الشُّرُوعُ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ
أَبْدَى فَأْرُ الْمِسْكِ جيري اهْتِمَامًا كَبِيرًا عِنْدَمَا نَمَى إِلَى عِلْمِهِ أَنَّ الْقُنْدُسَ بادي، ابْنَ عَمِّهِ كَمَا تَعْلَمُونَ، سَيَشْرَعُ فِي بِنَاءِ بَيْتٍ. فَجيري نَفْسُهُ يَبْرَعُ فِي بِنَاءِ الْبُيُوتِ، وَقَدْ تَمَلَّكَهُ شَكٌّ كَبِيرٌ فِي قَرَارَةِ نَفْسِهِ فِي أَنْ تُضَاهِيَ قُدْرَةُ بادي عَلَى بِنَاءِ بَيْتٍ قُدْرَتَهُ؛ فَبَيْتُ جيري بِالْأَسْفَلِ فِي الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ، وَكَانَ يَعُدُّهُ بَيْتًا رَائِعًا حَقًّا، وَيَفْخَرُ بِهِ أَشَدَّ الْفَخْرِ؛ فَقَدْ صَنَعَهُ مِنَ الطِّينِ وَحَشَائِشِ الْمَرْجِ وَبَعْضِ الْأَغْصَانِ مِنْ أَشْجَارِ جَارِ الْمَاءِ وَالصَّفْصَافِ وَأَعْشَابِ الْبِرَكِ. وَقَدْ أَمْضَى فِيهِ جيري شِتَاءً، وَكَانَ قَدِ اعْتَزَمَ قَضَاءَ شِتَاءٍ آخَرَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ بَعْضَ الْإِصْلَاحَاتِ. فَبِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لِبِنَاءِ بَيْتٍ جَدِيدٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَكْفِيهِ لِمُشَاهَدَةِ عَمَلِ ابْنِ عَمِّهِ بادي. فَرُبَّمَا كَانَ يَأْمُلُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ بادي الْمَشُورَةَ.
وَلَكِنَّ بادي لَمْ يَطْلُبْهَا. وَكَانَ قَدْ رَأَى بَيْتَ فَأْرِ الْمِسْكِ جيري، وَابْتَسَمَ. وَلَكِنَّهُ بَذَلَ أَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ لِكَيْلَا يَرَى جيري تِلْكَ الِابْتِسَامَةَ؛ فَهُوَ لَمْ يَرْغَبْ فِي جَرْحِ مَشَاعِرِ جيري قَطُّ؛ فَقَدْ كَانَ أَلْطَفَ وَأَطْيَبَ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. وَمِنْ ثَمَّ فَقَدْ جَلَسَ جيري عَلَى طَرَفِ جِذْعِ شَجَرَةٍ قَدِيمٍ وَرَاحَ يُرَاقِبُ بادي أَثْنَاءَ عَمَلِهِ. فِي الْبِدَايَةِ، يَجِبُ إِرْسَاءُ قَوَاعِدِ الْبَيْتِ، الْمُكَوَّنَةِ مِنَ الطِّينِ وَالْحَشَائِشِ الْمُطَعَّمَيْنِ بِعِصِيٍّ تَحْفَظُ تَمَاسُكَهُمَا. كَانَ بادي يَحْفِرُ لِيَجْلِبَ الطِّينَ مِنْ قَاعِ بِرْكَتِهِ الْجَدِيدَةِ. وَبِمَا أَنَّهَا جَدِيدَةٌ، فَقَدْ كَانَ بِهَا الْكَثِيرُ مِنَ الْمَرْجِ الْعُشْبِيِّ، وَهُوَ مَا كَانَ بادي فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ فَكَانَ مُؤَاتِيًا جِدًّا.
ظَلَّ جيري يُرَاقِبُهُ بُرْهَةً، ثُمَّ إِنَّهُ — إِذْ كَانَ مُعْتَادًا عَلَى الْعَمَلِ أَيْضًا — شَعَرَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَشْغَلَ نَفْسَهُ بِالْمُسَاعَدَةِ. فَأَخْبَرَ ابْنَ عَمِّهِ الضَّخْمَ، عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، أَنَّهُ يَوَدُّ مُشَارَكَتَهُ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ الْجَدِيدِ.
فَأَجَابَهُ بادي قَائِلًا: «حَسَنًا، لَا بَأْسَ. يُمْكِنُكَ أَنْ تَجْلِبَ الطَّمْيَ بَيْنَمَا أُحْضِرُ أَنَا الْعِصِيَّ وَالْحَشَائِشَ.»
فَغَاصَ جيري إِلَى قَاعِ الْبُحَيْرَةِ وَحَفَرَهَا لِيَحْصُلَ عَلَى الطِّينِ وَكَوَّمَهُ عَلَى قَاعِدَةِ الْبَيْتِ مَسْرُورًا. وَكَانَتِ النُّجُومُ الصَّغِيرَةُ تُطِلُّ عَلَيْهِمَا مُتَلَأْلِئَةً أَثْنَاءَ عَمَلِهِمَا. أَخَذَتْ قَاعِدَةُ الْبَيْتِ تَمْتَدُّ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ تَحْتَ سَطْحِ الْمَاءِ، وَقَدِ انْتَابَتْ جيري دَهْشَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ حَجْمِهَا؛ فَقَدْ كَانَتْ أَكْبَرَ كَثِيرًا مِنْ قَاعِدَةِ بَيْتِهِ؛ فَقَدْ نَسِيَ كَمْ أَنَّ بادي أَضْخَمُ مِنْهُ.
فَكَانَ جيري وَبادي يَعْمَلَانِ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَيَسْتَرِيحَانِ أَثْنَاءَ النَّهَارِ. وَمِنْ حِينٍ لِآخَرَ كَانَ الرَّاكُونُ بوبي أَوِ الثَّعْلَبُ ريدي أَوِ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ أَوِ الظَّرِبَانُ جيمي؛ يَأْتِي لِحَافَةِ الْبِرْكَةِ لِمُشَاهَدَةِ مَا يَجْرِي، وَكَانَ الْأَرْنَبُ بيتر يَأْتِي كُلَّ لَيْلَةٍ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ رُؤْيَةِ الْكَثِيرِ؛ فَقَدْ كَانَ بادي وَجيري يَعْمَلَانِ تَحْتَ الْمَاءِ، كَمَا تَعْلَمُونَ.
وَلَكِنَّ الْأَرْنَبَ بيتر رَأَى مَا أَسْعَدَهُ كَثِيرًا فِي النِّهَايَةِ؛ فَهُنَاكَ، فَوْقَ سَطْحِ الْمَاءِ مُبَاشَرَةً ظَهَرَتْ مِنَصَّةٌ مُبْهِرَةٌ مِنَ الطِّينِ وَالْأَعْشَابِ وَالْعِصِيِّ. وَمَا إِنْ ظَهَرَتِ الْمِنَصَّةُ فَوْقَ سَطْحِ الْمَاءِ حَتَّى شَرَعَ بادي فِي رَصِّ عِصِيٍّ كَثِيرَةٍ فَوْقَهَا؛ فَقَدْ كَانَ بادي دَقِيقًا لِلْغَايَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ. فَتِلْكَ كَانَتْ أَرْضِيَّةَ الْغُرْفَةِ الَّتِي انْتَوَى بِنَاءَهَا. وَبَدَأَ يُكَوِّمُ الطِّينَ فِي مُنْتَصَفِهَا تَمَامًا عِنْدَمَا وَجَدَ ذَلِكَ مُلَائِمًا.
ظَلَّ جيري يُفَكِّرُ مُحْتَارًا فِي هَذَا الْأَمْرِ. فَأَيْنَ سَتَكُونُ غُرْفَةُ بادي إِنْ ظَلَّ يُكَوِّمُ الطِّينَ هَكَذَا؟ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُحِبُّ تَوْجِيهَ الْأَسْئِلَةِ؛ لِذَا وَاصَلَ مُسَاعَدَةَ بادي. فَكَانَ بادي يَغُوصُ حَتَّى الْقَاعِ ثُمَّ يَصْعَدُ مُمْسِكًا بِقَدْرٍ يَزِيدُ عَنْ مِلْءِ كَفَّيْهِ مِنَ الطِّينِ، وَضَامًّا يَدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ. ثُمَّ يَتَسَلَّقُ الْمِنَصَّةَ وَيَتَهَادَى حَتَّى كَوْمَةِ الطِّينِ؛ حَيْثُ كَانَ يَضَعُ الطِّينَ ثُمَّ يُسَوِّيهِ، وَيَغُوصُ مُجَدَّدًا إِلَى الْقَاعِ لِيَجْلِبَ الْمَزِيدَ مِنَ الطِّينِ.
فَرَاحَتْ كَوْمَةُ الطِّينِ تَعْلُو وَتَعْلُو، حَتَّى بَلَغَ ارْتِفَاعُهَا حَوَالَيْ ٦٠ سَنْتِيمِتْرًا.
فَقَالَ بادي: «حَانَ دَوْرُ بِنَاءِ الْجُدْرَانِ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّهُ ثَمَّةَ الْكَثِيرُ مِمَّا يُمْكِنُكَ أَنْ تَفْعَلَهُ لِمُسَاعَدَتِي فِيهِ. سَأَشْرَعُ فِي بِنَائِهَا مَسَاءَ الْغَدِ. رُبَّمَا تَوَدُّ أَنْ تَكْتَفِيَ بِمُشَاهَدَتِي أَثْنَاءَ عَمَلِي يَا ابْنَ الْعَمِّ جيري.»
فَأَجَابَهُ جيري، بَيْنَمَا كَانَ مَا زَالَ يُفَكِّرُ مُحْتَارًا فِي كَوْمَةِ الطِّينِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْمُنْتَصَفِ: «بِالتَّأْكِيدِ.»