الْمَخْزَنُ الْعَجِيبُ
كَانَ الْجَمِيعُ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْقُنْدُسَ بادي يَجْمَعُ مَخْزُونَ الشِّتَاءِ مِنَ الطَّعَامِ، وَكُلُّهُمْ رَأَوْهُ طَعَامًا عَجِيبًا. الْجَمِيعُ عَدَا بريكلي بوركي؛ فَهُوَ يُحِبُّ الطَّعَامَ ذَاتَهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُخَزِّنُهُ أَبَدًا، بَلْ يَخْرُجُ لِإِحْضَارِهِ مَتَى أَرَادَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ صَيْفًا أَمْ شِتَاءً. فَمَا هُوَ ذَلِكَ الطَّعَامُ؟ إِنَّهُ لِحَاءُ الْأَشْجَارِ بِالتَّأْكِيدِ. نَعَمْ، لِحَاءُ الْأَشْجَارِ لَا أَكْثَرَ — لِحَاءُ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْأَشْجَارِ.
فَبريكلي بوركي يُمْكِنُهُ تَسَلُّقُ الْأَشْجَارِ وَأَكْلُ اللِّحَاءِ مِنْهَا وَهُوَ مُتَشَبِّثٌ بِالْأَشْجَارِ، وَلَكِنَّ الْقُنْدُسَ بادي لَا يُمْكِنُهُ تَسَلُّقُهَا. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الِاكْتِفَاءُ بِأَكْلِ لِحَاءِ الْأَشْجَارِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ بُلُوغَهُ مِنْ عَلَى الْأَرْضِ، فَسَيَحْتَاجُ أَشْجَارًا كَثِيرَةً جِدًّا لِيَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ، وَسُرْعَانَ مَا سَيُتْلِفُ الْغَابَةَ الْخَضْرَاءَ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، إِنَّ لِحَاءَ الْأَشْجَارِ عِنْدَمَا يُنْزَعُ مِنْ حَوْلِ الشَّجَرَةِ، تَمُوتُ؛ فَكُلُّ مَا تَسْتَمِدُّهُ الشَّجَرَةُ مِنَ الْأَرْضِ كَيْ تَنْمُوَ وَتَظَلَّ حَيَّةً يَحْمِلُهُ إِلَيْهَا سَائِلُ النُّسْغِ مِنَ الْجُذُورِ، وَالنُّسْغُ لَا يُمْكِنُهُ الصُّعُودُ عَبْرَ جُذُوعِ الْأَشْجَارِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى أَغْصَانِهَا بَعْدَ نَزْعِ اللِّحَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ عَبْرَ لِحَاءِ الشَّجَرَةِ. فَعِنْدَمَا يُنْزَعُ اللِّحَاءُ مِنْ حَوْلِ جِذْعِ الشَّجَرَةِ، تَمُوتُ جُوعًا.
وَالْقُنْدُسُ بادي يُحِبُّ الْغَابَةَ الْخَضْرَاءَ مِثْلَمَا نُحِبُّهَا جَمِيعًا، وَرُبَّمَا أَكْثَرَ قَلِيلًا؛ فَهِيَ مَوْطِنُهُ. وَإِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ بادي لَمْ يَكُنْ يَوْمًا مُؤْذِيًا؛ لِذَا فَهُوَ يُقَطِّعُ الشَّجَرَةَ حَتَّى يَأْكُلَ لِحَاءَهَا كُلَّهُ عِوَضًا عَنْ أَنْ يَقْتُلَ أَشْجَارًا كَثِيرَةً مِنْ أَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى قَدْرٍ ضَئِيلٍ مِنَ اللِّحَاءِ، وَهُوَ مَا كَانَ سَيَفْعَلَهُ إِنْ كَانَ كَسُولًا. وَلَكِنَّهُ لَيْسَ كَسُولًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَإِنَّ أَحَبَّ أَنْوَاعِ اللِّحَاءِ إِلَيْهِ هُوَ لِحَاءُ أَشْجَارِ الْحَوْرِ الرَّجْرَاجِ. وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الْحُصُولَ عَلَيْهِ، يَأْكُلُ لِحَاءَ أَشْجَارِ الْحَوْرِ، وَجَارِ الْمَاءِ، وَالصَّفْصَافِ، وَحَتَّى أَشْجَارِ الْبَتُولَا. وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ لِحَاءَ أَشْجَارِ الْحَوْرِ الرَّجْرَاجِ كَثِيرًا، حَتَّى إِنَّهُ يَبْذُلُ جُهْدًا كَبِيرًا فِي سَبِيلِ الْحُصُولِ عَلَيْهِ. قَدْ يَكُونُ لِأَنَّهُ الْأَحْلَى مَذَاقًا لَهُ؛ إِذْ إِنَّهُ يَبْذُلُ جُهْدًا كَبِيرًا حَقًّا لِكَيْ يَحْصُلَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ كَانَ ثَمَّةَ بَعْضُ أَشْجَارِ الْحَوْرِ الرَّجْرَاجِ عَلَى حَافَةِ الْبِرْكَةِ الَّتِي صَنَعَهَا بادي فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. فَقَطَعَهَا مِثْلَمَا قَطَعَ الْأَشْجَارَ لِبِنَاءِ السَّدِّ. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ تَسْقُطَ الشَّجَرَةُ، كَانَ يُقَطِّعُهَا إِلَى أَجْزَاءٍ قَصِيرَةٍ، وَيَسْبَحُ بِهَا إِلَى حَيْثُ كَانَ الْمَاءُ عَمِيقًا، بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتِهِ الْجَدِيدِ. فَكَانَ يَأْخُذُهَا وَاحِدَةً تِلْوَ الْأُخْرَى، وَيَحْمِلُ أُولَاهَا إِلَى الْقَاعِ؛ حَيْثُ كَانَ يَدْفَعُ بِهَا فِي الطِّينِ بِمَا يَكْفِي لِتَثْبِيتِهَا. ثُمَّ سُرْعَانَ مَا يَجْلِبُ الْمَزِيدَ لِيَرُصَّهُ فَوْقَ الْأُولَى. فَأَخَذَتِ الْكَوْمَةُ تَنْمُو وَتَنْمُو.
فَرَاحَ فَأْرُ الْمِسْكِ جيري وَالْأَرْنَبُ بيتر وَالرَّاكُونُ بوبي، وَغَيْرُهُمْ مِنْ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارِ يُرَاقِبُونَهُ بِاهْتِمَامٍ وَفُضُولٍ شَدِيدَيْنِ؛ فَقَدْ عَجَزُوا عَنِ اسْتِيعَابِ مَا يَفْعَلُهُ؛ فَقَدْ بَدَا كَأَنَّهُ يَبْنِي قَاعِدَةَ بَيْتٍ جَدِيدٍ.
فَسَأَلَ بيتر، عِنْدَمَا لَمْ يَعُدْ فِي إِمْكَانِهِ السُّكُوتُ: «مَاذَا يَفْعَلُ بادي يَا جيري؟»
فَأَجَابَهُ جيري: «لَا أَعْلَمُ بِالضَّبْطِ. لَقَدْ قَالَ إِنَّهُ سَيَجْمَعُ خَزِينًا مِنَ الطَّعَامِ لِلشِّتَاءِ، كَمَا أَخْبَرْتُكَ، وَأَظُنُّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْآنَ. وَلَكِنِّي لَا أَفْهَمُ لِمَ يَأْخُذُهُ كُلَّهُ إِلَى الْبِرْكَةِ. أَظُنُّنِي سَأَذْهَبُ لِأَسْأَلَهُ.»
فَرَجَاهُ بيتر، الَّذِي بَلَغَ مِنْهُ الْفُضُولُ مَبْلَغًا أَعْجَزَهُ عَنِ الْجُلُوسِ سَاكِنًا، قَائِلًا: «اذْهَبْ ثُمَّ ائْتِ لِإِخْبَارِنَا.»
فَسَبَحَ جيري إِلَى حَيْثُ كَانَ بادي مُنْهَمِكًا فِي الْعَمَلِ، وَسَأَلَهُ: «هَلْ هَذَا هُوَ مَخْزُونُكَ مِنَ الطَّعَامِ يَا ابْنَ الْعَمِّ بادي؟»
فَأَجَابَهُ بادي، رَيْثَمَا زَحَفَ إِلَى جَانِبِ بَيْتِهِ لِيَسْتَرِيحَ: «نَعَمْ، نَعَمْ، هَذَا هُوَ مَخْزُونِي مِنَ الطَّعَامِ. أَلَيْسَ رَائِعًا؟»
فَأَجَابَهُ جيري، مُحَاوِلًا أَنْ يَكُونَ مُهَذَّبًا: «أَظُنُّ ذَلِكَ، وَإِنْ كُنْتُ أُفَضِّلُ جُذُورَ الزَّنْبَقِ وَالْمَحَارَ. وَلَكِنْ مَاذَا سَتَفْعَلُ بِهِ؟ أَيْنَ مَخْزَنُكَ؟»
فَأَجَابَهُ بادي قَائِلًا: «هَذِهِ الْبِرْكَةُ هِيَ مَخْزَنِي. سَأَضَعُ كَوْمَةً كَبِيرَةً هُنَا بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتِي، وَسَيُبْقِيهَا الْمَاءُ لَذِيذَةً طَازَجَةً طَوَالَ فَصْلِ الشِّتَاءِ. وَعِنْدَمَا تَتَجَمَّدُ الْبِرْكَةُ، مَا عَلَيَّ إِلَّا أَنْ أَنْزَلِقَ إِلَى الْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ مَدَاخِلِي بِالْأَسْفَلِ عِنْدَ قَاعِ الْبِرْكَةِ، وَأَسْبَحَ إِلَى هُنَا لِأَجْلِبَ عَصًا آكُلُهَا حَتَّى أَشْبَعَ. أَلَا تَرَاهُ مُلَائِمًا؟»