تَخْطِيطُ الْبِرْكَةِ
انْهَمَكَ الْقُنْدُسُ بادي فِي تَقْطِيعِ الْأَشْجَارِ مِنْ أَجْلِ السَّدِّ الَّذِي كَانَ يَنْوِي بِنَاءَهُ؛ فَكَانَ قَدْ تَعَلَّمَ فِي الْغَابَاتِ الشَّمَالِيَّةِ الَّتِي أَتَى مِنْهَا إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ تَقْطِيعِ الْأَشْجَارِ وَإِقَامَةِ السُّدُودِ وَحَفْرِ الْقَنَوَاتِ وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ. فَقَدْ كَانَ وَالِدَا بادي عَلَى دِرَايَةٍ كَبِيرَةٍ بِمُجْرَيَاتِ الْأُمُورِ فِي عَالَمِ الْقَنَادِسِ، وَكَانَ بادي سَرِيعَ التَّعَلُّمِ؛ لِذَا كَانَ يَعْلَمُ الْآنَ مَا يَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِهِ وَكَيْفِيَّةَ الْقِيَامِ بِهِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، يُهْدِرُ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ الْوَقْتَ وَالْجُهْدَ فِي الْقِيَامِ بِالْأَعْمَالِ عَلَى النَّحْوِ الْخَاطِئِ، بِحَيْثُ يُضْطَرُّونَ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا مِنْ جَدِيدٍ. فَهُمْ يَنْسَوْنَ أَنْ يَتَأَكَّدُوا مِنْ أَنَّهُمْ عَلَى صَوَابٍ؛ وَمِنْ ثَمَّ يَمْضُونَ قُدُمًا حَتَّى يَكْتَشِفُوا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ، وَيَضِيعُ عَمَلُهُمْ كُلُّهُ سُدًى.
وَلَكِنَّ الْقُنْدُسَ بادي لَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّاسِ. فَبادي لَمْ يَكُنْ أَبَدًا لِيَثِبَ فِي النَّبْعِ مُنْحَدِرِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ أَنْ يَتَرَيَّثَ، مِثْلَمَا يَفْعَلُ الْجَدُّ ضفدع. وَالْآنَ أَخَذَ يَنْتَقِي الْأَشْجَارَ الَّتِي سَوْفَ يُقَطِّعُهَا بِعِنَايَةٍ. فَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ وَقْتٌ يُضِيعُهُ فِي تَقْطِيعِ شَجَرَةٍ لَنْ تَكُونَ مُنَاسِبَةً لَهُ تَمَامًا بَعْدَمَا تَسْقُطُ. فَعِنْدَمَا تَأَكَّدَ مِنْ أَنَّهَا مُنَاسِبَةٌ، نَظَرَ إِلَى قِمَّتِهَا لِيَعْرِفَ إِذَا كَانَتْ — بَعْدَ أَنْ يُقَطِّعَهَا — سَتَسْقُطُ بَعِيدًا عَنِ الْأَشْجَارِ الْأُخْرَى؛ فَقَدْ تَعَلَّمَ ذَلِكَ عِنْدَمَا كَانَ صَغِيرًا طَائِشًا. فَقَدْ كَانَ يَذْكُرُ شُعُورَهُ بَعْدَمَا عَمِلَ بِكَدٍّ شَدِيدٍ فِي تَقْطِيعِ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَنَبَّهَ جَمِيعَ أَصْدِقَائِهِ حَتَّى يُخْلُوا الطَّرِيقَ لِكَيْلَا يَتَعَرَّضُوا لِلْأَذَى إِثْرَ سُقُوطِهَا، ثُمَّ لَمْ تَسْقُطْ مِنَ الْأَسَاسِ؛ لِأَنَّ قِمَّتَهَا اشْتَبَكَتْ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى. فَشَعَرَ بِخِزْيٍ بَالِغٍ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّغَلُّبَ عَلَيْهِ فَتْرَةً طَوِيلَةً.
فَبَاتَ الْآنَ يَتَأَكَّدُ أَنَّ الشَّجَرَةَ سَتَسْقُطُ بَعِيدًا وَحَيْثُمَا يُرِيدُهَا تَمَامًا. ثُمَّ جَلَسَ عَلَى سَاقَيْهِ الْخَلْفِيَّتَيْنِ، مُرْتَكِزًا عَلَى ذَيْلِهِ الْعَرِيضِ كَدِعَامَةٍ، وَبَدَأَتْ رُقَاقَاتُ الْخَشَبِ تَتَطَايَرُ بِفِعْلِ أَسْنَانِهِ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، يَمْلِكُ بادي أَسْنَانًا مُمْتَازَةً لِلْغَايَةِ لِتَقْطِيعِ الْأَشْجَارِ، فَهِيَ طَوِيلَةٌ وَعَرِيضَةٌ وَحَادَّةٌ. كَانَ يَبْدَأُ بِقَضْمَةٍ غَائِرَةٍ، ثُمَّ أُخْرَى أَسْفَلَهَا بِمَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ، ثُمَّ يَقْتَلِعُ قِطْعَةَ الْخَشَبِ الصَّغِيرَةَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ الْقَضْمَتَيْنِ. وَعِنْدَمَا يَتَوَغَّلُ فِي تَقْطِيعِ الشَّجَرَةِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إِلَى سُقُوطِ الشَّجَرَةِ فِي ذَلِكَ الِاتِّجَاهِ؛ يُكْمِلُ عَمَلَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَانِبَ الْآخَرَ. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ تَبْدَأَ الشَّجَرَةُ فِي التَّمَايُلِ وَيَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّهَا سَتَسْقُطُ، يُهْرَعُ مُبْتَعِدًا عَنِ الْخَطَرِ. وَكَانَ يُحِبُّ مُشَاهَدَةَ تِلْكَ الْأَشْجَارِ الْعَالِيَةِ وَهِيَ تَمِيلُ إِلَى الْأَمَامِ بِبُطْءٍ، ثُمَّ أَسْرَعَ فَأَسْرَعَ؛ حَتَّى تَرْتَطِمَ بِالْأَرْضِ مُحْدِثَةً صَوْتًا مُدَوِّيًا.
وَبِمُجَرَّدِ أَنْ تَسْقُطَ، يُجَرِّدُهَا مِنْ فُرُوعِهَا إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْأَشْجَارُ كَأَعْمِدَةٍ طَوِيلَةٍ. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالْعَمَلِ الشَّاقِّ لَهُ؛ فَقَدْ كَانَ بِاسْتِطَاعَتِهِ اقْتِلَاعُ فَرْعِ شَجَرَةٍ كَبِيرٍ بِقَضْمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَشْجَارِ كَانَ يَتْرُكُ قِمَمَهَا الْمُورِقَةَ، وَعِنْدَمَا يَنْتَهِي مِنْ تَشْذِيبِ الْفُرُوعِ بِمَا يُلَائِمُهُ وَيُقَطِّعُهَا إِلَى أَطْوَالٍ مُنَاسِبَةٍ، يَشُدُّهَا وَيَجْذِبُهَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَنْتَوِي بِنَاءَ السَّدِّ فِيهِ.
وَهُنَاكَ يَضَعُ الْجُذُوعَ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ، وَلَيْسَ بِعَرْضِ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ كَالْجِسْرِ، وَإِنَّمَا يَضَعُهَا بِحَيْثُ تَكُونُ أَطْرَافُهَا الْكَبِيرَةُ مُتَّجِهَةً إِلَى أَعْلَى الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ، الَّذِي كَانَ عَرِيضًا إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ وَلَكِنْ ضَحْلًا فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ. وَلِكَيْ يَحُولَ دُونَ طَفْوِ الْجُذُوعِ بَعِيدًا، كَانَ يُدَحْرِجُ الْحَصَى وَيُكَوِّمُ الطِّينَ عَلَى أَطْرَافِهَا الْمُورِقَةِ. وَرَاحَ يَرُصُّ تِلْكَ الْجُذُوعَ حَتَّى بَدَأَ الْمَاءُ يَرْتَفِعُ عَلَى جَانِبَيِ النَّهْرِ. ثُمَّ جَرَّ الْمَزِيدَ مِنَ الْجُذُوعِ وَكَوَّمَهَا فَوْقَ الْأُولَى وَحَشَرَ عِصِيًّا قَصِيرَةً بَيْنَهَا بِالْعَرْضِ.
وَطَوَالَ الْوَقْتِ كَانَ الْجَدْوَلُ الضَّاحِكُ يُوَاجِهُ صُعُوبَةً مُتَزَايِدَةً فِي التَّدَفُّقُ، فَصَارَتْ ضِحْكَتُهُ الْمُبْتَهِجَةُ أَقَلَّ بَهْجَةً وَفِي النِّهَايَةِ تَوَقَّفَتْ؛ لِأَنَّ الْمِيَاهَ لَمْ تَسْتَطِعِ الْمُرُورَ عَبْرَ كُلِّ تِلْكَ الْجُذُوعِ وَالْعِصِيِّ بِالسُّرْعَةِ الْكَافِيَةِ. وَحِينَئِذٍ قَرَّرَ سُكَّانُ الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ الصِّغَارُ أَنَّهُ آنَ الْأَوَانُ أَنْ يَعْرِفُوا مَا يَفْعَلُهُ بادي تَحْدِيدًا، فَانْطَلَقُوا إِلَى أَعْلَى مَجْرَى الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ، تَارِكِينَ خَلْفَهُمُ الْجَدَّ ضفدع وَالضَّفَادِعَ الصَّغِيرَةَ فَحَسْبُ فِي الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ، الَّتِي سَتُفَارِقُهَا الْبَسْمَةُ لِبُرْهَةٍ.