الفصل الرابع
الجنس الشهواني، والإيدز، وحالة البقاء أوفياء١
فُهِم «الجاذبية المميتة»، على نطاق واسع بأنه فيلم «يدفع الرجال إلى الوفاء». تدور
حكاية
الفيلم عن رجل وقع فريسة للقاء جنسي حدث بدون تخطيط مع مغامِرة شهوانية. يقول الناقد
فريد برننج
Bruning: «قد يكون «الجاذبية المميتة» أكبر رادع للجنس غير
الشرعي منذ الرجم بالحجارة» (١٩٨٧م: ٧). وأججت هذه الأوصاف جنون المشاهدة، الجنون الذي
أحاط
بالفيلم في الأسابيع الأولى من العرض، بدل أن تخمده، كما كثرت القصص عن النساء اللائي
سحبن
أزواجهن إلى الفيلم في حشود، مصممات على إخماد الشهوات بطقس يبعث شعورًا عامًّا بالخزي،
يعادل
خطبة لمدة ساعتين ضد مخاطر الخيانة. وصف النقاد، مؤيَّدين بالشهادات العامة، المنظر الذي
يحدث
خارج دار عرض «الجاذبية المميتة»: يخرج أزواج من الظلام وكل منهم ينظر شزرًا إلى الآخر،
وتخبر
صديقاتٌ أصدقاءَهن أنهن لا يترددن في خصائهم إذا حاولوا اقتراف مثل هذا العمل الشنيع،
ويبادر
رجالٌ متعَبون المخرجَ أدريان لان بسخرية: «شكرًا جزيلًا.»
٢ وفي الوقت ذاته، فتنت القصص الواقعية في «الجاذبية المميتة» الأمة؛ بعد شهر تقريبًا
من بداية عرض الفيلم، أبرزت بيبول ويكلي
٣ تقريرًا عن نساء ورجال يندفعون إلى المطاردة والطعنات، وقد فسدت كل الوصايا بأخطار
الارتباطات الغرامية. فيما بعد، أجرت أوبرا ونفري وفيل دوني
٤ مقابلات مع المرشحين الحقيقيين في «الجاذبية المميتة»، مستخدمين عروضهما الخاصة
كأدوات للانهماك في مناظرة عامة عن انتشار الخيانة في الثقافة المعاصرة. وافتقرت هذه
التكرارات
عمومًا للنتائج المشئومة لاندفاع الجاذبية إلى الجوهر والدقة، إلا أنه بالنسبة لكل من
رأي
«الجاذبية المميتة» أو حتى سمع عنه، كانت هناك رسالة جاهزة من هذا الحدث، الذي يحمل نظرة
جماعية، وواضحة إلى حد بعيد: للجنس عواقب.
اتسم الخطاب المحيط بصعود «الجاذبية المميتة»، بسرعة، بالهلع الخلقي في ١٩٨٧م، هلع
تبع
منطقه، رغم ذلك، النموذج الفوكوي.
٥ عربد المشاهدون في النشاط الجنسي البارز في الفيلم وانحرافاته المتنوعة، إلا أنهم
ثاروا في الوقت ذاته لعرض الشبق الذي كان خبز الفيلم وزبده المغرية. يمثل «الجاذبية المميتة»
عدم اكتمال عملية الجماع، ثقافيًّا إذا شئت، فقد استدعى الرغبات وعاقب بسرعة مَنْ جعلوها
جلية،
أخذ المشاهدين من لحظة رغبة جنسية متأججة إلى توبيخ سريع وعنيف. وجعل الفيلم الماسوشية،
بالتِماس الرغبات لتوضيح أخطارها، طريقةَ الإغواء، دافعا المشاهدين إلى لذة الألم. وكما
يوضح
هذا الفصل، حددت هذه الروح السينمائية نهاية محددة للثورة الجنسية بالمزاوجة بين النشاط
الجنسي
الشهواني ونتيجته المهلكة. ولم يكن الفيلم، رابطًا بإيجاز الجنس العرَضي بالحمل غير الشرعي
والمرض والإيدز، دقيقًا في استثمار منطق صارم للسبب والنتيجة ربط الحماقة الجنسية بالكارثة؛
كتبت ليزا هنريكسون
Henricksson الناقدة في «رولنج ستون»:
٦ «إنها أفلام النكاح والموت، كما تسميها صديقة، وكان «الجاذبية المميتة» أكبر فيلم
نكاح وموت على الإطلاق» (١٩٨٧م: ١٤٧).
بينما كان الحذر الجنسي يرتبط بجلاء بتأثير الجنس غير المخطط على الجسم، كان لانشغال
الفيلم
بالعواقب المميتة للجنس مغزًى اقتصادي اجتماعي واضح. لقد وُضِعت الحيل المروعة بشدة في
«الجاذبية
المميتة» لحماية عائلات الطبقة الوسطى — مستودع المخيلة القومية في حقبة ريجان — من التلوث
الذي
تُطلقه الانحرافات الجنسية. وبالمصطلحات التاريخية الاجتماعية التي يعرضها الفيلم، تعتبر
الخيانة سوطًا لا يهدد دان جاليجر وحده، لكنه يهدد أيضًا صحته وبيته ومهنته ووضعه الطبقي
وطريقه
إلى الترقي.
الحذر الجنسي: تقدم على مسئوليتك الخاصة
يُتبِّل «الجاذبية المميتة» قصته بالتعرف على أخطار الجنس، بأوصاف بدأت أول مرة حين
غادر
ودان وبيث المنزل معًا. في غداء الاحتفال بالكتاب، يقابل دان وبيث رئيس دان الذي، كما
يقول دان،
جرح نفسه وهو يضاجع زوجته. وهذا التعبير، الذي يظهر في أول مشهد عام في الفيلم، يرتبط
بلا شك
بمغادرة دان وبيث الفضاء المريح في منزلهما إلى العواقب غير المتوقعة للجنس. يضع رئيس
دان دعامة
عريضة للعنق ويقول دان لبيث بسخرية: «عليكِ أن ترَيْ زوجته.» في لقاء العمل في الصباح
التالي، تظهر
أخطار الجنس مرة أخرى في الحوار — كان وراء اجتماع صباح السبت قصة متفجرة فعليًّا كتبتها
مؤلفة
تمثلها ألكس، وقد اتُّهِمت المؤلفة بأنها تبني قصتها على علاقة واقعية مع سيناتور متزوج
يهدد
الآن بمقاضاتها. وبرغم أن المخطوطة تمثل خبرات المؤلفة، تعترف ألكس بشكل شيطاني بأنها
جزء من
قصة حقيقية عن رجل معين؛ حيث كانت المؤلفة على علاقة بالسيناتور. وهنا ينذر المشهد بالتشابه
النهائي بين دان والسيناتور الذي لحق به العار، كما أنه سوف يحاول أيضًا أن يقطع الرباط
الذي
يهدد سمعته وسعادته.
٧
بينما يبرز الحدثان الجنس باعتباره خطرًا بالصدفة وغير متعمد، إلا أنه حين يتشارك
دان وألكس
في اللقاء الغرامي تبدو الطبيعة الحقيقية للجنس الذي يمارسانه محفوفة بالمخاطر. تقود
ألكس دان
إلى حي السلخانة، الجحيم المعاصر؛ حيث توجد شقتها؛ حيث يصبغ إعدادُ المشهدِ اللقاءَ الجنسي
بتأثير منحوس. أثناء اللقاء، تجلس ألكس بصورة غير مريحة على قمة حوض. بعد ذلك يتعرض الاثنان
لخطر الفضيحة وألكس تمص قضيب دان في المصعد المكشوف، مع الحركات الجنسية التي تربط بين
اللذة
وكشف العورة والخطر. وهكذا يرسم الفيلم، بصورة مكررة، علاقة جنسية يتشارك فيها النظيران
في
المعاناة من الألم، كما يدل على ذلك إنهاك دان بشدة بعد المرة الأولى التي مارسا فيها
الجنس،
ووجهه المكشر أثناء مص القضيب في المصعد، وهجوم ألكس عليه جسديًّا بعد اللقاء بوقت قصير،
حين
تبدأ ضرب صدره وتمزيق قميصه. تبرهن ماندي ميرك،
٨ ملاحظة المدى الذي يحيط به الأذى الجسدي بهذه العلاقة، على أن تقديم الفيلم للنشاط
الجنسي يحاكي المشهد الأول؛ حيث: «تتم مساواة عملية الجماع بالعنف ويشاهدها في صمت طرف
ثالث»
(١٩٨٨م: ٩٨). وطبقًا لنموذج فرويد، يصدم المشهد الأول الطفل الذي يشاهد بدون قصد اللقاء
الجنسي
بين والديه، معتقدًا أن أباه يقتل أمه بدل أن يعتقد أنه يمارس الحب معها، ويرى الجنس
انتهاكًا
عنيفًا. ويصور «الجاذبية المميتة» النشاط الجنسي بمصطلحات مشابهة إلى حدٍّ ما، واضعًا
المشاهدين في
وضع الطفل الشاهد الذي يقف طرفًا في عنف اللقاء الجنسي.
٩ إلا أنه قد يبدو في اللقاء الجنسي الأول لهما أن ألكس مَن «يقتل» دان؛ حيث لا يمكن
إلى حدٍّ بعيد معرفة إن كانت استجابته لذَّةً أم ألمًا.
يتكرر ترسيخ معادلة الجنس/اللذة/الألم في مشاهد الهجوم، التي تصنع توازيًا لا شعوريًّا
بين دوافع العنف ودوافع الرغبة. يأخذ الذكر وضعه المستحق كمعتدٍ، رغم ذلك؛ حيث يحاول
دان قتل
ألكس، ويفصح حرفيًّا عن الخوف الذي يحيي الصدمة التي يشعر بها المشاهد في المشهد الأوَّلي.
وبهذه الطريقة، يكون المشاهدون في وضع الطفل المشاهد الذي يجد، مع ذلك، مخاوفه تتأكد؛
ولأن
علاقة دان وألكس تميل إلى العنف الحقيقي، يفهم المشاهدون أن الجنس يمكن فعليًّا أن يعني
الموت.
تشبه هجمات دان على ألكس، كما وُصِفت في الفصل الأول، الفعل الجنسي؛ حيث يلهث الطرفان
في إنهاك
جسدي ودان يحاول خنقها، وهي تندفع نحوه بسكين. وهكذا لا يبدو، على الأرجح، أن الجنس والعنف
مجرد
دوافع متداخلة وقد عاد بنا تتابع لقطات الهجوم إلى مشهد الجنس، ليوضح أن الجنس لذيذ؛
لأنه خطير.
١٠
إلا أن الفيلم، رغم ذلك، لا ينهمك طويلا في هذه الانحرافات اللذيذة. يستغرق الجنس
نفسه،
فيما يدعوه ديفيد أندروز بنية تنظيمية «تركِّز مبكِّرًا»، قدرًا ضئيلًا نسبيًّا من فضاء
الحكاية،
تاركًا وقتًا كافيًا لفحص تفصيلي لنتائجه (٢٠٠٦م: ٦٤).
١١ هكذا يستخدم «الجاذبية المميتة» شيئًا من مقاربة جر الرِّجْل، مدمجًا الدوافع
الشبقية لشخصياته ومشاهديه ربما بأفضل وسيلة تصويرية ممكنة، فقط ليلتف ويعاقبهم؛ لأنهم
استمتعوا
بمشهد الفسق الذي قدمه الفيلم طواعية. أكثر اللحظات شهرة ومتعة في «الجاذبية المميتة»،
باستثناء
تتابع لقطات الأرنب المغلي، هي مشاهده الجنسية، وهي إلى حد ما جريئة وواضحة بشكل صادم.
إن
السماح برواج هذه الصور البارزة بدون قصر مشاهدتها على الكبار يعبِّر على الأقل عن درجة
ما من
التساهل الثقافي، تساهل استفاد من مرونة معايير الاحتشام الجنسي، وبالتالي رغبة منتجي
الأفلام
وموزعيها في تسويق أفلام بمحتوًى بارز. وقد شجعت وسائل الإعلام، أثناء الثورة الجنسية
في
الستينيات والسبعينيات، معايير أكثر ليبرالية للسلوك الجنسي، وعكستها. يَدين «الجاذبية
المميتة»
بالفضل لهذه الحقبة؛ حيث لم تكن الصور الجنسية ملزمة، كما تطلبت مجموعة النظم السابقة،
بتلطيف
النشاط الجنسي غير الشرعي. ومع أن «الجاذبية المميتة» يستخدم هذه المزايا التصورية الموسعة
حتى
النهاية، إلا أنه يفعل ذلك بشعور شديد بالذنب، جاعلًا شخصياته ومشاهديه يدفعون ثمن المواجهات
الجنسية التي استمتعوا بها.
يتجلى القلق الذي يميز هذا الوضع بقدرة يد العدالة على العقاب، ويبرز بالتحول السريع
للمغزى
العاطفي في الفيلم. تُخلِي الرغبةُ مكانها للخوف بسرعة، وهو تحول تؤكده حقيقة أن الفيلم
يرفض
السماح لدان بأي فرصة لينعم بتوهج ما بعد الجماع. بدلًا من ذلك تهاجمه ألكس مباشرة بعد
آخر لقاء
مارسا فيه الحب، تعاقبه مع ملاحظة أنها ليست سعيدة باندفاعه إلى الخروج «بعد كل مرة نمارس
فيها
الحب.» ومن اللافت أن دان غادر السرير حرفيًّا للتوِّ حين تبدأ الخطبة؛ وللتأكيد على
المسألة،
تحاول ألكس الانتحار بعد ذلك بدقائق فقط. يعبر اقتراب الجنس من الرباط اللفظي والتضحية
بالنفس
بعد ذلك عن التحول المفاجئ في الحكاية، تحول من الانغماس في اللذة إلى العقاب، ويتخلى
الفيلم من
هنا عن موقفه الذي قد يرعاه الشيطان، وعن دعابته، وحسه المازح. (حتى في المشاهد التالية
حيث
يبدو دان مرحًا، كما حين يرحب بضيوفه في بيته، ينغص عليه ما يذكره بعواقب علاقته.) سرعة
التحول
وديمومة الخراب الذي يتبعه يضع تسارع الفيلم مع المسار العاطفي لدان؛ حيث يكون الانتقال
من
العاطفة إلى الألم في اتجاه واحد من هذه اللحظة.
يبرز الفيلم أيضًا تأثيرات علاقة دان على ديناميكية أسرته، ويتم التعبير عنها في
عدد من
اللقطات المتوانية التي يظهر فيها دان متطلعًا بشوق إلى زوجته وابنته. تنبض هذه اللقطات
بندم لا
تعبر عنه الكلمات؛ لأن العلاقة تسلب من دان قدرته على التواصل مع أحبائه تمامًا؛ لأنه
لا يستطيع
أن يخبرهم بما فعل. يبرز أيضًا مشهدُ الاعتراف، الذي يأتي في أعقاب تتابع لقطات الأرنب
المغلي،
اللحظةَ التي تنتقل فيها تأثيرات حماقات دان من سيكولوجيته المعذَّبة إلى جسدَي زوجته
وطفلته.
ترقد إلين باكية في سريرها حزنًا على فقد «الأبيض»، وتتفاقم هستيرية بيث حين يبوح دان
بعلاقته.
إلا أنه لم يكن معروفًا لدان أو بيث أن إلين تشاهد الجدل المحتدم، تشاهد باكية من المدخل
وأمها
تصرخ في دان: «ما حكايتك؟!» بعد أن لا يعترف بالعلاقة فقط، بل يعترف بأن ألكس حامل أيضًا.
١٢ يركز تتابع اللقطات المحيطة باعتراف دان ثم طرده من بيت الأسرة، بقوة على معاناة
إلين كشعور مجسَّد. يبدو كل من المشهد الذي يغادر فيه دان، متطلِّعًا إلى ابنته النائمة،
والمشهد الذي يحدثها فيه من غرفة قاسية في فندق، بمثابة ردود لدان، وإلين تسأل دان إن
كان سيتصل
بها في اليوم التالي تدل نبرة دان على انكماش كئيب. يتردد، بعد قليل، صدى الضريبة الوحشية
التي
تأخذها العلاقة في حادثة بيث، ويعبر عنها، بمعنى الكلمة، عينُها المسودة وجسمها المصاب.
تعاني
الأنثيان، تستشهدان، نتيجة آثام دان بوضوح.
يشمل الدمار المصاحب للأعمال الطائشة التي ارتكبها دان خارج إطار الزواج التضحية
بزوجته
وابنته البريئتين، ويعاقب الفيلم مشاهديه أيضًا، وهم ليسوا أبرياء تمامًا، ويُفترَض أنهم
استمتعوا بالمشهد الجنسي بكل ما فيه من شهوانية. هكذا يلح الفيلم على مجموعة النتائج
العاطفية
ذاتها التي تحدث للمشاهدين كما يلح على تلك التي تحدث دان، يبدأ دان والمشاهدون الفيلم
بدغدغة،
وينتهي بهم الأمر إلى الهلع. وصف مايكل دوجلاس بدقة مسارًا بهذا الشكل حين عبَّر عن تقديره
لاستجابة المشاهدين للفيلم: «يغادر الناس الفيلم وكل منهم يقول: ضحكْتُ، ثم انبهرتُ بمشاهد
الجنس، ثم انتابتني حالة من الفزع» (كورليس
Corliss، ١٩٨٧م: ٧٣).
وهكذا يسير الفيلم بالمشاهدين في مسار يتقدم بوضوح شديد من اللذة إلى الألم: يصمم الفيلمُ،
مستخدمًا رغبة المشاهدين ليرى ويعرف ما يدينهم، «عقابًا يلائم الجريمة»، بمعنى أنه بينما
يسمح
بسعادة للمشاهدين باللذة المثيرة في مشاهدة اللقاء الجنسي، يورطنا بعد ذلك باعتبارنا
جناة في
عهد ألكس المفعم بالهلع. وقد يوجد مثل هذا التوريط، على سبيل المثال، حين تصاحب الكاميرا
ألكس
وهي تتبع دان سرًّا إلى بيته، أو حين يرى المشاهدون، بعد أن تعرف بيث أن ابنتها ضائعة،
ألكس
وإلين تتمشيان في حديقة الملاهي. في كل منهما، يؤخذ رأي المشاهدين من رأي دان، ومن ثَم
يثقل
الفيلم كاهلنا بمعرفة غير مطلوبة ويقوم بدور تأديب رمزي على مشاهدتنا التي كانت لذيذة.
وبينما
ينبثق، جزئيًّا، استمتاع المشاهدين من القدرة على مشاهدة نشاطات محظورة من وضع سري مريح،
يكون
هذا الوضع وضع شلل حيث تأتي العنة أيضًا مع التجاهل. بالضبط كما أن دان ليس لديه سبيل
للتغلب
على ألكس، يتم تذكير المشاهدين بصورة مؤلمة بالعجز عن تحذير الأسرة من تجاوزات ألكس،
أو عن
التخفيف عن دان وبيث بمعرفة أن إلين، برغم غيابها عن المدرسة، لم تتعرض لأذًى. ينتج تتابع
اللقطات نوعًا من العلاج بالغمر
١٣؛ حيث تربط دوافع الاستمتاع بالمشاهد الجنسية بالمعاناة لا بالإغواء.
١٤
صممت المتعة الجنسية في «الجاذبية المميتة»، بسرعة وكانت سريعة الزوال، باعتبارها
درسًا
موضوعيًّا — على الفور يجد مَن يشتركون في الطيش الجنسي، وأيضًا مَن يشاهدونهم خطأً أو
باستمتاع،
يجدون شهواتهم وقد أشبِعت أكثر مما يرون خطورة هذا الموقف. يأتي الندم مباشرة في أعقاب
الدغدغة
الجنسية في تناغم يلقي الضوء على الأسباب التي جعلت الفيلم يقدم وظيفة وقائية بتصويره
للنشاط
الجنسي خارج إطار الزواج؛ لأن الفيلم يسير بانسجام مع السجل النفسي لدان، فإنه يتحول
بصورة
فعالة إلى حكاية تحذيرية، ويندم دان والمشاهدون على إغوائهم بالمشهد الجنسي.
ما تبقى من الثورة الجنسية: تنظيم النسل والحمل والإيدز
يعربد «الجاذبية المثيرة» في شهوانيته ثم يتنكر لها؛ برغم المتع القصيرة المسلم بها
التي
بشرت بها الحرية الجنسية، على المدى البعيد، يتبين أن الجنس خارج إطار الزواج لا يستحقها
ببساطة. (كما ناقشنا في الفصل الثالث، تدعم ملاحظة مماثلة تتعلق بالقيود المتناقضة التي
حدثت
نتيجة للحرية، تصوير الفيلم للثورة الأنثوية. وبرغم أن النساء قد يربطن المكاسب الأنثوية
باستقلال تحقق حديثًا، إلا أن الفيلم يتنبأ لهن بمستقبل مظلم، إذا عشن بدون أزواج أو
أبناء.)
يبدأ «الجاذبية المميتة»، مستفيدًا بوضوح من الثورة الجنسية، بالتأكيد على وجود تهاون
في
المبادئ الجنسية يحيط بعلاقة دان — إنه، بالتحديد، يجد في ألكس شريكًا جنسيًّا مستعدًّا
وخلاقًا؛
شريكًا تخلص من المشاكل الخلقية المحيطة بممارسة الجنس خارج إطار الزواج. ترجع ألكس السبب
إلى
رفضها التمسك بالمفاهيم التقليدية عن الاحتشام الجنسي، وكانت العلاقة ممكنة (ولذيذة)
نتيجة
لشهواتها الجنسية الطليقة. وهكذا يسمح تحرر ألكس جنسيًّا لدان بالانغماس في دوافع شبقية،
ويمنحه
لذة الانغماس في تصرفات جنسية لا تخضع لمعايير اللياقة أو تثقل بالضغوط التي تمثل «جنس
الزواج».
إن تلك اللذة، برغم أنه يتبين أنها سريعة الزوال، احتمال يتتبعه الفيلم جزئيًّا إلى
حقيقة
أن المعايير التي ينبغي أن تسير بها العلاقة الغرامية في أعقاب الجنس تفتقر للتعريف.
وهكذا يكشف
«الجاذبية المميتة» عن آلية مركزية لفترة ما بعد الثورة الجنسية، وبالتالي لعصر ما بعد
الأنثوية؛ حيث يوحي بأن المكاسب التي يمكن الحصول عليها من استرخاء على نطاق واسع للأعراف
الجنسية تسببت مع ذلك في انفجار ثقافي على نطاق واسع. وبشكل خاص، بينما يمكن لأي شخص
أن يأخذ
رخصة جنسية، إلا أن النظام يفتقر إلى مجموعةٍ مُناظِرةٍ من المبادئ المرشدة للتغلب على
سياسات
النوع، السياسات التي تنتج عن هذا الاسترخاء. برغم أن الجنسين يمكن أن يعتقد كل منهما
أنه
يستطيع أن «يقرأ» الآخر، في الحقيقة، إلا المعايير السيموطيقية لهذه العملية تتبدل باستمرار.
وبينما قد يكون من الممكن فهم ألكس، على سبيل المثال، كأنثى تتمتع بشهوة طليقة، وامرأة
متحررة
جنسيًّا، إلا أن هذا التقدير يصبح بسرعة غير شرعي حين يتبين أن الشهوات الجنسية التي
تتمتع بها
ألكس مجرد وضع لجر دان إلى تعهد أكثر أهمية. تعد ألكس بعلاقة «بلا بقيود»، في تفاوض يحدث
في
حديث العشاء حين تسأل ألكس دان إن كان «متحفظًا»، وكان مزاحهما الموحي دعوة للجنس العنيف
الذي
يأتي بعد ذلك. وبرغم تأكيد ألكس على أنها أيضًا يمكن أن تُحسَب على مَن يتصرفون بمسئولية
(تقول:
«نحن راشدان») إلا أنها تنقلب تمامًا إلى العكس، وتطلب بسرعة وضعًا دائمًا في حياة دان.
يكشف
هذا النوع من جر الرِّجْل الكذب في الخطابات الجنسية للأنثى التي تدعي أن اللذة الجنسية
يمكن أن
تكون غاية في ذاتها؛ حيث يفهم المشاهدون أن ألكس كذبت حين وعدت بأنها تستطيع ممارسة الجنس
بدون
متطلبات عاطفية أو جسدية. لكنها، في الحقيقة، تسعى بقوة إلى الاثنين — تدعي أنها في علاقة
حب مع
دان، وتفرض عليه كرهًا حملًا لا يريده. وهكذا تكشف ألكس اعتقاد الفيلم بأنه برغم أن النساء
قد
يدَّعين حرية جنسية، ويبدين رغبة في علاقة جنسية بلا تعهُّد أو مودة، إلا أنهن يتمسكن
بقوة منحرفة
بإعادة تعريف هذه المصطلحات. وربما الأسوأ، إنه يوحي بأن ألكس تتمسك بمسئولية الرجل حين
تنجز
إعادة تعريف من هذا النوع، برغم التساؤل ضمنيًّا، كيف كان له أن يعرف أنها قد تفعل ذلك؟
يعري هذا النموذج إيمان الفيلم بأن ذلك التحرر الجنسي يدخل في فترة يُترَك المواطنون
فيها
مترنحين في بحر من الشك المتواصل، وهو واقع يؤسس أيضًا معالجة الفيلم لتنظيم النسل. يفترض
دان
أن ألكس تستخدم شكلا من أشكال موانع الحمل، وهو اعتقاد ينشأ من رغبته (الساذجة على ما
يبدو) في
أن يثق في ألكس حين تقول إنها تريد الجنس لذاته — بالنسبة له، يعني هذا أيضًا أنها سوف
تحتاط حتى
لا تحمل. ويذكرنا الفيلم بأن هذه الطريقة المفترضة تمثل للرجال القدرة على الاستمتاع
بفائدة
الجنس بدون التورط في الريبة المزعجة بأن النساء يستخدمن الممارسة الجنسية للإيقاع بهم.
إلا أن
منطق ما بعد الأنثوية الذي يدفع «الجاذبية المميتة» يوحي بشكل آخر؛ حيث يؤكد شبح حمل
ألكس غير
المخطط له بأنه بينما قد يأخذ الرجال رخصة جنسية غير مسبوقة، إلا أنهم لا يزالون في حاجة
إلى أن
يثقوا بالنساء ليمثلن بدقة ميولهم الجنسية والتناسلية. ويبدو أن خطورة التخلي عن المثاليات
التقليدية للعفة الجنسية تتمثل في أن النساء يعرضن ميولهن الجنسية بطريقة واحدة، وبشكل
درامي
يراجعن تلك النوايا ونتائجها بمجرد أن يدير الرجل ظهره مجازًا. وفي هذه المناخ من عدم
الثقة،
يبدو أن من التعقل ألا يصدق الرجال ما تقول النساء إنهن يردنه.
وإذا كانت الثورة الجنسية قد صارت ممكنة جزئيًّا بتوفر مختلف وسائل تنظيم النسل على
نطاق
واسع وفاعليتها، فإن الحبكة الثانوية للحمل في «الجاذبية المميتة» تدفع إلى معرفة أن
تنظيم
النسل لا يحدث من نفسه، وأن المرء يحتاج إلى ثقة (ربما لا تكون في محلها) في أن تستخدم
النساء
وسيلة لتنظيم النسل. للغزو الجنسي عند ألكس دوافع خفية متنوعة؛ حيث إنها لم تستخدم وسيلة
لتنظيم
النسل أثناء العلاقة بينهما — وهي حقيقة لا يفكر دان في أن يسألها عنها إلا بعد أن تعلن
عن
حملها. كما تعترف ألكس، تعرضت للإجهاض من قبل، ولم تعتقد أنها يمكن أن تحمل مرة أخرى.
بدون
النساء اللائي يساهمن بفاعلية في تنظيم الأسرة، تفقد الحرية الجنسية بوضوح جزءًا من فتنتها؛
وبالتالي، يتوق الفيلم بكآبة إلى عهود سابقة حيث افترض الرجال أن النساء كنَّ يردن أطفالًا،
ومن
ثَم كانوا على علم بالأخطار التي يتعرضون لها بالانغماس في علاقة جنسية. يلح دان على
التعاطف؛
لأنه لم يعرف ما كان يتورط فيه، يبقى الدفاع بالجهل مقبولًا؛ لأنه يوحي بأنه، برغم أن
النساء قد
يقلن إنهن يردن الحرية الجنسية إلا أنهن رغم ذلك يكذبن فيما يتعلق بهذا الشأن، وهكذا
يدفعن إلى
استنتاج أن الرجال لا يمكن أن يتحملوا مسئولية تصديقهن.
يبدأ الفيلم، معتبرًا التحرر الجنسي نموذجًا تنظيميًّا لا يحرم الرجال من حقوقهم
في
النهاية — وهو موقف مماثل بصورة غير مريحة لموقفه تجاه النزعة الأنثوية — يبدأ صيغة يظهر
فيها دان
ضحية رئيسية للاستكشاف الجنسي المتحرر من القيود. كما تلاحظ أنجيلا مك روبي:
١٥ «يحدث «الجاذبية المميتة» حساسية ثقافية تسمح للرجال بالشعور بأن النساء أخطأن في
حقهم، أو ربما يرون أن النساء أخطأن في حقهم. من الآن عليهم الاحتراس، عليهم حماية أنفسهم
من
الاستغلال الجنسي العنيف على أيدي النساء» (٢٠٠٨م: ٤٠). المؤشر الرئيسي لهذا «الاستغلال»
هو
بالطبع حمل ألكس غير المخطط له؛ حيث يُثقِل دان، بدون قصد، كاهلَه بمسئولية لم تكن لديه
نية
لتحمُّلها. بتأمل هذه الحقيقة، تزعم الأنثوية كارن دُرْبين
Karen
Durbin أن دان هو الذي يصبح حاملًا مجازًا؛ حيث يتذكر الكابوس الكلاسيكي الذي
تراه الأنثى بأن هناك «نتائج هائلة مزعجة، تبدو بلا نهاية، لا يستطيع أن يتخلص منها»
(١٩٨٧م:
٩٠). وكما تلاحظ دُرْبين، أيضًا، دان، لا ألكس، هو الذي يريد الإجهاض ويرغب فيه، لكن
قيل له إن
القرار ليس قراره. ربما متذكرة التحريم الحكومي لفترات طويلة لهذه الممارسة، التي جاءت
غالبًا
نتيجة لتحفظ الأطباء والمشرِّعين الذكور الذين يقررون المصائر الإنجابية للنساء، تكتب
دربين:
«يا له من قلب للأدوار! يا لها من متعة مريرة!» (١٩٨٧م: ٩٠).
بينما تُعربِد دربين بمرح في التشابه بين وضع دان والكثير من النساء عبر التاريخ،
النساء
اللائي احتجن إلى الإجهاض وقيل لهن إنهن لا يستطعن أن يقمن به، إلا أن رأيها رغم ذلك
لا يتعارض
مع الفهم واسع الانتشار بوجود عنصر حقيقي مثير للشفقة في وضع دان. بينما قد تجد دربين
لذة في
الاستعصاء الذي يبدو في موقف دان، إلا أن الفيلم يشجع الرأي بأنه إذا وافقت ألكس ببساطة
على
الإجهاض، فإن دان يمكن أن يتخلص بنجاح من هذا الموقف ويعود إلى حياته «العادية». يسأل
دان ألكس،
وهو في حالة ذهول من افتقاره للقوة على تحمل حملها: «أليست لي كلمة بهذا الشأن؟» وهو
يقف وعلى
جانبه لوحة إعلانات كبيرة تسخر منه بصورة لعرسان على مركب يشربون أنخاب حظهم السعيد مع
كلمات:
«بداية مباركة.» تُبرِز الصورة المتفائلة موقف دان وتسخر منه، وهو يتوقف في نفق للمشاة
مزدحم
وقذر، بشعور متنامٍ بأنه تسبب في حمل امرأة بدأ يكرهها ببطء. وبرغم أن محاولة دان لإنهاء
الحمل
تواجه الرغبة الحارة من ألكس، التي تريد أن تراه يكتمل، ويؤكد هذا المشهد أنها وحدها
تملك
القدرة على اتخاذ هذا القرار. وهكذا يقرأ الفيلم الإجهاض بالطريقة نفسها تقريبًا التي
يقرأ بها
تنظيم النسل، وهي أن النساء يتحكمن فيهما بشكل جائر وربما غير مناسب.
هكذا يؤيد الفيلم، في القبضة السيئة لتصميم ألكس على استمرار الحمل إلى نهايته، بدون
قصد
(وربما بدون تعمُّد) موقفًا يناصر هذا الاختيار. إلا أن مثل هذا الموقف، كما تؤكد الصور
المثيرة
الساخرة في هذا المشهد، يأتي نتيجة لسلسلة من التدريبات الخلقية الشاقة التي ركزت بثقلها
غالبًا
على حماية الأسرة الصغيرة المقدسة إلى أبعد حد، وهي وحدة يُؤكِّد نقاؤها شرعيةَ ادعائها
بأنها
تتكاثر بدون اضطراب. يؤيد الفيلم إجهاض ألكس، ليس لأنه يؤمن باختيار النساء، ولكن بالأحرى
لأن
الإجهاض يبقى واحدًا من الخيارات القليلة المتبقية للحفاظ على الأولويات البطريركية لأسر
الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، وللدفاع عنها ضد غارات مقتحمة غير مرغوبة. هكذا يبرر
الفيلم
الإجهاض بصورة خرقاء من خلال منطق قيم الأسرة المحافظة؛ الجنين الذي لم يولد ليس الرضيع
البريء
الذي يُمتدَح في الخطابات المعارضة للإجهاض، لكنه بالأحرى عائق للتفوق البطريركي ويستحق
القضاء
عليه على هذا الأساس.
١٦ يمكن دعم الإجهاض من منظور التعلُّم الصحيح الذي يقول، رغم ذلك، في عهد ريجان كانت
أمريكا بالفعل تعج بآراء مناهضة للإجهاض، وقد شهد روبرت بورك،
١٧ المرشح لرئاسة المحكمة العليا في عهد ريجان، في السنة نفسها، جلسة تنصيب هاجمت
عمومًا آراءه عن منع الإجهاض. وبينما قد يبدو أن «الجاذبية المميتة» يسقط بشرف في معسكر
المحافظين الذين يأسون على تشريع الإجهاض، إلا أن الفيلم يؤيده رغم ذلك، مع أنه يفعل
ذلك من
موضع يجاور بشدة علم تحسين النسل. مدافعًا بنشاط عن البنية الهرمية حيث تكون بعض العائلات
فقط
جديرة بالحماية، ويتبنى «الجاذبية المميتة» فكرة أن العائلة الصغيرة البيضاء التي ينتمي
إليها
دان لا تستحق التمزق. ومثل «أمهات الرعاية الاجتماعية» المهمشات، اللائي يلدن بدون زواج،
وقد
استبعدن باعتبارهن مخزيات وغير مسئولات في الثقافة السياسية في ثمانينيات القرن العشرين،
يعتبر
حمل ألكس أيضا انغماسًا غير ضروري، ودليلًا على فسقها الخلقي. وبالطريقة نفسها إلى حدٍّ
بعيد قيل
للنساء غير المتزوجات، وهن غالبًا ملونات، إنهن ليس لهن حق في أن يكون لهن أطفال بدون
بنية
عائلية «حقيقية» في موضع مناسب، ويشجع الفيلم اعتبار حمل ألكس إسرافًا وأنانية، وليست
هناك مشكلة
في الاستغناء عنه حين يكون الوقت مناسبًا.
يحتاج «الجاذبية المميتة» إلى استئصال هذا الحمل ليحافظ على الحدود بين أسرة جاليجر
وعكسها
السلبي. ورغم ذلك، لا يستطيع دان أن يفعل شيئًا بدون دفع ألكس إلى عيادة الإجهاض بالتهديد،
وهكذا يلجأ الفيلم إلى السرد بدلًا من الحل الإكلينيكي لمشكلة حمل ألكس. ومن اللافت أن
النهاية
الأصلية للفيلم والنهاية التي أُعيدَ تصويرها بعد إنتاج الفيلم، تؤديان إلى إنهاء مبكر
للحمل؛
سواء تقتل بيث ألكس، أم تنتحر، تؤكد النهايتان على أن طفل دان وألكس لن يولد أبدًا. وهذه
النتيجة مطلوبة جدًّا — وفي الحقيقة ضرورية جدًّا — للقصة التي يريد «الجاذبية المميتة»
أن يحكيها،
حين تقتل بيث ألكس في نهاية الفيلم، لا يكون هناك اعتراف بحقيقة أن هناك حياتين أزهقتا.
ويوحي
عدم الاعتراف بهذه الحقيقة أو التأسِّي عليها بالطرق التي يعتبر بها الفيلم هذا الحمل
عقبةً في
طريق دان، ولا يراه إلا دليلًا على أنانية ألكس ورفضها الخضوع لرغبته.
١٨
بينما يُبرِز «الجاذبية المميتة» حوارًا عن النتائج التناسلية للنشاط الجنسي، يُعتقَد
أيضًا
أنه يشارك في محادثة باهتة عن الانتشار السريع لأزمة الإيدز في الولايات المتحدة. يكتب
فوستر هيرتش،
١٩ واصفًا كيف انتشر المرض في المنتجات الثقافية حتى حين لا يصرح بذلك: «إن أفلام
الإثارة الشهوانية في الثمانينيات والتسعينيات استعارات لأخطار الجنس في عصر الإيدز.
«صخب»
مضطرب بعيدًا عن أنظار الجماهير مثل الحرب العالمية الثانية في السينما السوداء، الإيدز
غياب
بنيوي مهم» (مقتبسة في ويلمز، ٢٠٠٥م: ٣٠). إنه مرض مدمر ينتقل بالاتصال الجنسي ويوصم
بأوصاف
فاسقة؛ لأنه ارتبط عادةً بما يفترض أنها ممارسات جنسية «منحرفة» مثل الجنسية المثلية
و/أو
ممارسة الجنس مع عدد من الشركاء، وكان الإيدز بمثابة استعارة للعقوبة الموقعة على النشاط
الجنسي
المحظور. يعتبر «الجاذبية المميتة» الممارسات الجنسية أمورًا خلقية وبالتالي يستعير بوضوح
هذا
النموذج التنظيمي من حيث إنه يرى أيضًا أن الأنشطة الجنسية «الفاسقة»، التي مارسها دان،
عامل
مساعد على الوصول إلى حالته الخطيرة؛ لأنه تحدى معتقدات الزواج والزواج الأحادي لصالح
جنس طارئ
يُعتقَد أنه تسبب في هذا العقاب القاسي الذي تعرض له.
وطبقًا لمنطق الفيلم، تؤدي أي ممارسات غير الممارسات الجنسية الطبيعية والقانونية
إلى نتائج
مميتة، خاصة أي نوع من الجنس الطارئ أو غير المخطط أو غير المَحمِي. ويمكن أيضًا تفسير
هذا
التلازم بين الجنس والخطر بحقيقة أن مأزق دان والمأزق الذي يشعر به مَن يصابون بالإيدز
نتيجة
الاتصال الجنسي يرتبطان بالمثل بسلوكيات لذيذة، سلوكيات لا تتكشف أخطارها إلا لاحقًا.
يسلم وصف
الفيلم بأنه حكاية خلقية عن هذا الارتباط الذي عرف حديثًا بين الخطر والاتصال الجنسي
وعُرِف على
نطاق واسع بأنه يضع نهاية لعصر من «الجنس الطارئ» بدقة لأن نتائج السلوكيات التي اعتبرت
ذات يوم
غير ضارة ليست خطيرة فقط، لكنها مميتة غالبًا. بالإضافة إلى أن سرعة الفعل في مقابل ديمومة
البلاء يتردد صداه مع خطة ألكس للاحتفاظ بالطفل؛ كما يقول دان في توسل يائس ليجعل ألكس
تعيد
التفكير في قرارها: «فكري في هذا فقط، سوف نعيش مع هذا بقية حياتنا.»
يقدم القياس المنطقي بين الزنا والإيدز، أيضًا، ألكس باعتبارها المرض — تكتب ليندا
روث
ويلمز: «في ذلك طُرِح «الجاذبية المميتة» باعتباره حكاية خلقية عن الإيدز ونتائج الجنس
الطارئ،
يطرح ألكس باعتبارها عاملًا معديًا — إنها في الوقت ذاته وسيلة العدوى وموضع العرَض»
(٢٠٠٥م: ٥٤).
في هذه الصيغة، ألكس، أولًا، حاملة فيروس الإيدز، والنوم معها هو الفعل الذي يصيب دان
بالعدوى؛
لذا يجب أن تُعتبر الشخص الذي تظهر فيه أعراض المرض. إلا أنه بمجرد انتقال المرض إلى
دان، لا
يحصل على مأوًى فقط؛ لأنها أيضًا المرض الذي يتعرض له، الفيروس الذي لا يستطيع هو نفسه
أن يتخلص
منه. وهكذا تكون ألكس حاملة المرض والعرَض، ولا يستطيع دان أن يهرب مما فعلته به أو يهرب
منها.
مثل بلاء متكرر، تتكرر ألكس بشكل غير متوقع وغير مناسب، ويؤكد كل ظهور لها أنها وضع دائم
في
حياة دان.
أيضًا، يظهر دان حاملًا للمرض في حد ذاته؛ حيث تبعده الإصابة بالمرض عن أسرته، وتفصله
عن
عالمها الآمن الصحي الهادئ. وفي الوقت ذاته، عليه حماية أسرته بإخفائها عن ألكس، وبالتالي
حمايتها من التلوث. كما تقول جودت وليمسون
Judith Williamson:
٢٠ «إذا كان التهديد الضمني هو العدوى، فيجب أن يكون خوف دان ببساطة وصول
ألكس/الفيروس إلى زوجته وطفلته» (١٩٩٣م: ٦٧). يعبر، أيضًا، هذا التماهي لألكس بوصفها
كائنًا معديًا عن
اهتمام الفيلم بحماية حدود بيت العائلة، وهي عبارة مجازية تم تناولها في الفصل الأول
بجلاء
واستفاضة. كل مدخل تحاول ألكس أن تيسره، سواء بالتليفون أو شخصيًّا، يغلقه دان باشمئزاز
متزايد،
وهو تفاعل يرتبط باعتباره ألكس عاملًا ملوِّثًا. هكذا يربط الفيلم النشاط الجنسي المحرم
— حيث
تدخل الأجساد فضاء محرَّمًا — بنوع من التدنيس يؤدي إلى مرض مستعصٍ؛ لأنها تتخطى دفاعات
الجسد.
وكقياس منطقي بالنسبة للزنا، يقدم الإيدز مقارنة مناسبة؛ لأن الجسد الذي يتحطم بالإيدز
جسد لم
يعد قادرًا على حماية نفسه من غزو المرض، وتعكس هذه الحالة ضعف مناعة بيت جاليجر؛ حيث
إنه أيضًا
يتعرض حديثًا لاقتحامات غير مرغوبة. إن اقتحام ألكس لبيت جاليجر في الفصل النهائي مناسب
تمامًا
لهذه الاستعارة؛ لأنه يوحي بأن الأفعال غير القانونية التي اقترفها دان أوهنت ما كان
من قبل
جسدًا سليمًا. وقد تمزَّق، بدلًا من ذلك، إربًا بالاضطراب العاطفي والحادثة وعدم الثقة
والعنف
وخيبة الأمل، تفقد البنية العائلية في البداية الدفاعات التي تصد المقتحم غير المرغوب.
يستعير
قيام بيث، وليس دان، بشل حركة ألكس في النهاية منطقه من هذه الصيغة أيضًا؛ لتقديم ترياق
لعدوى
ألكس، يجب أن تكون بيث جسدًا طاهرًا، وهو ما لا ينطبق على زوجها.
الزنا والترقِّي
تهاجم الخيانة في «الجاذبية المميتة» الأسرة من الخارج وتفجرها من الداخل، إلا أن
المنطق
المكاني للعلاقة الغرامية يتقدم جانبيًّا أيضًا؛ حيث تؤدي إلى نزيف في كل جوانب حياة
دان. نتيجة
العلاقة الغرامية، يشارك دان بدون قصد في الثالوث المدنس للأعمال «الفاسقة» — يتسبب في
وجود طفل
خارج رابطة الزواج، ويؤيد الإجهاض، ويواجه الطلاق من زوجته. وهكذا تضع دان خيانتُه في
تماسٍّ مع
مجموعة مواقف، وتطلب مساهمته فيها، مواقف تهدد وضعه كفرد مستقيم خلقيًّا، ومساهمات تلطخ
بدورها
صورته، وكانت نقية من قبل، بوصمة الجريمة. وبسبب الزنا الذي اقترفه دان يتحول بسرعة من
طفلٍ
نموذجي بالنسبة لأخلاق الغالبية، من رب الأسرة الطيب الملتزم بالقانون، إلى النقيض: طلاق
محتمل
وطفل غير شرعي، إلى رجل يكذب على البوليس ويلجأ إلى العنف والقتل.
تؤكد حقيقة أن الفيلم يرسم سقوط دان بهذه المصطلحات التراجيدية — يرتبط الفيلم تقريبًا
بالكتاب المقدس في تصميمه على العقوبة السريعة الصارمة — تؤكد استثماره الضخم في حماية
ما يراها
أسسًا عائلية قويمة، كما يبرهن على ذلك موقفه من الإجهاض. وتعتمد أيضًا هذه الأسس على
الترابط
بين الأسرة والعمل وتصورات الحلم الأمريكي حيث يبدأ دان الفيلم رأسماليًّا صاعدًا يتعهد
بالإخلاص لأسرته وعمله، ويبدو أن حياته تتقدم إلى الأفضل بالنسبة لمهني مدني شاب. إنه
على وشك
أن يصبح شريكًا، وهو وبيث يعتزمان الانتقال إلى الضواحي حيث سيمتلكان بيتًا.
تُلقَى هذه الخطط، رغم ذلك، في حالة فوضى نتيجة للزنا الذي يقترفه دان. ويعبر التمزق
بحدة
عن الطرق التي يؤثر بها الزنا على مبادئ الملكية العملية التي يتم على أساسها التنبؤ
بالنهوض
الاقتصادي والاجتماعي. يشترك الزواج والملكية الخاصة في الاستثمار في تصور أن الناس يمكن
أن
تكون لهم حقوق لدى أناس آخرين، وفي الأشياء المعدة للشراء. ومع أن الزواج محير عادة في
الأحاديث
العامة باعتباره علاقة حب لا علاقة ملكية، إلا أن ميثاق الزواج يشرع عملية تأمين حركات
الشخص
الآخر وتصرفاته. ربما لا يملك أحد الزوجين الآخر، لكن لكل منهما الحق في مراقبة الآخر،
وتحديد
أين يمكن لجسد الآخر أن يذهب وأين لا يمكن أن يذهب. يعيق الزنا هذا النظام من الحقوق؛
حيث يسلم
المخطئون بمدخل للأجساد ليس لهم عليه «حق»، وهو تدخل يعبر عن حقيقة أن الزنا الذي اقترفه
دان
يهدد أيضًا مساهمته في نظام رأسمالي يفترض أنه يقوم على مفاهيم الملكية الخاصة. ويتشكل
هذا
الرباط بملاحظة أن وجود ألكس، المتجدد باستمرار، في حياة دان لا يمثل خطرًا على استقراره
العائلي فقط، لكنه يهدد أيضًا نجاحه الوظيفي؛ حيث تتدخل ألكس فعليًّا في مساره المهني
حين تظهر
في مكتبه وتزعجه بتكرار الاتصال به هناك. ويعكس التصرفان إيمان ألكس بأن لها حقًّا على
دان،
ويشيران بالتالي إلى فشل دان في الحفاظ على جسده «لمالكته» الحقيقية؛ زوجته. وحين يأخذ
دان ألكس
داخل مكتبه، تعبر النظرات المرتبكة لمساعدته وأفضل أصدقائه عن التعرف على أن هناك غريبة
أُدخِلت إلى الفضاء، متطفلة يشير وجودها إلى عجز دان عن حماية مكتبه أو جسده من
الاختراق.
يُلقَى الضوءُ أيضًا على التهديد بأن حق ألكس على دان سوف يعوق طموحاته المتصاعدة
حين يخطط
دان ورئيسه لغداء يُفترَض أن يناقشا أثناءه طلب دان ليكون شريكًا. في وسط العثور على
موعد في
الأجندة لهذا الغداء، تقاطع دان مساعدتُه التي تخبره بأن ألكس فورست تتصل مرة أخرى. يبين
تدخل
ألكس المدى الذي تشتت به المقاطعة الشخصية الوعد المهني؛ ينبثق وجودها خلال المحادثة
تذكيرًا
حادًّا برياء دان «رب العائلة». بالمثل، قبل هذه المقاطعة مباشرة يمزح دان ورئيسه حول
المنزل الذي
تشتريه أسرة جاليجر في الضواحي، وهي محادثة تؤكد المدى الذي تُلتمَس به بنشاط الطبيعة
المغايرة
heteronormativity وتُكافَأ في القطاع الوظيفي. تحدث لحظة
الموافقة على الشراكة مع فكرة شراء البيت، إلا أنها إشارة أخرى إلى الكيفية التي تدعم
بها
التعهدات المتعددة لدان حيويته المهنية. يرتبط كشريك، بوضوح، بوضعه كساكن متوقع من سكان
الضواحي، إلا أن الزنا يهدد الهويتين حيث يفتقر وصف دان بأنه رب عائلة بها امرأة واحدة
إلى
المصداقية. باختصار، تلتف ألكس حول صعود دان سلم الشراكة؛ لأن لديها إمكانية أن تفضح
كمخطئة
الهويات المتعددة التي يحتاج إليها لتحقيق النجاح المهني. وبهذه الطريقة، يخضع الفيلم
لمقولة
باري كيث جرانت
٢١ عن «سينما الرعب اليوبي
yuppie horror film»، وهو
جنس فني عرَّفته بأنه يخاطب مخاوف ثقافة الوفرة في فترة الركود. وكما تبرهن، نتيجة تثبيت
سعر
الثراء الوافر في المنظور اليوبي العام، يهدد الوحش «الحياة» أقل مما يهدد «أسلوب حياة»،
وهذه
الملاحظة تصف بشكل مناسب التأثير الضار لألكس على التطلعات المهنية لدان (٢٠٠٤م: ١٦٦).
يقدم الفيلم نقطة مماثلة حين تقاطع ألكس بالمكالمات التليفونية حفل عشاء بيث ودان؛
حيث يمزح
دان مع أفضل أصدقائه عن الترقية الوشيكة. ينكت دان مع صديقه بملاحظةِ أنه بمجرد أن ينجز
عقد
الشركة وينتقل إلى الضواحي، لا يمكن أن يتوقع أن يراه في كل عطلات نهاية الأسبوع. توحي
المقاطعة
النافذة التي تحدثها مكالمة ألكس بأن العلاقة الغرامية تعرض للخطر الارتباط ذاته بين
الطبقة
والخصوصية، وهو ما تحاول محادثة دان أن تفرضه. يستلزم صعود سلم الشراكة وجودًا خاصًّا
جدًّا — منازل
أكبر وسيارات أكبر وفضاء أوسع، أعني بينك وبين جيرانك. إلا أن الزنا يعيق هذا الامتداد
المكاني؛
لأنه يبدو أن دان خسر بدقة هذا الحق في الخصوصية نتيجة علاقته الغرامية. إنه يتخلى خاصةً
عن
قدرته في الحفاظ على بيت منفصل، على مكان يستطيع فيه السيطرة على فضاء هو في الحقيقة
الوعد
الضمني للملكية.
ويُلقِي عجز دان عن صيانة فضائه الحياتي أو فضاء العمل، كملكية خاصة، الضوء أيضًا
بشكل ساخر
على عجزه في المجال الذي يُفترَض أنه خبير فيها. دان محامٍ في حقوق النشر، وهو نظام يضمن
للناس
الاحتفاظ بما يبتكرونه، بحيث تُعرَّف ملكية المرء، رغم ذلك، بشكل غريب، بأنها لا يمكن
أن
تُسرَق. بينما يكسب دان رزقه من هذه المعرفة — تصوره إحدى محادثات العمل الأساسية التي
ينهمك
فيها وهو يجادل في أن هذه الحالة من الانتحال لا يمكن إثباتها — إلا أن عثراتِه الشخصيةَ
تُبقِي
أسرته عرضة لأنواع مماثلة من السرقة. ما تريد ألكس أن تفعله، في الحقيقة، هو أن تدعي
لنفسها
الحق في أسرة دان، أي أن تنتحل نسخة عائلة جاليجر لنفسها. يصبح هذا الانتحال الأسري ممكنًا،
رغم
ذلك، نتيجة الأعمال الفاسقة؛ لأنها تجعل أسرته عرضة للاختراق وتجاوز مبدأ حقوق النشر.
وتوحي
التصرفات الجنسية التي يقوم بها دان بأنه لم تتم حماية حقوق النشر لا لجسده ولا لأسرته،
وهكذا
يمكن أن يؤخذ ما له هو وبيث — أعني حبهما وأملاكهما، وحتى ابنتهما — ويتناسل بشكل غير
قانوني،
بالضبط كما تأخذ المنتحلة أفكار الأخرى وتدعيها لنفسها. ويمكن أيضًا قراءة حمل ألكس بأنه
محاولة
انتحال؛ لأنها تريد جسديًّا وحرفيًّا إعادة تشكيل الأسرة التي كوَّنها دان بالفعل، وتعيد
تشكيل
أسرة جاليجر كنقيض سلبي تحتل فيه دور الزوجة والأم.
٢٢
وتكشف انتهاكات ألكس لحقوق النشر فشل دان في الحصول على براءة اختراع عائلته، ولأن
ألكس
توضح عجزه في المجال الذي يكسب منه رزقه؛ فهي تهدد وضعه كرأسمالي صاعد. وفي الوقت ذاته،
يوضح
الفيلم أن الهويات الرأسمالية يجب الحفاظ عليها بأي ثمن، مشجِّعًا الاعتقاد بأن على الأشخاص
القيام بعمل فردي، مهما يكن عنيفًا، للحفاظ على ممتلكاتهم «المستحقة» وحمايتها. بمعنًى
أشمل،
يستثمر الفيلم في الليبرالية الجديدة، نموذجًا سياسيًّا جغرافيًّا
geopolitical يشجع المواطنين على تحمل «مسئولية شخصية»،
للتأثير على شفرة لحقيقة أن الحماية والدعم بمجرد أن تفترضهما الحكومة ينتقلان إلى القطاع
الخاص، وإلى عالم الأسرة. ويتفق «الجاذبية المميتة» مع رأي عام لليبرالية الجديدة في
إيمانه بأن
الفرد مخوَّل بالملكية الخاصة ويستحقها، وأيضا في اعتقاده بأن على الفرد حماية ملكيته
الخاصة لا
أن يكل هذه المهمة إلى «دولة الرفاهية» المضطربة. كما تشرح جانيت كارستن لارسون
Janet Karsten Larson، في رؤية لفيلم لان:
الفرضية العقلانية الموجودة للسلوك هي فنتازيا اليوبي عن الفرد الخاص، الذي يعيش مع
«أسرته الصغيرة» في «شقة» ويدعي الحق في القتل دفاعًا عن «ملكيته الخاصة». المغزى الصريح
للفيلم عن أن عدم الكسب من رذائل الرجل خاصة بقدر خصوصية السبب العام لعُصَاب ألكس: في
هذا
النظام الاجتماعي تكون الأفعال الشاذة والمعاناة، في أسبابها ونتائجها، مفهومة أو تعويضية
أو انتقامية بطرق فردية تمامًا.
(١٩٨٨م: ٧٩)
وتشيد مقولة أن الزنا قد يؤدي إلى كسب فردي أو خسارة فردية فهم الفيلم للأسباب التي
تجعل ما
يقترفه دان من أعمال خارج إطار الزواج خطأ، ويقدم أيضًا الحلول التي يتخيلها لتصويبها.
يدعم
«الجاذبية المميتة» مقولة حركة الصعود المفترض على نموذج افعلها بنفسك؛ حيث لا يكفي العمل
بجدية وحده لتحقيق الثراء المبتغى — أعني بيتًا رائعًا في الضواحي، بعيدًا عن الانحطاط
الحضري
الرديء — لكنك ستكون مسئولًا عن التغلب على المنافسة التي تكمن في الطريق. وتفسر هذه
الروح العامة
التي تشكل الفيلم استثماره في قضاء الوقت مع أسرة جاليجر وهي تبدأ محاولة السكن في المنزل
الجديد وإعادة تنظيمه — يساهم الجميع، بما في ذلك والدا بيث، أثناء عملية الانتقال، في
فك الأثاث
ونقله، ودهان المسكن الجديد. ويبرهن تركيز الفيلم على الأسرة باعتبارها مكمن القوة أيضًا،
رغم
ذلك، على الارتياب في أي جماعة خارجية.
ويتجلى الارتياب بأوضح صوره في تصوير الفيلم للبوليس؛ حيث يبدو الشرطي الذي يتوسل
إليه دان
لطلب الحماية مذهولًا من موقف دان ولا يعرف ماذا يفعل. تفتقر هذه البنية التحتية المؤسسية
الضعيفة إلى الرغبة أو الوسيلة الواضحة لبتر الإرهاب المنزلي الذي تمارسه ألكس، وهكذا
تقع مهمة
إخضاعها على كاهل الأسرة نفسها، مما يشجع النقاد على أن يدَّعوا أن «الأسرة التي تقتل
معًا،
تبقى معًا.» وبينما جاء هذا الشعار عفويًّا، إلا أنه يؤكد بدقة استثمار الفيلم في إقصاء
الأسرة
بعيدًا عن أية مسئولية اجتماعية أو اعتماد اجتماعي. وطبقًا لهذا المنطق، لن تقوم مؤسسة
أو وكالة
بإنقاذ دان، بصرف النظر عما تتصف به تصرفات ألكس من إجرام. يشهد عالم الليبرالية الجديدة
فقدان
ثقة في التنظيمات المؤسسية ويضع القوة المخولة لهذه المؤسسات في أيدي الأفراد، ويسلِّحهم
بالإمكانيات (والبنادق حرفيًّا) لحماية أنفسهم. وهكذا يمكن أن تُعتبَر هزيمة ألكس في
نهاية
الفيلم انتصارًا لروح الليبرالية الجديدة في مواجهة الزنا المدنس. بينما يلوث الزنا،
ملطِّخًا
الأجساد والفضاء العائلي، يعمل مبدأ الوكالة الشخصية والإخلاص العائلي في تناغم معه،
ويعيد
تأكيد نظام عالم تمت خصخصته بصرامة حيث يبقى الناس في بيوتهم، ويحمون هذه البيوت، ولا
يجازفون
بالخروج لمساعدة أنفسهم أو الآخرين.
وهكذا يكون «الجاذبية المميتة» فيلمًا ساخرًا بعمق؛ حيث يؤكد عددًا من الآراء السائدة
التي
جاءت لتؤسس الحياة العامة في فترتها التاريخية وبعدها. يشك الفيلم في أن تأتي قوة المساعدة
العامة لإنقاذ المرء، تاركًا هذه الحماية لرؤية الأسرة نفسها. ويشك في المواجهة العابرة
أو
اللقاء العرَضي، ويعتبر أنهما فرصتان خطيرتان للرذيلة. ويؤكد على النشاط الجنسي باعتباره
يأخذ
الحياة لا يؤكدها، وباعتباره قوةً من الأفضل أن تُكبَح خشية أن تؤدي إلى إنجاب أطفال
غير
مرغوبين أو الإصابة بأمراض غير مرغوبة. ويشك في لذَّات العلاقة العارضة، موحيًا بأن الألفة
لا
تصبح شرعية إلا حين يكرِّسها قَسَم الزواج، ويشجع عدم الثقة في العلاقات الأخرى التي
ليست
الخاصية المغرية لها إلا حيلة أو قناعًا للحوافز الثانوية. إنه يشجع الانقسام بين الجنسين،
ويطلب من الرجال الارتياب في النساء؛ لأن النساء يملن للكذب بشأن حوافزهن الجنسية، إلا
أنه يتهم
بدوره الرجال بسبب هذه المراوغات. يشجع النساء، في الوقت ذاته، على الارتياب في الرجال،
قائلًا
لهن إن الرجال الذين يبدون ملتزمين وشرفاء، وهم، في الحقيقة، سعداء تمامًا، إلا أنهم
قد لا
يكونون فوق الإغواء، إغواء ربما يؤدي إلى اضطراب رهيب. يقول للزوجات إنهم في حاجة إلى
أن يأخذن
أزواجهن إلى فيلم مرعب للتأكد من إخلاصهم، وأن الزوج المروَّع أهم من الزوج القانع. يحرر
الفيلم
المشاهدين، مشكِّكًا في العفوية، من فكرة أن الحياة يمكن أن تكون زئبقية، أو أن الناس
يمكن أن
يقوموا بنزوة بدون أن يضعوا العواقب في الاعتبار.
وهكذا يمكن رؤية معالجة «الجاذبية المميتة» للنشاط الجنسي، باختصار، باعتبارها مؤيدة
لنظام
عالم متشكك وغير متسامح، وخصوصي بإصرار. بينما يشجع الفيلم المشاهدين الذين يجدون لذة
في حكايته
الخلقية، وربما استخدموا الفيلم لدفع الأزواج بالعار والفزع إلى لمس الخط الجنسي، إلا
أن
المحاولة الناجحة جدًّا للفيلم في الانضباط الجنسي تفقد شيئًا عميقًا في العملية؛ لأنه
يقدم
الرسالة المؤلمة والمحبطة في النهاية بأنك إذا خاطرتَ فربما تخاطر بفقد كل ما تعرف وتحب.
بينما كان الفيلم يُقدَّر بحق كردٍّ على المداعبة الجنسية، وربما كانت الطريقة التي يغذي
بها
الروح السائدة عن الخوف والارتياب أكثر إثارة للهلع. يوحي نظام العالم في «الجاذبية المميتة»
بإحساس عميق بالكفر بالعالم والبشر والعمل العفوي. يقول: من الأفضل لنا أن نُترَك مع
مَن نألفهم
مِن أن نترك مع مَن قد نجد أنفسنا نبتعد عنهم بدون سبب. ويقدم الفيلم، في الأساس، دفاعًا
عن
المصابين برُهاب الغرباء ضد الاختلاف، مبرهنًا على أن المجهول يجب أن يُخشَى، وألا يوثق
به،
ويجب التسلح ضده. ونُلقي في الفصل التالي نظرةً على الطرق التي أصبحت بها سموم هذا الوضع،
والرأي
العام المختزل نحن ضدهم us-against-them، إطارًا تنظيميًّا
للمناظرات الأنثوية في الوقت الحاضر.