بادي وَسامي يَتَعَاوَنَانِ
مَكَثَ فَأْرُ الْمِسْكِ جيري فِي بَيْتِهِ بِالْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ أَيَّامًا عِدَّةً. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَقَاءَ هُنَاكَ فَتْرَةً طَوِيلَةً. كَلَّا، لَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِيَرَى مَا يَفْعَلُهُ ابْنُ عَمِّهِ الضَّخْمُ، الْقُنْدُسُ بادي. فَمَا إِنِ اطْمَأَنَّ إِلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ فِي الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ، حَتَّى هُرِعَ عَائِدًا عَبْرَ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ إِلَى بِرْكَةِ بادي، فِي جَوْفِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. وَمَا إِنْ صَارَتْ فِي مَرْمَى بَصَرِهِ حَتَّى بَدَأَ يَبْحَثُ عَنْ بادي بِلَهْفَةٍ. فِي الْبِدَايَةِ لَمْ يَرَهُ، ثُمَّ تَوَقَّفَ وَتَطَلَّعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ بادي يُقَطِّعُ فِيهِ أَشْجَارَ الْحَوْرِ الرَّجْرَاجِ لِيَحْصُلَ عَلَى غِذَائِهِ. فَقَدْ كَانَ ثَمَّةَ شَيْءٌ مَا يَجْرِي هُنَاكَ، شَيْءٌ عَجِيبٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ اسْتِيعَابِهِ.
وَفِي ذَلِكَ الْحِينِ، أَتَى طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي مُحَلِّقًا فَوْقَهُ.
فَسَأَلَهُ جيري: «مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ بادي؟»
فَهَبَطَ سامي عَلَى قِمَّةِ شَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْحَوْرِ الرَّجْرَاجِ وَنَفَشَ رِيشَهُ كُلَّهُ فِي تَبَاهٍ وَاضِحٍ، ثُمَّ قَالَ: «أُوهْ، أَنَا وَبادي نَبْنِي شَيْئًا!»
فَضَحِكَ جيري قَائِلًا: «أَنْتَ! أَنْتَ وَبادي! هَا هَا! أَنْتَ وَبادي تَبْنِيَانِ شَيْئًا!»
فَرَدَّ عَلَيْهِ سامي بِحِدَّةٍ وَغَضَبٍ قَائِلًا: «نَعَمْ، أَنَا! هَذَا مَا قُلْتُهُ؛ أَنَا وَبادي نَبْنِي شَيْئًا.»
كَانَ جيري قَدْ بَدَأَ يَسْبَحُ عَبْرَ الْبِرْكَةِ حِينَئِذٍ، بَيْنَمَا طَارَ سامي فَوْقَهَا. فَهَتَفَ بِهِ جيري قَائِلًا: «لِمَ لَا تَقُولُ الْحَقِيقَةَ يَا سامي، وَتَقُولُ إِنَّ بادي يَبْنِي شَيْئًا بَيْنَمَا تُسَبِّبُ لَهُ أَنْتَ كُلَّ مَا يُمْكِنُكَ مِنْ مَتَاعِبَ؟!»
فَبَرِقَتْ عَيْنَا سامي فِي غَضَبٍ، وَانْقَضَّ تِجَاهَ رَأْسِ جيري الْبُنِّيِّ الصَّغِيرِ، صَارِخًا: «لَيْسَ صَحِيحًا! فَلْتَسْأَلْ بادي عَمَّا إِذَا كُنْتُ أُسَاعِدُهُ أَمْ لَا!»
نَزَلَ جيري تَحْتَ سَطْحِ الْمَاءِ فِرَارًا مِنْ مِنْقَارِ سامي الْحَادِّ. وَعِنْدَمَا صَعِدَ مُجَدَّدًا، كَانَ سامي فِي الدَّغَلِ الصَّغِيرِ الْمُكَوَّنِ مِنْ أَشْجَارِ الْحَوْرِ الرَّجْرَاجِ حَيْثُ كَانَ بادي يَعْمَلُ بِكَدٍّ. ثُمَّ اكْتَشَفَ جيري شَيْئًا. فَمَاذَا كَانَ؟ كَانَ مَمَرًّا مَائِيًّا صَغِيرًا مُمْتَدًّا حَتَّى أَشْجَارِ الْحَوْرِ الرَّجْرَاجِ. وَهُنَاكَ، عِنْدَ نِهَايَةِ الْمَمَرِّ الْمَائِيِّ، كَانَ بادي يَعْمَلُ بِكَدٍّ. فَكَانَ يَحْفِرُ الْأَرْضَ وَيُكَوِّمُ التُّرَابَ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيِ الْمَمَرِّ بِإِتْقَانٍ بَالِغٍ. فَقَدْ كَانَ، فِي الْوَاقِعِ، يَعْمَلُ عَلَى مَدِّ الْمَمَرِّ الْمَائِيِّ. فَسَبَحَ جيري عَبْرَ ذَلِكَ الْمَمَرِّ حَتَّى وَصَلَ إِلَى حَيْثُ كَانَ بادي يَعْمَلُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: «صَبَاحُ الْخَيْرِ يَا ابْنَ الْعَمِّ بادي. مَاذَا تَفْعَلُ؟»
فَأَجَابَهُ بادي قَائِلًا: «أُوهْ، أَنَا وَسامي نَحْفِرُ قَنَاةً.»
فَنَظَرَ سامي إِلَى جيري نَظْرَةً مُنْتَصِرَةً، بَيْنَمَا نَظَرَ جيري إِلَى بادي كَأَنَّمَا ظَنَّهُ يَمْزَحُ.
وَسَأَلَ بادي: «سامي؟! وَمَا صِلَةُ سامي بِالْأَمْرِ؟!»
فَرَدَّ بادي قَائِلًا: «صِلَةٌ قَوِيَّةٌ؛ فَهُوَ يَتَوَلَّى الْحِرَاسَةَ بَيْنَمَا أَعْمَلُ. وَلَوْ لَمْ يَتَوَلَّهَا، لَمَا اسْتَطَعْتُ الْعَمَلَ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُ حَفْرَ الْقَنَاةِ؛ فَالْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ يُحَاوِلُ الْإِمْسَاكَ بِي، وَمَا كُنْتُ لِأَجْرُؤَ عَلَى الْعَمَلِ عَلَى الْبَرِّ لَوْمَا كُنْتُ وَاثِقًا مِنْ أَنَّ أَقْوَى عَيْنَيْنِ فِي الْغَابَةِ تَحْرُسَانِنِي مِنَ الْخَطَرِ.»
بَدَا عَلَى سامي سُرُورٌ وَفَخْرٌ بَالِغَانِ.
بَيْنَمَا أَنْهَى بادي حَدِيثَهُ بِعَيْنَيْنِ بَاسِمَتَيْنِ قَائِلًا: «لِذَا يَتَطَلَّبُ صُنْعُ تِلْكَ الْقَنَاةِ عَمَلًا مِنَّا نَحْنُ الِاثْنَيْنِ؛ أَنَا أَحْفِرُ وَسامي يَحْرُسُنِي؛ وَلِذَا فَإِنَّنَا نَحْفِرُهَا مَعًا.»
فَقَالَ جيري بِبُطْءٍ: «فَهِمْتُ.» ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى سامي وَقَالَ: «أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ يَا سامي. حَقًّا أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ.»
فَرَدَّ عَلَيْهِ سامي بِمَرَحٍ قَائِلًا: «لَا بَأْسَ. وَمَا رَأْيُكَ فِي الْقَنَاةِ الَّتِي صَنَعْنَاهَا؟»
فَقَالَ لَهُ جيري: «أَظُنُّهَا رَائِعَةً.»
وَقَدْ كَانَتْ قَنَاةً جَمِيلَةً حَقًّا، مُسْتَقِيمَةً وَوَاسِعَةً وَعَمِيقَةً بِمَا يَكْفِي لِأَنْ يَسْبَحَ فِيهَا بادي وَيَدْفَعَ بِجُذُوعِ الشَّجَرِ الَّتِي يُقَطِّعُهَا إِلَى الْبِرْكَةِ. نَعَمْ، كَانَتْ قَنَاةً جَمِيلَةً حَقًّا.