاهن الأول ﻟ «أوزير»، وتشريفي رب الأرضين. وكذلك لدينا لوحة صغيرة «بمتحف القاهرة» تحمل في نقوشها هذا اللقب، وعليها طغراء «رعمسيس الثاني» (Ibid. 214).
-
«يويو» الكاهن الأول ﻟ «أوزير»: وجد لهذا الكاهن تمثال من الجرانيت الوردي، وهو محفوظ الآن
«بمتحف اللوفر»، وقد مثل وهو راكع، وبين يديه محراب صغير فيه
تمثال «أوزير»، وقد نقش على التمثال: الكاهن الأول ﻟ «أوزير»
المسمى «يويو» المرحوم ابن الكاهن الأول «وننفر»، والذي وضعته
مغنية «أوزير» «تي».
وبذلك نعلم أنه كان مثل والده كاهنًا أول للإله «أوزير»، كما كانت والدته مخصصة نفسها لعبادة هذا الإله أيضًا، وكذلك وجد له لوحة محفوظة الآن «بمتحف اللوفر»٤٧١ من الحجر الجيري، وقد مثل في الجزء الأعلى من هذه اللوحة شخص راكع مرتدٍ ثوبًا مثنى وعليه فراء فهد، ويتعبد للإلهة «أوزير»، و«حور بن إزيس»، ومعه النقش التالي:
الكاهن الأول للإله «أوزير» «يويو» المرحوم ابن الكاهن الأول «وننفر» المرحوم.
وفي الصف الثاني من اللوحة نقرأ:الكاهن الأول للإله «إزيس» «وننفر» المرحوم ابن الكاهن الأول ﻟ «أوزير» «يويو».
ومن ذلك نفهم أن «وننفر» المذكور هنا هو «وننفر الثاني» الذي سيصبح فيما بعد الكاهن الأكبر ﻟ «أوزير» بعد والده، وأنه يذكر لنا هنا الحظوة التي نالها من الآلهة في «العرابة» بمنحه كاهن الإلهة «إزيس».
هذا وقد وجد في «العرابة» صقر كان «أمنحتب الثاني» قد أهداه، والظاهر أن الكاهن الأول للإله «أوزير» قد وجد أن هذا الأثر قد أصابه بعض العطب بتقادم الزمن فأصلحه، وقد وجد النقش التالي على يسار القاعدة:جدد لهذا الإله في بيت الذهب بوساطة الكاهن الأول ﻟ «أوزير» «يويو» المرحوم.
وعلى اليمين:أنه ابنه الذي يريد أن يحيي اسمه الكاهن الأول ﻟ «أوزير» «يويو» المرحوم ابن الكاهن الأول ﻟ «أوزير» «وننفر» المرحوم.٤٧٢ -
«وننفر الثاني» الكاهن الأول لأوزير: وهو ابن «يويو»، يوجد لهذا الكاهن لوحة من الحجر الجيري
«بمتحف اللوفر»،٤٧٣ وقد نقش عليها صلاة لكل من ثالوث العرابة «أوزير»،
و«إزيس»، و«حور» يقدمه الكاهن الأول للإلهة «إزيس وننفر» ابن
الكاهن الأول ﻟ «أوزير» «يويو»،٤٧٤ وكذلك أهدى هذا الكاهن محرابًا لوالده الكاهن
الأول ﻟ «أوزير» «يويو» «عمله ابنه ليجعل اسمه يحيا، كاهن
«أوزير» المرحوم …»
وتدل الشواهد على أن كاهن «أوزير» هذا هو نفس «وننفر الثاني» بن «يويو»، والظاهر — على حسب ما لدينا من الآثار عن هذا الكاهن — أنه تولى مناصب الكهانة التالية على التوالي — كاهن «حور بن إزيس»، وكاهن «أوزير»، وأخيرًا الكاهن الأول ﻟ «إزيس» في «العرابة» كما يقول «لجران».٤٧٥
إخوة وأخوات «وننفر» الكاهن الأول للإله «أوزير»
- «منمس» الكاهن الأول للإله «أنحور»: يدل ما جاء على لوحة «وننفر» المصنوعة من الحجر الجيري السيليسي، والمحفوظة «بالمتحف المصري» على أن «منمس» كان أخا «وننفر»، وكذلك جاء ذكره بهذه الصفة على تمثال «وننفر» المصنوع من الديوريت، والمحفوظ الآن بمتحف «اللوفر» (A 66) (راجع Rec. Trav. Ibid. p. 210).
-
منمس الثاني: ويحمل الألقاب التالية: الكاتب الملكي، والمرتل الأول لرب
الأرضين، ومن في حجرة «شو»، و«تفنت» ابن الكاهن الأول للإله
«أنحور»، وكذلك ذكر لنا «فيدمان» Ibid. p.
250 تمثالًا آخر ﻟ «منمس» بن «حورا»، ويظن
أنه كاهن «أنحور الأول» بن «حورا» الموجود ضمن أسماء الأثر
الموجود في «نابلي»؛٤٧٧ يضاف إلى ذلك أن «بتري» يقول: إن «منمس» كاهن
«ماعت»، وابن كاهن «ماعت» «حورا»، هو «منمس» الذي نحن بصدده.٤٧٨ وأخيرًا نجد أن «منمس» يلقب كاهن «ماعت» على نقش
وُجد في «العرابة»،٤٧٩ وعليه طغراء «رعمسيس الثاني»، وكذلك على آنية وجدت
في «العرابة» نقرأ عليها:
عمله كاهن «ماعت» «منمس» أخوه، وابنه عمدة المدينة، ووزير الوجهين القبلي والبحري «بارع حتب».
والظاهر أن «منمس» هو والد «بارع»، ويقول «لجران»: إن «منمس» هذا ليس هو الذي يعنينا هنا، بل إنه شخص آخر كان يحمل اللقب «الكاهن الأول» للإله «أنحور» لا لقب كاهنة الإلهة «ماعت»،٤٨٠ ويجب أن نبحث عنه في آثار أخرى، وقد وجد له فعلًا تماثيل مجيبة، وعليها الألقاب التالية: الكاهن الأول ﻟ «أنحور»، ومن في حجرة «شو»، و«تفنت»، ونقش على أكتاف هذه التماثيل: «ابنه الكاهن الثاني للإله «أنحور»، كما نقش اسم زوجه كذلك ربة بيته كبيرة حريم «أنحور» «نسوت خعي».» وقد وجد لقب زوجه هذا في نقوش الحفائر التي قام بها «أميلينو»؛٤٨١ إذ وجد اسم «منمس». وقد استنبط «لجران» من بعض قطع أثرية عثر عليها «أميلينو» أنه كان يوجد كاهنان باسم «أمنمس»، واحد منهما ابن امرأة تُدعى «يوا»، والثاني ابن امرأة تُدعى «أنبت»، وبذلك رفض النظرية التي تقول إن «معيانى» قد تزوجت من «حورا»، وأنجبت «منمس»،٤٨٢ ويعزز هذا الرأي ما جاء على تمثال في «متحف القاهرة» من الجرانيت الوردي باسم «منمس» من عهد «رعمسيس الثاني»، والنقوش التي على هذا التمثال تمدنا بألقابه التالية: الأمير المشرف على كهنة الآلهة كلهم في «العرابة»، ومن في حجرة «شو»، و«تفنت»، والكاهن الأول للإله «أنحور» «منمس»، ابن الكاهن الأول «حورا» الذي وضعته «إنبت»، وعلى ذلك يكون «منمس» هذا هو «منمس الثاني». - «رع حتب» و«بارع حتب»: الوزيران، وقد تكلمنا عنهما فيما سلف.
- نب آمون: الوزير، وهو أخو «وننفر» أيضًا، وقد تحدثنا عنه.
- «مري» (أخو «وننفر»): ولكنه على الآثار ابن «رعمسيس شري»، ونستخلص مما ذكره «لجران» أن الأفراد الذين يطلق عليهم لفظة «أخ» في الآثار ليسوا في الحقيقة إخوة، بل إن لفظة «أخ» تستعمل بمعناها الروحي، وبخاصة بعد فحص الأشخاص الذين نسبوا إلى «وننفر» الكاهن الأول ﻟ «أوزير»، ووجد أنهم ليسوا إخوته من الدم، وهذا الاستعمال شائع في مصر؛ إذ نجد الأفراد يستعملون لفظة أخ بمعناها المجازي أو الروحي.
- «سا أست» الكاهن الأول لأوزير: عثر له على مجموعة في «العامرة»، و«العرابة».٤٨٣
- نبنماعت: كاهن «تاور»٤٨٤ (مقاطعة طينة والعرابة)، وحامل الخاتم المقدس في المعاملات العظيمة (؟)، والتشريفي، وكاهن «أوزير»، وقد كان لمعبد «أوزير» عمال وموظفون ذكرنا بعضهم فيما سبق، ومنهم كذلك:
- «تورى»٤٨٥: مدير بيت «أوزير»، وقد عثر على تمثال في «نجع مشيخ»، وهو الآن في «متحف القاهرة»، وكان يحمل الألقاب التالية: تابع الفرعون، ومدير بيت «أوزير»، وكاتب الفرعون، وقد كان معظم أزواج كهنة «أوزير الأول» يعملن مغنيات، أو رئيسات حريم في معبد هذا الإله، وكذلك كن يعملن لزوج الإله «إزيس»، فنجد «است» مغنية «إزيس»، وقد جاء ذكرها على لوحة أخيها «حورا»، وهي المحفوظة الآن «بالمتحف البريطاني» رقم ١٣٢، وكان «حورا» هذا يحمل لقب المشرف على عطور رب الأرضين.
- «منت» رئيسة حريم «إزيس»: وقد وجد اسمها ولقبها على جعران.٤٨٦
(د) كهنة الإله «مين»
(راجع ما كُتب عن لوحة «نابلي») (رومع ومنمس).
(ﻫ) كهنة الإلهين «موت» و«خنسو»
(و) كهنة الإله «أنحور»
ذكرنا فيما سبق أن «حورا» هذا هو ابن «وننفر» الكاهن الأول للإله «أوزير»، وكان يحمل لقب مدير الأعمال، والكاهن الأول للإله «أنحور».
(ز) كهنة الإله «بتاح»
كانت عبادة الإله «بتاح» منتشرة في أنحاء البلاد، وبخاصة أن الأسرة المالكة كانت من أهل الدلتا، وكانت «منف» تعد مقرًّا ثانيًا لهم، وكان إلهها الأعظم «بتاح» القديم يعد في نظرهم من أعظم آلهة الدولة؛ ولذلك نجد العناية كانت عظيمة بمعابده في هذه البلدة وغيرها، وكان للكهنة شأن عظيم، فقد أقاموا لأنفسهم المقابر الضخمة في هذه الجهة، وسنحاول فيما يلي سرد ما وصل إلينا غير ما ذكرناه عن كهنة هذا الإله وموظفيه.
- حوي: الكاهن الأكبر في «منف»، وجد لهذا الكاهن تمثال مجيب في «السرابيوم» مؤرَّخ بالسنة السادسة والعشرين من عهد «رعمسيس الثاني».٤٩٢
- بتاح معي: رئيس الكهنة المطهرين للإله «بتاح»،٤٩٣ وقد عثر له على لوحة محفوظة الآن «بالمتحف البريطاني» (رقم ٧٢)، وعلى تمثال في «برلين» (رقم ٢٢٩٧)، ولوحة في «تورين»،٤٩٤ وزوجه تلقب مغنية «آمون»، والممدوحة من سيد السماء، المحبوبة، وحلوة الحب «حتشبسوت» ربة البيت،٤٩٥ وابنه «رعمسسو»، ويلقب وكيل القصر — له الحياة والفلاح والصحة — وابنته «حنت رميت»، وتلقب سيدة البيت، ومغنية «آمون»، وهذه الابنة هي التي أهدت اللوحة لوالدتها، وابنته الثانية تُدعى «أنيوهاي»، وتلقب وصيفة القصر الفرعوني — له الحياة والفلاح والصحة.
- بتاح مس: المدير العظيم لبيت … «رعمسيس» محبوب «آمون» في بيت «بتاح»، وكاتب الفرعون،٤٩٦ وله لوحة «بالمتحف المصري».
- بتاح مس: حارس معبد «بتاح»، والكاتب، وله لوحة مقدمة للعجل «أبيس الرابع» في السنة الثلاثين من عهد «رعمسيس الثاني»،٤٩٧ وكذلك وجد اسمه على تعويذة في مجموعة «بتري».٤٩٨
- نختسو: المشرف على مخازن «بتاح» ذكر اسمه على لوحة للعجل الرابع.٤٩٩
- نفررنبت: المشرف على مخازن «بتاح»، وقد وجد اسمه على اللوحة السالفة.
-
بتاح مس: الكاهن الأكبر «لبتاح» العظيم، ولمعبد «رعمسيس الثاني» في
«معبد بتاح»، كان «بتاح مس» هذا من أكبر الموظفين في عهد
«رعمسيس الثاني»، وتدل شواهد الأحوال على أنه كان يعيش في
«منف» لصلته الكبيرة بالإله «بتاح»، وقبره كان في «سقارة»، غير
أن موضعه الأصلي ليس معروفًا لنا حتى الآن، وتوجد منه أحجار
عدة، وتماثيل منقوشة في مختلف متاحف أوروبا، وبخاصة في
«فلورنس»، و«ليدن»، و«مونيخ»، و«برلين»، و«القاهرة»؛٥٠٠ ومن كل أيضًا هذه الآثار التي تركها؛ نعلم أنه كان
يحمل الألقاب التالية خلافًا للقب الكاهن الأكبر للإله «بتاح»،
الكاتب في معبد «بتاح»، والأمير الوراثي، والحاكم، والمدير
العظيم لبيت «بتاح»، والحاكم العظيم في «نب حر» (منف)، ومدير
البيت، ووالد الإله، والمدير العظيم للبيت، وحامل خاتم ملك
الوجه البحري محبوب رب الأرضين، والحاكم العظيم في «حكبتا»
(منف)، ومدير كل أعمال الآثار لجلالته، والذي يملأ كثيرًا قلب
الإله الطيب، ومن يفرح الناس عند سماع صوته، والمدير اليقظ على
حراسة رب الأرضين، والسمير الوحيد، وعينا ملك الوجه القبلي،
وأذنا ملك الوجه البحري، والمشرف على الخزانة، والقائد الأعلى
لجيش معبد «بتاح»، والحاكم المحبوب كثيرًا من الإله الطيب،
وكاتب الفرعون الحقيقي ومحبوبه، والمدير العظيم للبيت في بيت
«رعمسيس مري آمون» في معبد «بتاح».
أما أسرة «بتاح مس» فهي:
- يويو: الكاهن والد الإله (والده).
- موت نفرت: ربة البيت (أمه).
- تامي: ربة البيت (زوجه).
- يويو: الكاهن رئيس المطهرين (ابنه).
- نافي: ربة البيت (ابنته).
- ساوا: (ابنته).
- حورا: الكاهن المطهر، وكاتب معبد «بتاح» (ابنه).
- موت خعتي: (ابنته).
- أنونهت: (ابنته)، و«نفمنتي» مرضعة «إنونهت».
- ناممنتو: (ابنه).
- تاميو: (ابنه).
- إيا: مطهر «بتاح» (ابنه).
- يوسي: والد الإله، والمطهر الأول في معبد «بتاح».
- بتاح مريت: (ابنته).
والقطع التي بقيت من قبر هذا الموظف الكبير معظمها يمثل مناظر جنازية، وكذلك يوجد له تماثيل تمثله هو وزوجه، والمحتمل أنها كانت منصوبة في مزار قبره، وقد عثر على واحد منها مستعمل في «دير جرماية»،٥٠١ وكذلك يوجد له في «متحف مونيخ» تمثال يمثله جالسًا، وآخر يمثله متربعًا، وقد كتب على كتفه طغراء «رعمسيس الثاني»، ويحمل في يده صورة الإله «بتاح».٥٠٢ - تحتمس: المرتل الأول في بيت التحنيط، ذُكر على لوحة مقدمة للإله «للعجل أبيس» السنة من (١٦–٢٠)، ومؤرَّخة بالسنة الثلاثين من «رعمسيس»، وقد اشترك معه فيها «ريا».
- ريا: المرتل والمحنط في «البيت الجميل» (برنفر)، وقد وجد اسمه على لوحة مهداة «للعجل أبيس» في «السرابيوم»، ومؤرَّخة بالسنة الثلاثين من عهد «رعمسيس الثاني».٥٠٣
- بتاحي: الكاهن المطهر في «البيت الجميل» — أي بيت التحنيط — (Ibid. 12)، وكذلك كان يحمل لقب التشريفي في بيت العجل «أبيس»، والذي في حجرة العجل «منفيس».
- رعمسيس: المسمى كذلك «تحتمس» المرتل الأول في بيت التحنيط (Ibid. 71)، وكل هؤلاء الكهنة كانوا يقومون بعملية فتح الفم للعجل «أبيس».٥٠٤
(ﺣ) كهنة الإله «مين»
- حور نخت: كاهن معبد «مين»، وجد اسمه على لوحة أخيه «حورا»، وهي الآن بالمتحف البريطاني.٥٠٥
- ماعت رومع: كاهن «مين»، و«إزيس» (راجع Thesaurus p. 951).
(ط) جبانة خدام مكان الصدق (أو عمال الجبانة الملكية)
كان أول ظهور طائفة عمال «مكان الصدق» في هذه الجبانة على الأرجح في عهد «أمنحتب الأول» كما ذكرنا في الجزء الرابع، وقد استمر هؤلاء العمال في عبادتهم الخاصة لهذا الفرعون عدة قرون، وقد عثرنا على بعض أسماء منهم من عاشوا في عهد «رعمسيس الثاني»، وخلفوا لنا آثارًا في هذه الجبانة.
-
«كاسا» و«بنبوي»: خادما مكان الصدق على الضفة اليمنى ﻟ «طيبة»، وقبرهما
المشترك في دير المدينة،٥٠٦ وكان «بنبوي» يلقب حاجب كبير البلاط في مكان
الصدق، ويشاهد في الكوة الداخلية من هذا القبر (المحراب) على
اليمين في الصف الأعلى «رعمسيس الثاني» يقرب للإله «بتاح»
وإلهة، وقد لونا باللون الأحمر، وخلف الملك يأتي المتوفى ورجل
آخر. وفي الصف الثاني تحت هذا المنظر يحضر المتوفى وأخوه إلى
سلسلة من الملوك القرابين، وهؤلاء الملوك هم: الملك «أمنحتب
الأول»، والملكة «أحمس نفرتاري»، و«رعمسيس الأول»، و«حور محب»،٥٠٧ وفي آخر صف نشاهد المتوفى واقفًا لابسًا جلد فهد،
ويأتي بعد ذلك «كاسا» وأخوه «باي» أمام «حور».
وأسفل هذا في الصف الثاني يشاهد «كاسا» وابنه أمام الملوك «سيتي الأول»، و«رعمسيس الثاني»، و«حور محب»، وفي آخر صف من أسفل يظهر «كاسا»، وابنه أمام الإله «تحوت»، ونشاهد هنا ثانية «رعمسيس الأول»، و«حور محب» مرتبط بعضهما ببعض كارتباط الابن بالأب. وقد تكلمنا عن علاقة الملكين معًا فيما سبق. وفي «متحف تورين» محراب صغير من أعجب الآثار التي وجدت في هذا العهد باسم «كاسا»، وهو مصنوع من الخشب الملون، الغرض منه العبادة المنزلية. وقد كان المفروض أن يشمل ثعبانًا.٥٠٨ والنقوش التي على مصراعي باب المحراب تعرِّفنا أنه كان للإلهة «عنقت» ربة السماء وسيدة الآلهة كلهم، وأمام باب المحراب بوابة مقامة على عمودين نقش عليها صيغة قربان للإله «خنوم» رب منطقة الشلال، وعلى مصراعي الباب ثلاثة صفوف من النقوش، ففي الصف الأعلى ترى سفينة الشمس، وقد وجدت فيها الإلهة «عنقت»، وفي الصف الثاني نشاهد قاربًا فيه أربعة يجدفون ومعهم بحار، ويرى على اليابسة رجلان كل منهما متجه نحو القارب مقدمًا القربان على مائدة، وواحد منهما هو «كاسا». وفي الصف الثالث نشاهد أسرة «كاسا» وأخاه راكعين، وقد ذكرت أسماؤهم، وعلى عارضة المحراب اليمنى صفان أسفلهما ثالوث «أسوان»، وهم «خنوم» الإله الأكبر في «إلفنتين» محبوب «ساتت»، و«عنقت». وعلى جدران المحراب الخارجية دعاء يقدمه «كاسا» للإلهة «عنقت» ربة الآلهة؛ لتمنحه الحياة والعافية والصحة، وأن يدفن دفنًا جميلًا بعد حياة طويلة، ثم يقول: «أنتم يأيها الآلهة، يا أرباب «إلفنتين»، وأنتم يأيها التاسوع العظيم، يا آلهة مسقط رأسي، امنحوني الحظوة حتى يكون فمي صادقًا، وحتى ترى عيناي «آمون» في كل أعياده، فهو الإله المحبوب الذي يسمع البائس، ويقدم يد المساعدة للتعس، وينهض العاجز، والذي يعطي أجلًا ممتازًا من الحياة، ويقضي على هذه الأرض.»والواقع أن النقش الذي على هذا المحراب يقدم لنا صفحة من حياة الطبقة الوسطى، فأصحابه قد صنعوه لعبادة الإلهة «عنقت» التي كانت تمثل في صورة ثعبان، ولا نزاع في أن هذه الأسرة كانت من أهالي أسوان، وقد نزح أفرادها إلى هذه الجهة للعمل في مقابر الملوك كما ينزح أهل الصعيد الآن إلى مختلف جهات القطر للعمل فيه، ولكنهم لم ينسوا «شيوخهم»٥٠٩ الذين يعتقدون في بركاتهم، ولهذا نراهم يتعبدون لثالوث «أسوان»، وهم: الإله «خنوم» بارئ الخلق على عجلته، وزوجتاه «عنقت»، و«ساتت»، وقد يعزى تعبد هؤلاء الرؤساء إلى آلهة الجنوب، وبخاصة «خنوم»؛ لأن مصانع «رعمسيس الثاني» كان الكثير منها هناك لعمل التماثيل الضخمة ﻟ «رعمسيس»، وقد نقلوا عنهم عبادة هؤلاء الآلهة، ويمكن أن يعزى ذلك لسبب آخر، وهو: لما كان الإله «بتاح» سيد الحرف في الدلتا فقد كان الإله «خنوم» يعادله في هذا العمل في الجنوب؛ ولذلك كان يمثل أحدهما في المقبرة في ذلك العهد الذي كانت فيه المناظر الدينية صاحبة الشأن، والمطمع الوحيد في كل زينة القبور،٥١٠غير أن أصحاب هذه اللوحة كانوا يعلمون تمام العلم أن صلاتهم لهذه الإلهة لا تجدي نفعًا إلا إذا شفعوا لهم عند الإله الأعظم رب الكون وقتئذ، وهو الإله «آمون رع» الذي كان يأخذ بناصر الضعيف، ويعين من أقعده العوز، وهكذا تمثل أمامنا صورة قديمة من عبادة الشعب لآلهتهم المحلية نراها الآن عند عوام الشعب المصري ماثلة أمامنا.٥١١
-
وازمس: خادم مكان الصدق، وجد له لوحة محفوظة الآن بمتحف «تورين» رقم
٣٠١ يشاهد في الجزء الأعلى المستدير منها إلهان لم يعرف كنههما
بعد، الأول: يسمى «نت» العظيم الذي يفعل الصدق، ويمكن الأرضين،
والآخر: يسمى رب العدالة الإله الأكبر «مري ماعت»، وقد مثل كل
منهما في صورة رجل، وفي الجزء الأسفل نقرأ صيغتي قربان وهما:
«أقدم التحيات للإله «نت» العظيم ليعطي الحياة والعافية والصحة
لروح خادم مكان الصدق «وازمس».» وعلى اليمين نجد الصلاة
التالية: «أقدم التحيات لرب العدالة ليعطي الحياة والصحة
والعافية لخادم مكان الصدق «وازمس»، وكذلك نجد «وازمس» هذا قد
اشترك مع والده «حوي». ففي الجزء الأعلى نشاهد صورة الفرعون
«رعمسيس الثاني»، وهو غض الإهاب واقفًا، يضع البخور على
المجمرة أمام الإلهة «حتحور» ساكنة «طيبة»، وربة السماء، وسيدة
الآلهة كلها.
وفي الجزء الأسفل نجد كلًّا من «حوي» خادم مكان الصدق، و«نب دواي» خادم رب الأرضين، و«وازمس» خادم مكان الصدق ابن «حوي»، وكذلك وجد اسمه على تمثال جنازي للملكة «أحمس نفرتاري»، قدمه لها «وازمس» بوصفها إلهة لتمنحه الحياة والعافية والصحة.٥١٢
ومن نقوش «وازمس» ووالده نفهم أولًا؛ أنه كان يتعبد لإلهين محليين لا نعرف كنههما حتى الآن، وثانية أن عبادة الملكة «أحمس نفرتاري» كانت شائعة في عهد الأسرة التاسعة عشرة، كما تكلمنا عن ذلك في مكانه.
- رعمسيس: الكاتب في مكان الصدق، وقبر هذا الكاتب في «جبانة» دير المدينة رقم ٧»،٥١٣ ومن أهم مناظر هذا القبر منظر مثل فيه «رعمسيس الثاني» يتعبد لثالوث «طيبة»، وهم: «آمون»، و«موت»، و«خنسو»، ويتبعه الوزير «باسر» الذي يحمل الألقاب التالية: الأمير الوراثي والحاكم، وحامل خاتم الوجه البحري … وعمدة المدينة، والوزير «باسر»، ويأتي خلفه «رعمسيس» صاحب المقبرة، وأسفل هذا المنظر نشاهد المتوفى في حضرة آلهة الموتى،٥١٤ ويحتوي هذا القبر على منظر يتعبد فيه الفرعون «رعمسيس الثاني» لبقرتين في هيئة «حتحور» (Ibid. 229)، كما يشاهد المتوفى يتعبد للطائر «بنو»، وهو الذي يتقمص صورة إله الشمس بمثابة روح، وهو المعروف عند الإغريق بلفظة «فنكس»٥١٥ المحرَّفة عن المصرية، وقد عثر على مائدة قربان لابن «رعمسيس» مهشمة في القبر المجاور لقبره (رقم ٢١٦).٥١٦
- نفر حتب: رئيس العمال في مكان الصدق؛ قبره في جبانة دير المدينة، وابنه «نب نفر» يحمل نفس هذا اللقب، وهذا القبر له ردهة واسعة، وفي الجدار الخلفي يشاهد على اليسار بجوار الباب «رعمسيس الثاني» يقدم القربان للإله «آمون» ملك الآلهة، وفي الحجرة الوسطى من القبر بقايا تمثالين للمتوفى وزوجه، وقد كتب على تمثال المتوفى: لقبه واسمه كبير العمال، ومدير الأعمال «نفر حتب».
- نب نفر: المشرف على العمال في مكان الصدق، وزوجه تُدعى ربة البيت «إبي»، وقد عثر له على لوحة في «متحف كوبنهاجن»، ويشاهد في أعلاها متعبدًا لكل من «أمنحتب الأول»، وأمه «أحمس نفرتاري» المؤلهين، والظاهر أن «نب نفر» اغتصب هذه اللوحة من آخر كان يحمل نفس ألقابه.٥١٧
-
قن: نحات «آمون» في مكان الصدق، قبره في «دير المدينة»٥١٨ (رقم ٤)، وزوجه تُدعى ربة البيت «حسي ان حتحور»،
وابنه «مري مري»، ويحمل لقب نحات أيضًا، ويشاهد في قبر هذا
النحات كوة في المحراب، صور فيها منظر يمثل صورة «أمنحتب
الأول» «حتحور» برأس بقرة، كما نشاهد صورتي والملكة «أحمس
نفرتاري»، وتحمل هنا لقب الزوجة الإلهية ﻟ «آمون»، وأخت الملك
«مريت آمون» التي يندر وجود صورتها في المناظر التي يؤله فيها
«أمنحتب الأول»، ولكن عبادتها بقيت حتى نهاية عهد الرعامسة،٥١٩ وفي مدخل الباب على الجدار الجنوبي مثل المتوفى
وزوجه على يمينه واقفين، وهذه المجموعة منحوتة في الصخر وملونة
مثل كل المزار، وقد وضعت في هذا الوضع على العارضة الجنوبية
ليتعبدا للشمس المشرقة التي كانت ترسم ملونة في هذا المكان،
وبذلك كانت تحل محل لوحة الهرم، وعلى الجدار الشمالي الغربي
نجد منظرًا يمثل «أوزير» والمتوفى راكعًا أمامه خائفًا على
شريط من الرمل، وخلفه شجرة الجميز المورقة، والمحملة بالفاكهة،
والإلهة «نوت» تخرج منها لتقدم الماء للمتوفى، وبين الشجرة،
و«أوزير» نشاهد مقعدًا لصورة صغيرة للإله «تحوت» في هيئة
الطائر مالك الحزين، وأربعة عقارب واقفة، وبهذا نجد القربان
الجنازي ممثلًا أمامنا، والآلهة الذين كانوا يقومون بأدائه،
وأخيرًا نجد صورة صغيرة تمثل لنا عادة من عادات القوم الشائعة
في منظر المسلة الملونة المرسومة على الجدار الجنوبي؛ إذ نشاهد
أمام الثيران التي تجر الزحافة بنتًا صغيرة تحمل طفلًا رضيعًا
في قطعة نسيج بيضاء، ربطتها حول كتفيها لتؤلف منها كيسًا لحمل
الطفل.
وألقاب «قن» الكاملة هي: نحات «آمون» في مكان الصدق، نحات «آمون» في الكرنك، ونقاش «آمون»، وخادم مكان الصدق، وخادم «أمنحتب الأول».
أما زوجه فتسمى أخته ربة البيت «نفرتاري»، وتوجد له آثار أخرى.٥٢٠ -
حوي نفر: الخادم في مكان الصدق، له لوحة في «المتحف البريطاني»٥٢١ (٣٢٨)، ومن المحتمل أنه هو نفس الشخص الذي مثل في
لوحة «تورين» (١٦٩)؛ حيث نجده يقدم قربانًا لوالده الذي يحمل
نفس اللقب، ويسمى «كارس».٥٢٢وفي لوحة «المتحف البريطاني» يشاهد «رعمسيس الثاني»، وحاكم «طيبة»، والوجيه «كارس»، وابنه «حوي نفر»، وكلهم يتعبدون إلى «بتاح» رب الصدق، وملك الأرضين.٥٢٣
-
إبي: نحات آمون، في مكان الصدق تقع مقبرة «إبي»٥٢٤ في منحدر التل الواقع بعد «معبد دير المدينة»، وفي
ردهة هذا القبر خصص مكان ليكون حديقة للمتوفى، ينعم فيها بكل
أشجارها، وماء بركتها، وكذلك يوجد في جنوب المدخل منضدة
للقربان، ومصطبة مستطيلة الشكل، والدخول إلى قاعة القبر بممرٍّ
مقبب في وسط خارجة الباب، أما المزار فمنخفض بعض الشيء عن
الممرِّ، ويحتوي على حجرة كانت ملونة، ومنها يصل الإنسان إلى
الحجرات الأخرى.
- المناظر التي على جدران المزار: الجدار الغربي، وسنحاول هنا أن نصف ببعض
الاختصار المناظر الباقية في هذا القبر؛ لما لها من
أهمية من الوجهة الفنية، والدينية، والاجتماعية،
والصناعية.
فعلى الجدار الغربي للمدخل من الخلف نشاهد «إبي»، وزوجه يتعبدان للآلهة، وعلى الجانب الشمالي من المدخل إلى القاعة الداخلية مثل «إبي» رافعًا إحدى يديه يتعبد أمام محراب، ويصب بأخرى ماء الطهور على كومة من الحبوب البيضاء المغطاة بالأوراق، ويرتدي جلد فهد مزينًا بنجوم العالم السفلي، وعلى هذا الجلد نقش طغراء «أمنحتب الأول»؛ مما يدل على أن «إبي» كان خادمًا يقوم بوظيفة كاهن جنازي لهذا الملك المؤله، وتحمل زوجه في يدها رأسًا مصنوعًا من البردي ملفوفًا عليه نبات، وإناء واسع الرقبة سد بحزمة من الأوراق المنسقة، ويحلى جيدها بالعقود، ويلاحظ أنها حافية القدمين مثل النساء الأخريات اللائي رُسمن في هذه المقبرة، وفي المحراب يشاهد إلهان، وهما: «أنوبيس»، و«بتاح».
وعلى الجانب المقابل من المدخل نرى «إبي» يحمل موقدًا للإلهة، وعليه حمام، وخبز، وشحم، ويلحظ أن الدخان الأزرق كان يتصاعد من هذا الموقد من قطع الفحم الأربع السوداء التي وضعت عليه، وكان «إبي» يلبس في هذا المنظر ملابس الكاهن، وأمامه طبق كُدست عليه الأزهار والفاكهة، أما زوجه فكانت تحمل عقد مناة، وبصحبتها ابنتها الرشيقة القوام، والهندام «أما محاب» حاملة قربًا أيضًا. والإلهان اللذان كانا في المحراب المقام على عمد كثيرة الزخرفة على هيئة حزمة البردي فهما: «أوزير خنتي أمنتي» الإله العظيم رب العدالة، و«حتحور» سيدة الجبانة الغربية، ويقف «أوزير» على قاعدة زرقاء اللون ملفوفًا في رداء أبيض بوجه أخضر يحرسه صلَّان حول رقبته لينفثا السم على العدو الذي يقترب منه، وقد كان مدينًا بسعادته في الآخرة، كما كان في الحياة الدنيا — لإخلاص المرأة — فكما كانت «إزيس» تسهر على راحته في عالم الدنيا نجد أن «حتحور» تسهر على سعادته هنا في عالم الآخرة وتحرسه. وقد لبست على رأسها علامة الغرب المميزة لها، وهي «الصقر».
أما صفوف الأقارب الذين نجدهم عادة في مقابر عهد الرعامسة فيشغلون في هذا القبر ثلاثة جدران من الأربعة الباقية، والظاهر أن كل صف كان يبتدئ بصاحب المقبرة وزوجه، ويلاحظ أن كل سيدة كانت تضم زوجها كأنها تريد ألا يفلت منها إلى الأبد. وقد خفف ما يشعر به الإنسان من سآمة لتكرار نفس المنظر صورة طريفة فيها شيء من المداعبة اللطيفة؛ إذ نشاهد تحت كرسي آخر لسيدة جالسة على الجدار الشمالي طائرًا قام بينه وبين قط شجار، ولا بد أن هؤلاء الضيوف كانوا مشتركين في عبادة الإلهين السابقين.
- الجدار الجنوبي — وليمة المتوفى: ويشغل الجزء الأعلى من الجدار الجنوبي صف من
الضيوف الذين ذكرناهم فيما سبق، وقد أفلح المثَّال
في إخراج هذا المنظر العادي بطريقة شيقة
(P. L. XXV.)، فعلى
الجهة اليسرى نشاهد المتوفى وزوجه يتقبلان الطعام،
وعلى اليمين المقربين للطعام والأزهار. ويحدثنا
المتن عما في المنظر فيقول مقدم القربان: «تقبل طاقة
أزهار قد أُهديت في معبد «آمون بالكرنك»؛ لأنك من
رعايا رب الفضل، ليتك تتسلم أرغفة وأنفك يتمتع
برائحة البخور يأيها النحات «إبي».» وقد كتب فوق
زوجه: «زوجه المحبوبة ربة البيت، وابنته «إما محاب»،
وابنه «مري مس».» ونقش على الذين يقومون بالخدمة:
«على يدك ابنك المحبوب «نب نخت» ابن ابنك المحبوب
النحات «آني»، وابنته المحبوبة «ورنر».» وهذان
الشخصان يقدمان إناءين مُحليين بالألوان فيهما ماء،
وقد سُدت فوهتهما بالأعشاب النضرة ذات الألوان
المختلفة المنسقة. ويلفت النظر هنا ملابس الرجال
والنساء البيضاء؛ إذ قد لُوثت بمادة حمراء مائلة إلى
السمرة امتدت حتى ما بعد الركبتين، وهذه الظاهرة
تشاهد في ملابس النصف الأخير من الأسرة الثامنة
عشرة، وبخاصة على ملابس الأعياد والولائم، وتفسير
ذلك أن هذه الملابس البيضاء قد لُوثت بالزيوت التي
كانت تسيل من القمع المملوء بالعطر الذي كان يوضع
فوق الرأس لنشر العطور في كل أجزاء الجسم، ولم يكن
المفتن يفكر عندما رسم الرداء بهذه الصورة أن يجعله
ملوثًا، بل ليظهر للناظر إليه أن الجسم الذي يستره
هذا الرداء كان معطرًا؛ ولذلك لم يكن همه أن يلون
البقع إظهارًا لحقيقة واقعة، بل ليظهر بجلاء أن عطر
الوليمة الذي قدمه المضيف كان غزيرًا حتى إنه غمر
ثياب الضيوف. ولما كان هذا برهانًا على الكرم
والسرور العظيم، فإنه غطى على قبح منظره على
الملابس؛ وذلك لأن الرائحة الذكية، وما تحدثه في
الحواس لها قيمتها في البلاد التي جلود أهلها جافة.٥٢٥
وهذه العادة قد بقيت مرعية إلى عهد الرعامسة، ولكن في صورة جديدة، وكل الدلائل تشعر بأن استعمال الزيوت العطرة كان مستمرًّا في الرأس على الأقل، وهذا التلويث الذي كانت تسببه عطور الولائم والأفراح قد بولغ فيه في هذا العهد حتى نتج عنه أن أصبح الرداء الذي بهذه الصفة يعد ملونًا، ومن ثم أصبح الثوب الملوث بالعطور لا يقتصر على الولائم، بل كان شائع الاستعمال.
- مناظر الجدار الشرقي — الجانب الجنوبي: ولدينا منظر يشابه الذي على جدران مقبرة
«وسرحات» الذي عاش في عهد «سيتي الأول»
(p. LXIII)؛ حيث نجد
أن صاحب المقبرة — على ما يظهر — قد ادعى رضاء الملك
عنه في الحياة، والآلهة بعد الموت لما قام به من
خدمات، وما اتصف به من فضائل، ففي النصف الأعلى من
المنظر الذي سنصفه هنا صدى من عهد «إخناتون» عندما
كان مصير الموظفين الذين اعتنقوا مذهبه متوقفًا على
مصيره هو في الحياة، وفي الممات، فقد ظهر فيه
استمرار تقاليد عصره؛ إذ نشاهد بقاء ردهة القصر التي
كانت تعد المكان العام للأعمال الملكية والمراسيم في
عهد «إخناتون»، وهذا الشعور بالاتصال الوثيق بين
الملك والشعب الذي كان يبرز بأجلى مظاهره في عهد
«إخناتون» نجده واضحًا في مناظر المقابر التي أقيمت
بعد عهده، ولم يكن ذلك قاصرًا على مناظر تمثل عبادة
الفراعنة السابقين والحاضرين وحسب، بل كانت تشمل
كذلك مناظر الشرفات التي كان يطل منها الفرعون
مغدقًا الهبات على المخلصين من موظفيه، هذا بالإضافة
إلى متون من التي كانت تستعمل في مثل هذه الأحوال في
عهد «إخناتون».
وتدل شواهد الأحوال على أن الشخص الذي كان يقدمه الوزير هنا للفرعون «رعمسيس الثاني» في الشرفة هو «إبي» النحات، وقد ظهر وهو يمد مروحته أمام وجه الفرعون، على أنه لم يكن هو الفرد الوحيد في هذا المنظر الذي يكافأ في هذه الفرصة؛ إذ نشاهد أن الأفراد الذين كانوا يتبعونه كان ينظم هندامهم خادم، وكانوا يلبسون كذلك أطواقًا من الذهب، ويدل المتن المهشم على أن هؤلاء كانوا كتبة وجنودًا وخدَّام معبد، ولا شكَّ في أن «إبي» كان أرقاهم في نظر الفرعون، فنرى «إبي» والوزير يتبعهما أولًا حاملا مروحتيهما، ثم اثنا عشر رجالًا يسيرون ثُلاثَ، وكلهم قد مُنحوا أطواقًا من الذهب، وجرايات من القصر، وقد أظهروا سرورهم برفع أيديهم بالدعاء، وظهر في جزء علوي من هذا المنظر هدايا أخرى منها سبعة أطواق من الذهب، وقفازان للوزير وأتباعه، وكذلك ثلاثة أكياس من الكحل، وتسعة «طشوط»، هذا إلى أربعة ثيران وخمس عشرة سمكة، وأربع موائد خبز، وأواني للشراب.
كل هذه قد أحضرت من المخازن الملكية لإقامة وليمة، ويشاهد كاتب يدون المطلوب، وستة من رجال البلاط ينتظرون أوامر الفرعون.
- موكب دفن «إبي»: أما الجزء الثاني من هذا الجدار
(pl. XXIII)، فقد
مثل فيه موكب دفن «إبي»، وقد سار من اليمين إلى
الشمال؛ أي من مكان التحنيط؛ حيث كانت المومية قد
أحضرت استعدادًا لحملها في الموكب الجنازي الذي كان
سيسير إلى القبر الواقع في الغرب، ويرى في المكان
الذي وضع فيه التابوت نائحتان تمثلان «إزيس»،
و«نفتيس»، وهما أخت المتوفى وزوجه، وكذلك شخص آخر
معه صندوق الأحشاء، وقد نقش على كل من التابوت
والصندوق اسم «إبي».
وعندما حل وقت الدفن شاهدنا تابوت «إبي»، وكذلك تابوت زوجه (باعتبار ما سيكون) منصوبين يقرأ عليهما الكاهن المرتل الصلاة التقليدية أمام أهل المتوفى الذين كانوا ينثرون التراب على رءوسهم علامة على مقدار حزنهم، ومصابهم الفادح، ومع ذلك فإنهم كانوا في الوقت نفسه يحملون سيقان بردي رمزًا لما يأملونه للمتوفى من السعادة الأبدية في عالم الآخرة، وبعد ذلك نشاهد التابوت يوضع في قارب حمل على زحافة يجرها أربعة رجال متجهين نحو القبر، في حين كان الكاهن ومساعده يحفظان المتوفى طاهرًا بإطلاق البخور، ورش اللبن أمامه، وكانت النسوة يصحن حزنًا وحسرة وتألمًا عند اقتراب وضع المومية في القبر المنحوت من الصخر. أما الأثاث الذي كان سيوضع مع المتوفى في قبره — إذا صدقنا ما في الصورة — فكان محمولًا أمام الموكب، ويشمل ما يأتي:
صندوقًا، وأدوات كتابة، وكرسيين، وصندوقين، وكرسيين قابلين للطيِّ، وإناءين على كرسي منجد، وزوجين من الأحذية، وسريرًا، ومخدة، ومنشتين، ثم سريرًا يحمله «آني»، ويحتمل أنه ابن «إبي»، وخلفه جماعة من أقاربه الذكور، هذا إلى عصا، وصندوقين، وكرسي.
- بيت «إبي»: ويشاهد في الصف الأوسط بيت مجهز بالخدم والحشم،
وفي الجهة اليمنى منه جزء من مجزرة قد بقي من منظر
مهشم، ويشاهد فيه قطع من لحم غريبة الشكل، وكذلك
«كرشة» معلقة على قطع خشب، والخدم يزنون لحمًا
بميزان يدوي لشخص أتى لتسلمه، ولا يمكن أن نفسر هذا
المنظر بأنه حانوت — لأن المعاملات كانت بالتبادل —
بل لا بد أن المنظر يمثل صرف جرايات أهل المنزل، فقد
كان لكل نصيب معين (راجع ج٣).
ويلفت النظر هنا جمال صورة بيت «إبي» حيث نجده بعيدًا عن التنسيق التقليدي المبالغ في نظامه، فالمنظر هنا طبعي، ويقرب من الحقيقة. والواقع أن صورته تعد قطعة من الفن الرفيع بالنسبة لما حوله؛ ولذلك يظهر بين مناظر هذا الجدار — وهي التي رُسمت على حسب التقاليد الجامدة المرعية وقتئذ — كأنه جوهرة في وسط عقد من الخرز، ومن المحتمل جدًّا أنه كان يظهر في أعين أهل هذا العصر على عكس ما نراه في وسط تلك المناظر المألوفة له، ولا نزاع في أن هذا من أثر فن عهد «إخناتون» الرفيع، فالبيت والجوسق الذي يتألف منه الجزء الأوسط من الصورة يختلف عن المساكن المصرية التي حفظت لنا حتى الآن؛ وذلك لأنه صوِّر بصورة كاملة بدلًا من صورة جانبية، وهو في الواقع يتفق مع صور البيوت التي نشاهدها مصورة على جدران مقابر «تل العمارنة» في أن له واجهة ضيقة، ولكن يختلف عن البيوت الحقيقية التي كانت في مدينة «إخناتون» التي كانت تظهر واجهتها مربعة.
- البركة والشادوف: ولما كانت بركة المنزل قد ظهرت في الرسم، فإن البيت قد رفع في الصورة بمستوى ارتفاع البركة نفسها، ولكن لا يحتمل أنه كان على مستوى أعلى من الأرض، هذا إلى أن الدرج الذي نشاهده هو المؤدي إلى حافة الماء، ولكن لما كانت بيوت «إخناتون» الكبيرة ترسم مرتفعة عن سطح الأرض، ويصل إليها الإنسان بمرقاة أو مرقاتين، فمن الجائز أن هذه الفكرة قد استعملت في «طيبة» وذلك حماية من الحشرات والرمال التي تحملها الرياح والفيضان، ومن جهة أخرى كانت مياه النيل تنخفض دائمًا بعد الفيضان، ويتبعها في ذلك مجاري المياه فتنخفض مياه البركة تبعًا لذلك في الغالب، فلا تصل إلى رقعة الحديقة، ولذلك كان يستعمل (الشادوف) الذي نرى منه اثنين بجوار البيت. ومما يلفت النظر هنا صور الفلاحين؛ إذ قد صوروا بصور طبيعية، وأشكالهم القصيرة الممتلئة على عكس صور عِلية القوم ذوي الأجسام النحيلة، والسيقان الطويلة (راجع pl. XXVII)، وبخاصة عندما نقرن كتلة الشعر التي على رءوسهم ولحاهم المهمَلة بالضفائر المنمقة، التي نشاهدها في رءوس أسيادهم أهل اليسار وأصحاب الأموال والضياع الشاسعة، ويلبس الفلاح جلدًا لُف على وسطه مغطيًا ساقيه ليتحمل مشاق الامتياح «بالشادوف»، والكلب الذي بجانب كل من الماتحين بالشادوف يصور لنا نفسية المثال، وفهمه ما يحيط به من حياة ريفية؛ لأن ذلك لا يضيف للمنظر شيئًا سوى صدق التعبير، ومظهر الحياة الحقيقة؛ إذ إن الفلاح الذي يشكو في أيامنا قلة الخبز لا يحلم يومًا ما بأنه يستغني عن حماره أو كلبه؛ إذ هما من أهم أدوات حياته.
- الحديقة: أما حديقة المنزل فقد غرست بالأشجار والأزهار،
ففيها الرمان، والصفصاف، وأبو النوم، ويلحظ أن رسم
هذه الأشجار قد ظهر على نقيض رسم الأشجار التي كانت
تصور حسب قواعد تقليدية معينة؛ إذ نشاهد هنا أن
فروعها تنمو طبعية لا تنسيق فيها، وتتمايل مع الريح،
ولا تقف جامدة كما هي الحال في المناظر التقليدية،
هذا إلى أن سطح البركة كان مغطى كالعادة بأزهار
البشنين المفتحة الأكمام.
- منظر غسيل الملابس: نشاهد هنا رجلًا قد أمسك بدلو شادوف، وآخر قد
وضع إناء كبيرًا على قطعتين من الحجر، في حين كان
آخرون يعصرون الملابس، أو يضربونها على حجر، ثم
ينشرونها في الشمس لتجف، وهذه ظاهرة نادرة جدًّا في
المناظر المصرية القديمة؛ لأن هذا كان من عمل النساء
داخل البيوت؛ ولذلك يعد المنظر ممتعًا غريبًا، وعلى
يمين هذا المنظر نشاهد أسرة «إبي» تقدم قربانًا على
مائدة بجانب النهر إلى ثلاثة قوارب مقدسة زين مؤخر
كل منها برأس كبش يرمز للإله «آمون رع»، وهذه ظاهرة
مألوفة في مقابر عصر الرعامسة. ويلحظ أنه قد رسم في
كل قارب محراب صغير للإله في صورة معبد صغير تام
بمسلاته وأعلامه، وقد وضع فيه كذلك تمثال «بولهول» —
الذي يمثل الفرعون — على قاعدة في هذه القوارب؛ مما
يدل على ارتباط المعبد بالحكومة، وكذلك اسم الملك
الحاكم يحميه ملاك، وقد نقش ولون على جدران المحراب،
وبذلك أصبح تاريخ هذا القبر ينسب لعهد «رعمسيس
الثاني» العظيم.
على أن تمثيل هذا المنظر هنا ليس ظاهرًا تمامًا، فوجود المائدة وقارب «آمون» لا يمكن أن يتمشى مع استقبال قارب «إبي» الجنازي بأسرته الباكية، وعلى أية حال فإن القاربين الآخرين اللذين كانا يتبعان قارب «إبي»، يحتمل أنهما كانا يحملان محرابين، أحدهما ﻟ «أمنحتب الأول» المؤله، والثاني لأمه «أحمس نفرتاري» المؤلهة، وهذا المنظر له نظائر في المقابر المصرية (راجع Two Ramesside Tombs at Thebes pl. XVI & p. 55).
- الجدار الشرقي — الجهة الشمالية — الحياة الريفية (pls. XXXI): الزرع والحصاد تبتدئ هنا قصة الزراعة السنوية التي نشاهدها مصورة على كثير من مقابر عظماء الدولة الحديثة في الصف الأعلى من هذا الجدار، فعلى اليسار نشاهد محصول كتان ناضج يحصده كل من «إبي» وزوجه، وبعد ذلك نشاهدهما يجهزان الحقل لزرع القمح، غير أن المثَّال هنا قد أخطأ في وضع هذا المنظر في موضعه الزمني؛ إذ نجد منظرًا يمثل كيل القمح قبل فصله من سنابله، والمشرف على هذه العمليات هنا هو «إبي» نفسه، وكان يعاقب بيده المذنبين، ويتسلم قائمة الأجور من رئيس العمال، ثم نشاهد عملية تذرية القمح يقوم بها رجال وعذارى، والظاهر من المنظر أن القمح كان قد كيل ووُضع في مخازنه، ومما يلفت النظر؛ الحفل الذي أقيم ابتهاجًا بالحصاد بذبح شاة، وبتقريب قربات أخرى يحتمل أنها قد قُدمت للإلهة «رنوتت» التي تمثل في صورة حية، وتعد إلهة الغذاء والكثرة (يكثر وجود الثعابين وقت الحصاد).
- توزيع غلال المحصول: وكان بعض هذا المحصول لازمًا لصاحب الحقل،
والبعض الآخر كان يحمله إلى السوق ليبادل به سلعًا
أخرى مما يحتاج إليها، وقد مثلت لنا كل هذه العملية
على جدران المقبرة، فنشاهد المحصول يُحمل في سفن
تسير في النيل، أو في ترع، كما تدل على ذلك الأشجار
المطلة على الترع.
ويلاحظ في المنظر أن المثَّال قد اقتصد في صورته؛ إذ نشاهد صور عملية الشحن والتفريغ في آن واحد للقاربين الراسيين جنبًا لجنب عند الشاطئ، فالعملية الأولى في المؤخرة، والأخرى في المقدمة، وقد أحضرت الغلال من الحقول على ظهور الحمير والرجال، ونشاهد فضلًا عن ذلك في السفينتين ما يحتاجه أهل الحضر من الأزهار، وحزم الخضر، فها هو ذا شاب يحلي أذنه قرط يحمل طاقة أزهار ضخمة أكبر من جسمه.
ومما يلفت النظر أن الملاحين كانوا يستبدلون — بما يأخذونه من الحصاد أجرًا لهم — أشياء أخرى كانت معروضة على الساحل، فنشاهد امرأة في كوخ من القصب وأمامها إناء ضخم من النبيذ، وآخر من الجعة، ويلحظ أنها كانت تفرغ النبيذ أو الجعة بوساطة غابتين على هيئة زاوية قائمة؛ حتى تأمن عدم وقوع أي قاذورة في سلعتها، ويخيل إليَّ أن المفتن هنا كان على علم تام بأن الملاحين لا يهمهم تقديم حقيبة قمح بأكملها مقابل فطيرتين حقيرتين، أو سمكة صغيرة أو خيارة؛ معتقدين أنهم قد غبنوا البائع. وعندما تصل السفن إلى مقرِّها محملة بالغلال لتخزن في مخازنها تحمل الحقائب على أكتاف العمال، وفي المنظر صبي عند المقدمة ينادي بالعدد للرجل المكلف بالمخزن الذي كان يتألف من ردهة مكشوفة الجدران عالية توضع فيها مختلف أنواع الحبوب، ولذلك نشاهد طفلًا يطرد الطيور التي كانت تنزل على عرم القمح فيه، ولم ينسَ المثَّال هنا أن يجعل للمعبودة نصيبًا؛ فقد حفظ مأوى في هذا المحراب لإلهة الحصاد «رنوتت»، وقد وضع أمامها إناء مملوء بالحبوب، وحزمة سنبل، وخبز مغمس فاحت رائحته حتى وصلت إلى أنف هذه الإلهة.
- لقط ما تبقى من الحصاد: وقد كانت العادة بعد أن ينتهي الحصاد حتى يومنا هذا، أن يتبقى في حقل القمح بعض فضلات من السنابل، كما كانت تتخلف بعض الحبوب في مكان الدرس، وقد كان من دواعي سرور الطبقة الدنيا أن يسوقوا ما عزهم إلى أرض الحصاد للقط ما تخلف من المحصول، فتنتشر الحيوانات في أرجاء الحقل باحثة عما تجد في تلك الأرض التي حُرمت الرعي مدة طويلة، فنشاهد التيس في المقدمة يقود الأجداء الصغيرة، وهي تمرح وتلعب حينما تجد مكانًا فسيحًا، وكان يقوم على حراستها أربعة من الصبية مجهزون بكل ما يلزمهم طيلة اليوم، فواحد منهم في يده عصا الرعاية، ويتبعه كلبه، ومعه قربة ماء، ويحمل حقيبة أخرى وصفارته في كنانتها، ونشاهد آخر ينفخ في صفارته يمسكها بيد واحدة، والماعز أمامه ترتع كيف شاءت، وأكثر ما نشاهدها تأكل من ورق الشجر، وعندما كانت تأكل كل ما يمكنها أن تصل إليه من هذه الأوراق يقوم راعوها بهش الأشجار بعصيهم لتأكل منها غنمهم. ونشاهد بين هذه الماعز ألوانًا من الأحمر والأسود والأبيض، وكذلك نتاجًا مختلطًا، كما نشاهد في رقاب بعضها الزائدتين اللتين نشاهدهما تحت الرقبة في الماعز الآن (pls. XXX).
- منظر محصول المستنقعات: صيد السمك على الشاطئ: يشاهد على الجدار الشمالي (pls. XXXVII) المنظر العادي لصيد السمك، وقد حلي برسم الأشجار رسمًا طبعيًّا، وكذلك بعض تفاصيل خارجة على التقاليد القديمة الجامدة. حقًّا نشاهد الرجال يجرون الشبكة إلى الشاطئ بما فيها من سمك كالمعتاد، غير أننا نرى في الوقت نفسه شابًا برأس حليق يلتفت إلى آخر يناديه، كما نشاهد شابًا ثالثًا عاري الجسم، يلتقط السمك من الشبكة واحدة واحدة، ثم نشاهد السمك يكوَّم في مكان واحد، ويضعه رجال ونساء في أكياس، ويحملونه إلى السماك المسمى «نيا»، وهنا نجد رجلًا آخر ينظفها. هذا ولدينا منظر آخر لصيد الأسماك في القوارب ممثل كالمعتاد (Pls. XXXV).
- صيد الطيور بالشبك: ويفصل منظر صيد السمك في القوارب عن صيد الطيور بالأحابيل (بعض سيقان البردي)، وهنا نشاهد الصياد مختبئًا بين الأعشاب ينادي رفاقه ليجرُّوا الشبكة حين وقع فيها الطير، وفضلًا عن ذلك نجد أن المثال قد صور لنا صيد الطيور في قارب من البردي حيث نجد — كما جرت العادة — الرجل وزوجه يصطادان الطيور برشقها بالعصي، ويلفت النظر في هذا المنظر القطة التي كانت تأتي لصاحبها بالطير عندما يقع، وكذلك صورة البومة التي رُسمت بمثابة تمثال لإغراء الطير عندما يقع، وكذلك صورة البومة التي رُسمت بمثابة تمثال لإغراء الطير في هذا المكان ليقع في الشرك، وقد كتب على الصور التي في القارب المتن الثاني: «إبي» نحات «آمون» في مكان الصدق في غربي «طيبة»، وزوجه ربة البيت «دوامواست». وكذلك نشاهد هنا منظر جمع الكروم، وعصير العنب، وصنع النبيذ.
- الجدار الشمالي: أثاث ملكي خاص (pls.
XXXXI)، يوجد على هذا الجدار منظر
صنع جهاز جنازي في المصانع، وهذا الأثاث لم يكن
لاستعمال «إبي» فحسب، بل لدينا فيه قطعتان كبيرتان
تمثلان محرابين، وعليهما طغراءان ﻟ «أمنحتب الأول»
الذي كان قد مضى على وفاته — بالنسبة «لإبي» — ما
يقرب من ثلثمائة سنة، ولا بد أنهما كانتا لمعبده أو
لقبره؛ لأنه كان يُعبد في هذه الجبانة بوصفه إله
العمال.
والآن يتساءل الإنسان عن المناسبة التي جعلت «إبي» يرسم هذا المنظر في قبره، وهل يمكننا أن نعرف من الرسم المكان الذي خُصص لهاتين القطعتين؟
والواقع أننا نعلم مما لدينا من الوثائق التي ترجع إلى عهد الفرعون «حور محب» أنه قام بإصلاح عام لكل المعابد في البلاد، وبوجه خاص نعلم أنه قام بإصلاح مقبرة الفرعون «تحتمس الرابع» (راجع مصر القديمة ج٥).
وتدل الأحوال على أن هذا الإصلاح لم ينقطع سببه بل استمر؛ ولذلك لا يبعد عنا أن ما فعله «حور محب» لأجل «تحتمس الرابع» كان هو نفس ما فعله «رعمسيس الأول»، و«سيتي الأول» لمقبرة «تحتمس الأول» (راجع pls. XVI)، ولمقبرة «تحتمس الثالث»، كما نشاهد في المقبرة رقم ٣١، وما فعله «رعمسيس الثاني» لقبر «أمنحتب الأول»، كما نشاهد في مناظر قبر «إبي»، وفي مناظر القبر رقم ١٩ في هذه الجبانة أيضًا.وعلى أية حال فإن تحضير هذا الجهاز الجنازي سواء أكان لأجل قبر هذا الفرعون أو لمعبده، فإن «إبي» قد اتخذ من ذلك فرصة مناسبة لعمل جهازه الجنازي هو أيضًا.
- صورة المحرابين: مثل أمامنا في الصورة محرابان يبلغ ارتفاع
الواحد منهما ثلاثة أضعاف طول الرجل، ولا يمكننا —
بعد أن رأينا المحاريب التي كانت في مقبرة «توت عنخ
آمون» — أن نقول إن المحرابين المذكورين هنا ضخمان،
وأولهما قد لُون باللون الأسود؛ مما يوحي بأنه من
الأبنوس، غير أنه في العادة كان يصنع من الخشب
العادي، ثم يلون بالقطران تقليدًا للأبنوس، وقد زين
جداره بصورة وحدة مصر، فنشاهد الإلهين «حور» و«ست»
ممسكين بساقين من النبات، يرمز أحدهما للوجه القبلي
والآخر للوجه البحري ،
وفي الوسط يرى الملك راكعًا على علامة الوحدة (سما
) بين إلهتي الوجه القبلي
والوجه البحري، وهما «نخبت»، و«وازيت»، وفوقه قرص
الشمس المجنح الذي يضيء الجنوب والشمال معًا، وفي
أسفل نشاهد علامة بني الإنسان ممثلة في صورة الطائر
«رخيت»، وقد نقش على العمودين اللذين يكنفان المحراب
طغراء «أمنحتب الأول»، ويشاهد حفارون من الخشب
يصنعون التفاصيل النهائية الخاصة بزينة هذا المحراب،
وقد بقي لنا متن نُقش عموديًّا على جانبي المحراب،
ويشمل ألقاب هذا الملك المؤله وهو:
- على الجانب الأيمن: الإله الطيب الشجاع ابن «آمون» … أرباب «طيبة» ملك الوجهين القبلي والبحري … ابن الشمس محبوب الآلهة «أمنحتب»، معطي الحياة محبوب «آمون رع»، رب تيجان الأرضين في الكرنك.
- على الجانب الأيسر: الإله الطيب ابن «آمون» الذي وضعته «موت» الواحدة العظيمة سيدة «أشرو» ملك الجنوب والشمال، وحاكم الأجانب سيد الأرضين «زسر كارع» محبوب «رع»، وابنه من ظهره «أمنحتب»، معطي الحياة محبوب «آمون رع» رب تيجان الأرضين الإله العظيم.
- المحراب الثاني: حجرة النوم: أما المحراب الثاني فيظهر بمحتوياته في صورة
مكان للنوم قد وضع على طوار يصل إليه الإنسان بسلم،
وعلى الرغم من أن حجرة النوم هذه مقببة فإنه على ما
يظهر لم تكن في الأصل مخصصة لنوم الملك المتوفى، بل
كان بمثابة نعش يمكن حمله ويوضع فيه المتوفى، وعلى
هذا الزعم يكون الطوار الذي تحته مصنوعًا من الخشب
كبقية النعش، أما القسمان اللذان يشاهدان فوق هذه
الحجرة فيختلفان في وضعهما، ويمكن اعتبارهما بمثابة
حلية، ولأجل التهوية.
وتحتوي حجرة النوم على سرير عالٍ أمامه درج للصعود فوق السرير، ومخدة ومرآة من النحاس، ومائدة عليها عنقود من التين، ويلاحظ أن المخدة قد وضع على جانبيها رمزا العافية.
وصور العمال الذين كانوا يقومون بصنع هذه الحجرة التي تظهر كأنها مقامة من مواد غاية في المتانة على جانب عظيم من الأهمية، فعلى الرغم من عدم وجود متن يحدثنا عن حركات أولئك الصناع وسكناتهم، وما يقومون به من عمل، فإن نفس أوضاعهم تحدثنا بصراحة عن الدور الذي كان يقوم به كل واحد منهم، وهذه الظاهرة من مميزات فن هذا العصر عندما يكون المفتن ماهرًا.
فكما نشاهد في أيامنا الحلاق يحلق للعمال على قارعة الطريق، أو في أثناء عملهم، فكذلك نرى هنا الرجل الذي يزجج العيون بالكحل قد أخذ يكحل نجارًا بمروده الخاص. ويشاهد بجوار هذا المكحل آلات التكحيل، وتتألف من أسطوانتين في إحداهما مرود، هذا إلى كيس من مسحوق الكحل، وزجاجة لخلط الكحل المجفف، وصندوق توضع فيه كل هذه الأدوات، وفوق هذا المنظر نشاهد رئيس عمال يعطي الأوامر بصوت عالٍ، أو ينذر بوصول المشرف على العمل — نجارًا كان يستعمل إزميلًا كبيرًا لدق دسار لا داعي له.
وعلى سقف هذا المبنى نرى نجارًا يصقل الألواح بقطعة من الحجر الرملي، وبجواره أدواته البسيطة، وتحتوي على منشار من النحاس وثلاثة مناقير للثقب والحفر، وفي هذا المكان المنعزل نرى عاملًا قد اضطجع ليغفو قليلًا، غير أن «إبي» صاحب المقبرة قد لمحه فصاح موجهًا إليه اللوم، وعندئذ أسرع أحد زملائه لإيقاظه قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه. ويلاحظ أن العمال الذين كانوا يعملون في الجهة التي أتى منها سيدهم أظهروا نشاطًا وجدًّا في العمل. وعلى أية حال يظهر أن هاتين القطعتين من الأثاث كان موطنهما النهائي في معبد الملك الجنازي، فإحداهما هي الناووس الذي كان يوضع فيه المحراب، والثانية هي النعش الذي عمل على هيئة حجرة نوم ليحل محل الذي عمل وقت الدفن، أو ليستعمل عند تكرار عملية الدفن في الاحتفال السنوي بيوم دفن الفرعون.
- جهاز «إبي» الجنازي: الصف الذي فوق هذا المنظر يبدو أنه ليحل قائمة
تعدد لنا مواد الأثاث التي كانت مجهزة «لإبي» نفسه،
فنشاهد على اليسار المحراب الموضوع في السفينة، وهو
الذي كان مخصصًا لوضع المومية فيه، غير أن تفاصيله
النهائية لم تكن قد تمت بعد، فنرى عاملًا يركب حلية
مؤخر السفينة، وثانيًا ينشر الزائد من دسار تركه
زميله، وثالثًا يركب الخيط الذي يثبت الحبل المستعمل
لجرِّ السفينة، ورابعًا قد بدأ يجهز الرموز التي
كانت توضع في إطاراتها، ويرى كذلك اثنان أو ثلاثة من
العمال في الصورة يقومون بتلك العملية، وبجوار ذلك
يوجد التابوتان المعدان لموميتي «إبي»، وزوجه،
وبجوار التابوت نشاهد رجلًا يقطع شجرة جميز إشارة
إلى أن التابوتين قد عملا من خشبها، وعلى مقربة من
ذلك شاب ينفخ النار تحت إناء فيه غراء للصق النسيج
المقوى على المومية، يضاف إلى ذلك أن المثَّال لم
يفُته أن يضع في صورته إشارة إلى الغرض من صنع هذه
القطع من الأثاث، فنشاهد مساعده ممسكًا من أسفل
بالتابوت المنصوب كأنه مشيع للجنازة، على حين كان
ابن «إبي» الأكبر المسمى «آني» يقرأ شعيرة فتح الفم
كما كان سيفعل يوم الدفن، هذا بالإضافة إلى وجود كل
الآلات اللازمة لمراسيم فتح الفم أمام
التابوت.
ويشاهد خلاف ذلك مساعد يضع طبقة من الألوان على وجه صورة التابوت، وبعد ذلك نجد مخزنًا يحوي قطع أثاث تام الصنع، منها كرسيان وثلاثة عصي للمشي، وصندوقان صغيران وكرسيان يطويان، وصندوقان فيهما أدوات كتابة، ومخدتان.
أما أثمن قطعة في هذا الجهاز فيظهر أنها كانت «صدرية»، قدمها «نب نخت» لوالده «إبي»، وبعد ذلك نشاهد بقية الأثاث، ويشمل ثلاثة صناديق، وأربع قارورات من العطور مصنوعة من زجاج، أو خشب يشبه الزجاج، وكرسيًّا عليه نعلان، وطستًا وسريرًا عليه مروحة ومخدة، وتحت هذا إناء فيه عطور للرأس وزجاجة ماء موضوعة على قاعدته، ومن أراد أن يرى أمثال هذا الأثاث الجنازي رأي العين فليذهب إلى متحف «تورين» بإيطاليا، حيث يشمل قطعًا من هذا النوع استخرجت من قبر في هذه البقعة بعينها.
- المناظر التي على جدران المزار: الجدار الغربي، وسنحاول هنا أن نصف ببعض
الاختصار المناظر الباقية في هذا القبر؛ لما لها من
أهمية من الوجهة الفنية، والدينية، والاجتماعية،
والصناعية.
(٩-٣) «بامنو» المثال الأول
(٩-٤) «أمنحتب» (حوي ددي)
(٩-٥) بتاح مويا
(٩-٦) باك عا
(أ) أمنمأبت
(٩-٧) ثاثا
(٩-٨) باك
(٩-٩) حور
رئيس إصطبل مقر الفرعون. جاء اسمه على لوحة أخيه «حورا» الذي كان يلقب المشرف على الأراضي الزراعية لرب الأرضين، ونشاهد عليها «حورا» هذا وزوجه «تنت باتا» يتعبدان للآلهة «أوزير»، و«حور»، و«إزيس»، و«تحوت»، كما نشاهد «حورا» يقدم لوالده «رع مري»، ولوالدته «إبي» القربان. ويرى كذلك على اللوحة أخوه.
(٩-١٠) باكن آمون
- (١)
«مري»: حامل المروحة.
- (٢)
«نفرر نبت»: كاتب مخازن الغلال.
- (٣)
«حور نخت»: كاهن معبد «مين».
- (٤) «إزيس»: مغنية الإلهة «إزيس» (راجع Budge. Ibid. p. 188; Lieb. Dic. Noms. No. 890).
(٩-١١) حح
(٩-١٢) مرنبتاح
(٩-١٣) نخت مين
(٩-١٤) نزم
(٩-١٥) مري آتوم
(٩-١٦) حوي
(٩-١٧) نس حتب
(٩-١٨) نخت مين
(٩-١٩) أنحرنخت
(٩-٢٠) منمس
(٩-٢١) كتَّاب الفرعون
- خعي: كاتب الفرعون الحقيقي ومحبوبه، وله تمثال وجد في «منف»، وهو محفوظ «بالمتحف المصري»، وكان يحمل فضلًا عن وظيفة كاتب الفرعون الوظائف التالية: المشرف على خزانة معبد ملايين السنين لملك الوجهين القبلي والبحري «رعمسيس الثاني» في ضيعة «آمون»، ومن يثني عليه الإله الطيب كثيرًا (راجع Borchardt, Stat. II, p. 154, 156; De Rouge Etudes Egyp. P. 30; Champ. Mon. p. 63 ff.).
- وننفر: كاتب الفرعون الأول، وجد له تمثال في معبد الكرنك، ولا يحمل من الألقاب على هذا التمثال إلا لقب «كاتب الفرعون الأول»؛ مما يدل على ما كان لهذا اللقب من الأهمية العظيمة لدى الفرعون — كما ذكرنا، وأنه لم يكن يحمله إلا من كان مقرَّبًا من الفرعون جدًّا، ويلحظ في النقوش المصرية عادة أن حامل هذا اللقب كان يحمل ألقابًا أخرى خطيرة (راجع Legrain, Stat. p. 37. II. Pl. XXXIV).
- بانحسي: كاتب الفرعون، والمشرف على المالية، وحامل المروحة على يمين الفرعون، والمشرف على مخزن الذهب من السودان، والمراقب على الهدايا والجزية التي يدفعها رؤساء السودان، وقد عاش «بانحسي» هذا في عهد «رعمسيس الثاني»، يدل على ذلك وجود اسم هذا الفرعون على الكتف الأيمن لتمثال «بانحسي» المحفوظ «بالمتحف البريطاني». وقد مثل ممسكًا بمحراب صغير أمامه نحت فيه صور «أوزير»، و«إزيس»، و«حور» (راجع Budge, Guide to Sculp. P. 165-166). ويقول «بتري»: إن «بانحسي» هذا هو الذي أصبح فيما بعد وزيرًا في عهد «مرنبتاح» بن «رعمسيس الثاني» (راجع Petrie Hist III, p. 97,).
- «منمس» المسمى «كانرا»: كاتب الملك ورئيس الأسرار على الأرض وفي العالم السفلي،
ورئيس الأسرار في مكان الصدق، وكاتب الملك في بيتي الجنوب
والشمال، وحاسب الضرائب، وصانع تماثيل كل الآلهة، والكاتب
الحقيقي لمكان الصدق.
وقد نقشت هذه الألقاب على لوحة له محفوظة الآن «بمتحف اللوفر»، وقد صور في أعلاها يتعبد للآلهة «أوزير»، و«حور»، و«إزيس»، و«تفتيس»، و«بتاح»، و«تحوت»، وفي الجزء الأسفل من اللوحة يرى ابن المتوفى الذي يدعى كذلك «كانرا» يقدم القربان لوالديه، ولخمسة آخرين من أقاربه، وتحمل والدته «أنيت» لقب «حاملة صاجات الإلهة إزيس».
(راجع T. S. B. A. VIII, p. 336 & Pierret. Rec. Insc. II p. 134). - «حم» و«أمنمأبت»: ذُكر هذان الموظفان على لوحة محفوظة «بالمتحف المصري»، ومؤرَّخة بطغراء «رعمسيس الثاني»، ويلقب «حم» كاتب الملك، ومدير البيت، أما «أمنمأبت» فيلقب كاتب الملك وحسب (راجع Lieb. Dic. Noms. 2098).
- تحوتي محب: كاتب الملك، ذُكر اسمه على لوحة مهداة للعجل «أبيس الرابع»، وهو الإله الذي كان له صلة بالإله «بتاح»، كما كان العجل «مرور» (منفيس) له صلة بالإله «رع»، واللوحة مؤرخة بالسنة الثلاثين من عهد «رعمسيس الثاني» (راجع Mariette, Serapeum III p. 17; Lieb. Dic, Noms. No. 884).
- ثيا: كاتب الفرعون الحقيقي المحبوب، وجد له بعض آثار في «سقارة»، أهمها لوحة محفوظة الآن «بمتحف فلورنس» (Schiaparelli Florence, 324.)، دون عليها الألقاب والنعوت التالية: الممدوح من الإله الطيب، والمحبوب من جلالته يوميًّا، وكاتب الفرعون المحبوب منه حقًّا، والمشرف على مالية الرمسيوم، والمشرف العظيم على ماشية «آمون» ملك الآلهة، وحامل المروحة على يمين الفرعون، وكاتب الملك، والمشرف على المالية، والمشرف على مالية رب الأرضين، وله غير هذه اللوحة أخرى صغيرة في مجموعة «روجرس» نقش عليها الألقاب التالية: كاتب الفرعون، ومعلم جلالته، ومربي سيد الأرضين، وهو في البيضة، والمشرف على ماشية الإله «آمون»، ولكنا لا نعلم أي ملك كان ينشئ (راجع A. Z. XIX. 117-118).
- سا إست: كاتب الفرعون، والمشرف على غلال الوجه القبلي والوجه البحري، له تمثال محفوظ الآن بمتحف «فينا»، وقد نقش عليه اسم كل من «رعمسيس الثاني»، وابنه «مرنبتاح». وقد دون على التمثال صلاة للإله «وبوات»، كما كتب عليه دعاء على كل من يتعدى على تمثاله، ويصيبه بضرر ما بأن يحاكم ويعاقب على فعلته؛ وذلك لأنه كان رجلًا طيبًا لم يأتِ سوءًا في حياته، ولم يرتكب خطيئة مع أي إنسان، وكذلك يناشد كهنة معبد الإله «وبوات» على اختلاف أنواعهم أن يقدموا له قربانًا (راجع Rec. Trav. XII, p. 3-4).
- بياي: كاتب الفرعون، والمستشار والمشرف على الخاتم، له تمثال من الحجر الجيري الأبيض «بالمتحف البريطاني»، وقد نقش على الجزء الأمامي منه صلوات للإلهة «أوزير»، و«أنوب»، و«بتاح»، و«سكر» ليقدموا له قربانًا (راجع Budge, Guide to Sculp. P. 170; Lieb. Dic. Noms. No. 887).
- مري بتاح: كاتب الوثائق الفرعونية، والمشرف على ماشية بيت «رعمسيس الثاني»، وله لوحة عثر عليها في «العرابة المدفونة»، ولكنها اشتريت من «أخميم»، واللوحة مقسمة قسمين عليهما منظران، ففي القسم الأيمن الإله «حور اختي» جالسًا على عرشه يتقبل تحيات شخص راكع، ونُقش فوقه: «إني أقدم التحيات ﻟ «رع» لأجل روح كاتب الملك لوثائق القصر — له الحياة والفلاح والصحة — «مري بتاح» صادق القول، وسيد الاحترام بجانب الإله العظيم.» وعلى اليسار نشاهد «مري بتاح» راكعًا أمام أوزير، وفوقه النقش التالي: «الدعاء لأوزير لأجل روح المشرف على الماشية في معبد «وسر ماعت رع ستبن رع بتاح».» (راجع Rec. Trav. IX, p. 90).
- ساري: كاتب الفرعون، له تمثالان وُجِدا في خبيئة الكرنك من الجرانيت (راجع Legrain, Stat. II, p. 34 pl. XXXI & p. 35, 36, pl. XXXII)، وقد كتب اسم الفرعون «رعمسيس الأول» على الكتف الأيمن للتمثال الأول. والنقوش التي على التمثالين كلها تمنيات للمتوفى ليوهب الحياة في الآخرة، كما كان في الحياة الدنيا، وذلك بأن يوهب ثانية استعمال كل أعضائه، ويتنفس الهواء العليل، ويتمتع بكل ملاذ الآخرة.
- بياي: كاتب الملك، والكاهن المرتل الأول، والمشرف الأول على الكهنة
المطهرين، والمشرف على القربات الإلهية، والمشرف على التحنيط،
وموزع القربان.
وجد اسم «بياي» هذا مع اسم موظف آخر يُدعى «تحتمس»، أو «رعمسيس»، ويلقب الكاهن المرتل الأول في البيت الجميل — أي بيت التحنيط — على لوحة تحمل ثلاثة تواريخ من عهد الفرعون «رعمسيس الثاني»، وهي السنة السادسة عشرة، والسنة السادسة والعشرون، والسنة الثلاثون، واللوحة من الحجر الجيري الأبيض، ومقسمة قسمين، وهي خاصة بالعجل «أبيس الرابع» في عهد «رعمسيس الثاني».
ففي الجزء الأعلى منها نشاهد ثورين مضطجعين متقابلين، وقد كتب أمام واحد منهما: «السنة السادسة عشرة، وصول جلالة العجل «أبيس»»، وكتب أمام الثاني: «السنة السادسة والعشرون، وصول جلالة العجل «منفيس»»، ونقش أمامهما سويًّا٥٢٨ طغراء «رعمسيس الثاني».وتحت هذا نشاهد محرابًا فيه العجل «أبيس»، وأمام المحراب مائدة قربان، وكاهن يقرأ صيغة القربان من إضمامة، وآخر يقدم إناءين، وفوقهما نقش خاص بشعيرة فتح الفم، وألقاب كل من «بياي»، و«تحتمس».
وفي الجزء الأسفل من اللوحة نشاهد شخصين واقفين بملابس فضفاضة، وفي يد كل منهما آلة لفتح الفم، وقد كتب أمامهما نقش يبتدئ بالسنة الثلاثين من حكم «رعمسيس الثاني»، وهو خاص بفتح الفم للعجل «أبيس»، والظاهر أن هذه اللوحة قد اشترك في عملها الكاهن المطهر، والمرتل في بيت التحنيط، والتشريفي في بيت العجل أبيس، ومن في حجرة بيت العجل «منفيس» «بتاحي» المرحوم، والمشرف على بيت التحنيط المرحوم «رعمسيس»، والكاهن المطهر والمرتل في بيت الفرعون «إبي» (راجع Rec. Trav. XXI, p. 70. ff.). - ريا: الكاهن المطهر والمرتل في بيت التحنيط المزدوج، وله لوحة مؤرخة بالسنة الثلاثين من عهد «رعمسيس الثاني» في السرابيوم «بسقارة»، وهي خاصة بدفن العجل الرابع أيضًا، وقد جاء ذكر الكاهن «بياي» السالف الذكر عليها بألقابه (راجع Rec. Trav XXI p. 72-3).
- باخبري خع: كاتب مائدة الفرعون: له تمثال «بمتحف اللوفر»، وقد نقش عليه اسم والده «إزيس محب»، ومعنى الاسم «إزيس في عيد» (راجع Lieb. Dic. Noms No. 894).
- بن نستاوي: كاتب مائدة نائب «كوش»، وقد جاء ذكره ولقبه مع أشخاص آخرين على لوحة «ستاوي» نائب «بلاد كوش» في عهد «رعمسيس الثاني» (راجع مصر القديمة جزء ٥).
- كاثا: الكاتب المشرف على عبيد الأرضين في الأرض الجنوبية، له لوحة منقورة في صخور «فرس» عند الحدود الجنوبية، وقد جاء فيها ذكر والده «تحتمس» (راجع Champ. Notices 1 p. 40).
- خعمأبت: كاتب كتاب الإله لرب الأرضين، وكاتب تواريخ كل الآلهة في بيت
الحياة (الجامعة)، ووالد الإله للإله «رع-آتوم»، وكاتب الملك
والمدير الملكي، وله لوحة محفوظة الآن بمتحف «ستوتجارت»
بألمانيا، يشاهد في أعلاها يتعبد للآلهة «أوزير»، و«إزيس»
و«حور»، وطغراء «رعمسيس الثاني»، وفي الجزء الأسفل نشاهد ابنه
«منتوحتب» كاتب معبد «منتو» رب «أرمنت» يخاطب أفراد أسرته
الجالسين أمامه، وهم:
- بكت ورنورا: زوجه ربة البيت، ومغنية «آمون».
- آمون واح سو: والده كاتب كتاب الإله، هذا وقد ذكر اسما والدته، وزوج والده بدون ألقاب (راجع Spiegelbrg & Portner Aegyptische Grabstien und Denkstein Aus Suddeutschen Sammlungen. I, pl. XVIII,).
- حورا: كاتب الخزانة (راجع Pleyte. Pap. Turin 41, pl. XXIX).
- رعمسيس نختو: كاتب قوائم الجنود، له تمثال محفوظ الآن بمتحف «برلين» نقش على كتفه طغراء «رعمسيس الثاني» (Insch. Berlin. II, p. 72).
- حور مين: كاتب القصر، عثر له على تمثال في «منف»، وهو محفوظ الآن بمتحف «ليدن» (راجع Leyden Aegypt Mon. II, IX, D. 38).
- باسحاتا: كاتب المعبد، له بعض الآثار منها لوحة من «العرابة» (راجع Abydos Cat. 1131-1132)، ويحمل لقب كاتب معبد الإلهين «بتاح» «أنحور»، وزوجته تُدعى ربة البيت «تاكد»، وابنه يلقب الكاتب «نخت»، وولده هو الكاتب «رومع» (راجع De. Rougé. Insc. Hierog I, pl. XXXII).
- أمنمأبت: كاتب وثائق الفرعون، وله تمثال في متحف «سنتبيترزبرج» (راجع Lieblein. St. Petersburg Agyp. Denkmaler, 4; Papayri At Turin Pleyte Pap. de. Turin, 9).
- أمنمس: الكاتب الملكي لمائدة رب الأرضين، وكاتب الملك، له تمثال من الحجر الجيري الصلب من خبيئة الكرنك، وذلك يدل على أنه كان صاحب مكانة عظيمة؛ لأنه لم يكن يوضع في معبد «آمون» إلا تماثيل عظماء القوم، وقد جاء ذكر اسم والديه على تمثاله هذا، فوالده يسمى «بن زرتي»، ووالدته «موتمأنت»، وكذلك كان يشترك «أمنمس» مع كاتب آخر في لوحة وهو:
- وررشبو: الكاتب الملكي ومدير البيت، وقد مثل هذان الكاتبان على هذه اللوحة وأسرتاهما في ثلاثة صفوف، وكلهم يتعبدون إلى العلم، وهو الشارة التي وضعت على قمة الصندوق الذي كان يحتوي على حسب زعم القوم على رأس الإله أوزير، وعلى أحد جانبيه صورة الإله «حور»، وعلم برأس كبش، وعلى الجانب الآخر الإلهة «إزيس»، وعلم برأس كبش (راجع Budge, Guide to Sculpt. P. 205).
- أمنمحب: كاتب المائدة الملكية، وجد له لوحتان في العرابة، وجد إحداهما «مريت» (راجع Mariette. Cat. Abydos No. 1128)، والثانية عثر عليها «فرنكفورت»، وهي موجودة الآن بمتحف «سدني»، ويحمل فيها الألقاب التالية: قائد أعياد أوزير، والكاتب الملكي، كاتب مائدة القربان (راجع J. E. A. XIV, p. 243-4).
- بري نفر: كاتب المائدة الملكية، ذكر اسمه على بعض الآثار، منها لوحة عثر عليها في «العرابة المدفونة» (راجع Mar. Cat. Abydos no. 1128)، ولوحة محفوظة في معبد «بولوني» من أعمال فرنسا (راجع Wiedemann Gesch p. 56; Lieb, Dic. Noms Fo. 736). ويلاحظ أنه قد ذكر على لوحة «العرابة» عدة رجال ونساء يعملون في وظائف مختلفة، منهم الكاتب، والمغني، والضابط، كما كانت النسوة يعملن مغنيات للإله «آمون»، ومن بينهن مغنية للإلهة «حتحور» (Boulaq. Stele No. 807).
- مري بتاح: كاتب المائدة، له تمثال راكع في «المتحف البريطاني» (راجع Arundale & Bonomi Gallery pl. 54).
- نفر حر: كاتب وثائق القصر، وله لوحة محفوظة الآن «بالمتحف البريطاني»، وتلفت النظر بما عليها من نقوش هامَّة؛ فعلى الجزء الأعلى منها دونت السنة التي توفي فيها، وهي الثانية والستون من عهد «رعمسيس»، ونجد أسفل ذلك صاحب اللوحة راكعًا أمام الإله «أوزير» متعبدًا، وخلف هذا الإله تقف أختاه «إزيس»، و«نفتيس»، ثم «حور» بن «إزيس»، وفي الصف الثاني نشاهد «نفر حر» واقفًا أمام صف من أهل أسرته، مقدمًا لهم البخور، والنبيذ، والقربان على مائدة، وفي آخر صف نجده كذلك واقفًا يحمل طبقًا عليه قربان، وأمامه مائدة قربان، كذلك يقدم لطائفة من أهله، وكلهم إخوته قربانًا كما تقول النقوش (راجع Budge, Guide to Sculp p. 175. pl. XXIII; Lieb. Dic. Noms. No. 889).
- بنتاور: الكاتب، وهو الذي نسخ بخطه قصيدة ملحمة «رعمسيس الثاني»، التي نقشها على جدران معابده العظيمة، في طول البلاد وعرضها، وقد أسهبنا القول فيها، وقد نسب إليه بعض كتاب عصرنا خطأ أنه هو الذي ألَّف هذه القصيدة (راجع Pefrie, Hist III. p. 30)، والواقع أنه كتبها بخط يده فقط.
- أمنمويا: كاتب رب الأرضين، جاء ذكر هذا الكاتب مع سائر أفراد أسرته على لوحة محفوظة الآن «بالمتحف المصري» (no. 807) (راجع Mar. Cat Abydos no. 1128)، وتدل النقوش التي عليها على أن معظم أفرادها كانوا يشغلون وظائف حكومية في ذلك العهد، وسلسلة نسب هذه الأسرة هي: الوجيه «بتاح مس»، وزوجه «تنت إبت»، وقد أعقبا: (١) «بري نفر»: الكاتب الملكي لمائدة رب الأرضين. (٢) «تنرو»: الكاتب. (٣) «خعي»: كاتب القربان. (٤) «أمنمويا»: كاتب رب الأرضين. (٥) «إيا»: صف ضابط. (٦) «نفر حتب»: صف ضابط. (٧) «بنياتا»: كاتب بيت رب الأرضين. هذا بالإضافة إلى اثنتي عشرة بنتًا، تسعٌ تحمل كل منهن لقب مغنية «آمون»، وثلاث تحملن لقب مغنية الإلهة «حتحور».
- حور نخت: الكاتب، ذكر هذا الكاتب على لوحة مؤرخة بعهد «رعمسيس الثاني»، ومعه عدة أشخاص آخرين، ثلاثة منهم كتبة، وملاحظ واحد، غير أن صلة النسب بينهم لم تفسر في النقوش (راجع L. D. III p. 114 & Lieb. Dic. Noms No. 903).
- وسر ماعت رع: الكاتب الذي يدون لرب الأرضين، له لوحة رسم عليها متعبد لطغراء «رعمسيس الثاني» (راجع Newberre Scarabs pl. XXXV. P. 20).
- نفر حتب: كاتب مائدة رب الأرضين، له لوحة في متحف «اللوفر»، والنقوش
التي عليها تلفت النظر بعض الشيء؛ إذ نجد الإله «أوزير» مصورًا
عليها في هيئة الصندوق الذي كان يظن أنه يحتوي على رأس هذا
الإله المدفون في «العرابة»، وهذا الأثر تحرسه هنا الإلهتان
«إزيس»، و«نفتيس»، ويكنفه الرمزان الدالان على الإله «خنوم»،
وخلفهما من الجهة الشمالية رسمت الإلهة «ماعت»، والإله
«وابوات» (ابن آوي)، وعلى اليمين الإلهان «حور»، و«تحوت»،
وكذلك نجد على اللوحة مصورًا «رعمسيس الثاني» المؤله، والإله
«حور».
وقد ذكر لنا «نفر حتب» اسم جده من جهة أمه، وهو سميه، وجدته من جهة أمه، وتُدعى «تاخعيت». كما ذكر اسم والده:
- راع آوي: سائق عربة جلالته. أما والدته فكانت تسمى:
- نبت نسوت حنت: مغنية الإله «سبك»، وتُدعى زوجه:
- تاميو: ربة البيت، ومغنية «آمون»، وقد نقش على اللوحة أنشودة للإله «أوزير» حمدًا وتعبدًا (راجع Boreux, Cat. Guide I, p. 78-79; & Petrie Scarabs 1601).
- بامعي: كاتب المائدة، وله لوحة صغيرة محفوظة بمتحف «تورين» (راجع Petrie Scarabs 1601).
- خعمواست: كاتب العمال، له تمثال مجيب مؤرخ بالسنة السادسة والعشرين من حكم «رعمسيس الثاني» (راجع Mariette Serapeum II, p. 14).
(٩-٢٢) باك ور
(٩-٢٣) أمنمس
(٩-٢٤) معي
وهذه اللوحة لا بد أنها تعزى إلى نفس «معي»، ومن ذكر معه على النقش الذي تركه لنا على الصخر في هذه الجهة.
هذا وقد وجد له أذن جنازية مهداة ﻟ «بولهول» باسم «حور»، وقد كتب عليها: صنعها «معي»، وهي في الواقع تعد أكبر أذن جنازية عثر عليها في الحفائر التي قمنا بها في هذه الجهة (راجع [فصل: وزراء رعسميس الثاني] عن الأذن، ووظيفتها).
(٩-٢٥) ثونوري
(٩-٢٦) أمنمأبت
(٩-٢٧) رعمسيس عشاوحب
(٩-٢٨) بنرمر
(٩-٢٩) رعمسيس-وسر-حر-خبش
(٩-٣٠) إتي
(٩-٣١) حورمس
(٩-٣٢) باكنأمون
(٩-٣٣) سحتب أتون ختف
وقد كان أول ذكر في المتون المصرية لبلاد «آمور» في نقوش «سيتي الأول» أي بعد عهد «إخناتون» بنحو نصف قرن تقريبًا، فعلى الجدار الشمالي لمعبد «الكرنك» نجد العبارة المقتصرة القائلة إن هذا الفرعون قد سار لتخريب بلاد «قادش» وبلاد «آمور» (إمعور)، وقد عثر على معاهدتين في سجلات «بوغازكوي» تقص علينا معاملات ملوك «خيتا» لأمراء «آمور» في تلك الفترة (راجع Ed. Meyer Gesch II, 1p. 151) أما في متون موقعة «قادش» التي نحن بصددها الآن فقد ذكرت بلاد «آمور» مرتين ولكن لما لم تكن هذه الإمارة ضمن الحلف الخيتي فلا بد أنها إذن كانت إما موالية لمصر أو على الحياد — وذلك كما جاء في المتن بعد وصف مواقع الفرعون وفيالقه الأربعة قبل نشوب المعركة — ويلاحظ هنا أنه قبل ذكر حضور «خيتا» في وسط جيشه قد حشرت الجملة الغامضة التالية وهي التي قد ترجمها «برستد» (Br. A. R. III § 310)، (وقد ألف جلالته الصف الأول من كل قواد جيشه عندما كانوا على الشاطئ في أرض «آمور» وهو في هذا يشير إلى التوزيع المبدئي الذي قام به «رعمسيس» في جيشه في جنوبي «لبنان» في نقطة ما حيث سار من هناك إلى الداخل، ولكن يقول «جاردنر» في ذلك، إنه يخيل لي أن هذه الجملة تشير إلى القوة التي صوِّرت على كل مناظر المعابد وهي القوة التي وصلت — على حين غفلة — إلى المعركة، ولما وجدوا أن معسكر الفرعون محاط بالعدو هجموا على جنود «خيتا» من الخلف وقد كتب فوق صورة هذه القوة العبارة التالية: «وصول جنود الفرعون الشباب من أرض «آمور».» وقد فسر وصول هؤلاء الجنود الجدد بآراء مختلفة (Br. Battle of Kadesh p. 8)، ومن الجائز أنهم كانوا ضمن الفارِّين من فيلق «آمون» وقد عادوا الآن بعد أن رأوا العدو لم يقتفِ أثرهم بعد، وقد ظن الميجر «برن» — كما سترى بعد — أنهم كانوا تابعين لمؤخرة فيلق «رع» غير أن «برستد» نفسه قد عارض كلا الظنين، فقال: لماذا يقال عن هؤلاء الجنود إنهم حضروا من أرض «آمور»؟ والجواب الوحيد الذي يمكن قبوله في هذا الصدد هو ما قاله المؤرخ (إدورد مير) (Ed. Meyer Ibid. p. 142)، إذ يقول: إنهم كانوا جنود ميدان خاصين وهو ما عبر عنه في المتن المصري بجملة (أول قوة ميدان) وهذه الترجمة يمكن وضعها بدلًا من ترجمة «برستد» (الصف الأول) وهذه الفرقة هي التي اندفعت على الساحل إلى ما وراء «طرابلس»، ومن ثم سارت في الداخل على الطريق الهام الذي يعبر النهر الكبير ويوصل إلى «حمص»، أو بطريق أخرى على بُعد قليل جنوبًا. وإنه لمن الطبعي أن نرى «رعمسيس» يريد هنا أن ينتهز هذه الفرصة إلى أقصى حد في وصف أعمال شجاعته فيقدم لنا تفاصيل قليلة بقدر المستطاع عن القوة التي كانت سببًا في نجاته. والظاهر أن بلاد «خيتا» قد أخضعت بلاد «آمور» (أو «عمور») في السنين التي تلت موقعة «قادش»؛ ولذلك نرى «رعمسيس» في السنة الثامنة من حكمه حكمت عليه الضرورة أن يحاصر بلدة «دابور»، وهي إحدى بلاد «آمور»، وتقع على ما يظهر في إقليم «حلب».
وترجع أهمية هذه البلدة من الوجهة الاستراتيجية والسياسية لموقعها الهام في النهاية الشمالية لإقليم «البقاع»، وهو الإقليم الذي يقع بين لبنان والإقليم المقابل له، وقد كان لزامًا على الجيوش التي تمر شمالًا أو جنوبًا في هذا السهل الداخلي أن تمر بها، اللهم إلا إذا كانت تفضل السير على الساحل الضيق بطريق «إرواد» أو «رأس الشمرة».
وفي عهد «تحتمس الثالث» عرفنا أن أمير «قادش» جمع كل الأمراء الذين كانوا حوله في هذا الجزء من العالم ليصد تقدم ملك مصر، ومن البدهي أن غرض الفرعون لم يكن هذه البلدة نفسها بل كان بلاد «نهرين»، ولأجل أن يصل إليها كان لزامًا عليه أن يغزو إقليم «قادش» على نهر «الأرنت»، ولا بد من إبراز هذه النقطة هنا، وقد لاحظها تقريبًا كل المؤرخين؛ وقد أبدى بعض رجال التاريخ الحديث الرأي مرارًا في أن «قادش» التي كانت على رأس هذا الحلف لم تكن «قادش» التي على نهر «الأرنت» بل هي قادش الواقعة في شمال «فلسطين» والتي لا تزال تحمل هذا الاسم، وتقع على مسافة سبعة كيلومترات من الشمال الغربي لبحيرة «حله» (راجع Simons Lists p. 36. & Jerku p. 5 Note 2)، والظاهر أن الخطأ جاء عن طريق ذكر كلمة «قدشو» قبل «مكتي» (مجدو Magiddo) في قائمة الأقوام الشمالية الذين تغلب عليهم «تحتمس الثالث» في أول معركة له، وقد دُونت هذه الأقوام في ثلاث نسخ على جدران معبد الكرنك (Urk. IV. 779 ff.)، ففي النسخة الأولى والثالثة نجد العنوان الثاني: قائمة الممالك الواقعة في «رتنو العليا» التي حبسها جلالته في بلدة «مجدو» وهي التي أحضر جلالته أولادها أسرى أحياء إلى «طيبة» في أول حملة مظفرة له، ويمكننا أن نؤكد أن سبعة عشر ومائة اسم قد جاء ذكر أصحابها في الحملة الأولى وأن بعض الأسماء يشير إلى الأمراء الذين كانوا قد أُسروا في قلعة بلدة «مجدو»، ولا بد أن نلاحظ هنا أن لوحة جبل «بركل» تذكر ثلاثين وثلثمائة أمير بين خلفاء «قادش» وتلمح أنهم كانوا محصورين في «مجدو» مدة سبعة الأشهر التي دام فيها الحصار وإن لم يُذكر ذلك صراحة، وإذا اعترفنا بأن القائمة تحتوي أمثال هؤلاء الأمراء كنا في حِل من أن نحتم وصول الفرعون «تحتمس الثالث» فعلًا في السنة الثالثة والعشرين إلى كل البلاد المذكورة؛ إذ إن بعضها كان بعيد عما وصل إليه فعلًا (راجع مناقشة هذا الموضوع في: Gardiner Onomastica I, p. 137–141).
فهل هذه ترجمته من نسج خيال الكاتب القديم، أم خرافة؟ نعم إنها كذلك ولكنها تعبر عن روح هذا الفن الزخرفي الذي يمثل الفخر الكاذب، والغرور اللذين كانا يمثَّلان في النظام الحكومي الذي أوحى بهما، وأعني بذلك تلك العظمة التي أرادها «رعمسيس» من الأحجار (راجع Ibid. P. 177)، ومع ذلك فإنا نجد ضمن ألقاب «رعمسيس الثاني» أنه كان يدعى «حاكم الحكام»، أو بعبارة أخرى ملك الملوك في بعض نقوشه (راجع ص٣٨٧ وHall, Egyptian scarabs p. 223).
راجع: The Queens of Egypt pp. 151 ff..
راجع: Champ. Notices Desc. II, 122, 132, & Brugsch Recueil Mon. I, pl. 29 & Br. A. R §. 350.