مُغَامَرَةُ الْأَرْنَبِ بيتر الْمَائِيَّةُ
جَلَسَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَاضِعًا ذَقَنَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَمُحَدِّقًا النَّظَرَ فِي الْبِرْكَةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَفِي السَّدِّ الَّذِي تَسَبَّبَ فِي تَكْوِينِهَا؛ فَقَدْ أَصَابَهُ ذَلِكَ السَّدُّ بِالْحَيْرَةِ. مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَنَاهُ؟ وَلِمَ؟ وَلِمَ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ تَقْطِيعِ الْخَشَبِ؟ وَأَلْقَى نَظْرَةً لَا مُبَالِيَةً عَلَى مَا تَبَقَّى مِنْ جِذْعِ شَجَرَةٍ بَعْدَ تَقْطِيعِهِ، ثُمَّ تَقَطَّبَ جَبِينُهُ إِثْرَ نَظْرَةٍ أَكْثَرَ حَيْرَةً؛ فَقَدْ بَدَا تَمَامًا كَأَنَّ أَسْنَانًا قَطَعَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةَ لَا فَأْسًا. فَظَلَّ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُحَدِّقُ النَّظَرَ، فَاغِرًا فَاهُ فِي دَهْشَةٍ. فَكَانَ مَنْظَرُهُ مُضْحِكًا جِدًّا حَتَّى إِنَّ الْأَرْنَبَ بيتر، الَّذِي كَانَ مُخْتَبِئًا أَسْفَلَ كَوْمَةٍ مِنَ الْأَغْصَانِ الْمُتَشَابِكَةِ الْقَدِيمَةِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ، كَادَ يَنْفَجِرُ ضَاحِكًا.
وَلَكِنَّ بيتر لَمْ يَضْحَكْ. كَلَّا، لَمْ يَضْحَكْ؛ فَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ تَحْدِيدًا طَرَأَ أَمْرٌ؛ فَقَدْ سَمِعَ صَوْتًا مِنْ وَرَائِهِ مُبَاشَرَةً، عِنْدَ طَرَفِ كَوْمَةِ الْأَغْصَانِ الْمُتَشَابِكَةِ الْقَدِيمَةِ، فَانْتَصَبَ شَعْرُهُ خَوْفًا.
«هَاوْ هَاوْ هَاوْ!» بَدَا لِبيتر كَأَنَّ ذَلِكَ الصَّوْتَ الرَّهِيبَ يُدَوِّي دَاخِلَ أُذُنَيْهِ. وَقَدْ أَخَافَهُ أَيَّمَا خَوْفٍ حَتَّى إِنَّهُ اضْطُرَّ إِلَى الْقَفْزِ. لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ وَقْتٌ لِلتَّفْكِيرِ. فَقَفَزَ مِنْ تَحْتِ كَوْمَةِ الْأَغْصَانِ وَطَبْعًا صَارَ ظَاهِرًا لِلْعِيَانِ. وَمَا إِنْ قَفَزَ حَتَّى أَتَى صَوْتُ نُبَاحٍ عَالٍ مِنْ خَلْفِهِ مَرَّةً أُخْرَى. بِالطَّبْعِ كَانَ ذَلِكَ صَوْتَ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر. فَقَدْ كَانَ باوزر يَتَقَفَّى أَثَرَ سَيِّدِهِ، وَلَكِنْ بِمَا أَنَّهُ دَائِمًا مَا يَتَوَقَّفُ لِيَتَشَمَّمَ كُلَّ مَا يَمُرُّ بِهِ، فَقَدْ كَانَ وَرَاءَهُ بِمَسَافَةٍ. وَعِنْدَمَا بَلَغَ كَوْمَةَ الْأَغْصَانِ الْمُتَشَابِكَةِ الَّتِي كَانَ بيتر مُخْتَبِئًا تَحْتَهَا تَشَمَّمَهَا، وَبِالطَّبْعِ تَعَرَّفَ رَائِحَةَ بيتر عَلَى الْفَوْرِ.
كَانَ بيتر قَدْ قَفَزَ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ، حَتَّى إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيِ السَّدِّ بِالضَّبْطِ. وَعِنْدَمَا نَبَحَ باوزر ثَانِيَةً بِصَوْتِهِ الرَّهِيبِ اشْتَدَّ خَوْفُهُ أَكْثَرَ، فَقَفَزَ فَوْقَ السَّدِّ نَفْسِهِ. فَلَمْ يَعُدْ أَمَامَهُ حِينَئِذٍ سِوَى أَنْ يَعْبُرَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُوَ السَّبِيلَ الْأَمْثَلَ. كَلَّا، لَمْ يَكُنِ السَّبِيلَ الْأَمْثَلَ؛ فَقَدْ كَانَ السَّدُّ عِبَارَةً عَنْ كُتْلَةٍ مِنَ الْعِصِيِّ الْمُتَشَابِكَةِ. فَكَانَ فِي مَقْدُورِ السِّنْجَابِ جاك السَّعِيدِ أَوِ السِّنْجَابِ الْأَحْمَرِ ثرثار أَوِ السِّنْجَابِ الْبَرِّيِّ الْمُخَطَّطِ أَنْ يَجْتَازُوهُ بِمُنْتَهَى السُّهُولَةِ. وَلَكِنَّ الْأَرْنَبَ بيتر لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ مَخَالِبُ صَغِيرَةٌ حَادَّةٌ تُمَكِّنُهُ مِنَ التَّشَبُّثِ بِالْجُذُوعِ وَالْعِصِيِّ، فَوَجَدَ نَفْسَهُ فِي وَرْطَةٍ عَلَى الْفَوْرِ. فَرَاحَ يَنْزَلِقُ بَيْنَ الْعِصِيِّ، ثُمَّ يَصْعَدُ، ثُمَّ يَنْزَلِقُ مُجَدَّدًا، وَأَثْنَاءَ مُحَاوَلَتِهِ أَنْ يَقْفِزَ قَفْزَةً طَوِيلَةً، فَقَدَ اتِّزَانَهُ وَسَقَطَ فِي الْمَاءِ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ!
مِسْكِينٌ بيتر! ظَنَّ نَفْسَهُ قَدْ قَضَى تِلْكَ الْمَرَّةَ. فَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ السِّبَاحَةُ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ سَبَّاحًا مَاهِرًا وَهُوَ لَا يُحِبُّ الْمَاءَ. وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَغُوصَ بَعِيدًا عَنِ الْأَنْظَارِ مِثْلَ فَأْرِ الْمِسْكِ جيري أَوِ الْمِنْكِ بيلي. فَلَيْسَ فِي مَقْدُورِهِ سِوَى تَحْرِيكِ قَدَمَيْهِ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ. كَانَ الْمَاءُ قَدْ دَخَلَ مِنْ أَنْفِهِ وَنَزَلَ فِي حَلْقِهِ حَتَّى غُصَّ حَلْقُهُ، وَكَانَ وَاثِقًا طَوَالَ الْوَقْتِ أَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر سَيَقْفِزُ خَلْفَهُ وَيُمْسِكُ بِهِ. وِإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَسَيَنْتَظِرُهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بِبَسَاطَةٍ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْبَرِّ ثُمَّ يُمْسِكُ بِهِ.
وَلَكِنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، كَلَّا، لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَإِنَّمَا صَاحَ بِباوزر آمِرًا إِيَّاهُ بِالِابْتِعَادِ. لَمْ يَكُنْ باوزر يَرْغَبُ فِي الْمَجِيءِ، وَلَكِنَّهُ تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ، فَسَارَ مُتَبَاطِئًا إِلَى حَيْثُ جَلَسَ سَيِّدُهُ.
فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «تَعْلَمُ أَنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ أَنْ نُحَاوِلَ الْإِمْسَاكَ بِبيتر الْآنَ يَا صَدِيقِيَ الْعَجُوزَ. سَيَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا كَبِيرًا، وَنَحْنُ لَا نُرِيدُ أَنْ نَأْتِيَ بِظُلْمٍ أَبَدًا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟» رُبَّمَا لَمْ يُوَافِقْهُ باوزر الرَّأْيَ، وَلَكِنَّهُ هَزَّ ذَيْلَهُ كَأَنَّمَا وَافَقَهُ، وَجَلَسَ إِلَى جَانِبِهِ لِيُرَاقِبَ بيتر أَثْنَاءَ سِبَاحَتِهِ.
بَدَا لِبيتر كَأَنَّهُ لَنْ يَبْلُغَ الْبَرَّ أَبَدًا أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ قَدْ سَبَحَ مَسَافَةً قَصِيرَةً جِدًّا. وَعِنْدَمَا خَرَجَ مِنَ الْمَاءِ أَخِيرًا، كَانَ يَبْدُو أَرْنَبًا تَعِسًا. فَلَمْ يُضِعْ وَقْتًا، وَإِنَّمَا انْطَلَقَ إِلَى بَيْتِهِ مُطْلِقًا سَاقَيْهِ لِلرِّيحِ. فَاكْتَفَى ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَكَلْبُ الصَّيْدِ باوزر بِالضَّحِكِ وَلَمْ يُحَاوِلَا الْإِمْسَاكَ بِهِ مُطْلَقًا.
فَهَتَفَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي، الَّذِي شَاهَدَ كُلَّ مَا حَدَثَ مِنْ عَلَى شَجَرَةِ صَنَوْبَرٍ: «عَجَبًا! عَجَبًا! يَبْدُو إِذَنْ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَيْسَ شِرِّيرًا تَمَامًا.»