تشمل قائمة المشاهد والأصوات التي يرتكز عليها «الجاذبية المميتة» ما يلي: تليفون
يرن فجأة،
ويقاطع حفل عشاء. ومشهد اثنين يستمتعان بتناول مكرونة ونبيذ أحمر، ويتحدثان عن الأنغام
الرائعة في
أوبرا «مدام بترفلاي».
٢ وصوت براد شاي يغلي بصوت عالٍ. وصورة امرأة وطفلة تتجولان في حديقة ملاهٍ في يوم
عاصف. لا شيء من هذه الأصوات المختارة، باقتطاعها خارج السياق، ينذر بشؤم، إلا أن كل
صوت منها في
«الجاذبية المميتة» ينذر بالخطر، ويصبح استغاثة عاطفية، أو بصرية، أو سمعية، بأن وباءً
أُطلِق له
العنان. يقتحم التليفونُ الذي يرن بلا توقف، على سبيل المثال، بيتَ جاليجر بعنف وبدون
توقُّع،
ويذكِّر بشكل مرعب بالمرأة المهانة التي تستخدمه كآخر وسيلة اتصال يائسة بالرجل المتزوج
الذي
استحوذ على عقلها (توجد صور التليفون بقوة كبيرة في السجل العاطفي لفيلم «الجاذبية المميتة»
حتى
أنه يوضع على قائمة نسخة دي في دي
DVD في الاحتفال بمرور ١٥ سنة
على عرضه. بجوار صورتين متحركتين لمايكل دوجلاس وجلن كلوز، يوضع التليفون الأبيض على
خلفية بيضاء
تمامًا، ويرنُّ بشكل متقطِّع).
أسود وأبيض
تدور اللقطة الافتتاحية لفيلم «الجاذبية المميتة» عموديًّا وأفقيًّا عبر الأفق في
مدينة
نيويورك والشفق برتقالي، تغامر خلف خزانات المياه العالية والأسطح، وتصل في النهاية إلى
شقة
أسرة جاليجر في نيويورك، وترافق اللقطةَ أصواتُ الشارع في المدينة. تظهر بيث جاليجر،
والكاميرا
تقترب، في نافذة وتلقي بظلها. يستعار التركيز على النوافذ والظلال بوضوح شديد من هتشكوك،
٥ وقد استخدم الموتيفة وسيلةً لرسم الأنشطة والاهتمامات التي تزعج الأسرة، ويمكن رؤية
لحظات مماثلة في كل من «ظلال شك
Shadow of a Doubt» (١٩٤٣م)
و«نافذة خلفية
Rear Window» (١٩٥٤م). إلا أن افتتاحية «الجاذبية
المميتة» أقرب إلى «سيكو
Psycho» لهتشكوك (١٩٦٠م)؛ حيث تلفُّ
الكاميرا حول أفق فينكس
٦ قبل الدخول إلى غرفة في فندق على الطريق العام؛ حيث يوجد رفيقان في علاقة غرامية.
إلا أنه بينما تركز كاميرا «سيكو» على الرفيقين بالترحال عبر النافذة في لقطة متواصلة،
مخترقة
الداخل، تنتهي افتتاحية «الجاذبية المميتة» بعد سقوط الظل. لم يعد ممكنًا للمشاهدين التطلع
بعيدًا؛ لأن بيث سدَّت خط الرؤية، وهي حركة توحي بقدرتها (عند هذه النقطة) على حماية
أسرتها من
اقتحام غير مرغوب.
تختلف المَشاهِد أيضًا تمامًا على الناحية الأخرى من النافذة. يؤكد دخول الكاميرا،
في
«سيكو»، إلى هذا الفضاء العابر قذارة الأفعال التي تتم في الداخل. خارج قدسية الزواج،
يلتقي
رفيقان بشكل غير مشروع في غرفة عامة في فندق، وبدت نظراتهما إلى الزواج تشاؤمية حين يقول
سام
(جون جافين) لماريون (جنيت لي):
٧ سيكون الزواج صعبًا؛ لأنه لا يزال مُثقَلًا بنفقاتٍ لزوجته السابقةِ، الانتهازيةِ
التافهة. يقلب ولاء «الجاذبية المميتة» لافتتاحية «سيكو» هذه النبرة من اليأس من الزواج
والاتفاق عليه بجلاء، بدلًا من المعاناة من أعباء الاحتياج المالي، من الواضح أن أسرة
جاليجر
تتمتع بالثراء. تُصوِّر أولُ لقطة داخلية لشقة أسرة جاليجر، ناقلة إحساسًا بوفرة مريحة،
فضاء
يعج بنثريات الحياة العائلية: دُمًى متناثرة، وملابس داخلية معلقة في الحمام لتجف، وكلب
يستريح
متكاسلًا على كنبة بجوار طفلة سعيدة.
الإحساس بالانسجام الأسري ملموس، وهو إحساس يؤكده ببراعة مظهرُ الأسرة. يرتدي الجميع
ملابس
بيضاء، وتظهر الأسرة بدرجات مختلفة من العري: يرتدي دان قميصًا بدون بنطلون، وبالمثل
زوجته بيث،
وابنتهما إلين، وهي في الخامسة من عمرها، ترتدي تيشيرت واسعًا، ربما كان من ملابس والدها.
٨ إلا أن أفراد الأسرة يقيمون شبه عرايا بدون قصد، كما لو لم تكن هناك حاجة، أو مجال،
للارتباك في هذه الجنة المنزلية (يحدث مزيد من تأكيد انسجام هذا العالم النقي حين تصل
جليسة
إلين في ملابس بيضاء تمامًا). يستمر هذا المخطط البنيوي في اللون أيضًا بعد عودة الزوجين
إلى
البيت في الليلة ذاتها، بعد أن حضر دان وبيث حفلة الكتاب حيث يتعرف دان على ألِكس لأول
مرة.
يظهر دان في مشهد الليل وهو يرتدي قميصًا أبيض ويأخذ كلب الأسرة للتمشية قبل أن يأوي
للفراش.
بعد العودة إلى البيت على أمل أن يلحق بزوجته في السرير، كانت إلين التي ترتدي قميصًا
أبيض قد
احتلت مكانه في السرير. في مشهد من المشاهد الكثيرة التي تصاحب الكاميرا فيها ذاتية دان،
يدخل
دان الغرفة ليجد زوجته وابنته مستكينتين في سعادة في الفراش الأبيض. وبرغم ظهور نظرة
على وجه
دان تحمل بعض السخط، إلا أنه أيضًا يتقبل الأمر بلطف، وتُصوِّر النبرةُ مرةً أخرى بيت
جاليجر فضاءً
منزليًّا متناغمًا. وقد تمنَّى دان أن يقضي الليلة مع زوجته، يظهر في المشهد وحيدًا على
الكنبة.
ربما بدون ترتيب، يسود الأبيض أيضًا مشهد إعاقة الجماع.
٩ أثناء الاستعداد لحفل العشاء الذي يستضيفونه، تبدو بيث في بؤرة هادئة في سروال تحتي
أبيض وسونتيان أبيض أمام علبة التجميل، غارقة في ضوء برتقالي هادئ. تركز الكاميرا في
المشهد على
خط رؤية دان؛ حيث يجلس دان في قميص أبيض على السرير، يشاهدها وهي تضع أحمر الشفاه والغسول
بشكل
شهواني، وعلى وجهه نظرة انتباه مفعمة بالبهجة والرغبة. يقترب من زوجته، وقد سيطرت عليه
الرغبة
فيها، ويقبلها من الخلف ويحدق في ساقيها، وهما يتطلعان إلى نفسيهما في المرآة. فجأة يدوي
جرس
الباب، معلنًا وصول الضيوف. مرةً أخرى، يكون السخط ملموسًا، لكن المشهد يوحي بتأجيل مؤقت
للذة
بدل أن يوحي بإنكارٍ عنيدٍ لها.
وربما يبدو أن هذه الارتباطات بين الأبيض والحالة الأصلية لوعي الأسرة والوئام الجنسي
السهل
بين دان وبيث، تقدم مساحة لارتباط واضح بين الأبيض وطهارة الأسرة، مما يخلق فرصةً لتبدوَ
ألِكس
الآخرَ المعتم. إلا أن الفيلم يعقِّد هذا المخطط؛ لأن ألِكس ترتبط بلا هوادة بالأبيض
أيضًا،
يعلو صورَتها شعرٌ أشقر مجعد يبدو فاتحًا جدًّا ويكاد يبدو أبيض بغرابة. وشقتها أيضًا
بيضاء
تمامًا، والتليفون أبيض، والمظلة بيضاء بها خطوط صفراء، وتبدو في كثير من المرات في ملابس
بيضاء، في بدلة بيضاء، وفي معطف مطر أبيض، وفي روب أبيض، وفي تيشيرت أبيض، وفي جلباب
أبيض، وفي
فستان أبيض بفتحة عنق مدورة. إلا أنه بينما يتم التقاط الحياة البيضاء لأسرة جاليجر في
صور
برتقالية رقيقة، كثيرًا ما تبدو ألِكس في ثياب زرقاء باهتة. ويؤكد الفيلم، حين يتعلق
الأمر
بألِكس، على الأبيض كفراغ صرف يرتبط بوجود بارد وحيد. ويظهر الارتباط في أجلى صوره في
المشاهد
العديدة التي تصور في بيتها؛ حيث لا تملك ألِكس أثاثًا في شقتها التي تعلو مستودعًا وتشبه
الكهف، باستثناء سرير وطاولة صغيرة بجواره، وعجلة تدريب مكسرة. هكذا يمثل البياض النظير
البصري
لحياتها التي تبدو خاوية، تهزأ من وحدتها جدران وأرضيات بيضاء مقفرة وفراش.
وقد جاء تصوير شقة ألِكس مجرد شقة خاوية متعمَّدًا بدون شك، واعتاد المخرج إدريان
لان، وهو
يروِّج للفيلم، أن يكرر فيما يشبه الحقيقة أنه لكي يشعر بما ينبغي أن تكون عليه شقة امرأة
عاملة
غير متزوجة، استعرض صورًا فورية لشقق المحررين الحقيقيين في نيويورك.
١٠ إشاراته لما رآه في تلك اللقطات لم تقدم شيئًا يحببه لأنصار الأنثوية؛ لأنه كان
مغرمًا خاصةً بالإشارة إلى أنه وجد تلك المساحات صارمة وكئيبة. في واحد من التكرارات
المدونة عن
انطباعات المخرج يلاحظ في تعليقه أن كل النساء كن لديهن «أكوام من المخطوطات بجوار السرير؛
كان
ذلك بالأحرى مجرد كلام.»
١١ حين يتعلق الأمر بألِكس، يتواطأ الأبيض مع مشروع بصري أكبر يرتبط بتسجيل حياةٍ
قاسية وخاوية، بوجودٍ تحاول بجدية أن تشغله (حرفيًّا ومجازيًّا). لا يدل البياض في حياة
ألِكس
على الوفرة بل على الغياب، ويبعث على الإحساس بشعور قاسٍ ومبيد.
إلا أن الأبيض ليس المخطط الوحيد المخصَّص لألِكس؛ فهي كثيرًا ما تظهر بالأسود أيضًا.
ترتدي
ألكس الأسود بشكل خاص حين تكون في الخارج بين الناس، وخاصة حين تقتحم حياة دان بطريقة
ما. ترتدي
فستانًا أسود حين يلتقيان أول مرة، وترتدي معطفًا جلديًّا أسود حين تظهر في مكتبه، وفي
الليلة
التي تتبعه فيها إلى البيت في منزله الريفي، وفي اليوم الذي تأخذ فيه إلين إلى حديقة
الملاهي.
هكذا تكشف قراءة دقيقة للوحة اللون في «الجاذبية المميتة» عن فيلم ترتبط معانيه البصرية
بالسياق، وربما، بتعبير أدق، تتداخل مع السياق. ولا يوجد نمط دقيق لملابس ألكس العصرية،
فهي
تميل لشراء المتناقضات — تظهر في ثياب سوداء أو بيضاء، بمكياج كامل، مثل خطوط العين القاتمة
وأحمر الشفاه، أو بدون مكياج على الإطلاق، كما هو الحال في المشهد النهائي الصاخب في
الفيلم.
يتطابق التناقض الصارخ بين هذين الطرفين مع تصويرها في صورة امرأة لا تستقر إلا على قطبَي
الوجود: سواء جنسية بحدة، أو غاضبة بحدة، تكشف المواجهات الدرامية عن سجلها العاطفي وترتبط
بالتالي بمظهرها الخارجي. يدل تعاقب الأسود والأبيض أيضًا على انشغال الفيلم بشكل يشبه
انشغال
السينما السوداء
١٢ بالخير والشر؛ حيث يتنافس إغواء الجانب المظلم مع إغراء المألوف والآمن. إن تقلبات
لون ألكس تميزها كشخصية تمثل التحولات بين هذه الثنائيات. وبرغم أنها يمكن أن تنتقل في
عالم نقي
خُلقيًّا بشكل افتراضي، إلا أنها تهدد بتلويثه باندفاعاتها السوداء.
يكمن الاهتمام الأساسي لفيلم «الجاذبية المميتة» في ديناميكيات أسرة تُقتحَم ويحدث
فيها
شقاق، وتعبر استعانة الفيلم باللون عن هذه العلاقات السيكولوجية، ويتتبعها وهي تشكل المواقف
بين
الزوج والزوجة، وبين الزوج والعشيقة، وبين العشيقة. يعود دان صباح الليلة التي يقضيها
مع ألكس، على سبيل المثال، إلى شقته ويرتدي قميصًا أزرق، مفتوحًا يكشف عن صدره، وهو يتحدث
في
التليفون مع بيث. تظهر بيث، متحدثة في الناحية الأخرى من الخط، في معطف أزرق طويل، مفتوح
جزئيًّا، ويشكل الثوبان كلاهما شكل حرف V بعمق على صدريهما. وهما يتحدثان، تعكس كل من ثياب
الزوج والزوجة ثياب الآخر. ولم تكن بيث تدرك العلاقة الغرامية، وهكذا يُبقِي تخطيطُ اللون
بهذه
الصورة العلاقةَ الزوجية علاقة لا تزال منسجمة وقوية. ومن اللافت أننا لا نرى ألكس أبدًا
في
ثياب زرقاء، وهو لون ربما يتم الاحتفاظ به للثنائي الشرعي. إلا أن ألكس في اليوم ذاته
تشد بعنف
وإصرار القميص الأزرق الذي يرتديه دان، القميص ذاته الذي كان يرتديه وهو يتحدث مع زوجته
في
التليفون.
يؤسس التوزيعُ الرمزي للَّون مشهدَ الليلة التي يُحضر فيها دان الأرنب لإلين، في
صورة
مستلهمة من جماليات نورمان روكويل.
١٣ تجلس بيث وإلين على أرضية غرفة المعيشة، في ملابس بيضاء، وتبدو الأسرة مرة أخرى في لون
برتقالي هادئ. الأرنب أبيض أيضًا، وهو ما يؤكده الفيلم فيما بعد بأن إلين كانت تسميه
«الأبيض
Whitey». وهذه المرة يظهر دان في معطف غامق، وقد عاد
للتوِّ في عربة مستأجرة بعد أن دمرت ألكس عربته بصب الحمض عليها، ورافق تغيُّرَه هذيانُها
المسعور المسجل على شريط كاسيت. تقف ألكس خارج الصورة، وأفراد الأسرة في بيتهم الريفي،
تتطلع من
نافذة إلى الداخل، وهي ترتدي معطفًا أسود يعكس بقوة صدى معطف دان. لا يوجد دان داخل البيت،
وألكس تُستبعَد مكانيًّا من المشهد، وهي حقيقة تجعلها تتقيأ، بالصورة التي ينبغي أن يكون
عليها.
بدلًا من ذلك، تبعد لوحةُ الألوان دان، وتجعله غير قادر على المساهمة في بهجة بيث وإلين
وتعكس
بالتأكيد حالة الرعب التي يشعر بها. وفي تكرار مماثلة لزيادة عزلة دان عن أسرته، كان
كل ما
يرتديه دان في الليلة التي يخبر فيها بيث بعلاقته الغرامية أسود، بينما كانت بيث ترتدي
بنطلونًا
كاكيًّا وقميصًا أبيضَ فيه خطوط خفيفة. مرة أخرى، يعكس التنافر في ملابس دان وبيث الشرخ
النفسي
في أسرتهما.
وقد أخذ الاختلاف بين دان وبيث في المظهر يزداد تدريجيًّا، يبدأ التشابه بين ألكس
وبيث
يزداد قوة. تظهر بيث في الليلة التي شهدت حفلة الكتاب في طاقم أسود بفتحة صدر واسعة،
وهو ما
يبدو نسخة محافظة إلى حدٍّ ما مما ترتدي ألكس، فستانًا أسود لامعًا بفتحة عنق واسعة تشبه
حرف V
وتصل إلى ما تحت الثديين. تسريحة شعرهما، برغم اختلاف اللون، متشابهة في الحقيقة، يبدو
الشعر
مموَّجًا ومرتفعًا إلى أعلى، ويصبح شعر بيث أطول ومنكوشًا أكثر والحكاية تتقدم، وهكذا
يشبه
خصلات شعر ألكس التي تشبه قنديل البحر. يوحي تشابه المرأتين بهذه الطريقة مرة أخرى بمدى
تنظيم
استخدام اللون في الفيلم؛ يُقصَد أن تُمثِّل المرأتان قُطبَين متعارضَين، إلا أن كلًّا
منهما تعكس
صورة الأخرى على المستويَين البصري والسيكولوجي خلال الحكاية كلها. عند كل امرأة روب
أبيض بوبر
(ترتدي بيث روبها ليلة الهجوم النهائي الذي تشنه ألكس) وفي هذا الموت الرهيب ترتدي المرأتان
المتنازعتان ملابس بيضاء.
يستقر هذا التنظيم بشكل رائع جدًّا حيث تأتي ألوان «الجاذبية المميتة» عمومًا كئيبة
أو
مبهجة؛ تتكون اللوحة أحادية اللون
monochromatic في الفيلم
أساسًا من الأسود، والأبيض والأزرق الداكن والبرتقالي. إلا أن الأحمر أيضًا يشارك في
هذا
المخطط، ولكن كغلاف خارجي لهذه اللوحة، ويشير إلى شيء رهيب أو غير متوقع.
١٤ إن أظافر ألكس، الطويلة الحمراء، على سبيل المثال، إفشاء لخطورتها المتقدة، ووقوع
دان في شباك هذا العالم يُسجَّل بوضوح وهو يأخذ حمَّامًا، بعد مغادرة شقتها في صباح الليلة
الأولى
التي قضياها معًا، في ضوء أحمر شديد. تتم الإشارة إلى تداخله في عالم ألكس أيضًا حين
تظهر صدمة
الدماء الحمراء على وجه دان بعد محاولة الانتحار التي قامت بها ألكس. يرى الجمهور الدماء
قبل أن
يراها دان، وهي تعانقه وتلطخه بدمائها، وهو ما لا يعرفه في البداية. تكشف لقطات الصدمة
رسغَيها
الغارقين في الدماء، ويوجد الأحمر مرة أخرى مقابل قميصها الأبيض، قميص لا يختلف عن سترة
المجانين. وبأسلوب الليدي مكبث تلطخ ألكس وجه دان ويديه بدمائها، وربما كان ذلك رمزًا
لنيتها أن
تجعل ذنبه واضحًا يستحق العقاب.
وبينما تدل الدماء هنا على رغبة في الموت، يستخدم الفيلم أحيانًا الأحمر بطرق أكثر
هزلًا،
أي بربط الدماء بالنبيذ وصلصة الاسباجتي التي تناولها الاثنان قبل ذلك مساء اليوم ذاته.
وفي
إيماءة أخرى للتشابه المتعمد، تقدم بيث، كما تفعل ألكس، اسباجتي لدان، وتذكِّره بيث مرتين
أنها
تركت الاسباجتي له في الثلاجة. إلا أن الثمن الذي يدفعه دان مقابل تناول اسباجتي ألكس
بدل تناول
اسباجتي زوجته كان باهظًا تمامًا — قبل أن تنتهي الليلة، لا يستهلك دان صلصة اسباجتي
ألكس فقط،
لكنه يجد نفسه غارقًا في دمائها أيضًا. وتتمثل سخرية الفيلم، ببراعة، في أن صلصة الاسباجتي
الحمراء يمكن أن تتحول فجأة بما يشبه السحر إلى إشارات دموية بالسرعة التي يمكن أن يتحول
بها
الأليف إلى مهلِكٍ؛ حيث يتحول الشهي إلى مثير للغثيان، بشكل لا يختلف عن العلاقة الغرامية.
بمجرد أن تظهر دماء ألكس يكون الوقت قد فات بالنسبة لدان للتخلص من براثنها؛ وفي الحقيقة،
تكمن
الطريقة الوحيدة للهروب، في النهاية، في موتها الدموي. يتخذ دان، بالطبع، احتياطيات مؤقتة
ليمحوَ
دليل جرائمه ضد الأسرة — يقدم الاسباجتي المتهمة التي لم يتناولها طعامًا لكلب الأسرة،
ويمحو
رائحة ألكس بدش، وينظف رسغَيها الجريحين ويربطهما. إلا أن ألكس، كما سنرى في القسم التالي،
ترفضُ
النبذَ بإصرار.
آسف، النمرة غلط
إنها مبالغة بسيطة، لكنها ليست تأكيدًا غير معقول تمامًا، أن نقول: لأن النص الذي
يتأسس
عليه «الجاذبية المميتة» يتأسس حول سلسلة من المكالمات التليفونية، فإن التليفون هو الموتيفة
الأساسية في الفيلم. تم وضع تصور لفيلم «الجاذبية المميتة» بعد أن رأت المنتجة شيري لنسنج
١٥ فيلم «الانحراف
Diversion» (١٩٧٩م) للمخرج جيمس ديردن،
١٦ وهو فيلم قصير يصف ديردن حبكته على النحو التالي:
يأخذ كاتب زوجته إلى المحطة في الصباح مع طفلهما ويراهما وهما يُقلعان. ثم يلتقط
التليفون ويتصل بفتاة كان قد حصل على رقمها. يخرج معها للعشاء، ويأخذها إلى السرير. يعتقد
أن هذا نهاية الأمر، لكن التليفون يرن في اليوم التالي وكانت هي. ومن ثَم يخرج ليراها
ويقضي
الأحد معها. وفي مساء الأحد تنفجر تمامًا وتقطع رسغَيها … يمكث معها الليلة الثانية ويعود
إلى بيته في وقت مبكر من الصباح. تعود زوجته. يرن التليفون وكانت الفتاة. يماطلها ويرن
التليفون مرة أخرى وتذهب الزوجة لترفع سماعة التليفون، وتعرفون كيف تجري الأمور. ستكتشف
العلاقة الغرامية. ترفع الزوجة التليفون وتقول آلو، وتسود الشاشة.
(مقتبس في فالودي، ١٩٩١م: ١١٧)
كُلِّف ديردن، مخرج «الانحراف» بعد ذلك بكتابة سيناريو «الجاذبية المميتة»، ويُلقِي
هذا الوصف
لفيلمه السابق الضوء على طغيان التليفون في طرق أداء النساء المهانات في كل من «الانحراف»
و«الجاذبية المميتة»، النساء اللائي يستخدمن هذه التكنولوجيا لإيقاع الأذى بعشاقهم المتقلبين
وبعائلاتهم.
١٧ للهلع من التليفون، بالطبع، أشكال هائلة، وكثيرًا ما قدمت السينما الأمريكية
الكلاسيكية تليفونات لا تتوقف عن الرنين؛ قدمت متصلين يبدو أنهم يعرفون تمامًا ما يفعله
المستقبل ويقوله، وحتى الشخصيات التي تسمع بالصدفة خططًا تدبر لقتلهم. في «الجاذبية المميتة»
يثير وجود التليفون مسألة الاتصال أيضًا، كما لو كان يعلن عن وعده المزدوج المتناقض،
بينما يغري
التليفون بالقرب إلا أنه في الوقت ذاته يتبرأ غالبًا بشكل فاسد، يتبرأ بدقة من الاتصال
الذي يعد
بالقيام به.
يحدث أول اتصال تليفوني في «الجاذبية المميتة» بعد دقائق من بداية الفيلم؛ يرن بقوة
ولا
يسمعه دان. وهو يضع هدفون ويعمل على الكنبة، يرن التليفون ولا ينتبه إليه حتى تتدخل ابنته:
«دادي تليفون.» ترتبط هذه المكالمة البريئة، وهي مكالمة بسيطة من صديقة لتعرف ما تنوي
بيث
ارتداءه في حفل الكتاب الوشيك، بمشهد النعيم الذي يُفتَتح به الفيلم. وكما ناقشنا في
القسم
السابق، لا يزال دان بريئًا، وبالتالي ليس هناك ما يدعوه للخوف من المتحدث على الناحية
الأخرى
من الخط. فيما بعد يتبين أن المكالمات التليفونية مثيرة للقلق إلى حدٍّ بعيد.
يبدأ ارتباط ألكس بالتليفون بقوة منذ أول ظهور لها. يطلب دان من ألكس في أول لقاء
يجمعهما
تفسير «ارتباطها» بحفلة الكتاب التي يحضرانها؛ في صباح السبت التالي يتقابل دان وألكس
مرة أخرى،
وتذكر أنها اتصلت بالمؤلف الذي تمثله. وتَذكُر لدان، بعد ذلك في تلك الليلة، أنها اتصلت
لتلغي
موعدها الأصلي، وهو تعليق ربما يكون ماكرًا ببراعة. وهكذا يبدأ هذا الارتباط بين ألكس
والتليفون
بشكل يخلو تمامًا من الضرر، ويتحول تدريجيًّا إلى نذير شؤم. يتصل دان، بعد أن عاد إلى
بيته صباح
الأحد بعد الليلة التي قضاها مع ألكس، بوالدي زوجته من مطبخه، وفجأة يرنُّ التليفون مرة
أخرى،
ويتوقع دان بوضوح أن تكون بيث. تتباطأ الكاميرا، متوقفة على صور دان وكلبه وابنته، أمام
التليفون، معبرة للمشاهد عما ستكون عليه أولى المكالمات الكثيرة غير المرغوبة من ألكس.
١٨ مستجيبًا بدون وعي، يحصل دان على أول جرعة من غضب ألكس، تقول معلقةً: «استيقظْتُ، ولم
أجدْكَ. أكره ذلك.» يتهمُها دان بعد الاستسلام، إلا أنه يهدئها حين يوافق على أن يقضيا
اليوم
معًا في المنتزه. إلا أن موافقة دان على هذا الطلب خطأ من أخطائه الكثيرة؛ لأن الموافقة
ربما
تقدم لألكس إحساسًا متضخمًا بقدرة مكالماتها التليفونية على التأثير. إلا أن مكالماتها،
كما
يتبين بعد قليل، تفقد القدرة على التأثير بسرعة.
١٩
من هذه النقطة، يدل التليفون على الإرادة الصرامة التي تتمتع بها ألكس ويعتبر كناية
عن
إصرارها. يعبِّر دان بجلاء، بعد عطلة نهاية الأسبوع التي قضياها معًا، عن نيته انتزاع
نفسه من
قصتهما الغرامية والعودة إلى حياته العائلية، إلا أن ألكس تكرر محاولات الاتصال أكثر.
يتم تصوير
الانتهاك الذي تحدثه اقتحامات ألكس بالتليفون بحساسية شديدة في المشاهد التي تصور الأُلفَة
بين
أفراد الأسرة، أو في أوقات الاسترخاء، كما يحدث في مكالمة تزعج دان وهو في السرير مع
زوجته. تلف
الكاميرا حول السرير، من بيث النائمة إلى دان النائم، إلى الساعة التي تشير إلى الثانية
وثلاث
عشرة دقيقة، إلى التليفون الأسود الذي يرن فجأة. يردُّ دان على التليفون ويبدأ على الفور
إخفاء
هوية ألكس بكلام مُبهَم عن العمل، وتظهر ألكس في المشهد على تليفون أبيض تتجول في شقتها
في جلابية
بيضاء، تلح على أن يلتقيا. يتم تصوير ألكس من وراء أعمدة تبدو أنها تغلف ألكس وتحاصرها،
وهي
استراتيجية ميلودرامية تعبِّر عن إحساسها بالوقوع في الشِّبَاك (بشكل لافت، هذه آخر مكالمة
تليفونية من ألكس يرد عليها دان بالفعل). مرة أخرى، تتصل ألكس أثناء حفل عشاء تقيمه أسرة
جاليجر
وترد بيث على التليفون الذي تغلقه ألكس على الفور. مرة أخرى، يقابل عقم اللون الأبيض
في شقتها
مشهد العشاء العائلي في شقة أسرة جاليجر، والأصدقاء القدامى يضحكون ويمزحون ويتبادلون
الأنخاب
معًا.
يصور المكان الذي يحتله التليفون في الحياة الخاصة لكل من دان وألكس التقابل بينهما
بجلاء،
يعيش في أسرة تُجري الكثير من الاتصالات التليفونية وتستقبل الكثير منها، ويفترض أن ألكس
تجري
الكثير من المكالمات لكنها لا تستقبل إلا القليل منها. يعتبر التليفون، أيضًا، بالنسبة
لألكس
آخر وسيلة اتصال يائسة بعلاقة تفلت من قبضتها؛ بالنسبة لدان، يؤدي افتراض ألكس لحدوث
ألفة عن
طريق التليفون إلى إثارة القلق بداية وينتهي إلى الإزعاج الصريح. ويُستبعَد مكانيًّا
الوضع
المتباين للتليفون في السجل العاطفي لكل منهما في الساعات التي تلي محاولة الانتحار التي
قامت
بها ألكس، حين يمكث دان ليلة أخرى ويتصل بهدوء بزوجته من تليفون ألكس. يكشف المشهد خيبة
أمل ألكس الظاهرية الزائفة، ويبدأ، والكاميرا تزحف إلى أسفل خلف نافذة يتساقط عليها المطر،
كاشفة عن
تليفون أبيض على طاولة بجوار سرير؛ حيث تتظاهر ألكس بالنوم. بينما الجانب الذي تحتله
من الشقة
عقيم، ومرتَّب ومضاء بلون أزرق خافت، يقف دان عبر الغرفة في ركن دافئ، ويتصل بزوجته من
تليفون
آخر. مثل بيت أسرته، تتناثر في هذه المساحة الأوراق والكتب والصور والمصابيح، وتضاء بضوء
برتقالي رقيق، وتضم كلب دان، الذي ينام مستريحًا على الأرضية بجواره. ثم تعود الكاميرا
إلى
ألكس، يائسة في هدوء في سرير بلا لون، كما لو كانت الكاميرا تؤكد على التناقض التام بين
المكانين. مسترخية وحدها في غرفة تخلو من أشياء أليفة، تسمع دان وهو يقول لبيث إنه يحبها،
ودان
يقف في مكان يبدو أنه يذكِّره ببيته أكثر مما يذكره ببيت ألكس. ودان، رغم ذلك، متاح لألكس
جسديًّا لا عاطفيًّا، وهي حقيقة تتجلى واضحةً بإبعادها وحيدة في سرير، وتليفونها الذي
لا يرن
يجلس محكومًا عليه بالصمت.
يندمج العذاب المتضمن في المشهد السابق بإدراك ألكس بأن دان يريد أن يتواصل مع زوجته
وليس
معها. وبشكل مماثل يضاف إلى هذه الإهانة حقيقة أن التليفون يبقى، بمجرد أن يغادر دان
شقة ألكس،
وسيلتها الوحيدة للاتصال به. وتدل مكالمتها المهووسة على رفض جريء لتصريحه بأنه يتعذر
الوصول
إليه، وإمكانية الوصول؛ هي بدقة: أن الوضع العائلي لدان يلفظ ألكس. (كما يقول دان: «أحبك.
وإذا
لم أكن مع واحدة أخرى، فربما كنتُ معك. لكنني.») تتصاعد علاقتهما إلى معركة بشأن الدرجة
التي
يجب أن يكون دان متاحًا بها لألكس، ومن الواضح أنها تشعر بأنها تستحق أكثر مما يسلم به.
يرد
قرار دان بتغيير رقم تليفون بيته بعد مكالمات ألكس التي لا تتوقف، يرد في صمت ويرفض بدقة
هذه
الرغبة، ويثير استجابة غاضبة منها. بعد هذا الرفض يظهر الفيلم ألكس، في البيت وحدها،
تجلس على
سريرها في قميص أسود وبنطلون أبيض، وحولها كراتين من آيس كريم هاجن داز، وأوريو ودوريتو،
٢٠ مناشدة الموظف بأن يعطيها الرقم الجديد؛ لتستعيد ارتباطها. تصرخ ألكس في الموظف بأن
ذلك ضروري، ويشبِّه المشهد انهماك ألكس في الطعام بقدرتها الفائقة على التهام حياة دان،
مستخدمًا هذه الصورة لانتقاد شهواتها التي لا تستطيع كبح جماحها. إلا أن التكنولوجيا
تثبت
بصلابة أنها لن تستجيب لرغبة ألكس في الارتباط، وبالتالي توضح أن ألكس ليس لديها إلا
آليات أخرى
قليلة يمكن أن تستعيد بها مكانها في حياة دان. تذعن علاقتها بالتكنولوجيا في أعقاب هذا
الرفض
للتأكيد العام الذي يطلقه ج. ب. تيلوت
٢١ بأن «التليفون يمثل حواجز الرغبة … مشيرًا إلى عجز الإنسان عن إشباع الرغبة والتغلب
على القيود بطرق عادية» (١٩٨٩م: ٥٠). وكما تكتشف ألكس، يأتي الاتصال بالتليفون لكي لا
تَلقى هذه
الأفعال إلا الصدَّ، ويؤكد المسافة بينها وبين الأسرة على الطرف الآخر من الخط.
من منظور ألكس، يمكن للمرء أن يرى أن محاولات الاتصال التي تقوم بها تؤكد حقيقة أن
العلاقة الغرامية سارت طبقًا للمنطق الذي يفرضه برنامج دان. حين كانت زوجته بعيدة
أثبتت وسائل الإقناع
بالتليفون فعالياتها؛ وحين تعود بيث لم يعد للاتصال التليفوني نفوذ. تعتبر ألكس أيضًا،
وقد
انتابتها الدهشة مما تدرك أنه صدٌّ مفاجئ، المكالمة التليفونية مهمة عليها القيام بها.
التقاط
التليفون، كما يذكرنا أفيتل رونل،
٢٢ يضع المستقبِل في وضع «المستفيد» من المكالمة «ينهض ليلبي طلبها، ليسدد دَيْنًا …
إنها مسألة مسئولية. مَن يرد على مكالمات التليفون، نداء الواجب، وحسابات الضريبة التي
يبدو أن
الواجب يفرضها» (١٩٨٩م: ٢). وبشكل لافت، تطرح ألكس مسائل المسئولية المشتركة بين الأشخاص
بمصطلحات مماثلة بدقة، وهي تشعر بوضوح أن على دان أن يرد على مكالماتها، وأن لديها ما
يبرر أن
تطلب منه ذلك. إنها، كما تقول، ستكون أم طفلِه، وتستحق بعض الاحترام. حين يصف دان هذه
التصرفات
بالمؤسفة والمثيرة للشفقة، تبدو ساخطة وتسأل: «حسنًا، ماذا يُفترَض أن أفعل؟ لن ترد على
مكالماتي. غيَّرْتَ رقمك، لن يتم تجاهلي يا دان!» هنا، تقيم ألكس توازيًا منطقيًّا بين
عملية
الرد على التليفون وعملية تسديد ديونه، مبرهنة على أنها محقة في هذا الرد.
ولا يمتد إحساس دان بالزمن والجهد الذي يدين به لألكس، مع ذلك، إلى أبعد من عطلة
نهاية
الأسبوع التي قضياها معًا، وهكذا يرى أنه فعل كل ما هو «صحيح». يبقى معها الليلة التي
تلي
محاولة الانتحار التي قامت بها، وحين تذهب إلى مكتبه فيما بعد في ذلك الأسبوع، يراها
ويتمنى لها
أن تكون بخير. بعد أيام يرد على مكالمتها مرة أخرى في المكتب، ومن الواضح أنها كانت تتصل
طوال
اليوم. إلا أنه، فيما بعد، يخبر مساعدته بأن تتجاهلها بعد ذلك. ربما يكون من الإسهاب
أن نقول إن
الفيلم يغفر لألكس محاولاتها اليائسة في الاتصال، بدل أن ينتزع دان التعاطف؛ لأن سلوك
ألكس يصبح
غير منطقي. ماذا تريد، يسأل (ونسأل)، منه أكثر؟ ماذا عليه أن يفعل؟ ألكس، بمنطق الفيلم،
هي التي
تفشل في الالتزام بالعقد الضمني لعلاقة لليلة واحدة؛ لأنها تطلب استمرار العلاقة، وتستخدم
التليفون لتؤكد استمرارها. وتندس ألكس في حياة دان، للتعويض عن تبرُّئِه من العلاقة،
بطرق تزداد
فظاعة وإلحاحًا، من قبيل التظاهر بأنها تنوي شراء شقة العائلة في منهاتن
٢٣ وفي العملية تضمن لنفسها الحصول على رقم الأسرة الذي لم يعُد مسجلًا في الدليل.
٢٤
إن إصرار ألكس على العثور مرة أخرى على مدخل إلى دان عن طريق التليفون يستخدم أكثر
الإمكانيات الاتصالية وضوحًا للتليفون؛ أي قدرته على تسهيل الاتصال الفوري الذي لا يُرَدَّ.
تكرر ألكس هذه الملاحظة بتذكير دان صراحة بأن التليفون يمكن أن ينهي حياة المرء على الفور.
في
لحظة غضب تقول ألكس لدان: «سأخبر زوجتك»، وحين يهددها بالقتل إذا فعلت ذلك، تصرخ: «لا
يستغرق
الأمر إلا مكالمة تليفون!» ويصبح التليفون في هذه الحالة المعادل التكنولوجي لإفشاء سر؛
حيث لا
يستغرق الأمر إلا مكالمة تليفونية من ألكس لتفضح دان، وبالتالي تُعرِّض حياته العائلية
برمتها
للانهيار. تبدأ ألكس في المكالمة وهي تظهر في إطار يميل بزاوية منخفضة يعبر عن حالة الهلع
التي
تنتابها، لكنها تتوقف بمجرد أن ترفع بيث السماعة، وتلقي ألكس بالتليفون عبر الغرفة. إلا
أن
إكمال هذه المكالمة يجرد ألكس من المزية التي تتمتع بها في لعبة القط والفأر التي تلعبها
مع
دان؛ لأنها تعتمد على أن فزع دان من الفضيحة يجعله يبدو طوع أمرها. (يعترف دان قرب نهاية
الفيلم، حين يكلم ألكس، بالتليفون، بأن الأمر انتهى؛ لأن بيث عرفت كل شيء.)
هكذا يبدو التليفون اللوحة المجازية المعمارية للفيلم، يحرك الأرض باستمرار تحت قدمَي
دان.
بينما تكون بعض المكالمات مجرد هزات، إلا أن مكالمات أخرى تهدد بالانفجار وإنهاء وجوده
العائلي
تمامًا. يعزز الخوفُ المزعج من أن يطمس التليفون عزلة أسرته المحفوفة بالمخاطر بالفعل،
على سبيل
المثال، ردَّ فعل دان لرنين التليفون أثناء عملية الانتقال إلى منزلهم الجديد في الريف.
يوافق
على نقل العائلة إلى مكان جديد ليهرب جزئيًّا من ألكس والمدينة، ومن الواضح أن دان يفقد
رباطة
جأشه، حين تخترق أصوات المكالمة فجأة هدوء ما بعد الظهيرة؛ للتأكيد على تحول انتباهه
فجأة،
تقترب الكاميرا ببطء من التليفون، الموضوع على السلم خلف أعمدة سوداء، وهي حركة تضع قلق
دان،
وعجزه المفاجئ عن التركيز على أي شيء آخر، في الصورة. يُسقِط دان الطاولة التي يساعد
في نقلها
فجأة وبطريقة تفتقر إلى الذوق، ويجري إلى التليفون، ويرفع السماعة وقلبه في حلقه. يبتسم.
«مارثا، مارثا، إنها مارثا»، يكررها ثلاث مرات، يخبر كل من في المنزل بشكل هزلي. مارثا،
شكرًا
للرب.
يؤسس التفاعل بين الوعد بالقرب والإنكار المتزامن له الصورة التي يقدم بها التليفون
في
«الجاذبية المميتة»، مع أن الفيلم يفهم هذه الموتيفة بشكل مختلف بالنسبة لشخصيتَي دان
وألكس.
بالنسبة لدان كل رنة من رنات التليفون تهدد بالفضيحة، بينما الجهاز يحبط ألكس، مشيرًا
(وبشكل
متكرر) إلى أن الاتصال لن يكتمل في النهاية. وهكذا يردد وجود التليفون في الفيلم ببراعة
صدى
تيماته الرئيسية، أي التفاعل بين التكتم والفضيحة، والتدمير الهائل للحقيقة، وأخطار الانتهاك
في
الاتصال غير المرغوب فيه وغير المناسب. تغلف هذه التيمات، بشكل غير متطابق، حكاية الزنا
أيضًا.
الزنا بطرق ما قريب جدًّا من المخطئين، وكما يؤكد توني تنر:
٢٥ «يتضمن الزنا مزيجًا أساسيًّا من التدنيس والتلوث» (١٩٧٩م: ١٢). يعبر التليفون
حرفيًّا عن هذه الاستعارة؛ لأنه يسمح بهذه المداخل، ويسمح بتقاطع الحدود والتخوم، بمزج
الأجساد
والمساحات. تستخدم ألكس التليفون لتدخل هذه المساحات، لتوضح الاقتحام الذي تسبب فيه زنا
دان،
وبشكل جوهري لتحاول تبادل الأدوار بينها وبين بيث وتسهِّله.
٢٦
وفي الوقت ذاته يربكُ زنا دان فضاءه الأسري، بمعنى أنه يؤدي إلى إبعاده عن أسرته.
بعد أن
يكشف دان عن علاقته الغرامية، تطلب بيث من دان مغادرة البيت. يعبر التليفون مرة أخرى
عن الحالة
الغريبة التي تنتج عن الزنا؛ حيث لم يعد دان يستطيع التواصل بشخصه مع ابنته وعليه أن
يقنع
بمكالمة تليفونية قصيرة في الليل. يتأقلم دان، كأب صار وحيدًا فجأة، على وضع إقصاء مماثل
لوضع
ألكس؛ حيث يصبح مضطرًّا إلى الاتصال تليفونيًّا بأسرته من فضاء عام، وتعبِّر غرفته المثيرة
للشفقة في فندق عن وحدته وغربته. تبقى قدرة الزنا على إزاحة الأشخاص من أماكنهم «الصحيحة»
هنا
مع العنصر المثير للشفقة بقوة، في الانفصال الجسدي المؤثر بين أب وابنته.
إلا أن الوعد بتعافي الأسرة يأتي أيضًا بشكل مكثَّف في مكالمة تليفونية. تصحح المكالمة
التليفونية قبل الأخيرة في الفيلم أخطاء الاقتحام غير المرغوب، حين تضع ألكس نقطة النهاية
للتبادل الذي تسعى إليه ألكس بشدة. تقول لألكس: «إذا اقتربْتِ من أسرتي مرة أخرى فسوف
أقتلك»،
ومن اللافت أنها المرة الوحيدة التي نرى فيها ألكس تتلقى مكالمة تليفونية، وبرغم أن دان
يقدم
المكالمة، فإنها تعبر عن كسر في محدودية علاقة دان وألكس، وهو ما يقترحه دان حين يقول
لألكس إن
العلاقة «انتهت»؛ لأن بيث تعرف كل شيء الآن. ومن ثَم يغرس الدخول الرمزي لبيث في سلسلة
التليفون
في الذهن تدخلها في حكاية الزنا، وهو تدخل يبرهن على أنها مؤثرة طالما أنها نفَّذت تهديدها
بقتل ألكس.
الاقتحامات والأرانب المغلية
وحيث إن العلاقة بين دان وألكس تتم في المطاعم العامة والمصاعد والردهات وفي أندية
الرقص،
بالإضافة إلى شقة ألكس، يبقى بيت دان محتفظًا بنقائه، بعيدًا عن اليأس والتخبط والمواجهات
الجنسية الحيوانية التي تميز علاقته. لا يأتي متعمِّدًا بألكس إلى بيته؛ لأنها بوضوح
لا تنتمي
إليه أو إلى فضاء مكتبه، وهما أكثر مكانين تحاول أن تتسلل إليهما بعد ما حدث في عطلة
نهاية
الأسبوع التي قضياها معًا. وهكذا يحدد الفيلم هوية ألكس باعتبارها شخصية دنيئة تكرر الدخول
إلى
فضاء لا تكون مرغوبة فيه، ويتعود المشاهدون على النظر إلى منظرها بصدمة وريبة. ويصنف
هذا القسم
الاقتحامات العديدة وانتهاكات الحدود التي قامت بها ألكس، مفسِّرًا كيف تحث هذه الأمور
مجتمعة
المشاهدين على النظر إلى حركة ألكس باعتبارها مرَضية.
تكتب ماري دوجلاس،
٢٧ المتخصصة في الأنثروبولوجيا، عن مدى قذارة «الموضوع غير المناسب» أو ما نراه غير
ملائم في سياق محدد، وهو مفهوم يرتبط بهذا القسم؛ لأن ألكس تحتل هذا الوضع بدقة، إنها
الخليلة
لا الزوجة، وظهورها، بعد العلاقة الغرامية، في فضاء ينبغي للزوجة وحدها أن تشغله يبدو
اعتداءً.
يردد، أيضًا، هذا المفهوم للقذارة باعتبارها مجرد «موضوع غير مناسب» صدى تأكيد ألكس رفضها
أن
تُعتبَر غير ضرورية. كما تقول: «لن أسمح لك بأن تعاملني مثل بغيٍّ يمكن أن تضاجعها مرتين
وتلقي
بها في الزبالة» بينما تأتي لغة ألكس حادة إلا أنها تشير إلى حقيقة فعلية؛ حيث إن الزبالة
تُعرَّف بأنها ما أردناه ذات مرة واستخدمناه ثم قرَّرْنا أن نقذف به خارج بيوتنا. تتحول
ألكس،
مثل الزبالة، من المرغوبة إلى الدنيئة — تتسلل ألكس؛ لأنها تعرف أنها الآن لا تعتبر دخيلة
فقط بل
تعتبر منفرة أيضًا، وهو وصف ترفضه بحماس.
يرتبط طَلَبُ ألكس بأن لا تُعامَل مثل الزبالة بطلبها المتكرر بأن يُرحَّب بها في
الفضاء
الذي تريد الذهاب إليه (لا ما تُدعَى إليه) وينسجم إصرارها بكل دقة على هذا النوع من
الحركة مع
أكثر اللحظات مجازية في الفيلم؛ لأن كلًّا منهما يدل بطريقته على دخولها بنجاح إلى الفضاء
الذي
تريد الدخول إليه. وتكمن الخاصية النحس التي تتصف بها ألكس في قدرتها على الظهور بشكل
غير
متوقع، وعلى أن تجعل وجودها معلومًا حين لا تُرَى. وتحدث لحظة نموذجية للظهور على غير
توقع، على
سبيل المثال، من خلال منظور لقطة ترحيب بزيارة مفاجئة قامت بها ألكس إلى مكتب دان للمحاماة؛
لا
يستطيع المشاهد إلا أن يشارك دان صدمته ودهشته لرؤيتها تجلس في مكتبه في معطف أسود تمامًا.
ولعدم وجود إيماءات بصرية أو صوتية تشير إلى وجود ألكس قبل التسليم برؤيتها، يكون المشاهدون،
مثل دان، غير مدركين لوصولها وغير مستعدين للتعامل معه.
تقوم الكاميرا بحيلة مماثلة حين يدخل دان شقته ويجد ألكس في وضع مشترية متوقعة لشقة
العائلة
في منهاتن. وكما في مشهد المكتب، يضع الفيلم المشاهد بشكل مُتعمَّد مع منظور دان، نبدأ
تتبُّع دان
وهو يعبر تقاطع خطير مكدَّس؛ حيث تصدمه تقريبا سيارة. وبعد ذلك يواجه المشاهدون ألكس
في اللحظة
نفسها التي يواجهها فيها دان؛ حيث يسمع صوتًا أليفًا ويدخل غرفة المعيشة مذعورًا ليجد
عشيقته
المنبوذة تتناول الشاي بودٍّ مع زوجته الغافلة. وتبرز هذه اللقطات كلًّا من ألكس وزوجته
تتطلعان
إليه مباشرة (الشخصيات عادة أمام الكاميرا بزاوية ضئيلة)؛ وهكذا تنقل التقنية إحساسًا
غريبًا
باعتداء بصري. تحدِّق المرأتان كلتاهما فيه بالطريقة ذاتها، وقد أزالتا الفروق بشكل ما
بين
هويتَيهما المنفصلتَين. ويعبر ختام المشهد عن قابلية المرأتين للتحوُّل وهما تجلسان متجاورتَين
على
الكنبة، ويتجلى تثليث العلاقة بين دان وألكس وبيث في نهاية تتابع اللقطات ودان يقف أولًا
بين
المرأتين، ثم يقف مع ألكس، وتفصل بيث بينهما. وبمراوغة تستخدم ألكس هذه الفرصة أيضًا
لتخدع بيث
وتجعلها تكتب لها رقم التليفون غير المدوَّن في الدليل، وهي حيلة تدفع دان إلى الانتقام
بالظهور
في شقتها. إلا أن زيارة دان، على عكس اقتحام ألكس غير المرغوب، تمثل تقريبًا استسلامًا
سيئًا
لرغبة ألكس في لفت الانتباه، تتعامل ألكس مع هذه الزيارة باعتبارها دعوة اجتماعية وتعرض
على دان
المشروب الذي يفضله.
٢٨
ومن المؤكد أن أبرز الاقتحامات في الفيلم هو الاقتحام الذي لم نر أبدًا كيف حدث،
مع أن
نتيجته الدموية تشكل أبرز لحظات الفيلم. أدى تصوير «الجاذبية المميتة» المروِّع، بشكل
متعمَّد،
لجسد «الأبيض» الملوث بالدماء، الذي يظهر في قبره المائي إلى ما يُعرَف الآن بمصطلح «غلاية
الأرنب»، وقد أتى العمل القاتل الذي اقترفته ألكس ليرتبط بالفيلم عمومًا.
٢٩ وحقيقة أن ألكس تختار أن تغلي الأرنب تعبِّر بحدة عن رفضها أن تسلم لأسرة جاليجر
بالعزلة الرعوية التي يُفترَض أن يقدمها لهم بيتهم الريفي. لم يشترِ دان الأرنب وينقلْه
إلى
ابنته إلا بعد انتقالهم، والمشهد الذي يتصل فيه ببيث ليخبرها بأنه سيأتي بالأرنب إلى
البيت
يُظهِرها تدهن مدخل بيت العائلة. وهكذا فإن قتل ألكس للأرنب يعتدي بشكل درامي على الإحساس
بالأمان الذي يُفترَض أن يقدمه هذا المكان الريفي، وبهذا العمل تحول حلم أسرة جاليجر
بأن يكونوا
أكثر قدرة على التحكم في الاقتحام وهم في الريف إلى مجرد نكتة ساخرة. للعلم: أسرة جاليجر
مُعرَّضة
للاقتحام في الريف كما كانت مُعرَّضة له في المدينة، وربما بصورة أكبر نتيجة عدم وجود
مراقبة من
الجيران.
يُلقِي المشهد الذي يكتشف فيه الاقتحام القاتل الذي تنفذه ألكس الضوءَ على هذا الإحساس
بالعزلة الغريبة، وتوتر هذا السيناريو يتفاقم خاصة بتصوير تتابع اللقطات التي تقدمه.
تعود أسرة
جاليجر إلى البيت بعد قضاءِ بعدِ الظهيرة مع والدي بيث، ويبدأ المشهد بلقطة لسيارتهم
تندفع في
المدخل، والأسرة تخرج من السيارة، والكلب ينبح، والطيور تغرِّد في هواء الخريف وقت الأصيل.
إلا
أن النبرة تصبح تشاؤميةً والكاميرا تلفُّ داخل بيت جاليجر الخالي، وتبقى ثابتة وبيث تدخل
وتبدأ
إضاءة الأنوار. للعمق الأوَّلِي للمنزل تأثير متعمد يوحي بوجود شخص آخر في البيت غير
بيث، وكما
ناقشنا، يكرر الفيلم إعلان الطرق التي لا تُعَد التي يتم بها تدنيس طهارة بيت جاليجر.
ويردد مشهد
الأرنب بإيجاز أصداء هذه المشاهد الأخرى للاقتحام المنزلي، مع أن التدنيس هنا ربما يكون
شخصيًّا
بصورة أكبر: ليس فقط أن ألكس طافت خلال ساحة بيت جاليجر لتأخذ «الأبيض»، بل دخلت وطبخت
في مطبخ
أسرة جاليجر، المكان الأساسي لنشاط الأنثى في المنزل. إلا أن المشهد لا يركِّز كثيرًا
على عملية
الاقتحام كما يركز على نتيجتها المروِّعة؛ حيث يتحول انتباه بيث إلى المطبخ؛ حيث يوضع
إناء يغلي
على موقد غاز، ويتدفق الماء المغلي من تحت الغطاء. الماء المغلي أيضًا موتيفة بنيوية
في الفيلم،
واستخدامه هنا يردد صدى المشاهد الأخرى التي تصور برادات الشاي والقهوة التي تغلي. تبدأ
رؤية
بيث للإناء، مع خط الرؤية الذي يظهر القدر، ببعض الفضول، لكن الخطوة المحذوفة تزيد التوتر
والتشويق؛ لأنه في اللحظة التي تلاحظ فيها بيث الإناء وتبدأ السير باتجاهه يحدث قطع في
الفيلم
لتتبع لقطة تُظهِر إلين تجري في الفناء، في طريقها لرؤية «الأبيض». ويتردد صدى خطوات
إلين، وهي
تدوس على العشب، خلال المشهد، الذي يتم قطعه لتصوير الإناء الذي يغلي عن قرب ثم تصوير
قفص
الأرنب عن قرب، وهي تنقلات تربط بصريًّا انتباه أُنثَيَي أسرة جاليجر؛ حيث تركز كل منهما
على
الموضوع الذي يوجد أمامها. وبيث تقترب أكثر من الموقد تنتقل اللقطات بين صورها وصور ما
تراه،
ويزداد إدراكها بثبات بوجود خطأ. تحدث ذروة هذا التتابع للقطات حين تبدأ بيث رفع غطاء
الإناء،
ويتم قطع اللقطة لتتحول إلى صياح إلين قائلة: «دادي!» يظهر دان على الشاشة في لقطة رد
فعل وهو
يقول: «ماذا؟» وبيث تفتح الإناء وتصرخ. تقترب الكاميرا، ساخرة من هلع هذين الاكتشافَين
والإشارة
التالية لدان كمتفرج عليهما، من جسد الأرنب الذي تغطيه الدماء، ثم تقترب من دان، الذي
يسمع
الصراخ، وتعود إلى لقطة بيث وهي تصرخ، ثم إلى لقطة إلين وهي تصيح: «ضاع الأبيض!»، ثم
تعود إلى
صياح بيث: «دان!»، ثم أخيرًا إلى صياح إلين: «الأرنب ضاع!» تتبنى تقنية القطع وجهة نظر
ثنائية
طالما تعكس الحالة الذهنية لكل من بيث وإلين، وتؤكد أن الاكتشافَين حدثا في اللحظة ذاتها
ويؤديان
إلى ردود أفعال مفزعة بالقدر نفسه. واللقطة التالية لإلين في سريرها، كما لو كانت تؤكد
على
الصدمة، فاقدة الوعي فعليًّا نتيجة الأسى.
يستخدم المشهد تقنية القطع بدهاء ليخلق تأثيرًا فوريًّا وملحًّا؛ ينبثق، أيضًا، العنصر
المثير للشفقة في المشهد من تذكيره بأن عملية غدر واحدة تقوم بها ألكس تخلق عدة ضحايا
في وقت
واحد. وكما تذكرنا ماري آن دوين بالاقتباس والترجمة عن جاك جومار:
٣٠ «تستثار الشفقة بسهولة أكبر حين يتعلق سوء الحظ بالنساء أو الأطفال أو الحيوانات أو
الحمقى» (١٩٩١م: ٢٨٦). يتضمن مشهد الأرنب في «الجاذبية المميتة» بشكل لافت كل هذه الفئات،
متابعًا، وهو يحدث، معاناة بيث (المرأة)، وإلين (الطفلة)، و«الأبيض» (الحيوان)، ودان
(أحمق،
بشكل يقبل المناقشة). إلا أن الرجل، بشكل معبر، لا يتعرض للهلع الفوري؛ ومع تورط دان
في
السيناريوهين، إلا أنه يبقى عاجزًا في كل منهما. تصيح بيث على دان، وتصرخ إلين: «دادي!»،
وهما
دعوتان صريحتان توضحان بجلاء المسئولية التي يحملها؛ لأنه تسبب في هذا الكابوس العائلي.
إلا أن
دان يبقى في الوقت ذاته عاجزًا عن إيقاف التعدي، أو البشاعة الناتجة عنه، أو الاكتشافين
الرهيبين اللذين تتعرض لهما الأنثيان في وقت واحد. ويتناول الفصل الرابع المشهد التفاعلي
في
الفيلم مع الزنا باعتباره سوطًا يهدد أمنَ أسرةٍ من الطبقة المتوسطة، لكن من المفيد هنا
أن نتأمل
كيف أن المنطق المكاني لاكتشاف الأرنب يلقي الضوء على أهمية دان في وجه المعاناة الواضحة
لأسرته. يؤكد ختام مشهد الأرنب شلل دان وهو يقف بلا حراك في وسط فناء بيته. لا يقف دان
بجوار
زوجته أو ابنته، ولا يستطيع أن يحمي أية واحدة منهما من الصدمتين المتماثلتين تمامًا.
وبهذه
الطريقة، يقدم الفيلم دليلًا واضحًا على السلبية التي يُبتلَى بها دان أثناء الفيلم.
بالطريقة نفسها تقريبًا، تتحمل بيث وإلين (وليس دان نفسه) عبء الاقتحامات غير المرغوبة
في
المشهد الذي تأخذ فيه ألكس إلين إلى مدينة الملاهي المهجورة، ومرة أخرى تعاني الأنثيان
في عائلة
جاليجر أكثر بكثير مما يعاني دان. تذهب بيث، وليس دان، لأخذ إلين من المدرسة، لتجد أنها
غير
موجودة، وتتحمل إلين بعد ظهيرة ذلك اليوم كاملة وهي تركب في حالة هلع قاطرة سريعة تبدو
غير
مناسبة لعمرها. وبشكل معبر، يقارن الفيلم بين بيث وألكس، الأم الحقيقية مقابل الأم الزائفة،
ويعتبر ألكس متطفلة تمثل خطورة على الطفلة بدل أن تمثل حمايةً لها. يقدم المشهد بيث وإلين،
وقد
شُيِّد بهذه الطريقة لإثارة للتعاطف معهما، فإنه يقدمهما ضحيتين بريئتين عليهما أن تعيشا
كابوسًا نيابة عن دان. وفي لقطة من وجهة نظر بيث، تدخل بيث المدرسة حيث يتم الترحيب بها
بنظرات
غريبة من مدرِّسات إلين، ويخبرنها بأن إلين قد أُخِذت بالفعل. تبدأ بيث، وقد سمعت هذا
الكلام،
تجري بسرعة في المدخل. مصابة بهلع شديد في الحال، وتتزايد سرعتها مع تزايد توترها والكاميرا
تسرع خلفها، في طريقها إلى الفصل (حيث تقول زميلة إلين ببساطة: «ذهبت») ومرة أخرى وهي
تغادر.
يستمر المشهد من منظورها داخل سيارة بيث، وتنتقل اللقطات بين وجه بيث الذي يبدو عليه
القلق
ولقطات الهلع التي تسجل ما تراه وهي تتلفت من اليسار إلى اليمين، محدقة في الشوارع بحثًا
عن
دليل على وجود ابنتها الضائعة.
كما لو كان ردًّا على يأس بيث، يتم قطع التتابع إلى لقطة طويلة من الملاهي، وتبدو
ألكس في
صورة جانبية، تسير يدًا في يد مع إلين، وموسيقى كرنفالية تعزف في الخلفية. في قطع سريع،
تندفع
بيث عبر الباب الرئيسي لبيت جاليجر، وهي تصرخ: «إلين!» والكاميرا تتحرَّك داخل محل آيس
كريم حيث
تشتري ألكس آيس كريم لإلين. يتم قطع اللقطة مرة أخرى وتعود الكاميرا إلى بيث، التي تصعد
السلالم
في بيتها، وتظهر في إطار مائل، يشير بوضوح إلى إحساسها بالهلع. يقلِّد القطع شدة الفزع
في مشهد
الأرنب، ويستمر وبيث تنزل السلالم جريًا، وهو ما تسجله الكاميرا بلقطة من زاوية مرتفعة
تؤكد عجز
بيث وتظهر بيتها وقد صار مخيفًا فجأة. يصبح البيت، بدون إلين، موضع الكابوس العائلي،
كما يحدث
في ذروة الفيلم. ويربط الفيلم بالقطع للقطة راسخة، لقطة القاطرة السريعة، ثم لقطة لألكس
وإلين
وهما يركبانها، يربط بين بحث بيث في هلع والتوقع المرعب لاهتزازات القاطرة السريعة. إلا
أن ألكس
وإلين، على النقيض من بيث، تبقيان غير مباليتين؛ تتطلع ألكس، والرياح تعصف بشعرها، إلى
إلين
التي تجلس بلا مبالاة في العربة. ويتضمن التتابع لقطات رأي تعكس رأي ألكس وإلين في عربة
القاطرة
السريعة التي تندفع إلى الهضبة، ولقطات لبيث وهي تقود سيارتها في حالة فزع. من ثَم يربط
تتابع
اللقطات بوضوح بين انطلاق القاطرة السريعة بشكل مرعب وازدياد يأس بيث، وهي تقود السيارة
بتهور
متزايد.
يُؤخَذ المشاهدون، بشكل متعمد، لكل من «جولات» السيارة والقاطرة السريعة، ولأن حركة
السيارة
التي لا يمكن إيقافها تشبه حركة القاطرة السريعة، لا تكون السرعة والطاقة مثيرتين بقدر
ما
تكونان مفزعتين. تبدأ ألكس وإلين الصراخ في النهاية، ويبدو خوفهما الممتع سخرية سطحية
من اليأس
الرهيب الذي تشعر به بيث وهي تتساءل أكثر وأكثر: «أين أنت يا إلين؟» قرب نهاية تتابع
اللقطات،
يحدث تلاقي الصور بوضوح أيضًا: تفرمل ألكس القاطرة السريعة لنزول مفزع، وعضلات عنقها
مشدودة،
وبعد لحظة، تفرمل بيث لتصطدم السيارة؛ لأنها لا تتمكن من إيقافها في الوقت المناسب لتتجنب
مؤخرة
شاحنة في إشارة مرور. وفي المرة التالية نرى بيث، وفيها جروح وكدمات، ترقد في سرير في
مستشفًى،
بشكل يشبه إلى حدٍّ بعيد اضطجاع إلين في السرير بعد اختفاء «الأبيض» بشكل غير مبرر.
وإجمالًا، تستخدم هذه المشاهد التي تصور الاقتحام غير المرغوب الحذف لتزيد من التوتر
والتشويق؛ وتصور ألكس، أيضًا، مصدرًا لا يمكن إيقافه للتدمير النشط. ويفحص القسم الأخير
هذا
النشاط بتقييم أهمية الماء بالنسبة للفيلم، ويركز خاصةً على كيفية تغليف الماء شهوانية
ألكس كما
يغلف خطورتها.
الحمامات والماء والجنس وفيلم «سيكو»
«الجاذبية المميتة» فيلم ينضح حرفيًّا بالسوائل — المطر والدماء ومياه الحنفية والحمض
والقيء، تظهر كلها بوضوح. وكما نناقش في الفصل التالي، يربط الفيلم أيضًا بين هذه السوائل
وألكس؛ حيث تساعد هذه السوائل على تحديد هوية ألكس كوجود بشع. إلا أن المياه أبرز هذه
السوائل
في «الجاذبية المميتة»، مادة ليست دنيئةً بقدر ما تحمل إيحاءات جنسية. يدفع هطول المطر
بغزارة
دان وألكس إلى عشاء غير متفق عليه بعد لقاء عمل، على سبيل المثال، ويصاحب الماء بشكل
بارز
المشهد الجنسي الأول في «الجاذبية المميتة». وألكس مدفوعة إلى حوض شقتها في منهاتن، تمد
يدها
خلفها لتفتح الحنفية، وبصورة متكررة ترش الماء على وجهها ووجه دان، وعلى ثديها. يستمر
الماء في
التدفق وهما يمارسان الجنس، ويتلمس الاثنان الطريق إلى غرفة النوم، وبنطلون دان ساقط
على
كاحلَيه. يلقي المشهد الضوء على وضع دان كعاشق مرتبك ويمثل أيضًا تنفيسًا شهوانيًّا،
وهو إحساس
تدل عليه حقيقة أنه يتم قطع المشهد لتنتقل الكاميرا إلى الموقد؛ حيث يطفح إناء قهوة من
طراز
قديم. ويستخدم الفيلم، وهو يربط بصورة واضحة تمامًا بين مياه الحنفية وهذه المياه التي
تغلي
والجنس، يستخدم المياه اختزالًا للرغبة.
يتضمن تسخين المياه تقليبه حتى تصبح عنيفة وثائرة، وهي ملاحظة يرسخها الفيلم بعد
ذلك بقليل
حين تقطع ألكس رسغَيها بعد أن يحاول دان تركها ليلة الأحد. حين يدرك دان ما قامت به،
تكون اللحظة
مصحوبة بصوت براد يغلي بصوت عالٍ وعنيف يؤكد على التحول السريع في المغزى العاطفي للمشهد.
يدفع
دان يد ألكس، وهو يأخذها إلى الحوض، تحت المياه فتصرخ من الألم. بينما تعبر المياه المتدفقة
قبل
ذلك عن شاهد لعلاقة جنسية غير شرعية، تتحول، مثل صلصة الاسباجتي، بسرعة إلى شؤم؛ تقوم
المياه
فجأة بمهمة إزالة الدماء، وتهدئ العاطفة والعنف اللذين فجَّرهما الجنس. وبعد ذلك، يجري
دان في
أرجاء المنزل، في إطار مائل يدل على إحساسه بالفزع والدهشة، ويلف جروح ألكس في حمامها
والماء
يتدفق والرعد يدوي خارج النافذة. وهكذا يقيم الفيلم ارتباطًا بين ألكس والمياه وتجلِّي
العاطفة؛
تمثل ألكس، كما تبرهن كرستين وسترلوند شاندز: «القوى الديونيسية أو الثونية،
٣١ وهي قوًى ترتبط بنزوات الطبيعة، والانفجارات التي لا يمكن السيطرة عليها، وترتبط
بالموت أيضًا» (١٩٩٣م: ١١٥).
يستدعي الفيلم، بالمزاوجة بين الجنس والانتحار، سلسلة التحليل النفسي في التداعيات
التي
تربط الدافع الجنسي بدافع الموت. بعد خطف ألكس لإلين، على سبيل المثال، يشق دان طريقه
إلى الشقة
ويعامل ألكس بوحشية، يتعقبها ويخنقها تقريبًا. يتحول الانغماس الهمجي في المواجهة الجنسية
السابقة، وخاصة طبيعتها غير القانونية، فجأة إلى محاولة يائسة للقتل، في السيناريوهين
تجعل ألكس
دان يفقد أعصابه، والاثنان يعرقان وينهجان. في الملاحقة المروعة في أرجاء الشقة، يحطمان
الأثاث،
ويقلبان دراجة، ويكسران الزجاج، وتحدث الذروة الأولى في المشهد حين يبدأ دان خنق ألكس،
ويداه
حول عنقها. يتركها في النهاية، ولهاث الإعياء بعد المطاردة يشبه التنفس العميق بعد ممارستهما
للحب. وبعد الملاحقة، ترش ألكس وجهها بمياه من حوضها، بالضبط كما فعلت في مشهد الجنس
قبل ذلك،
ثم تمسك بسكين من المطبخ، وتحاول أن تطعن دان. تُشبِّع المياه هذا المشهد، وفي النهاية
ينتزع
دان السكين منها ويتركها على الطاولة. وكما في المشهد الجنسي الأول لهما، لا يتم تبادل
أي كلمة
بين الاثنين. يعبر جسداهما عن العاطفة والشهوة، وبعد ذلك عن الكراهية، إلا أن ازدواج
هذه
السيناريوهات يؤكد استحالة الانفصال، وربما استحالة التمييز، بين الرغبة والتدمير. معلقة
على
اللقطة الأخيرة لمشهد الهجوم وألكس تبتسم بفتور وهي تلصق جسدها إلى حائط، تكتب إميلي
فوكس كيلز:
٣٢ «تبدو على وجه ألكس ابتسامة إشباع كأنها وصلت إلى الأورجازم» (٢٠٠٣م: ١٦٣٣). سواء
هَذَت الشخصيتان، كلٌّ منهما مع الأخرى، في العاطفة أو الكراهية، إلا أنهما تندمجان في
ديناميكية
عاطفية وجسدية متماثلة.
تظهر المياه أيضًا عدة مرات ببراعة خلال أحداث الفيلم، تطبخ ألكس اسباجتي لدان في
إناء به
مياه (إناء لا يختلف عن الإناء الذي يموت فيه الأرنب)، ويأخذ دان دشًّا ليمحو آثار ألكس
من على
جسمه، وتتشارك ألكس وبيث في الشاي حين تزور ألكس شقة العائلة. إلا أن سيادة موتيفة المياه
تصل
إلى القمة في التتابع الأخير في الفيلم، في سلسلة تقتبس ما أصبح بالفعل لحظات مميزة للفيلم
وصورًا أيقونية. يبدأ المشهد بمسح لفناء بيت جاليجر؛ حيث الجو ضبابي في الظلمة، ويتوقف
في
المنزل؛ حيث ينتشر هذه المرة ضوء برتقالي في غرفة النوم في الدور العلوي. ومن اللافت
أنه لا
يوجد ظل لأحد. دان، في قميص أبيض وبنطلون أسود، يغطي ابنته في السرير، وهي أيضًا ترتدي
ملابس
بيضاء، وبجوارها حصان أبيض مخطط بالرمادي والأصفر. بعد ذلك بقليل نرى لقطات قريبة لماء
يصبه دان
من الحنفية ليصنع شايًا لبيث. وهو ينتظر أن يغلي الماء، تردد غفلة دان صدى غفلته في المشاهد
السابقة؛ لأنه يوجد حيث لا ينبغي أن يكون، وهو يأكل عرَضًا إحدى فواكه ابنته ويلف في
غرفة
المعيشة وزوجته تقاتل دفاعًا عن حياتها في الدور العلوي. ولأن بيث تُصاب بالهلع في الحمام،
لم
تغلق الحنفية وقد فاض الماء من البانيو، حتى تساقط الماء من السقف إلى الدور الأول. مرة
أخرى،
يلاحظ دان المياه لكنه لا يفعل شيئًا. فقط حين يرفع براد الشاي الذي يُصدِر صوتًا، وصفيره
المرتفع يغطي على صرخات بيث، يدرك ما يحدث في الدور الذي فوقه.
وأكثر الصور تشبُّعًا بالمياه في الفيلم هي، بالطبع، المشهد الأخير لبيث في حمام
كله أبيض،
وهي تستعد لتأخذ حمامًا. وكما في «سيكو
Psycho»، توجد لقطات
متعددة عن قرب للمياه المتدفقة. وبالمثل، يؤكد مشهد المرأة شبه العارية، وهي وحدها في
الحمام،
على هشاشتها، كما يؤكد على ذلك أيضًا وضع بيث جبيرة على رسغها المكسور بالفعل. تتطلع
بيث في
مكان مشبع بالبخار، إلى صورتها في المرآة، وتفحص الكدمات السوداء التي تحت عينيها في
مرآة
الحلاقة المستديرة، ثم تحرك المرآة لتحصل على منظر مكبَّر، قبل أن يدخل دان الحمام مباشرة
ليرى
ما إن كانت تحتاج إلى شيء. (هنا يبدو أن تصوير عين بيث عن قرب يردد بشكل متعمد صدى اللقطة
الأخيرة لعين ماريون
Marion، وهي عين بلا حياة، في تتابع الدش
في «سيكو».) بعد أن يعود دان إلى الدور السفلي، تمسك بيث برطمانًا زجاجيًّا، وتجفف البخار
من
على المرآة الأكبر في الحمام. وفجأة يظهر وجه ألكس خلفها، فيسقط البرطمان الزجاجي منها
ويتحطم.
المرأتان كلتاهما في ثياب بيضاء، وهذه الصورة لألكس وهي قرينة بيث تمامًا تُسجَّل في
لقطة تكاد
تشبه لقطات برجمان
٣٣ لوجهيهما في المرآة، وهي صورة تعبر عن محاولات ألكس المتكررة لأخذ مكان بيث. تعلق
نعومي سيجال
٣٤ على التداخل بين المرأتين هنا، وتكتب: «يصور هذا بالطبع الدخيلة باعتبارها تتدخل في
المخطط الذي تمزقه، وتنتمي إليه. وبيث بشكل محتمل من النوع نفسه من النساء مثل ألكس …»
(١٩٩٧م:
٢٠٢).
بعد لقطة المرأتين في المرآة معًا، يكشف القطع عن ألكس تقف على مدخل الحمام وفي يدها
سكين؛
السكين نفسها التي هاجمت بها دان في شقتها. تكشط بها ساق بيث، وتبدأ دماؤها تتساقط على
قدمَيها
وعلى أرضية الحمام. يردِّد الهجوم بالسكين أيضًا، وألكس وبيث تتعاركان على أرضية الحمام،
صدى
هجوم ألكس من قبل على دان في شقتها. تنزلق السكين في النهاية على أرضية الحمام بعيدًا
عن متناول
يدها، وتركل كل من المرأتين الأخرى وتنهشها. وفي الدور السفلي يرفع دان البراد في النهاية،
ويسمع الصراخ وبسرعة يسقط البراد، ويبدو أن البراد حرق يده أيضًا، وكأن الحرارة تُحدث
ردَّ
الفعل بقدر ما تحدثه محنة بيث. وبعد ذلك يدخل دان الحمام، ويضرب مؤخرة رأس ألكس في المرآة
التي
عكست صورتَي المرأتَين، ويغطسها تحت الماء في البانيو، بالضبط كما حاول خنقها قبل ذلك
في شقتها.
في هذه اللقطة، تجحظ عينا ألكس، وتتدفق الدماء من فمها المفتوح. وبوضع حركات القتال معًا،
يوحي
الاختناق والخنق بأنه برغم التحام الشخصيتين في معركة قاتلة، إلا أن سلوكهما يُذكِّر
إلى حد بعيد
بأوضاع الجسدين في الجنس، إنها جميعًا، في الحقيقة، أجساد اندفعت إلى أقصى حدٍّ.
ويؤدي هذا المشهد النهائي، في الحقيقة، إلى تحويل بيت أسرة جاليجر كله إلى سجن/قبر
مائي.
في لحظة قبل الهجوم يدخل دان إلى الحمام ليتحدث إلى بيث، لكن صورته تُلتقَط من زاوية
منخفضة خلف
أعمدة السلم، وهي صورة تستدعي صورة السجن بجلاء. وأيضًا، مع أن دان يغلق أبواب المنزل
متعمِّدًا، يعرف المشاهدون بعد ذلك أن ألكس في المنزل بالفعل، وهكذا يغلق عليها بشكل
فعال في
الداخل، لا في الخارج. ويسيطر هذا التحول السحري للعادي إلى مميت على تتابع اللقطات كلها؛
حيث
تتحول الصورة البريئة للحمام إلى مكان لهجوم دموي. وحتى حين يبدو أن المحنة انتهت، بعد
قيام دان
بخنق ألكس، تنهض مرة أخرى من البانيو، في مشهد يدل على أنها «لم تمت.»
٣٥ البانيو في «الجاذبية المميتة» كان عمقه فعليًّا أربع أقدام وقد شيد بشكل خاص لهذا
الغرض، مما يفسِّر أن ظهور ألكس مرة أخرى يبدو وكأنها تخرج من تابوت. حين تعود ألكس إلى
الحياة
بضيق شديد في التنفس وتطارد دان، تدخل بيث إلى الحمام، من حيث لا نعلم، وتطلق النار على
صدر
ألكس من مسدس، فتنزلق ألكس أسفل حائط الحمام، مخلِّفةً خطًّا من الدماء على الحائط الأبيض
خلفها.
٣٦ ومع أن دان فتح درجًا قبل ذلك واكتشف أن العائلة لديها مسدس، فإن حقيقة أن بيث هي
التي تستخدمه تمنح بيث قضيبًا رمزيًّا. ومع أن عنف ألكس وُضِع طوال الفيلم بجوار هدوء
بيث
ورباطة جأشها، تكشف بيث في هذا المشهد الأخير أنها قادرة على الاندفاعات القاتلة نفسها.
وظهر
التحدي اللفظي، الذي وجَّهته بيث لألكس قبل ذلك بأنها سوف «تقتلها» إذا اقتربت من أسرتها
مرة
أخرى، غريبًا وغير متوقع في البداية، إلا أنه يقدم طبيعة شخصية بيث. إن الوعد البشع الذي
قطعته
بيث، كما يؤكد هذا التتابع الأخير للَّقطات، لم يكن مجرد تهديد. يبين المشهد بدلًا من
ذلك أن
بيث قادرة على اقتراف الأعمال الوحشية نفسها مثل غريمتها؛ حيث إن بيث تقتل لتتعلق (جزئيًّا
على
الأقل) بزوجها الخائن، مما يثير مسألة إن كان يأسها من الأمان العائلي يختلف أي اختلاف
عن يأس
ألكس.
تموت ألكس مثل الأرنب، في قبر دموي ممتلئ بالمياه، ويشبه وضعها وضع الأرنب الميت،
وجسدها
يغطس ورأسها يميل على جانب البانيو، بالضبط كما فعل «الأبيض» على جانب الإناء الذي يغلي.
من
ناحية التيمة، حقيقة أن بيث هي التي تقتل ألكس، حتى إذا اعتقد دان خطأ أنه هو الذي قتلها،
تؤكد
عجزه المتكرر في وجه السلطة المفزعة لألكس. وتؤكد أيضًا تركيز الفيلم على معركة الإناث،
رغم
جهود دان، فإنه يعجز عن الحيلولة دون حدوث الاقتحامات العديدة التي قامت بها ألكس. وبالتالي
يقدم شلل دان تعليقًا غير متوقع بشكل ما على الزنا كفعل ذكري؛ ومع أنه قد يبدو في البداية
مثل
ميثاق لرجولته، تترك نتيجتُه أسرتَه بشكل متكرر عرضة للغزو، وتضع دان في عدة مواقف سلبية.
تتكاتف الصور والموتيفات المتنوعة الواردة في هذا الفصل كلها لتحويل العادي إلى كابوس
عائلي؛
حيث يُؤكَّد الفيلم بلحظات تموت فيها الفضاءات والمواضع الدنيوية فجأة. وقد أكَّدْنا
على هذه
التيمات والحيل المتنوعة للاقتحام المثير من منظور تقنيٍّ، يفحص الفصل التالي هذه التيمات
التي
تقتبس وتستعير من صيغ الأنواع الأدبية الأمريكية المتنوعة. وأثناء ذلك يربط الاستكشافات
العائلية في الفيلم، وتشويقه الشديد، وتركيزه على تصوير النشاط الجنسي إلى نزعات أوسع
في
السينما الأمريكية.