بادي يَفِي بِوَعْدِهِ
وَاصَلَ الْقُنْدُسُ بادي عَمَلَهُ كَأَنَّمَا لَمْ يَأْتِهِ زُوَّارٌ؛ فَمُهِمَّةُ بِنَاءِ سَدٍّ هِيَ مُهِمَّةٌ كَبِيرَةٌ. وَعِنْدَمَا يَنْتَهِي مِنْ ذَلِكَ سَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا وَأَنْ يُقَطِّعَ إِمْدَادَاتِ الشِّتَاءِ مِنَ الْغِذَاءِ وَيُخَزِّنَهَا. فَتَأَكَّدُوا أَنَّ الْقُنْدُسَ بادي لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ وَقْتًا لِلَّغْوِ الْفَارِغِ! لِذَا وَاصَلَ بِنَاءَ السَّدِّ. لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ السَّدَّ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ، وَشَمَخَ بَعْضُ زُوَّارِ بادي بِأُنُوفِهِمْ فِي اسْتِهْزَاءٍ عِنْدَمَا رَأَوْهُ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى؛ فَقَدْ سَمِعُوا قِصَصًا عَنْ مَدَى كَفَاءَةِ بادي فِي بِنَاءِ السُّدُودِ، وَتَوَقَّعُوا أَنْ يَرَوْا مَا يُشْبِهُ مُنْحَدَرًا مُمَهَّدًا مَكْسُوًّا بِالْحَشَائِشِ، كَذَاكَ الَّذِي صَنَعَهُ الْمُزَارِعُ براون لِيَحُولَ دُونَ أَنْ يَفِيضَ النَّهْرُ الْكَبِيرُ عَلَى أَرَاضِيهِ الْمُنْخَفِضَةِ. فَكَانَ مَا رَأَوْهُ فِي الْمُقَابِلِ هُوَ كَوْمَةً هَائِلَةً مِنْ جُذُوعِ شَجَرٍ وَعِصِيٍّ لَا تُشْبِهُ السَّدَّ بِأَيَّةِ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.
فَهَتَفَ الْمِنْكُ بيلي قَائِلًا: «هَاهْ! أَظُنُّ أَنَّهُ لَا دَاعِيَ لِأَنْ نَقْلَقَ بِشَأْنِ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ وَالْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ مَا يُمْكِنُ لِبادي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ. فَمِيَاهُ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ سَتَنْفُذُ عَبْرَهُ عَلَى الْفَوْرِ.»
وَقَدْ سَمِعَهُ بادي طَبْعًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا، بَلِ اسْتَمَرَّ فِي عَمَلِهِ.
وَوَاصَلَ الْمِنْكُ بيلي حَدِيثَهُ قَائِلًا: «انْظُرُوا كَيْفَ رَصَّ تِلْكَ الْجُذُوعَ! يَبْدُو لِي أَنَّ أَيَّ أَحَدٍ لَدَيْهِ دِرَايَةٌ سَيَشْرَعُ فِي رَصِّهَا بِعَرْضِ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ عِوَضًا عَنْ رَصِّهَا بِالطُّولِ. يُمْكِنُنِي بِنَاءُ سَدٍّ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.»
فَلَمْ يَقُلْ بادي شَيْئًا، وَوَاصَلَ عَمَلَهُ.
فَأَرْدَفَ بيلي مُتَبَاهِيًا: «نَعَمْ، يُمْكِنُنِي بِنَاءُ سَدٍّ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. لَنْ تَتَمَكَّنَ كَوْمَةُ الْجُذُوعِ تِلْكَ مِنْ إِيقَافِ الْمِيَاهِ أَبَدًا.»
فَسَأَلَهُ فَأْرُ الْمِسْكِ جيري: «هَلْ تَشَوَّشَ بَصَرُكَ أَيُّهَا الْمِنْكُ بيلي؟»
فَأَجَابَهُ بيلي حَانِقًا: «بِالطَّبْعِ لَا! لِمَاذَا؟»
فَرَدَّ عَلَيْهِ جيري الَّذِي كَانَ يَتَفَحَّصُ السَّدَّ بِاهْتِمَامٍ كَبِيرٍ قَائِلًا: «لَا شَيْءَ، يَبْدُو لِي فَقَطْ أَنَّكَ لَمْ تُلَاحِظْ أَنَّ الْجَدْوَلَ الضَّاحِكَ فَاضَ عَلَى ضَفَّتَيْهِ بِالْفِعْلِ فَوْقَ سَدِّ بادي.»
فَبَدَتْ بَعْضُ الْحَمَاقَةِ عَلَى بيلي؛ فَقَدْ تَكَوَّنَتْ بِرْكَةٌ صَغِيرَةٌ فَوْقَ السَّدِّ مُبَاشَرَةً بِالْفِعْلِ، وَكَانَتْ آخِذَةً فِي الِاتِّسَاعِ.
وَلَكِنَّ بادي ظَلَّ مُسْتَمِرًّا فِي عَمَلِهِ، دُونَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا؛ فَقَدْ رَاحَ يَحْفِرُ أَمَامَ السَّدِّ آنَئِذٍ، وَأَخَذَ يَحْشُرُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ طِينٍ وَحَشَائِشَ بَيْنَ نِهَايَاتِ الْجُذُوعِ وَيُسَوِّيهَا بِيَدَيْهِ. وَفَعَلَ ذَلِكَ عَلَى امْتِدَادِ وَاجِهَةِ السَّدِّ وَأَعْلَاهُ أَيْضًا، وَحَيْثُمَا اسْتَدْعَتِ الْحَاجَةُ. وَمِنَ الْأَكِيدِ أَنَّ ذَلِكَ زَادَ صُعُوبَةَ مُرُورِ الْمَاءِ، وَأَخَذَتِ الْبِرْكَةُ الصَّغِيرَةُ أَعْلَى السَّدِّ تَتَّسِعُ بِمُعَدَّلٍ أَسْرَعَ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ، لَيْسَتْ بِطَوِيلَةٍ، بَلَغَتْ قِمَّةَ السَّدِّ تَقْرِيبًا، الَّتِي كَانَتْ بَالِغَةَ الِانْخِفَاضِ فِي الْبِدَايَةِ. ثُمَّ جَلَبَ بادي الْمَزِيدَ مِنَ الْعِصِيِّ. وَقَدْ أَصْبَحَ ذَلِكَ أَيْسَرَ الْآنَ؛ إِذْ صَارَ بِإِمْكَانِهِ الدَّفْعُ بِهَا مِنْ حَيْثُ كَانَ يُقَطِّعُهَا لِتَطْفُوَ عَلَى سَطْحِ الْمَاءِ. فَكَانَ يَضَعُهَا فِي مَكَانِهَا عَلَى قِمَّةِ السَّدِّ، ثُمَّ يُهْرَعُ لِجَلْبِ الْمَزِيدِ. وَحَيْثُمَا اسْتَدْعَتِ الْحَاجَةُ، كَانَ يَضَعُ الطِّينَ. بَلْ إِنَّهُ دَحْرَجَ بَعْضَ الْحَصَى لِكَيْ يُسَاعِدَ عَلَى تَثْبِيتِ تِلْكَ الْكُتْلَةِ.
فَرَاحَ السَّدُّ يَعْلُو وَيَعْلُو، كَمَا رَاحَتِ الْبِرْكَةُ أَعْلَاهُ تَتَّسِعُ. لَا شَكَّ أَنَّ بِنَاءَ مِثْلِ ذَلِكَ السَّدِّ الْكَبِيرِ اسْتَغْرَقَ أَيَّامًا طِوَالًا، وَالْكَثِيرَ مِنَ الْعَمَلِ الشَّاقِّ! فَكَانَ سُكَّانُ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارُ يَزُورُونَهُ كُلَّ صَبَاحٍ، وَكُلَّ صَبَاحٍ كَانُوا يَجِدُونَ السَّدَّ قَدْ نَمَا كَثِيرًا أَثْنَاءَ اللَّيْلِ؛ فَقَدْ كَانَ بادي يُفَضِّلُ الْعَمَلَ أَثْنَاءَ اللَّيْلِ.
وَآنَئِذٍ، كَانَ الْجَدْوَلُ الضَّاحِكُ قَدْ تَوَقَّفَ عَنِ الضَّحِكِ، وَفِي الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي بِالْكَادِ لِبَثِّ الطُّمَأْنِينَةِ فِي أَسْمَاكِ الْمِنَّوَةِ. وَكَفَّ الْمِنْكُ بيلي عَنِ السُّخْرِيَةِ مِنَ السَّدِّ، وَانْتَابَ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي تَعِيشُ فِي الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ وَالْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ قَلَقٌ بَالِغٌ.
الْحَقُّ أَنَّ بادي كَانَ قَدْ نَبَّهَهُمْ إِلَى مَا يَنْوِي فِعْلَهُ، وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُ حِينَمَا تَصِلُ بِرْكَتُهُ إِلَى الْحَجْمِ الْكَافِي، سَتَعُودُ الْمِيَاهُ تَجْرِي فِي الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ. وَقَدْ حَاوَلُوا تَصْدِيقَهُ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا مَنْعَ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الشُّعُورِ بِقَدْرٍ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ أَلَّا يَكُونَ صَادِقًا تَمَامًا؛ فَهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهُ، فَقَدْ كَانَ غَرِيبًا عَنْهُمْ. وَكَانَ فَأْرُ الْمِسْكِ جيري هُوَ الْوَحِيدَ الَّذِي يَثِقُ تَمَامَ الثِّقَةِ فِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سَيَكُونُ عَلَى مَا يُرَامُ. رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ بادي ابْنُ عَمِّهِ، وَلَمْ يَتَمَالَكْ جيري نَفْسَهُ مِنَ التَّفَاخُرِ بِقَرِيبٍ ضَخْمٍ وَذَكِيٍّ مِثْلِ بادي.
وَيَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ أَخَذَ السَّدُّ يَعْلُو، وَالْبِرْكَةُ تَتَّسِعُ. وَذَاتَ صَبَاحٍ سَمِعَ الْجَدُّ ضفدع، عِنْدَمَا كَانَ يَقِفُ وَسْطَ مَا كَانَ فِي السَّابِقِ الْبِرْكَةَ الْبَاسِمَةَ، صَوْتًا جَعَلَ قَلْبَهُ يَقْفِزُ مِنَ الْفَرْحَةِ. كَانَ صَوْتَ خَرِيرٍ رَاحَ يَتَعَالَى، حَتَّى صَارَ ضِحْكَةَ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ الْمَرِحَةَ. وَحِينَئِذٍ عَرَفَ أَنَّ بادي قَدْ وَفَّى بِوَعْدِهِ وَأَنَّ الْمِيَاهَ سَتَغْمُرُ الْبِرْكَةَ الْبَاسِمَةَ مِنْ جَدِيدٍ.